مقدمة
عدنان: كان
لورنس العرب هو المدخل إلى الأسماء التي سنتوقف عندها، متعددة. ما رأيك في أن نمر
إلى ريتشارد فرانسيس بيرتون، وأنت تكلمت عنه قبل قليل؟ هو أحد أعمدة الاستشراق
البريطاني. كيف تفسر دخوله؟ لأننا سنعود إلى الحج، دخوله إلى مكة متنكراً في هيئة
طبيب هندي؟
بولعوالي: زوجته
هي التي أشرفت على كتابه، كتاب كتبه في مجلدين، أكثر من ألف صفحة. في مقدمة الكتاب
تقول إنه استعد سنوات طويلة لهذه المسألة، وإنه ذهب إلى الهند، لأنه في الأصل هو
جندي في الجيش البريطاني. عاش هناك سنوات طويلة، وهو درويش، بين المسلمين. ثم بعد
ذلك جاء إلى شبه الجزيرة العربية، عاش هناك تسعة أشهر. العيشة التي هي جدُّ صعبة
في الصحراء، إنه، مثلاً، ختن نفسه، اتخذ اسم مرزا عبد الله. كان يأكل مع البدو
أكلًا رديئًا، بل وإنه تعلم أغرب المسائل المتعلقة بالثقافة العربية، حتى لا
يُفتضح أمره. قام بالحج إلى مكة والمدينة وهو مسلم، هكذا، لأنه كان يؤدي الصلوات
كما المسلمين. وماذا تقول في هذا الكتاب؟ كان يقوم بهذا إرضاءً لفضوله، وكان يحس
بسعادة وهو يقوم بهذه المغامرة. كذلك قام بهذه التضحيات الجسام من أجل رفاهية بلده
إنجلترا وأبناء بلده، وهذا يحيل على الدافع الثالث، الذي هو دافع استعماري
واستخباراتي.
بين
الاستشراق والجاسوسية
عدنان: أعزائي
عزيزاتي، أهلا وسهلا ومرحبا. تعتبر الجاسوسية أسلوباً يقوم على التمويه والخداع؛
بهدف معرفة أسرار الخصم أو العدو؛ لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية أو اقتصادية.
واستخدام الجواسيس والعملاء فضلاً عن التكنولوجيا لجمع معلومات سرية أمر دارج في
أوساط الاستخبارات عبر العالم. لكن، ما علاقة الاستشراق بهذا الموضوع؟ ولماذا يصر
البعض على وصم المستشرقين بالجواسيس؟ هل هو ضيق رؤية وتبرم من النقاش المعرفي؛ ما
يورط البعض في بلادنا العربية وفي بلاد الإسلام عموماً في ترويج هكذا اتهامات؟ أم
أنّ هناك حالات ثابتة تؤكد هذه التهمة؟ هذه الأسئلة، أعزائي عزيزاتي، سنتطارحها
اليوم، وسنفكر فيها في إطار طموحنا إلى الإحاطة الشاملة بكل مدارات الاستشراق، وتماسّاته
الأكيدة والممكنة مع رهانات الدول الغربية الاستعمارية سابقاً بمختلف أجهزتها.
لهذا نطرح سؤال الاستشراق والجاسوسية على الباحث المغربي الدكتور تجاني بولعوالي،
أستاذ الدراسات العربية والإسلامية، ومنسق ماستر الديانات الكونية واللاهوت
الإسلامي بكلية اللاهوت والدراسات الدينية بجامعة لوفان ببلجيكا. دكتور تجاني،
أهلا وسهلا ومرحبا بك.
بولعوالي: مرحبا،
شكراً لهذه الاستضافة الكريمة، ومرحبا بالمشاهدين الأفاضل.
عدنان: أهلا
وسهلا، سيد تيجاني، أنت تعرف أنني قرأت لك مقالة في الموضوع، وحين اتصلت بك
أخبرتني بأن تلك المقالة هي بذرة كتاب تفكر في إنجازه. فاستبقتُ الأمر وطلبتُ منك
أن نجعل من هذا اللقاء فرصة لبلورة فكرة الكتاب على الهواء. إذن، دعنا نبدأ بمفهوم
الجاسوسية. هل هناك ما تريد إضافته على ما أوردته في التقديم؟
بولعوالي: في
الحقيقة، إن مصطلح الجاسوسية هو في المعنى العام نوع من النشاط الذي يُهدف من
خلاله إلى جمع المعلومات عن دولة أو منظمة أو شخص معين، ويُستعمل فيه بعض الآليات
غير الشرعية، وذلك دون موافقة ذلك الشخص، ويتم ذلك لحساب جهة أخرى. ويُستعمل كذلك
التنكر والخداع، ومثلاً، المخابرات أو الاستخبارات، حيث يزرع المخبرون. والآن في
وقتنا المعاصر يُستعمل الاختراق الإلكتروني. أنا شخصياً أعتقد أن مسألة الجاسوسية
تتعلق بالإنسان، فهي قديمة قِدم الإنسان، بمعنى أن الإنسان في طبعه يتلصص ويتجسس
على الآخرين حتى يعرف أين وصلوا؟ ماذا حققوا؟ وما هي قدراتهم؟ وفيما يتعلق
بالاستشراق.. بعلاقة الجاسوسية بالاستشراق، نجد أن هذا المعنى العام هو نفسه يحضر،
لكن، الاختلاف هو على مستوى الآليات، بمعنى أن المستشرقين استحدثوا آليات جديدة في
عملهم الاستشراقي، لاسيما في البعد المخابراتي والاستخباراتي، حيث نجد أنهم
اعتمدوا الرحلة، اعتمدوا البحث العلمي، اعتمدوا الاستكشافات، اعتمدوا الدراسات
الأنثروبولوجية والإثنوغرافية، وذروة ما وصل إليه
الاستشراق المتعلق بالدراسات الإسلامية أنهم اعتمدوا التظاهر باعتناق
الإسلام.
عدنان: التظاهر
باعتناق الإسلام، ولكن أيضاً هذا موضوع صعب معقد، وقد نعود إليه ونحن نناقش
الحالات، كل حالة على حدة، كيف نجزم بأنهم كانوا يتظاهرون؟ لأن هناك من يدافع
ويقول: لا لقد أسلموا في لحظة معينة.
بولعوالي: هي
في الحقيقة مسألة مؤكدة، سواء من خلال كتاباتهم مثلًا؛ ما تركوه من الكتابات، أو
من خلال مراسلاتهم. تصل مثلاً عند المستشرق الهولندي (سنوك هرخرونيه) أكثر من ألف
رسالة، فنجد كذلك فيما كتب عنهم في ذلك الزمن أو لاحقاً، نجد هناك أدلة كثيرة، بل
إن أغلب هؤلاء أفصحوا بذلك؛ قالوا بأنهم يتظاهرون بالإسلام من أجل أن يصلوا إلى
العالم الإسلامي، ولاسيما أنا نجد أن معظم هؤلاء الذين تظاهروا بالإسلام حاولوا أن
يصلوا إلى قلب العالم الإسلامي الذي هو مكة والمدينة، بمعنى أنهم نفسهم أفصحوا
بذلك. وعندما نبحث في المصادر التاريخية نجد الكثير من المعلومات التي تشير إلى
هذه المسألة، فنحن من موقعنا كباحثين نتجرد في هذا البحث، نحاول ما أمكن أن نكون
موضوعيين ونتعامل مع هذه المصادر وفيها، ونحاول ما أمكن أن ندرسها ونمحصها ثم نخرج
بنتائج، أما الجانب الآخر؛ العاطفي أو الانفعالي في التعامل مع الاستشراق فهذا
جانب آخر لا نريد أن نحشر أنفسنا فيه.
عدنان: لا،
نحن سنبقى في دائرة مساءلة الظواهر، ولكن، قبلها مساءلة حتى المفاهيم. بمعنى أن
الجاسوسية هي مفهوم في الواقع، وكان وارداً وذا حضور في إطار الحوار الدموي الذي
كان بين الشرق والغرب منذ الحروب الصليبية، لأنه كان حواراً يتم عبر القتال، ويتم
عبر الحروب، وأحياناً يتم حتى عبر القرصنة. هل يمكن القول بأن الجاسوسية كانت
نوعاً من القوة الناعمة في سياق هذا الحوار الدموي؟
الجاسوسية والقوى الناعمة
بولعوالي: نعم!
هناك علاقة مترابطة ومتقاطعة بين ظاهرة الجاسوسية والقوة الناعمة. القوة الناعمة
يمكن لها أن تتخذ من التجسس آلية مهمة، من أجل أن تصل إلى أهداف معينة. التجسس هنا
في علاقته بالقوة الناعمة هو عامل مساعد، وهناك فرق بين هاتين الآليتين؛ في
التجسس: أنه ينبني على التنكر والخداع والغموض كذلك، بينما القوة الناعمة فمسألة
جدُّ مختلفة؛ القوة الناعمة نجد أنها تتأسس على الجاذبية، على الإقناع، على الوضوح،
فهي تستعمل استراتيجيات معينة لتوجه الجمهور، لتحاول ما أمكن أن تبحث عن تطلعات
الجمهور، عن مواقع قوته.. وكذلك ضعفه، من أجل بناء أو صياغة إستراتيجيات معينة،
فإذن، هناك نوع من التداخل، ولكن، لا يمكن لنا أن نعتبر أن القوة الناعمة هي نفسها
التجسس أو الجاسوسية.
