بحسب الروايات القرشية، انقسم المرتدون إلى قسمين: الأول، أدعياء نبوة جدد، مثل طليحة بن خويلد الأسدي، وسجاح التميمية، وذي التاج لقيط بن مالك الأزدي. أمّا القسم الآخر، فهم الذين امتنعوا عن دفع الصدقات لأبي بكر، مثل مالك بن نويرة اليربوعي، وبعض بطون كنده بزعامة الأشعث بن قيس الكندي، وقبيلة عنس بقيادة قيس بن عبد يغوث المكشوح. ولكن الروايات القرشية اعتبرت أن أخطر تلك الحركات هي حركة بني حنيفة بقيادة (مسيلمة بن ثمامة)؛ بسبب غناها الاقتصادي، وإمكانياتها السكانية والحضارية. وقد انتهت جميع تلك الحركات برجوع تلك القبائل إلى الطاعة، بل إن بعضهم كُرِّموا من قبل السلطة الجديدة؛ فنرى أن المتنبئ طليحة بن خويلد يعيَّن أحد قادة الجيش الذي يغزو العراق، والأشعث بن قيس يكافأ بأن يصبح صهرًا لأبي بكر ويتزوج أخته (أم فروة )، وقيس بن عبد يغوث المكشوح -بالرغم من أنه قتل داذويه الفارسي- يصبح من قادة الفتوحات، والمتنبئة سجاح تصبح محدثة في مسجد البصرة، وعندما تموت في زمن معاوية، يصلي عليها سمرة بن جندب والي معاوية على البصرة. ولا يكون الاستثناء إلا لشخصين من اليمامة: الأول امتنع عن تسليم الصدقات لأبي بكر، وشهد له عبد الله بن عمر وعمر بن الخطاب بأنه مسلم ولم يترك الإسلام، وبالرغم من ذلك قتله خالد بن الوليد، ووضع رأسه أثافي للقدر، وتزوج أرملته، أما الثاني، فإنّه (مسيلمة)، فمن هو هذا المسمى (مسيلمة)؟
بحسب الروايات القرشية، هو مسيلمة بن ثمامة بن حبيب الحنفي، كان سيد بني حنيفة ومعروفًا في الجزيرة العربية، وكانت قريش تعرفه باسم (رحمن اليمامة). وبحسب الدكتور جواد علي، فإنّ مسيلمة كان ممن جاء إلى مكة ودعا إلى عبادة الرحمن قبل الهجرة، حتى إنهم عندما سمعوا رسول الله يذكر الرحمن الرحيم قالوا: إنه يتحدث عن مسيلمة، يقول السهيلي: " قُرَيْشٌ حِينَ سَمِعَتْ بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قَالَ قَائِلُهُمْ: دُقّ فُوك، إنّمَا تَذْكُرُ مُسَيْلِمَةَ رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ".وقد" قُتِلَ وَهُوَ ابْنُ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً" (السهيلي، الروض الأنف: ج7، ص468).
اختار أبو بكر أحد عشر رجُلًا لقيادة المجموعات؛ هم خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، والمهاجر بن أبي أميّة، وشرحبيل بن حسنة (ينسب إلى أمّه حسنة العدوية، ولا يعرف نسب أبيه (ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة))، وخالد بن سعيد بن العاص، والعلاء بن الحضرمي، وطريفة بن حاجز، وعرفجة بن هرثمة البارقي، وسويد بن مقرن المازني، وحذيفة بن محصن. وبهذا نرى أنه لم يتم اختيار أي قائد من الأنصار، ولم يتم اختيار أي قائد من أفخاذ قريش من حلف المطيبين، ولا من حلف الأحابيش، بل كان جميع القادة القرشيين من حلف لعقة الدم: مخزوم وسهم وعدي.
