• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

الاستشراق وعلم المخطوط | د. أيمن فؤاد سيد

للإستماع




تحدَّثَ الدكتور أيمن فؤاد سيد، المؤرخ والمفكر المصري، صاحب كتاب "الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات"، خلال لقائه الإعلامي ياسين عدنان، عبر برنامج "في الاستشراق"، عن أسباب صرف المستشرقين جهداً كبيراً في الاشتغال على المخطوطات الشرقية، والبحث في مصادرها، ولماذا أولوا أهمية قصوى لأعمال الفهرسة والتحقيق؟ ثم هل صحيح أن علم المخطوط العربي ظهر أول مرة عند المستشرقين وتأسس في معاهدهم؟ بل إن مناهج البحث والقواعد التي وضعوها لدراسة مخطوطاتهم الغربية هي ما بادروا إلى تطبيقه على المخطوطات الشرقية؟ أم أن إجراءات علم تحقيق المخطوطات كانت معلومة في تراثنا العربي الإسلامي القديم؟


أسباب اهتمام أوروبا بالمخطوطات العربية

وأجاب الدكتور أيمن فؤاد سيد المؤرخ والمفكر المصري، عن سؤال "ما أسباب اهتمام أوروبا بالمخطوطات العربية وحرصها على جمعها ونقلها إلى العواصم الغربية؟ وكيف حمل نابليون معه أثناء الحملة الفرنسية فيضاً هائلاً من المخطوطات؟ نفكر في فيلهلم الرابع، ملك بروسيا، الذي كان يبعث من يشتري له المخطوطات من مصر وغيرها من بلدان الشرق"، قائلاً: "الموضوع يرجع إلى قبل ذلك بكثير؛ وربما كانت البداية الأولى هي صدام في زمن القرزاد أو الحروب الصليبية، وهنا حاول الأوروبيون أو الغربيون أن يتعرفوا على هذا الدين الجديد، والمواجهة التي قامت بينه وبين الغرب، وكان الداعي إلى ذلك هو البابا في القرن الحادي عشر، مطلع القرن الحادي عشر/ نهاية القرن الحادي عشر؛ لكن البدايات الأولى لجمع، نقدر نقول، الممتلكات الثقافية الشرقية؛ بما فيها المخطوطات، بدأت مع حتى بداية المتاحف في أوروبا، نجد قطعاً نادرة من المقتنيات والممتلكات الثقافية ثم المخطوطات، وربما كانت البدايات الأولى في زمن لويس الرابع عشر، مع وزيره الشهير كولبير، وهنا تكونت في فرنسا مجموعة كبيرة من المخطوطات الشرقية، وأنشأ كولبير لكاديمي دي كونستريون لابليتر، منذ هذا التاريخ التي بدأت تتخصص في دراسة الشرق الإسلامي؛ لأن إحنا قُلنا إن مفهوم الاستشراق يشمل الهند والصين واليابان وتركيا والفرس والإيجبتولوجين كلودي؛ فهنا كانوا مركزين على الجزء ده، وبدؤوا في تكوين هذه المقتنيات المهمة، وبدؤوا في عمل كتالوجات لها في مرحلة متأخرة.. وأنت ذكرت نابليون لما جِه إلى مصر؟".


كيفية التعرف على الشرق

وأضاف الدكتور أيمن فؤاد سيد، رداً على "لأ؛ أنا الفكرة هو أنه مع نابليون حينما جاء إلى مصر مع فيلهلم الرابع، حينما بدأ يبعث مَن يقتني له الكتب؛ نحس أن الأمر سيتجاوز أولاً الشغف المعرفي وسيتجاوز الحسابات الصليبية؛ لكي يصير جزءاً من الاستثمار السياسي في معرفة الشرق": "لأ؛ هو الأساس أصلاً التعرف على الشرق، كيف تتعرف على الشرق من كتابات المشارقة أنفسهم؟ ماذا كتبوا؛ تاريخاً وفقهاً ولغةً وأدباً؟ وأنا أتعرف على هذه الحضارة الناشئة التي كانت في مواجهة المسيحية، والموضوع كده مسيحية وإسلام، فهذه الحضارة نعرفها إزاي من الكتابات التي كتبها أهل هذه الثقافة. ومن هنا هنجد أنه مع نابليون فعلاً عملوا السيتولوجيبت، المجمع العلمي المصري، والأسئلة التي طرحها على العلماء المصاحبين له في هذا، والنتيجة مش بس في مصر.. هو نتاج هذه الأسئلة التي طرحها بونابرت -كان اسمه في البداية بونابرت، أخذ نابليون بعدين- على أعضاء المنحة، ثم المخطوطات التي بدأت تخرج في زمنه، وبعد هذا الزمن في عهد محمد علي باشا، القنصل العام لفرنسا في مصر أخد مجموعة كبيرة؛ من بينها مصاحف نادرة بخط ياقوت المستعصمي وبعض المصاحف التي كانت في الفسطاط في مصر، والتي أُقيمت عليها دراسات بعد ذلك؛ أهمها المخطوط (مصطلح فرنسي) في الببليوتيك ناسيونال دي فرانس، اللي نشره فرانسو دي روش".


وتابع خبير المخطوطات المصري، رداً على "إذن نحن نتحدث عن مخطوطات يعني ذهبت في سياقات؛ بعضها صليبي وبعضها سياسي، ويمكن حتى بعضها معرفي؛ ولكن الوسائل كانت تتعدد أيضاً، يعني من الاقتناء إلى الاختطاف، وكلنا نعرف مكتبة الأمير": "مولاي زيدان السعدي، ولكن هم لم يقصدوا المكتبة، هم ظنوا أن الصناديق دي فيها ذهب فاستولوا عليها، بهذا المنطق؛ لما فتحوها صدموا.. فيها كتب في عهد فيليب الثالث ملك إسبانيا سنة 1612، فده قبل نابليون بثلاثة قرون أو قرنَين، فهنا تكونت هذه المجموعة، وكل المحاولات التي حاولت أن تستعيدها باءت بالفشل، والبابا هو اللي أمر بأن يحافظ عليها، تبقى في دير الأسكوريـال، قرب مدريد".