استراتيجية تآمرية أم اجتهادات
شخصية؟
عدنان: ربما
الذين يقولون بأن التجسس هو من آليات القوة الناعمة، أو لعله أول هذه الآليات،
والمشترك بينه وبين باقي آليات القوة الناعمة الأخرى هي التمويه، وعدم الوضوح،
وليس الصراع المباشر، كما هو الحال في لحظة القتال والاقتتال. وهذا التمويه هو
الذي يجعل عددًا من الرحالة الغربيين يأتون متنكرين أو شبه متنكرين إلى العالم
العربي والإسلامي. عدد كبير منهم حاولوا إخفاء هويتهم المسيحية، وفيهم، مثلما قلنا
الآن، من ادّعى الإسلام ليدخل إلى المساجد ويتقرب إلى الأهالي. وهم مستشرقون من مختلف
البلدان والاختصاصات العلمية والمعرفية، ولكن، هل يمكن الحديث هنا عن إستراتيجية
تآمرية محكمة أم مجرد اجتهادات شخصية لمغامرين ومستكشفين تكررت مع هذا وذاك؟
بولعوالي: في
الحقيقة، إذا نحن أردنا أن نكون موضوعيين، ينبغي الآن أن نميز، لا ينبغي أن نضع
الجميع في سلة واحدة، لا ينبغي لنا مثلاً أن نمارس التعميم، فكما يقال: التعميم من
التعمية. لذلك، ينبغي أن نحاول ما أمكن أن ندرس هذه الحالات بشكل فردي ومنفصل.
ننظر إلى كل مستشرق وإلى ظروفه، إلى سياقاته، إلى أهدافه. هناك مستشرقون، مثلاً،
تفرغوا بشكل كلي للبحث العلمي، وأنه حتّى تنقلهم إلى مناطق في الشرق وفي العالم
الإسلامي، بما فيه الحَرَمان، كان بهدف الفضول العلمي، بمعنى أنهم كانوا يريدون أن
يكتشفوا مسائل في الدراسات العربية أو الإسلامية، فنجد (كارل بروكلمان)، الذي قدم
الكثير فيما يتعلق بتاريخ الأدب العربي، فهو كان يركز على هذا الهدف الأكاديمي
العلمي. نجد مثلاً، الشاعر (جوته) الذي أُعجب إلى حد كبير بالشعر العربي والفارسي،
وكذلك بشخصية النبي محمد، ولكن هذا لم يفكر أبداً في أهداف استعمارية أو
استخباراتية. ولكن، في المقابل نجد أن هناك الكثير من المستشرقين الذين أفصحوا عن
ذلك، وأنهم أوضحوا بأنهم -مثلما أنهم أكاديميون جامعيون على مستوى عالٍ ولكن-
سخروا معرفتهم بالشرق، بالعالم الإسلامي مثلاً، سخروها لخدمة أجندات أوطانهم
الاستعمارية. وهناك أسماء كثيرة، أشرنا إلى (سنوك)، وأشير هنا إلى (ريتشارد
بيرتون). هناك أسماء كثيرة: لورنس العرب مثلا، أسماء كثيرة حاولت ما أمكن أن تنزل
للواقع العربي، إما تظاهراً بالإسلام، أو تعاطفاً مع العرب والمسلمين من أجل جمع
المعلومات لصالح بلدانها الأصلية التي كانت بلدانًا استعمارية، بما ذلك فرنسا
وبريطانيا. وهذا أمر جدُّ واضح في كتاباتهم، ونحن دائماً نركز على الكتابات، وعلى
ما وصل إلينا من كتابات، وما كُتب عنهم، لكن هناك أمورًا كثيرة لم نصل إليها بعد،
هناك مراسلات كثيرة تمت بين هؤلاء المستشرقين وبلدانهم، وكذلك بينهم وبين أصدقائهم
من المستشرقين الآخرين. أين هذه المراسلات؟ هناك آلاف الرسائل، ربما منها ما هو مودع
في بعض المتاحف والمكتبات، مثلاً مكتبات الجامعات، ولكن منها ما بقي سريًّا إلى
يومنا هذا. هناك كذلك أمور كثيرة نقلت بطريقة شفوية لم تصلنا، لم تحفظ. إذن، أمور
كثيرة نحن ينبغي.. أو ينبغي للباحثين الشباب أن يفكروا فيها وأن يشتغلوا بها،
بمعنى: لا أكتفي فقط بقراءة بعض كتب المستشرقين وبعض ما كتب عنهم لأحكم على هذا
المستشرق، وإنما ينبغي أن أنزل للواقع وأمارس بحثًا ميدانيًا.
جون لويس بوكارت
أشير هنا إلى اسم معروف من بين المستشرقين،
وهو المستشرق والرحالة السويسري (جون لويس بوكارت). هذا يُحسب على أنه أسلم.. أنه
أسلم وبات مسلماً. هذا صحيح في الواقع، ولكن حسب الرواية الغربية، فهو لم يُسلم بل
تظاهر بالإسلام، هو عاش مدة طويلة في مناطق مختلفة في مصر والشام وفي شبه الجزيرة
العربية، ولكن تم إعداده قبل ذلك، لاسيما أنه من طرف الجمعية الإفريقية، حيث درس
اللغة العربية والعلوم الإسلامية ومختلف العلوم في كامبريدج، ومن هناك انطلق
بمهمة، وهي استكشاف مناطق في نهر النيجر. فطلب منه أن يصطحب قافلة الحجاج
النيجيريين التي سوف تعود من مكة عبر القاهرة إلى تومبكتو، يصطحبهم ليستكشف أمورًا
كثيرة. فدخل هكذا، بهذه الطريقة، أعتقد أن اسمه كان الشيخ إبراهيم بن عبدالله،
بهذا الاسم، دخل فجال في مناطق متنوعة، وكذلك دخل فحج إلى مكة، وكتب رحلات كثيرة،
من بينها رحلة إلى النوبة، رحلة إلى الشام، رحلات إلى الجزيرة العربية، ثم كتاب
جدّ مهم حول عادات المصريين القدامى. وفيما بعد عندما عاد، للأسف أنه لم يستطع أن
يصطحب هذه القافلة إلى تومبكتو، فأصيب بمرض الزهار؛ وهو مرض معدٍ في الأمعاء،
وتوفي في القاهرة، ودفن مسلماً، بل وإن قبره ما زالت شاهدته تحمل اسمه الذي دخل
به. إذن، هنا في الرواية العربية والإسلامية يُركز على أنه أسلم، ولكن، أنا عندما
بحثت، وجدت في الرواية الغربية أنه تظاهر بالإسلام كل هذه المدّة، بل وتوفي
مسلماً، وفي مصادر متنوعة يشار إليه أنه أول نصراني أوروبي تمكن من أن يحج إلى مكة
وإلى المدينة، وجدت هذه المعلومة، ولكن عندما بحثت، وجدت أنه كان هناك مستشرق آخر
عاش ثلاثة قرون قبله، وهو رحالة إيطالي من بولونيا اسمه (لودفيكو دي فارتيما أو
بارتيما)، تمكن من أن يحج إلى الحرمين، وكذلك يكتب رحلات، فهو كان الأول تاريخياً.
عندما نريد أن نبحث في جذور الاستشراق. هذه مسألة جد مهمة؛ لذلك أدعو دائماً إلى
أن نبحث، نحن الآن عندما نبحث فيما يتعلق بهذا المستشرق (جون لويس بوكارت) مثلاً،
فنحن نعتمد فقط على رحلاته، لكن، هناك أرشيف كبير، لو أننا نذهب إلى مسقط رأسه أو
إلى المتاحف؛ متاحف كثيرة في أوروبا، سوف نجد الكثير من الرسائل، والكثير مما
خلّفه من إنجازات، ويمكن أن نبني عليها لنخرج بخلاصة علمية موضوعية.
عدنان: تماماً،
وأنت تدعونا إلى الذهاب إلى المتاحف، نحن لا نجد الرسائل فقط في المتاحف، حينما
تزور متاحف الغرب اليوم ستجد العديد من المعروضات الشرقية والإسلامية هناك. وهنا
تقول: كيف وصلت؟ كيف نُقلت؟ لأنه إذا كنا نتحدث عن التجسس، هل هي مبادرات فردية أم
شبكات؟ المؤكد أن هناك شبكات للتهريب والسرقة الموصوفة جعلت عدداً كبيراً من تحفنا
تنتقل إلى الغرب. إذن، كان هناك ما يمكن اعتباره شبكات تشتغل، وإلا، فالكم الهائل
من التحف في الغرب لم ينتقل هناك عن طريق اتفاقية تبادل ثقافي..
جاسوسية وقرصنة وتهريب آثار
بولعوالي: نعم،
هذه جاسوسية، كذلك تتقاطع مع القرصنة؛ لأن فيها قرصنة وسرقة موصوفة. عندما نطّلع
على ما كتب في الدراسات الاستشراقية نجد الكثير من الأدلة والقصص التي تتعلق
بكيفية التهريب للقطع الأثرية من مختلف البلدان العربية والإسلامية، بل والشرقية
كذلك. في هذا الصدد، بحسب ما يسمح به مجال الكلام، أريد أن أشير إلى ثلاث حالات:
الحالة الأولى تتعلق بمستشرق بريطاني هو
(ريتشارد فرانسيس بيرتون)؛ المستشرق هذا سبق له كذلك أن حج وتظاهر بالإسلام، ولكن
بعد ذلك عاد إلى منطقة مدين في شمال غرب الجزيرة العربية. لماذا عاد إلى هناك؟
ليبحث عن الذهب والفضة. عاد فبدأ يبحث عن الذهب والفضة ليكون ثروة، ثروة عمره. هذا
ما يذكره، فبدأ يبحث في كل مكان، لكن لم يجد لا ذهباً ولا فضة. بل وكان يقرأ،
عندما يتعب من القراءة كان يضع قطعًا نقدية فضية على عينيه. وكان ذلك لأنه أصيب
بمرض النقرس، عندما كان يتألم كان يضع عليه هذه القطع الفضية. عندما خابت آماله في
العثور على الذهب والفضة قام بتهريب خمسة وعشرين طنًّا من القطع الأثرية، حيث بحث
في أكثر من ثمانية عشر موقعًا، وأخذها معه إلى لندن. هي موجودة في لندن. فهذه
موجودة، هذه الأدلة دليل تاريخي.
