تحدَّثَ المستعرب الإسباني الدكتور إغناثيو فيرناندو، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، خلال لقائه الإعلامي ياسين عدنان، عبر برنامج "في الاستشراق"، عن نظرة المثقف والأكاديمي الإسباني إلى قضايا الدراسات العربية، أو ما يُعرف في إسبانيا بالاستعراب، بينما يطلق عليه آخرون الاستشراق؛ ولماذا يفضلون في إسبانيا لفظة الاستعراب؟ وما الذي يميِّز الاستعراب عن الاستشراق؟
الاستعراب والاستشراق اصطلاحاً
قال الدكتور إغناثيو فيرناندو ، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس: "قبل أن تأخذنا أطراف الحديث إلى صلب الموضوع؛ لا بد في رأيي من توضيح مسألة مهمة جداً في غاية الأهمية، وهي المسألة الاصطلاحية؛ نحن في إسبانيا نستخدم كثيراً كلمة (الاستعراب) بدلاً من (الاستشراق)؛ لأننا حينما نستخدم الاستشراق نشير إما إلى الاستشراق البريطاني وإما الفرنسي وإما الألماني وإما أنماط أخرى من هذه الحركة الثقافية. في حين أننا نميل ميلاً شديداً إلى استخدام كلمة الاستعراب والمستعرب؛ للدلالة على المثقف أو الباحث الذي يهتم بالشؤون الثقافية، اللغة والأدب والتاريخ.. وما إلى ذلك، بتركيز خاص على دراسة الأندلس، بيكون له جوانبها العلمية والثقافية، وأعتقد أن هذا الخيار عندنا يعود إلى سببَين؛ السبب الأول هو أن الاستشراق مصطلح عام واسع النطاق وحتى فضفاض.. يشمل دراسة وأدب وثقافة الشعوب الشرقية؛ بما فيها الشرق الأدنى والأوسط والأقصى، في حين أن حركة الاستشراق الإسبانية والاستعراب هي حركة محدودة بذلت جهوداً كبيراً وركزت على دراسة اللغة والأدب العربي؛ خصوصاً في الأندلس. وهذا هو السبب الأول. أما السبب الثاني فإن لدينا مصطلحاً قديماً باللغة الإسبانية هو مصطلح المستعرَب، بفتح الراء، هذا هو الاسم المفعول لفعل استعرب، الفرق بينهما..
الفرق بين هذين المصطلحين يكمن في أن المصطلح الأول بفتح الراء (مستعرَب) يدل في دراسات التاريخ على المسيحي الذي عاش تحت السلطة الإسلامية في فترة الأندلس، وتعرَّبَ، واتخذ اللغة العربية وسيلةً ليس فقط للتواصل بل للثقافة، وبفضل هذا اندمج هذا المستعرَب في تيار الثقافة العربية والإسلامية، في حين أن (المستعرب) مصطلح حديث نسبياً نطلقه على الباحث أو المتخصص في الدراسات العربية والأندلسية لو كان بالإمكان؛ نظراً إلى أن الاستعراب الإسباني ركَّز أغلب شهوده لدراسة الأندلس، لو كان بالإمكان اشتقاق مصطلح من المادة اللغوية أندلس؛ لكن ذلك أنسب، ولكن لو قُلنا مثلاً (المستأنلس) يعني الآذان العربية لا تستسيغ مثل هذه المصطلحات؛ ولذلك نكتفي استخدام الاستعراب للدلالة على هذه الحركة الثقافية".
خصوصية الاستشراق الإسباني مقارنةً بالاستشراقات المجاورة
وأجاب الدكتور إغناثيو فيرناندو ، عن سؤال "ماذا لو قارنا الاستشراق الإسباني مع الاستشراق مثلاً الفرنسي؟ نحن نقارن، مثلاً نقول إن الاستشراق الألماني معرفي أكثر، والاستشراق الفرنسي والبريطاني ارتبطا بالاستعمار؛ ما خصوصية الاستشراق الإسباني أو الاستغراب مقارنةً بالاستشراقات المجاورة؟"، قائلاً: "للإجابة عن هذا السؤال بشيء من الدقة يمكن أن نشير إلى جملة أو مقولة متكررة لدى الكثير من المستعربين؛ الذين يقولون يعني هذا ليس الاقتباس الدقيق، ولكن المفاض العام لهذه المقولة هو هكذا.. عندما نقترب من المخطوطات والمؤلفات ونحققها وندرسها ونستفيد منها، لا نقترب من مؤلفات الغير أو مما كتبه الغير؛ بل إننا نكتشف أن في داخل هذه المؤلفات وهذه المنتجات الثقافية شيئاً منّا، هذا وكأننا يعني نكتشف شيئاً من الذات وليس شيئاً من الآخر، وهذه المقولة وهذه يعني المؤلفات الأندلسية يقول بعض المستعربين إنها بغض النظر عن اللغة التي كتبت بها وبغض النظر عن السياق التاريخي والاجتماعي الذي أُنتجت فيه، فهي مؤلفات أو منتجات ثقافية إسبانية ١٠٠٪، هذا ما يقول بعض المستعربين. وأعتقد أن هذه المقولة لا يمكن للمستشرق الفرنسي والألماني والروسي والبريطاني أن يقولها بيُسر وصدق، هذا ربما يلخص الفرق بين الحركتَين".
