ناقشَتِ الدكتورة سحر عبد العزيز سالم، أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، المؤرخة المصرية المتخصصة في تاريخ الأندلس والغرب الإسلامي، خلال لقائها الإعلامي ياسين عدنان، عبر برنامج "في الاستشراق"، تاريخَ الأندلس وكيف دونته الحوليات والحفريات العربية، وأولته السرديات الاستشراقية، وأننا معرفيًّا في أمسّ الحاجة اليوم إلى إعادة بناء مفهوم الأندلس بعيداً أولاً عن النوستالجيا العربية من جهة، وبعيداً أيضاً عن النظرة الاستشراقية التي اعتبرت الإرثَ الأندلسي نتيجة العبقرية الإسبانية الغربية، لا فضل لمشرقنا العربي الإسلامي عليها.
هل الأندلس هي أندلس العرب المفقود أم أندلس المسلمين المفقود؟
وقالت الدكتورة سحر عبد العزيز سالم، أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، المؤرخة المصرية المتخصصة في تاريخ الأندلس والغرب الإسلامي: "هذا الكلام يطرح قضايا عديدة جداً للمناقشة؛ مش قضية واحدة. يعني هل الأندلس فعلاً هي أندلس العرب المفقود أم هي أندلس المسلمين المفقود؟ أنا أفضِّل أن أقول أندلس المسلمين؛ لأن الذي صاغَ شخصية الأندلس هو في حقيقة الأمر مؤثرات إسلامية مختلفة وليس عربية فقط، بالطبع لم تكن محلية، أوروبية، فيه تأثيرات مشرقية عديدة ومغربية عديدة، وكله امتزج مع بعضه البعض، التأثير المحلي الأوروبي هو جزء واحد، عنصر واحد من مكون الشخصية الأندلسية، هذه قضية وحدها جديرة بالنقاش، وإذا كان بعض المستشرقين، وخصوصاً المستشرقين الإسبان الأوائل، يعتبرون أن التراث الأندلسي هو إسباني محض محلي، طبعاً في هذا تجنٍّ كامل على الحضارة الأندلسية، وسنتكلم مع بعض في بعض التفاصيل في هذه النقطة".
أنواع المستشرقين وكتابة تاريخ الأندلس
وأضافت د.سحر عبد العزيز سالم: "نحن لو اتكلمنا عن الاستشراق بوجه عام، بنجد أن هناك ثلاثة أنواع من المستشرقين، أو ممكن نقول أربعة، كمان فيه المستشرق المتعصب، فيه المستشرق الموضوعي، فيه المستشرق المنصف، وفيه اللي مش بيقول على نفسه إنه مستشرق وبيكتب كأنه بيكتب كلاماً عامّاً؛ ولكنه في حقيقة الأمر بيدسّ ما يريد أن يقوله، وده يعني الناس ما بتبقاش عارفة إنه مستشرق في حقيقة الأمر؛ لكنه يدسّ السم في العسل، لا يندرج تحت مسمى مستشرق للأسف، وما بنبقاش واحنا بنقرأ واخدين حذرنا منه؛ لكن هو في حقيقة الأمر بيدرس عن تاريخنا تماماً، بيغوص فيه وبيقدم ما يريد أن يقدمه، ويقول ما يريد أن يقوله، دون أن ينتبه القارئون لما يكتب، طبعاً كتابة تاريخ الأندلس من جهة الإسبان مرت بهذه المراحل كلها، وفيه أيضاً مدارس أخرى درست، ومستشرقون آخرون درسوا تاريخ الأندلس.. إنجليز وفرنسيون، المدرسة الفرنسية على فكرة من المدارس الاستشراقية التي أعتبرها موضوعية إلى حد كبير؛ خصوصاً في ما يتعلق بتاريخ الموريسكيين، عندنا مثلاً مستشرق فرنسي (بيكارد) الذي يعتبر من أكثر المستشرقين اللي شايفين موضوعية في كتابة تاريخ الموريسكي..".
تطور الكتابة الاستشراقية الإسبانية لتاريخ الأندلس
وتابعت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، المؤرخة المصرية المتخصصة في تاريخ الأندلس والغرب الإسلامي: "لو بدأنا نتكلم عن تطور الكتابة الاستشراقية الإسبانية لتاريخ الأندلس؛ بدأت متعصبة جداً، وطبعاً كما هو معروف أن الذي يؤثر في حركة الاستشراق عنصران، القومية والدين.. فهم من حيث القومية والدين كان عندهم الدافع إن همَّ يتعصبوا في كتابة التاريخ الأندلسي.. يمكن من أشد هؤلاء «سيمونية» مثلاً، على وجه التحديد عندنا مثلاً «سابيدرا»، عندنا أيضاً «كوندي»، عندنا «ديلجادوا».. كل هؤلاء تعصبوا جداً. دي طليعة الكتابات الأولى في تاريخ الأندلس؛ طبعاً كانوا يمجدون أية ثورة تقوم ضد الحكم الإسلامي، يوصمون المسلمين والعرب على وجه التحديد بالجهل؛ يعني كل ما يمكن أن تتصوره من صفات كانوا يلحقونها. وهذا غير عادل؛ لأن إحنا علمنا كتير للإسبان ونقلنا حضارة المصريين إليهم، وهم كانوا أقل في المستوى الحضاري من المستوى الحضاري الإسلامي. فطبعاً ما بيقولوش هذا الكلام أبداً؛ لكن بدأت في مرحلة بعد ذلك، وسط".
المؤرخون ومعالجة تاريخ الأندلس
واستكملت د.سحر عبد العزيز سالم: "بدأ كثير من المؤرخين؛ يعني بقى يمسكون العصا من الوسط، حتى وصلنا إلى الثلاثين والأربعين سنة الأخيرة، وجدنا مدارس إسبانية يعني لو إحنا هنعالج تاريخ الأندلس، مش هنكون بالموضوعية دي زيهم، أنا مش عايزة أقول إنه لازم يكونون منصفين؛ لأن كلمة إنصاف، الدفاع التام عن الحضارة الأندلسية ده غلط برضه، إحنا لابد حتى إحنا كشرقيين لمّا نعالج تاريخنا لا بد أن إحنا نعالجه بما له وبما عليه، بسلبياته وإيجابياته، وإلا لماذا ضاع الأندلس، لا بد أن إحنا حتى دي كبداية لنا في معالجة أية منطقة في تاريخنا، نعالج تاريخها، لا بد أن إحنا نقول ده حصل ليه؟ إيه الأخطاء اللي وقعت فيها الشخصية دي، العصر ده، كانت إيه سلبياته؟ هذا هو التاريخ الصحيح. لذلك أنا مش باطلب من هؤلاء إن همَّ يكونون منصفين تماماً أو إن همَّ يصفقون على طول للتاريخ الأندلسي. لا؛ أنا باطلب منهم بس يقولون الحقيقة، إنجازات هذه الحضارة. وأيضاً الأخطاء اللي وقعت فيها؛ لأن إحنا نفسنا لا بد إن إحنا نكون كده".