حركة الاستشراق والنشر واختراع الطباعة

واستكمل د.أيمن فؤاد سيد: "(وهي لا تزال في الأسكوريـال إلى الآن)، طبعاً، واللي في باريس ما زال في باريس، واللي في مكتبة الدولة في برلين ما زال في مكتبة الدولة في برلين؛ لكن هو السؤال أنهم عرفوا بهذه مع بداية حركة الاستشراق، وهنا لما نتكلم عن حركة الاستشراق والنشر، نتكلم عن جوهان جوتنبرج واختراع الطباعة.. هنا بدأت مرحلة مهمة في التعريف بهذا التراث، مع نشأة بداية الطباعة. فما طبقه الغربيون على نشر التراث الكلاسيكي اليوناني واللاتيني بدؤوا في تطبيقه أيضاً على التراث العربي، ومن أوائل الكتب التي نُشرت في روما 1593 كتاب (القانون في الطب) لابن سينا، وهذا من أهم الكتب التي كانت تدرس في الجامعات الأوروبية، واحنا كنا سابقين في هذه الموضوعات، فمن هنا بدأ الاهتمام، وبالمناسبة لم تنشأ مكتبة وطنية في الشرق إلا قرب نهاية القرن التاسع عشر، احنا بنسميها بعثة الأنجال التي أرسلها محمد علي باشا، وكانت تضم إسماعيل الأمير؛ إسماعيل الذي أصبح الخديو إسماعيل بعد ذلك، ومعه علي مبارك الذي أصبح ناظرَ المعارف العمومية وناظرَ الأشغال العمومية، عندما أصبح إسماعيل باشا هو خديو مصر؛ فهو الذي طرح عليه أن ينشئ مكتبة وطنية في مصر؛ مثل المكتبة الوطنية التي شاهدوها في باريس".


مصر قبل وصول العثمانيين كانت مركز العالم الإسلامي والخلافة

وقال د.أيمن فؤاد سيد، رداً على "في فرنسا تحس أن هذه المكتبة الوطنية التي أُسست في مصر بالنهاية كانت محدودة في المكان والمجال وكانت عاجزة": "في ما تبقى من التراث المخطوط الذي كانت تحتفظ به خزائن المدارس المملوكية، وهو كم هائل جداً، ذكروه.. كل الذين زاروا مصر؛ ولكن خرج أولاً مع العثمانيين في القرن السادس عشر، ثم كان موجوداً في أماكن ماحدش حريص عليها وبيحافظ عليها، فما وجد أُنقذ في دار الكتب أو الكتبخانة الخديوية، كما كانت تسمى، والنذر القليل الذي تبقى، لكن احنا هنشوف علامات الوقف الموجودة على هذه المخطوطات في إسطنبول بصفة خاصة ومكتبة الأناضول في باريس في برلين في لندن.. في كل الأماكن دي؛ وفي روما،  فقسم كبير منها مصدره مصر؛ لأن مصر قبل وصول العثمانيين كانت هي مركز العالم الإسلامي، ومركز الخلافة مع سلاطين المماليك".


المكتبة الوطنية في مصر

وأضاف المؤرخ والمفكر المصري، رداً على "هذا هو المهم؛ تحس أن هذه الكتب التي هاجرت أو هجرت إلى أوربا مع ذلك كانت محدودة؛ لأنه هيئ لها هناك فرصة على الأقل أن تصان وتحفظ وترمم وتفهرس بعد ذلك": "وتتاح؛ لأن فيه عندنا مشكلة في المكتبات اللي في الشرق؛ وهي عدم الإتاحة أو يبقى فيه محاذير في التعامل معها. أنا حضرت ندوة في معهد المخطوطات العربية كان ينظمها في الأمانة العامة ناس بتناقش هذه القضية، وإن احنا بنطلب الكتب من أوروبا، فبتجينا بسهولة، بينما عندنا صعوبات في الحصول على النسخ في المكتبات العربية، فواحد من اللي قاعدين قال أنا أخشى إن احنا نأخذ توصية إن إحنا ننقل المخطوطات بتاعتنا نوديها مكتبات أوروبا؛ حتى تتاح لنا، فهم كانوا محافظين عليها وبيتيحوها، وفي نفس الوقت الكتالوجات اللي تمت بداية مع البارون دي سلان، اللي عمل أول فهرس مخطوطات للمكتبة الوطنية في باريس، ثم بلوشيه بعده، والمخطوطات اللي تمت في المكتبة البريطانية؛ لكن المتحف البريطاني.. أهم كتالوج في التصنيف على الإطلاق هو الكتالوج الذي وضعه في نهاية القرن التاسع عشر، المستشرق الألماني ألورد، في عشرة مجلدات لمكتبة الدولة في برلين التصنيف الذي اتبعه ألورد في إعداد هذا الفهرس أو هذا الكتالوج هو الذي نبه كارل بروكمان إنه يضع كتابه دي شيش إذ أرابيشن؛ إذ أرابيشن أو تاريخ الأدب العربي، الذي جمع فيه مرتباً على الموضوع وعلى الجغرافيا وعلى التاريخ، التراث، الإنتاج، الفكر العربي في مكتبات العالم التي كانت متاحة وقت أن ألَّفَ كتابه".


تراث كل الحضارات تراث مخطوط

وأجاب د.أيمن فؤاد سيد، عن سؤال "ما المخطوط كعلم؟ ما الذي يميز المخطوط باعتباره علماً؟"، قائلاً: "زي ما بنقول إن إحنا الإنتاج الفكري الإنساني كله إلى اختراع الطباعة في القرنَين الـ15 و16، كان مكتوباً بخط اليد؛ فالتراث الذي يمثل كل الحضارات، هو تراث مخطوط؛ وبالتالي هذا النص يبقي النسخة اللي كتبها المؤلف هي النسخة الصحيحة، لأنها صادرة عن المؤلف بخطه وهو أية نسخة منسوخة منها ممكن يدخل عليها انتقال، نظر، تصحيح، تحريف، اختلاق شيء من هذا القبيل؛ لكن مع اختراع الطباعة أصبحت عندنا نسخة معتمدة، وبها آلاف النسخ ممكن تداولها وتعتمد، تبقى هي دي المعتمد عليها.. المخطوطات كانوا لما بتوضع في تصنف في المكتبات؛ كان لا بد يتعمل لها كتالوج أو فهرسة..".


