وقد حاول ألتوسير من خلال مريديه أن يعطي دوراً للمنظرين في قيادة الحركة الشيوعية في فرنسا، التي كان يسيطر عليها أعضاء اللجنة المركزية للحزب ذوو الخط اللينيني الأرثوذوكسي، ويمكن القول: إن هذا الملمح يشكل عنصراً أساسياً في مشروع ألتوسير الفلسفي، وسيظل ملازماً له، بوصفه رائداً للإبداع النظري المتجدد للماركسية، ولكن هذا الانهمام بالتنظير الفلسفي ربما كان له جانب سلبي، بدا واضحاً إبان أحداث عام 1968؛ بسبب عدم مشاركة ألتوسير الفاعلة في هذه الثورات، ما أدى إلى انفضاض بعض المريدين من حوله ممن كانوا من ضمن الخلية الحزبية التي كان يرأسها، والحقيقة أن ألتوسير كان إبان هذه الأحداث نزيل المصحة النفسية، ولا يمكن الجزم بأنه التزم تعليمات الحزب الشيوعي السوفييتي القاضية بالتزام الحياد.
بالرغم من أن الحديث عن مدرسةٍ ألتوسيرية يعد ضرباً من المبالغة، إلا أن الحديث أيضاً عن ألتوسير بوصفه فيلسوفاً منفرداً يعد تجنياً على النهج الفلسفي الذي أرساه ألتوسير، واشتهر بقراءاته الخاصة للماركسية التي كان لها تأثير كبير في كثير من المفكرين على الصعيد الثقافي والتاريخي. ويمكن القول إن التيار الذي خلقه ألتوسير قد ازدهر من سنة 1963 إلى سنة 1979، أي منذ ظهور المقالات التي جُمعت في كتابه (من أجل ماركس)، إلى ظهور المؤلف الأخير (أوضاع ومواقف).
مع ظهور الملامح الأولى لمشروع ألتوسير الفكري، شهدت الساحة الفكرية مساجلات لا حصر لها حول هذا المشروع، وكانت في الأعم الأغلب تتخذ الطابع الإيجابي الممزوج بالدهشة حيال اشتغالاته المبتكرة، وقد ساعد التماسك النظري لطروحاته حول مؤلفات ماركس في بلورة مواقف إيجابية حيال فلسفته، وربما يكون تلامذة ألتوسير وزملاؤه في الوسط الأكاديمي هم أشد المتحمسين لقراءته الفريدة لماركس، ولكن هناك أيضاً آراء سلبية تجاه قراءته لماركس، وحاجج البعض أن ألتوسير قوّل ماركس ما لم يقله، أو أنه اخترع نسخة خاصة به من ماركس لا تمت بصلة لماركس الحقيقي.
وربما يكون المَعْلمُ الأساسي لقراءة ألتوسير للماركسية التي أثارت كل الجدل هو إصراره على تخليص الماركسية من القراءة الهيجلية التي لا تصلح إلا للأعمال المبكرة، وتدشين قراءة جديدة من منظور جديد تغلب عليه النزعة العلمية.
ومن الملاحظ أن فكر ألتوسير وتنظيراته الفذة قد استطاعت النفاذ للثقافة الأمريكية عن طريق تلامذته الكثيرين، بالرغم من التحفظ الذي أبداه الأمريكان تجاه شخص ألتوسير؛ لصلته القوية بالحزب الشيوعي الفرنسي.
ربما تكون مقالة ألتوسير التي عنوانها: "الأيديولوجيا وأجهزة الدولة الأيديولوجية"، من أكثر المقالات تأثيراً على صعيد التنظير في مباحث الأيديولوجيا، ويمكن القول: إن ألتوسير قدم في هذه المقالة ما يمكن اعتباره نظرية ماركسية في الإيديولوجيا، وقرر أن الدولة بحسب فهم لينين تتدخل بشكل لا لبس فيه، فتقف إلى جانب مصالح الطبقة البرجوازية ضد البروليتاريا. لقد أراد ألتوسير من خلال نظريته في الإيديولوجيا ردم تلك الفجوة الفاضحة في النظرية الماركسية وهي: "تفسير كيف يتم بالفعل إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية القائمة"، وقد أجاب ألتوسير على التساؤل السابق عندما اكتشف -فيما يشبه الإلهام- أن الأيديولوجيا هي الآلية التي تستعملها الطبقة البرجوازية لإعادة إنتاج هيمنتها الطبقية. وربما يكون قد ترتب على هذه المقالة تداعيات كثيرة فيما يخص النظريات الجديدة؛ مثل نظرية (ما بعد الاستعمار)، ونظرية (الجندر)، والتنظيرات الخاصة بالسلطة والمعرفة.
اتخذ ميشيل فوكو، زميل ألتوسير الألمع، موقفاً سلبياً من قراءة ألتوسير، فبالرغم من الأسس المشتركة التي تجمع الرجلين؛ مثل الرؤية البنيوية، وإنكار النزعة الإنسانية، إلا أن فوكو لم يكن يشاطر ألتوسير الرأي حول علمية الماركسية وتجاوزها للنزعة الإنسانوية، وقد ضمّن ميشيل فوكو رأيه هذا بكل صراحة في كتابه (الكلمات والأشياء)، وربما يعزى اعتراض فوكو هذا إلى موقفه الرافض والمتشنج إزاء ماركس. ولكن فوكو عاد واعترف بوجود صيغة غير مؤنسنة من الماركسية، وكأنه يشير بذلك إلى النسخة الألتوسيرية من ماركس. ويحاجج باليبار في هذا الصدد بالقول: إن فوكو عندما كتب (الكلمات والأشياء) لم يكن لديه اطلاع على اشتغالات ألتوسير، وأن رأيه بدا مختلفاً في (آركيولوجيا المعرفة)، حيث تحدث عن ماركس مختلفٍ، منظوراً له بعيون ألتوسيرية.