المسلمون في العصور الوسطى والشخصية الأندلسية الثقافية
واستطردت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "طبعاً ظهر عدد كبير؛ يعني مثلاً أتذكر «بيدرو شالميتا» اللي له كتابات في المجال الاقتصادي. دراساته عن الحسبة، نظام الحسبة في الإسلام، والنظام الليلي. ده بيوضح أن المسلمين ما كانوش ناس غواغائيين، لا كان عندهم نظم إدارية ونظم على أرفع مستوى إداري حضاري في العصور الوسطى.. كتاباته دي بتنصف هذا الجانب، أيضاً تحدث عن الشخصية الأندلسية الثقافية يعني ثقافة المجتمع تكونت إزاي؛ الخليط ده اللي أنا بدأت حديثي به، ماريا خيسوس فيغيرا لا تزال موجودة حتى الآن؛ يعني أستاذة الدراسات العربية في جامعة مدريد، كتبت في كل شيء؛ خصوصاً في تاريخ المدن، مدينة مدريد، كتبت عن علاقات المغرب بالأندلس. لم تترك شاردة ولا واردة، وكانت أستاذة للعديد من الأساتذة المصريين. مانويل مارينا على سبيل المثال، حتى بعض القساوسة ممن تخصصوا في دراسة التاريخ وأصبحوا مؤرخين؛ زي ميكيل دي إيبالزا، فهو في البعض أحياناً نلاقي شوية تعصب ضد المرابطين، مثلاً عندما تحدث عن علاقتهم بالطوائف؛ لكن بوجه عام تعتبر دراسة موضوعية جداً. وزوجته أيضاً أستاذة متخصصة، يعني طبعاً فيه فارق شديد بين هذه الكتابات وما كان عليه الوضع قبل ذلك بخمسين عاماً في ما يتعلق بتاريخ الموريسكيين، زي ما باقول لحضرتك تغيَّرت النظرة تماماً. وبدؤوا يوضحون إيه، مش بس محاكم التفتيش، إيه الظلم اليومي اللي كان بيقع على المواطن الموريسكي، وأصبحت فيه مدارس في كل جامعة كانت تعالج تاريخ الموريسكيين. والحقيقة أن أنا هنا أشيد بالدكتور عبد الجليل التميمي في تونس، الذي أنشأ من ماله الخاص مركز الدراسات الموريسكية والعثمانية، واجتذب كل علماء إسبانيا وعلماء فرنسا والأتراك، واحنا من مصر كنا بنروح نسهم معه، وأعاد التأريخ للمورسكيين وهؤلاء الإسبان الذين كانوا يفدون على مركزه؛ يعني لما تطّلع على الدراسات اللي أصدرها هذا المركز بتشوف قد إيه يعني وصلنا إلى مرحلة التعاطف الإنساني الراقي اللي قدمه هؤلاء الإسبان الحديثين".
هل حضارة الأندلس إسلامية وليست عربية؟
وأجابت د.سحر عبد العزيز سالم عن سؤال "لماذا مسلمون وليس العرب؟ هل قصدكِ أن حضارة الأندلس حضارة إسلامية وليست حضارة عربية؟"، قائلةً: "هي الحضارة بوجه عام إسلامية؛ مشرق ومغرب وأندلس؛ لأن كل الذي أسهم في ظهور هذه الحضارة عناصر غير عربية الأصل، منها الإمام البخاري من بُخارى الدمستاني، قراءة ورش مصري، والأمازيغ هم اللي فتحوا الأندلس، وهمَّ اللي استوطنوا في المناطق الوعرة اللي صلحوها، قد قامت على أكتافهم جوانب عديدة؛ يعني هي كلها فيه حاجات عربية وفيه حاجات غير عربية، أجناس غير عربية؛ سواء في المغرب أو في الأندلس أو في المشرق. يعني لكي نكون دقيقين أكثر هي حضارة إسلامية في المقام الأول. ثم إن ده لا يعيب أبداً العرب، بالعكس ده في صلاحه. العرب لمّا بيتركوا غيرهم يبدع وينتج ده ما فيهوش نوع من الانغلاق والسيطرة، ما هواش زي الاستعمار بقى اللي احنا شايفينه في العصر الحديث والغزو الثقافي، فده لصالح العرب وليس ضد العرب؛ لكن ممكن نقول الاثنين. على أساس أنه كان لغة عربية، فهي حضارة عربية إسلامية..".
بدء ثورات المولدين وأسباب ضياع الأندلس
وأضافت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "وده بيثير قضية: هل المجتمعات متعددة الأجناس والعرقيات بيحصل فيها نوع من الحوار مع الآخر والتعايش والتسامح؟ أيوة؛ لكن هي برضه في وجه آخر للعملة إن ممكن لما بيحدث أي خلاف تحصل حروب أهلية وتتعدد الخلافات، وده اللي حصل في الأندلس. ودايما بنشوف المجتمعات اللي هي متعددة العرقيات بتنهار في النهار. ويعني أنا أما باقارن التجربة الأندلسية بالتجربة المصرية، المصريون عبر كل العصور زي ما بيقول جمال حمدان هي أعظم نهضة حضارية عرفها التاريخ بتشهر كل الأجناس تحت هوية واحدة، ما حصلش هذا.. الأندلس، ظل الأمازيغي بيقول أمازيغي، ظلت أيضاً العصبية اللي بتسمينا المصادر البربرية، وفي العصبية العربية في المولدين، والله المولدين يعني طبعاً هو فيه انصهار وكله؛ لكن كانوا برضه أحد أسباب انهيار المجتمع الأندلسي؛ لأنه للأسف العرب وخصوصاً من بداية العصر الأموي اللي قضى على الدولة الأموية في المشرق، أنه كان فيه متعصبون في المشرق العربي للعنصر العربي على حساب الأجناس اللي دخلت في الإسلام. وده حتى مش في تعليم الإسلام، يعني تعليم الإسلام أمة واحدة، هي خير أم أُخرجت للناس، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. والأمويون في المشرق ما عملوش كده. ونقلوا هذا العيب اللي أدى إلى سقوط دولتهم، لما قامت الدولة العباسية اعتمدت على الفرس، وده كان الشعار؛ إن مفيش مساواة، لما انتقلت الدولة الأموية للأندلس مع عبد الرحمن الداخل؛ نقلت نفس الخطأ اللي وقعت فيه في المشرق. رغم أن أسرة بني أمية كانوا مولدين، لأن أمهاتهم كانوا إسبانيين. لكن تعصبوا للأصل القرشي العربي على حساب الأجناس الأخرى المولدة. ومن هنا بدأ ثورات المولدين وعصر روايات طوائف الأول، ثم عشر دويلات الطوائف التاني وحتى اللحظة الأخيرة في بني الأحمر ابن الست العربية كان ضد ابن الست سرية الرومية، ويعني حتى اللحظة الأخيرة ظل اللي من ابن عربية غير اللي ابن سيدة إسبانية، اللي هو مولد ده كان أحد أسباب ضياع الأندلس".