الفهرسة الوصفية لم تكن تختلف كثيراً عن فهرسة الكتاب المطبوع

وأضاف خبير المخطوطات المصري: "الفهرسة اللي كانت تتم في المرحلة الأولى وربما لغاية مطلع القرن العشرين، كانت فهرسة وصفية، الفهرسة الوصفية ماكانتش تختلف كتير عن فهرسة الكتاب المطبوع.. العنوان، اسم المؤلف، فاتحته، خاتمته، تاريخ النسخ، اسم الناسخ، قياس الصفحة، عدد الأوراق. ودي كانت الفهرسة الموجودة في كل الكتالوجات اللي بيتعامل معها؛ لكن تنبه العلماء والفرنسيون منهم بصفة خاصة في منتصف القرن العشرين إلى أن كل نسخة خطية هي في حقيقة الأمر أثر قائم بذاته له مواصفاته وله خصائصه التي تميِّز نسخة عن أخرى، فمن هنا ابتدوا يعتنون بدراسة الشكل المادي للكتاب المخطوط، بصرف النظر عن الكونتانس أو المحتوى بتاعه؛ يعني يطلع كتاب لغة كتاب تاريخ، كتاب طب.. مش مهم؛ المهم الهيئة أو الشكل المادي للكتاب. ما حوامل الكتابة؟ الحبر والأعمدة المستخدمة؛ الألوان والأصباغ الموجودة، شكل الكراسة وإخراجها، القطع بتاعها، الحوامل طبعاً؛ ممكن تبقى بردي وممكن تبقى رق برشما، ممكن تبقى ورق البردي البيبراوس، البرشما الرق، الكغد، أو الورق الكراسة، وإخراجها وشكلها، وعدد الأسطر في الصفحة أو ما نسميه الميزونباج، وإخراج الصفحة نفسه بيتم إزاي؟ تجليد الكتاب اللي هو بيدي في النهاية، شكل الكتاب، المخطوط؛ لأنه دون التجليد هيبقى مجرد رزمة مكونة من كراسات هي اللي بتديله الشكل بتاع المخطوطات؛ فنشأت دراسة خاصة أولاً طُبقت على المخطوطات الكلاسيكية اللاتينية واليونانية، ثم وجد الغربيون أنهم ممكن تطبيقها أيضاً على المخطوطات العربية الإسلامية.. هنا أقصد المكتوبة بالحرف العربي يعني؛ العربي والتركي والفارسي والأوردي.. المخطوطات بهذه اللغات؛ فبدأت هذه الدراسة وأدت لنا معلومات غنية جداً، كانت الفهرسة الوصفية بتهملها أو تتجاهلها، ولذلك هنجد أن المكتبة الوطنية الفرنسية هي المكتبة الوحيدة التي أعادت فهرسة رصيدها المخطوط؛ عشان يطلع بفهرسة كودوكولوجية فيها العناصر اللي احنا تكلمنا عنها...".


إعادة بناء المكتبات الوقفية القديمة

وتابع د.أيمن فؤاد سيد: "طب هنا نعرف من خلالها رحلة الكتاب؛ لأنه من خلال.. احنا تكلمنا عن الشكل المادي اللي هو الورق والأمدة والأحبار والأصباغ والألوان والكراسات؛ لكن فيه حاجة بنسميها الإكسليبرس أو خوارج النص، اللي هي كل ما دُوِّنَ على النسخة وليس من كلام المؤلف أو من أصل الكتاب.. مش الحواشي؛ يدخل فيها الحواشي، مرتبطة بالنص، يدخل فيها التملكات، منَ امتلك هذه النسخة، المطالعون لهذه النسخة، علامات الوقف الموجودة عليها، الشهادات العلمية عند المسلمين وممثلة في إجازات السماع والقراءة اللي موجودة على النسخة؛ فدراسة هذه الخوارج أعطتنا فرصة إن إحنا نتتبع شخصاً سمع عشرات الكتب وممكن يكون سمعها في مدن مختلفة وعلى فترات زمنية متباعدة ونقدر نعمل ترجمة لشخص فيها معلومات لم ترد في التراجم المثبوتة في الكتب المشهورة من خلال تتبع طرق العلم التي تلقاها هذا الرجل هنا وهناك، والارتحال في طلب العلم، علامات الوقف، نقدر نعمل، نعيد بناء المكتبات الوقفية القديمة الموزعة الآن على مكتبات العالم.. أنا شخصياً أعدت بناء مكتبة اسمها الخزانة المحمودية في مصر لجمال الدين محمود الاستادار، المكتبة قال عنها المقريزي إنها أشمل وأهم وأكبر مكتبة موجودة. من خلال علامات الوقف اكتشفنا أن النسخ بتاعتها موزعة على كل مكتبات إسطنبول والأناضول والمكتبات الوطنية في باريس وبعض أماكن أخرى في العالم؛ فهي خرجت من مصر، لكن قدرنا نعمل لها ري كونستركيكشن، وإعادة بناء من خلال العلامات الموجودة عليها، علامات التملك، أقدر أعيد بناء مجموعة خاصة بشخص تملك هذه النسخة، ومنهم شخص مهم جداً عاش في إسطنبول، وكان موجوداً نحو 1135، يعني تاريخ توقيعه مؤرخ، 1135 هجرياً، اسمه أبو بكر أحمد بن رستم الشرواني، هذا الرجل قدرت أجمع له أكثر من 90 كتاباً موزعة ما بين إسطنبول والقاهرة وباريس والمدينة المنورة ومناطق أخرى في العالم، ده كله من خلال الإكسليبرس أو علامات أو خوارج النص المثبتة؛ فهذا هو علم الكودوكولجيا الذي أيضاً بدأه الأوروبيون والفرنسيون منهم بصفة خاصة".


واستطرد د.أيمن فؤاد سيد، رداً على "عجيب؛ لأ وحقيقة يعني معطيات مهمة ومفيدة، ولكن أنا التقطت منها حينما تفضلت بالحديث عن اللغات وعن أنه العربية والتركية": "لأنهم يكتبون المخطوطات الإسلامية؛ المخطوطات الإسلامية هي فارسي وعربي وتركي وموردي".


الاتجاهات الفيلولوجية تقود المستشرقين لجمع الكتب الإسلامية

وأجاب المؤرخ والمفكر المصري، عن سؤال "هل صحيح أن الاتجاهات الفيلولوجية في دراسة اللغات الشرقية ربما هي التي قادت المستشرقين إلى جمع هذه الكتب الإسلامية وتحقيقها؟"، قائلاً: "أيوة؛ لأن هو عايز يتعرف على ثقافة، الثقافة دي اللي جاية باللغة العربية من هذا المجتمع، فكان السبيل الوحيد أن تشوف ما أنتجه أبناء هذه الثقافة وعلماؤها في الموضوعات المختلفة، وجزء منها بيتكلم، أولاً هنجد أن النشر النقدي للمخطوطات أو التراث ركَّز الأوربيون فيه على ما يفيد الفكر الإنساني؛ بمعنى الكتب اللي لها علاقة مثلاً بتصنيف الكتب، زي فارس النديم، وكشف الظنون لحاج خليفة، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، والمكتبة الجغرافية؛ الكتب التي لها علاقة بالطب والرياضيات وما شابه ذلك، مش هتلاقيهم كتير أوي نشروا كتب فقه أو كتب حديث أو كتب كذا، إذا استثنينا الفهرست اللي عمله فانسينك للمعجم المفهرس، ألفاظ الحديث النبوي، وده معجم مفهرس مش نشر، فهتلاقي تركيزهم كله على هذه النصوص التي فيها إضافة إلى الفكر الإنساني؛ لكن مش خاصة بالدين الإسلامي".


