• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

مفاهيم "الهداية" و"الضلال" و"الإضلال" | د. يوسف أبو عواد

للإستماع



ناقشَ الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مفاهيم"، مفهومَي الهداية والإضلال، وفق آلية اللسان العربي المبين؛ حيث هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم تتحدث عن أن الله يهدي مَن يشاء ويضل مَن يشاء؛ إذ يبدو أنا هناك لغطاً وسوءَ فهم لهذه الآية، وكأن الله يهدي الشخصَ الذي هو يريد الهداية، وأنه يضل الشخصَ الذي هو يريد؛ فالأمر متروك للفرد، وهل الأمر متروك للفرد إن هو أراد أن يهتدي فيهديه الله، وإن أراد أن يضل فيضله الله، أو أن العكس؛ الله يضل مَن يشاء أو يضل مَن يهتدي أو يهدي مَن يريد الهداية؟


القدر المكتوب.. الهداية والإضلال

قال الدكتور يوسف أبو عواد: "في الحقيقة هذا موضوع في غاية الأهمية؛ وله ارتباط بفكرة القدر المكتوب، الذي حتم على الإنسان، وأنا أحب أن أسميه الهداية والإضلال؛ لأكون دقيقاً من الناحية اللسانية، لأن الفعل المستخدم في القرآن الكريم (يضل) ماضيه الرباعي (أضل)، ومصدره بالتالي (إضلال) لا (ضلال). (الضلال) هو سلوك الفرد نفسه، والإضلال هو سلوك الله تجاه الفرد، أو فعل الله تجاه الفرد، إن صح التعبير طبعاً. يعني هذه الطريقة الصحيحة لتصريف الكلمة من الناحية اللسانية، وأما الهداية فهي أيضاً فعل الله تجاه العبد؛ لأنه إذا العبد فعل بنفسه وحده يقال اهتدى، يتحول الفعل من التعدي إلى اللزوم، عندما تزاد عليه همزة الوصل والتاء، وفي الحقيقة الفكرة، كما ذكرت، يعني أحدثت لغطاً كبيراً عبر تاريخ الإسلام الطويل وإلى اليوم، يعني في حياة البشر..".


السر في الموضوع.. القدرية والجبرية

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "ولا بد في الحقيقة حتى نفهم سر هذا اللغط، هل هو أصلاً نتج عن النص القرآني أو لا؟ أن نفهم سر الموضوع الأول، يعني سر الموضوع الأول أنه نشأ في تاريخ الإسلام أو في التاريخ الإسلامي فرقتان؛ إحداهما سُميت (فرقة القدرية) والأخرى سميت (فرقة الجبرية)؛ معناها كان هناك اعتقادان شائعان جداً متصارعان، فكرة تقول إن القدر كتب يعني كل فكرة مثلت مدرسة مثلت اتجاهاً كبيراً جداً؛ كان له أتباع وكان له أئمة وشيوخ، وحدث صراع في الحقيقة لم يكن من الداعي أن يحدث. وشغل الأمة فترة كبيرة تماماً؛ كالصراع الذي حدث في ما يتعلق بصفات الله، هذا أيضاً شغل الأمة فترة طويلة جداً من تاريخها لغير معنى في الحقيقة، هي الفكرة نتجت عن أنه وضع مفهوم القدر وإن كل شيء قدر على الإنسان؛ فمعناها الإنسان ليس بيده شيء. وجاءت فكرة ثانية مقابلة قالت لا، هو الإنسان أصلاً؛ الله لم يكتب على الإنسان أي شيء. فالمشكلة أن هذا اصطدم مع نصوص يعني موجودة في النص القرآني. وما زالت قصة العلاج لهذا الموضوع تتداخل ويدخل فيها كلام كثير، وتدخل فيها روايات.. وإلى آخره. نحن ما سنفعله أن نحاكم هذا الخلاف وهذا النزاع إلى النص؛ النص القرآني، لأن الله سبحانه وتعالى وصفَ القرآن بأنه لا ريب فيه، وأنه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. وسنرى في نهاية المطاف، وهذا دعوة في بداية الحلقة؛ لكن إن شاء الله في نهايتها تكون إثباتاً وحجة قاطعة، أنه لا يوجد أي اختلاف في الفهم الحقيقي للهداية ومعنى الإضلال في القرآن الكريم".


الضمير المستتر في (يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ)

وتابع د.يوسف أبو عواد: "طبعاً هناك مشكلة أولى نتعرض لها، أن كثيراً ممن يتعرض لهذا الموضوع يقول لك ببساطة الضمير المستتر يعني أن الله يهدي مَن يشاء ويضل مَن يشاء يعود على الفرد، وانتهى، يعني يهدي الله مَن يشاء، هو أن يهتدي، ويضل الله يعني الأمر متروك للفرد نفسه؛ أن يهتدي، وإن أراد أن يضل، لكن المشكلة هذه الناتجة عن عدم الاستقراء بسهولة، سيأتي مَن يعارضك فيقول لك ماذا تقول في قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، يعني يقول لك السياق الآن معناه هو حجر عليهم الله، ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم.. وقال لاحظ قال (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا). يقول يعني طب أنا ماذا أفعل يعني إذا أنا قلبي مريض، فكانت النتيجة أن زيد المرض في قلبي. يعني ما هو دوري؟ ما معنى يعني الرسالة بهذه وما جدواها؟ لذلك لا يصلح في الحقيقة أن نجيب هذا الجواب البسيط جداً الذي بمجرد ما أسير مع نصوص الآيات القرآنية سأجد أن هناك آيات كثيرة لا يمكن أن يسعف ويشفي فيها هذا الجواب".


فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ

واستكمل أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "يعني مثلاً ماذا نقول في قوله تعالى (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)؛ لاحظ كيف أنه الإرادة إلهية؛ فمَن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام. يقول لك طب أنا إيش ذنبي الله ما شرح صدري للإسلام؟ والآية واضحة، لا تستطيع أن تفسرها بالطريقة الشائعة، طبعاً؛ وأنا أقول لك سبب انتشارها.. عدم التدقيق أيضاً في النص القرآني وعدم استخدام آلية اللسان في فهم النص القرآني، ويعارض ذلك ويدخل عليه روايات وكأنها بنفس المستوى ستوصلني إلى نفس الفهم، فيحصل هذا التداخل، ينظر في النص القرآني بعين أخرى، في الحقيقة لن تصل إلى النتيجة في نهاية المطاف.. إذا الموضوع يحتاج إلى عمق أكثر، الآن لو بدأنا فمسكنا مصطلح الهداية ومصطلح الإضلال، وهذه طريقتنا، نأخذ المصطلح فنفككه ونحلله لسانياً ونسير مع وروده نصياً سياقياً في القرآن الكريم، على مستوى الآية، على مستوى السورة، وعلى مستوى القرآن كله".