الهوية الإسبانية الصافية.. وإقصاء الثقافة والحضارة العربية
وأضاف أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، رداً على "هل نحن إزاء معادلة إسبانيا ضد الأندلس؟": "للإجابة عن هذا السؤال بشيء من الدقة والإيجاز؛ لابد أن نقول إننا نسعى دائماً، الباحثون، إلى اتخاذ موقف الموضوعية والحياد؛ ولكن هذا يعني قلّما تحقق، لأن مثلاً، وأضرب نفسي كمثال، تربيت في سياق معين؛ وهناك فكرة تسود المحيط الثقافي الإسباني، وهذه الفكرة هي كما يلي: الدولة الإسبانية الحديثة لم يتسن بناؤها إلا بعد إقصاء العناصر الآتية من الثقافة العربية والأندلسية، ولم يتسنَ إلا بالاقتراب إلى القيم الأوروبية التي اعتبرت قدوة يحتذى بها، وهذا يعني من جهة ثانية إبعاد الهوية أو الثقافة العربية عن مكونات الهوية الإسبانية؛ هذا يعني أن هذه الفكرة هي الهوية الإسبانية الصافية الخالية من العناصر الخارجية. هذه الفكرة هي فكرة نمطية وفكرة سطحية؛ ولكنها متجذرة وموجودة منذ القدم في المجتمع الإسباني، وهذا موجود، وهذا يلاحظ في بعض الفئات الاجتماعية والسياسية والثقافية الإسبانية التي لا تزال تنظر إلى الثقافة والحضارة العربية وكأنها جزء يجب إقصاؤه وتهميشه، في حين أن مقابل ذلك نجد؛ وخصوصاً في الأجيال الجديدة، تياراً مخالفاً تماماً.. هناك شيء من التماهي وشيء من الاعتراف بأن الثقافة العربية تركت لنا بصمات وآثاراً جميلة جداً في الكثير من النواحي المختلفة؛ مثلاً الفن المعماري واللغة والفلاحة.. وما إلى ذلك".
وتابع د. إغناثيو فيرناندو: "وهناك شعور في إسبانيا؛ خصوصاً في المنطقة الجنوبية، التي على فكرة لا تزال تحمل اسم الأندلس، نسمي باللغة الإسبانية هذه المنطقة الجنوبية باسم أندلسية أو حسب النطق، لم يختلف من منطقة إلى أخرى. في هذه المنطقة من الملاحظ بكل سهولة أن الناس يعترفون بهذا الإرث العربي الواضح الذي يمكن ملاحظته في الكثير من النواحي الثقافية، إذن هناك يعني تياران متناقضان بين الفئة المحافظة الإسبانية التي ترفض ما هو عربي وإسلامي، لأسباب دينية وسياسية، والفئة الأخرى التي تسعى إلى استغلاله للاستفادة من هذا الإرث المهم جداً".
تسييس الثقافة الإسبانية.. ورفض أية علاقة ثقافية مع البلدان العربية
وقال د. إغناثيو فيرناندو، بشأن النقاش الحاد بين المثقفين في إسبانيا حول الهوية، وهل هذا النقاش تم تسييسه في إسبانيا أم هو كان سياسياً منذ البداية؟: "باعتقادي يعني كان هناك عنصر سياسي في هذا النقاش؛ منذ يعني وقت طويل، ولكن صحيح أنه في الآونة الأخيرة بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة والمتعصبة أخذت موقفاً يعني للثقافة الإسلامية والدين الإسلامي، وهذه الأحزاب اقترحت عدم قبول المهاجرين العرب بذريعة أنهم لا يندمجون في الثقافة الإسبانية، ويرفضون أية علاقة ثقافية مع البلدان العربية. هذا موجود في ربما هذا التيار السياسي، وهذه محاولة تسييس هذا النقاش، وسع أرضاً خصبة في التيارات المتطرفة اليمينية التي لسوء الحظ أصبحت بالآونة الأخيرة منتشية أكثر فأكثر؛ ليس فقط في إسبانيا بل في أوروبا كلها".