المسألة الثانية، نحن نتحدث مثلاً عن تحفة
أثرية عظيمة، وهي حجر رشيد (Rosetta
Stone) هذه، عندما قام نابليون بحملته على مصر، جندي فرنسي
اكتشف هذه القطعة، اكتشفها في عام 1977، ولكن، منذ 1802 أصبحت في ملكية المتحف
الوطني البريطاني في لندن، فهي موجودة هناك إلى حد الآن، منذ ذلك الوقت إلى حد
الآن.
ثم حالة ثالثة تتعلق بمستشرق جغرافي فرنسي كان
في شبه الجزيرة العربية، اسمه -إن لم تخني الذاكرة- (تشارلز هوبر)، وهو فرنسي، وجد
قطعة ثمينة، هي هذه القطعة التي عليها كتابة قديمة، أعتقد هي كوفية جدُّ قديمة أو
آرامية، أعتقد أنّها آرامية. وجد هذه القطعة عند بدوي أعرابي في شبه الجزيرة
العربية واشتراها منه بثمن بخس، دراهم، وأخذها معه، لكنه، قتل في الصحراء. هذا
المستشرق الجغرافي قتل، وسرقت منه هذه القطعة. فعندما وصل الخبر إلى القنصل
الفرنسي في ذلك الزمان في جدة، تواصل مع السلطات الفرنسية، وتدخلت وبدأت تطالب
باسترداد هذه القطعة الثمينة، فحاولوا ما أمكن، وكان هناك في تلك الفترة (سنوك
هرخرونيه)، كان موجوداً في مكة لأداء الحج، فعرفوا، فاتصلوا به ليقوم بالوساطة، فقام
بالوساطة، فدفعوا أموالًا لكثير من الناس واسترجعوا هذه القطعة ثم هربوها، أعتقد
الآن أنها موجودة في متحف اللوفر في باريس. وبعد ذلك كتبت صحيفة باريسية عن هذه
الحادثة، وأشاروا إلى اسم (سنوك)، قالوا: إن سنوك هذا المستشرق الهولندي أدّى
دوراً كبيراً في استرجاع هذه القطعة. فعندما وصل الخبر إلى السلطات السعودية قاموا
بطرده مباشرة من السعودية، من مكة ومنع من أن يدخل.
عدنان: أنا
عندي خبر بطرد سنوك سنحكي عنه، ولكن لم أكن أعرف سبب الطرد.
بولعوالي: لا،
فهذه من بين الأمور.. قلت لك: إن الاستشراق الآن بالنسبة للدراسات العربية
والإسلامية في العالم العربي، ربّما لم تكشف ولو عن خمسٍ في المئة من الاستشراق،
مما كتب في الاستشراق. الاستشراق هو في الحقيقة مجال غني، ويحتاج إلى بحوث كبيرة،
وكذلك الآليات والمنهجيات، منهجيات أخرى للتعاطي مع ما كتب في الاستشراق.
الحركة الجاسوسية الاستشراقية
عدنان: مع
الفكري والمعنوي، وليس فقط مع المادي والتراثي. وأنت في مقالاتك تقول بأن القرصنة
لم تقتصر فقط على الماديّ، ولكن، تجاوزته إلى الفكريّ، إذ نشطت -وهنا أستعير كلامك
حرفياً- نشطت حركة التجسس المتلفعة بما هو ثقافي وعلمي، فظل علم الاستشراق يشكل الإطار
الذي حضن هذه الحركة الجاسوسية التي كانت تخدم المادة الاستعمارية الأوروبية.
ألهذا الحد كانت العلاقة عضوية صريحة ومباشرة؟
بولعوالي: هنا
أولاً، صديقي العزيز الأستاذ ياسين، أشكرك على الاستشهاد من هذه المقالة التي
كتبتها.
عدنان: والتي
ستصير كتاباً، اتفقنا.
بولعوالي: نعم،
إنها كتبت حوالي قبل أكثر من عقد من الزمان أو أكثر. فهذه الخلاصة التي توصلت
إليها هي خلاصة ترتبط بالمستشرقين الذين اشتغلت بهم. أنا في البداية قلت: ينبغي
لنا ألا نعمّم. الخلاصة هي مرتبطة بسياق المقالة، وليس بالاستشراق بصفة عامة،
بمعنى أنّي في المقالة اشتغلت يومئذ بثلاثة مستشرقين.
عدنان: سنعود
إليهم بالترتيب..
بولعوالي: نعم،
لذلك فهذه الخلاصة انطلقت من هناك، بمعنى أنّا نجد بالإضافة إلى أولئك، نجد الكثير
من المستشرقين الذين كانت تتقاطع لديهم مجموعة من الدوافع التي جعلتهم يشتغلون
بالشرق وبالإسلام. هناك من كان لديه الدافع الشخصي، حب الفضول العلمي، حب البحث
وغير ذلك، وهناك من كان له مثلاً دافع استعماري مئة بالمئة، هو ينطلق منذ البداية
بهذا.
عدنان: ابن
المؤسسة.
بولعوالي: وهناك
من كانت تتداخل لديه هذه الأهداف، نجد مثلاً لدى لورنس العرب أنه يعتبر واحداً من
المستشرقين الذين تضلعوا في اللغة العربية، وفي الثقافة العربية على المستوى
الواقعي، أنهم نزلوا للواقع، وربما أصبحوا عرباً أكثر من العرب، في ثقافتهم، وفي
تقمصهم لهذا الجانب، ولكنه لم يستطع أن يتخلى عن هويته أو عن بعده الاستعماري؛
لأنه ظل يحمله إلى آخر رمق في حياته..
لورنس العرب
عدنان: إذن،
خلِّنا نتكلمْ عن لورنس العرب، ونبدأ المتابعة لنماذج بعينها. لورنس العرب ليس فقط
لم يستطع أن يتخلى عن أصله وثقافته الأصلية، ولكن، هو أصلاً كان يشتغل لصالح هذه
الثقافة.
بولعوالي: صحيح،
صحيح.
عدنان: الرجل
تمكن أن يكون صلة ما بين بريطانيا والقيادات العربية التي كانت تقاتل ضد
العثمانيين. ومباشرة بعد مساهمته القوية في تفكيك الإمبراطورية العثمانية عاد إلى
إنجلترا، وعُيّن وزيرًا للمستعمرات العربية. أريد أن نتوقف مع هذا الدور.
بولعوالي: والله،
بالنسبة لورنس العرب، لماذا توفّق في مهمته؟ هذا سؤال جدُّ مهم، لأنه حتى السياق
التاريخي كان مناسباً له. سياق الصراع العربي العثماني، هذا جدُّ مهمّ. وهو بحنكته
وبمهارته وبمعرفته عرف كيف يستغل هذا السياق، فنجد أن هناك علاقة هي ثلاثية
الأبعاد: هناك بريطانيا، العرب، الزعماء العرب الذين كانوا في مواجهة العثمانيين.
فهو شكّل تاريخياً حلقة وصل بين هذه الأبعاد والمكونات الثلاثة، ووظف هنا مهاراته،
لأنه كانت لديه مهارات عالية، مثلاً، إتقان اللغة العربية، تعرف على الثقافة
العربية في الميدان، وغير ذلك. فإنه وظف هذه الأمور كلها، وظفها من أجل الوصول إلى
هدفه. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه عندما نزل إلى الواقع؛ واقع القبائل العربية، وعاش
معهم، وكذلك كان يحضر معهم حتى المعارك، فإنه استطاع أن يكتسب ثقة هذه القبائل
والزعماء العرب. ثم بالإضافة إلى ذلك، فهو كان ذكياً في مسألة أخرى، أنه بحث عن الهدف
الجوهري المشترك بين العرب وبريطانيا، هذا الهدف هو كان استهداف العثمانيين أو
الحكم العثماني. فالعرب كانوا يريدون..
عدنان: تفكيك
الإمبراطورية العثمانية.
بولعوالي: العرب
كانوا يريدون من جهتهم أن يستقلوا عن الإمبراطورية العثمانية، وبريطانيا كانت تريد
أن تُضعف وتفكك الإمبراطورية العثمانية.
عدنان: لتحتل
مواقعها.
بولعوالي: نعم
صحيح، ولكن العرب للأسف الشديد هم تعاملوا بنوع من البلادة مع هذه المسألة. لكن هم
كانوا يفكرون في هذا الهدف، لأنه هدف جدُّ مُهم. دون مساعدة بريطانيا سوف لن
يستطيعوا أن يحققوه. فلورنس العرب استغل هذا الهدف؛ لذلك فهو يعتبر، عندما ننظر
إلى المصادر التاريخية وما كتب عنه، يعتبر ربما البريطاني الأكثر قبولاً لدى العرب
من غيره، بالمقارنة مع غيره من المسؤولين والسياسيين البريطانيين. فهو حاول أن
يستغل هذه المسألة. ثم مسألة أخرى هي جدُّ مُهمة، أنه كان يشرف بنفسه على تدريب
الجنود العرب الذين سوف يخوضون حرب العصابات، مثلاً، عندما هاجموا سكة حديد
الحجاز، هو كان يشرف عليهم، لذلك فهو استطاع أن يكتسب هذه الثقة التي لم يكتسبها
آخرون. لكن في الوقت نفسه كان يحمل رؤية عميقة؛ لأنه كانت لديه رؤية جدُّ مهمة.
