• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

مفهوم الولد ونسبته إلى الله | د. يوسف أبو عواد

للإستماع





ناقشَ الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مفاهيم"، تطبيقات أخرى على اللسان العربي المبين في فهم آيات القرآن الكريم؛ حيث التركيز على الآيات التي قارع النص القرآني فيها المشركين بنسبة الولد إلى رب العالمين، وكأنه كان يرد على ادعاءات الناس في هذا الوقت؛ أن الله له أولاد أو بنات، وادعاءات مذكورة في النص القرآني؛ مثلاً (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّه)، إضافة إلى اعتبار أن المسيح، عليه السلام، هو ابن الله.. والمشركون العرب أيضاً نسبوا الأولاد إلى الله، والملائكة بنات الله.. من هذا القبيل، وما مغزى هذا الجدال الذي تحس كأنه عنيف في النص لأصحاب هذا الرأي أو هذا القول؟


عيسى وتسلسل الرسل في القرآن

وقال الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "في الحقيقة سنبدأ من حيث انتهينا في ما فصلنا له من دعوة القرآن الكريم إلى توحيد الله، التي هي باعتبار معناها عبادة، والعبادة معناها اتباع، وفهمنا أن الاتباع هو السير مع قوانين الله الكونية، وترك كل شيء يعكس أو يغير أو يسعى إلى عكس قوانين الله في الكون، لما ذكرنا تسلسل الرسل، عليهم السلام، في القرآن الكريم، إذا لاحظت نحن لم نتطرق إلى عيسى، عليه السلام، وعيسى جاء في نهاية المطاف، والقرآن الكريم لا يذكره في التسلسل حين يذكر نوح، ويذكر بعد ذلك هود وصالح، ويذكر شعيب، ثم يذكر بينهم لوط، ويذكر أحياناً إبراهيم وموسى؛ لكن لا يذكر عيسى، يذكره في أماكن منفصلة؛ لأن آخر ما تفتق عنه الذهن البشري بعدما يعني جاءت رسائل الله فهدمت كل حجة كانت تستخدم، وفي الحقيقة هي حجج يمكن القول إنها ساذجة لحرف مسار عامة الناس عن منهج الله وسنن الله في الكون. يعني باستخدام السلطة، المال، أو سلطة الأولاد أو سلطة القوة أو سلطة اختلال الموازين، كما حصل عند قوم مدين.. إلى غير ذلك مما ذكرناه".


القرآن وفكرة نسبة الولد إلى الله

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "الآن تفتق الذهن البشري؛ لأنه الذهن ذهن الإنسان الذي يريد ينحرف فيهدم ولا يبني، لا بد أن يختلق الآن أشياء جديدة. فقد أفسدت الرسالات السماوية جهده السابق. وسعت بالبشر نحو الإصلاح؛ فكانت فكرة نسبة الولد إلى الله. فكرة نسبة الولد إلى الله منتشرة في آيات كثيرة من القرآن الكريم؛ بحيث يعني تصل إلى درجة اليقين إذا تتبعتها أن هذا لا يمكن أن يكون الكلام فيه فقط على عيسى ابن مريم، عليه السلام، مستحيل. ونحن نسير مع الآيات حتى نثبت أولاً فكرة نسبة الولد فكرة منتشرة. والقرآن شن عليها حملة شعواء؛ طبعاً ليس القضية سنثبت قطعاً، أيضاً ليس القضية قضية الله غضب أو أن هذا يضره، حاشا لله، القضية أن لها انعكاساً سلبياً جداً على حياة البشر. سلوكي على مَن ولد هذه الفكرة واخترعها، وبالتالي على المجتمعات البشرية. ففي سورة البقرة مثلاً قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ". هذه الآية؛ التتبع السياقي كما اتفقنا أنه من أهم الأسس المنهجية التي نسير عليها، أننا نسير على تتبع سياق النص، سياق النص كان بعد قوله تعالى (وقالت اليهود)، لاحظ (لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ)، (وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ)، هذا تفريق للبشرية ولَّا تجميع؟ تفريق. ثم قال (كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ). مَن هم الذين لا يعلمون؟ الذين لم يكن لديهم كتاب، كما هي الحال لدى اليهود والنصارى. (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، ثم عاد فقال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وهذا المعنى عام ليس محصوراً بالأبنية، المساجد، إنما المساجد هي كل مكان يخضع فيه لله، يثأر فيه مع قوانين الله في الكون، فيذكر الله بذكر سننه وقوانينه ويترك غير الله مما يتعارض مع هذه القوانين. ولذلك قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ). ثم قال (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)؛ لأنه ممكن إنسان تعلق بفكرة بناء كما شرحنا بالأمس؛ إنه والله المسجد والعبادة وهذا متعلقة فقط لأبنية محدودة وإلى آخره.. فتتكرس فكرة الرهبانية التي تعزل الدين عن الحياة وتحول الدين إلى طقوس".


وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "لاحظ الآية قالت (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)؛ يعني مش محصور في مكان أن السجود الذي ذكر في الآيات والذي يسعى أعداء الفطرة البشرية وأعداء الله في الحقيقة إلى تغييره، هو منتشر في كل الكون. ولذلك يسلكون هذا السلوك، وهم على خوف. ليه على خوف؟ لأنهم يعاكسون اتجاه خلق الله، ويعاكسون اتجاه الفطرة البشرية الطبيعية؛ فقطعاً سيتولد عندهم نوع من الخوف، كثر أو قل، حسب المعاكسة. وقال بعدها (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). ثم جاءت الآية (وقالوا اتخذ الله ولدًا)؛ إذن سنفهم أن هناك ترابطاً بين قولهم هذا وبينما ذكره في الأعلى أنه تفرقوا إلى شيع وسعوا إلى تخريب المساجد؛ اللي بمعنى الأماكن أو يعني خضوع البشرية وخضوع المخلوقات لقوانين الله".


وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا.. المشكلة في الموروث

واستطرد د.يوسف أبو عواد: "قال بعد ذلك (وقالوا اتخذ الله ولداً). طب الآن الكلام سيشمل اليهود ويشمل النصارى ويشمل الذين لا يعلمون بعدهم. صح؟ لا يعقل أن يكون الكلام فقط موجهاً؛ لأنه إحنا في الفكر التقليدي أنا أقول لك فيه مشكلة عندنا في الموروث، لما يسمع قضية الولد يقرأ قال خلاص هذا قول النصارى عن عيسى، وطوى الموضوع وانتهى، وكأنه لا تأثير له. والآن أنا يعني سيظهر لنا وبحضرة المتابعين كم لهذا الموضوع من أثر بالغ في حياة الناس وحياة المجتمعات؛ ولماذا القرآن توسع في الكلام عليه؟ هو طبعاً ربط هذا الموضوع أحياناً بأهل الكتاب، فقال (يا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ). رجع إلى الفكرة التي شرحناها في الحلقتَين السابقتَين. وكأنه يمهد أنكم أنتم اخترعتم هذه الفكرة لتسوغوا وتبرروا الاتباع لغير الله بطريقة جديدة..