ظاهرة الزواج المختلط أحدثت أزمة في الأندلس
وتابعت د.سحر عبد العزيز سالم: "ليه مثلاً ظاهرة الزواج المختلط عملت أزمة في إسبانيا، في الأندلس، وما عملتش مثلاً في مصر؟ لأن مصر برضه لما دخل العرب الفاتحون تزوجوا من السكان الأقباط، يعني ده شيء طبيعي، ومن هنا حصل التعريب، الطبيعة الجغرافية ما نقدرش ننساها. طبيعة مصر مثلاً غير طبيعة الأندلس. الجبال الشاهقة اللي بتفصل بتسهل العملية، بتبقى فيه مناطق جغرافية منعزلة وبالتالي تسهل على أي شاعر بالظلم أو راغب في التمرد أن ينفصل ويستقل. دائماً البلاد السهلية بيبقى فيه سهولة في السيطرة من الإدارة، من الحكم المركزي، على أي تمرد أو عصيان يحصل. سوء حظ الأندلس أن الطبيعة الجغرافية كانت بتساعد مَن يشعر بقى بظلم أو مَن يشعر يعني إنه مش واخد حقه وعدم عدالة.. وحصل عدم عدالة؛ حتى يعني نفس توزيع الأراضي بعد الفتح، إن العرب استأثروا بالمناطق الحلوة السهلية وتركوا الباقي للأمازيغ؛ ودي كانت خلافاً بين المؤرخين".
ثورة الأمازيغ الأولى
واستكملت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "بينما الدكتور حسين مؤنس في كتابه (فجر الأندلس) يرى أن ده كان اختيار الأمازيغ؛ لأن همّ جايين من مناطق جبلية.. وكتابات أخرى زي كتاب الدكتور سيد عبد العزيز سالم (تاريخ المسلمين).. والدي، وكان في بداية حياته لما كتب هذا الكتاب، قال لأ العرب تركوا هذه المناطق صعبة الزراعة والجرداء والوعرة جداً للأمازيغ، وإلا ما كانوا ثاروا بعد ذلك الأمازيغ. ده على طول بعد كام سنة حصلت ثورة ونزلوا من المناطق الجرداء دي الجبلية، إلى المناطق السهلية. وحصلت أول ثورة، ودي اللي مهدت بقى للإسبان إن همَّ ياخدوا المناطق اللي كان شمال غرب إسبانيا، اللي كان فيها الأمازيغ. لما قامت ثورتهم في السنوات الأولى، خالص بعد الفتح، فلو كان ده باختيار، أنا مش بادافع عن رأي والدي لأن هو والدي؛ لأ، بالمنطق لو كان ده اختيار الأمازيغ لأنهم جايين زي ما قال الدكتور حسين مثلاً من مناطق جبلية، ما كانوش ثاروا بعد عدد من السنوات وحسوا بعدم عدالة في توزيع الأرض، كان فيه من البداية زي ما قُلت عدم مساواة وعدم.. ودي هي مجموعة عوامل على مدى سنوات تضافرت مع بعض في النهاية، من وجهة نظري أو قناعتي الشخصية القوط تحولوا إلى فكرة ورمز، ولما سقطت دولة القوط، وانتصر المسلمون الفاتحون..".
إحياء دولة القوط.. وإشكالية خلق الرمز
وقالت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "فلول القوط اللي ذهبت في أقصى شمال غرب إسبانيا، كانوا بينادي بأنهم سلالة القوط وأصبح رودريجو آخر مع إنه كان شخصية سيئة جداً، يعني رودريجو ده من الشخصيات الممقوتة في تاريخ إسبانيا؛ ولكنه أصبح رمزاً، نهايته الغامضة ونهايته بهذه الطريقة المأساوية بالنسبة إليهم اعتبروه رمزاً. وأصبح القوط هم الفكرة اللي بتوحده من أجل إحياء دولة القوط. أنا دايماً أقول أنا يهمني مين اللي تستمر الفكرة بتاعته بعد كده؟ استمرت فكرة القوط وعملت إمارة فممالك، وقدرت إن هي تطرد المسلمين. فهمّ ما باعتبرهمش فشلة؛ أنا بالعكس باعتبر إن همَّ أصبحوا رموزاً، والرموز مهمة جداً في تاريخ الشعوب. وحتى أحياناً بنجد أن شخصية لا تستحق أن تكون رمزاً؛ لكن نهايتها المأساوية بالطريقة الفجائية اللي بتحوله إلى أسطورة ممكن يلتف حولها بعد كده ناس تانيين ويتحول إلى رمز، رغم أنه لا يستحق؛ لكن يلهب خيال مَن سيأتي من بعده.. كل الشعوب دائماً تحتاج إلى رمز.
والقوط أصبحوا رمزاً، وأنا أعتبر هزيمة القوط أمام المسلمين وحَّدَتهم. وأحياناً الانتصارات تفرق الأمم؛ فهزيمة رودريجو بهذه الطريقة جعلته بطلاً وجعلته يوحِّدَ الفلول، فالهزائم أحياناً تكون أقوى في نتائجها من الانتصارات".
الحروب الصليبية بدأت في الأندلس قبل المشرق الإسلامي
وأجابت د.سحر عبد العزيز سالم، عن سؤال "ألا تعتقدين أن الأفق الصليبي لكل ما يحصل في الأندلس كان أساسياً ومهيمناً، وبالتالي يجب أن نقرأ ما حصل في الأندلس مع الحروب التي كانت في الشام مثلاً؟"، قائلةً: "في الحروب الصليبية؛ الحملة الصليبية الأولى كان أحد قادتها ريموند دي صنجيل، شارك قبل الحملة الصليبية الأولى على بيت المقدس بعشر سنوات في إسقاط طُليطلة، وكانت لي دراسة في هذا الموضوع. ففي دراستي قُلت إن الحروب الصليبية بدأت في الأندلس قبل أن تبدأ في المشرق الإسلامي، وقبل سقوط بيت المقدس بسنوات. واستمرت الحروب الصليبية؛ حتى أنا باعتبر العصر الحديث يعني حروب الجيل الرابع والجيل الخامس ده كله استمرار.. هو فيه صراع بين الشرق والغرب.. يعني قبل حتى الأديان السماوية وهي حلقة صراع بين الشرق والغرب؛ مثلاً الإسكندر المقدوني اللي هو كان رمز الحضارة الغربية. دولة فارس اللي هي كانت رمز الحضارة الشرقية. وهو كان عنده فكر كده فلسفي وتلميذ للفلاسفة، قال لك يتزوج رجال الغرب من سيدات الشرق، فيأتي جيل موحد؛ المولدين بقى.. وهو نفسه تزوج من ابنة الملك الفارسي.