أعمدة الحكمة السبعة
عدنان: كانت
لديه رؤية جدُّ مُهمة، وكان لديه فكر. وهذا الفكر لم يكن هكذا معلقاً في الفراغ،
ولكنه وُطّن في بطون الكتب. وأنا أفكر هنا في كتابه الشهير "أعمدة الحكمة
السبعة"، الذي اقتبس عنوانه من العهد القديم. وفيه يقول لورنس بـــ"أن
الحكمة بنت بيتها، ووضعت أعمدتها السبعة"، في إشارة منه إلى سبع مدن في الشرق
الأوسط عمل على رسم خرائطها في كتاب علمي أعده لهذا الغرض. ما رأيك في أن
الخلفيتين المعرفية والاستعمارية والعسكرية تتداخلان بشكل واضح لا غبار عليه في
حالة لورنس العرب؟
بولعوالي: نعم
بالنسبة لهذا الكتاب هو كتاب في الحقيقة جدُّ مُهم، ينبغي أن يُقرأ ويستفاد منه،
بل ويدرس كذلك، لأن هذا الكتاب هو كما أشرتم أنه استوحاه من الكتاب المقدس، لاسيما
مِن سفر الأمثال.
عدنان: من
سفر الأمثال.
بولعوالي: سفر
الأمثال، أعتقد أنه الكتاب الأول الآية التاسعة: "إن الحكمة بنت بيتها ونحتت
أعمدتها السبع". فهكذا جاء الكتاب. من هنا جاء. هذا يعني أنه كان قارئاً
نهماً، لم يكن.. هكذا..
عدنان: لا
لا، هذا كتاب مقدس، يعني: العهد القديم، الخلفية الدينية واضحة.
بولعوالي: نعم
صحيح، فهو لم يكن فقط مطلعاً على الثقافة العربية والإسلامية، وإنما انطلق من
ثقافته أولاً، ثم انطلق إلى الثقافات الأخرى. بالنسبة لهذا الكتاب. عندما نتأمل
هذا الكتاب، نجده على مستوى الظاهر أنه عبارة عن مذكرات، عبارة عن تجربة شخصية
للورنس، لاسيما أثناء الحرب العربية الكبرى التي كانت بين 1916 و1918، فإنه حاول
أن يوثق لهذه التجربة، لاسيما الصراعات العربية والعثمانية، كذلك بالحضور
البريطاني الذي كان قوياً. لكن في العمق، هذا الكتاب ينطوي على رؤية فلسفية عميقة،
وهذه مسألة جدُّ مهمة، بمعنى أنه عندما نقرأ هذا الكتاب لا ينبغي أن نقرأه فقط في
ظاهره.
عدنان: في
أحداثه، كأحداث ووقائع ومذكرات.
بولعوالي: نعم،
كيف كان يسرد الأحداث، هو كان يملك، في الحقيقة، رؤية فلسفية ثاقبة، وكذلك
استشرافية. فنجد ذلك مثلا في مجموعة من القضايا التي تناولها، نجد أنه كيف كان
يتناول التحالفات الإنسانية، مثلاً، الصراعات، كيف كان يتناول حتى ثنائية السلطة
والمعرفة؟ كانت حاضرة لديه بشكل كبير. لذلك فالكتاب ينبغي أن نقرأه على هذين
المستويين، ثم ينبغي كذلك أن نقرأه في إطار السياق الذي كان فيه لورنس العرب. وقد
أشرنا في السؤال السابق إلى أمور كثيرة، أنه استطاع مثلاً أن يخترق شبه الجزيرة
العربية، وكان -كما تعلمون- من الأصدقاء المفضلين لدى الأمير حسين وأبنائه، لاسيما
الأمير فيصل بن الحسين، فهو استطاع أن يخترق كل هذا السياق الاجتماعي، وهذه
التقاليد الاجتماعية، ويشكل جزءًا لا يتجزأ منها، عندما ننظر إلى مستشرقين آخرين،
دائماً نجد هناك نوعاً من المسافة.
عدنان: كانوا
على الهامش.
بولعوالي: لكن،
تصور معي صديقي العزيز ياسين أنه لم يُسلم، ومع ذلك استطاع أن يصل إلى قلب العرب،
والآخرون أسلموا، بل وختنوا أنفسهم، واتخذوا أسماء عربية، ولبسوا الزي العربي، ومع
ذلك فمنهم من فشل في أن يصل إلى ما وصل إليه لورنس العرب، وقد وثق ذلك في هذا
الكتاب. هذا الكتاب الذي يُنظّر أو يؤرخ لمرحلة جدِّ مهمة، لاسيما في تاريخ
المنطقة العربية والإسلامية.
ريتشارد فرانسيس بيرتون
عدنان: تماماً.
وكان لورنس العرب هو المدخل إلى الأسماء التي سنتوقف عندها. ما رأيك في أن نمرّ
إلى (ريتشارد فرانسيس بيرتون)، وأنت تكلمت عنه قبل قليل، هو أحد أعمدة الاستشراق
البريطاني الذي أغنى الدراسات الاستشراقية بعدد هائل من المؤلفات المتميزة. كيف تفسر وتستعيد اليوم
دخوله -لأننا سنعود إلى الحج- دخوله إلى مكة متنكراً في هيئة طبيب هندي مسلم
حينها؟ ربما كان من المتنكرين الأوائل، أعتقد.
بولعوالي: نعم،
هو تقريباً من الأوائل، لأني أشرت لهذا الإيطالي الذي لا يعرفه أحد.
عدنان: لا
يعرفه أحد.
بولعوالي: لا
يعرفه أحد. أنا استطعت أن أكتشف هذا. الذي اسمه (لودفيكو دي فارتيما)، ثم (جون
لويس هارت)، وبعدهما (ريتشارد بيرتون). ولكن، أنا أعتقد أنه كان هناك مئات
المستشرقين الذين تظاهروا بالإسلام، لذلك، فنحن نحتاج إلى أن نبحث لنكشف عن هؤلاء،
وكان هناك المئات الذين...
عدنان: وبيرتون
كان اتخذ اسم (مرزا عبدالله).
بولعوالي: نعم،
مرزا عبدالله، لنفهم هذه المسألة أو هذه الظاهرة لدى بيرتون ينبغي أن ننظر، أعتقد،
إلى ثلاثة جوانب، أو دوافع، نسميها دوافع. هناك دافع علمي، بالنسبة إليه لديه،
دافع علمي؛ لأنه كان شغوفاً بالعلم وبالمعرفة. كان يغامر من أجل المعرفة. ولم يزر
فقط شبه الجزيرة العربية، وإنما زار أصقاعًا كثيرة في آسيا في إفريقيا، وحتى في
أمريكا اللاتينية.
عدنان: يجب
ألا ننسى أننا نتحدث عن أنثربولوجي كبير.
بولعوالي: نعم،
صحيح فهو..
عدنان: قيمته
العلمية والمعرفية أكيدة.
بولعوالي: فنحن
عندما نبحث في سيرته، ماذا يكتبون؟ يكتبون مثلاً، مستشرق أنثربولوجي، إسلامولوجي،
يكتبون..
عدنان: رحالة
أيضاً.
بولعوالي: يكتبون
"رحالة"، يكتبون "جغرافي"، ويكتبون "دبلوماسي
جندي"، ويضيفون "عميل سري"، دائماً يضيفونها. فهم يكشفون عن هذا،
يكشفون عن هذه المسألة. فيما يتعلق بالجانب العلمي، فهو كان مهووساً بهذا الجانب،
بل وكان له إعجاب بالثقافة العربية والإسلامية، وهذا ما جعله يُترجم "ألف
ليلة وليلة". هو مترجم هذا الكتاب. الدافع الشخصي أن بيرتون عندما ندرس
شخصيته، الجوانبَ السيكولوجية في شخصيته، فهو كان شخصاً يحب المغامرة، يحب
المجازفة، بل ويركب المجهول، يبحث عن عوالم مجهولة دون أن يفكر في المخاطر التي قد
يقع فيها. فهو كان هكذا في شخصيته، فأي شيء مثلاً يبدو له غريباً يحاول ما أمكن أن
يستكشفه بأي طريقة؛ لذلك فهو عندما فكر.. المسألة جد مهمة حضرتني الآن، زوجته هي
التي أشرفت على كتابه، الكتاب الذي كتبه في مجلدين أكثر من ألف صفحة.
