ناقشَ الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مفاهيم"، مفاهيم "الموت" و"البرزخ" وَفق تطبيقات اللسان العربي المبين على القرآن الكريم، وكيف نفهم ألفاظ النص القرآني وَفق آليات اللسان العربي المبين؟ وكيف يمكن فهم مثلاً لفظة "الموت" التي تتكرر كثيراً في القرآن وَفق آلية اللسان العربي المبين؟ وهل يُفهم منها أن الموت الفيزيائي هو موت يعني الموت الفيزيائي لكل شيء؛ موت النفس، موت الجسد، عامل الجسم؟ وهل الموتى هم الأموات؛ يعني هذه كل تصريفاتها وأينما ذُكرت هذه اللفظة وكيفية فهمها وَفق آلية اللسان العربي المبين؟
الأصل الثنائي الصوتي لكلمة "موت"
وقال الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "في الحقيقة الأصل الثنائي الصوتي لكلمة (موت) هو (مت)، وكلمة (مت) مستخدمة في جمل ربما هي غريبة؛ لكن إذا لاحظت أنك سمعتها حين يُقال مثلاً هذا الأمر لا يمت للواقع بصلة أو لا يمت للحقيقة بصلة، فمعناها يمت للشيء، يعني يتصل بالشيء؛ نوع اتصال.. لكن إضافة صوت الواو بين حرفَي (الميم) و(التاء)، أدى إلى عكس المعنى، فصار (الموت) هو انقطاع الاتصال، ربما يكون طبعاً في الذهنية أن (الموت) يعني فناء، يعني انتهاء، يعني هلاكاً؛ لكن هذا تحليل اللسان الأوَّلي لكلمة (موت)، يشعرك أنه انقطاع اتصال؛ إذن هو انتقال من مرحلة كان فيها اتصال إلى مرحلة أخرى ليس فيها اتصال، وهذا الأمر مرتبط ارتباطاً كلياً بما شرحناه في الحلقة السابقة من مكونات الإنسان بشكل عام، أو مكونات البشر؛ لذلك أول ما يلفتنا في النص القرآني حين نبدأ في تطبيق امتداد المفردة وامتداداتها المفهومية، لا نجد أبداً أن القرآن الكريم من أوله إلى آخره وصفَ النفسَ بأنها تموت، هذا فضلاً عن الروح؛ لأن الروح أصلاً لا علاقة لها بموضوع الموت..".
لا علاقة لـ"الروح" بموضوع "الموت"
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "الروح كما شرحنا هو أمر يعني متى ما وجد اتصال النفس بالجسد وتهيأت الظروف الموضوعية؛ تلقائياً تتفعل آليات الروح في الجسم أو في البشر، الروح لا علاقة له بموضوع الموت؛ لكن القضية أن النفس لم توصف بأنها ميتة، يعني مثلاً لما تقرأ قول الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) هو ما قال لك كل نفس ميتة، ولن تجد هذا أصلاً في القرآن؛ إنما قال (ذائقة الموت)، طب الذوق، ما الذوق؟ الذوق هو حدوث أثر مؤقت بس، تشعر بأثر موقت لشيء يعني له جانب حسي؛ فتشعر به بطريقة مؤقتة. إذن النفس تتذوق الموت تذوقاً، ليس هناك في القرآن الكريم وصف للنفس بأنها ميتة، لأ.. حتى كلمة (تموت) قد توصف بها النفس كفعل، ولكن الفعل يدل على حدث ولا يدل على ثبات؛ يعني هذه النقطة الآن في آية أخرى مثلاً (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ) لاحظ ماذا قال، (أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ)، آه، يعني إخراج النفس الذي قُلنا عنه في الحلقة السابقة بأنها كانت متصلة بالجسد بنوع اتصال، الآن لحظة الموت هي خروج النفس، طبعاً وهذا مخالف لكل ما تعارفه الناس وتوارثوه من أن الموت هو خروج الروح..".
الموت هو خروج النفس.. انقطاع الاتصال بين النفس والجسد
وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "لأ؛ ليس في القرآن أبداً شيء اسمه الموت خروج الروح؛ إنما الدقة القرآنية وتناسق الآيات القرآنية في كل ما سبق وذكرناه وما يأتي الآن، يشير لك إلى أن الموت هو خروج النفس، وإذا فهمناه بأصله اللساني إذن هو انقطاع الاتصال بين النفس والجسد؛ ولذلك قال (أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ) في هذه الآية، وقال (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)، طيب إذن هو قال (يتوفى الأنفس)؛ معناها الأنفس ستبقى موجودة، لأن التوفي هو عملية استكمال، هناك استكمال لوجود هذه النفس، وليس هناك فناء أو تحلل أو يعني تحول من شكل إلى آخر أو اضمحلال كما يحصل للجسد؛ إنما قال (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)، لكن قبل أن يقول قائل ما هو فيه آية أخرى تقول يعني (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)؛ طيب ما هو الآن نحن نفهم أن تموت حدث، ما معنى موت النفس؟ معناها خروج النفس، معناها ذوقها الموت، معناها انتقالها إلى مرحلة التوفي التي تفقد فيها النفسُ سيطرةَ صاحبها عليها، وتنتقل بعد ذلك لتعود إلى موضوعها الأصلي عند الله".
رجوع "النفس" إلى خالقها
وقال د.يوسف أبو عواد رداً على "عودة إلى المفهوم الأول الذي أعطيناه للفظة (ميت) أو (مت) اللي هي قطع الصلة؛ يعني (الله يتوفى الأنفس حين موتها) يعني الله يتوفى الأنفس حين توقف تواصلها مع الجسد؟": "بالضبط؛ عندما ينقطع اتصالها عن الجسد، الآن تتوقف رعاية صاحب النفس الإنسان المتحكم فيها، لها، وترجع في تحكمها المطلق والكامل إلى رب العالمين".