أنا أعتبر أن هذه حلقة من حلقات الصراع. ظهرت الأديان بعد كده فأخذت الصبغة الدينية؛ لكن هوّ فيه صراع دائم وأبدي بين الشرق والغرب، أنا عايزة أقول إحنا لما نبُص لأنواع الاستشراق، أنا في تصوري أن أكثر الاستشراق موضوعية الاستشراق الروسي.. لأنه قريب من الشرق. ولما نشوف دلوقتي بيقبلوا على دراسة اللغة العربية وعلى دراسة تاريخ وعلوم المسلمين والعرب، أنا باسميه استعراباً بقى؛ لأن هم أقصى الشرق بيوضحوا المناطق النورانية في الحضارة الإسلامية وبيعالجوها بموضوعية شديدة؛ ليه؟ لأنهم شرقيون".
سيظل الشرق شرقاً والغرب غرباً
وأضافت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "يعني كل مَن لمس الشرق في كتاباته مختلف عن الغربيين اللي بيدرسوا تاريخ الشرق. فمن هنا باقول سيظل الشرق شرقاً والغرب غرباً، هذا هو رأيي يعني أنا، حتى المدارس الفرنسية التي تناولت تاريخ الأندلس؛ سواء مثلاً (دوزي) اللي من أسرة فرنسية أساساً هو نشأ في هولندا؛ لكن هو أصلاً من أُسرة فرنسية.. يعتبر من أكثر المستشرقين اعتدالاً وإن كان بعض الكتابات زي الدكتور الشكعة يعني بيقول برضه إن هوّ كان متعصباً ضد اللغة العربية، ووصف اللغة العربية بأنها ضحلة، وإنه قال في بعض الكتابات، وإن أنا بعض الحقائق سأغمض عيني عنها، فبيقول الدكتور الشكعة إن هو كان انتقائياً في كتابة التاريخ، لم يكن موضوعياً بنسبة كبيرة، وإن كان أنا من وجهة نظري هو يعتبر من أكثر المستشرقين موضوعية، فهو من أصول فرنسية؛ يعني مثلاً (ليفي بروفنسال) هو أكثر من كتب عن طريق الأندلس باعتدال.. آه ممكن يكون برضه خرجت الأمور من إيديه، (بيير غيشار) كتب عن التكوين الاجتماعي والثقافي للمجتمع الأندلسي؛ كان من أكثر الكتابات اعتدالاً. ربما لملامسة أيضاً الجنوب الفرنسي لعالم البحر المتوسط، ربما لأنهم بُعاد شوية، الإسبان منغمسون، قومية بقى، حتة القومية والتعصب لقوميتهم وعنصر الدين أيضاً، فأنا دايماً أقول الشرق شرق والغرب غرب، أنا شرقية يعني".
لا توجد حقيقة تاريخية.. مجرد ترجيحات
وتابعت المؤرخة المصرية المتخصصة في تاريخ الأندلس والغرب الإسلامي: "وعايزة أقول إن حضرتك قُلت كلمة حلوة في البداية؛ إن مفيش حقيقة تاريخية، إحنا حتى الكتابة، المنهج العلمي السليم، نقول نرجح في ضوء ما لدينا من نصوص؛ لأن ممكن تظهر مخطوطة تحقق وتغير كل شيء أو أثر. قطعة حجرية عليها نقش معين أو عملة تغيِّر كل اللي احنا بنقوله. مفيش حقيقة تاريخية؛ لا يعلم الحقيقة إلا الله، هي مجرد ترجيحات".
الزواج المختلط في الكتابات الغربية والاستشراق والإسبانية
واستكملت د.سحر عبد العزيز سالم، رداً على "أريد أن أتحدث عن هذه المرأة؛ لأن فيه زواج هذه المرة من المسلمات، وأنتِ توقفتِ عند هذه النقطة وتحدثتِ حتى عن إنجاب هؤلاء المسلمات اللاتي كنّ سبايا للمولوك": "ده أحد أبحاثي الأخيرة وكنت أتكلم عن صورة المرأة في الزواج المختلط في الكتابات الغربية، إحنا بنتكلم عن الاستشراق وما قصرتهاش على الكتابات الإسبانية، يعني برضو خدت المدرسة الإنجليزية وغيرها، والفرنسية، باختصار أديت نموذجَين؛ نموذج لسيدة إسبانية تزوجت من مسلم، وسيدة مسلمة وقعت سبية من أصول مغربية، وأصبحت محظية لألفونسو الأول، أحد أكبر ملوك أستورياس، وأنجب منها ولداً، هيبقى ملك لأستورياس اللي سموه موريجاتوس، ومعناه ابن الأسيرة أو ابن العبدة.. ظل هذا اسمه مقروناً به، حتى هو ملك، ورغم أن الكتابات بعد كده قالت إنه كان مسيحياً جيداً، ولكن اتهم بأنه مهرتق في الكتابات؛ لأنها ظهرت بدعة دينية مسيحية بدأت في طليطلة، تحت حكم المسلمين؛ يعني بتهاجم إحدى العقائد المسيحية للتباين.
انتقلت هذه البدعة إلى أستورياس في عهده. اتهموه بأنه كان وراء تشجيع الطعن في فكرة أن السيد المسيح هو ابن الله، بتأثير من الإسلام؛ لأن أمه كانت مسلمة، رغم أنه قاوم هذه الفكرة يعني، وطلب من كثير من الأساقفة أن يتصدوا لها. لكن لمجرد أن أمه، كما ورد أنها كانت أصلاً مسلمة، فاتهم بكل التهم السيئة، عهده كان سلاماً مع عبد الرحمن الداخل. فاتهموه برضه؛ لأن أمه كانت مسلمة.. أنت سلمت المسلمين، واتهموا عبد الرحمن الداخل بأنه قفز به إلى الحكم. وجاءت ظروف غامضة؛ فقالوا إن هو جاء لي مساعدة إسلامية، عمل صلحاً مع عبد الرحمن الداخل، وكان بيقدم له كل سنة هدية خيول و١٠٠ فتاة أستورية، وأصبحت دي زي أنشودة كده وأسطورة، أسطورة المئة فتاة، أستورية ويعتبرونها عاراً في تاريخ إسبانيا. لحد ما جِه بعده أحد الملوك وقضى على هذه، يعني الإتاوة اللي كانوا بيدفعوها للمسلمين، فمرجاتو، والدته، ما تحددش اسمها الحقيقة في المدونات الإسبانية؛ لكن في القرن الـ١٩ ظهر كتاب لواحد اسمه (ببيسونكوت)، قال إن كان اسمها (سيسالدا وان)، هي كانت عبدة أسيرة سبية، مغربية الأصل؛ لأن طبعاً المناطق اللي همّ استولوا عليها اللي كان في الشمال الغربي يسكنها الأمازيغ، وبعدين لما قاموا بالثورة ضد العرب نزلوا تركوها، فهمَّ استولوا عليها.. دي كانت إحدى النساء وقعت أسيرة لدى نبيل من النبلاء في البداية، زي قصة اعتماد الرميكية وشاهدها ألفونسو الأول، وهو على حصانه، وهو جاي وما كنتش عارفة إن هو أمير قبل ما يبقى ملك، وأحبته وأحبها، ثم طلب شراءها، وألفونسو يعني، سبحان الله، ربما أن المصادر بتبقى القصص متواترة أو متشابهة، لكن نفس اللي بنقرأه عن المعتمد واعتماد؛ لما رآها بتغسل على أحد الأنهار هو كان يراها برضه في حقل، وهي رأته جميلاً أزرق العينين وفارساً، كان لسه أميراً ما وصلش إلى الحكم، أحبها وأحبته، وطلبها من النبيل اللي كان بيمتلكها، فانتقلت إلى بلاطه، وأنجب منها موريجاتوس، اللي هيصبح ملكاً بعده، واللي فترة حكمه لا تزال حتى الآن موصومة، يعني تقترن بالوصم، ودي اللي بتخلينا نقول يعني لما اتهموا إيخلونا بالخيانة، لما تزوجت مسلماً...".