عدنان: أزوجته
كانت بريطانية؟
بولعوالي: نعم،
"رحلة شخصية لأداء الحج في المدينة ومكة"، الكتاب هو جدّ مهم، في هذا
الكتاب، هي أشرفت على هذا الكتاب، فتحكي في مقدمة الكتاب، تقول: إن بيرتون استعد
سنوات طويلة لهذه المسألة، ليس هكذا، سنوات طويلة، ربما عقد من الزمن أو أكثر،
وأنه ذهب إلى الهند؛ لأنه كان جنديًّا في الهند، في الأصل، هو جندي في الهند في
الجيش البريطاني، عاش هناك سنوات طويلة وهو درويش، بين المسلمين. ولكن حكاية أخرى
تقول: إنه طبيب بين المسلمين، ثم بعد ذلك جاء إلى شبه الجزيرة العربية، عاش هناك
تسعة أشهر. وعِيشة هي جدُّ صعبة في الصحراء، وأنه ختن نفسه، اتخذ اسم مرزا عبد
الله، ثم إنه كان يأكل مع البدو أكلًا
رديئًا، بل وأنه تعلم أغرب المسائل المتعلقة بالثقافة العربية، وهي مثلاً: كيف
يصنع حذوات الخيل؟ وحتى لا يُفتضح أمره، فإنه.. وفي الأخير قام بالحج، قام بالحج
إلى مكة والمدينة وهو مسلم، هكذا، لأنه كان يؤدي الصلوات كما المسلمين سنوات
طويلة، ويصوم ويحج ويتصدق وغير ذلك. وماذا تقول في هذا الكتاب؟ كان يقوم بهذا
إرضاءً لفضوله، ولكن، كان يحس بسعادة وهو يقوم بهذه المغامرة. وتضيف مسألة جدّ
مهمة، يجب أن ننتبه إليها، وهي أنه قام بهذه التضحيات الجسام من أجل رفاهية بلده
إنجلترا، وأبناء بلده، وهذا يحيل على الدافع الثالث الذي هو دافع استعماري
واستخباراتي، فهذا موجود في الكتاب.
عدنان: في
المقدمة.
بولعوالي: نعم،
الجانب الاستخباراتي، فهو أدى دوراً كبيراً، كان في الهند، ولكن، بعد ذلك فكر في
أن يقوم، هكذا جاءت فكرة أن يذهب إلى الحرمين، للحج، المنظمة الجغرافية البريطانية
-إن لم تخني الذاكرة- تواصل معها وأقنعها بأنه يريد أن يقوم بمسح جغرافيّ، من
الحجاز إلى مسقط، لشبه الجزيرة العربية. هذا المسح ليس هكذا، هذا يعني أن المسح
سوف تستعمله القوات البريطانية فيما بعد، ربما كان لديهم مخطط أن يستولوا
ويستعمروا كذلك شبه الجزيرة العربية، فبعد أخذٍ وردٍ قبلوا بذلك، وكانوا يمولون
هذا العمل، فأعطوه إجازة، أعتقد أنّها سنة، ليقوم بذلك، فهو عوض أن يقوم بذلك، ذهب
إلى الحج.. اتجه
إلى الحج، فلماذا؟ ليجمع معلومات حول الحج، لأني أشرت في البداية إلى مسألة جدّ
مهمة، نحن فقط نتوقف عند ما تركه هؤلاء من كتب، لكن، كانت هناك أمور أخرى في
الكواليس. كانت هناك مراسلات سرية نحن لم نستطع أن نصل إليها، نحن إذا بحثنا،
ربما، إذا وصلنا إلى هذه المراسلات، سوف نجد فيها أمورًا لم يكشف عنها في هذه
الكتب، وفي هذه الرحلات. فقط أنهي بنقطة جد مهمة، أشرتم في سؤالكم إلى طبيب، تقمصه
لشخصية الطبيب الهندي المسلم مرزا عبد الله. لماذا؟ هو كان جدّ ذكي في هذا
الاختيار. هو كان يعرف أن الطبيب هو شخصية مرموقة ومحترمة داخل المجتمعات
الإسلامية. بمعنى أن الطبيب هو موضع ثقة من لدن جميع الناس. وهو، كما تعلم، تعلّم
الإسلام، ودخل الإسلام، بل وكان يتقن اللغات. تشير بعض المصادر أنه كان يتقن عشرين
لغة، من بينها اللغة العربية والفارسية والهندية والأردية، فهو لم يكن محل شبهة أو
تشكيك أو جدل، فعندما أصبح طبيباً، فإن عمله كطبيب كان يمنحه الفرصة في أن يتواصل
مع مختلف شرائح المجتمع، مثلاً، الطبيب يأتيه الإنسان العادي، يأتيه الطفل،
المرأة، الرجل، الشيخ، يأتيه العسكري الجندي، يأتيه السياسي كذلك، يأتيه الشيخ،
فاستطاع من خلال هذه المهنة أن يصل إلى مختلف شرائح المجتمع، وهكذا كان يجمع هذه
المعلومات. فلذلك أعتقد أن هذا الاختيار لم يكن اختياراً عشوائياً، إنما اختيار..
لذلك زوجته قالت: إنه خطط لهذه المسألة سنوات طويلة، ونجح في ذلك، نجح بأنه وصل
إلى مكة، ودخل باسم مستعار، وأنه حجّ، وغير ذلك من الأمور.
عدنان: تماماً
وأنجز ما أنجز.
بولعوالي: نعم.
أوجست مولييرا
عدنان: يعني
في إطار مهمته. عندنا نموذج آخر، وهو اللاهوتي الفرنسي الجزائري المولد (أوجست
مولييرا)، الذي يُقال بأنه كان يتجسس على المغرب انطلاقاً من الجزائر، أين يتلاقى
مولييرا في نظرك مع رؤية بيرتون البريطاني؟ وأين يختلف معها؟
بولعوالي: هذه
حالة أخرى، ولكنها حقاً تتلاقى مع بيرتون ومع آخرين في نقاط متنوعة. هناك اهتمام،
مثلاً، بمجال جغرافي معين داخل العالم الإسلامي، وكذلك على المستوى الشعبي المحلي.
نجد بيرتون كان يركز أكثر على شبه الجزيرة العربية وعلى الهند، بينما أوجست
مولييرا ركز على المجتمع المحلي الأمازيغي المغربي الجزائري. هناك مسألة أخرى:
كلاهما استعملا التظاهر أو التخفي أو التنكر. بالنسبة لبيرتون، كان واضحاً منذ
البداية أنه تظاهر بالإسلام، وقام بكل شيء، بكل ما يتطلبه الأمر. مولييرا هو في
الحقيقة لم يتظاهر بالإسلام كما عند بيرتون، ولكنه كان يستعمل تقريباً الحيل
نفسها، بمعنى أنه كان يتظاهر بتعاطفه مثلاً للمسلمين، للعرب، للأمازيغ. وكان بعض
الأحيان يتظاهر كذلك بالإسلام، لدى البعض من زواره من العرب والمسلمين، كان يتظاهر
في حضرتهم بالإسلام. إذن، هناك فرق، ولكن كان الهدف تقريباً هو الهدف نفسه. ثم
فيما يتعلق بالعلاقة الاستخباراتية مع الاستعمار، نجد هذه العلاقة تقريباً نفسها.
هناك تقاطع كبير، كل واحد من هؤلاء كانت لديه أجندة لخدمة الاستعمار عن طريق جمع
المعلومات، عن طريق معرفة تركيبة المجتمع القبلية العربية. وهكذا يمكن أن يتم
اختراقها، وهذا ما يفصح عنه في كتابه، ربما سوف نأتي فيما بعد..
عدنان: ممكن
أن نأتي للكتاب، ولكن قبل ذلك، أنا ألمس فرقاً آخر أساسياً، وهو أنه إذا كان
بيرتون قد اخترق الجزيرة العربية وطافها وذهب حتى مكة، فمولييرا كان مهتماً
بالمغرب دون أن تطأ قدمه أرض المغرب.
بولعوالي: صحيح،
لأن هذه المسألة جد مهمة. هذا فارق في الحقيقة مهم في هذه الحالات. مولييرا كما
يفصح ويشرح في مقدمة كتابه "المغرب المجهول"، يقول: إنه استعد كذلك
طويلاً ليقوم بنفسه بهذه الرحلة، واستعد سنوات طويلة. هو كان مستعرباً، كان
متخصصاً في الدراسات العربية، وتعلم اللغة العربية، تعلم حتى اللهجات ومن بينها
الأمازيغية. نجد بعض الكلمات الأمازيغية التي يستعملها. اطّلع على الإسلام، اطّلع
على جغرافيا المغرب، حتى إنه تهيأ مئة بالمئة ليقوم بهذه الرحلة، ولكنه أدرك أن
هناك الكثير من المخاطر، وأن هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر، بل وإن أصدقاء له في
فرنسا كانوا دائماً يحذرونه، كانوا يقولون: إن هذه الرحلة هي رحلة خطيرة بالنسبة
لك، ربما سوف تضحي بحياتك. ثم مسألة أخرى، فالجهات الرسمية في باريس سوف لن تقبل
بذلك. حتى بيرتون عندما ذهب إلى شبه الجزيرة العربية، في البداية لم يقبل منه، حتى
أقنعهم، فقالوا ربما سوف يطول الأمر حتى تأخذ ترخيصًا من هذه الجهات الرسمية
الفرنسية حتى تذهب إلى المغرب. ولكن، هو رغم أنه تخوف وأقلع عن فكرة أن يذهب
بنفسه، لكن، فكرة استكشاف المغرب واختراق المغرب بقيت عنده حاضرة. وإذا بفكرة تعنّ
له: لماذا لا يبحث عن مخبر ويرسله في مكانه؟
عدنان: هو
جند أحد الأشخاص.
