فما هو نظام التعصيب؟
لو رجعنا إلى القرآن الكريم، نجد أنه لم يورد نظام التعصيب أو الإرث بالعصبة. ولكن هذا النظام تم وضع تعريفه من قبل الفقهاء، فقالوا: (الإرث بالتعصيب) هو مقدار الإرث الذي يأخذه "العاصب" بعد استيفاء أصحاب "الفروض" حقوقهم.
مثال:
إذا توفي شخص وترك زوجة وابنًا، فللزوجة الثمن (يسمى فرضًا)، ويأخذ الابن باقي الإرث تعصيبًا. العصبة في المواريث هم الذكور الذين يرثون بلا تقدير، وهم كل من يأخذ جميع المال عند الانفراد، أو يأخذ الباقي بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم وحقوقهم، وقد لا يبقى له شيء.
وجهات العصوبة: بنوّة، ثم أبوة، ثم إخوة وبنوهم، ثم أعمام وبنوهم. كل قريب ذكر لم يدخل في نسبته إلى الميت أنثى، كالابن، وابن الابن وإن سفل، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق أو من أب وإن سفل، والعم الشقيق، والعم من جهة الأب، وابن العم الشقيق أو من جهة الأب وإن سفل، وبيت المال. ويضاف إليهم الأب والجد الصحيح والذي له أحواله الخاصة.
وسبب تعصيبهم:
القرابة النسبية إلى موروثهم، فكل واحد منهم يشارك الهالك في نسبه. وكل الذكور عصبة بالنفس، ما عدا الزوج والأخ لأم، فالعصوبة صفة تلحق الذكورة بشرط وجود القرابة، وأن لا يدخل في نسبة الذكر إلى الميت أنثى.
أما العصوبة الطارئة، فمتى أطلقت يُراد بها العصبة مع الغير والعصبة بالغير. فالعصوبة الأصلية تشمل الذكور، أما العصوبة الطارئة فتشمل الإناث، وسميت بالطارئة لأن عصوبة الإناث لم تكن لذاتهن، بل لاجتماعهن بالغير أو مع الغير. فالتعصيب بالغير، والتعصيب مع الغير، خاصان بالإناث.
بعد ذلك، تم اختراع حديث منسوب إلى رسول الله: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأول رجل ذكر". بالرغم من أن هذا الحديث يخالف الآيتين: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللهِ﴾، وقوله: ﴿وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾. وهما فريضتان ولا يمكن أن يبقى شيء من الإرث بعدهما.
هل يمكن استنباط التعصيب من القرآن؟
يحاول القائلون بالتعصيب الارتكاز إلى الآية 11 من سورة (النساء) "فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ". يقول الفقهاء هنا إن الأب يرث بالتعصيب؛ لأن هذه الآية تشير إلى التعصيب بشكل ضمني. فهي ذكرت أن الأم ترث الثلث وسكتت عن نصيب الأب، فاعتبر المفسرون والعلماء أنه يرث الباقي. كذلك هناك الآية 176 من سورة (النساء)، التي تتحدث عن نصيب الأخ: وجاء فيها "وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ". وقد فسر العلماء والفقهاء هذه الآية دائمًا بالقول إن الآية لم تحدد نصيب الأخ بشكل دقيق، مكتفية بعبارة "وَهُوَ يَرِثُهَا"، لذا قال المفسرون بأن الأخ يرث ما تبقى من تركة أخته تعصيبا في حالة عدم وجود ولد ذكر لها.
لو نظرنا إلى الآيتين نجدهما تتكلمان عن "الولد" ولم تتكلما عن "الذكر" أو "الابن"، والولد في معجم المعاني الجامع يعني الذكر والأنثى، وفي لسان العرب يعني الولد: الوَلِيدُ: الصبي حين يُولَدُ، وقال بعضهم: تدعى الصبية أيضًا وليدا.
ما الأصل الذي اقتبس منه (الفقهاء) نظام التعصيب؟
لو رجعنا إلى الكتب السماوية القديمة، نجد أن التوراة في سفر العدد، وتحديدًا في الإصحاح 27، يذكر قصة (بنات صلفحاد) من سبط منسي بن يوسف، وكيف حاول قومهن حرمانهن من إرث أبيهن. ولكن الحكم الذي جاء في التوراة أكد أن البنات يرثن أبيهن. هذا الحكم التوراتي قام الأحبار اليهود بالالتفاف عليه عن طريق التلموديات، ليصبح (التعصيب) أساسًا في الإرث بتفضيل المراتب بالقرابة، وهي البنوة، والأخوة، والعمومة وبنيهم.