مصطلح الهداية وقواعد نحو النص

وتابع د.يوسف أبو عواد: "وأذكر هنا أيضاً أننا نستخدم قواعد تسمى في اللسانيات قواعد نحو النص، ليست فقط قواعد النحو العربي، نحو النص الذي هو ترابط الآية وترابط السورة؛ وهذا على فكرة مما يبين متانة النسيج القرآني، وأنه فعلاً لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً، سنرى هذا.. مصطلح الهداية أولاً ورد في أحد أبعاده؛ يعني هو أصلاً مصطلح الهداية يرجع إلى الأصل الثنائي (هدى) صح (هد)، ماذا تولد عنها، يعني كلمة (هد) ما معناها؟ معناها تفكيك ولَّا بناء؟ تفكيك؛ معناها الأصلي، معناها تفكيك. طيب الآن إذا كان هذا التفكيك يؤدي إلى السكون، أُضيفت الهمزة إلى الفعل فقال (هدأ)، طب إذا كان هذا التفكيك يؤدي بك إلى أن يهدم كل شيء غير جيد ويضعك على طريق صحيح. فأنت تضيف الحرف الذي يدل على الامتداد والمسار المستقيم، وهو حرف الألف.. فيقال هدى؛ لذلك هناك هذا الذي تولد عن الجذر، (هدى)، والأبلغ منها (هدأ).. أضفت صوتَ الألف، أكيد نحن نقصد الصوت، فأعطى الصوت أنه هو الهداية المقصودة هناك إنه شيء تلويث يجب أن يزال، ثم لا نكتفي بأن نزيل هذا، إنما نمسك بيدك فنقودك إلى طريق مستقيم مستقر ساكن يقودك إلى السعادة والهناء، هذا تفكيك كلمة (هدى) من الناحية اللسانية، فلذلك نلاحظ أن القرآن الكريم في أول الاستخدامات التي استخدم فيها كلمة الهدى ربطها بالكتاب، وربطها بالرسل، وربطها بالصراط المستقيم. فقد يرد في ذهن المشاهد أنه الآن طبعاً تقول يعني هل الكتاب يهد؟ نعم هو يهد ما ذكرناه في حلقات سابقة مما استحدثه البشر من مناهج مخالفة لمنهج الله؛ لأن الناس كانوا أمة واحدة؛ لكن لما صار الاختلاف كان لا بد من هد هذا الاختلاف، ثم العودة بك إلى الطريق المستقيم. لذلك نجد أن هناك آيات تقول (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). لاحظ هذا شامل لكل البشر. (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، لاحظ كيف يربط الهداية بالاستقامة؟ يهدي للتي هي أقوم؛ معناها يخلصك من غبش أفكار البشر وما تولد عن أذهان البشر مما يخالف منهج الله، ويعيدك فيربطك بكتاب الله الذي يمثل منهج الله".


"نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ".. لاحظ عالمية القرآن

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)؛ هذا ليست مقصوراً على القرآن على فكرة، لاحظ عالمية القرآن، وكيف أنه لا يوجد أي شكل من أشكال العنصرية قال (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ). إذن كل الكتب التي نزلت للناس هي كانت هدى لجميع الناس. ليس هناك تمييز ولا تفضيل لعرب على غير عرب ولا.. إلى آخره يعني. وقال أيضاً (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ). وقال (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ). لاحظ يعني يخص لك حتى يتحدث عن التوراة وحدها. وقوله عن عيسى، عليه السلام، (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ). إذن على قدر ما ذكر القرآن، ذكر التوراة وذكر الإنجيل، وأنها كلها جاءت هداية للناس. الآية التي انطلقت بنا من المعنى الأول اللي هو ينبغي أن يكون محل الاتفاق الآن".


الهداية.. العمى.. الإضلال

وتابع د.يوسف أبو عواد: "الكتب والرسل الذين أرسلهم الله كلهم جاؤوا بالهداية؛ لا يوجد ذكر الآن لموضوع الإضلال أبداً، لكن لما تحدث عن ثمود، ماذا قال؟ (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ)، عكس الهداية، العمى.. هو عكس الهداية، الإضلال. ولكن ما سبب الإضلال الذي هم استمروا فيه؟ العمى.. ما معنى العمى؟ إبطال أدوات المعرفة التي زود بها الإنسان. فضَّلَ أن يكون أعمى فاستحب العمى على الهدى. لكن الكتاب أو الرسالة التي جاءت لثمود، هل هدتهم؟ نعم هدتهم. إذن هذه مرحلة أولى نتفق أن الكتب والرسل جاؤوا بالهداية لجميع الناس على حد سواء. لا يوجد  فرق بين أحد وأحد. هذه هي الفكرة الأولى؛ لكن قد يقول قائل لماذا كان في النتيجة تدخل إلهي في الهداية والإضلال؟ هناك آية عالجت الموضوع معالجة واضحة جداً. قالت (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً). طبعاً تذكر دكتور نحن تحدثنا عن موضوع الأمة الواحدة؛ لكن هنا ما معنى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ)؟". 


لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا 

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "إذن هنا الله يتدخل في الهداية ويتدخل في الضلال؟"، قائلاً: "ليه؟ ما السبب؟ هو يتدخل؛ وسنشرح بالتفصيل ما معنى هذا التدخل، لكن ما هو السبب؟ السبب أنه لو الله استخدم مساقاً واحداً أو مساراً واحداً، ما الذي سيحصل؟ سيكون الناس أمة واحدة. طب شو يعني إذا كان الناس أمة واحدة؟ أنك تقضي على فكرة الإرادة والحرية والاختيار عند الناس. في آية أخرى، قال ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً؛ (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا). طب هو يقدر أن يهديهم صح؟ إنما لو هداهم معناها لا يوجد حرية؛ أصبحوا كالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ لكن فكرة وجود الإنسان أو البشر، مميزة للبشر إنه أعطي الإرادة، طب كيف ستحصل الإرادة إذا كان هناك إجبار للناس على الاتجاه نحو اتجاه واحد، وهو اتجاه الهداية. فكان لزاماً بعد أن زود البشر بالإرادة أن يكون هناك مَن هو مهتدي ومَن هو ضال؛ لكن يبقى السؤال لماذا الفعل الإلهي في هذا؟ يعني أيضاً (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). حتى لاحظ من لحظة إهباط الله آدم، (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)، يعني الرسالات أو الفطرة قبل هذا أصلاً. (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ)..".