علم المخطوطات والفيلولوجيا الاستشراقية

وأجاب د.أيمن فؤاد سيد عن سؤال "هل أنت مع تحرير علم المخطوطات من ربقة الفيلولوجيا الاستشراقية؟"، قائلاً: "نعم؛ لأنه مختلف تماماً؛ الشكل اللي أنا وضحته هو دراسة الشكل المادي وخوارج النص، مالوش علاقة بالنص خالص، فالنص هو الفيلولوجيا؛ لكن هنا بنتكلم في خوارج النص، ما علاقته؟ يطلع واحد يقول ملكته، انتقل إليَّ بالبيع الشرعي، ثم انتقل إلى فلان بكذا.. سمعه فلان في مجلس حوالي كذا، وقف وحبس وسبل وأبد فلان الفلاني على طلبة العلم الشريف، وكل دي أشياء بنعمل منها تصوراً لشكل الخزانة العربية، كانت ازاي، وحركة انتقال الكتاب، وما النسخ التي كانت لها ذيوع انتشار أكثر والنسخ الهولوجراف أو اللي كتبها المؤلفون بخطهم ووصلت إلينا، فكل دي أشياء مش هنقدر نعرفها إلا من الكودوكولجيا، الفراسة الوصفية ما بتدينيش أية معلومات، هي مجرد زي ما باقول على كتاب ده مطبوع في مطبعة بريل، مؤلفه فلان، حققه فلان، عدد أوراقه كذا.. بس. (إذن مفهوم أن الأمر يتعلق يعني بخوارج النص لا بمضمونه؛ لكن فيه فهرسة المخطوطات)؛ لكن دراسة الإنتاج الفكري هي دراسة النص".


عملية النشر النقدي واختراع الطباعة

وأضاف خبير المخطوطات المصري: "أنا عايز بس أضيف حاجة توضيحية هنا، هو أن فكرة النشر النقدي أو الإديسيون كريتيك للنصوص القديمة، لم تظهر إلا بعد الطباعة؛ لأن هو المقصود بالنشرة النقدية إيه؟ هو إن لما بدؤوا في النصوص الكلاسيكية اللي بينها وبين الطباعة أكثر من ألفَي سنة، نصوص سقراط وأرسطو وأفلاطون وجالينوس المكتوبة قبل الميلاد، احنا بنقول الطباعة دي 1500 وحاجة و1400 وحاجة، ففيه بينها ألفا سنة على الأقل، فالنسخ التي وصلت إلينا هي نسخ منقولة عن نسخة منقولة عن نسخة.. فبالتالي نسبة التصحيف والتحريف والسقط فيها كبيرة؛ فالعلم اللي هم قالوه واللي نظمه وقننه مستشرق ألماني أو عالم ألماني اسمه ريخمان، هو ازاي أعمل مقابلة بين النسخ لأصل من خلال المقابلة إلى النص الأصلي الذي كتبه المؤلف، وازاي أختار القراءة الصعبة اللي هي ممكن تكون هي اللي موجودة في النص الأصلي، وازاي أقسم النص إلى فقرات؛ بحيث إنه يتعمل موضوعات فكرية معينة، إزاي أعمل شمعة أو خريطة تعرفني تاريخ النسخ؛ النسخة الأحدث والنسخة الأقدم، النسخة الأتم، النسخة الأقل، النسخة اللي فيها خرم، النسخة اللي فيها كذا؛ بحيث إن أنا أعملها خريطة تعرفني النسخ اللي أنا اعتمدتها، إد إيه، طبق هذا بقى على النصوص العربية؛ لكن مقابلة النصوص وإخراجها زي ما عمل مثلاً النووي في صحيح البخاري، مثلاً النسخة السلطانية، مثلاً اللي نشرت في مصر في نهاية القرن الـ19، ده عمل أحادي، احنا بنتكلم أن عملية النشر النقدي دي بدأت تظهر وتشيع مع اختراع الطباعة، وإن أنا أذيع هذا الإنتاج الفكري بحيث أن أجمعها، بحيث أن أوصله إلى الأصل الذي أراده مؤلف هذا النص".


المستشرقون والإنتاج الفكري المتنوع

وتابع د.أيمن فؤاد سيد، رداً على "إذن لست مع مَن يرون أنه لأ عندنا تقاليد عربية إسلامية؟": "في ضبط النص حاجة؛ لكن النشر مرتبط بالطباعة، عشان أنشر الطباعة؛ لكن أنا باعمل نسخة، طب أنا شُفتها واللي هينقل منها شافها، لكن عشان أطبق ده على الكل، فيه معايير وفيه مناهج أنا هطبقها بقى على كل النصوص، فابتداء من هذا التاريخ بدأ التطبيق، وبالمناسبة يعني المستشرقون طبقوا هذا في نشراتهم اللي بدأت الغرب في دراسة فكر وتاريخ هذه الأمة اللي أنتجت هذا الإنتاج الفكري المتنوع مع مثلاً أبي الاستشراق الفرنسي سلفستر دي ساسي، هو بدأ هذه الأشياء وبعدين بعده تلميذ من تلاميذه كاترو مير، إيتيان كاترو مير، وجوسته، وفيجل الألماني، وفيستين فيلد الألماني أيضاً، ثم في مرحلة لاحقة المستشرق الهولندي ميخائيل دوخويا، اللي عمل المكتبة الجغرافية، فتقدم لي النصوص؛ أستطيع بقى أن أستفيد منها في دراسة فكر وتاريخ هذه الأمة التي أنتجت هذا الإنتاج الفكري المتنوع".


بداية دراسة المخطوط العربي

وأجاب خبير المخطوطات المصري عن سؤال "إذن ربما أنتم مع مَن يرى أن دراسة المخطوط العربي بشكل علمي ربما بدأت تحديداً مع موريس 1905، في كتابه الخطاطة العربية؟"، قائلاً: "لأ؛ الخطاطة العربية هذا أولاً خط مخطوطات دار الكتب، هو كان مدير دار الكتب، موريس ده، فخد الكتاب بتاعه لأبلوجرايف دي آراب، من النسخ الخطية اللي موجودة في دار الكتب، وصورها وحطها في كتالوج ضخم فخم جداً".