بولعوالي: نعم،
وسوف يعلّمه مدة طويلة، بماذا سوف يقوم؟ فعبر مخبر جزائري، قال له أن هناك شخصًا
جاء إلى تلمسان، -لأنه كان يعيش في تلمسان، وهو من مواليد تلمسان، و على ذكر
تلمسان فهو من الأقدام السود " Pieds-Noirs"، ولد في الجزائر (مولييرا)- فقال له: هناك شخص درويش، يبدو أنه
مختل شيئاً ما، جاء من القبائل، وهو أمازيغي، فهو موجود، يمكن أن يقوم بهذه
المهمة، لأنه يدعي أنه لديه معرفة بالمغرب، وهذا اسمه محمد بن الطيب، فبدأ يستقبله
في بيته، وكان يُغدق عليه، يعطيه الأكل، وبعض الأحيان النقود، وهكذا أقنعه بأن
يسافر إلى المغرب، فقبل منه فسافر إلى المغرب وبقي هناك أكثر من عقدين من الزمان،
21 سنة وهو في المغرب، لاسيما في المنطقة الشمالية، وبدأ يتنقل من منطقة إلى
منطقة، قام بمسح للمغرب كلها. ربما المسح الذي قام به للمغرب لا نستطيع أن نقوم به
حتى الآن بالآليات الرقمية، لأنّه عندما تقرأ هذا الكتاب فهذا جدّ عجيب؛ لأنه حتى
هذا الشخص، كيف له أنه خزّن هذا الكم الهائل من المعلومات؟ فعندما عاد بعد 21 سنة،
عاد وجلس معه، وبدأ يكتب، يسأله ويكتب مدة طويلة، وفي الأخير خرج بالجزأين من هذا
الكتاب.
عدنان: من
"المغرب المجهول".
بولعوالي: هو
"المغرب المجهول". في الجزء الأول هو اكتشاف الريف، والجزء الثاني
اكتشاف الجبال. أمور كثيرة ذكرها في هذا الكتاب. مثلاً، تجد أسماء القبائل كما هي
على الخريطة، كأنه كانت معه خريطة ويمشي ينتقل من منطقة إلى منطقة. بل لم يكتفِ
فقط بأسماء القبائل، بل كان يتحدث عن المعلومات التي هي حيوية واستراتيجية، لاسيما
في علم الجاسوسية بصفة عامة. مثلاً يتحدث عن عدد سكان القبائل، عدد فرسانها،
موقعها الجغرافي، مداخل هذه القبيلة، مثلاً، مزارعها، وكذلك عن أسواقها، هذا السوق
في منطقة قبيلة معينة، كان يذكر حتى عدد الناس الذين يأتون إلى هذه الأسواق، حتى
يقدم تقريراً تقريبياً لقوة المغرب عندما سوف تفكر فرنسا في استعماره والاستيلاء
عليه.
اختراق استخباراتي
عدنان: والمؤكد
سيد تيجاني، هو أن "المغرب المجهول" يعتبر اختراقاً استخباراتياً كبيراً
للمغرب من طرف فرنسا، صدوره سنة 1895 بوهران، اعتُبر تمهيداً حقيقياً لإخضاع
المغرب لنظام الحماية الفرنسية الذي لم يتأخر؛ سنة 1912 دخلت فرنسا. فإلى أي حد
هنا يصير المجهود العلمي؟ لأنّا سنتفق أن "المغرب المجهول" هو مرجع علمي
غير وظيفته الاستخباراتية بالنسبة لنا اليوم، هو مرجع علمي، ولكن، كان حاسماً
بالنسبة للمخططات الاستعمارية الفرنسية!
بولعوالي: بكل
صراحة، مولييرا في مقدمة الكتاب يكشف عن هذه الأمور. الفارق بينه وبين المستشرقين
الآخرين، منذ البداية كشف عن خيوط اللعبة، أنه كان يحلم، بل يقول في مقدمة الكتاب:
إنه دائماً منذ نعومة أظفاره كان له فكرتان: الفكرة الأولى -لأنه كان يعيش في
تلمسان على مرمى حجر من المغرب- هو اكتشاف هذا الجار المجهول، هكذا يكتب، اكتشاف
هذا الجار المجهول، الفكرة الثانية والأمنية الثانية هو أن يصبح هذا الجار المجهول
تحت تأثير الفرنسي، تحت السيادة والاستعمار الفرنسي، فهو يكشف عن هذه الأمور، بل
وأكثر من ذلك، فهو كان يخاطب المغاربة، مغاربة كثر، وكان يلتقي معهم، لأنه كان
هناك حركة تجارية واقتصادية بين المنطقتين، فكان يلتقي مع تجار من مراكش، ومن فاس،
وكان يقنعهم بأن الاستعمار الفرنسي سوف يأتي بالكثير من الخيرات للمغرب، وأن المغرب
هو الذي سوف يستفيد من هذا الاستعمار، وأنه يمكن أن تستعمر فرنسا المغرب دون إراقة
ولو نقطة دم.
عدنان: تماماً،
وفي الكتاب كان يتكلم حتى عن تجار من مراكش وفاس، دخل في حوار مباشر معهم، حتى
يقول بأنهم أبدوا لهم استعدادهم لاستقبال فرنسا.
بولعوالي: صحيح،
هو حاول أن يقنع الناس بهذه الفكرة. هو أدّى دوراً كبيراً هنا. هو كان يكشف عن
الوجه الوردي للاستعمار، استعمار الفرنسي أو أي استعمار آخر. نجد كما أشرتم في
سؤالكم أنه فقط بعد 17 سنة فقط، بعد صدور هذا الكتاب، وإذا بالمغرب يقسم بين
إسبانيا وفرنسا. وأدت هذه المعلومات دوراً كبيراً في إقناع هؤلاء المستعمرين
باستعمار المغرب. لكن، استخباراتياً هو في الحقيقة نجح بشكل ما معين في اختراق
المغرب، وهذا موجود في الكتاب. معلومات ربما تخرج لأول مرة في التاريخ، ليس لدينا
كتاب آخر يتحدث بهذه الطريقة عن هذه القبائل، عن أسواقها، عن عدد فرسانها. يقول
مثلاً: القبيلة الفلانية لديها 25 ألف فارس، القبيلة الفلانية مثلاً فيها نساء
أكثر. هي معلومات دقيقة، لكن في الوقت نفسه ربما غابت عنه بعض الأمور في هذا
الاختراق.
عدنان: مثل
ماذا؟
بولعوالي: مثلاً،
لم يستوعب طبيعة المجتمع القبلي المعقدة المغربية، ولم يكن يضع في الحسبان أن
المقاومة المغربية سوف تكون شرسة. هو كان يعتقد فقط أنه إذا جاء بهذه المعلومات
الجغرافية الإثنوغرافية، فربما بهذه الطريقة فرنسا أو أي دولة أخرى سوف تستعمر
المغرب بكل سلاسة، وبكل سهولة. لكن عندما بدأت تستعمر، -ونحن في التاريخ، التاريخ
شاهد على ذلك- فالمغرب في كل مناطقه، في شماله ووسطه وجنوبه كان بالمرصاد
للمستعمرين الفرنسي والإسباني.
عدنان: وحتى
مدة الاستعمار بالنهاية كانت محدودة إذا قارناها مع الجيران.
بولعوالي: نعم،
حتى نستعمل مصطلح الحماية، لأنه كان هناك نوع من التراجم.. فلذلك أقول: إن هذا
الكتاب هو في وقته شكل في الحقيقة فتحاً استخباراتياً بالنسبة إليه.. وهو يكشف عن
ذلك، تحدث عن ذلك في المقدمة، وصرح بذلك. فهو أدى دوراً كبيراً، من هنا يظهر دور
الاستشراق، لاسيما فيما نسميها الجاسوسية، لأن هذه الجاسوسية بالنيابة، الجاسوسية
هذه ربما غريبة لا تخطر على بال، كيف أن جاسوسًا هو في الأصل مستشرق وجاسوس
بطريقته، ولكن وجد شخصاً ربما حقّق له ما كان يريد، تقريباً مئة في المئة، ووضعه
في هذا الكتاب. فكيف إذا حكيت هذه القصة لأي شخص؟ ربما لن يثق في هذه القصة، كأنك
تقرأ رواية من الخيال أو غير ذلك..
سنوك هرخرونيه
عدنان: هو
المجال الاستخباراتي ومجال الجاسوسية دائماً قصص غريبة وعجيبة، وأنا سأنتقل معك
إلى قصة أخرى وشخصية أخرى أيضاً عندها هذا التداخل القوي للمعرفي الرصين والجاد مع
الصورة التي لازمته، وهي صورة الجاسوس. أفكر طبعاً في الهولندي (كريستيان سنوك
هرخرونيه)، الذي يعتبر أحد كبار مؤسسي الدراسات الإسلامية في هولندا. كيف تظاهر
سنوك بالإسلام واتخذ لنفسه اسم عبد الغفار؟ ومرة أخرى، سنوك ارتبط بالحج، بالذهاب
إلى الحج، وتحدثنا عن أنه طرد من الحج مثلما تفضلت الآن.
بولعوالي: نعم
صحيح، سنوك هذا ربما أغرب قصص المستشرقين الجواسيس، والمستشرقين بصفة عامة، لأنه
عندما تقرأ قصته ولا أعرف أصورت أم لا، لأنها تحتاج إلى أن تكون فيلماً أو
مسلسلاً، لأن سنوك هو في البداية وعندما كان طالباً اهتم بالدراسات الإسلامية،
وكانت أطروحته للدكتوراة كتبها عن "Het
Mekkaansche Feest"، وهذه إذا ترجمناها حرفياً تعني "العيد
أو الاحتفال المكي" ويقصد الحج.
عدنان: الحج!