الآن نحن لم نتبع مثلاً أصحاب السطوة وأصحاب القوة وأصحاب الجاه وأصحاب المال؛ لن نخضع لهؤلاء الذين يسعون إلى حرف البشرية عن مسار فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولكنْ هناك ولد لله والولد جزء. على فكرة التأصيل اللساني لكلمة ولد يعني هو تابع أصلاً لكلمة وله التي ذكرناها، فالولد تبع؛ ولكنه تبع، يعتبر جزءاً من المتبوع. الولد هو تابع للمتبوع؛ باعتبار أنه جزء منه. ولذلك في آية سنذكرها بالتفصيل بعد ذلك في سياقها. في سورة الزخرف قال (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ). سنتطرق للسياق في مكانه، ونثبت أن الجزء الذي ذكر هنا هو الولد إذا أنت لم تستطع أن تغير فطرة الله وقوانينه بالطرق السابقة. اخترعت الآن جزءاً ونسبته إلى الله؛ هذا من الله، ليس شيئاً جديداً؛ ليس إنساناً طاغياً بماله وجاهه وقوته، لا هو جزء من الله، فنحن سنتبعه. طيب هذا الجزء الذي اخترعه من الله هو في الحقيقة أعطى تعليمات ولَّا ألصقت به؟ سنرى؛ ولكن أية فكرة تبدأ هي تبدأ صغيرة ثم تنمو شيئاً فشيئاً، حتى تصل إلى ذروتها، فهي قطعاً كانت لها بدايات حتى وصلت إلى فكرة التثليث، ووصلت إلى الفكرة التي سنذكرها؛ وهي على فكرة محور شرك العرب الذي حاربه القرآن. محور شرك العرب وليس أصناماً على أنها حجارة. سنذكر هذا بسياقاته التفصيلية.. لكن هي قطعاً بدأت بأفكار بسيطة، ثم نمت شيئاً فشيئاً. فلما أسقطت الأفكار السابقة التي ذكرناها في الأقوام السابقين لم يبقَ الآن إلا أن تضخم هذه الفكرة؛ لأنه لها إغراء. هذا ليس غير الله. هذا جزء من الله، فمثلاً لاحظ مما يدل على أنها فكرة قديمة. قال (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ). وجعلوا لله شركاء الجن. قد يقول قائل هذا ليس له دخل بموضوع الولد. طيب أكمل، (وخلقهم) يعني هؤلاء المشركين. (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم)، هل يمكن أن يكون قوله تعالى وخرقوا له بنين وبنات يتعلق بعيسى، كيف بنين وبنات؟ هو قال في اتجاهات كثيرة في نسبة الولد إلى الله، تشير إليها هذه الآية. (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون). ثم قال (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). يعني مستحيل أن يكون له جزء؛ لأنه الجزء معناها إله آخر، ثم قال أيضاً (ولم تكن له صاحبة) يعني ليس له شريك في الملك. هذا معنى الكلام، فهذا السياق لا يمكن أن يكون متعلقاً بعيسى عليه السلام".


ليس كل اليهود قالوا إن عزير ابن الله

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل ممكن يتعلق بقول اليهود بأن عزير ابن الله؟"، قائلاً: "وكما قُلنا بس هو على فكرة القرآن أحياناً يطلق اليهود ويقصد بهم بعض اليهود، كما يطلق كلمة الناس ويقصد بهم بعض الناس. يعني هذه إطلاقات يجب الانتباه لها؛ يعني مثلاً عندك آية تقول (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، معنى أكيد الناس الأولى ليست الناس الثانية. ونحن نعلم الآن من الدراسة التاريخية أن ليس كل اليهود قالوا إن عزير ابن الله هي طائفة من اليهود".


وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه.. لماذا بدأ باليهود؟

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "طب هذا يعني الآن القرآن قال لك (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه) بدأ باليهود؛ ليشير لك إلى أنه فيه مسار تاريخي بدأ ينمو شيئاً فشيئاً، ووجدت بذوره عند اليهود؛ لكنها وصلت إلى الذروة عند النصارى ومشركي العرب، كما سنثبت هذا بالأدلة القاطعة الآن.


 طيب، في سورة يونس (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ). يعني نفى أن يكون مَن يتبعونهم شركاء حقيقيين. هو مجرد ظن؛ يعني مجرد تخمين. ثم ذكر مظهراً من مظاهر خلق الله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ). ثم قال، السياق مهم جداً، يعني أنا أسير مع السياق حتى يتضح للمتابعين والمتابعات أنه فكرة الولد، أرجو من الآن فصاعداً أن يفهم أنها فكرة جوهرية جداً، وهي مرتبطة بكل الثقافات التي أشركت بعد موسى، عليه السلام، (قالوا اتخذ الله ولداً) بعد هذا السياق. يعني السياق الآن لم يتكلم على فكرة سورة يونس، لم تذكر عيسى، عليه السلام، ولا قومه أبداً بأي شكل من الأشكال. وفي هذا السياق يقول لك (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). لاحظ الفكرة الآن لما كان ينفي الولد ماذا يرجع، فيقول لهم؟ له ما في السماوات وما في الأرض. يعني ما معنى أنه يعني لما نسبوا الولد ماذا حصل؟ يريد الذي اخترع فكرة الولد أن يأخذ جزءاً من الخلق اللي هو السماوات والأرض، فيلصقه بهذا الولد. طيب، الولد هذا ذهب، ليس موجوداً الآن. سينسب لهذا الولد من الشرائع ومن الأشياء القوانين المخالفة لهدي الله وقوانينه، ما يجعل الناس يسيرون عليها؛ فيكرس بعد ذلك السلطة البابوية، أصلاً هو يغرس فكرة أنه لا بد أن يكون لك أب يتحكم فيك؛ فتسلب عقلك أنت الآن، خلاص وينتهي عقله. وترسيخ الشك من جهة وترسيخ فكرة الأبوية؛ بمعنى أنك أن تعتمد على أب".


وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا

وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "الثنائية الموجودة في الكثير من النقوش المسندية، الأب والولد، هذه الثنائية قديمة تاريخياً، حتى سبقت نشوء ما يُسمى بالدين؛ يعني بالشكل الحالي الموجود عليها": "لأنه هي فكرة تكرس أنه إذا أراد أحد؛ سواء باسم الدين أو غيره عن الناس، يعني يخلق لنفسه مبرراً وحجة، ثم ماذا تولد عنها؟ لم يتولد عنها صكوك الغفران؛ تولد عنها تحريم قراءة الكتاب المقدس، تولد عنها العصور المظلمة، العصور الوسطى كلها في أوروبا تولدت عن هذه الفكرة؛ لأنه نحن على اتصال مباشر مع الولد، والولد هو الذي يعني مع عيسى هو لقاء؛ يعني أعطانا التعليمات كذا وكذا.. طيب ما هذه التعليمات تعاكس الكون، يعني مثلاً جاءك قال يعني اكتشفنا سُنة الله في خلقه أن الأرض كروية. لا؛ هذا لازم يُقتل ولازم يُعدم، ويتكلم مع كلام مخالف، ليه؟ لأنه الأرض مسطحة. مَن قال إن الأرض مسطحة؟ عيسى قال الأرض مسطحة؛ تبين قطعاً أنه بعد ذلك لا يمكن أن يكون الله قال الأرض مستحيل، فلاحظ اللي يعني حاربوا العلماء وحاربوا الإصلاح وحاربوا كل شكل باستخدام سلطة الولد هذه، وهي سلطة مصطنعة في الحقيقة ليس لها وجود حقيقي؛ لذلك قال (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ)، وقال أيضاً (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا). هذا أين جاء؟ في نهاية سورة الإسراء، هل سورة الإسراء ذكرت عيسى عليه السلام؟ أبداً، ولم تشر إليه ولا ذكرته بأي شكل من الأشكال. طيب في سورة الكهف (وينذر الذين) في أول الآيات، (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)، طب هل ذكرت سورة الكهف النصارى؟ أبداً، بأي شكل من الأشكال؛ إذن الكلام مستحيل أن يكون الخطاب الآن هنا للنصارى، غير حاضرين في المشهد أصلاً، لا في سورة الإسراء ولا في سورة يونس ولا في سورة الكهف. هذا أنا أريد أن يقتنع أنه لما سنذكره بعد ذلك هناك فكرة خطيرة جداً، ونحن لسنا بعيدين عنها؛ لم يكن العرب بعيدين عنها، فلا بد من الانتباه والتركيز بدل ما كانت الفكرة مطوية وانتهى الموضوع وكأنه لا ليس لها أثر".


وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا

واستطرد د.يوسف أبو عواد: "وأيضاً في سورة مريم، سورة مريم فيها ربط جميل بين الموضوعَين؛ فلما تحدث عن عيسي، عليه السلام، قال (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ). ثم قال (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ). في الصفحة الأخيرة من سورة مريم ذهب ليتحدث عن مشركي العرب. (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا) ليه؟ طبعاً يقول قائل كيف عرفت أن الكلام عن المشركين العرب؟ قال (أَفَرَءَيتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِ‍َٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ ٱلغَيبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحمَٰنِ عَهدا كَلَّا سَنَكتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلعَذَابِ مَدّا وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأتِينَا فَردا وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَة لِّيَكُونُواْ لَهُم عِزّا). في هذا السياق نفسه عدد من الآيات قال (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً)، ثم قال (وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ إِلَّا ءَاتِي ٱلرَّحمَٰنِ عَبدًا).. لاحظ (وَٱلأَرضِ إِلَّا ءَاتِي ٱلرَّحمَٰنِ عَبدًا)؛ يعني هذا الذي تقولون عنه ولد أو وكيل الولد سيأتي عبداً، هو عبد أصلاً، لو كان تنكرت للعبودية التي هي التماهي مع قوانين الله مش تخريب قوانين الله وهدم سنن الله في الكون وتحقيق مبادئ العدالة والتكافؤ الفرص بين الناس والمجتمعات الصالحة التي ذكرناها في الحلقتَين السابقتَين، هو عبد؛ ولكن هو يوهمكم فسيأتي يوم القيامة عبداً، لكن الآن أنتم في الدنيا يجب أن ترجعوه إلى مقامه الطبيعي وهو أنه ليس هناك شيء غير الله فقط نسير معه من خلال دراسة سنن الله في الكون. طيب إذن هذه سورة مريم ربطت الأمرين مع بعضهما، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك. هذا في بداية سورة الفرقان، سورة الفرقان لم تذكر عيسى عليه السلام، ولا بأي شكل إلا تلميحاً في نهاية المطاف، بس لم تذكره يعني ولا ذكرت قومه".


أَصطَفَى ٱلبَنَاتِ عَلَى ٱلبَنِينَ.. هل القرآن عنصري ضد البنات مثلاً؟

وأضاف د.يوسف أبو عواد، رداً على "كل الآيات تركز على أن الفكرة كانت قائمة قديماً، وما زالت فاعلة في المجتمعات": "بالضبط، وأنها فكرة جوهرية، بل أقول لك هي الفكرة التي حاربها الرسول، عليه السلام، الرسول محمد؛ هذه الفكرة هي المشكلة الجوهرية التي أعطت شكل الحياة العربية ما كانت عليه حين نزول الرسالة. يعني كل ما تقرأه عن شكل الحياة العربية أنها كانت قبائل متصارعة وأنه لا هيبة لها بين الأمم، ويأكل فيها القوي الضعيف وتستحل فيها الحرمات.. إلى آخره، ويستبد فيها بالبيت الحرام ويتخذ هذا سلطة يعني من خلالها تتحكم قريش في الناس فتفعل ما تشاء. كل ما تقرأه في كتب التاريخ عن هذا سببه هذه الفكرة. وهذه الفكرة حصراً وسأثبت هذا بالأدلة القرآنية الواضحة جداً.. إذن الموضوع في غاية الخطورة (أَلَا إِنَّهُم مِّن إِفكِهِم لَيَقُولُونَ وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُم لَكَٰذِبُونَ)، السياق مهم.. (أَصطَفَى ٱلبَنَاتِ عَلَى ٱلبَنِينَ). هذا في سورة الصافات.

طيب إذن هذا ليس عن النصارى؛ لأنه يتحدث عن بنات، ماذا قال؟ ولد الله، قالوا ولد الله، وأنهم لكاذبون. ثم قال لهم (أصطفى البنات على البنين)؟ هذا سأقف معه موضوع (أصطفى البنات على البنين) أيضاً هو موضوع في غاية الأهمية؛ لأنه قد يقول قائل يعني هل القرآن عنصري ضد البنات مثلاً؟ سنتطرق لهذا لكن في مكانه. لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء. هذا في سورة الزمر، سورة الزمر لم تتطرق إلى الموضوع. (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)، هذا في سورة الزخرف؛ سورة الزخرف ذكرت عيسى، عليه السلام، ولكن بشكل بسيط". 


"قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ".. تفسير "العابدين"

وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "القول منسوب لرسول الله (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)؛ هنا ندخل بالمعنى الثنائي للعابد أو يعني أنه عابدين هنا بمعنى سأكون أول الرافضين لهذه الفكرة، وليس العابدين المؤمنين فيها، وكأن الرسول يقول قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين؛ (العابدين) لا تفهم كأنه أنا أول الموافقين على الفكرة، سأكون أول المعارضين للفكرة": "نعم؛ هو معارض للفكرة يعني، السياق يدل على أنه معارض للفكرة؛ لكن السياق معناه لو كانت الولد فكرة صحيحة ومنطقية ومنسجمة مع الكون لم تكن هناك مشكلة أن أتبع هذا الولد. بس الآن ماذا سيفضي اتباع هذا الولد؟ لاحظ هناك آية أخرى توضح المعنى بشكل واضح (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ).. في النهاية الولد لن يكون هو الأب؛ ولذلك التشريعات التي نسبت إلى الولد سواء في عهد عيسى، عليه السلام، أو في عهد اليهود الذين اتخذوا عزيراً ولداً أو في عهد العرب، ليست هي متوافقة مع سنن الله في الكون. يعني نحن كيف عرفنا أن الفكرة كاذبة؟ إنه فيه كلام يعارض، يستحيل أن يكون خالق الكون الذي أنزل الكتاب يتحدث عن جزء من الكون بخلاف ما هو موجود في الواقع؛ لأنه الذي خلق أدرى بما خلق، فيصف ما خلق وَفق ما خلق. لكن لما تجد أوصافاً مثلاً للكون والوجود أو قوانين في الحياة، تجد في الحقيقة أنها غير واقعية في نهاية المطاف، لا تتوافق مع الواقع؛ هل سيكون مصدرها الخالق ولا شيء نسب إليه؟ الآن بما أننا أثبتنا أن نسبة الولد ونسبة البنات إلى الله لم تكن يعني فكرة مقتصرة على النصارى، وإنما كانت فكرة شائعة عند العرب؛ قد يرد سؤال..".


والنصارى والعرب.. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا

وقال د.يوسف أبو عواد، رداً على "النصارى هنا جزء من العرب في تلك الفترة قطعاً؛ يعني كان هناك عرب نصارى، والموضوع -أنا في رأيي- نلتزم بالتوصيفات المفهومية للقرآن؛ للنصارى واليهود والمسلمين والمشركين، أفضل من أن نضعه عرباً ونصارى": "هذا احتراز مهم؛ هو كل ما يذكر في القرآن لا يقصد به أقواماً أبداً، الأقوام طريقتهم في الحساب عند الله كل (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)؛ إنما هو وصف، المقصود هنا وصف؛ إذا اتصفت بهذا الوصف سقط عليك المعنى، بغض النظر أنتسبت إلى الشرق أو الغرب أو سميت حالك نصارى، نصرانياً، أو سميت حالك عربياً.. هذه التسمية لا تقدم ولا تؤخر".