وأضافت المؤرخة المصرية المتخصصة في تاريخ الأندلس والغرب الإسلامي: "وبمرور الوقت مع تطور الكتابات؛ التمسوا لها العنف، أصبحت صورتها متغيرة إلى الأفضل؛ اللي بنسميها الصورة الذهنية. أما صورة المسلمة اللي بتتزوج من غير مسلم إسباني لا تتغير؛ تظل مقرونة بالدونية، بالتحقير، اللي احنا بنسميها الصورة النمطية. فكانت والدة موريجاتوس الأصل دائماً مقرونة في كل الكتابات حتى هذه اللحظة بهذه الصفة، وابنها، يعني مش هي بس، وانتقلت أيضاً إلى ابنها. ولا يزال لما تقرأ كل الكتابات اللي اتكلمت عن موريجاتوس الإسبانية حتى الآن رغم الموضوعية اللي بدأت تتسم بها الكتابات الإسبانية؛ بنجد إن يعني إلا موريجاتوس.. موريجاتوس ده استثنائي".
إشكالية كتابة التاريخ الصحيحة
وأضافت د.سحر عبد العزيز سالم: "أنا عايزة لحضرتك إن أنا عشان أكتب تاريخ صح لا بد أن يكون فيه إجادة للغة؛ يعني مش معقول إن أنا هاكتب تاريخ الأندلس من المصادر الإسلامية فقط. لا بد من أن أرجع إلى المدونات الإسلامية علشان يعني تكون الكتابة فيها مقارنة وتباين لأقرب ما يكون للحقيقة والإسبانية. الإسبان طبعاً مدوناتهم معهم. إحنا بالنسبة لنا اللغة دائماً هي عائق حتى الآن.. احنا لا نجيد اللغات الأجنبية الأخرى؛ يمكن أنا من هنا باذكر كتابات الأستاذ محمد عبد الله عنان. وما كانش دارس في التاريخ، محامٍ يعني، عاش في إسبانيا ودرس اللغة الإسبانية؛ أعتقد تزوج من سيدة إسبانية، فدي اللغة أتاحت له بقى أن يطَّلع على الوثائق ويطَّلع على المدونات، ومن هنا جاءت كتاباته، لحد النهارده إحنا بنرجع لها، فحاجز اللغة ده يعني أنا باعتبره نقطة مهمة، هم درسوا اللغة العربية برضه، المستشرقون بيدرسوا اللغة العربية؛ يعني (دوزي) مثلاً هو صحيح ليس إسبانياً. لكن ده كاتب معاجم في اللغة العربية، ومعاجم عن الملابس. دارس يعني؛ دارس متعمق، ده أكتر من متعمق في اللغة العربية؛ فملكة اللغة عنده، يعرف الإسبانية ويعرف الإيطالية ويعرف اليونانية واللاتينية والألمانية.. اللغة مهمة جداً. ربما ده كان عائقاً بالنسبة إلينا، إن إحنا مش هنقدم التاريخ مظبوط إلا إذا تعمَّقنا في دراسة اللغة الإسبانية".
دوزي.. لماذا مستشرق لا عربي ولا أندلسي إسباني يكتب أول دراسة مرجعية في تاريخ الأندلس؟
وأجابت المؤرخة المصرية المتخصصة في تاريخ الأندلس والغرب الإسلامي، عن سؤال "تفضلتِ بالحديث عن رينهارت دوزي مرتَين، لماذا مستشرق ما هو بالعربي ولا بالأندلسي الإسباني، هو الذي سيكتب أول دراسة مرجعية في تاريخ الأندلس؟"، قائلةً: "ربما زي ما قُلت لحضرتك عنصر القومية والدين بيحركنا وبيحرك الإسلام؛ يعني أنا لما هاكتب غصب عني أنا لست مجردة عن الهوى كإنسان، لما هاكتب عن الأندلس هادافع، والإسباني لما هييجي يتكلم عن إسبانيا هيتكلم من قوميته، وأما بالنسبة لدوزي فهو ليس لا عربي ولا إسباني، فبيكتب يعني بقدر ما من الموضوعية. أما مسألة الدين برذه يعني ما اعتقدش إنه كان متعصباً دينياً، أنا من خلال كتاباته ما اعتقدش أنه كان، لأن الأوروبيين متعصبون.
يمكن أنا شاهدته لما جيت أكتب عن مدينة رباط الفتح، وكنت الحقيقة زرت المغرب أكثر من مرة سنة 1996م، وفوجئت إن مفيش كتاب علمي أكاديمي عن مدينة رباط الفتح، لحد سنة 1996م. كان كل اللي كتب على رباط الفتح بوجيندور، المؤرخ المغربي، أو يعني ما هوّاش متخصص أكاديمي. وكايي، وده كان جنرال فرنسي. وطبعاً يعبر عن وجهة نظر الاحتلال. وكمان ما كانتش المخطوطات حققت بتاعة ابن عذاري وابن صاحب الصلاة. فطبعاً طلع الكتابة ضحلة يعني. فلما لهذه المصادر اللي كانت حققت بقى غيَّرت كتير من الحقائق التاريخية في ذلك التاريخ، يعني في ذلك الوقت. أيضاً مدينة مراكش يعني حصل إن أحد تلاميذنا في جامعة الإسكندرية كتب عن مدينة مراكش بعد دراسة سابقة قيمة جداً في وقتها؛ لكن لم يكن ابن عذاري قد حقق بتاع عصر الموحدين، فلما جِه الطالب بقى يرجع، لا وجد مادة علمية قد تكون مناقضة لبعض ما ورد في الدراسة السابقة عليه، دون ذكر يعني أسماء.. فأضاف يعني هو، وليس عيباً، هو كل واحد بيعمل لسه كنت باقول الحقيقة التاريخية هي ترجيح لحد ما تظهر نصوص أخرى بتغيِّر أحياناً كتير من الآراء الشائعة".