وهذا يولد بالطبع المزيد من الجدل حول أثر ألتوسير في اشتغالات فوكو في التاريخ والاقتصاد والفكر. وبالرغم من موقف فوكو هذا، إلا أن الفكرة المركزية التي قامت عليها فلسفة فوكو التي صاغها بفكرة "موت الإنسان"، هي بلا شك فكرة تجد مرجعيتها في أفكار ألتوسير حول اختفاء الذات في تحليل الخطابات، وسواء اعترف فوكو بذلك أم لم يعترف، فإن تأثره بألتوسير يمكن الاستدلال عليه بسهولة، حيث تبدو فكرة فوكو تطويراً لفكر ألتوسير. وقد اختتم ميشيل فوكو كتابه (الكلمات والأشياء) بعبارة بليغة، تعبر عن فلسفة موت الإنسان، حيث يقرر أن "الإنسان سوف يندثر مثل وجه من الرمل مرسوم على حد البحر".
يعتبر إتيان باليبار من أهم تلامذة ألتوسير وأوسعهم تأثيراً في حقل الفلسفة السياسية، وقد كان أحد المساهمين في تأليف كتاب (قراءة رأس المال)، وهو مثل أستاذه ألتوسير، ناضل في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي حتى بداية الثمانينيات، حيث تم طرده من الحزب؛ بسبب مقالة له في انتقاد الحزب.
ويعد جاك دريدا من أكثر التلاميذ إخلاصاً لألتوسير، بالرغم من الافتراق النهائي بينهما على الصعيد الفلسفي، فقد دشن دريدا تقليداً فلسفياً جديداً ربما يكون مضاداً لبنيوية ألتوسير، فالتفكيكية التي أبدعها دريدا هي تفكيك للعقل البنيوي (الفرنسي على وجه الخصوص)، بعد أن اكتشف دريدا أن البنيوية ما هي إلا كانطية جديدة مع فارق وحيد، هو عدم وجود ذات في البنيوية. وقد كان دريدا هو الراعي لبرنامج تأبين ألتوسير بعد وفاته؛ اعتزازاً وتقديراً من دريدا لعظمة ألتوسير الفكرية.
أما ألن باديو، فقد بلور مشروعه الفلسفي انطلاقاً من المبادئ الأساسية التي استلهمها من ألتوسير، تلك المبادئ التي حافظ عليها لغاية اليوم. لقد تعلم باديو من أستاذه ألتوسير اعتبار الفلسفة صراعاً طبقياً، ولكنه صراع داخل النظرية.
ويشير عبد السلام بنعبد العالي الى اكتشاف ما أسماه نفحة وضعية عند ألتوسير وجماعته، وليس المقصود هنا النزعة الوضعية التقليدية، حيث إن تيار ألتوسير يناصب الوضعية العداء، ولكن، "كل ما في الأمر أن صاحبنا يحرص على دقة التعبير واختيار اللفظ".
ويعتبر ألتوسير كاتباً صعباً وغامضاً، فهو في بعض أعماله يتخلى عن هدف توصيل فكرته إلى القارئ من أجل هدف فارغ، هو توخي الدقة في موضوع هو بطبيعته يفتقد الدقة، غير أن ألتوسير ينجح في إضفاء حماس حقيقي واهتمام شخصي على نظريته قلما نجده عند أتباعه.
كان تأثير ألتوسير واسعاً في الأوساط اليسارية الفرنسية والأوروبية، وحارب كل المحاولات التي كانت تهدف إلى حرف الماركسية عن ماديتها، وبذل جهوداً مستمرة لتخليص فكر ماركس من التشوهات التي أصابته على يد أولئك الذين كان هدفهم الأوحد تحقيق غايات عملية وبرجماتية، حيث نسبوا إلى ماركس نزعة إنسانية شبه مثالية؛ لكي يرضوا مجتمعاً متشبعاً بالأفكار والمبادئ الليبرالية، ويقربوا أفكاره إلى عقول الناس. في مثل هذا المجتمع أحدث ألتوسير تبدلات مهمة في الوعي الأوروبي حول الموقف من الأيديولوجيا، وقد أوضح من خلال قراءته لماركس أن الأخير قد "قطع صلته بالإشكالية التي تعطي الأفضلية للأيديولوجيا في التفسير الاجتماعي".
وقد أدت آراء ألتوسير إلى تحجيم الأيديولوجيا وحرمانها من أية قوة تفسيرية، ولكنه لم يكن يرغب تماماً في إقصاء الأيديولوجيا وإنكار وجودها وتأثيرها. وقد قدم لاحقاً نظرية في الأيديولوجيا من خلال مقالة شهيرة له عنوانها: (الأيديولوجيا وأجهزة الدولة الأيديولوجية)، وقرر في هذه المقالة أن "الدولة على طريقة لينين تتدخل بشكل لا لبس فيه، فتقف إلى جانب مصالح الطبقة البرجوازية ضد البروليتاريا، والدولة تتألف من أجهزة أيديولوجية: (الكنائس والمدارس والنظام القضائي والعائلة والاتصالات والأحزاب السياسية، بالإضافة إلى أجهزة قمعية؛ كالشرطة والسجون والجيش).