كلمة "توفي" لا تعني الموت
وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "كلمة (توفي) لا تعني الموت بأي شكل ولا الهلاك ولا الفناء، ولا علاقة لها بها.. توفي الشيء يعنى أكمل، استكمله أو أكمل يعنى رعايته له، بعد أن كان يعني متروك رعايته لطرف آخر أو جانب آخر، ولذلك أنت تقول مثلاً (وفيته الأجر)، فأنت تقول (توفيت أجري)، معناها استكملت الأجر؛ لكن لم يكن في يدك ووصل إليك بعد مرحلة معينة، فهذا معناه التوفي، وهي كلمة دقيقة أصلاً، والناس يأخذون أنها مطابقة تماماً لمعنى الموت، لأ؛ هو التوفي انتقلت من مرحلة تحكم صاحبها بها إلى مرحلة تحكم رب العالمين بها، ثم قال بعد ذلك (فيوفيه حسابه)؛ لكن القصد أنه وصف النفس إضافة الفعل للنفس يختلف تماماً عن أن تُضاف الكلمة إلى يعني كلمة (ميت) مثلاً، جاءت وأضيفت إلى مثلاً (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)، هنا الكلام يتحدث عن المجموع الكلي للبشر؛ إنه بمجموعك أنت ميت، لكن لم تضف الكلمة إلى النفس. طيب، قد يقول قائل ما الفرق بين (ميت) و(يموت)؟ هذا فرق لساني أيضاً مهم جداً؛ يموت هذا، حدث، حدث يحصل مثلاً وما كان لنفس أن تموت لحظة ذوق الموت، لحظة خروج النفس من جسد صاحبها، هذا هو فعل (يموت)؛ يعني هذا هو موت النفس، انقطاع اتصالها بالجسد؛ لكن (ميت) هذه في اللسان العربي تُسمى صفة مشبهة، يعنى مثل كلمة (سيد) وكلمة (جيد) وكلمة (حي)، أيضاً كلمة (جميل) وكلمة (كريم)، هذه الكلمات للتبسيط على المتابعين، ما معناها؟ هي صفات تدل على شيء ملازم ثابت؛ يعني أنت إذا قُلت هذا إنسان بخيل، هو طبع، يعني لم تقل إنه بخل الآن أو يبخل، ممكن تقول مثلاً بخل عليَّ وهو كريم أو كرم عليَّ وهو بخيل؛ يعني قد يبدر منه الفعل، لكن هذا الفعل مؤقت".
وتابع د.يوسف أبو عواد: "لا يمكن يصبح صفة له؛ محدود بحد زماني لحظي، في إطار الحدث الذي حصل؛ لكن الصفة، صفة الموت التي هي الانقطاع، لأنه الانقطاع الكلي إذا قُلت الآن أنت ميت؛ انقطع انقطاعاً تاماً، سيتبع ذلك الفناء الذي هو الانحلال والاضمحلال، والتحول خلاص إلى شكل آخر".
الاستدلال بإعادة الحياة إلى الأرض
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "يعني دخول حرف الياء على (مت) تفيد استمرارية الحدث؟"، قائلاً: "آه، وينقله من الانقطاع؛ من حالة الحدث إلى الصفة، نعم اكتسب الصفة اكتساباً تاماً؛ يعني أصبحت جزءاً ملاصقاً وملازماً له، وهذا صح يوصف به الإنسان بكليته، ولكن لما ندقق في النص القرآني سنجد أنه يرجع إلى الجسد بعد أن تخرج منه النفس، لماذا نقول هذا الآن؟ لو أنت مثلاً ذهبت إلى قوله تعالي (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هذه الآية وردت بعد الآية التي ذكرت الأدلة على البعث؛ يعني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)، ثم قال (وَتَرَى ٱلأَرضَ هَامِدَة فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجِ بَهِيج ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحيِ ٱلمَوتَىٰ). طيب الاستدلال بالأرض، الاستدلال بإعادة الحياة إلى الأرض، هذا استدلال حسي يعني يستدل على الجانب الحسي المادي ولَّا على الجانب غير المادي؛ سواء أكان يتعلق بالنفس أم بالروح".
وَأَنَّهُ يُحيِ ٱلمَوتَىٰ.. الاستدلال الحسي
وأضاف أبو عواد رداً على "هل الحس المادي حقيقة؟": "هو استدلال حسي، فلما قال لك بعد ذلك (وَأَنَّهُ يُحيِ ٱلمَوتَىٰ)؛ إذن كلمة الموتى التي هي مفردها (ميت) ترجع إلى ماذا؟ إلى الجسد الذي وُصِف بالآية السابقة، لقوله (إنك ميت وإنهم لميتون)، ولذلك كلمة (البعث) هذه التي هي إعادة النشر للجسد بعد أن ذهب واضمحل ولم يبقَ منه ربما إلا بقايا قليلة جداً، إعادة بعثه مرة أخرى وانتشار هذا الكلام متسلط على الجسد وليس على النفس، وطبعاً بطبيعة الحال الروح لا علاقة له بالموضوع أصلاً.
لاحظ مثلاً (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا)؛ يعني إذا بدأنا نفهم أن كلمة البعث حين نراها في القرآن الكريم مرتبطة بالجسد وليس بالنفس، سنفهم الموضوع بصورة كلية واضحة (مَن بعثنا من مرقدنا) هذا البعث هنا للجسد وليس للنفس؛ البعث هنا ما هو الشيء الموجود في المرقد، الجسد؛ إذن مَن بعثنا من مرقدنا؟ هذا الكلام هنا يتحدث عن الجسد، (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)".
"الرقود" واتصاله بفكرة الانحلال والاضمحلال
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "لماذا استخدم لفظ المرقد ولم يستخدم لفظ القبر مثلاً؟ وهل المرقد يعني أن فيه حياة؟ يعني هل المرقد فقط للميت أو الأموات؟"، قائلاً: "لأ؛ كلمة المرقد ليست خاصة بالأموات؛ لأنه أنت تعرف (رقد)، ركد الماء، الراكد، ركد.. ورقد معناها هفوت الشيء، فقدانه للحركة، فقدانه التواصل الذي كان يعطيه نوعاً من الحيوية والحركة، لكن هذا لا يمنع أنها ستعود إليه الحركة مرة أخرى، هذا دلالة كلمة (مرقد)؛ يعني الرقود، ربما يتبعه طبعاً، هنا أثبت النص أنه يتبعه باستخدام كلمة البعث؛ ولكن الرقود دائماً ما يعني يتصل بفكرة الانحلال الاضمحلال؛ لأن الجسد يبدأ بالتحلل ويتحول من شكل إلى آخر، وهذا ما يسمي الفناء؛ الفناء في القرآن هو التحول من شكل إلى شكل آخر، فيفقد الجسمُ شكلَه أو حتى يفقده بشكل تام، طبعاً هذه فكرة مهمة في الحقيقة، أنه أنا لما أفهم أن الموت متسلط على الجسد، بمعنى الفناء، وعلى النفس، يعنى الوعي؛ وعي الإنسان الذي كان يدرك به ويحس به ويشعر؛ بيتعرف به على الأثر، أثر المحسوسات، يقيِّم؛ هذا مؤلم وهذا غير مؤلم.. هذا متعلق بالنفس، هذا مهم جداً أنه ما كان يبدر أحياناً من بعض الناس يعني بشكل ساذج أنه مثلاً يذهب إلى القبر، يريد أن يرى ماذا يحصل في القبر؟ وماذا يحصل للجسد؟ يعني يتتبع الجسد بعد عملية التوفي أو عملية الموت، لكن أنت في القرآن الكريم مش يقول لك إنه الجسد لا علاقة له، الجزء الواعي منك الآن انفصل تماماً وذهب، هو في حالة..".