التحقيق له أصول.. ليس كل كاتب تاريخ يستطيع أن يحقق
وأضافت د.سحر عبد العزيز سالم: "والتحقيق لا يقدر عليه أي شخص، ليس أي باحث في التاريخ، وله برضه أصول ومنهجية، وحتى احنا عندنا في الجامعات المصرية وفي المراكز العلمية المتخصصة بيعملوا دورات علمية في كيفية التحقيق. ليس كل كاتب في التاريخ يستطيع أن يحقق".
دراسة الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس
وأجابت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، عن سؤال "هل كانوا يدرسون الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس باعتبارها إبداعَ العرب وللمسلمين؟"، قائلةً: "حالياً لأنهم يعتبرون تاريخَ المسلمين في الأندلس جزءاً من تراثهم.. وأن المفروض إن همّ يعني ينظرون إليه بنظرة عادلة؛ لكن قبل كده لا.. كانوا يعتبرونها فترة احتلال.. وده على فكرة في أمم كتير يعني برضه عشان نكون موضوعيين ونلتمس، مش نلتمس العذر، يعني بنشوف. يعني مثلاً في التاريخ، الروس بيعتبروا فترة المغول استولوا على موسكو، استولوا على كييف وعملوا فترة حكم القبيلة الذهبية في هذه المناطق، المغول بيسموها الروس فترة مير الحكم الماغولي، وبيعتبروها ليست من تاريخهم. أيضاً في الصين، يعني فيه حكم أسرة مغولية لما فتح جنكيز خان الصين، فيه أسرة يوان ما بيعتبروهاش من تاريخ الصين، بيسقطوها من التاريخ وبيعتبروها حكم احتلال.. إحنا مثلاً في تاريخنا القديم فترة الهكسوس، إحنا مش بنعتبرها جزءاً من تاريخ مصر، دي فترة احتلال، بندرسها بما يفيد تاريخنا الوطني، واحنا قاومناها إزاي".
المسلمون أعطوا الكثير لإسبانيا
وأضافت د.سحر عبد العزيز سالم: "في تاريخ كل الأمم ما يعتبرونه فترةَ احتلال، بينظروا إليها نظرةً مختلفةً عن التاريخ الوطني؛ لكن حالياً بدأ الإسبان يعتبرونها جزءاً من تراثهم؛ ربما لأن المسلمين أعطوا الكثير لإسبانيا. لو ما كانوش أعطوا ما كانوش هيبصُّوا لها النظرة العادلة دي؛ لكن يمكن التواريخ التانية ما أعطتش، علشان كده بيعتبروها فترة احتلال؛ لكنَّ المسلمين كانوا أعلى، وعبروا إلى الأندلس ومعهم الحضارة الإسلامية، عصر النهضة ظهر، كانت الأندلس أحد معابر الحضارة، فلما وجدوا أن فيه عطاء قدمته الحضارة الأندلسية بدؤوا ينظرون إليها، والسياحة كلها قائمة النهارده على تراثنا إحنا، التراث الإسلامي، قصر الحمراء وغيره، وتكفي السياحة".
الفرق بين الفتوحات الإسلامية والاحتلالات العسكرية
وأجابت د.سحر عبد العزيز سالم عن سؤال "فتوحات إسلامية؛ لماذا هي فتوحات؟ ما الفرق بينها وبين باقي الاحتلالات العسكرية كما عرفتها البشرية قديماً وحديثاً؟"، قائلةً: "يعني أنا عايزة أقول مثلاً لو شُفنا حروب الإسكندر وحروب الرومان، كانت حروباً سياسية وعسكرية بحتة، ليس وراءها أي دافع عقائدي؛ لكن حروب المسلمين كان فيها دافع عقائدي. يعني هل مَن يحارب من أجل نشر الدين مثل مَن يحارب من أجل استعباد شعب واستغلاله اقتصادياً واجتماعياً؟ لا طبعاً، هي صحيح هناك كلها حروب ولن يدخلوا بأغصان الزيتون. فيه فرق؛ أنا باحارب من أجل عقيدة، وأنا باحارب من أجل استعمار ومزيد من الثروات. فطبعاً الحروب الإسلامية لها هدف أسمى؛ يعني أنا مش باتحدث والله بصفتي يعني كنوع من التعصب أو ده عايز ينشر دين وده عايز يستعبد، طبعاً هي حرب أيوة في كل الأحوال؛ لكن هنا فيه هدف، فيه حرب عادلة، وفيه حرب زائفة، ودي اللي ناقشوها كتير من الفلاسفة. ما الفارق بين الحروب العادلة والحروب الزائفة؟ حتى نفس الحروب الصليبية لما جت في العصور الوسطى، الكنيسة البيزنطية رفضتها، والكنيسة الغربية الكاثوليكية أيَّدتها. وهنا بدأت فكرة الحرب، ما مفهوم الحرب العادلة؟ يعني أنا باعتبر أن الحروب الإسلامية يعني فيها قدر من يعني، نقول إيه؟ تمييز عن الحروب اللي سبقت قبل كده. اليونانية والرومانية؛ لأنهم ينشرون ديناً. هم ينشرون عقيدة، فيه فكرة روحية عندهم، فدي كمان منطق العصر.. ما احنا ما نقارنش العصور القديمة والوسيطة بمنطق النهارده؛ النهارده شيء وتلك العصور شيء".
الفتوحات ظهرت بعد الرسول
وأضافت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "عايزة أقول حاجة؛ إن الرسول، عليه الصلاة والسلام، بدأ يدعو إلى الإسلام سلمياً. يعني الفتوحات ظهرت بعد الرسول، عليه السلام، وكانت تحتمها الظروف بعد حركة الردة. كاد الإسلام يضيع. فالحقيقة، الخليفة أبو بكر الصديق، أنا باعتبره من أعظم الشخصيات الإسلامية، وحاسة إن هوّ مظلوم في الكتابات؛ يعني كل الكتابات بتركز على الخليفة عمر أكثر باعتبار نتائج الفتوحات ظهرت في عهد الخليفة عمر، بينما الفتوحات بدأت في عهد الخليفة أبو بكر، وتوفي قبل أن يشهدها".
لماذا جاءت الفتوحات بعد حروب الردة؟
وأجابت د.سحر عبد العزيز سالم عن سؤال "لماذا جاءت الفتوحات بعد حروب الردة؟"، قائلةً: "لتثبيت دعائم الإسلام؛ بل إن كثيراً من المرتدين شاركوا في حركة الفتوحات، ودي من العظمة، يعني مش بس قضى على الحركة بتاعة الردة؛ بل إن كثيراً من المرتدين عادوا للإسلام وشاركوا في حركة الفتوحات، ودي عظمة سيدنا أبو بكر، في سنتين عمل ده كله، حافظ على الإسلام لحد النهارده".