لماذا يهدي الله؟ ولماذا يضل الله؟

وقال د.يوسف أبو عواد: "الآن سنبدأ نفكك فكرة لماذا يهدي الله؟ ولماذا يضل الله؟ فيه آية تقول لك (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)، ثم قال (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، طيب ما الذي سنفهمه من هذه الآية بناء على ما سبق؟ أولاً هل هؤلاء القوم جاءتهم الهداية التي ذكرت؛ هي هداية الكتب أو هداية الفطرة قبلها؟ نعم؛ لأنه قال لك كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق، إذا وصلتهم هداية الرسول ووصلتهم هداية الإيمان الفطري، وجاءهم البينات. لكن هم كفروا بهذا الذي جاءهم؛ يعني معناه عرفوه فجحدوا به، الآن يقول لك كيف يهدي الله؟ يعني لو أن الله هداه؛ هل يكون تركه وما اختار ولا يكون تدخل في إرادته؟ تدخل في الإرادة. إذا هداه سيكون عكس ما أراد هو من داخله؛ طب أين معنى الإرادة إذا ليست هناك إرادة؟ معناها البشر خلاص مخلوق في اتجاه واحد؛ فهذا يعود على أصل فكرة أصلاً الرسالات وخلق البشر بالهدم؛ لأنه البشر أول فكرة قرنت بهم حين خلقوا أن الله زودهم بالإرادة. ولذلك كان من نتائج هذه الإرادة التي ستكون والتي عرفت في علم الله أنهم سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وهنا استغربت الملائكة، الملائكة بطبيعتها هي عبارة عن كائنات تكرس قوانين وسنن الله، فلا تتخلف أبداً ولا تحابي أحداً، فاستغربت كيف سيكون هناك خلق يبدر منه أن يعكس ويخالف سُنة الله، فكان جواب الله (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، وهذا الذي ميَّز البشر وجعل الله يأمر الملائكة بالسجود للبشر؛ لأنه مطلوب من الملائكة التي تمثل سُنن الله، أن تخضع للبشر في هذه الرحلة حتى يتحقق معنى الاختبار للبشر الذي أراده الله. فإذن الآية واضحة في هذا المعنى". 


بثنائية الهداية والضلال تكمن حرية الإنسان

وأجاب أستاذ اللغة العربية عن سؤال "هل بثنائية الهداية والضلال تكمن حرية الإنسان؟"، قائلاً: "بالضبط؛ تكمن حرية الإنسان التامة لأنه لو جبر الله الناسَ على اتجاه واحد، الهداية أو الضلال، إذن لا توجد حرية. إنما يبقى السؤال الآن: لماذا يضل الله؟ يقول لك طب ما هي لماذا لم يقل ضل فلان؟ لماذا يقول يضل الله؟ نحن لما ذكرنا هذه الآية ماذا قُلنا؟ كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات، والله لا يهدي القوم، الإيه؟ الظالمين، أنت في حال اخترت فيه الظلم كيف تريد أن يهديك الله؟ هل هداية الله تدخل مباشر من فعل الله، ولا تكريس لسنة الله التي تجلت وظهرت مع نشأة البشر؟ النشأة الطبيعية والقانون الطبيعي البشري الذي زودت به".


البنود الأصلية للهداية

وأضاف د.يوسف أبو عواد، رداً على "كون حرية الإنسان تكمن ما بين طرفَي المعادلة التي أصبحت لدينا، الهداية والضلال، صار واجباً علينا أن نفسر ما معنى الضلال؟ وما معنى الهداية؟ متى يكون الإنسان مهتدياً ومتى يكون ضالاً؟ ضالاً أن يصبح ظالماً لنفسه.. ما بنود الهداية؟ ما الأسس التي يجب أن يتبعها الإنسان ليصبح مهتدياً مثلاً والعكس بالتأكيد راح سيكون ضلالاً؟": "بالضبط؛ الآن البنود الأصلية للهداية حتى نعرفها سنذهب إلى الآيات التي ذكرت فيها الهداية، دون أن يذكر فيها الضلال. أين الهداية من غير أن يذكر الضلال؟ ذكرت مقترنة بالكتب التي ذكرناها؛ كتب الله؛ بالقرآن، بالتوراة، بالإنجيل. طبعاً دون أن تدخل فيها اليد التي تحرف النص أو المعنى وتتلاعب به. هذه الكتب تمثل الهداية. أيضاً تتمثل الهداية في الفطرة البشرية الأصلية التي الناس عليها أمة واحدة، حتى قبل أن تنزل الكتب؛ لكن نزلت الكتب لما اختلف الناس، فأعادت ذكر مبادئ الهداية السهلة جداً والكبيرة جداً؛ والتي هي في الحقيقة تتناسب تماماً مع حياة البشر وتجعلهم في أكثر الحالات استقراراً؛ فمبادئ الهداية مذكورة في الكتب ومذكورة على ألسنة الرسل؛ وهي أيضاً موجودة في فطرة كل إنسان بشري لو بحث عنها". 


الإنسان واختيار الهداية أو الضلال

وأجاب أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين عن سؤال "متى يختار الإنسان الهداية ومتى يختار الضلال؟ يعتمد على مستوى معرفة؛ فحرية الفرد هنا تعتمد على المستوى المعرفي له.. إن كان عنده مستوى معرفي عال سيحدد وفقًا للمستوى؛ إما أن يكون ضالاً وإما أن يكون مهتدياً وَفق الأسس المعطاة"، قائلاً: "تمام؛ هذا السؤال يكون بهذه الطريقة، وأن الإنسان سيحظى بالهداية أو يبقى في الضلال حسب قدرته المعرفية. هذا بالتالي لو كان هذا المعنى بهذه الطريقة؛ إذن كيف تكون الرسالة السماوية مشمولةً؟ وكيف سيحاسب الناس كلهم على حد سواء؟ لكن الفكرة أن المستوى المعرفي الذي تتكلم عنه أنه لازم يكون هناك عند الإنسان قدر منه، هذا لو أننا فهمنا الدين أنه معقد جداً وله تفاصيل كثيرة كما هو مكرس في الفهم التراثي". 


تحديد سبل الهداية وسبل الضلال

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "ما فائدة الرسل والكتب الذين أنزلهم الله وأرسلهم، وأتباع الرسل الذين يحملون لواء الرسل؟ لتحديد سبل الهداية، ولتحديد سبل الضلال، وإيصال هذه السبل إلى مَن شوشت عليه الطريق؛ لكن محددات الهداية هذه بما أنه مثلاً التوراة والإنجيل الآن فيه لغط كبير، وأين هو النص الأصلي للتوراة والإنجيل؟ لكن مثلاً النص الأصلي معروف وهو بين أيدينا؛ حتى ننقل هذا المستوى المعرفي اللي هو الحد الأدنى، حتى أنا أختار أن هذه هداية ولا هذا ضلال، هل تتوقع أن يكون الأمر مثلاً متوقفاً على فهم تفاصيل دقيقة ولَّا قراءة آلاف المجلدات ولَّا معرفة عشرات الآلاف من الأحاديث؟ هل يمكن أن يكون هذا خطاباً بشرياً ويوفر الحد المطلوب من المعرفة، حتى أكون هادياً أو ضالاً؟ ولهذا لا يتناسب مع العالمية". 


منظومة القيم ومحددات الهداية

واستكمل أستاذ اللغة العربية: "نحن لا بد أن نتخلص من فكرة أن منظومة القيم التي تحدد، يعني التي تضع محددات للهداية، أسهل مما تصور الناس بكثير. مثلاً (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا)، هذه هي المنظومة، يعني طبعاً سنشرح في حلقات لاحقة التفصيل الكبير لمعنى كلمة آمن؛ لكن الفكرة هي ما ذكرناه، العمل الصالح، تغذية النفس والروح والعقل والسمع بما هو طيب، قال تعالي (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، هذه الآيات القصيرة التي هي في الحقيقة يعني وصلت إلى معظم البشر أو يمكن كل البشر على مستوى الكرة الأرضية، بهذه المعاني؛ لكن إذا دخلت المشتتات ستصعب الأمر وتحد وتوقفه ولا يصل، وبالتالي يعني يتحمل عبء وجريرة هذا؛ عدم الوصول المعرفي، هذا من أحدث كل هذه الضوضاء التي حالت دون الناس ودون الوصول إلى المحددات السهلة جداً البسيطة".