قصة عذاب القبر
وأضاف أستاذ اللغة العربية رداً على "يعني كل ما يُشاع إذن حالياً عن قصة عذاب القبر، ويأتيك فلان ويسألك كذا، وهل أقرأ وكذا؛ هل كلهم معناها مجرد خزعبلات تُقال على شيء غير مفهوم لا يعني الناس لا تعي فكرة الموت ولا تعي فكرة انفصال النفس عن الجسد؟": "نعم هو تتبع فكرة أنه ما يحصل للجسد بعد الموت ثم الذهاب عن فكرة أنه أبحث عن القبر، وجلس في القبر، وسؤال وكذا.. هذه الفكرة مناقضة تماماً لما يتحدث عنه القرآن، القرآن يقول لك إنه ما يخرج هو النفس والوعي، نحن أثبتنا في الحلقة الماضية أن الوعي مقرون بالنفس، طيب الآن إذا بِدّه يكون هناك أي نوع من العذاب أو النعيم، سيكون مقروناً بالنفس لا بالجسد؛ بالنفس، إذن الجسد لا علاقة له بالموضوع، لكن هل القرآن تحدث عن مظهر من مظاهر ما يمكن أن نسميه الحياة بعد الموت؟ سنأتي إلى هذا؛ إنما فكرة الارتباط بالقبر بالطريقة الحسية التي يظنها الآن معظم الناس والذهاب لتبحث عن القبر وتبحث عن الرفات والعظم.. وهكذا، هذا لا أساس له في النص القرآني، لا أساس له، هناك ما يتعلق بالنفس سنذكره في وقته، حسب التسلسل يعني".
"الروح" أمر.. قانون
وتابع د.يوسف أبو عواد رداً على "ذكرنا سابقاً أن الحياة أو الإنسان أو البشر هو عبارة عن اجتماع النفس بالجسد؛ بواسطة الروح، عندما يحدث الانفصال تنفصل أو تموت النفس، تتوقف عن التواصل مع الجسد، ويموت الجسد أو يفني.. أين الروح؟": "الروح هو أمر، الأمر هو قانون؛ يعني متى ما حصل الاتصال يعني.. (ينتفي وجود، تنتفي فاعلية القانون بشكل تلقائي) بالضبط؛ يعني القانون موجود، القانون موجود لكن متى ما وجدت يعني المعطيات الموضوعية ليظهر أثر القانون، يظهر أثر القانون، هو سنة متصلة؛ يعني مثلاً أنا أقول لك إذا ضربت زجاجاً بمطرقة يتكسَّر الزجاج، صح؟ طيب الآن أنت المطرقة انفصلت عن الزجاج وابتعدت، لا يوجد، أو انحلت، لا توجد مطرقة ولا يوجد زجاج.. هل القانون مات؟ هل يوصف بأنه مات؟ موجود؛ لكن متى ما حصل الظرف الموضوعي ليظهر أثر القانون؛ بحيث تطرق المطرقة الزجاج بقوة معينة، سيظهر أثره؛ فالروح موجود على كل الحالات؛ لكن يحتاج إلى الظروف الموضوعية ليتم تفاعله الآن، الظروف الموضوعية؛ ليظهر أثر الروح، فقد لأنه انقطع اتصال النفس بالجسد، طبعاً انقطاع اتصال النفس بالجسد يرجع إلى عامل جسدي، هناك مشكلات في الجسد، إذا حصلت يصبح الجسد غير مهيَّأ للاتصال بالنفس، فينفصل عنها انفصالاً كلياً".
"اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا".. علاقة مرض الجسد بالتوفي
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "وَفق هذا الفهم، كيف يمكن فهم كتاب الموت في القرآن؟ هل كتاب الموت يشمل أو يقصد به انفصال النفس عن الجسد، ومن ثمَّ يعني توقف فاعلية الروح ما بين الطرفَين أم أنه يمرض الجسد ذاته، وبالتالي يؤدي إلى فك الارتباط ما بين النفس والروح والجسد؟ يعني هل النفس تخرج من الجسد أو تتوقف عن التواصل، نتيجة مرض في الجسد؛ لأن الآية تقول (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)؟"، قائلاً: "نعم"، معلقاً على "ومعناه ما فيه علاقة لمرض الجسد بالتوفي؟"، قائلاً: "لأ؛ هو إحنا أثبتنا أن الله سبحانه وتعالى خلق الجسم في صورته المتكاملة، فلما أصبح صالحاً بأن تقرن به النفس، اقترنت به النفس.. الآن إذا فقدَ هذا الجسم تكامله، يعني فقده بطريقة جوهرية، سيبطل اتصال النفس بالجسد، الآن أسباب، ثم هذه قضية أصلاً ربما تكون تركت للطبيعة؛ لأنها معروفة يعني ما الذي يحدث الموت لدى الإنسان فتتوقف الفاعلية هذه، ونحن نؤمن أنه نتج عن خروج النفس من الجسد، ستكون هناك مشكلة جسدية جعلت الجسد يعني تأثَّر في عضو نبيل جوهري فيه، فأصبحت منظومة الجسد غير قادرة على الاتصال بالنفس، فانفصلت النفس عنها".
هل لا يمكن أن يحصل الموت إلا بسبب جسدي؟
وأجاب أبو عواد عن سؤال "هل تدخل ضمن الكتاب يعني؟"، قائلاً: "هي ضمن الكتاب، ما هو الكتاب قوانين طبيعية"، معلقاً على "لأ، مجموعة من القوانين تتهالك؟": "طبعاً هي سنن، بالضبط هي سنن طبيعية ليس فيها محاباة، ولذلك الآن الطب على يقين تام، ليه كل إنسان يموت يبحثون عن السبب، سبب الموت؟ لماذا؟ لأنهم عندهم يقين من التجارب السابقة كلها أنه لا يمكن أن يحصل الموت إلا بسبب جسدي، يبحثون فيه، في الجسد، نعم.. الكتاب، ما الكتاب؟ هو من الكتب، والكتب هو تنظيم، يعني جمع شيء على شكل منظم، وهذا ما يشكل السُّنة في نهاية المطاف، السُّنة الكونية الطبيعية، هو سنن كونية تسير، فمتي ما حصلت مقتضيات هذه السُّنة سيحصل الموت".
مقتضيات سُنة الموت.. لا محاباة
وأجاب أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين عن سؤال "هل يتم توفي الأنفس بإرادة إلهية، أم تتوقف النفس عن التوصل مع الجسد، صار خلل في الجسد نفسه؟"، قائلاً: "ممتاز؛ نرجع فنؤكد فكرة في غاية الأهمية، لا يوجد هناك شيء اسمه إرادة إلهية تتدخل فجأة في نظام الكون، هناك شيء اسمه قوانين وسُنن، هذه القوانين وضعت منذ اللحظة الأولى لوجود الخليقة وخلاص، هي ليس هناك تدخل لحظي مثلاً لظرف معين، إنه سيحصل لحظة فيموت الإنسان دون القوانين، هي سُنن متي ما حصلت مقتضيات سُنة الموت سيحصل الموت دون محاباة أبداً ولا تميُّز".