نشأة حركة الاستعراب الإسباني وسقوط المدن الأندلسية
وأضاف أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس: "لنعُد إلى الخطوات الأولى، إلى البدايات؛ فحركة الاستعراب الإسباني نشأت مباشرةً بعد سقوط المدن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى في أيدي الممالك النصرانية. المدينة الكبيرة الأولى التي سقطت في أيدي المسيحيين هي طليطلة، وهي موجودة في قلب الجزيرة الأيبيرية سنة 1085، ثم تلتها مدينة سرقسطة التي هي على فكرة مسقط رأسي، ثم مدينة قرطبة وأشبيلية، حتى آخر معقل المسلمين في إسبانيا؛ ألا وهو مدينة غرناطة. فمباشرةً بعد هذه المعارك نشأت حركة الاستعراب الإسباني بتوجهَين اثنين مخالفَين. التوجه الأول هو توجه يمكننا أن نصنفه بتوجه تبشيري واستعماري؛ بمعنى أن هناك مجموعة من القساوسة والرهبان ورجال الكنيسة المسيحية الذين تعلموا اللغة العربية، ثم بدؤوا نشر كتب تعليمات الديانة المسيحية وبعض المعلومات المسيحية؛ بغرض تبشيري، لكي يجبروا المسلمين الباقين في أراضي الجزيرة الأيبيرية على اعتناق المسيحية وتوسيع المسيحية عندهم.
وتابع د. إغناثيو فيرناندو: "هذا هو التوجه الأول؛ ولكن بنفس الوقت هناك توجه ثانٍ، وهو التوجه الترجمي، لأنه نشأت في تلك الحقبة من الزمان في القرن الثاني عشر، في مدينة طليطلة، مدرسة المترجمين بطليطلة؛ وهي مدرسة مهمة قامت بترجمة العديد من المؤلفات العربية والأندلسية؛ سواء المؤلفات الأندلسية المحضة، وتلك المؤلفات اليونانية التي ترجمت أولاً إلى اللغة العربية أحياناً عن طريق اللغة السريانية، والتي وصلت إلى الجزيرة الأيبيرية، وتمت ترجمتها إلى اللغة اللاتينية وإلى اللغة الإسبانية، وكذلك إضافة إليها هناك مالك اسمه الفونسو العاشر، الملقب بالحكيم، الذي عاش في القرن الثالث عشر، والذي أعطى دفعةً قويةً لحركة الترجمة، وأضاف إلى ترجمة كتب الفلسفة والعلوم الدقيقة والرياضيات وعلم الفلك كذلك كتب السرديات والحكايات؛ مثل كليلة ودمنة.. وما إلى ذلك. هذا التيار الترجمي لعب دوراً مهماً جداً؛ دورَ الجسر بين الثقافة اليونانية والعربية والإسبانية، وبفضل هذا التيار الترجمي، وهذه الترجمات الكثيرة، تمكنت أوروبا من القيام بما يُسمى بالنهضة الأوروبية التي نشأت في إيطاليا وبلدان أوروبية أخرى، انطلاقاً من القرن الخامس عشر".
الاستعراب الإسباني.. أهداف تبشيرية واستعمارية
واستكمل د. إغناثيو فيرناندو: "إذا خلاصة القول إن صحيح الاستعراب الإسباني نشأ في الأول بأهداف تبشيرية واستعمارية، إن صح التعبير؛ ولكنْ هناك جانب آخر لا يجب أن نهمله وهو الجانب الثقافي، الجانب العلمي الذي ينكب على ترجمة ودراسة المؤلفات الأندلسية، واستغلال هذا الإرث القَيِّم".
الأندلس تمثل حضارة عربية صميمة
وأجاب أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، عن سؤال "كان هناك أيضاً الجانب العاطفي الذي يجعل مثلاً الأندلسيات والاشتغال على الأندلسيات، يبطن بمعنى من المعاني محاولةً لاسترداد الجذور وجزء من الذات بالنسبة إلى بعض المستعربين على الأقل من أبناء الحواضر الأندلسيين، ولهذا دائماً أفكر في موضعة الأندلس، كيف تموضعونها؟ هل هي مثلاً جزء من تاريخ إسبانيا التي في لحظة بناء دولتها المركزية الموحدة أقصتها؟ أم هي جزء من التجربة العربية الإسلامية، يعني تجربة تاريخية، هذه التجربة التي لم تتمكن للأندلس قط، بل حتى اليوم تفكر فيها كفردوس مفقود؟"