تاريخ الكتابة العربية والخط العربي

وأضاف د.أيمن فؤاد سيد: "أقصد دار الكتب المصرية طبعاً؛ هو كان مدير الدار، الألماني كان مديراً، كان أول أربع مديرين للدار: موريس وفوليرس كانا من الألمان، إلى أن جاء أحمد لطفي السيد كأول مدير مصري لدار الكتب، فهو عمل هذا الكتاب من خلال النسخ المؤرخة في دار الكتب منذ المبكرة جداً إلى النسخ الأحدث، بحيث إن هي تعرف ما نسميه تاريخ الكتابة العربية أو تاريخ الخط العربي البيلوجرافي آراب، فهوَّ ده الخطاطة؛ يعني الخط، لكن الموضوع العلمي نفسه لأ بدأ من قبل، ثم في مرحلة لاحقة كيف كان عندنا مع محمد علي باشا، لما تولَّى مصر أصبحت عندنا مطبعة بولاق، أنشأ مطبعة بولاق 1822، وكانت في البداية تنشر التراجم اللي أعدها أعضاء البعثات العلمية اللي أوفدها إلى فرنسا؛ لكن في مرحلة لاحقة أصبح هناك مصححون من الأزاهرة، رجال الأزهر، زي الشيخ عبد الرحمن قط العدوي، والشيخ نصر الغوريني، وكمال الصباغ، ومحمد الصباغ.. وغيرهم. هؤلاء أخرجوا الطبعات البولاقية اللي هي مش مبنية على أية قواعد ولا ندري على أي أصول اعتمدت، فظل الوضع كذلك إلى أن بدأ احتكاك مباشر بين المشارقة والأوروبيين عن طريق مؤتمرات المستشرقين، أول مؤتمر للمستشرقين عُقد في باريس 1873، وبعدها بعشرين سنة عقد في لندن 1893، فكان واحداً من أهم الذين حضروا هذا المؤتمر، أول مرة يحصل احتكاك، أحمد زكي باشا شيخ العروبة، فأحمد زكي باشا لما التقاهم هناك وشاف الإنتاج بتاعهم وتناقش معهم وكل الأشياء دي، وكان بييجي واحد مغربي كمان معاه محمد بن شنب من الجزائر؛ محمد بن شنب، ففكر بعد ذلك.. أولاً عمل كتاباً اسمه (السفر إلى المؤتمر) بيحكي فيه قصته في السفر إلى المؤتمر واللقاءات اللي عملها والحاجات الجديدة اللي شافها، فعندما أصبح زكي باشا سكرتير مجلس النظار في مصر سنة 1909، أوعز إليهم بأن ينشؤوا حاجة اسمها لجنة إحياء الآداب العربية. هنا بدأ التطبيق العلمي للنشر النقدي للنصوص، تعرف المخطوطات دي جبتها منين، توصف المخطوطات، تعمل مقابلات تعلق عليها، تعمل لها كشافات، تعمل مقدمة فيها دراسة، فهذا المنهج بدأ في هذا التاريخ في فترة أكثر من مئة سنة وأكثر بين البدايات اللي بدأت في الغرب وبين إن احنا دخلنا فيه طبعاً طبعات بولاق وطبعات الجواهب وطبعات غيرها؛ لكن أول مرة يبقى عندنا النظام في الإخراج، اللي حول لجنة إحياء الآداب العربية، ده بعد ذلك بعشرين سنة أو بـ12 سنة، إلى القسم الأدبي في دار الكتب المصرية، ده اللي أخرج كتب الأغاني، وأخرج كتاب صبح الأعشى، وأخرج النجوم الزاهرة، وأخرج دواوين كعب بن زهير وزهير بن أبي سلمى.. كل الأشياء دي بقي على المنهج العلمي".


علم المخطوط لا يكتمل إلا بالفهرسة

وتابع  المؤرخ والمفكر المصري، رداً على "عجيب؛ هذا المنهج العلمي في ما يتعلق بعلم المخطوط لا يكتمل إلا بالفهرسة؟": "هي اللي بتدلني أدور على كتب ازاي، وأجيبها ازاي، لو أنا ماعرفش الدليل الجيد اللي هيوريني لها، وعشان أعرف النسخة الأقدم والنسخة الأحدث، والنسخة الأجوجراف، والنسخة الهيلوجراف، النسخة اللي ملهاش قيمة.. فالمخطوطات هي مثل كنوز الفهرسة؛ هي التي تتيح لك السبيل للوصول إلى الكنز، هي المفتاح اللي بنوصل منه".


التأسيس الفعلي للفهرسة العربية في المجال الأدبي والفكري

وأجاب د.أيمن فؤاد سيد، عن سؤال "أريد أن أسأل عن المجهود الخرافي الذي بذله المستشرق الألماني بروكمان، في تاريخ الأدب العربي.. إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الكتاب هو التأسيس الفعلي للفهرسة العربية في المجال الأدبي والفكري؟"، قائلاً: "لأ؛ هي مش فهرسة هنا، هي وضع البيبلوغرافيا للإنتاج الفكري العربي؛ بحيث زي ما قُلت لحضرتك إن هو عمله تصنيف، الأساس بتاعه اللي نبهه إليه اللي عمله ألوارد في فهرس مكتبة برلين، مكتبة الدولة في برلين، عشرة مجلدات، وانطلاقاً منها ابتدأ اعتماداً على الكتالوجات المتاحة، الفهارس المتاحة في المكتبات الأوروبية، واستعان ببعض تلاميذه اللي كانوا موجودين في بعض البلاد الأخرى، فأمدوه ببعض التفاصيل عن مخطوطات موجودة عندهم، إنه يعمل تصنيفاً موضوعياً، يعني فصل فقهي الحديث للغة، لعلوم القرآن، للتاريخ، للنحو، ويقسمه تقسيماً زمنياً وجغرافياً، الفترة دي في الأندلس، الفترة دي في مصر والشام، الفترة دي في العراق، الفترة دي في كذا، فأصبح عندي هذا، تاريخ الأدب العربي في مجلدَين.. واستدركوا بعد ذلك سنة 1902 من 1937 و1943، عمل طبعة ثانية عملها "مصطلح فرنسي"، ثلاثة ملاحق استدرك فيها، بقى إيه الفهارس الجديدة اللي ظهرت وابتدى المخطوطات في تركيا بالذات؛ لأنه ماكانش يعرف عنها حاجة في الأول، تعرف عليها، وده رصيد غني جداً، أغنى رصيد مخطوطات في العالم، وابتدى يضيف، فطلع لنا الطبعة الثانية من كتاب تاريخ الأدب العربي من 37 و43؛ لكن المخطوطات التركية بالذات كان فيه ناس مش عارفة عنها حاجة؛ لأن مفيش كتالوجات خاصة بها، مين اللي كان متنبهاً لها؟ بعض المستشرقين الألمان؛ وعلى رأسهم إلموتلتر.. إلموتلتر أمضى ربع قرن في إسطنبول والأناضول من بين 27 إلى خمسينيات القرن الماضي (1927 إلى 1900).. حاجة وخمسين، وكان يلقي محاضراته على الطلبة الأتراك، هناك من بين الطلبة الذين كانوا يتتلمذون عليه، العالم التركي فؤاد سزكين، من كلام إلموتلتر، والكلام اللي قاله ده تنبه إليه، ففكر أنه يعمل مستدر على بروكلمان، يشمل مخطوطات العربية في مكتبات تركيا؛ ولكن بعدما قطعَ شوطاً طويلاً في الموضوع، اكتشف أن فيه أوهاماً وأخطاء كثيرة عند بروكلمان بالذات في المداخل، فقرر أن يفصل كتابه عنه ويعيد كتاباً جديداً بعنوان تاريخ التراث العربي، واستمر يؤلفه، الطبعة الأولى، الجزء الأول سنة 67، إلى العقد الثاني، وتوفي، رحمه الله، سنة 2018، فأخرج نحو من 18 إلى 17 جزءاً من الكتاب".