كانت توجيهات أبي بكر لقادته هي استخدام القوة المفرطة (القتل والحرق) ضد القبائل ممّن يرفض طاعة قريش؛ وذلك لإخضاعها، فقد ذكر الطبري "أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه: أن إذا غشيتم دارًا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة، فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم، ما الذي نقموا؟ وإن لم تسمعوا أذاناً فشنّوا الغارة، فاقتلوا وحرّقوا." (الطبري، التاريخ: ص279)
ويلحظ المتتبع للروايات وجود تضارب بينها؛ فمثلا، زعم الرواة أن اسمه (مسيلمة)، ولكنّ مصعب الزبيري يقول: "ثم مضى خالد بن الوليد إلى مسلمة باليمامة" (مصعب الزبيري، نسب قريش). ومن التضارب أنهم يطلقون عليه اسم (رحمن اليمامة)، وفي الوقت نفسه يقولون إنه كان يدعو لعبادة (الرحمن )، ومؤذنه كان يسميه (رسول الله)، كما يروي ابن تيمية، ولا يوجد من قال إنه ادعى الألوهية، فهل هو الرحمن أم أن إلهه هو الرحمن؟ كما أنهم يدعون أنه قتل وعمره 150 عامًا، ولكنهم لم يفسروا كيف لرجل بهذا العمر أن يغري أمراءه بعمر الكاهنة سجاح ويغويها بقدراته الجنسية؛ حتى تتنازل عن دعوتها وجيشها وتتبعه؟ وكيف لرجل بهذا العمر (رويجل، أصيفر، أخينس) -كما يصفه الطبري- يقاتل كأنه (جمل أورق، ثائر الراس ) -كما يصفه وحشي في السيرة الحلبية-؟ وهل هو قصير -كما يصفه البلاذري- أم قائم كأنه جمل؟ وهل هو عجوز بلغ المئة والخمسين أم رجل مليء بالحيوية والنشاط يقاتل بين الصفوف؟ وكيف لعجوز بعمر 150 سنة أن يقاتل -كما يصفه الواقدي-: "ثُمَّ تَرَاجَعَتْ بَنُو حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ صَاحِبُهُمْ مُسَيْلِمَةُ، حَتَّى وَقَفَ أَمَامَ قَوْمِهِ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ...ثُمَّ إِنَّهُ حَمَلَ، وَحَمَلَتْ مَعَهُ بَنُو حَنِيفَةَ كَحَمْلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَسْلَمُوا سَوَادَهُمْ"(الواقدي، الردة: ص129). كما أنه لم تأتِ رواية تفيد بأنه أسلم، قال ابن حزم: "أما الحكم في أهل الردة فهو أمر مشهور نقل الكواف، لا يقدر أحد على إنكاره...لأنّ أهل الردة كانوا قسمين: قسمًا لم يؤمن قطّ، كأصحاب مسيلمة وسجاح، فهؤلاء حربيون لم يسلموا قط"(ابن حزم، المحلى: كتاب الحدود، مسألة2208).
يقول قائل: إنّ الواقدي كذاب، فالرد أن كل الروايات التي تتحدث عن (مسيلمة) إنما كان مصدرها سيف بن عمر، وهو كذاب أيضا، وأكبر دليل على كذب من روى روايات مسيلمة (القرآن) الذي نسبوه لمسيلمة، وأسموه (قرآن مسيلمة)، فليس من المعقول أن ينخدع عرب اليمامة وهم أصل العربية بكلمات مثل: "يا وبر يا وبر"، أو "يا ضفدعة" . كذلك، فرسول الله وهو يعلم -بحسب الروايات- بمسيلمة، لم يقاتله، ولم يأمر عامله على اليمن بأن يقاتل أهل اليمامة رغم تبادل الرسائل معه، بل إنه في آخر حياته يرسل جيشًا إلى الروم خارج الجزيرة العربية، ولم يفكر بقتال أهل اليمامة. كما أن الصحابي (الرجّال بن عنفوة) الذي أرسله رسول الله إلى اليمامة اتهمته الرواية القرشية بأنه ارتد وانضم إلى (مسيلمة) وقتل معه، ولكن، بفحص الروايات، نجد أنّ رواية قصة الرجال بن عنفوة من أكاذيب سيف بن عمر؛ فهو راوي الحديث عن أبي هريرة: "خرج فرات بن حيان والرجّال بن عنفوة وأبو هريرة من عند رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: لَضرس أحدهم في النار أعظم من أحد، وإن معه لقفا غادر؛ فبلغهم ذلك، إلى أن بلغ أبا هريرة وفراتاً قتل الرجّال، فخرّا ساجدَيْن"، الحديث مكذوب؛ لأن راويه سيف بن عمر المشهود بأنه كذاب، وشاركه في اختلاق الأكاذيب الواقدي الكذاب، وعن طريقه روى القصة ابن سعد والدارقطني والطبري، وفي رواية القصة كذاب آخر هو محمد بن حميد الرازي الذي شهد عليه بالكذب أبو زرعة الرازي.
يتبين مما تقدم أنّ خرافة (مسيلمة الكذاب) إنما كانت نتاج آلة إعلامية، مهمتها تبرير حكم قريش باسم الإسلام.