الألفاظ القرآنية ألفاظ مفهومية ذات مقاصد سلوكية

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "هو أصلاً هل تلاحظ أن القرآن الكريم لما ذكر اليهود أو النصارى أو حتى لما خاطب مشركي العرب، هل ذكر لهم أباً أو ذكر لهم قوماً أو نسبهم إلى أحد؟ بالتأكيد لا. وهذا يؤكد أنه فعلاً الألفاظ القرآنية هي ألفاظ مفهومية ذات مقاصد سلوكية، وهذه أصلاً فكرة عالية من التجريد ومن القدرة في الحقيقة على إيصال الرسالة؛ لأنه تخيل لو كانت القضية قضية مسميات، أنا أغير المسمى وانتهى ومعناها خلاص نجوت، يعني مستحيل القرآن، ليس الدين، ليس كلمات تُقال ولا أعداد تُحصى".


اليهود والنصارى والعرب وإشكالية ذكر نسبة الولد

وتابع أستاذ اللغة العربية: "ما أصلنا له الآن من ذكر نسبة الولد؛ القرآن لما سحبها لم يختلف عنده سواء أكان يهودياً ولَّا نصرانياً ولَّا كان من العرب. هل فرق القرآن بينهم؟ لأ، إذن القرآن، هذه الفكرة أصلاً نشأت من الأفهام التراثية المنحرفة في الحقيقة. ولكن إذا أنا رجعت إلى النص القرآني ستزول هذه الفكرة تماماً. الأفهام التراثية، لا أنا أزيدك هو لما يقرأ سورة الفاتحة مثلاً عوضاً عن أن يفهم المعنى السلوكي الواضح؛ مثلاً (صراط الذين أنعمت عليهم)، يقول لك الذين أنعمت عليهم هم أتباع النبي محمد، عليه السلام. خلص، يعني بس أنا سميت حالي أنا مسلم من أتباع النبي محمد، أنا أنعم عليه وكأنه أخذ صكاً وانتهى؛ يعني هو أمن الجنة؛ بس لأنه سمى حاله مسلماً، طب (غير المغضوب عليهم) يقول لك اليهود، شو مشكلة التفسير التراثي لكلمة المغضوب عليهم باليهود؟ مشكلة كبيرة. إذن لم تفسرها بالسلوك، والقرآن ربطها بكلمة الغضب. يعني هو تصرف تصرفاً يؤدي إلى غضب الله. شو ما كيف يحصل غضب الله؟ هل يحصل انتقام ولا ردة فعل كأن الله إنسان، معاذ الله، ولا يحصل غضب الله بمعاكسة سُنة الله، فستكون النتيجة كارثية على صاحب المسلك. (ولا الضالين) يقول لك النصارى؛ يسقط الموضوع على قوميات وعلى أتباع أديان معينة، يعني يتخيل أشخاصاً، مباشرة ذهنه يذهب إلى أشخاص يعرفهم، رآهم هنا وهناك؛ يشعر أنه بمعزل عن الموضوع، فلا يستفيد من الرسالة". 


إشكالية المصطلحات تحرم الناس من جوهر الفكرة

وتابع د.يوسف أبو عواد، رداً على "الخلل القائم بالذات في العقلية العربية وحتى في العقلية البشرية بشكل عام؛ عندما يتم الحديث عن اليهود فجأة، يعني أروح على مجموعة عرقية مختلفة، بينما يصير الحديث عن النصارى.. لا، هذا الإسقاط لا يحدث عليهم": "القرآن الكريم نسف هذا الأمر بأنه تعامل مع سلوكيات؛ يعني مثلاً لما تجد قوله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ). طيب الآن أنت وجدت إنساناً ديانته يهودية؛ لكنه أبداً ليست له عداوة مع الذين آمنوا، هل تشمله كلمة اليهود هنا؟ هذه إشكالية المصطلحات التي تحرم الناس من جوهر الفكرة، الآن ما معنى إذا يقول قائل يعني ما الذي تعنيه بكلمة اليهود؟ أنا أقول لك اذهب إلى السلوكيات التي ربطها القرآن باليهود، ستعرف ماذا يُقصد باليهود، لا تذهب إلى هويات مكتوب عليها الديانة، وبعدين تحدد أن هذا يهودي، هذا السلوك ليس محصوراً على مجموعة بشرية دون غيرها.

أصلاً لو أننا فهمنا بهذه الطريقة، نحن سنهدم الرسالة من أساسها، ما فائدة الرسالة، معناها في نهاية المطاف؟ إذن أنا خلص أنا عرقي أو نَسَبي أو طائفتي التي ولدت وأنا أنتمي إليها.. يهود، أنا الموضوع خلاص انتهى، يعني خلاص أنا حُكم عليَّ وانتهى الموضوع. صح هذا تيئيس ولا هو سلوك معين وليس المقصود هو وصف سلوكي لمجموعة سلوكيات، محدد، تكون فيها مجموعة يكون فيها فرد أو مجموعة أفراد، وهذا مما سيعرض، إن شاء الله، في حلقات لاحقة، سنفهم مَن هم اليهود سلوكياً؛ لأنه خلص فكرة هاي قومياً أو عرقياً ليست موجودة تماماً. ما معنى كلمة يهود في القرآن من الناحية السلوكية، ليس فقط من الناحية اللسانية؟ نتتبع سياق الآيات التي تتحدث عن اليهود؛ نجمع السلوكيات، نفهم ما معنى يهود؟ وقُل مثل هذا في أي مسمى ورد في القرآن الكريم. يعني إسقاط المصطلحات التي صارت لاحقة بعد ذلك على النص القرآني من أكبر الأخطاء التي هل يصلح مثلاً أن آتي إلى آية (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ). أقول المقصود بالساعة (ستون دقيقة)؛ في الستين دقيقة لم تتولد كفكرة إلا لاحقاً. ولا أنا سأذهب إلى كلمة ساعة، وفي النص القرآن نفسه وأفهم ماذا تعني؟ فافهم ما المقصود بساعة. وهكذا سأفهم ما المقصود باليهود. إذن أنا ذهبت فأحلت الموضوع إلى كتب مثلاً الإسرائيليات أو ما هو موجود في العصر، هل أنا التزمت بالتعامل مع النص القرآني بالطريقة التي أمرني أن اتعامل معه بها؟ بالتأكيد لا، قال لك (ليتدبروا آياته). إذا أردت أن تفهم موضوع التدبر فمعناه أن تصل إلى آخر الشيء، يعني من الدبر، ثم تعود مرة أخرى إلى أوله. وهذا مع التدبر يعني تذهب من أول الناس إلى آخره تجمع الآيات التي تتحدث عن الموضوع، ستصل إلى الفكرة التي يريد القرآن أن تصل إليها".