شروط إطالة عُمر الإنسان
وأضاف أبو عواد رداً على سؤال "هل يمكن للفرد أن يتخذ أو يوفر شروطاً تُطيل من العمر؟": "مئة في المئة، وهذا أصلاً يعني ثبُت؛ ثبُت اختلاف معدل أو متوسط العمر في المجتمعات التي صار فيها اهتمام بالجانب الصحي والنفسي أحياناً؛ لأنه مرض النفس أحياناً يعود بالأثر السلبي على الجسد، فاهتمام المجتمعات بهذا لا شك أنه كان له تأثير كبير في زيادة متوسط العمر، وهناك دراسات محكمة وثابتة في هذا.. ليه؟ لأنه صار هناك اهتمام في الجسد، بحثنا عن الأسباب التي أدت إلى انقطاع الاتصال بين النفس والجسد، عولجت هذه الأسباب بنسبة معينة، فزاد متوسط العمر".
سُنة الموت لا بد أن تبقى موجودة لكل ما في الكون
وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين رداً على "بس هذا لا يعني إطالة أمد الحياة؛ يعني نفي الموت كون الموت جزءاً من قدر الله أو من تقدير؟"، قائلاً: "لأ؛ الموت سُنة ستحصل، لا تنفي الموت كفكرة، هي سُنة ستحصل، يعني ما يدل عليه القرآن (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)، هو ينفي فكرةً البشر يبحثون عنها، وهي أنهم يسعون إلى الخلود المطلق، هذا من ناحية قرآنية لا يمكن أن يصل إليه البشر، لأنه هناك حقيقة قاطعة في قوله تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) تدل على أن سنة الموت لا بد أن تبقى موجودة بكل من هو بشر، بل لكل ما في الكون؛ لأنه كل من عليها فان، والفناء أكثر من مجرد الموت على كل حال".
إشكالية إطالة أمد الحياة وشروط صحة الجسد
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "في ظل هذا القانون العام، يمكن للفرد أن يطيل أمد حياته مثلاً طالما حافظ على أو توفير شروط طبيعية للجسد أن يظل صحياً؟"، قائلاً: "طبعاً؛ هو إذا وفَّر الشروط الموضوعية، هو فعَّلَ سُنة موجودة كونية، أنه الآن أنت أصبحت عندك ظروف موضوعية، يعني تيسر إنه العمر يكون أطول، أنت فعلت جانباً من السنن الكونية كان موجوداً، وهذا كما قُلنا أصلاً جزء من الوحي بمعناه الكبير يعني، وليس بمعنى النبوة؛ ولكنْ جزء من الوحي الذي قد يصل له البشر أحياناً بالتجلي أو بالصفاء أو النقاء أو صدق النظر في قوانين السماوات والأرض وخلقها، فهذا لا يتعارض أبداً مع المفاهيم الكلية والمنظومة التي شرحناها، ولا يتعارض مع ما شرحناه أصلاً كله، متكامل، هو كله في النهاية سيصل بنا إلى منظومة متكاملة واضحة المعالم، يدل عليها القرآن الكريم؛ سُنن لا تتبدل ولا تتغير، إنما القضية بالنسبة إلى الإنسان متى ما اهتدى إلى هذه السُّنة تغيَّرت النتيجة، تغيَّر السبب الذي أخذه، فتغيرت النتيجة بالتالي".
الناس عندها إيمان بالموت أكثر بكثير من الحياة
وأجاب أبو عواد عن سؤال "ما التداعيات التي يمكن أن تؤدي إلى حياة الناس؛ يعني إذا الناس أصبحوا يقتنعون أن هناك تواصلاً، سيبقى هناك تواصل بين النفس والجسد ما دام حافظَ الجسدُ على مستوى صحي ما في حياته، شو ممكن يعكس السلوك البشري بشكل عام؟"، قائلاً: "هو أول شيء سنتحول إلى فكرة يمكن أن أسميها الإيمان بالحياة؛ لأنه هناك ثقافة شاعت نتيجة يعني عدم الفهم العميق لسُنن الله أولاً ولكتاب الله ثانياً، إنه الناس عندها إيمان بالموت أكثر بكثير من الحياة، والإنسان في الأصل خُلق ليحيا، هذا الموت نتيجة حتمية لا يطلب منك أن تبحث عنها أو أن تأتيها؛ المطلوب منك في الأصل أن تحيا قدر المستطاع، طبعاً في إطار الحلال الكبير؛ لتقوم بالرسالة يعني التي خولت بها ووكلت بها، والموت إذا جاء بسبب رباني؛ سواء أكان هذا السبب كونياً أو سبباً تشريعياً أمرياً؛ لأنه ورد في بعض حالات دفع الظلم مثلاً الذي أنت مضطر له.. هنا خلاص أنت في النهاية تسير وَفق سُنن الله ووفق أوامر الله ووفق شريعة الله، لا بأس.. لكن الهدف الأصلي والأسمى الإيمان بالحياة فعلياً وبقدرة الإنسان على أنه قادر، قدر المستطاع، على أن يحسن من هذه الحياة، وأيضاً يطيل من أمدها، ليس إلى الخلود؛ ولكن يطيل منها، يُحسن تجربة الحياة، يطيل منها".
وأضاف أستاذ اللغة العربية: "(وبالتالي يعني يخلق حافزاً إيجابياً للفرد) قطعاً سيغير من الثقافة بشكل كلي، والعمل، ووضع الأهداف، والسعي نحو تحقيق هذه الأهداف، وينعكس بأثره الجميل على المجتمع وعلى الأمة إلى سنوات طويلة وإلى أجيال لاحقة بشكل كبير، سيختلف الموضوع، كما قُلت عندنا مشكلة كبيرة؛ نحن نؤمن بالموت أكثر من إيماننا بالحياة.. (دون أن نفهم لا سر الحياة ولا سر الموت) بالضبط، وطبعاً كله بسبب فهم مغلوط؛ يعني أنا لو سرت مع النص، النص لا يقول لي هذا أبداً بأي شكل من الأشكال".