الوصول إلى المحددات المعرفية

وقال أبو عواد رداً على "أنا ما عَم باختلف؛ بس أنا بضع الشرط، أنه حتى يتمكن الإنسان من الاختيار من أن لي أُسس الهداية، يميزها عن أسس الضلال. يجب أن يكون عنده فهم، مستوى ما من الفهم؛ أن هذا لصالحي، وأن هذا من الطيبات، وأن هذا.. إلى آخره، وبالتالي يختار الهداية": "ممتاز؛ هذا كلام صحيح، على عاتق مَن هذا العبء؛ أن ينشأ الناس بطريقة يكون عنده على التمييز. هذا يقع عبئه على عاتق المسؤولين؛ الملأ من الناس في كل مكان، على عاتق المناهج التربوية التي تعلم والتي ينشأ عليها الأطفال، حين تنشئ هذه الفكرة التي نتحدث عنها، أنت حين تشعر الإنسان عوضاً عن أن تقول له خلاص أن تقول الأمر قد قضي وأنت معروف في الجنة ولا في النار بهذه الطريقة. وهذا الأسلوب المقزم الذي يعني يحدث الناس به، فيشعر الإنسان أنه فقد شخصيته وفقد كيانه وفقد وجوده، حين نعيد للشخص، للطفل، من نعومة أظافره نعيد له شخصيته؛ نشعره بالمسؤولية التي وضعته فيها فطرته ووضعه، وننشئه على هذا، سيكون مهيئاً جداً بسهولة لأن يصل إلى المحددات المعرفية". 


التمييز بين سُبل الهداية

وأضاف أستاذ اللغة العربي المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "أو تقديم قراءات حديثة سلسة سهلة للنص؛ ليكون في متناول الجميع، حتى يستطيع الفرد أن يميز بين سُبل الهداية": "وهذا هو القراءات الحديثة، يعني ربما يظن الناس أنها حديثة يعني تغيير؛ الحديثة هي أصل النص أصلاً؛ هذا هو أصل النص، يعني نحن نعزل ما بين أصل النص، ونحن الآن نزيل كل الفوضى العارمة التي حصلت، ونرجع إلى النص.

وهذا موضوع سهل؛ وهي فكرة التحديث وأخذ أساسيات الدين البسيطة التي تحدد يعني؛ طريقة الهداية سهلة جداً، وهي في المتناول، إن رجعنا إلى النص وفهمناه بهذه الطريقة والمعاني في كل حال مترجمة كمعانٍ كبرى وواصلة إلى جميع البشر، وكما ذكرت هي موجودة في فطرة البشر، يعني كيف نفهم قوله تعالى، وهو له علاقة لصيقة تحدث به، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)؛ يعني لم نحصل نحن على سرنا، على ما وجدنا عليه الآباء، وكنا ذرية من بعدهم... (وكأنها بمثابة عقد إيماني ما بين الخالق والمخلوق).. طب أين مظهر هذا العقد؟ هل يوجد إنسان يتذكر أنه أخذ قبل أن يخلق، فقيل له ألست بربك؟ لا يوجد، اسأل أي إنسان بشر على سطح الأرض".


الفطرة البشرية النقية

وتابع د.يوسف أبو عواد، رداً على "لا يوجد؛ لأنه لم تقدم المعارف للناس بالطرق الصحيحة": "لا هذا الجزء تحديداً ليس معتمداً على المعرفة؛ هو معتمد على الفطرة البشرية النقية التي ذكرتها أنت؛ لا يناقش في كذب ولا السرقة ولا الخداع ولا الخيانة ولا حتى التمييز العنصري، وحتى لا تناقش؛ لأن هذه فطرة، أنت تضاد الفطرة البشرية، أنت تجد هذا في يعني هناك صح الإنسان زود بأدوات المعرفة؛ لكن زود بحد أدنى من الفكر يجعله مرتبطاً بالكون؛ بما فيه من خلق؛ وبالتالي هذا ارتباطه بالكون، وهذا المقصود أن يعرف الله، ما إحنا شرحنا كلمة رب ما معناها؛ يعني ما معنى (ألست بربكم)؟ معناه أنا أعطيتك من الأدوات المعرفية وأعطيتك من أصل طريقة التفكير ما يجعلك إذا نظرت مباشرةً في أي شيء تعرف ما الطريقة الصحيحة لسلوك هذا الشيء؛ في الكون، في الحياة، هو الدين، هو حياة فقط، هو إعادة للناس إلى الطريقة الصحيحة؛ لأن يعيشوا الحياة الطبيعية للبشر بفطرتهم الأولى من دون تلويث. الآن إذا حصل التلويث بعد ذلك نحن نحتاج إلى التثقيف المعرفي الذي جاء عن طريق الكتب والرسل ومن يحمل لواءهم. لكن يحمل لواءهم بماذا؟ بفكر جديد هو يطرحه، وهو فكر قديم في الحقيقة، وتخلفي، ولا فكر حديث يمثل في الحقيقة النص الأصلي الذي هو تحديث بالفهم. وهذا على فكرة لا تعيقه الترجمة ولا أي شيء؛ لأنه مفهوم مباشرةً، مجرد ما قرأه الناس يفهمونه؛ لأنه يحاكي فطرة الإنسان، يحاكي خلقه الأول يعني، وطبعاً أنت تجد هذه الآية عوضاً عن أن نفهمها الفهم الحقيقي الذي يعيد الناس إلى فطرتهم ونظرتهم في الوجود؛ يبحثون في مسائل هل أخرجوا من آدم نفسياً، ولا أخرجوا من ذريته؟ يعني تذهب إلى مسائل ليست لها علاقة بجوهر فكرة الآية الأصلية إنه أنت قِف مع نفسك، أنت تعرف.. هناك شعور داخلي، هناك ضمير، هناك وازع حاكم؛ أي تصرف إلى الوازع، وبكل بساطة سيكون حسابك بناء على هذا الوازع، دعك من المشتتة، (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)، هذا التفكر الذي يعيدك إلى فطرتك الأولى ويبعدك عن الضوضاء التي أحدثها المشاغبون على منهج الله، سترجعك بكل بساطة إلى قاعدتك الأصلية، إلى برنامجك الأصلي؛ فالكتب والرسل هم معزز فقط لهذا".


وقال أستاذ اللغة العربية رداً على "هي معززة؛ لكنْ هناك دور أساسي للإنسان؛ كونه الإنسان أُعطي حق الاختيار، وزود بميكانيزم الاختيارات؛ سواء فطري ولَا معرفية. إذن هذا يعزز الحرية؛ فأنت أعطيت هذا الفرد حرية الاختيار ليكون مسؤولاً عن اختياره، حتى يحاسب عليه": "طبعاً عن هذا هو، وإلا كيف طلب منه أن يعمر الأرض، وبالتالي سيحاسب على كل عمل".