الفرق بين الفهارس والقوائم الببليوجرافية

وقال د.أيمن فؤاد سيد، رداً على "من هذا الكتاب، أنا قبل قليل وأنا باحكي عن بروكلمان، نبهتني إلى الفرق ما بين الفهرس والببليوجرافيا، أحب فعلاً أن أعرف الفرق بين الفهارس والقوائم الببليوجرافية": "لأ الفهرس، أنا باجيب رصيد.. رصيد مكتبة خاصة، مكتبة، دي مكتبة الدولة في برلين، المكتبة الوطنية في باريس، دار الكتب المصرية، وبفهرس الرصيد الموجود في هذه المكتبة؛ لكن الببليوجرافيا أنا أختار موضوعاً معيناً وأكتب كل ما كُتب حول هذا الموضوع".


وأضاف د.أيمن فؤاد سيد: "(بغض النظر عن مكان وجود الكتاب)، آه، وسواء أكان مخطوطاً أم مطبوعاً أم دراسة؛ أنا باتكلم عن تاريخ الفترة مثلاً العباسية، باشوف إيه المصادر العباسية اللي لم تنشر فموجودة هنا وهنا وهنا، منشورة، نُشرت فين الدراسات القائمة عليها، مين اللي قام بها وإمتى وبأية لغة، فدي الببليوجرافيا".


المستشرقون ومصادر التحقق.. "تاريخ الطبري" أهم مصدر

وأجاب خبير المخطوطات المصري عن سؤال "تكلمنا الآن عن المخطوطات وتحدثنا عن فهرستها، ماذا عن التحقيق؟ لأن دائماً كانت هناك تهمة توجه إلى المستشرقين على أساس أنه ينتقون الكتب والمخطوطات التي يحققونها لأهداف ربما قد تكون أحياناً تنصيرية أو استعمارية أو أن هناك موقفاً قائماً على الحذر والارتياب من تحقيقات المستشرقين، أحب أن نتأمل فيه مع بعض؟"، قائلاً: "هم طبقوا المنهج اللي طبقوه على النصوص الكلاسيكية في نشر التراث؛ لأنه زي ما قُلت عشان أتعرف على حضارة لازم أتعرف عليها من خلال ما أنتجته هذه الحضارة، فالحضارة العربية الإسلامية إنتاجها هو كل المؤلفات اللي بدت منذ بداية عصر التدوين في بداية الدولة العباسية، واستمرت إلى القرن الـ19 ومطلع القرن لغاية القرن الـ19؛ لأن الطباعة جاءت متأخرةً في العالم العربي الإسلامي، فالمستشرقون زي ما نشروا التراث الكلاسيكي؛ اهتموا بنشر التراث العربي الإسلامي، ولكن كل واحد اهتم بالنصوص لتخدم دراساته اللي عايز يقوم عليها، يعني دي خويه كان مهتماً جداً بالنصوص الجغرافية؛ لأن هو بيدرس حاجات خاصة بالجغرافيا، فلوجل اهتم بالتصنيف؛ فنشر فهرس النديم، ونشر كتاب (كشف الظنون) لحاج خليفة، ودي خويه وشاخت.. وغيرهم اهتموا بتاريخ الطبري، أهم مصدر يُعرف عن التاريخ الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى، الإسلام، في مرحلة لاحقة اكتشفوا تاريخ ابن الأثير، اشتغلوا على تاريخ ابن الأثير، و(مروج الذهب)، كمصدر تاريخي.. وهكذا، فهي العملية تتم حول موضوع الاختيار، وعلى أساس أنها توفر لي مادة أستطيع أن أُقيم منها دراسات، وكل الدراسات التي قام بها المستشرقون، هم قاموا على أساس هذه النصوص؛ سواء المنشور منها أو الذي لم ينشر وموجود في خزائن الكتب الغربية، وبالدليل على ذلك أن احنا عندنا أهم سلاسل في نشر التراث المخطوط، اللي هي في أوروبا، هنجد أن مطبعة بريل في ليدن التي أُنشئت عام 1812، إلى الآن قائمة، هي أهم مطبعة بتنشر بالحرف العربي النصوص العربية، إضافة إلى الدراسات بالإنجليزي والفرنساوي والألماني، المعاهد الاستشراقية التي أُنشئت في الشرق في مصر وفي دمشق وفي تونس وفي الجزائر، كانت مهمتها جزءاً منها؛ أنها تهتم بالنشر في ما يخص المكان الذي هي فيه، المعهد العلمي الفرنسي، المستشرقون اللي فيه اهتموا بدراسة التاريخ المصري في الشام، اهتموا بدراسة التاريخ الشامي وبعض الموضوعات الأخرى، حسب اختصاص الأعضاء المقيمين في المعهد. المعهد الألماني عندما ريتر أنشأ البيبلوتيكا إسلاميكا أو النشرات الإسلامية، 1931، واستمرت مع المعهد الألماني في بيروت، الآن احنا دلوقت في العدد 80 من الإنتاج بتاعهم، أنا شخصياً نشرت كتابَين بهذه السلسلة، الجزء 18 من (الوفي والوفيات) للصفدي، و(ألسنة المقرطين) لابن الطبري، ومؤخراً (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) للقاضي عبد الجبار، فالحقيقة وبعدين الكتب بتاعتهم دايماً ينظر إليها بنظرة أنها مبنية على منهج وعلى ميتاتولوجي، وعلى علم، مش تجارية؛ فده برضه مهم، لأنه شاع في النشر مؤخراً النشر التجاري، اللي لا هو معتمد على مخطوطات ولا على متخصصين، ولا فيه مقدمات ولا فيه كشافات ولا فيه حاجة؛ لكن لما تاخد النصوص دي أولاً زي ما قُلت، مش المستشرقين بس اللي بيشتغلوا، أنا نموذج أهو، وفيه غيري كثيرون؛ عبد العزيز الدوري وإبراهيم شبوح وداود القاضي، ناس كتير أوى نشروا عندهم، والدي، رحمة الله عليه، نشر أول كتاب له في المعهد الفرنسي للآثار، (طبقات الأطباء والحكماء) لابن جلجل الأندلسي، ففيه علاقة قوية بيدوروا على الأجدر والأصح في نشر هذا النص، فأنت تعتمد عليه باطمئنان شديد، ولهذا يعني هدي باريس طبعاً ومعاهدها، أذهب إلى ليدن؛ لأنه تحدثنا عنها قبل قليل، المستشرق الهولندي رينهارت دوزي، الذي يعتبر رائد الدراسات الأندلسية في كتابه (تاريخ المسلمين في أسبانيا)، الكتاب الذي صدر في أربعة أجزاء في ليدن، حينما أراد نشره انتبه إلى أنه لا يستطيع نشر هذا الكتاب، وكتاب البيان لابن عذار المراكشي غير منشور، و(المعجب) أيضاً في تاريخ أخبار المغرب لعبد الواحد مراكشي، غير محقق، نفح الطيب للمقري غير محقق، لهذا حقق البيان وحقق المعجب؛ حقَّقَ الجزء الأول من نفح الطيب فقط، بعد ذلك بدأ يؤلف كتابه، يعني أنا أريد أن أعود بك إلى هذه المنطقة التي كان المستشرقون يرون فيها أن التحقيق أولى وأهم من التأليف".