استخدام القرآن مفردتَي "موتى" و"أموات"
وتابع د.يوسف أبو عواد رداً على "في القرآن يستخدم لفظتَين لوصف الموت أو موتى أو أموات، ما الفرق؟ يعني حتى هناك فيه أنبياء تمكنوا من إحياء الموتى أو أعطوا إمكانية إحياء الموتى؟ هل بمعنى إحياء الميتين مثلاً الذين انفصلت نفوسهم عن أجسادهم؟"، قائلاً: "نعم جميل؛ هو نحن قلنا إنه الميت أو الموتى في الأصل هي صفة تتعلق بالأجساد، يعني لذلك أنت ترى مثلاً المعارضين للقرآن في وقت النزول، كانوا يقولون (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)، طبعاً هذا أصلاً توقف حسي مع الموضوع؛ يعني هو توقف مع الجانب الحسي، قال إذا كنت عظاماً ورفاتاً كيف أُبعث خلقاً جديداً؟ فكلمة البعث كما قُلنا هي متعلقة بالجانب الجسدي؛ لكن بالنسبة إلى كلمة موتى وأموات، وانتشر في القرآن الكريم بشكل كبير، في الحقيقة إذا رجعنا إلى ما ذكره النحاة أو الصرفيون في علم الصرف، فكلمة (أموات) هي جمع قلة، هكذا يقولون، طبعاً جمع القلة وجمع الكثرة كان لي فيه نظرة أنا أثناء الدراسات العليا، أنه ليس دقيقاً يعني، فكثير من الجمل المستخدمة في القرآن على أوزان جمع القلة التي يذكرونها وهي: فعلة أفعال وأفعل وأفعلة، أربعة أوزان، في الحقيقة لا يدل على القلة، وكثير من الأحيان يستخدم جمع الكثرة، وهو لا يدل على الكثرة؛ لكن ما يمكن أن تنتبه إليه في استخدام القرآن مفردتَي موتى وأموات، أنه مشكلة إنه كلمة حي في اللسان العربي الجمع المفروض لها هو أحياء وليس هناك جمع آخر، يعنى حتى في القرآن الكريم لن تجد لكلمة حي جمعاً إلا كلمة أحياء، فكلمة أحياء إذا أردت أنت تصنفها وَفق قواعد النحاة سيقولون لك هي جمع قلة، طب ممتاز؛ كيف أعتبرها جمع قلة وهو لا يوجد لها جمع آخر، حتى تصبح بالمقارنة جمع كثرة؟".
مواضع استخدام كلمتَي "أموات" و"أحياء" في القرآن
وأضاف أبو عواد :"فالقرآن الكريم حينما استخدمَ كلمة (أموات) استخدمها بإزاء كلمة (أحياء)، قد وردت كلمة (أموات) في ستة مواضع في القرآن الكريم، كلها جاءت مع كلمة أحياء، يعنى (أَلَم نَجعَلِ ٱلأَرضَ كِفَاتًا أَحيَاء وَأَموَٰتا)، (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ)، (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ)، (أَموَٰتٌ غَيرُ أَحيَاء وَمَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ)، (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ).. إلا آية واحدة التي هي (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ)؛ فلكن ما نلاحظه من هذه الآيات التي مثلاً مثل قوله تعالي (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ)؛ أن كلمة أموات فيها إيحاء بالبعد الحسي أكثر من كلمة موتى، يعني أموات كأنها تشير إلى الجانب الجسدي، ليه؟ لأنه قال لهم أنتم حسبتموهم أموات؛ بمعنى وقفتم مع الجانب الحسي لما حصل لهم، لكن الجواب ماذا؟ (بل أحياء عند ربهم يرزقون)؛ ولذلك وردت هذه في سياقَين يتحدثان عن من قتل في سبيل الله، وقال (أَموَٰتٌ غَيرُ أَحيَاء وَمَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ) أيضاً هنا كان يتكلم عن آلهة المشركين، وهي تتحدث عن جانب حسي في الموضوع، فهو يعني كلمة أموات تركز على الاستخدام الحسي المحدود، أما كلمة موتى فأفقها أبعد من الاستخدام الحسي، هي قد تستخدم للجانب الحسي كما قُلنا ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى، بمعنى هنا الأجساد؛ ولكن لها استخدامات أكثر من مجرد الجانب الحسي، ولذلك مثلاً (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، لماذا هنا جاء بقضية وهو يحيي الموتى لها بعد أكثر من بعد أنه والله يحيي الأجساد الميتة؟ المقصود حتى يحيي الأنفس الميتة التي ابتعدت عن الله فصارت اتخذت من دونه أولياء..".
تَتَبُّع كلمة "موتى" مفهومياً في النص القرآني
واستكمل أستاذ اللغة العربية: "فكلمة (موتى) إذا تتبعناها في النص القرآني، نرى أنها مفهومياً يعني تصلح لأن نمد مفهومها، فيطلق على الموت بمعنى قطع الصلة مثلاً بالعلم، قطع الصلة بالمعرفة، قطع الصلة بوسائل أو وسائط المعرفة.. هذا كله مما يمكن أن نلمسه من إيحاءات كلمة الموتى، يعني مثلاً قال (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)، لاحظ (وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ)، الموتى، طب هنا يتكلم عن الاستجابة؛ أن الإنسان اللي عنده سمع حقيقي مش سمع عادي، ما كل الناس عندها سمع؛ لكن لما قال (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) معناها يفعلون السمع، طب لما قال (وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ)، هو بالأصل المعنى المقابل؛ أي أنهم موتى السمع، موتى وسائل المعرفة، أعطيت لهم وسائل المعرفة، فلم يفعلوها؛ فصاروا أشبه بموتى الأجساد".
إشكالية "إحياء الموتى" بين عيسى وإبراهيم
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "إذن؛ من هذا المنطلق يمكن مثلاً الإمكانية التي أوتيت للنبي عيسى، أنه يحيي الموتى، تدخل في هذا التوصيف أو هذا التصنيف؟"، قائلاً: "لأ؛ وجهة نظري أن إحياء عيسى، عليه السلام، للموتى لا تدخل ضمن هذا التصنيف، لماذا؟ لأنه في آية سورة المائدة قال (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي)، ونحن قُلنا إن عيسى، عليه السلام، أيد بروح القدس، فكان عنده من السُّنة الخاصة به ما يختلف عن السنة المعتادة والمعروفة في خلق الكون أو في الوجود الكوني، فلما هو وضح الموضوع يعني كان ممكن أن نقول إنه قد تحتوي الدلالة المعنوية؛ لكن لما قال (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي) ولفظ يخرج الموتى أو يبعث من في القبور، والألفاظ المشابهة كلها، تتعلق بالإحياء الحقيقي لجسد فعلاً انقطع صلة النفس به؛ لكن يعني ما يبدو أن يوجد؛ ولكن ما هو الآية تفسرها آية أخرى الآن بما أنه يحيي الموتى تحتمل دلالتَين، حسب ما نتتبع كلمة الموتى في النص، قد يكون إحياء الموتى الذين ماتوا موتاً نفسياً إدراكياً ومعرفياً، وقد يكون إحياء الموتى بمعنى إحياء الأجساد التي انفصلت عن أنفسها؛ لكن لما قال (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي) فهم من هذا أن كلمة الموتى هنا استخدمت باستخدامها الطبيعي الأصلي؛ يعني استخدامها الدلالي المباشر وليس المفهوم الأوسع، وحتى في الآية التي تتحدث عن إبراهيم، عليه السلام، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ).. أيضاً هنا الكلام عن إحياء حسي لا معنوي؛ لأنه قال (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا)؛ يعني، ثم هذا التقطيع معناها للطير المذكور".
"قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا"
وقال أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "طالما دخلنا في هذا، ما فيه دلالة لفظية تشير إلى أن هنا فيه تقطيع (فَصُرْهُنَّ)": "فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا" هو قال فخذ أربعة من الطير (من الطير هنا الأربعة، لا تعني الأربعة العد؟) ليه ما الذي سيحرفها عن معناها؟!.. على كل حال طبعاً الآية التي قبلها (أَو كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَريَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعدَ مَوتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَم لَبِثتَ قَالَ لَبِثتُ يَومًا أَو بَعضَ يَوم قَالَ بَل لَّبِثتَ مِاْئَةَ عَام فَٱنظُر إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَم يَتَسَنَّه وَٱنظُر إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجعَلَكَ ءَايَة لِّلنَّاسِ)؛ الآن الشاهد (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا)؛ معناها السياق هنا يشير له، إلى أن الله أطلعه على قضية بناء الجسد، الانبناء للجسد مرة أخرى؛ لأنه كانت هذه معضلة عند العقل الحسي، العقل الذي لم يصل إلى المرحلة التجريدية، توقف هو أصلاً عند الجانب الحسي، كيف جسد تفتت وأصبح عظاماً ورفاتاً، فأراه المراحل، الآن آية إبرهيم، عليه السلام، جاءت بعد هذه مباشرة؛ لكن كلمة (فَصُرْهُنَّ) فيها نوع من الدلالة، قد يكون فيه سر معين؛ إنما فكرة يعني أن القرآن الكريم يذكر أن الله أعطى شواهد لبعض البشر على الإحياء الحسي للجسد بعد أن مات؛ هذه فكرة موجودة يعني.. فالمقصود من آية (وَٱنظُر إِلَىٰ حِمَارِكَ) الإشارة إلى الجانب الحسي، وآية إبراهيم تشير إلى الجانب المعنوي.. بس عندنا مشكلة سابقة اللي هي قضية الطير، يعني ما الجانب المعنوي الذي يمكن أن نلتفت إليه..".
القرآن الكريم وشواهد فكرة إحياء الموتى
وأجاب أبو عواد عن سؤال "الطير؛ لماذا فهم الناس أن الطير على أساس أنه عصافير مثلاً؛ يعني عصفور، حمامة، بطة.. هنا استخدم الجنس، لفظ الجنس، هنا أيضاً الطير، هل يمكن فقط إقصارها على العصافير أو على الطيور؟"، قائلاً: "لأ؛ هو اسم جنس، الله أعلم، يعني اسم جنس لكل شيء يطير، هذا الطير.. فعلى كل حال بالأخير القرآن الكريم يشير إلى فكرة إحياء الموتى بشواهد أُعطيت لبعض البشر بقدرة، وأعطيت لعيسى، عليه السلام، ويشير إليها بأدلة أخرى؛ مثل إحياء الأرض بعد موتها، لكن هذا كله جانب حسي، وكلمة موتى كما قُلنا لها امتداد مفهومي، قد تشمل أيضاً اللي هو موت الوسائل المعرفية، موت الإدراك، تحول فقدان الإنسان لما ميز به من النفس التي تختار الخير أو الشر، ومن الروح التي ترقي به أيضاً، فعاد كأنه مجرد جسد، كأنه ميت يعني".
الموازنة بين الأموات والموتى
وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "طيب الموازنة بين الأموات والموتى، يعني ليه هذا الجمع؟ هذا جمع وهذا جمع، يعني بأي سياقات تم استخدام مفهوم النص، طالما احنا بنستخدم على نفس الجذر؟": "ما هو أنا قُلت لك كلمة أحياء، جاءت كلمة أموات بإزاء كلمة أحياء، الآن كلمة أحياء ليس هناك جمع آخر لها، فحتى لا يظن أنه والله أحياء مجرد عدد قليل جاء بما يقابله أموات، حتى يشير لك إلى أنه قدر، قدرة الله، سبحانه وتعالى، على الإحياء كقدرته على الإماتة تماماً ومساواة بمساواة، فيعني دفعاً لظن قد يتوهم يعني إنه عندي جمع واحد لكلمة (حي) أحياء، استخدم بما يقابله من أموات. الآن عندي جمع آخر لأموات، وظف الآن توظيفاً مفهومياً أوسع؛ فقد يدل على معنى الأموات المباشر، وقد يدل على ما هو أوسع من ذلك".
وتابع د.يوسف أبو عواد رداً على "أنت ذكرت أنه اللي توفى الإنسان، أن الملائكة تتوفى الإنسان": "أينعم، (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ)".
وأجاب أبو عواد عن سؤال "كيف يحدث أن الملائكة تتوفى الإنسان وَفق النص، يعني كيف؟"، قائلاً: "أينعم، هو في الحقيقة هنا لأنه الشاعر.. (لكن في آيات تقول ملك الموت مثلاً؟) ملك الموت آه أو إنه الله يتوفى الأنفس، ممكن يقول لك هذا تناقض؛ يعني كيف مرة بتقول لي الله يتوفى الأنفس؟ ومرة قل يتوفاكم ملك الموت؟ ومرة الملائكة يتوفون؟".
آية جامعة
وأضاف د.يوسف أبو عواد رداً على "يعني هل فيه توزيع مهام مثلاً، وظائف مخصصة لكل نوع موت أو لكل نفس أو لكل مستويات محددة من الناس في مَن يتوفاها؟": "جميل هذا السؤال؛ لكن أنا أي سؤال بهذا المستوى من الجمال أحبه، لأنه سيعود بنا فيبين متانة وتماسك النص القرآني واختلافه عن أي شيء آخر، لو أنا قلت لك أحياناً هناك آية أشعر بأنها آية أم، تجمع المعاني بعضها مع بعض، فتزيل أي التباس في سورة الأنعام، قال الله تبارك وتعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً)؛ الحفظة هذه أثناء الحياة ليه؟ لأنه قال (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ)؛ إذن هو أفهمك أنه لما قال الله يتوفى الأنفس، ليس المقصود التوفي المباشر، كما نرجع فنقول هناك سُنة ونحن شرحنا في حلقة سابقة أن الملائكة كيف ندرك وجود الملائكة؟ من خلال السنن الكونية والقوانين الكونية، فقال (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ)، وقال (قل يتوفاكم ملك الموت)، لأنه في الأخير لا بد أن يكون مجموعة، هناك مجموعة من الأسباب الموضوعية التي أدت إلى الموت؛ لكن هناك السبب الأعظم الذي يتجلى من خلال ملك الموت، الحسم النهائي لقضية الموت؛ فإذن هذا فيه إشارة إلى أنه قد تكون هناك مجموعة من الأسباب الموضوعية التي تنقل الإنسان إلى الموت، فعبَّر عن هذه الأسباب الموضوعية بالملائكة؛ لأن الملائكة هي حرس السُّنن الكونية في الحقيقة، (لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، ملك الموت هو نهاية الموضوع، والسبب خلاص يعني كما يُقال (القشة التي تقصم)".