ثنائية الضلالة والهداية وحرية الاختيار

وأضاف د.يوسف أبو عواد رداً على "لأن هناك مَن ينتقد أن في النص القرآني لا توجد لفظة حرية، وبالتالي هناك عبارة عن كل جبر أو كل اشتراطات خلقية تجعل الإنسان يكون في مسار خاص فيه؛ سواء كان مفتدياً ولَّا كان ضالاً، هذه الثنائية ما بين الضلالة والهداية توضح أن حرية الاختيار المعطاة الفردية أوسع من مفهوم الحرية المتعارف عليها": "بالضبط، يعني هذه الآيات التي تستخدم ضد النص القرآني؛ هي في الحقيقة إذا وقفت معها بصدق تجد أنها في مصلحة النص القرآني، كلفظ أو مصطلح كلمة حرية أصلاً بهذه الطريقة هي مصدر صناعي؛ يعني المصدر الصناعي، معظم المصادر الصناعية التي ظهرت في اللسان العربي هي حديثة أصلاً نسبياً.. يعني ليس شرطاً أن آتيك بلفظة استخدمت وظهرت أصلاً حديثاً؛ لكن لو أنا أعطيتك المعنى الجوهري المطلق لكلمة الحرية، هل سيبقى هناك إشكال؟ هو لما يقول لك كيف يهدي الله، والله لا يهدي القوم الظالمين؛ هو يقول لك لماذا لا يهديهم؟ لأنه لو هداهم لغير من حريتهم؛ لكن هنا في هذا المستوى كان يحكي، يتكلم عن عدم الهداية. الآن سيقول لي قائل طب لا لماذا يضل طيب ما لا يهديه؟ موافق؛ لكن لماذا وما يضل به إلا الفاسقين؟ ممتاز الآن؛ نحن سنقول الإنسان هل له قدرة على الإدراك والعمل في الكون ولَّا له قدرة على تغيير الوجود وتغيير قواعد الوجود الأصلية، قواعد الوجود الأصلية وأساسات بناء الكون العظمى لم يعطِ الله الإنسان القدرة أن يصل إليها؛ لأنه لو أعطاه لانهار الكون منذ زمن طويل. لكن الآن تحتاج أنت إلى سُنة الله. يعني لما يقول لك (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)؛ معناها هناك سُنة إذا فسقت أنت عن فطرتك الأولى التي جاءت بها الكتب وجاء بها الرسل، سيكون من سنة الله، هم الناس؛ المشكلة، يظنون أن الله يتدخل الآن فيضلك، هكذا يفهمون الموضوع، الموضوع (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)؛ أي هناك سنة أنت فسقت، يعني خرجت، تريد الخروج. هل ستجد طريق الضلال التي فسقت إليها مفتوحة أمامك ولا ستغلق؟.. السُّنة الكونية الطبيعية الموجودة ستجدها مفتوحةً؛ لأنه لو أنا أغلقت الطريق في وجهك، أنت فعلت بمقتضى الحرية أنك أردت واخترت أن تخرج عن المنهج الفطري الذي هو موجود داخلك؛ لكن حين أردت أن تسلك الطريق؛ مثلاً تقتل، تسرق، تغتصب النساء، تقتل الأطفال؛ ستريد أن تدخل هذا الطريق، وجدته مغلقاً أمامك الآن، أين ثمرة الحرية؟ لن تجد للحرية أي مظهر. صح؛ وهذا بالمناسبة يجيب عن سؤال كبير جداً، الناس تسأل لماذا يوجد الشر في العالم؟".


قمة الحرية وقمة العدالة

وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "للأسف مقتضى الحرية أنه يكون هذا مقتضى الاختبار. هذا دور أهل الخير في أن يقفوا في وجه الشر، وهذا موضوع يعني آخر ذكره القرآن في موضوع التدافع؛ لكن له قصة طويلة أخرى، إنما لما نقول (وما يضل به إلا الفاسقين) في كل ما يتحدث القرآن فيه عن الله سبحانه وتعالى؛ يجب أن يفهم الناس أن المقصود ليس معناه أن الله يتدخل في لحظة معينة فيعكس سُنة من السُّنن هي السُّنة، هي القانون أصلاً، فعلت كذا ستكون النتيجة الحتمية أنك يضلك الله. طب هل معنى يضلك الله معناها يفعل فعلاً خاصاً بك ولا يسير بك بقانون موجود أصلاً؟ فهذا القانون يسمح لك أن يُفتح لك باب لأن تخالف سُنة الله من القتل والسفك والهدم.. وإلى غيره من التصرفات، لكن لاحظ كيف قال (إلا الفاسقين)، يعني البداية من أين؟ هذا السؤال لما قال (وما يضل به إلا الفاسقين)، هل بدأ الأمر أنه سنة الله أضلت العبد ولَّا فسق العبد؟ فسوق العبد نفسه، العبد ماذا فعل؟ ساقه وفتح أو سمح له أن تفتح له طريق الإضلال. طيب؛ ليه؟ لأنه هذا مقتضى الحرية الطبيعي، هذه قمة الحرية أصلاً وقمة العدالة". 


القضاء والقدر ومفهوم الحرية

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل يمكن إدراج الفهم؛ فهم العلاقة ما بين القضاء والقدر أيضاً ضمن مفهوم الحرية الذي نتحدث عنه بمعنى أن الموجودات هي المقدرات الإلهية، يعني ما هو موجود هو قدر الله، بمعنى الذي خلق كل شيء بقدر.. والقضاء هو حريتنا نحن في التصرف في هذا القدر؟"، قائلاً: "جميل، هذا موضوع مهم جداً، في غاية الأهمية، وهو داخل يعني في صلب الكلام الذي نتحدث عنه؛ هي كلمة القدر أصلاً لسانياً ماذا تعني؟ يعني لو أنا جئتك قُلت لك أعطني أصلاً جامداً نستخدمه اليوم له علاقة بالقدر. أول ما يخطر في بالك (القد) هذا الثنائي؛ (القد) معناها شكل الجسم التام يعني، ولذلك الشعراء كانوا يتغزلون (مش بالضرورة على شكل الجسم، هو أنا أعطيك شيئاً على قد كذا)، ما هو له يعني حدود؛ فلما تولدت عنه كلمة قِدر احنا نقول القِدر الآن، القِدر ما هو؟ الوعاء الذي له حدود واضحة ومعينة، فيوضع فيه الطعام، يحفظ الطعام من أن يتشتت فيخرج خارج حدود القدر، فلما قال لك (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ). هو لم يقصد بأي شكل من الأشكال أن يوحي لك بأنك مجبر على فعلك بتاتاً بأي شكل. قصد أن كل شيء موضوع بموازين وضوابط تزنه وتحفظه لتسير بطريقة متسقة، وهذا هو القدر؛ يعني حتى على فكرة أنا أقول لك في النصوص التي وردت في الأحاديث هو أنا لما قال القضاء والقدر؛ قال القدر خيره وشره، أقحمت فكرة القضاء حتى يشعر الناس أن كل شيء قد قضي وانتهى، وأنه ليس لك أي دور، وما عليك إلا أن تخلع وتستسلم؛ فهذا أورث الكسل للناس، وأورثهم التخلف والرجعية؛ تخلف كامل على مستوى المجتمعات".


