ناقش المشاركون في المؤتمر نقاط الضعف والقوة في الروايات والسرديات المتعلقة بالتأليف التاريخي العربي، موضحين أن هناك وجهات نظر متعددة وتفسيرات جديدة للسرديات القائمة، ومؤكدين أن السرديات التاريخية تنطوي على العديد من القيود، ومحددة بالوقت والسياق الثقافي والعوامل السائدة حين كتابتها.
وأشار المشاركون إلى ضرورة التمييز بعين الناقد بين الأدلة الواقعية والزخرفة والعناصر الذاتية المنسوجة بشكل معقد داخل السرديات نفسها، وذلك للمساهمة في فهم أكثر دقة وشمولية للتراث والأحداث والشخصيات التاريخية، والكشف عن التحيزات التي تمتاز بها السرديات المتداولة من خلال مواجهتها، ووضعها تحت مجهر النقد الصارم للكشف عن وجهات نظر جديدة قادرة على تقديم رؤى جديدة للأحداث التاريخية الغامضة، وتقديم تصور أكثر شمولا وتمثيلا للأصوات والخبرات والمساهمات المتنوعة في النسيج التاريخي.
وقد تناول د. باسم الجمل المدير التنفيذي لمركز مجتمع للدراسات الثقافية والتاريخية، موضوع إعادة قراءة التاريخ العربي من خلال أسس معرفية جديدة، ترتكز على نقد السرديات التقليدية التاريخية والدينية، بعيداً عن تأثير بعض قراءات الاستشراق الأوروبي، خصوصاً اللاهوتية التي حرّفت فهم النصوص التاريخية القديمة، وأخرجت هذه النصوص من سياقاتها التاريخية والجغرافية.
خمس أوراق بحثية
شهد المؤتمر تقديم خمس أوراق بحثية تناولت موضوعات متعددة تتعلق بنقد السرديات التاريخية. الورقة الأولى كانت للدكتور عبد الإله بلقزيز بعنوان "ما الحاجة لنقد السرديات؟"، حيث ناقش فيها أهمية مراجعة السرديات التاريخية. تلتها في الجلسة الثانية ورقة الدكتور عدنان ملحم بعنوان "خبرة نقد السرديات التوراتية في الفكر الحديث"، والتي أثارت نقاشات حول تأثير الدراسات العربية على هذا الموضوع.
في الجلسة الثالثة، قدمت الدكتورة ناجية الوريمي ورقة بعنوان "نقد السرديات في منظومة التفسير"، حيث تناولت طرق تفسير النصوص المختلفة. أما الورقة الرابعة فكانت من إعداد الدكتور زهير المالكي بعنوان "نقد السرديات في التأليف التاريخي الإسلامي"، والتي أظهرت أهمية دراسة الإسرائيليات في التراث الإسلامي. واختتم المؤتمر بورقة الدكتور يوسف الشويري بعنوان "النقد التاريخي وسرديات الفكر العربي"، التي تناولت تطور الكتابة التاريخية العربية.
تخلل الجلسات تعقيبات ومشاركات من أكثر من خمسين باحثًا ومفكرًا يمثلون مختلف الدول العربية والإسلامية. مما أضفى غنىً على النقاشات. وقد اتفق المشاركون على ضرورة إعادة دراسة السرديات التاريخية العربية والإسلامية بشكل موسع لمواكبة مستجدات العصر واللحاق بركب الحضارة الإنسانية.
وفي مداخلته أشار د. يوسف أبو عواد المختص في الدراسات اللسانية العربية، إلى أن جزءًا كبيرًا من السرديات هدفها إقناع متلقيها واستمالته، وأن من يضع السردية لا يلتزم الصرامة العلمية ولا يقاربها في نقل الأخبار، إذا أن كثيرًا ما تعتمد السرديات على الخيال أو على أخبار عن حوادث قد تصرمت في الزمان، وأن صاحب السردية غالبًا ما يخلط بها الوقائع ليخرج بنسيج لغوي له طابع قصصي جذاب لتحقيق غرضه في استمالة الآخر.