وتابع أبو عواد، رداً على "يعني هو الذي يختم على الموت؟": "بالضبط، اللي هو السبب الرئيسي الآن لما يموت الإنسان يقول لك السبب الرئيسي بس فيه كانت هناك عوامل مساعدة مهدت وساعدت لموضوع الموت، فيظهر هذا طبعاً من خلال إذن آيات جمعت".
ملك الموت.. وجود سبب رئيسي في نهاية المطاف يؤدي إلى الموت
واستكمل أستاذ اللغة العربية رداً على "يعني هنا يفهم من كلمة (ملك) بمعنى الذي يملك ناصية الإقرار بالموت مثلاً؛ إنه وجود سبب رئيسي حقيقي هو اللي قاد رغم أنه كان هناك فيه مجموعة من العوامل الأخرى؟": "بالضبط، وهذا السبب، هو ماذا؟ هو سنة كونية؛ السنة الكونية هي التي عبر عنها في القرآن الكريم بحراستها من خلال الملائكة؛ لأنه هو ماذا قال لك عن الملائكة (لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)؛ إذن سنة متسقة لا تتخلف ولا تحابي، وجد السبب، وجدت النتيجة؛ فوجود مجموعة من الملائكة معناها وجود مجموعة من الأسباب الموضوعية والسنن الكونية، وجود ملك الموت معناها وجود سبب رئيسي في نهاية المطاف يؤدي إلى الموت؛ لكن هذا كله في الأصل يعني سُن، السنن وتقنين قوانين الكون ووضعها وحراستها والمحافظة على انتظامها، كله بيد الله؛ لذلك قال لك (وهو القاهر فوق عباده) ثم قال (ويرسل عليكم حفظة)؛ يعنى من شأن سُنته التي بناها لما بني الكون في بنائه الأول، أنه جعل هذا النظام إرسال حفظة، يعني الحفظة هذه، ما يحافظ، لاحظ الكلمة ما يحافظ على جسد الإنسان، يعني سالماً لتبقى هناك قابلية لاتصال النفس به، هذا قانون طبعاً؛ يعني أنت متى ما اكتشفته القانون هذا عبَّر عنه بالملائكة، الحفظة التي تحافظ على اتساق هذا القانون، وأنت متى ما اكتشفت هذا أنت ستساعد في بقاء جسدك فترة أطول قادراً لأن يتصل بالنفس؛ لكن إذا انتهت هذه المحفوظية ماذا بعد ذلك؟ حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا؛ لكنه انتقلنا الآن إلى السُّنة الأخرى والقانون الآخر، إنه أصبح هناك أسباب موضوعية في الجسد تجعله غير قابل للاتصال بالنفس، وهناك سبب رئيسي تجلى بالقرار النهائي، والقرار النهائي، كما قُلنا، ليس شيئاً يخرق، هو قدر مقدر وانتهى الموضوع، هو قالب من السُّنن المتناسقة التي تعمل كلها معاً، فيحدث الموت، فإذن الآيات متناسقة وقد جمعتها هذه الآية، ذكرت الله وذكرت الرسل الذين يرسلهم الله، وذكرت بالتالي عملية التوفي".
الاهتمام بالجانب الجسدي.. كريستيانو رونالدو مثالاً
وناقش أبو عواد موضوع (ربط الحياة بقدرة الجسد على التواصل مع النفس، وأن هذا مدعاة للناس بشكل عام؛ أن يتخذ الإنسان الحفاظ على الجسد يعني طريقة حياة؛ لكي يحفظ النفس فاعلة فيه يجب أن يحافظ على الجسد، والحفاظ على الجسد يعني حقاً واسعاً من الأنشطة البشرية؛ لتمكن الإنسان حتى يضمن أن نفسه فاعلة في جسده، يعني شايف أن هذا قد يحدث تغييراً هائلاً في نظرة الناس للحياة أو في نظرة الناس لأجسادها أو لأجسامها أو لنفوسها؟)، قائلاً: "جميل بالجانبين معاً، نعم هو في الحقيقة الاهتمام بالجانب الجسدي.. كثير من الناس ممكن يقرنه بأنه يقول لك هذا الإنسان أصبح بتاع دنيا، في العبارات الشائعة يعني"، معلقاً على "لأنه بيقول لك أنا ميت ميت، وبالتالي لا يعني أنا اهتميت أو ما اهتميتش؟": "مئة بالمئة؛ فعدم الاهتمام بالجانب الرياضي مثلاً، الاهتمام بكل ما يغذي الجسد، متابعة الدراسات أولاً بأول، في هذا يضر الجسد، هذا لا يضر الجسد، أنواع الأطعمة، أنواع الدعايات، حتى لو وصلت إلى الجانب الإعلامي، المجتمع حين يصبح عنده الاهتمام بهذا الجانب ويهتم به، سيصبح أفضل، لأن مثلاً يستهلك عقله إعلامياً بدعوات هي في الحقيقة تحث على ما يضره؛ يعنى أنت تجد لاعبَ كرة عادي يعني مثلاً مثل كريستيانو رونالدو، يبحث الناس من خلال تجربة شخصية في الرياضة، أنه وضعت أمامه مشروبات غازية، لأ، اشرب ماء، يعني مع أنه كان ممكن يكسب ملايين من الدعاية للمشروبات الغازية، بس هو عنده مبدأ؛ لأنه لمس السُّنة الكونية، ما أثر اهتمامه بالجسد؟ انعكس على حياته بشكل كبير جداً، هو قال لك أنا منضبط تماماً في الاهتمام.. هذا مثال مهم جداً في لأنه أنت متى ما اهتديت إلى السنن الموجودة، والتي عبر القرآن عنها بكلمة حفظ، (ويرسل عليكم حفظة)؛ الآن أنت بسلوكك أيها الإنسان المخالف، وهذا هو إحداث الإنسان للقضاء في قدر الله، يعنى أنت المشكلة أنك أعطيت هذه القدرة أن تعاكس السُّنة، بس بالأخير يعود الأثر السلبي على نفسك، هذا هو أيضاً القتل، ليه القرآن الكريم يشن يعني حملة شديدة وعقاباً صارماً على القاتل؟".