توافر المصادر الرئيسة وعملية النشر النقدي

وأضاف د.أيمن فؤاد سيد، رداً على "دائرة المعارف الإسلامية": "لكل الشأن بتاعتها؛ مش ممكن أعمل أية دراسة إلا إذا توافرت لي المصادر الرئيسة له، فتبقى عملية النشر النقدي، يجب أن تسبق التـأليف عشان توفر لي النص اللي هاعتمد عليه باطمئنان، مفيهوش تصحيح، مفيهوش تحريف، مفيهوش حذف، مفيهوش انتقال نظر؛ فبعد أن يتم النشر النقدي على القواعد المنهجية السليمة، تبقى بتوفر لي أنت نصاً أقدر أقيم عليه، أنا هاضرب لك مثالاً بنفسي، أنا شخصياً اللي كتبوا عن الدولة الفاطمية كثيرون، ومن الأساتذة المصريين حسن إبراهيم حسن، رحمه الله، وعبد المنعم ماجد وجمال سرور... لكن النصوص التي كانت متاحة وقت أن كتبوا مؤلفاتهم كانت محدودة ومافيهاش مصادر أصيلة، فأنا بتعاملي مع المعهد الفرنسي، استطعت أن أنشر قسماً كبيراً من المصادر الرئيسية بتاعة الفاطميين للمسبحي، وابن ميسر وابن المأمون وابن الطبري، بالإضافة إلى تعاملي مع مؤلفات المقريزي، باعمل مؤلف مصري، شيخ مؤرخي مصر الإسلامية، استطعت من خلال هذه المصادر وإعادة قراءة المصادر القديمة والدراسات الجزئية التي قام بها متخصصون، أن أقوم بعمل دراسة جديدة بعنوان (الدولة الفاطمية في مصر.. تفسير جديد)، فنفس المنهج ده هو اللي بدأ عند الآخرين. بالمناسبة رينهارت دوزي ده عمل عملاً من أكثر الأعمال إفادةً لنا، هو سبيلموه إوديكسنار آراب".


وتابع خبير المخطوطات بدار الكتب المصرية، رداً على "عندما قرأ كل المصادر والأشياء دي، فوجد بعض المصطلحات؛ أغلبها تركي وأغلبها دخيل فارسي ودخيل في اللغة، فعمله هذا المعجم يعرف فيها بهذه المصطلحات وهذه الأشياء التي لم تتطرق إليها المعاجم العربية.. أنا أحببت فكرة أن تعيد كتابة مثلاً تاريخ معين بناء على مصادر جديدة": "وفهم للمصادر التقليدية في ضوء المعطيات الجديدة".


إشكالية إعادة النشر النقدي للنصوص

وأجاب د.أيمن فؤاد سيد، عن سؤال "هل ترى أن إعادة تحقيق ما حققه المستشرقون ضرورة ملحة اليوم؟"، قائلاً: "لأ؛ إعادة النشر النقدي للنصوص الذي سبق نشرها؛ هناك أسباب، لذلك إما أن هناك نسخاً جديدة تقدم فوائد لا بد أن أستفيد منها، وإما أن هذه النسخ قد نفدت، وبالتالي لا بد أن نوفرها للقراء المحدثين أو أيضاً أن هناك مصادر جديدة ظهرت في الفترة البينية، بين هذا الإخراج والفترة التي نعد فيها هذا الكتاب. الشيء الآخر أن أغلب المستشرقين كانوا يهتموا بالذي يسمونه اختلاف القراءات؛ بمعنى أنه عايز نص قريب إلى نص المؤلف، فلا يتدخل بالتعليق، ويكتب أن النسخة دي فيها قراءة كذا والنسخة دي فيها قراءة كذا والمثبت من النسخة الفلانية أو هو القراءة الصحيحة؛ لكن تعليقاتهم محدودة، لأن هو يرى أن العمل الأساسي في النشر النقدي هو تقديم النص. المحققون العرب يتدخلون بأنهم يعملون تعليقاً ربما ما بيطبقوش المنهج ده أوي بتاع اختلاف القراءات، بقدر ما بيطبقوا أنه يعلق ويترجم ويشرح وحاجات من هذا النوع.. دي الحقيقة، مش ضرورية، هي بس السبب الوحيد هو أن احنا بنتكلم عن مرحلة زمنية بيني وبينها سبع تمن عشر قرون، ففيه مصطلحات، فيه أعلام، فيه أسماء، فيه مواضع محتاجة أن أعرفها للقارئ المعاصر؛ عشان يبقى قريباً من الأحداث، فهذا المنهج اللي بيطبق دون الاستطراد".