، قائلاً: "كالعادة هناك يعني أكثر من مقاربة؛ يعني هناك مقاربة أولى هي مقاربة المؤرخين، الذين يؤكدون أن مفهوم إسبانيا الصافية، إسبانيا الأحادية دينياً وثقافياً واجتماعياً؛ يعتقدون أو يعتمدون على هذا المفهوم، ولا يرون في الأندلس شيئاً مفيداً، شيئاً يضيف كماً علمياً لتكوين الهوية الإسبانية. هذا صحيح، وحتى من صفوف المستعربين نجد بعض المؤرخين المشهورين الذين يتخذون هذا الموقف. وأعطيكم مثالاً؛ هناك مثال هو مؤرخ إسبانيا اسمه فرانشيسكو خافيير سيمونت، عاشَ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كتبَ كتاباً حول ما سُمي وعنون بـ(باريس المستعربين) وكتب في الصفحة الأولى من هذا الكتاب مقولة لاتينية مفادها أن اليونان أو الإغريق بعد أن قام الرومان بالتغلب عليهم عسكرياً تمكنوا من التغلب على الغالب من الناحية الثقافية.. إذن لماذا وضع هذا المؤرخ الإسباني هذه الجملة في الصدارة في الصفحة الأولى من كتابه حول تاريخ المستعربين يعني المسيحيين الذين تعربوا في الأندلس؟ لأنه يرى أن اللغة العربية والثقافة العربية في الأندلس لم تقدم شيئاً يعني جديراً بالذكر، وأن الفضل للرقي الثقافي والازدهار الحضاري في الأندلس يعود إلى العنصر الإسباني الأصيل، هذا العنصر الإسباني الذي اتخذ اللغة العربية والثقافة العربية فقط كوسيلة للتعبير عن أفكاره وآرائه ومواقفه المسيحية ١٠٠٪؛ يعني هذا الموقف موقف غريب جداً. لأن مقابل هذا الموقف نجد التيار الأكثر، يعني المعقول، وهو الذي يرى أن الأندلس تمثل امتداداً طبيعياً للتيار الثقافي والحضاري الذي نشأ في قلب الجزيرة العربية، صحيح أن للأندلس خصوصيات وخصائص تميزها نوعاً ما عن الحضارة، يعني سائر المدن والأقطار العربية؛ ولكن لا بد من الاعتراف أن الأندلس تمثل حضارة عربية صميمة لا أحد ينكر ذلك، ومن بين المؤرخين الإسبان حتى اليوم، إضافة إلى هذا المؤرخ الذي أشرت إليه؛ هناك بعض المؤرخين الذين يكتبون في الوقت الحالي تقريباً نفس المواقف أو يميلون إلى نفس المواقف، على سبيل المثال هناك مستعرب إسباني اسمه سلافين فاخول، له كتاب بعنوان (الأندلس ضد إسبانيا.. صياغة الأسطورة)، يحاول فيه أن يقدم أو أن ينتقد الاقتراب من الأندلس، وكأنه نموذج ثقافي جميل جداً يقول إن هذا ينتمي إلى الخيال ولا علاقة له بالواقع. إذن ينتقد المقاربة الشاملة، المقاربة العادية لدى صفوف المستعربين؛ الذين في أغلبهم يميلون إلى اعتقاد أن الأندلس هي امتداد للحضارة العربية، وهي تمثل جزءاً من العناصر التي كونت الهوية الإسبانية والوطن الإسباني بصفة عامة.
إذن دائماً نجد أداء هذا التناقض بين الموقفين، ولسوء الحظ يعني في الآونة الأخيرة رأينا في السياق التاريخي والسياق السياسي، هذا يعني شدة المواقف والتعصب والتطرف الذي يمنع من المسيرة العلمية الصحيحة".
الأندلسيات بين التوجهات الأحادية والتوجهات الجديدة والمستقبلية
وقال د. إغناثيو فيرناندو: "يجب أن نقول في هذا الصدد إن الدراسات الاستعرابية في إسبانيا حتى اليوم يعني نقول إن الأندلسيات، موضوع الدراسات الأندلسية، لا تزال تحتل فضاء لا بأس به، وخير دليل على ذلك أن المجلة العلمية المحكمة، الأشهر في إسبانيا، واسمها (القنطرة)، تستقبل يعني الدراسات الدائرة حول الأندلس خصوصاً، وحول الحضارة العربية حتى القرن السادس عشر. هذا يعني أن هناك اهتماماً وترتيباً على الفترة الأندلسية، وكل ما أنتج في هذه الفترة من مؤلفات ومنتجات ثقافية راقية، وكذلك هناك على سبيل المثال مشروع كبير اسمه (المكتبة الأندلسية) يديره أستاذ اسمه خورخليولا، وهو مشروع ضخم؛ يعني ثمانية مجلدات، تضم السلع الذكية وتعليقات يعني كثيرة جداً ومفصلة ودقيقة حول المؤلفات الأندلسية والمثقفين الذين ولدوا في الأندلس، وكذلك الذين لم يولدوا في الأندلس؛ ولكنهم مروا في الأندلس، مثل ابن خلدون وغيره. إذن الأندلسيات تبقى حتى الآن، يعني موضوع انشغال المستعربين بقوة، يعني الأندلس حاضرة بقوة؛ ولكن من الجانب الآخر صحيح أنه ابتداء من نصف القرن العشرين نشأت حركة يديرها أو يتصدرها الأستاذ بيدرو مارتينيز، في مدريد، يهتم كثيراً بالثقافة العربية... وبدؤوا من هؤلاء، وتلاميذه بدؤوا يهتمون ويترجمون مثلاً أشعار نزار قباني أو كذلك عبد الوهاب البياتي وآخرين، وبدؤوا تشكيل هذه المدرسة، التي تمثل نظرة جديدة، والتي توسع آفاقاً للاستعداد الإسباني".