عبقرية أبي بكر الصديق
وأضافت د.سحر عبد العزيز سالم، رداً على "هناك أيضاً تأويل ينطلق من عبقرية أبي بكر الصديق؛ لأنه هو حينما انتبه إلى أن بعض القبائل ارتدت لأنها لا تريد أن تعطي زكاة، فهو بالفتوحات أتاح لها موارد": "تماماً، وحضرتك عارف أن سيدنا أبا بكر كان معروفاً باللين الشديد.. وسيدنا عمر هو اللي كان معروفاً بالحزم الشديد، ومع ذلك سيدنا عمر لما وجد المرتدين كثروا حاصروا المدينة، كثر عددهم جداً.. قال له خلاص سيبهم ما يدفعوش، قال له والله ما لو كانوا يؤدون للرسول عقال بعير ومنعوه لحرقتهم عليه. فهو شخصية عظيمة جداً، الشخصية اللي هي تبقى لينة طول عمرها؛ ولكن في لحظات الشدة تقف بمنتهى الحزم والقوة، دي شخصية مبدعة.
في الحقيقة أنا باعتبر أنه من أعظم الشخصيات الإسلامية، وإذا كان الإسلام استمر حتى الآن، حتى اليوم، بهذه القوة، فهو يرجع له. كانت حركة الفتوحات ضرورة.. ربما لو كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، أطال الله في عمره، يمكن ما كانش بدأت حركة الفتوحات ونشر الأمور سليماً. لكن الدنيا بتتغير، كانت الضرورة تحكم حركة الفتوحات، وكان هذا منطق العصر. وهو مش منطق، ما هو النهارده عصر القوة برضه. هو إحنا اللي بنشوفه النهارده ده أسوأ مليون مرة من عصر الرومان وعصر اليونان، ده منطق كل عنصر اللي ليست له هيبة وقوة تدوسه الأقدام، فكان لا بد من الفتوحات لتأمين الإسلام في بداياته".
الدراسة التاريخية الانتقائية تزييف للتاريخ
وتابعت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "ويعني مش عارفة المستشرقين متعصبين يعني بيحمَّلوا جداً على الفتوحات الإسلامية. وهل كانت غزواً ولا لأ.. طيب واللي قبلهم كانوا إيه؟ الجزية اللي بها إيه، طب ما ده نظام كان معمولاً به أيام البيزنطيين والفرس.. لما تشوف النظام الضرائبي عند الفرس والنظام الضرائبي عند البيزنطيين المسلمين أخذوا منه، وأعفوا مَن يدخل في الإسلام. ما كانش بقى البيزنطيين بيعملوا كده. فيعني هو كله مبني على كله. ولا بد ما ننتقيش، وعايزة أقول إن الدراسة التاريخية الانتقائية هي تزييف للتاريخ. عايزة أتكلم عن الفتوحات الإسلامية، هابقى أتكلم عن الغزوات بتاعة الإسكندر، وأتكلم عن غزوات الاحتلال الرومان. الأمازيغ لحد النهارده بيتسمّوا بربر، بسبب تصفية الرومان.. اللي بيستعبدوا الشعب ويفرقوا بين إن هم كرومان وكل مَن هو خارج فهو همجي بربري، إيه اللي عمله العرب بالفاتحين ده منطق هذا العصر، ومنطق كل عصر، ومنطق العصر الذي نعيشه نحن الآن أسوأ آلاف المرات من عصور الرومان".
الغزو والفتح والفرق بين العولمة والعالمية
واستكملت د.سحر عبد العزيز سالم: "في اللغات الأجنبية مفيش كلمة غزو وفتح؛ لكن أنا بارجع أقول إن ده كان مفهوم هذا العصر. ولو كان العرب عملوا غير كده كانوا هيداسوا بالأقدام. أنت حضرتك قاعد العرب دول ما بين قوتين الفرس والرومان. أو البيزنطيين اللي هم ورثة الرومان. هم هؤلاء كانوا كده.. هذا هو المفهوم، وحتى يومنا هذا احنا بنتسلح كلنا ليه؟ ما عشان نحمي نفسنا، وده منطق القوة اللي عمله العرب الفاتحون، إحنا بنسميه العالمية. واللي عملته الحضارة الحديثة، العولمة. وفيه فرق بين العولمة والعالمية؛ العالمية إن أنا باسيب لكل شعب أنا باحكمه خصوصيته، العولمة اللي يبقى بالجبر والقهر، هي ثقافة واحدة على الكل، وأعتقد يعني احنا كلنا جرَّبنا الغزو الفرنسي عمل إيه في بلادنا العربية، والنهارده يعني ثقافة موحدة، ثقافة الجينز، الثقافة أصبحت.. مهو دي عولمة؛ لكن العرب تركوا لكل منطقة حضرتك كنت تشوف مثلاً قطعة النسيج دي، تعرف إن دي نسيج مصري إسلامي. قطعة النسيج دي تعرف إن ده نسيج أندلسي، دي فارسي، دي هندي. تركوا لكل مجتمع خصوصيته الفنية والثقافية.. ففيه فرق بين العالمية والعولمة".
التلقي السلبي للمرابطين والموحدين من طرف الإسبان
وأجابت د.سحر عبد العزيز سالم، عن سؤال "ما رأيكِ في التلقي السلبي للمرابطين والموحدين من طرف الإسبان الذين اعتبروا غزوهم بربرياً؟"، قائلةً: "ده وسام على صدر المغرب الإسلامي اللي حافظ على أو أجل سقوط الإسلام في الأندلس قروناً، أنا باعتبر إن يعني مشكل قوي جداً لثقافة الأندلس، هو المشكل المغربي، ودي أيادٍ بيضاء للمغاربة وللأمازيغ على الحضارة الأندلسية، ولما نيجي نقول تشكيل الهوية الأندلسية، التشكيل الأقوى، إن في وجهة نظري الأمازيغي من البدايات خالص طارق بن زياد، ثم توافد الهجرات المغربية وإسهامهم في الحضارة، وفي كتابات كتير في هذا الموضوع. ثم الوجود المرابطي ثم الإسهام الموحدي لإنقاذ الإسلام، ثم حتى اللحظات الأخيرة، فلقى المغرب طبعاً أكيد طبعاً هيبقى فيه نوع من التعصب ضد المغرب، هيوصم المرابطين ويوصم الموحدين بشتى أنواع الصفات السيئة في الكتابات المتعصبة.. حقيقي زي ما بنقول (لهم ما لهم وعليهم ما عليهم).. ده ما يمنعش إن إحنا لما يخطئوا في شيء بنقول.. وكان في كتاباتنا بنقول حصل كذا وحصل كذا.
حتى الأندلسيون ثاروا على المرابطين في أواخر عصر المرابطين؛ لكن هي دي طبيعة البشرية (لهم ما لهم وعليهم ما عليهم)، يعني أنا باحيي الحقيقة النضال المغربي من أجل إذا كانت الأندلس استمرت ٨ قرون، فده على أكتاف المغاربة. وده طبيعي هيثير حفيظة اللي همَّ بيبرروا إن ده احتلال لبلادهم".