هل العرب قالوا عن الملائكة إنهم بنات الله؟

وأجاب أستاذ اللغة العربية عن سؤال "طالما أن الموضوع حساس، وأن القرآن قرع المشركين؛ نسبتهم الأولاد والبنات لرب العالمين؛ موضوع الملائكة أنهم بنات الله، يعني ما علاقته في الموضوع؟"، قائلاً: "هذا أولاً الموضوع سنثبت.. لا بد أن نثبت ما ذكرته هل فعلاً العرب قالوا عن الملائكة إنهم بنات الله، ووصفوها بأنها بنات أو إناث؟.. طيب في سورة النساء يقول الله، تبارك وتعالى (يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا)، وقوله (وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا)، ما معناها؟ يعني هم يتوجهون إناثاً طبعاً في تصورهم. إذن هناك إناث عبدت؛ هذه الإناث موجودة ولّا في التصور العربي؟ في التصور العربي حسب ما ذكرت الآية. وفي آية سورة الإسراء (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا). لاحظ إذن مَن الذي قال هذا القول؟ أن الله اتخذ من الملائكة إناثاً وهم أعطاهم البنين؟ قالها العرب. طيب لماذا يذكر القرآن هذه القضية، فيركز أنه أنت جعلت الملائكة بنات ونسبتمونها لله، أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون، وجعلوا الملائكة.. راحت صراحة الآية وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن. يعني يركز له إن الملائكة عباد مثلكم مثلهم. جعلوها إناثاً؛ اشهدوا خلقهم، ستكتب شهادتهم ويسألون. هذه الفكرة، هذه الآيات تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن العرب اعتبرت أن الملائكة إناثاً. أولاً القرآن يحارب السطحية في التفكير؛ يعني أنت نقلت الفكر، فكر انقسام الناس إلى ذكر وأنثى أو بنت وابن، نقلتها إلى عالم الملائكة؛ القرآن هنا ينعى على العرب ويذمهم في هذا، أنه لماذا لا يكون عندك عقل أن هذا فكر الذكر والأنثى ليس منسحباً على كل شيء في الكون، هذا أولاً يعني لماذا تريد أن تعتبر الملائكة عالماً ينقسم إلى الذكور والإناث؟ والملائكة طبعاً أمر يحتاج إلى تدبر كبير جداً، أيضاً لماذا تذكر في القرآن بكثرة؟ وما انعكاسه على حياة البشر؟ يعني هل هي قيمة الملائكة فقط قيمة الإيمان بالغيب ولا لها أثر؟ وفي الحقيقة القرآن رسالة سلوكية لها أثر، وهل لها أثر؟ أيضاً سيتطرق له في مكانه؛ لكن الآن هو أولاً ينتقل بالعقل إنه لا تحصر تفكيرك في موضوع ذكر وأنثى، إنه خلاص هذا كل العالم ينقسم إلى ذكر وأنثى. فهذه نقطة الآن. النقطة الثانية..".


مفهوم الذكر والأنثى في القرآن

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل يفهم من ذلك أن القرآن لا يتعامل مع المسميات أو الألفاظ المفهومية اللي في القرآن تخص الذكورة والأنوثة والرجل والنساء من منظور بيولوجي؟"، قائلاً: "القرآن الكريم يريد منك أن تقف في مفهوم الذكر والأنثى؛ عند ما هو متعلق بالذكورة والأنوثة. لكن أنا أفهم من هذه الفكرة أنه ينعى عليهم فكرة أنه تصفون الملائكة بأنها إناث وبنات وتستخدمون هذا التقسيم حين تتعاملون مع الملائكة؛ إنه لو شخص استخدم هذا التقسيم حين يتعامل مع العمل مع العلم مع التفكير مع الإنجاز. هل هذا الاستخدام متوافق مع رسالة القرآن؟ بالتأكيد لا. أنت تجر فكرة الذكورية التي هي تتشكل في اختلاف جسمي فسيولوجي في بعض الجوانب بين الذكر والأنثى، تجرها إلى ناحية لا علاقة لها بها، لماذا؟ هذا الأمر مقبول ولَّا مرفوض قرآنياً؟ كما رفض القرآن فكرة أنك تتعامل مع الملائكة التي يظهر سلوكها من خلال سنن الله في الكون. على أنها ذكور وإناث. وهو طبعاً العرب لما قالوا إنهم أرادوا نوعاً من الاستخفاف؛ فالقرآن أولاً يرفض هذه الفكرة التقسيمية، يرفض هذه العقلية. ثانياً يرفض هذا الاستخفاف. في مرحلة لاحقة سيبين رفضه هذا الاستخفاف. ففكرة الذكورة والأنوثة فكرة في الأصل محصورة ككلمة في معناها الأول في الاختلاف الجسمي والفسيولوجي. لكن لا يصح بأية حال من الأحوال أن تنقل؛ تقول مثلاً هذا عمل أنثى ولا هذا عمل ذكر، وكأنك يعني هذا سيكون أحسن من هذا ولا هذا سيكون أفضل منه". 


القرآن يفرِّق بين "ذكور" و"إناث" جسمياً وفسيولوجياً

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "لكن في مواقع كثيرة في النص القرآني يأتي معنى رجال أو تأتي معنى النساء بمعانٍ مختلفة أخرى تتحدث بالوظيفة، بالمهمة، أو التي عليها الفرد حالة وظيفية مش حالة بيولوجية": "جميل؛ ولذلك يفرق القرآن الكريم بين كلمة ذكور وإناث التي تتحدث عن الحالة الجسمية والفسيولوجية، وبين رجال ونساء؛ لأنه (رجال) من (رجل)، و(رجل) وهي معناها أصلاً أصلها يرجع إلى (الرجل) التي هي الحركة؛ يعني التقدم والسعي نحو أمر ما، ونساء من (نسأ) و(نسأ) معناها آخر؛ فلهذا القرآن الكريم يفرق بين الأمرَين، والاستخدام ليس عبثياً ولا اعتباطياً قطعاً. لما أقنعوا أنفسهم أن الملائكة إناث نسبوها لله، فقال (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ)، (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ) لاحظ (سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ). إلى أي درجة يستخف بالله؟ هم كانوا يستعرون من البنات؛ لكن قالوا الملائكة هي بنات لله. طيب أنت كفكرة (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)؛ ولذلك قال في الآية اللاحقة في نفس الصفحة (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ)؛ فهو يعول عليهم أمرَين، أولاً أن ينسب إلى الله ما ليس له، وثانياً أن تجعل لنفسك ما تحب وتجعل لله ما تكره، وثالثاً هذا التمييز المقيت أصلاً الذي ليس له أساس واقعي ولا أساس منطقي بين فكرة الذكور وفكرة الإناث، والتي تجرها بعد ذلك إلى مواقف أخرى في الحياة. وهذا الذي ولد ما ولد عند العرب؛ يعني قبل مجيء رسالة القرآن من الاستخفاف بحقوق المرأة والاستهانة بها والاستعرار من الأنثى وغير ذلك من الصور يعني. وقال (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ) إلى غير ذلك، أم له البنات ولكم البنون؟ إذن الفكرة الثانية أنه توضح أن العرب جعلوا الملائكة إناثاً ثم نسبوها لله، فقالوا إنها بنات الله".


التحول السلوكي وسلوك العرب.. قوانين الله في الكون لا تحابي أحداً

وأضاف د.يوسف أبو عواد : "الآن سنبدأ في الموضوع الأخطر في الحقيقة.. اللي هو التحول السلوكي. يعني ما انعكاس هذا على السلوك؟ سلوك العرب. كيف عكس هذا الأمر على سلوك العرب؟ مثلاً في سورة الأنبياء (بل نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ). ما الوصف؟ الوصف هو أنهم نسبوا البنات إلى الله على أنها بنات الله أو ولد لله. ليه توعدهم بهذا الوصف؟ أولاً لأنك الآن استنقصت صورة الله؛ يعني الوحدانية التي تظهر في كل شيء في الكون، والتي هي لله وحده. وغير الله يجب أن يقوم فقط على التنوع، حولتها إلى تعددية؛ بس مش تعددية عبيد أو عباد، لا. العباد أصبح جزء منهم متخذاً صفة الرب بحكم أنه متواصل مع هذا الولد أو هذه البنات التي نسبت لله. والجزء الآخر عباد آخرون يسمعون من الجزء القليل هذا الذي يدعي أنه يتواصل مع بنات الله أو مع ابن الله. فنعود إلى فكرة أيضاً الانحراف عن سنن الله في الكون، نحن الآن بدأنا نفهم لماذا القرآن يشن حربَ شعواء على قضية نسبة البنات، الجوانب السلوكية التي تولدت عن هذه الفكرة ما هي؟ يعود فيقول لك (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ). طبعاً هنا أيضاً وقفة مهمة. الناس يظنون أن معناها الملائكة يسبحون الله؛ يعني يقولون سبحان الله سبحان الله، لاحظ الفهم التراثي. وأيضاً يظنون أنهم عبادة.. هذا الفهم الذي يجرد الحقيقة ويجرد الآية من معانيها؛ المقصود (ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته)؛ يعني أن الملائكة بحكم أنها يظهر أثرها من خلال السنن الكونية. القوانين الكونية الموجودة في الكون. هل هناك اختلال في نظام الكون؟ ولَّا نظام الكون منزه عن أي نقص؟ لأن كلمة التسبيح، حيثما ترد في القرآن، تدل على النظام الذي ليس فيه أي عيب ولا خلل. ولذلك قال عن (وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) (وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمسَ وَٱلقَمَرَ كُلّ فِي فَلَك يَسبَحُونَ). (السبح) هنا الحركة المنتظمة التي ليس فيها انخرام. طب تسبيح الملائكة معناها أنها تؤدي إلى أن تسير سنن الله وقوانينه في الكون بانتظام، لا تحابي أحداً؛ قوانين الله وسننه في الكون لا تحابي أحداً، فكل شيء خاضع للواحد الأحد، فقط لله. ولا يخضع لأي أحد من البشر زعم أنه ولد أو لم يزعم. ولذلك قال (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)؛ يعني كل ما في الكون في حركة دائمة في قوانين منتظمة.