إسبانيا والاستشراق الجديد
وأجاب أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، عن سؤال "هل إسبانيا ظلت في مأمن من الاستشراق الجديد؛ حيث مجرد خبراء يهتمون بحركات في العالم العربي وبأبحاث بسيطة وأغلبهم يتنططون بين القنوات التليفزيونية ومراكز الأبحاث التابعة لوزارة الدفاع ووزارة الخارجية؛ ألا تحس هل ظلت إسبانيا في مأمن من هذا النموذج؟"، قائلاً: "أعتقد الخطوط العريضة بصفة عامة دون الدخول في التفاصيل. إسبانيا بقيت أو ظلت بمأمن عن هذه التوجهات الاستشراقية بصفة عامة؛ لا أنكر طبعاً أن هناك عدة مستشرقين ومستعربين إسبان اتبعوا هذا التوجه الذي نجده بكل وضوح في المستشرقين البريطانيين والفرنسيين والألمان؛ ولكن بصفة عامة أعتقد أن إسبانيا يعني لم تنحُ هذا النحو بشكل واضح. طبعاً هناك مؤرخون إسبان متخصصون في شؤون الشرق الأوسط، يتخذون عادة أو بعض الأحيان يتخذون المواقف التي يتخذها المؤرخون الأمريكان خصوصاً. هذا صحيح، لا أنكر ذلك؛ ولكن إذا نظرنا إلى الأمور بمجملها ولا بتفاصيلها الدقيقة، يمكن أن نقول بصراحة إن إسبانيا أو الاستعراب الإسباني يبقى بعيداً نوعاً ما عن هذه النزعة".
المستعربون الإسبان لم يهتموا كثيراً بالدراسات اللغوية
وأضاف د. إغناثيو فيرناندو: "الحقيقة أن المستعربين الإسبان لم يهتموا كثيراً بالدراسات اللغوية حتى تقريباً الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عندما ظهر أو بدأ ينشر بحوثاً كثيرة الأستاذُ الكبير الذي كان معلمي، هو الأستاذ فريدريك كورينتي، المتخصص في النصوص الأندلسية، ودرس خصوصاً هذه النصوص التي هي الأشعار الشعبية، الموشحات والأسجال؛ لأنها كما تعرفون الموشحات في البيت الأخير أو الأخيرين نجد بعبارات وحتى البيت الكامل هو مكتوب بالعامية الأندلسية، وبعض الموشحات تحتوي على بيت أو كلمات بالإسبانية القديمة، وحتى هناك موشحات مكتوبة في آخر البيت باللغة العبرية. إذن الأستاذ حاول وصف اللهجة الأندلسية وصفاً لغوياً دقيقاً، وهذا هو المنطلق الذي انطلق منه طبعاً الأستاذ كورينتي وبعض تلاميذه، أنا أعتز بكوني واحداً من تلاميذه، بدأنا ندرس اللغة العربية أولاً ثم اللهجة الأندلسية، وربما من هنا انطلقت هذه الحركة التي تهتم بدراسة اللهجات العربية والعاميات العربية؛ وخصوصاً المغربية، بسبب القرب الجغرافي، فمن الطبيعي أن يميل المستعرب الإسباني إلى دراسة العامية المغربية؛ ولكن الدراسة يعني في المقام الأول، هذه الدراسات هي دراسات لغوية دقيقة تحاول الوصف وتحليل ووصف العاميات المغربية المختلفة بطريقة يعني علمية ودقيقة.
ولحسن الحظ هذه الدراسات الفيلولوجية تحتل مساحةً لا بأس بها من بين المساحات المختلفة التي ينكب عليها المستعربون".