الخير والشر كلاهما مقدَّر

وأضاف أبو عواد: "الآن كلمة (قضى) يعني نفذ، هذا معنى قضى. قضى شيئاً يعني نفذه، بما أن القرآن الكريم يعطيك إشارة واضحة تمام الوضوح أن الإنسان له إرادة. إذن مَن الذي يحدث القضاء في ما يختص بما هو مكلف به؟ يعني القضاء في ما يختص بشؤون الله في الخلق والتدبير هو لله؛ لكن الإنسان لما أعطي الإرادة من الذي يقضي، يقتل إنسان مثلاً؟ ما الذي يقضي أن يحرق طفلاً أو يغتصب؟ بالتالي هنا تكمن حرية الإنسان أنه فعلاً يتصرف في قدر الله؛ إنما هذا القضاء الذي فعله هل هو داخل ضمن السنن الكونية الكلية المضبوطة بقوانين ثابتة ولا مش داخل؟ هو قطعاً داخل ضمن السُّنن الكونية. لكن السُّنن أعطتك اتجاهَين؛ لأن الله واحد ليس غيره، واحد. أعطتك اتجاه الخير وأعطتك اتجاه الشر؛ أنت تختار ضمن هذا القدر؛ يعني الخير والشر كلاهما مقدَّر؛ قُدِّر الأمران، أنا أقول لك على مستوى الفيزياء حتى الآن هل تعرف الفيزياء الكم الآن الحديثة تقول لك الإلكترون؛ يعني أثبت علماء الفيزياء أن الإلكترون ليس له مكان محدد، حسب الرأي بالضبط، بغض النظر يعني في اللحظة التي يتم الرصد فيها، في لحظة الرصد.

 يتحدد مكان الإلكترون؛ إنما من الناحية النظرية لما درس الموضوع على شكل قوانين أو معادلات، قال لك وفي تجربة اسمها تجربة الشق المزدوج أيضاً يتغير سلوك الضوء من السلوك إلى السلوك الجسمي؛ بسبب مراقبة الراصد. طب أنت لما تقول إن هذا على مستوى الضوء، ثم هو الضوء، هو الطاقة الموجودة في الكون؛ لأن الضوء هذا الذي نراه هناك ما يشبه من الموجات غير المرئية. هذا يدلك إلى أي قدر أعطي الإنسان قدرة هائلة على القضاء داخل قدر الله. وأن له فعلاً تأثيراً بالغاً جداً، وأنه مسؤول عن هذا الفعل على مستوى أصغر". 


وتابع د.يوسف أبو عواد: "الآن القدر هو الذي أتاح لك الاتجاهَين؛ كلاهما يعني أمر مقدر له قوانينه وسُننه التي ستؤدي إلى أنك أردت الخير أو أردت الشر؛ لكن المطلوب منك أنت الآن أن تقضي بالحلال ولا بالحرام ضمن القدر. أن تقضي بالحلال اللي هو الحلال، اللي هو القدر المتاح؛ القدر متاح، لكن هو أيضاً لو أنت اخترت الحرام مثلاً؛ هل ستستطيع أن تقضي به؟". 


القدر الكلي وفكرة الحرية المطلقة

وأضاف أستاذ اللغة العربية، رداً على "بالتأكيد ما هو يعني بنود الحرام في النص واضح.. في حال استخدمت هذه البنود للقضاء؛ فبالتالي أكيد ستصطدم، وبالتالي ستفشل، وهذا التدخل في أُسس الحرام أو في بنود الحرام، هو تدخل على صلاحيات الله في تحديد الحرام؛ الحرام شمولي": "نعم؛ ستفشل في النهاية وأبدي.. أكيد مشروع الحرام في نهايته هو مشروع فاشل قطعاً؛ لكن هل سيسمح لك لفترة أن تدخل في المسار ولا يحسب جزء من السنة المقدرة والموجودة في الكون أن يسمح لك أن تسير مع المسار. فتحدث أحداث معينة مخالفة لفطرة الله هذه وجدت بقضاء الإنسان؛ لكن ضمن القدر الكلي الذي هو قائم على فكرة الحرية المطلقة التي أعطيت للإنسان. إنما القدر الأوسع من هذا الذي هو فعل الله في النهاية سيصون العالم ويصون الكون ويرجع الأمور إلى طبيعتها بإفشال الحرام، موضوع الحرام وانهدام مشروعه في نهاية المطاف مهما رأى الناس أنه كبير؛ يعني (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، وسيكون له يعني صولة؛ ولكن في نهاية المطاف، السُّنة العليا لقدر الله أنه سيزهق، وهذا معنى أن قدر الله في شكله الكلي هو الحلال، هو القوانين الفطرية الطبيعية المنتظمة التي يسير الكون بناء عليها، لا يخرق هذا فقط إلا قضاء الإنسان بسبب حريته إذا اتجه أو اختار طريقَ الضلال، فيسمح له ويفتح له الطريق.. 

الآن؛ لاحظ مثلاً (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا)؛ لماذا أنا جئت بهذه الآية؟ لأنه بعد هذا مباشرةً قال (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا). أنا أريد أن أثبت لك من خلال النص القرآني نفسه بدراسته دراسة لسانية، كيف يقصد بكلمة يضل؟ أي أن الله يترك حسب قوانينه الكونية هو التدخل المباشر أصلاً في الكون بعد خلقه من الله سبحانه وتعالى، غير موجود يعني، هذا ينبغي أن يفهم من دراسة النص القرآني. وهذا على فكرة أكمل يظن الناس أن هذا يعني أيهما أقدر إنسان ينشئ مصنعاً فيبدأ في آلية الإنتاج الذاتي ولا في كل لحظة يتدخل فيضع هذا هنا ويصلح هذا ويعدل على هذا، الشكل الأول قطعاً أكمل؛ ولذلك البشر الآن يسعون إلى فكرة الذكاء الاصطناعي، حتى قدر المستطاع يقللون كمية التدخل أثناء العمل. طيب إذا الكون موجود وَفق سنن متسقة؛ لكن لأن الآية تتحدث عن مثل ضربه الله، أن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها؛ فلما قال يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً، هذه الباء في اللسان العربي هنا تفيد معنى السببية؛ يعني لما قال لك إن الله أضله، هل أضله يعني إنه تدخل في سلوكه فأمسكه وأجبره على سلوك الضلال، ولا هو عرضه لأمر يعني اعترض في مسار حياته أمر، فهمت أنا. الآن هذا الأمر كان سلوك الناس وأفعالهم تجاهه.. اتجاهان؛ فيه اتجاه احترم كلام الله أو قِس هذا على الكون، احترم سُنة الله. فيه اتجاه لا يريد أن يمشي عكس التيار؛ فيستخف بكلام الله أو يستخف بقوانين الله هذا الآن لما فعل كانت ردة فعله تجاه الظاهرة أو السنة الكونية أو الآية القرآنية، كانت سلبية، هذا القرآن سماه إضلال يعني يضل به كثيراً، معناها ردة فعلك تجاه شيء موجود من الله إما على شكل آية نصية وإما على شكل آية كونية، هذا هو الإضلال المذكور إذا هو تركك وما اخترت، أنت اخترت هذا الطريق المطلق؛ أي درجة من الحرية أعلى من هذا يشير إليها النص القرآني".