إذا أردت أن تصل إلى شيء ما، ادرس القانون هذا، هوّ مُش تنادي يا ملك فلان أو يا ولي فلان ساعدني، أو يا ابن الله فلان ساعدني، لا؛ ارجع إلى القوانين التي يرشدك إليها، لأنه كله عبيد لله، ارجع فادرس القوانين وتعامل معها، ماذا ترشدك إليه القوانين؟ طيب الآن في نفس السياق تتحدث الآيات فتقول (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)، قالوا ما هي تشفع لنا شفاعة عند الله؛ يعني يبررون، مرة يقولون لها سلطة في الكون، ومرة يقولون لا هي تشفع لنا شفاعة؛ فلو عملنا عملاً نذهب فنسألها فتشفع لنا.. فقال (وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ) هذا على سبيل الافتراض؛ (فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ). الكلام قطعاً يتعلق بالملائكة التي عبدتها العرب.. لاحظ ما الذي يثبت أن هذا الكلام يتحدث عن الملائكة، (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا)..".


وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ.. كلمة (الجِنَّة) في القرآن

وتابع أستاذ اللغة العربية: "وبالمناسبة كلمة (الجِنَّة) كثيراً ما تطلق في القرآن الكريم على الملائكة أو قسم من الملائكة؛ لأنه في الآية التي ذكرناها، (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ). وهنا قال (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا)، بحكم طبعاً أنها يعني كائنات مخفية لا نراها بالعين؛ فلذلك تسمى جِنة، وهذا موضوع يحتاج إلى بحث مفصل، موضوع الجن؛ لكن هنا الشاهد أنه يعني سمى الملائكة جِنة، فقال (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا). لاحظ (وَلَقَد عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُم لَمُحضَرُونَ سُبحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلمُخلَصِينَ فَإِنَّكُم وَمَا تَعبُدُونَ مَا أَنتُم عَلَيهِ بِفَٰتِنِينَ إِلَّا مَن هُوَ صَالِ ٱلجَحِيمِ)، ثم قال (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُۥ مَقَام مَّعلُوم) من المتكلم الآن؟ الملائكة؛ لأنه قال (وَإِنَّا لَنَحنُ ٱلصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)؛ يعني الملائكة هذه التي جعلتموها بنات الله، وبالتالي أشركتم فأحدثتم ما يخالف سُنن الله. هي كلها صف ما معناها انتظام، ألا تدل على الانتظام المتفق تماماً الذي ليس فيه انخرام، فقال (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون)؛ أي ليس هناك في الكون ما يخالف قوانين الله ولا سُنن الله". 


لماذا اعتبر العرب قديماً أن الملائكة بنات الله؟ لماذا كانوا يكرهون الإناث؟

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "من أين جاء العرب في ذلك الوقت بثقافة النظرة الدونية للأنثى؟ ما سبب أن ينسب العرب لله الإناث، ويُنسب لهم الذكور؟ ما الذي اعتبروه بأن الملائكة هم بنات الله؟ لماذا كانوا يكرهون الإناث ونسبوهن إلى الله؟"، قائلاً: "القرآن الكريم يشير إلى فكرة أن الذكر إذا ترك بإنسانيته وبدأ ينحرف عن نهج الله؛ يبدأ في الطغيان والتجبر، الذكر تحديداً، وبالمناسبة هذه مفارقة.. القرآن الكريم لما نسب الخطيئة نسبها إلى آدم ولم ينسبها إلى حواء، نسبها إلى آدم مرة وإليهما معاً، قال (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ). وتاريخ البشر كله يثبت أن الذكور إذا تنكبوا لسنة الله أو لنهج الله، يطغون ولَّا لا يطغون؟ أول مَن يداس في هذا الطغيان الأنثى، ليه؟ لأنها من الناحية الجسمية أضعف من الذكر. يعني هذا شيء فسيولوجي موجود طبيعياً الكتلة العضلية وغيرها من الأشياء، هي من الناحية الجسمية أضعف. فلما يرى الذكر نفسه أقوى ثم يترك منهج الله؛ أول ما يسلط سلطانه وسطوته على الأنثى، فأصبحت الإناث كأنها سلع بالنسبة إلى العرب، كأنها متاع. يعني يقرنونها بالحيوانات ويقرنونها بالمتاع.. وهكذا. لكن هم يعلمون الفكرة كيف تتولد؟ هم يعلمون أن الله لا يقبل بالعوج، فطريقه مستقيمة، وأيضاً عندهم هيبة من أنفسهم كذكور. أرادوا أن يتخيلوا شيئاً ضعيفاً، شيئاً شخصيته مهزوزة فاقد الشخصية، بعد أن هم أفقدوا أصلاً الإناث في ذلك الوقت شخصيتها؛ فنسبوا لله شيئاً يستخف أن تفعل ما تشاء ثم تأتي إلى هذا الشيء أو صورته فتطلب منه خلاص يغفر لي كذا، يسامحني.

يعني أنت مثلاً حين تعرف رجلاً قوياً ومتنفذاً، أحياناً يقول لك تعالَ إلى الرجل من خلال زوجته؛ فتعرف أن الحوار ما سيكون أسهل، يعني ستوصل لها ما تريد، وهي باعتبار أنها أضعف ستسمع منك".


الكلام ممتد زمنياً ومكانياً

واستكمل د.يوسف أبو عواد: "نحن في نهاية المطاف لا نتعامل مع بقعة جغرافية؛ الكلام ممتد زمنياً ومكانياً؛ حتى هذا الكلام لم يحصر على مكان جغرافي معين. أبداً؛ لا يوجد ذكر للمكان ولا ذكر للزمان، هو يتعامل مع سلوك. الآن من الناحية التاريخية، كيف بدأ؟ وكيف نما؟ هذا بحث تاريخي، إنما من الناحية القرآنية الذي نستطيع أن نفعله أن نتتبع سياق الآيات القرآنية، كيف تولدت الفكرة ونشأت ونمت ووصلت إلى هذه المرحلة؟ هو يريد أن يعبد شيئاً أصلاً يحبه ويرضاه ويشعر له بهيبة ولا يريد أن يعبد شيئاً ضعيفاً، يعني يرى أنه له عليه سيطرة وهذا باب تحليل نفسي. الآن أنت إذا أردت أن تخترع معبوداً ينفذ لك ما تريد؛ يعني كأنه هو، كأنك أنت السيد، وهو العبد لك. هل ستخترع شيئاً قوياً ولَّا شيئاً ضعيفاً؟ ستخترع شيئاً ضعيفاً حتى تشعر أنه سينفذ لك كل ما تريد، ضعيف؛ لأنك أنت طبعاً استضعفته وأنت استقويت عليه، وهذا أيضاً كان من سلوك فرعون مع النساء على كل حال، وقال (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) في سورة الزخرف (إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ). قلنا هذا التجزيء الذي تولد أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين. لاحظ كيف السياق يتراكم الآن حتى تتكامل الفكرة. (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ أَوَ مَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلحِليَةِ)، لاحظ كأن هذه الآية تشير إلى ما سألت عنه. (أَوَ مَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلحِليَةِ وَهُوَ فِي ٱلخِصَامِ غَيرُ مُبِين)، يعني هو يقول إن نشأة الأنثى أو الطريقة التي تعيش أنثى بفطرتها هي طريقة فيها نعومة؛ وهذا معروف يعني، وفيها لطافة بخلاف طريقة نشأة الذكر وطريقة حياته المتوافقة مع بنائه الجسماني، وبعض الأدوار التي قد تنوط به، فأنتم الآن اخترتم شيئاً ضعيفاً فجعلتموه شريكاً مع الله، حتى بعد ذلك تشعرون أنكم سيطرتم حتى على آلهتكم المخترعة. (وَجَعَلُواْ ٱلمَلَٰئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُم عِبَٰدُ ٱلرَّحمَٰنِ إِنَٰثًا). هنا جاء السياق أيضاً حتى يعني يتم الموضوع إتماماً كاملاً".


إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سَمَّيتُمُوهَا أَنتُم وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلطَٰنٍ

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "الآن في سياق سورة النجم الذي وضح الأمر توضيحاً لا توضيح بعده. قال حتى لا يشك أحد أن الكلام قال (أَفَرَءَيتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلعُزَّىٰ وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخرَىٰ أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ تِلكَ إِذًا قِسمَة ضِيزَىٰ)، ثم قال (إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء) هذه الأصنام، الآن لماذا هذا سياق مهم؟ لأنه يوصلنا إلى الأصنام التي يقول لنا التراث إنها حجارة عبدت وتمر صُنع وأُكل عند الجوع.. إلى آخره، وهم عبدوا حجارة وعقولاً سخيفة إلى أبعد حد. لا هي فكرة شيطانية عميقة جداً؛ أريد منها فعلاً حرف البشر عن مسار نهج الله، سبحانه وتعالى. ولكن أوصل لها بطريقة تجعل الإنسان يقتنع أنها صحيحة إذا عاش في داخلها، إلا إذا أعمل أدوات المعرفة عنده، العقل والسمع والبصر. فقال (إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سَمَّيتُمُوهَا أَنتُم وَءَابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلطَٰنٍ). ثم قال (أم للإنسان ما تمنى)؛ يعني هاي مجرد أمنيات أنتم تصطنعونها. (وَكَم مِّن مَّلَك فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغنِي شَفَٰعَتُهُم شَيـًٔا إِلَّا مِن بَعدِ أَن يَأذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرضَىٰ إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلمَلَٰئِكَةَ تَسمِيَةَ ٱلأُنثَىٰ)؛ فربط اللات والعزى ومناة بأنها إناث، ثم قالها (لَيُسَمُّونَ ٱلمَلَٰئِكَةَ تَسمِيَةَ ٱلأُنثَىٰ وَمَا لَهُم بِهِۦ مِن عِلمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغنِي مِنَ ٱلحَقِّ شَيـًٔا)".


هل اللات والعزى ليس حجارة أو أصناماً؟

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل اللات والعزى ليس حجارة أو أصناماً؟"، قائلاً: "هي نفهمه الآن بعد تتبع كل هذه السياقات؛ أنها أصنام صنعت على هيئة متخيلة للملائكة التي اعتبرها العرب إناثاً ونسبوها إلى الله، فقالوا إنها بنات الله. هكذا ينتج لنا من تتبع السياق القرآني وتدبر الآيات التي تتحدث عن الموضوع؛ ليست القضية تقديس حجر إنما يرمز إليه الحجر. ما الذي يرمز إليه الحجر؟ الملائكة. ما الملائكة في تخيل العرب؟ إناث، وهي بنات منسوبة إلى الله. طب الآن في آية مهمة جداً ختم بها سياق سورة النجم الذي يتحدث عن الموضوع. عاد فقال (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)، طيب الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، إذن هو ينبه؛ لكنه ماذا تولد مرة أخرى عن فكرة أن تجعل هناك لله بنات تنسبها إلى الله؟ أن تسلك سلوكاً سيئاً؛ ثم تقول هذه البنات أو الملائكة ستشفع لي. وتطلب من الله أن يغفر لي ذنبي، سيغفر ذنبي، ستكرس سلطتك الاستبدادية على الإناث؛ مما تستبد به وعلى الضعفاء وعلى المحتاجين وعلى غيرهم. لذلك كل ما تراه في القرآن من وصف لأخلاق المخاطبين، وأنا أقول لك مرة أخرى؛ ليس الأمر محصوراً ببقعة مكانية ولا زمنية. كل مَن ينطبق عليه الخطاب، من هضم حق اليتيم والضعيف والمحتاج وعدم الاكتراث لحاجتهم.. مما ركزت عليه الآيات المكية تركيزاً بالغاً. هذه سلوكيات كلها تولدت عن فكرة أن تخترع لله جزءاً آخر غير الله. ثم بعد ذلك تفعل ما تشاء وتدعي أنه سيغفر لك وكذا. والنهاية انهيار النظام الكامل وحياة العرب التي كانت في ذلك الوقت متفرقة لا قيمة لهم ولا هيبة بين الأمم.. وإلى آخره، فجاء الإسلام لما لغى هذه الفكرة، وعاد إلى فكرة التوحيد المطلق، نشأت أمة قوية وإن كان بعد ذلك لحقها ما لحق الأمم؛ لأنه عاد الانحراف، يعني، عن المنهج بطريقة أخرى طبعاً. يعني الآن فكرة أنت تنسب ولداً إلى الله. طب أنت لما تنسب شخصاً إلى الله كأنه عالم ينطق باسم الله فلا يحيد. تقول هذا يأخذ الإلهام أو الوحي مباشرةً من الله، ما الذي اختلف الآن؟ الموضوع...".


نسف فكرة التقديس المبني على النسب

وأضاف أستاذ اللغة العربية، رداً على "ولهذا ترى عند بعض المعتقدات التي تؤمن بأن فلاناً ابن الله، أو فلاناً ولد الله، أو هو جزء منه أو جزء من الله أو جزء من رسول من الله؟": "بالضبط، فكرة التقديس المبني على النسب؛ يعني إذا كان القرآن، هذه فكرة مهمة جداً، نسف فكرة التقديس المبني على النسب نسفاً تاماً، مع أنها لله، فما بالك إذا كان نسباً؛ لأنه هذا يتصل برسول الله مثلاً فهو مقدس، أو هو معصوم أو عائلة مقدسة أو إمام يتحدث باسم الله، فكلامه كله عبارة عن حجة مطلقة، ثم بعد ذلك يتحدث بما يشاء؛ مما يفسد حياة الناس والمجتمعات وتؤخذ أموالهم باسم هذا، وتهدم حضارات وأُمم. وتتخلف سنوات طويلة إلى الوراء باسم هذه الفكرة التي إن ذهبتك فكرة مباشرة؛ لكن ظلها موجود، وبقي موجوداً حتى تصحو الأمة على مثل هذه الآيات، فتفهم". 