كل كلمة إسبانية تبدأ بالألف واللام هي عربية الأصل
وتابع د. إغناثيو فيرناندو، رداً على "على ذكر أنت تتحدث الآن عن العربية في علاقتها بالعامية المغربية، أنا عشت معك ونحن هنا في القاهرة أن الإخوة المصريين حينما يعرفون أنك مستعرب يكلمونك باللهجة المصرية، وأنت لا تتقن غير العربية واللهجة المغربية؛ فتجد صعوبةً في التواصل معها": "أي نعم، هذا صحيح حينما آتي إلى مصر، يعني دائماً نفس الحكاية، يتوجهون إما بالإنجليزية وإما بالعربية أو العربية الفصحى.. ولا أعتقد أن الإسبان يعتبرون ذلك عبئاً على الإطلاق، فكلنا يعني نعترف أن هذا الإرث المعجمي هو إرث مهم جداً، يعني عدد الكلمات العربية- الإسبانية ذات العصور العربية، التي يبلغ عددها أربعة آلاف كلمة؛ ولكن بنلاحظ كلمات شائعة باللغة الإسبانية، بملاحظة أن بالنسبة إلى عدد هذه الكلمات الكثير من هذه الكلمات تناست أو أُهملت وبقيت فقط في القواميس. في حين أنها يعني لم تعد كلمات حية، وكذلك هناك التغيرات الصوتية والدلالية التي دخلت هذه الكلمات بعد دخولها اللغة الإسبانية. أنا مثلاً كأستاذ العربية والنحو العربي في الجامعة الإسبانية، أحاول دائماً استغلال هذا الكنز، هذه الذخيرة المعجمية الجميلة، وحينما نقرأ نفساً ما وتظهر كلمة إسبانية عربية الأصل أحاول دائماً الربط والإشارة إلى الأصل العربي للكلمة، ولكن المشكلة أحياناً هي أن الدلالة تغيرت، هناك تحولات صوتية تمنع من المقابلة التامة بين الكلمة العربية والكلمة الإسبانية، وكذلك هناك الكثير من الكلمات عربية الأصل التي تم استبدال كلمات لاتينية بها، وأضرب مثالَين، على سبيل المثال؛ عندنا كلمة (البيطار) باللغة الإسبانية، كلمة جاءت إلى الإسبانية من خلال العربية البيطار، وكانت هذه باللغة الإسبانية منتشرة حتى القرن التاسع عشر؛ حيث تم استبدال كلمة لاتينية الأصل بها وهي (بيتريناريو)، وكذلك نفس الحكاية بكلمة (الخياط). (الخياط) يعني تحول إلى اللغة الإسبانية، وتحول بطريقة مختلفة، كنا نقول (الفياتي)؛ بتغير صوتي لافت للنظر. وهذه الكلمة أصبحت منسية باللغة الإسبانية، واستبدلنا بها كلمة لاتينية الأصل هي (ساستري)، وللحكاية بهاتين الكلمتَين تدل على أن الإرث القاسم المشترك المعجمي لا بد أن نعترف به، وأنا أميل ميلاً شديداً إلى الاستفادة منه في تدريس اللغة العربية؛ ولكن ربما الإسباني العادي لا يعي كثيراً بذلك، له فكرة عامة بشيء من الغموض أن اللغة العربية أعطت الإسبانية آلاف الكلمات. وكل الكلمات الإسبانية التي تبدأ بالألف واللام هي عربية الأصل، وهذا موجود وهذا معروف؛ ولكن ربما لم نصل إلى درجة الاستفادة الكبيرة منها، وبفضل معلمي الذي نشر العديد من البحوث وحتى الكتب والمعاجم التي تفسر وتوضح كيف دخلت الكلمات العربية إلى الإسبانية، فنحن الآن على معرفة أكبر وأوسع لهذا الإرث المتميز والفريد من نوعه؛ لأن هذا الإرث يسمح أو يميز اللغة الإسبانية لاتينية الأصل عن سائر اللغات الأوروبية لاتينية الأصل؛ مثل الإيطالية أو الفرنسية أو الرومانية".
التفاعل مع اللغة العربية يصنع فرادة اللغة الإسبانية في محيطها اللاتيني
وقال أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس: "الكلمات الإسبانية الموجودة باللهجة المغربية تعود إلى مراحل مختلفة؛ المرحلة الأولى هي الاحتكاك التجاري والتواصل في العصور الوسطى خصوصاً، ولذلك المدن الساحلية المغربية اقتربت من الإسبانية، الكثير من الكلمات المتعلقة بالملاحة والصيد والتجارة وما إلى ذلك، ثم المراحل التالية، ومراحل ما سُمِّي بالحماية الإسبانية والاستعمار الإسباني الذي حاول تقليدَ نماذج الاستعمار الفرنسي. ونشر الثقافة واللغة الإسلامية من خلال المدارس الإسبانية وما إلى ذلك، أكيد أن هذه المرحلة أدت إلى وجود أو ظهور العديد من الكلمات الإسبانية؛ فلذلك عندما نزور شمال المغرب والمدن المختلفة، وعلى رأسها تطوان، الإسباني يشعر وكأنه في داره إلى حد ما؛ لأن الكثير من الناس في الشارع ما زالوا يستخدمون الكلمة الإسبانية بنفس المدلولات وبنفس الطريقة. وهذا الإرث المشترك وأمر لا بد من الاعتراف به والاعتزاز به، ولا يشكِّل أية مشكلة، بل يشكل الثراء والغنى والافتخار به".