مفهوم المدينة الإسلامية

وأضاف د.أيمن فؤاد سيد، رداً على "اشتغلت في آخر واحد من كتبك على إعمال المستشرق الفرنسي دومينيك سورديل، وحين تحدث سورديل عن مراكز الحضارة الإسلامية في كتابه الإسلام ميديفال، قال إن هذه المدن لا تميزها إسلاميتها، وإنما طبعها الشرقي.. كيف ذلك؟ وهل بهذا المعنى مفهوم المدينة الإسلامية لا يعني شيئاً على أساس أن هذه المدن هي مدن شرقية فقط؟": "لأ؛ أصبح فيه مفهوم عند الغرب في دراسة الشرق، إنه فيه حاجة اسمها (ذا إسلاميك سيتي) أو (لسيتي ميزو ميكن) فهذه المدينة الإسلامية موجودة، وتختلف عن سائر المدن، ثم دومينيك سورديل أنا عملت عنه كتاب في السلسلة التي يصدرها المعهد العالمي العربي في باريس، وجائزة الملك فيصل في الرياض، بس هو مش متخصص أوي في دراسة المدن، هو مهتم بدراسة الوزارة العباسية وبعض القضايا الأخرى الخاصة بالتاريخ الإسلامي؛ لكن الذين تخصصوا في دراسة المدينة الإسلامية، بيجدوا أن فيه خصوصية لها، وأن هذه المدينة نواة تقليدية، هي المسجد الجامع، السوق، الحمام،  دار الإمارة.. ولو رُحنا أية مدينة إسلامية، هنجد أن نقطة الانطلاق دي وسطها، ثم حولها تكون الأحياء المختلفة؛ سواء في ذاك الخطة أو بشكل حارة، بشكل محلة، حسب هي في الشرق أو في الغرب، لما نخرج خارج المدينة هنجد الأرباض وهنجد مدينة الموتى، فدي المدينة الإسلامية، حتى في الأندلس هنجد غرناطة، المدينة العربية القديمة؛ لها نفس التقليد ونفس الدور، المباني فيها لها صحن وطوابق، لا تختلف عن سائر... (فس النظام في المغرب؛ مراكش وفاس) آه؛ فإذن فيه مدينة مش عربية، بقى مدينة إسلامية، وهي دي نشأت مع البداية، ودي موجودة في العواصم الأولى، يعني لما ناخد بغداد مثلاً في العراق، الفسطاط في مصر، القيروان في تونس، فاس في المغرب، ثم عندنا تسلسل العواصم في مصر، الفسطاط، العسكر، القطائع، وصولاً إلى القاهرة الفاطمية، نجد أن مركز المدينة دائماً هو مسجد الجامع، ثم تدور حولها الأسواق، ويبقى حولها دار الإمارة، وحولها الحمام".


ماذا تحتاج مدننا العتيقة؟

وأجاب د.أيمن فؤاد سيد، عن سؤال "ما رأيك في أن مدننا العتيقة هذه هي مثل مخطوطات تحتاج إلى تحقيق هي الأخرى؟"، قائلاً: "لأ؛ تحتاج إلى أن توضع على الخريطة السياحية، كل في مكانها؛ لأن هذا النمط، المدينة الغربية أو المدينة الحديثة طغت على شكل المدينة القديمة، أنت لما تروح تونس وتروح تونس القديمة؛ بتروح القيروان، تروح فاس، ولما تيجي القاهرة وتروح خان الخليلي وتروح الجمالية وتروح المناطق دي، دي مناطق مالهاش نظير في العالم؛ لكن للأسف الشديد ما بيحصلش نوع من الإظهار لها أو وضعها على الخريطة السياحية".


طابع المدينة الإسلامية والمدينة الحديثة

وأضاف  المؤرخ والمفكر المصري: "أنت لما تأخذ مدينة ألفية زي القاهرة، فأنت عندك آثار تمثل الدولة الفاطمية، الدولة الأيوبية، دولة المماليك بجناحَيها، وهي استمرت قرابة ثلاثة قرون، ثم الفترة العثمانية، ثم أسرة محمد علي وخلفائه، فكل دي لغاية لما جِه إسماعيل في منتصف القرن الـ19 وتقليداً لما شاهده في أوروبا، طلب من بريفير باريس أن هوسمان ينقله اتنين يستعين بهما في وضع مدينة جديدة يستقبل فيها الملوك والأمراء الذين سيحضرون احتفالات قناة السويس، فبنى القاهرة الخديوية اللي هي القاهرة الحديثة، بينما القاهرة التي كانت في وقتها لها 900 سنة، التانية شكلها مختلف كليةً، ودي اللي كتب عنها المقريزي في خططه، ثم كتب عنها فرانسوا جومار، أحد أعضاء وعلماء الحملة الفرنسية، في كتابه (كتاب وصف مصر)، وأنا نقلت هذا الجزء إلى العربي، اللي هو وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل في عصر بعد نابليون وفي عصر محمد علي، قبل التطورات دي كلها اللي حصلت في آخر القرن الـ19، فالمدينة الإسلامية لها طابع مختلف تماماً عن المدينة الحديثة".


"وصف مصر".. أهم كتاب يتعلق بتاريخ مصر الحديثة

واختتم د.أيمن فؤاد سيد، بالإجابة عن سؤال "أنت تقرأ بالفرنسية واطلعت أكيد على (وصف مصر)، إلى أي حد أفاد (وصف مصر) مصر والقاهرة، يعني حافظ على شيء ما تحس أنه أعطى مادةً لباحثي اليوم؟"، قائلاً: "المتخصصون يرون أنه أهم كتاب يتعلق بتاريخ مصر الحديثة.. (وصف مصر) أولاً لأنه سجَّل لنا لأول مرة بالجرافير، الرسومات، وبالخرائط المساحية الإقليم كله، أنا أتكلم بس عن الجزء اللي بيتكلم فيه جومار عن القاهرة، بيتكلم فيه مارسيل عن الروضة وعن انقطاعه؛ لكن هم يتكلمون عن مصر ككل.. هو يتكلم عن وصف مصر لدرجة أن الفرنسيين في هذا الزمن لاموا على بونابرت أنه لم يعمل كتاب ديسكربشين ديفرانس، لأنه عندك تقليد، عندك في هذه الدوكمنتس كلها، الوثائق اللي بتتكلم من أول المعابد، وفيلة، ومعابد في الصعيد، إلى القلعة والقاهرة، الملابس والأزياء والحرفيين، وكل الأشياء دي، ولكنها قد تبدو... (حتى الغناء يتحدث عنه) والعادات والتقاليد؛ فلن تجد هذا في مكان، فأصبح مصدراً مهماً لكل مَن يدرس تاريخ مصر الحديث، حتى نهاية القرن التاسع عشر".