بعد موت الرسول، كانت السلطة التي حكمت لا تقبل سوى رأي زيد بن ثابت، الذي كان يهوديًا ولم يسلم حتى السنة الثالثة عشرة للهجرة، والذي توفي الرسول وعمره لا يتجاوز العشرين سنة. وقد تُرك كبار الصحابة الذين عايشوا الدعوة منذ بدايتها. وكان أبو بكر وعمر وعثمان لا يقبلون أي رأي من أحد سوى رأي (زيد بن ثابت). فدخل في فرائض المسلمين المحددة في القرآن، برأيه الشخصي وخلفيته التلمودية، الكثير من الأحكام، علمًا بأنه كان يصرح بالقول إنه يقول برأيه، وكان لا يرجع إلى القرآن ولا السنة ولا قاعدة حسابية. فأخذ أبو بكر برأي زيد بن ثابت في الكلالة واعتبر الكلالة ما خلا الولد والوالد، فلما استخلف عمر، قال: "الكلالة ما عدا الولد"، فلما طُعن عمر، قال: "إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر".
والحال أن الآية 176 من سورة النساء واضحة جدًا في تعريف الكلالة بأنها من ليس له ولد فقط. وبذلك تم حرمان الإخوة من أي نصيب رغم وضوح الآية 12 والآية 176 من سورة النساء في توريث الإخوة، ولو مع حضور الأب، سواءً كان والدًا أو جدًا. وقاموا باختراع كذبة أن النبي محمد قد قال أحاديث في هذا الغرض وهم قد اعتمدوها. والحال أن النبي حاشاه أن يزيد حرفًا واحدًا على كتاب الله.
وعلاوة على ذلك، بُخس حق الأم في نصيبها الأوفر عند الإرث كلالة بحضور أحد الزوجين لفائدة الأب، فيما يعرف بمسألة الغراويين: إذا اجتمعت زوجة وأبوان، فللزوجة الربع، وللأم ثلث ما بقي؛ وهو الربع، وللأب ما بقي. وإذا اجتمع زوج وأبوان: فللزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي؛ وهو السدس، وما بقي للأب.
وعليه، سيكون حساب فريضتي مسألتي الغراوين وفق قاعدة إعطاء الأم في كلتا الحالتين ثلث الباقي عن سهم الزوج؛ بدلًا عن الثلث المفروض لها، وهو رأي زيد بن ثابت. فقد قاموا بتوريث الأخ الشقيق والأخ للأب بالتعصيب مع المولودات، وكذلك فعلوا مع أبناء الإخوة، ثم الأعمام وبنيهم. والحال أن في هذا مخالفة صريحة لما نزل في كتاب الله، لكون الأولاد، ذكورًا وإناثًا، يحرمون الإخوة من أي نصيب، وبالتالي يحرمون الأعمام كذلك.
فالميراث في الديانة اليهودية ينص على أن البكر الذكر يرث وحده كل التركة، ولا شيء لأحد غيره، سواء من الإناث، كالبنت أو الزوجة أو الأم. فقد "كان يرث الميت عند قدماء اليهود ابنه الذكر، سواء كان من نكاح صحيح أو غير صحيح. فإذا تعدد الولد الذكر، كان للبكر نصيب اثنين، وللبنت النفقة والتربية فقط حتى تبلغ الثانية عشرة من عمرها. فإذا لم يكن للميت أبناء، فميراثه لابن ابنه، فإذا لم يكن فلبنته، فإذا لم تكن فلأولاد بنته، فإذا لم يكن له أولاد ابن ولا أولاد بنت، فللذكور من أولادهم، أبناء الأبناء أولًا، ثم أولاد البنات ثانيًا. فإذا لم يوجد منهم أحد، يورث بنات الأولاد ثم بنات البنات. فإذا لم يكن للميت فروع، يكون ميراثه كله لأبيه، فإن لم يكن فلجده، ثم لأصوله من أبيه. فإن عُدموا، فلدى قرابته الفرعية، الأعمام ثم أبناؤهم، ويُقدم الدرجة الأولى على الثانية حتى الدرجة الخامسة، ثم تتساوى الدرجات ويرث الكل سواء. فإذا لم يكن له أحد من قرابته، يمتلك المال أسبق الناس إلى حيازته ويصير وديعة عنده لمدة ثلاث سنوات. فإذا لم يظهر وارث من قرابته، كان ملكًا خالصًا له. وليس لمن يرتد ميراث من أقاربه اليهود. ومن يضرب أباه أو أمه ضربًا مدمِيًا لا يرث من والديه ولا من أقاربه".
مما تقدم نرى أن (الفقهاء) قد تركوا الفروض التي ذكرها الله في كتابه بكل وضوح، وفرضوا قواعد اقتبسوها من التلموديات ليجعلوها الحكم في المواريث، واخترعوا أحاديث نسبوها للرسول زورًا ليفرضوا ما اقتبسوه على الحياة الشخصية للمسلمين.