بولعوالي: الحج
إلى مكة. هو ألف أطروحة للدكتوراه، وكانت على مستوى عالٍ، أنا اطلعت على هذه
الأطروحة، هي أطروحة عندما تقرأ الأطروحة، يكتبها بطريقة على المستوى السطحي
والشكلي لديه موضوعية خارقة، كيف أنه يوظف مثلاً الفقه الإسلامي. كيف يوظف
المصادر. فرق كبير بالمقارنة، لا يمكن أن أقارن سنوك ببيرتون، بيرتون لم يكن
دارساً باحثاً أكاديمياً، هو كتب وألّف رحلات في السرد، وما إلى ذلك، ولكن سنوك
كان أكاديمياً قحًّا، درس هذه الأمور، وبحث فيها، وكيف جاءته فكرة أن يذهب إلى
الحج. في البداية، تشير المصادر أنه بدأ مستشرقاً أكاديمياً لا علاقة له
بالاستعمار أو الاستخبارات، إلى غير ذلك، لكنه فيما بعد التقى بالقنصل الهولندي
الذي كان في جدة، أعتقد أن اسمه كورات أو كورت في ذلك الزمان، فأقنعه بأن مكة هي
قلب العالم الإسلامي، ويحج إليها الحجاج من العالم، ومن بينهم حجاج يأتون من
مستعمرة هولندا التي هي إندونيسيا، يأتون بالآلاف ليحجوا، وهناك يتأثرون بهؤلاء
الحجاج، وهذا سوف يشكل مقاومة كبيرة بالنسبة للاستعمار الهولندي هناك في إندونيسيا.
هكذا اقترح هذه الفكرة، وهذا القنصل عرضها على الحكومة الهولندية وأقنعها، وقال
لهم بأن الأكاديمي سنوك هرخرونيه هو الشخص المناسب الذي قد يقوم بهذه المهمة،
وهكذا ذهب.. اتجه إلى جدة، أعتقد 1884. اتجه إلى جدة، بقي هناك مدة معينة، وتواصل
هناك مع حجاج إندونيسيين كانوا يأتون إلى القنصلية الهولندية هناك من إندونيسيا،
فتواصل معهم، وتعرف عليهم، وفي نفس الوقت بدأ يطلع على العادات والتقاليد
الإسلامية، بالتالي، اقتنع أنه لديه خياران، إما أن يتنكر أو أن يتظاهر بالإسلام.
بعد تفكير طويل وصل إلى أن عليه أن يتظاهر بالإسلام، أن يسلم، ولكن تظاهراً وليس
تنكراً فقط، وأن يقدم نفسه مسلماً، فقام بختن نفسه، واتخذ اسم عبد الغفار، وهو اسم
له روحانيات بالنسبة للإندونيسيين، الحجاج الإندونيسيين، له روحانيات كبيرة، ثم
بعد ذلك توجه إلى مكة إلى الكعبة، بقي هناك ستة أشهر في مكة، وقام بأنشطته هناك
كمسلم بدون أي مشكلة، ولكن كان له علاقة مع الحجاج الإندونيسيين، واكتشف من الأمور
التي يشير إليها في كتاباته، يقول: إنه وصل إلى خلاصة؛ أن الحجاج العاديين ليس
لديهم تأثير، ولكن، هناك حجاج متعلمون وكذا، فيتأثرون، هؤلاء هم الذين يشكلون رؤوس
المقاومة هناك في إندونيسيا، لذلك ينبغي أن يوضعوا تحت المجهر، وهناك اتخذ له
جارية، تزوج بها، جارية مسلمة كانت معه في مكة، ولكن بعد ذلك تم طرده كما أشرنا
سلفاً؛ على إثر سرقة هذه القطعة الأثرية، وكذلك أشارت بعض الصحف الباريسية إلى أن
سنوك قام بدور الوساطة، فطُرد، ولكن، عندما كان في مكة بقي ستة أشهر في مكة ثم
طُرد، في هذه الستة الأشهر هو يعتبر من الأوائل الذين صوروا هناك الحرم.
عدنان: والآذان،
سجل صوت آذان في مكة.
بولعوالي: نعم،
قام بأخذ صور فوتوغرافية كثيرة ما زالت إلى حد الآن محفوظة. بالنسبة للأصوات،
أعتقد أنّ هذه آلة الفونوغرافيا، استعملها، فسجل أصواتًا للباعة، للآذان، كذلك
للتلبية، للقرآن. سجل هذه الأصوات كلها هناك، وكان هناك حاج آخر، شخص آخر سعودي،
كان اسمه كذلك عبد الغفار. عندما تم القبض عليه، ترك كل شيء لأنه قبض عليه، بقيت
الصور وهذه الآلات، ولكن هذا كان يساعده، وكان كذلك مصورًا. فهذا عندما ذهب إلى
هولندا كان يرسل له، بقيا في علاقة، وكان يرسل له هذه الأمور عبر القنصلية
الهولندية في جدة كان يرسل.. وعندما عاد كتب مؤلفاً هو جدّ مهم في جزأين حول مكة،
ولكن بالصور والشروحات وغير ذلك. وقبل وفاته استقبل من طرف وفد كبير من السعودية،
شكروه على ما قدمه للإسلام. لكن، بعد ذلك، هذه مرحلة أخرى سوف تأتي في حياته، وهو
أنه كان دائماً يحذر الحكومة الهولندية من المشاكل التي سوف تقع في إندونيسيا،
فلذلك نصبوه مستشاراً للحكومة الهولندية، ومستشاراً كذلك لوزارة المستعمرات هناك
في إندونيسيا، وذهب إلى إندونيسيا مسلماً تحت اسم عبد الغفار. وكان المفتي الكبير
لجاكرتا، وهناك في إندونيسيا تزوج الزواج الأول؛ زواجًا إسلاميًّا، لأنه مسلم عند
الإندونيسيين، هو مسلم، هكذا، تزوج مع.. لا أتذكر اسم الزوجة الأولى، خلّف منها
أربعة أطفال، ثم ماتت، ثم تزوج من أخرى. الزوجة الأولى كان سنها سبعة عشر سنة،
الزوجة الثانية كان سنها ثلاث عشرة سنة، تزوج بها، وخلّف منها ولدًا اسمه يوسف.
والتقى فيما بعد معها المستعرب الهولندي الكبير (فان كونينجسفيلد)، وأجرى معها
حواراً. فبقي هناك هذه المدة، وهو مسلم بين الأوساط الإندونيسية، يتحرك، ولكن
بمجرد ما وصل، قام برحلة -هو يقول- دراسية، ولكن، هي كانت رحلة استخباراتية في
مناطق كثيرة من إندونيسيا، وكان يقدم التقارير للجهات الاستعمارية والعسكرية. ما
هي التقارير التي قدمها؟ من بين التقارير قال لهم بأنه في منطقة آتشيا مقاومة
قوية، قادة المقاومة والشيوخ هناك لا نستطيع أن نجري معهم حوارًا، أي: مفاوضات،
لذلك عليكم أن تضربوا بيد من حديد عليهم وأن تستعملوا العنف والإرهاب ضد هؤلاء
القادة وضد المسلمين هناك. هذه التوصية جاءت منه. في البداية رفضت الجهات أو المقيم
العام الذي كان هناك هذه المسألة، ولكن فيما بعد، اقتنع بذلك. اقتنع وقام بالهجوم
على هذه الجهات المقاومة، وكانت هناك مجازر كبيرة، توفي فيها الآلاف من الأشخاص
الأبرياء. وبعد ذلك، وقع لهم مشكل كذلك فيما يتعلق بإدارة المستعمرة هناك، لأنه
جاء هناك حاكم في عام آخر كان لديه مشكل معه.. فقام بتسريحه، فعاد إلى
هولندا. عندما عاد إلى هولندا، تزوج زواجًا آخر بهولندية، تزوج بها وخلف منها
ابنة، وأنكر بشكل مطلق أنه كان مسلماً. وفي هذه المسألة كتب فان كونينجسفيلد،
مقالة جدّ مهمة، أنا أتمنى أن تترجم إلى اللغة العربية لأنها..
عدنان: ماذا
فيها؟ ما مضمونها؟
بولعوالي: في
هذه المقالة تحدث عن أمور كثيرة، هي مقالة طويلة. يقول مثلاً: إن هناك أدلة كثيرة
تثبت أنه أسلم، أدلة كثيرة، سواء في مكة.. -مرحلة مكة هي جد مهمة، كانت مرحلة
استعداد وتهيئة له، لأن ينفذ مشاريعه أو مشاريع الاستعمار الهولندية نيابة هناك في
إندونيسيا، بل وحتى الشيوخ الذين التقى معهم في مكة، تواصل معهم هناك وساعدوه، في
إندونيسيا بقي على صلة معهم-. فان كونينجسفيلد حاول أن يحل هذا اللغز والشفرات، هل
كان مسلماً أم لا؟ هكذا في المقال يتساءل: أكان سنوك مسلماً أم لا؟ هو مقال باللغة
الهولندية، يقول: إن هناك أدلة كثيرة تشير إلى أنه أسلم، أدلة كثيرة، بين مثلاً أن
الزواج الذي تزوجه في إندونيسيا تم بطريقة حسب الشريعة الإسلامية، وفي المسجد،
وكان فيه الوليمة، وكذا كل الأمور، شروط الزواج كانت موجودة، رغم أن بعض الجرائد الهولندية
في ذلك الزمن، مثلاً جريدة الوقت أو الزمن،
كانت تشكك في ذلك، وهناك جرائد أخرى تهجمت عليه، قالت إن سنوك أسلم، وهذا
سوف يشكل خطراً علينا، وما إلى ذلك. فهذه الرواية في الواقع موجودة، هناك أدلة
كثيرة، وحتى لأنه خلف أبناءه، هم لا يزالون مسلمين، منهم من توفي ومنهم..