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ

وتابع د.يوسف أبو عواد: "طيب لاحظ أيضاً قد يقول قائل قبل المؤمنين يعني هناك آيات تدل إنه هناك مساعدة ربانية في الموضوع. طب ماذا تقول في قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ)؛ يعني عجيب يعني يأتي إنسان فكره محدود يقول لك ليه أكرر كلمة الإيمان؟ طب ما هم آمنوا، كيف؟ لأنه لم يفهم عمق النص. هو قال لك هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، من أين حصلوا على هذه الهداية؟ من الإيمان الذي هم اختاروه. إذن بدأ الأمر منهم؛ أن اختاروا طريق الإيمان، وهذا مفهوم كبير سيشرح إن شاء الله في حلقات لاحقة، فكانت النتيجة أن هداهم الله. شو يعني هداهم الله؟ يعني تدخل فأمسك بأيديهم ووضعهم على طريق، ولا هي سنة اخترت الطريق، هذا الطريق طريق خير خلاص تفتح لك بوابة طريق الخير، هكذا وضع في القدر الأول حين قدر الله مقدار الكون. ووضع فيه أيضاً أن العاقبة للمتقين، والانتصار للحلال المطلق في نهاية المطاف، وإن كان للحرام جولة أو لأهل الضلال جولة. لاحظ أيضاً (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ). ويقول لك هاي رجع لـ(يضل من شاء). طيب ويهدي إليه مَن؟ مَن أناب، الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم. يعني بتظن أن سنن الله الكونية ستأتي فتختارك، هكذا تشعر بالنرجسية. وتهديك وتقول خلاص أنا باستنى الله يهديني، هذه النرجسية يجب أن تقضي عليها أولاً، تصحو لنفسك، تتذكر بشريتك، تتذكر أنك مسؤول وأنك صاحب إرادة، فتنيب عند ذلك الهداية، تبدأ معك، لن يختلف الأمر أبداً من شخص إلى شخص؛ هو قانون، هو سُنة كونية موجودة في الواقع. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، مَن بدأ الفعل؟ والذين جاهدوا فينا، طب يهدي إليه من أناب؛ الفعل بدأ من الإنابة، ثم ترتب عليها الهداية. الأمر دائماً يبدأ بفعل مين؟ هل يبدأ بفعل الله المتمثل في السنة ولا يبدأ بفعل الإنسان؟ فيقضي هذا هو قضاء الإنسان. داخل يعني حلبة القدر، إن صح التعبير، كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم؟ نفس الفكرة، طب كيف هذه؛ هو كفر، أهديه؟ إذا هديته شو معناها خط اتجاه الموجب على الاتجاه السالب، لماذا التسلسل مع الآيات هذا سيزرع الفكرة زرعاً في العقول لا يمكن إخراجه بعد ذلك مهما جاء إنسان يشوش ويلوث؟ ولذلك القرآن يكرر لأنه كتاب ذكرى يأتيك بالآية والمعنى بعدة طرق وعدة أساليب وفي سياقات مختلفة؛ حتى يرسخ المعنى رسوخاً تاماً ويثبت؛ لأنه يعني لأن الله قطعاً يعلم أنه ستكون هناك عمليات تشويش كبيرة جداً". 


واستكمل أبو عواد: "فجاء القرآن بهذه الطريقة؛ ولذلك قال (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ). استفهم الآن ما فكرة التشابه أو المثاني إلى أي درجة هي مفيدة فعلياً؟ لأن هو كتاب حياة، هو لم يقصد للقرآن لما نزل، لم يقصد به أن يكون كتاباً، أنا سأعطيك الآن كتاباً في الفيزياء؛ حتى لا أكرر ولا جملة، لأ؛ كتاب حياة، كل يوم تعيش معه بأساليب مختلفة ومتنوعة. ككل شيء بالحياة؛ تعيش معه فيتكرر، لكن بأساليب مختلفة، هذا هو، ولم يكن كتاباً فقط يقصد به طبقة دون طبقة، ولذلك يشمل جميع الناس، ويشمل العرب وغير العرب، وجميع الأعراق وجميع الطوائف".


إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "يعني (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ)؛ بالضبط بإيمانهم. السببية هذه (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ)، طب السبب لاحظ البداية من أين؟ من الطرف نفسه؛ فأنت لا تريد أن تؤمن، هل تريد أن الله يدخل سنة الموجب على سنة السالب؟ يعني يفسد قوانين الكون؟ هذا ما أردت. لماذا تتعجب من هذا الموضوع؟ الآن أنا أعتبر الآية أوضح في هذا الأمر التي تبت بتاً قاطعاً، هي قوله تعالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)؛ لاحظ يعني حتى لا يقول قائل أنت بتتفلسف في شرح المعنى. قال لك (نوله) يعني (نتبعه ما أتبع). عدل؛ أليست هذه هي الحرية المطلقة؟ نترك له الخيار، تركتك تتبع ما أردت تتبع. شُف الأمر ما أوضحه؛ لكن ما الذي أكسبه الوضوح، إنه أنا أعطيت الناس حقه أو بعض حقه من الانتباه وتركت المشوشات. مَن شاء فليؤمن ومَن شاء.. ولما يقول لك فريقاً هدى".


الله لا يهدي مَن هو مسرف كذاب

واستطرد أبو عواد: "طب ما احنا شرحنا لك يهدي إليه مَن أناب، يهديهم ربهم بإيمانهم. لكن أحياناً يجمل في جانب ويفصل في جانب. (فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ). طب احنا ماذا شرحنا كلمة الحق؟ ما معناها؟ ملاءمة الشيء لما هو متعلق بها ولما تعلق به. يعني هذا المسار الطبيعي جداً؛ أنت اخترت فهذا ما اخترته، إ(ِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ)؛ يعني وقال لك أنت أخذت مسار الشياطين ومسار الشيطان هو كل مسار يخالف نهج الله. اتخذته أولياء، يعني تتبعه، ويحسبون أنهم مهتدون، طبعاً بعدين يقول لك ليه؟ طب ما هو يحسب إنه مهتدٍ، هو عارف ماذا فعل من البداية؟ بس قطعاً سيكابر، قطعاً سيجحد؛ لأنه قد يأتي قائل فيقول (قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخسَرِينَ أَعمَٰلًا ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِم وَلِقَائِهِ فَحَبِطَت أَعمَٰلُهُم فَلَا نُقِيمُ لَهُم يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ وَزنا)؛ يقول لك ما ذنبه؟ يعني ما ذنبه، هو في الحقيقة لما هو اختار الضلال هو لا يعرف أن هذا طريق ضلال؛ لكن قطعاً يدافع عن المنهج الذي صار فيه ويظهره للناس أنه الأحسن، حتى يكذب الكذبة فيصدقها. أسوأ مراحل السقوط يصل إليها الإنسان؛ مَن يصبح جاهلاً بنفسه لا يعرف نفسه. كذب كذبة وانتشرت، ثم بعد ذلك وصل إلى مرحلة أنه حق في الأخير. هذا انحطاط تام بشخصية الإنسان وفقدانه للشخصية بشكل مطلق. (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) نفس المعنى (فرآه حسناً). الآن ممكن أن نفهم بسهولة أن الله لا يهدي مَن هو، لاحظ، مسرف كذاب. يعني هذا سلك طريق الإسراف والكذب. هل هذا طريق هداية يعني؟ يعني وضحت الفكرة. اعزل فكرة أن المقصود بالآيات أنه تدخل من الله مباشر. هذا نفيناه؛ معناها أن الله لا يهدي مَن هو مسرف كذاب. يعني طريق الإسراف والكذب ليس هو طريق الهداية. لن يؤدي بك في النتيجة إلى طريق مستقيمة، إلى طريق خيرة، إلى طريق الحلال، لن يؤدي بك إلى التماهي مع القدر المطلق لله سبحانه وتعالى، الذي ينتصر فيه قطعاً في نهاية المطاف الحلال على الحرام الطارئ.

إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار؛ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب، ما معنى يضل؟ قُلنا ليس فعلاً خاصاً؛ إنما هو الطريق مفتوح اخترتها فتمشي بك إلى الضلال، لأنك اخترت الإسراف واخترت الارتياب؛ ولذلك تفهم الآن ما معنى أن الله لا يهدي القوم الكافرين الظالمين الفاسقين".


فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "يعني صارت الآيات تفصل بالاختيارات التي اختارها الناس؛ وهذه الاختيارات واضح أنها لا علاقة لها بالهداية؛ بالضبط، وتفصل في السبب الأول الذي من الناس. الكذب سلوك ليس صحيحاً ولكن هو اختاره. في النهاية اسمه طريق الكذب، طريق ضلال، ولا طريق هداية، بالتأكيد ضلال. طريق ضلال؛ هذا معنى يضل الله؛ لأنه هذا الكذب، الإسراف، الارتياب، الكفر، الظلم، الفسق. (فَلَمَّا زَاغُوا) لاحظ مهم (أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ). يقول لماذا طب تدخل في قلوبهم؟ نحن قُلنا هل الإنسان يتحكم حتى في نبض قلبه، في حركات جسده؟ لا هو حدود تحكمه محدودة. يعني هذه حتى تُسمى في الطب أفعال لا إرادية، حركات لا إرادية. طب الآن أنت زغت يعني اخترت، أردت طريق الزيغ؛ هذا اختيارك.. هل يمنع الله قلبك أن يتجه نحو ما اخترت؟ هل يحول بينه وبين ما اخترت؟ إذن تدخل في حريتك، طب هل يسمح لقلبك أن يزيغ؟ هذا معنى أزاغ الله قلوبهم. ليس معناه أحدث فعلاً جديداً؛ معناه أنه السُّنة الربانية أيها الإنسان متى ما اختار قلبك أن يزيغ سنجعله يزيغ، يزيغ. (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، نفس الفكرة. ويزيد الله؛ الآن لاحظ يقول لك طب الزيادة (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)، كيف يزيد الله الذين اهتدوا هدى؟ (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)، وهو اهتدى الآن الطريق، هذه خطوة منها تنقل إلى خطوة ولا لا؟ يعني أنت إذا بدأت بمسار صحيح؛ يعني بنيت اللبنة الأولى في المسار، هل اللبنة الأولى ستساعدك في بناء لبنة ثانية، فيعلو بك بناء الحق؟ بالتأكيد. هذا هو سُنة من سُنن الله، هذا معنى يزيد الله الذين اهتدوا هدى. وهذا معناه (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً)، كيف زادهم؟ يعني هذا أحدث شيئاً خاصاً بهم".


في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً.. مرض بيولوجي أم خلل في اتزان التفكير عند الناس؟

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل المرض هنا مرض بيولوجي أم مرض خلل في اتزان التفكير والمنطقي عند الناس؟"، قائلاً: "قطعاً هو خلل في اتزان التفكير والاختيار واختيار الحرام والمحرمات؛ يعني سوء استخدام الحرية وهدم توبة يساعد جداً في هدم التوبة التي تليها. وهذا معنى في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً؛ أي الطريق تسلك فيه يهدم، منحدر كلما انحدرت زاد انحداره.. يعني هذه طبيعة الطريق كلما صعد سهل عليك الصعود إلى أعلى، وكلما انحدرت سهل عليك أيضاً الانحدار إلى أسفل؛ فهذا معناه الزيادة في الإيمان والزيادة في الإضلال. (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)؛ من أين بدأ الفعل؟ من الذين آمنوا. من الذين آمنوا، هم آمنوا فثبت الله مسعاهم؛ لأنه سلك في الطريق وتابع ومشي، سيصبح أصلاً من السهل أنه حتى يحول إلى طريق الضلال، يحتاج إلى مسار راجع. سلوكه وبناؤه سنوات طويلة في طريق الهداية يشكل له حماية تثبته في طريق الحق؛ يعني يصبح بعيداً عن أن يذهب إلى طريق الضلال. وهذه مكافأة طبيعية وعدل في سنة سبحانه وتعالى".


زيادة المرض وزيادة الهداية

واختتم أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "طيب الآن سآتي بنص واضح الدلالة في موضوع زيادة المرض وزيادة الهداية؛ حتى لا يبقى أي إشكال. (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)؛ إذن لما قال لك ويزيد الله الذين اهتدوا هدى، كيف يزيدهم؟ يعرض له أمراً كونياً يجعله يكتشف حقيقة علمية صحية كيميائية؛ هذا بالنتيجة يرفع درجة البناء لديه ولا لا؟ تعرض له آية ربانية أو صورة من الصور التي أنزلها الله؛ يتأملها، يتدبرها؛ يجد كم هي تطابق تماماً فطرته الأولى. ماذا يحصل في الإيمان؟ يزداد.

طب (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ)، زادتهم رجساً بمعنى تدخل مباشر. ولا هو أيضاً ازداد كفراً بسنة الله تجاه الواقع.. وازداد لبساً تجاه الواقع. كلما يرى شيئاً في الواقع يريد أن يغالطه ويعاكسه، ويسير عكس الاتجاه الرباني؛ لذلك هو يبدأ أولاً بالتعدي مثلاً على الناس بالضرب. بعد ذلك يزداد الأمر بالجرح، وبعد ذلك يصل إلى القتل. هذا معنى كلما تعرض لشيء زاده وأوصله ذلك إلى الشيء، نقله إلى خطوة أكثر في الضلال. هذا معنى زيادة الله وليس مرة أخرى فعلاً مباشراً؛ إنما هو سُنة، قانون ماشي طبيعي جداً يحقق مفهوم الحرية، مفهوم العدالة. مفهوم سنتركك وما اخترت نولِّه ما تولى. انتهى الموضوع. إذن الموضوع أصبح أعتقد في غاية الوضوح، وعلى فكرة أنا لم أترك نصاً يتعلق بالهداية والإضلال في القرآن الكريم إلا وذكرته؛ حتى لا يعني ماذا سيعارض بعد ذلك الموضوع".