اعبد الله عبادة حقيقية تصل في نهاية المطاف إلى ما تريد

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "يعني هذه الآيات ما زالت قائمةً بوعيدها لمَن يؤمن بهذا النص؟"، قائلاً: "كل ما ذكر في شأنها من وعيد هو يسقط على مَن أخذ الفكرة حتى لو غير المسميات. لو ذهب عن الملائكة فنسب شيئاً آخر، لو ذهب عن البنات فنسب شيئاً؛ ما دام أنه اخترع جزءاً كأنه متصل بالله، وهذا الجزء صارت تؤخذ منه التعاليم عوضاً عن الله؛ إذن هو أعاد نفس الفكرة، والله سبحانه يربطك بالكون في كل الآيات، في كل مرة يرجع فيقول لك (ولله ما في السماوات والأرض)، ارجع إلى الكون، ارجع فابحث كيف تصل؟ كيف تصبح؟ إن أردت أن تصبح ثرياً، إن أردت أن تصبح مهندساً، إن أردت أن تصبح طبيباً؟ لا تذهب فتقول أنا أدعو الشيخ الفلاني ولا أعطي الإمام الفلاني نقوداً، ولا قضيتي محلولة بأن مثلاً أستمر أذكر كلمات معينة مئة مرة ومئتين مرة، لا؛ هناك قوانين طبيعية لكل شيء ينبغي أن تسير معها.. هكذا أنت تعبد الله عبادة حقيقية، فستصل في نهاية المطاف إلى ما تريد. على مستوى الفرد، على مستوى الأسرة، على مستوى المجتمع، وعلى مستوى الأمة". 


قصة النبي إبراهيم مع الأصنام

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "في قصة النبي إبراهيم مع الأصنام التي كسرها، ماذا يستشف في ذلك؟"، قائلاً: "ممتاز جداً، هو نهاية تأليه الإله، أن تعتقد أنه رب؛ يعني أن تتبعهم، والله أنا أتبع منهجه، ثم تصل إلى مرحلة تعتقد أن له سيطرة في التدبير والخلق. هذا نهاية الغلو، أليس كذلك؟ نهاية الغلو في التعلق بهذه الحجارة التي تمثل رموزاً؛ إنك يأتي جيل أجهل من الذي كان قبل ذلك، لا يسأل أصلاً لماذا كانت هذه الحجارة تقدس؟ فتعبد الحجارة نفسها. القرآن ذكر هذا الموضوع لما ذكر قصة إبراهيم، عليه السلام، التي ذكرتها. وذكر هذا لما قال مخاطباً المخاطبين وقت النزول عن الأصنام (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا). إذن هو يقول قائل هذا واضح جداً أنهم يقدسون الحجارة؛ لكن هذا يتحدث عن جزء صغير وصل إلى أعلى درجات الجهل. يعني حتى لم يكلف نفسه أن يسأل لماذا عبد آبائي ومن قبلي هذه الحجارة، فصار يظن القدسية في الحجارة نفسها؟ وهذا غاية الجهل الذي يصل إليه الناس، كما ذكرنا ذلك في قوم فرعون، وكما ذكر الآن عند العرب؛ لأنه تسليم العقول والتخلي عن أدوات لمصلحة الغير، ما نهايته الجهل المطبق والمطلق الذي يصل بالناس إلى هذه المرحلة".


إشكالية فكرة نسب ولد لله

وأضاف أبو عواد رداً على "هي حقيقة فكرة نسب ولد لله تقوم بعملية ضرب لأي أساس منطقي في الحياة": "لأنه أنت هذا كأنك تريد أن تحتل خلق الله شيئاً فشيئاً؛ تحتل نهج الله، يعني لو أحدثت كل عمليات التقديس، هو لماذا يقدسه؟ هو يعتبر أنه أقرب اتصالاً بالله منه، هذه فكرة الولد".


قدرة الإنسان على أن يفهم الله مجرداً

وأجاب أستاذ اللغة العربية عن سؤال "هل هذه الفكرة لها علاقة بضعف قدرة الإنسان على أن يفهم الله مجرداً؟"، قائلاً: "هو له علاقة بالعودة إلى السطحية وإلى يعني الوقوف فقط عند حدود الحواس والغرائز. ولذلك يعني لما موسى، عليه السلام، ترك قومه وعاد إليهم وجد أنهم اتخذوا العجل. طيب، بعد كل هذا، يعني بعد كل هذه الدعوة وكذا رجع إليهم (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)، يعني لاحظ العجل هو عبارة عن، شوهه لهم، رجل، يعني ضحك عليهم، معناها استخف بعقولهم. فجاء، وجدهم رجعوا إلى فكرة السطحية؛ ليس لأن قضية التجريدية معقدة وصعبة، لكن الإنسان متى ما وقف عند حدود جسمه فصارت كل غايته في الدنيا اللي هي يعني إشباع الرغبات الجسدية، سينزل بالتالي مستوى العقل، فيخترع ما يتناسب مع هذا الوقوف عند الجانب الحسي والابتعاد عن الجوانب التجريدية التي هي في الحقيقة القيمة العليا للبشر كبشر، والتي تميزهم عن سائر الحيوانات، لكن هو رجع فقط إلى الحس، ويريد يعني إذا رأيت هذه الفكرة اعلم أن الإنسان تفكيره فقط في الجانب الغرائزي".


فطرة الله التي فطر الناس عليها

وأضاف د.يوسف أبو عواد، رداً على سؤال "هل من السهولة من مكان الوصول بالعقل البشري أو العقل الجمعي البشري إلى مستوى من التجسيد أن يتخلى الإنسان عن الإيمان بالله من خلال الأشياء؟"، قائلاً: "هو الفطرة الطبيعية لكل إنسان أصلاً؛ ولكن حرفت بحرف الحارفين، بس، واستحداث المناهج التي تصد عن منهج الله. أما هذه ففكرة طبيعية؛ هي الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها".


وتابع د.يوسف أبو عواد: "ألسنا نحن قد أشرنا في سياق سابق إلى أنه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابِّ وَٱلأَنعَٰمِ مُختَلِفٌ أَلوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخشَى ٱللَّهَ مِن عِبَادِهِ ٱلعُلَمَٰؤُاْ). هو يلفتك، أنت ستصبح من العلماء الذين يخشون الله إذا سرت مع هذه الآيات الكونية".


التسلسل الطبيعي الذي يُراد للإنسان أن يسير عليه

واختتم د.يوسف أبو عواد: "سياق آخر ممكن واحد يقول لي وأنا أعرف أنهم علماء؟ النص واضح على كل حال؛ (إِنَّ فِي خَلقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱختِلَٰفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لَأيَٰت لِّأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ ٱلَّذِينَ يَذكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِم)، هل مقصود يذكرون الله هي حركة اللسان والعدادات.. وكذا ولّا ما ذكره من التأمل في قوانين الله في خلق السماوات والأرض؟ ثم قالوا (ربنا ما خلقت هذا باطلًا)؛ لأنه يستنتج من كل نظر ينظر أن هذا الخلق حق، فيه اتساق، فعلت كذا تحصل النتيجة كذا. إذن أنت ستؤمن بالسنن الكونية وتسير معها. لن يضحك عليك ضاحك أو يعني يقنعك بخزعبلات وأفكار وهمية، فيسرق ما في جيبك ويسرق عقلك وسمعك وبصرك. قبل هذا يسرق بشريتك. (رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَٰذَا بَٰطِلًا). ثم قالوا (ربنا سمعنا مناديًا) لاحظ كل هذا سابق، فلما سمعوا المنادي بدون حتى عن لما وجدوا دعوة المنادي هذه تنسجم مع فطرتهم الطبيعية اللي هو منادي الرسل الذين لم يكونوا يسألون الناس أجراً على دعوتهم، إنما يريدون إصلاح الأمة وإصلاح الناس والمجتمعات، وجد أن هذا توافق مع ما أرشدته إليه فطرته وعقله وخلقه الذي خلقه الله عليه. فلذلك آمن بهذه الطريقة مباشرةً بما جاء به الرسل.. هذا التسلسل الطبيعي الذي يُراد للإنسان أن يسير عليه".