ماذا عن تدريس العربية في الجامعات الإسبانية؟
وأجاب د. إغناثيو فيرناندو ، عن سؤال "ماذا عن تدريس العربية في الجامعات الإسبانية؟ وأيضاً في ما يُسمى المدارس الرسمية للغات في إسبانيا؟ هل تحس أن هناك اهتماماً لدى الإسبان بتعلم العربية؟ وهل هناك دعم رسمي حكومي لدراسة هذه اللغة؟"، قائلاً: "هناك في إسبانيا إقبال لا بأس به على دراسة وتعلم اللغة العربية؛ سواء في الجامعات وفي المدارس الرسمية للغات في إسبانيا، وهذا بسبب أولاً الفضول المعرفي؛ ولكن السبب الثاني، وربما ولعله أهم، هو هذا الانجذاب العاطفي والوجداني؛ لأن الإسبانيين يدركون أن هناك ماضياً عربياً راقياً وجميلاً جداً، هذا ما يجعلهم يقبلون على تعلم اللغة العربية في المراكز المختلفة التدريسية؛ ولكن هناك مشكلة أن تدريس اللغة العربية في إسبانيا لم يصل إلى المستوى المطلوب، وربما يمكن أن نذكر ثلاثة أسباب لذلك؛ السبب الأول هو ما أشرت إليه، قلة الدعم الحكومي لهذه الدراسات، أو تعلم اللغة العربية في الجامعات وفي المراكز وفي المدارس. ولا أقصد فقط الدعم الحكومي من الدولة المركزية الإسبانية والحكومات ذاتية الحكم في المقاطعات المختلفة، أقصد أيضاً الدعم الحكومي من بلدان عربية؛ التي يعني كان بإمكانها أن تنشئ مراكز تشابه مركز سيرفانتيس لنشر وتدريس اللغة الإسبانية، هذا هو السبب الأول.
والسبب الثاني يكمن ربما في صعوبة اللغة العربية؛ لأن الإسباني الذي يريد تعلم اللغة العربية إذا أراد التواصل والاحتكاك بالناطقين بلغة الضاد، فلابد له من الاقتراب من عامية من العاميات. في حين أن الذي يريد الارتكاز على النصوص والإرث الثقافي عليه أن يقترب وأن يتعلم الفصحى، وهذه الازدواجية اللغوية الموجودة باللغة العربية التي أراها تضيف إلى اللغة غنًى وثراءً في هذه الحالة، تعرقل نوعاً ما مسيرة المتعلم الإسباني للغة العربية".
وأضاف أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، رداً على "إذن بالنسبة لك هذا، أن تجد نفسك بين العامية والفصحى، هو مطب بمعنى من المعاني؟": "إلى حد ما فات، فكثيراً ما تجد المستعرب الذي ركز جهوده لتعلم العامية، ومن الجانب الآخر فقد الفصحى إلى حد ما والعكس صحيح. إذن هذا كما أشرت إليه، هذا مطب".
الدراسات الأندلسية والانفتاح على العالم المشرقي
وأجاب أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، عن سؤال "كيف تقيِّم دورَ مونتابيث على مستوى فتح الدراسات الأندلسية على الأدب العربي الحديث والمعاصر؟"، قائلاً: "لا شك أن مونتابيث شكَّل في زمنه ثورةً حقيقيةً؛ لأنه تمكَّن من التحول من الانغلاق على الأندلسيات، هذا أمر محمود يعني دراسة المواضيع الأندلسية، فهذا شيء محمود؛ ولكن فيه شيء من الانغلاق بعد زيارته لمصر واكتشاف الشعر العربي المعاصر والشعراء المرموقين الذين يُشار إليهم بالبنان؛ مثل نزار قباني ومحمود درويش وعبد الوهاب البياتي وغيرهم، فرجع إلى إسبانيا وقام بهذه الثورة المعرفية التي سمحت له ولتلاميذه ولأنصاره الانفتاح على هذا العالم المشرقي، لأن لو بقي الاستعراب الإسباني منغلقاً ومقتصراً على دراسة الأندلس، لفقدَ شيئاً نابضاً؛ يعني العربية المعاصرة. ولذلك تمكن الأستاذ مونتابيث من خلال مؤلفاته وتدريسه وتنظيم الكثير من المؤتمرات واللقاءات والرحلات إلى المشرق ورحلات المشرقين إلى إسبانيا، وما إلى ذلك؛ تمكن من فتح المجال ومن إعطاء دفعة جديدة وجميلة جداً للاستعراب الإسباني الذي بفضل مؤلفاته ونشاطه الجيد تمكَّن من الانتقال إلى الانفتاح وتلاه الكثير من التلامذة الذين انكبوا على دراسة الأدب؛ خصوصاً الأدب، لأن مونتابيث هو متخصص في الأدب ونشر مثلاً كتاباً شهيراً وموجوداً كثيراً في إسبانيا، ومدخل الأدب العربي المعاصر. وهذا كتاب أساسي، درسه الكثير من التلاميذ، وتلاه جيل جديد من المستعربين؛ يقومون بترجمات كثيرة وجيدة وراقية للأدب العربي المعاصر، الذي أصبح الآن معروفاً بإسبانيا لحسن الحظ، بسبب أو بفضل الأستاذ الكبير بيدرو مارتينيز مونتابيث".