عدنان: وله
أحفاد؟
بولعوالي: وله
أحفاد، بل هو قبل أن يغادر، وحتى عندما غادر إلى هولندا منعهم من جميع الحقوق،
هؤلاء الأبناء في إندونيسيا، منعهم من اتخاذ اسمه، منعهم من أن يكونوا أبناءه،
منعهم من زيارة هولندا، حتى الجهات والسفارات طلب منها ألا يعطوا.. ولكن سهر على
دراستهم، دراسة متوسطة عادية، ليعملوا هناك، وكذلك ساهم في إيجاد عمل لهم، وكان
ترك منحة لهم، حتى سن الواحدة والعشرين. فهذه رواية تثبت ذلك. لكن على المستوى
الأوروبي، الرواية الأوروبية تقول: لا، سنوك لم يسلم، وإنما تظاهر بالإسلام، لأنه
كان له أهداف استعمارية لصالح هولندا، ولصالح أوروبا، فهو تظاهر بالإسلام من أجل
أن يصل إلى قلب الإسلام، ومن أجل أن يأتي بمعلومات استخبارية، كانت جدّ مهمة في
ذلك الزمان. فكذلك مسألة الزواج، أوّلوا مسألة الزواج بطريقة أخرى، قالوا: إن هذا
الزواج هو يدخل فيما يطلق عليه في القانون الأوروبي التساكن -وهو مسموح-،
المحظيات، تأخذها محظية، صديقة أو كذا، تسكن معها أو تعيش معها كزوجة، بالنسبة
للغربيين ليس زواجاً، بالنسبة للإندونيسيين هو زواج، إذن، هناك ازدواجية، ففي
السياق الإندونيسي الإسلامي هو مسلم تزوج زواجًا إسلاميًّا، لكن، في الرؤية
القانونية، حتى القانونية الغربية.
عدنان: هو
زواج غير معترف فيه.
بولعوالي: هو
ليس زواجاً، وإنما هو عبارة عن تساكن فقط.
دواع علمية معرفية
عدنان: تماماً،
إذن أنت تكلمت الآن عن المراوحة بين رؤيتين، الرؤية الغربية للزيجة، والرؤية
الإسلامية لها، وكيف تختلفان. أنا أريد، ونحن نشرف على نهاية اللقاء، أن ننطلق
الآن من مقاربة هاتين الرؤيتين. الآن، مر قرن على وفاة سنوك، الذي توفي في عام
1936. هؤلاء كلهم رحلوا، الحسابات والرهانات والتعالقات مع الأهداف الاستعمارية
وكذا صارت مجرد حكايات تروى، جزءًا من الماضي، ما تبقى هو المعرفة. هناك من يقول
اليوم بأن هؤلاء المستشرقين الغربيين، الرحالة والمستكشفين وغيرهم، وهم يأتون شبه
متنكرين، وهم يخفون هويتهم المسيحية ويدعون الإسلام، ربما كان هدفهم هو الانصهار
وسط الناس للزوم التمكن من المجتمعات لفهمها ودراستها، لا أقل ولا أكثر. بمعنى أن
الدواعي الأساسية علمية معرفية، وكل هذه الاعتبارات الاستخباراتية المفروض أن
نضعها الآن وراء ظهورنا. ما رأيك؟
بولعوالي: صحيح،
هو الآن ما نقوم به في الوسط الأكاديمي والجامعي، فنحن نركز على ما أُنجز. آخر
المطاف يبقى المنجز، هو الذي يبقى. مثلاً: عندما نتحدث عن تاريخ الفكر أو الأدب
العربي أو الإسلامي، عندما نعود إلى شخصية المتنبي، فإنه كان يمدح الأمراء والملوك
من أجل الأموال. هذه المسألة أصبحت من التاريخ، ولكن، ماذا بقي؟ هو شعره، فهو
يعتبر من أعظم شعراء العربية. ابن خلدون مثلاً كان يطمح إلى إمارة، كان لديه مصالح
سياسية، ولكن.
عدنان: مثله
في ذلك كمثل المتنبي، كلاهما كان عندهما طموح الإمارة.
بولعوالي: نعم.. ولكن ما بقي؟ بقيت نظرية
العمران والاجتماع، بقيت إلى الآن، وهي تعتبر من أعظم المنجزات الفكرية. هذا كذلك
يمكن أن ينطبق على المستشرقين، لأن المستشرقين.. أنا شخصياً أنظر إلى المستشرق
بشكل شمولي، ولكن، بعد ذلك، عندما تفهم هذا المستشرق تذهب إلى ما تركه. بالنسبة
لسنوك، الآن، تقريباً قرن عن وفاته، سنوك مثلا يعتبر أحد أعمدة الدراسات
الإسلامية، ليس في هولندا فقط، وإنما في أوروبا. ما يطلق عليه الإسلامولوجيا، الآن
هناك تيار كبير يقول لك: أنا لست مستشرقا، وإنما إسلامولوجي، أنا أهتم بدراسة
الإسلام بشكل موضوعي وعلمي. هذا ما يهمني، أطرح أسئلة علمية موضوعية عن الإسلام
وأبحث فيها.
عدنان: عموماً،
مباشرة بعد صدور استشراق إدوارد سعيد المستشرقون بدأوا يتنكرون للتسمية، وينتسبون
لعلومهم.
بولعوالي: صحيح،
نعم لذلك فهذا الإرث أو هذه التركة هي جدّ مهمة. ينبغي أن ننفتح. هناك الجانب
الاستعماري، هو حاضر لدى مجموعة من المستشرقين، ولكن لا ينبغي لهذا الجانب
الاستعماري مثلا أن يغطي على أمور أخرى. المستشرقون لهم سلبيات ولهم إيجابيات، نحن
لماذا لا نركز على الإيجابيات؟ ينبغي أن ننظر إلى الجانب.. ليس الجانب الفارغ من
الكأس، إنما هذا الجانب هو جدّ مهم. أنا عندما أتناول الآن المفكرين الغربيين
المعاصرين، منهم الكثيرون الذين لم يسلموا، ولكن عندما أتناول ما كتبوه، واللهِ،
يقدمون أمورًا لم يقدمها حتى المسلمون. مثلاً هناك مشاريع كبيرة الآن، فيما يتعلق
بالدراسات الإسلامية. هناك بعض المشاريع التي تشكك في القرآن، تشكك في نبوة محمد،
تشكك في كذا، ولكن هناك مشاريع أخرى تدرس الإسلام بشكل موضوعي وأكاديمي. مثلاً، الآن،
هناك تيار جديد يطلق عليه المقاربة الداخلية للإسلام، نجد في بعض الجامعات في
أوروبا، مثل جامعة لوفان التي أعمل فيها، تدريس الإسلام يتم عبر الداخل، بمعنى أن
الإسلام يدرس كما يدرس في الجامعات العربية والإسلامية، كما هو دون أن.. بدل أن
تعتمد مثلاً مصادر المستشرقين تعتمد المصادر الأصلية للإسلام. تريد أن تدرس، مثلاً
علوم القرآن، تذهب إلى السيوطي، إلى الزرقاني الزركشي، وغيرهم، ولكن بعد ذلك تضيف
الرؤى الأخرى الخارجية. فهذا اتجاه جد مهم، وهذا نجده يحضر عند مستشرقين كثر.. حتى هؤلاء المستشرقون، عندما
ننظر إلى المدرسة الألمانية في الاستشراق نجد أنهم فتحوا لنا آفاقًا كثيرة لم نكن
نعرفها نحن المسلمين. نحن عندما ندرس الكثير من الأمور في الاستشراق، مثلا مؤلفات
المستشرقين، ليس فقط في العلوم الإسلامية، وإنما بصفة عامة، لأن الاستشراق للأسف
الشديد نركز فيه فقط على الدراسات الإسلامية، فقط فيما يتعلق بالاستشراق.
الاستشراق كما تعلمون هو مفهوم فضفاض، مفهوم هلامي، مفهوم عائم، ولكن بعد ذلك جاءت
التقسيمات الجديدة، داخل أو تحت الاستشراق. نجد الآن الدراسات العربية التي يُطلق
عليها علم الاستعراب، نجد مثلاً الدراسات الإفريقية التي يطلق عليها علم
الاستفراق، هناك الدراسات الأمازيغية علم الاستمزاغ، وهناك حتى الدراسات التي تهتم
بسياق تركيا التي هي الاستتراك. هذه كلها علوم انبثقت من علم، وهي علم الاستشراق،
وهي دراسات تهتم بالمناطق. داخل هذه الدراسات نجد توجهات متنوعة، ما هو أنثربولوجي،
ما هو إثنوغرافي، ماهو في الرحلة، في الدراسات الإسلامية، في اللغات وفي اللهجات
الأخرى. إذن، ينبغي هنا أن نميز.. ينبغي أن نميز بأن الاستشراق عندما نخرج من
دائرة الدراسات الإسلامية نجد أنه أعطى الكثير في أمور أخرى، أنه اكتشف أمورًا
كثيرة، بل ودرس جوانب كثيرة من مختلف الثقافات.
عدنان: ما
فيها شك، ونحن نحاول أن نلاحق هذه الدراسات بمختلف أبعادها الجامعية والمعرفية،
وقصدنا الأساس هو أن نساهم في فصل المقال فيما بين المعرفة من جهة وما بين السياسة
والاستخبارات وما إليه من جهة أخرى، فيما بينهما من اتصال. دكتور تيجاني بولعوالي،
شكراً على حضورك بيننا في هذا الحوار.
بولعوالي: شكراً.
عدنان: وأنتم
أعزائي عزيزاتي، إلى اللقاء.