الأرض باقية والأفراد زائلون
وأضافت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية: "فيه مؤتمر أنا حضرته في مراكش كان عن المعتمد بن عباد، والمرابطين، وكان فيه قضية بيثيرها هذا المؤتمر؛ يعني أكيد الشعوب تعيش حريةً وإبداعاً ومع يعني تحلل أو تحرر أخلاقي وديني شوية زي ما حصل في عصر الطوائف وعهد المعتمد بن عباد وملوك الطوائف بوجه عام، والدولة وقوة الدولة وتوحدها وتماسكها على حساب حرية الناس وعلى حساب يعني إبداعهم الفني، ويبقى فيه نوع من أنواع الانغلاق ونوع من التجمُّد. أيهما أولى، الدولة أم الفرد؟ دي قضية شائكة لحد الآن، حرية الإنسان، ومش مهم الدولة بقى تتفكك ولّا الدولة بتستمر وتعيش على حساب حرية الفرد. دي قضية حتى الآن لم تحسم، وأنا مع الدول إنها تستمر. إحنا كده كده هنروح. يعني أي إنسان العمر الافتراضي بتاعه قد إيه؟ سبعين، تمانين سنة، تسعين، مئة؟ لكن اللي بيبقى هو الأرض، فأي شيء في صالح الأرض أنا معه. لأن الأفراد زائلون. دي أنا، ووجهة نظري دايماً أقول الدول أهم، الأفراد زائلون؛ إنما اللي يبقى هو الوطن، مَن يحافظ على الوطن بقى مرابطون موحدون، مَن يحافظ على وحدة هذا الوطن وبقائه أنا معه".
مفهوم الإمبراطورية
وأجابت د.سحر عبد العزيز سالم، عن سؤال "أريد أن أسائل معكِ مفهوم الإمبراطورية، هل توافقين على استخدام هذا المفهوم؟"، قائلةً: "فيه ناس كتبت حتى إن الدولة الأموية في المشرق لما توسع الإسلام والفتوحات، توصلت لحد حدود الصين وأرمينيا وأذربيجان والهند، وصلت لحد جنوب فرنسا، أصبحت إمبراطورية، والبعض يقول لك لا ما يجوزش إن احنا نسميها إمبراطورية، ويطلق على يعني تاريخ سابق لا ينطبق مع مفاهيم الإسلام. يعني أنا مش يعني ما باقفش عند التفاصيل، أنا يهمني المضمون، إن هيّ أصبحت إمبراطورية. يعني هي اسمها بقى إمبراطورية، نسميها حاجة تانية.. مش دي القضية بالنسبة لي. يعني كتير لما كتبت إنه الحروب الصليبية بدأت في إسبانيا قبل الحروب الصليبية في المشرق، كتير قعدوا يقولون لي من التقليديين لازم الحروب الصليبية لها معايير معينة، لازم يكون طلعت بعد مؤتمر ومش عارفة يكون الملابس شكلها إيه والشعر إيه. أنا مايهمنيش كل ده، أنا يهمني المضمون والمظهر، لماذا نحن الشرقيين ننظر إلى الشكليات؟ لا بد أن ننظر إلى الجوهر".
الأندلس المرابطية والموحدية والأندلس الأموية
وقالت أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، رداً على "كيف تُقَيِّمين الأندلس المرابطية والموحدية وفيمَ تختلف عن الأندلس الأموية؟": "الأموية مش كلها يعني، فيه عصور قوة وازدهار، وفيه عصور ضعف، وبرضه نفس الشيء.. المرابطون في الآخر ضعفوا، والموحدون في الآخر برضه بعد ناصر وهزيمة العقاد. فيعني هي أكثر الدولة.. يعني فيه مراحل عالية قوي، وفيه مراحل واطية قوي، فترة العصر الأموي فيها صورة عظيمة جداً لا تقل عظمة عن بدايات المرابطين، وكل العصور كذلك.. أنا عايزة آخد الأمور بشيء من التوازن، يعني مايبقاش فيه نوع من الانكباب على مدح عصر على حساب عصر آخر، في النهاية كل عصر له فترة كان فيها في أوجه وفترة تانية انحدر فيها جداً، ما اقدرش أعمل مقارنة، كل فترة فيها الحلو وفيها السلبي، أنا فيه نقطة يعني كنت عايزة أطرحها عليك لما جيبت سيرة أن أمراء الدولة الأموية في الأندلس كانوا مولدين أمهاتهم، دي نفس مشكلة الدولة العثمانية على فكرة.. يعني كل خلفاء بني عثمان بدايتهم أمهاتهم أوروبيات، والانكشارية نفسهم اللي همَّ كانوا بيكونوا الجيش ودي كانت مشكلة وأدت لضعف الدولة العثمانية وانهيارها. إن همَّ بيحاربوا في مناطق هي بلدهم. السلطان العثماني ممكن يكون بيحارب في منطقة أُمه منها. بيحصل نوع من الازدواجية داخل نفس الإنسان، دي مشكلة برضه، وده صراع حصل عند المولدين. أنا المسلم اللي دخلت الإسلام على المذهب بقى اللي كان سائد في الأندلس، المغرب، المالكي، اللي هو المفروض من المذاهب المتشددة. ولا أنا اللي أصولي إسبانية ومن وجهة نظر الإسبان أرضي اتاخدت. فحصل هذا الازدواج، وأي بلد بيحصل فيه هذا الازدواج أو الصراع مؤشر مش طيب".
ما الهوية الحقيقية للأندلس؟
واختتمت د.سحر عبد العزيز سالم، بالإجابة عن سؤال "ما الهوية الحقيقية للأندلس؟"، قائلةً: "مفهوم الهوية يعني الناس يقولوا الهوية في اللغة؛ طيب ما اللغة العربية، هل كانت السائدة؟ لا، كان فيه لغة ثانية موجودة في المجتمع، اللي هي الرومانسية اللي هي داخلة فيها الكلمات الأوروبية الإسلامية على البربرية الأمازيغية. الهوية هيّ إيه بالظبط؟ الهوية مفيش حد قدر يحدد لحد النهارده تحديد مفهوم أو تعريف ثابت للهوية.. اللي أنا باقوله إن الأندلس كانت خليطاً من ثقافات مختلفة؛ ليست لها هوية واحدة، ودي مشكلة البلاد اللي مالهاش هوية واحدة. عارف حضرتك زي إيه؟ زي المناطق الحدودية.. المناطق الحدودية مالهاش هوية ثابتة.. بتبقى هنا قبائل في منطقة أو الشعب منقسم ما بين هنا وهنا. أنت ده ولا أنت ده، وممكن للأسف ينشب صراع بين الدولتَين اللي فيه شعب من قسم على حدودهم. هنا الهوية بتبقى مرتبكة، وأحياناً بيحصل خيانات بقى من نظر دولة، الناس اللي هنا بينضموا مع الناس اللي هنا.. وهكذا. دايماً دي مشكلة؛ فدي كانت مشكلة في الأندلس، إن الهواية فيها داخلة في بعضها، مرتبكة مش محددة".