انتقادات المركزية الإسبانية والنظرة إلى المورو بطريقة تحقيرية
وقال د. إغناثيو فيرناندو، رداً على سؤال "كيف تحس بالدور الذي اطَّلع به خوان غويتيسولو؟": "يعني الأديب الكبير خوان غويتيسولو أديب إسباني، كتب الكثير من البحوث، وحتى الكتب حاول فيها انتقاد الصورة النمطية المنتشرة في الأدب الإسباني، عما سُمِّي بالمورو، يعني المسلم؛ وخصوصاً المغربي، لأن في الأدب الإسباني نجد صورةً نمطيةً، هذا المورو شخص غامض، يطلق عليه كلمة المورو، بشيء من التحقير، ربما. الحقيقة أن خوان غويتيسولو هو رجل منفرد، وهو بمثابة الطير الذي يغرد خارج السرب؛ لأنه في التيار تماماً مختلف عن التيار العادي، إذا تساءلنا يعني جهوده وكل ما أنتجه من انتقادات، انتقادات المركزية الإسبانية والنظرة إلى المورو بطريقة تحقيرية، وكأنه إنسان غريب جداً ولا يشترك مع القيم الغربية العادية، فإذا تساءلنا هل نجح في ذلك؟ فيمكن أن نقول إنه نجح جزئياً، لأنه لا بد يعني وهذا لا شك فيه أن مؤلفاته أثرت تأثيراً يعني معقولاً، إنه تأثير كبير في المتلقي الإسباني، وجاء بعده أدباء آخرون غيروا هذه النظرة السلبية ١٠٠٪ للمورو؛ ولكن هو يعني هذا الأديب اللعين الذي بقي في برج إلى حد ما، ولذلك لم ينجح بشكل كامل، فالصدى الذي أوقعه، الذي وصل إلى القراء الإسبانيين، لم يصل بنفس الوتيرة أو بنفس القوة إلى كل الإسبان.. إذن لسوء الحظ لا بد وأن نعترف أن هذه الصورة النمطية للمورو لا تزال موجودة على الأقل بجزء من المجتمع الإسباني، ربما هذا لأنه يعني تجرأ على انتقاد الأدباء الكبار، واتخذ موقفاً مغالياً ومخالفاً لهم؛ لذلك ربما نظرة الأدباء التقليديين الإسبان لأعماله هي نظرة فيها شيء من الغيرة؛ لأنهم يعتقدون أنه انتقل من جانب إلى جانب آخر، يعني إن صح التعبير انتقل إلى صفوف العدو الثقافي".
لماذا لا يكتب المستعربون الإسبان بـ"العربية"؟
وأجاب أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة قادس، عن سؤال "لماذا لا يكتب المستعربون الإسبان بالعربية؛ هل لأنها صعبة إلى درجة كبيرة، أم لأن المخاطب في أعمالهم وأبحاثهم هو الإسبان، وبالتالي هم لا يحتاجون إلى التأليف بغير إسبانيا؟"، قائلاً: "السبب الأول هو ما تفضلت به؛ أن المتلقي الأول هو الناطق باللغة الإسبانية، والقارئ باللغة الإسبانية، ومن واجب المستعرب تعريف الثقافة العربية واللغة العربية والأدب العربي للإسبان؛ ولذلك يعني من الطبيعي أن يكتب المستعرب الإسباني باللغة الإسبانية؛ ولكن لو اكتفى المستعرب الإسباني بالكتابة باللغة العربية، لأدى ذلك إلى أن النظرة إلى الثقافة العربية تبقى نظرة خارجية وسطحية، وحبذا لو اتبع المستعربون الإسبان بصفة عامة المسلك الذي فتحه الأستاذ كورينتي، وهو معلمي، الذي بدأ يكتب باللغة العربية بحوثه، وبعض بحوثه، وكذلك حضر الكثير من المؤتمرات واللقاءات في البلدان العربية، واستخدم اللغة العربية للحديث والمداخلة في هذه المؤتمرات، بعده تلاه مجموعة من التلاميذ، وأنا من بينهم؛ بدأنا هذا السعي، يعني استخدام اللغة العربية في الدوائر العلمية بغرضَين؛ الغرض الأول هو الانفتاح على المتلقي العربي، وبقدر الإمكان توصيل ما يكتبه المستعربون إلى الجمهور الناطق أو القارئ باللغة العربية، هذا هو السبب الأول أو الدافع الأول".
واختتم د. إغناثيو فيرناندو : "وهناك سبب ثانٍ أو الدافع الثاني؛ وهو إبراز أهمية اللغة العربية كلغة عالمية وثقافية قادرة على مواكبة كل المستجدات وكل الابتكارات التقنية؛ لأن المستعرب الإسباني التقليدي يتخذ موقفاً في ما يخص اللغة العربية، موقفاً سلبياً فقط؛ يعني تُستخدم اللغة للترجمة، ولكن لا ينظر إليها كلغة حديثة وحية تستطيع التعبير عن كل ما هو موجود في الحياة، ولا بد من الاعتراف أن اللغة العربية كانت بالنسبة إلى الإسبان كنزاً من الناحية التاريخية، وكذلك في العصور الحديثة اللغة العربية هي لغة نابضة وحية، ويعني من واجبات المستعربين نشر هذه اللغة وتعريفها للجمهور الإسباني".