وَمَن يَقْتُلْ "مُؤْمِنًا" مُّتَعَمِّدًا
وأضاف أستاذ اللغة العربية: "(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا)، (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وكلمة (مؤمن) هنا واسعة جداً؛ يعني كل من دخل معك في الأمن، عقد الأمن والأمان، فكل هذه العقوبات؛ لأن هناك قانوناً قدرياً كان يسير بطريقة صحيحة وسليمة، جئت بسبب الإرادة التي أعطيت لك فخرقت هذا القانون، طبعاً هذا أعطى لك في نهاية المطاف؛ لكن أنت الذي قررت فاستحققت العقوبة على هذا القرار، وقد تقتل نفسك أيضاً بإهمالك جسدك وإهمالك طريقة المحافظة على الجسد أو النفس، النفس لما لا ترعى الجانب النفسي منك، وتسعى قدر المستطاع إلى تنقية نفسك وتغذية الجانب الروحي فيها، أنت تسهم أيضاً في قتل نفسك؛ يعني لما الناس يقرؤون إيش؟ (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، خلاص يذهب عقله إلى أن ما معنى تقتل نفسك تحط..".
وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
وتابع د.يوسف أبو عواد، رداً على "(وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).. تشنق حالك أو تطلق رصاصة في نفسك": "بالضبط؛ كل ما يؤدي بك إلى أن تصبح في حكم الميت أو يسرع مثلاً في فساد جسدك أو نفسك، وبالتالي يسرع في موتك، فبالتالي أنت أسهمت بقدر معين".
إشكالية فهم السُّنن.. لماذا لا يخسف الله بالصهاينة؟ لماذا لا ينزل صاعقة؟
وأجاب أبو عواد عن سؤال "كيف العلاقة القائمة بين النفس والجسد، سوء فهم هذه العلاقة أدى إلى هذه العبثية في النظرة للحياة؟"، قائلاً: "هذه النظرة السيئة التي تجعل الناس يظنون أن هناك يعني وهذا طبعاً يعني حقيقة في عدم فهم الله أصلاً وما قدر الله حق قدره، يظن أن الله في أية لحظة يتدخل فيفعل شيئاً في الحياة، يتدخل فيميت، يتدخل مثلاً فيفني الأعداء.. هكذا، وهذا طبعاً له مجال للناس يتساءلون مثلاً لماذا لا يخسف الله بالصهاينة لماذا لا ينزل صاعقة لماذا لا كذا.. هو فيه نظام، هو فيه سنن القرآن، لم يقل لك هذا سيكون أصلاً، نفى القرآن هذا الأمر نفياً قاطعاً، فقال (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ) لاحظ (بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى)، إذن سيترك نظام الكون وسننه التي وضعت منذ اللحظة الأولى إلى أن ينتهي عمر السماوات والأرض، فتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، الفهم هذا أن كل شيء هو سنن يا جماعة، كل شيء هو سنن، يجعل أهم ما يسعى الإنسان إلى فعله أن اكتشف السنن، إذا اكتشفت السنن فسرت مع نظامها، فسأصل إلى النتائج قطعاً".
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ.. أهمية العلوم الطبيعية
وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي، رداً على "وهذا يعطيك اتساعاً على ساحة الحرية المعطاة للفرد وساحة الاختيار للفرد، أنه أنت مسؤول كلياً عن أي نشاط تقوم فيه في حياتك، سواء تجاه نفسك أو تجاه جسدك أو تجاه البيئة التي تعيش فيها": "صحيح قطعاً، وهذا يعيد إبراز أهمية العلوم الطبيعية إلى القمة؛ يعني في الحقيقة لأنه القرآن على فكرة إرشاده إلى الاهتمام (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)؛ إرشاده إلى الاهتمام بالعلوم الطبيعية وفي أنفسكم، أفلا تبصرون.. وإلى آخره، هو إرشاد بالغ الأهمية ووكل فيه الإنسان أن يبحث ويجتهد ويصل إلى السنن؛ حتى بالتالي يرتقي بحياته، يعني هذا الذي في الحقيقة يطور حياة الناس ويجعلها متساوقةً تماماً مع السنن الكونية، ويجعل الإنسان يحصل على أكبر قدر من الخير الذي وضعه الله فيها في الأرض يوم أن خلقها، وأنزل الإنسان إليها، ويقترب به شيئاً فشيئاً من العودة إلى الجنة التي ذكرت والتي كان فيها آدم، عليه السلام، في المرحلة الأولى من مراحل حياة البشر".
وتابع أبو عواد رداً على "هذه الفكرة فكرة فهم لغز الحياة فكرة مركزية في توجيه أو في رفع مستوى حياة الإنسان؛ يعني إذا الإنسان فهم هذه العلاقة بالتأكيد ستشكل له دافعاً قوياً لأن يهتم في كيفية الاهتمام بالذات، بنفسه وجسده والبيئة المحيطة بالناس التي حوله": "نعم صحيح، هذا له أثر كبير جداً في حياة الناس".
الشكل العام الذي سيُبعث عليه الإنسان
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "ما المقصود البعث والموت؟ متى يبعث الناس؟ وهل يبعث الناس فعلاً أجساداً مثلاً؟ وهل يُبعث الإنسان كما توفي وكما ولد بآخر مرحلة من مراحله؟ ما الشكل العام الذي سيُبعث عليه الإنسان؟"، قائلاً: "نعم، في الحقيقة أنا يعني أقول لك شيئاً فيه جانب من الصراحة الذاتية، أنا في سن يعني صغيرة لما قرأت قوله تعالى وكنت أحفظ أثنائها في القرآن الكريم، (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) تأملت في هذه الآية، تفكرت؛ يعني الخاطر الذي جاء في بالي وأنا في سن صغيرة، يعنى معلش أحترم الموضوع إنه قلت لنفسي لأ خلق الإنسان أكبر من خلق السماوات والأرض أو خلق الناس أكبر من خلق السموات والأرض؛ لأنه الناس فيهم فكرة اللي هي فكرة الوعي، هذه فكرة الوعي من ناحية مستوى الخلق، مش الكمية والحجم والكثرة، لأ.. من ناحية مستوى الخلق، هي فكرة أرقى بكثير من الخلق المادي، فكنت لا أفهم لماذا تقول الآية (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)، فهمت الموضوع متى؟ لما تتبعت بعد ذلك، والموضوع أخذ وقتاً طويلاً، أن الأدلة التي تذكر أصلاً على إحياء الموتى في القرآن الكريم، هي تتحدث عن الجانب المادي فقط.. طب ليه؟ يعني مثلاً (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ)، وبعدين قال لهم (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ)، جاء إلى نشأة الإنسان الأولى، طيب وبعدين إيش؟ (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً) أو خاشعة في آية أخرى، (فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)، يعني يستخدم القرآن الكريم دلالة إحياء الأرض، وهي إحياء مادي ليس فيه جانب معنوي وليس فيه جانب الوعي الذي هو موجود في الإنسان أو الناس، ليدل على فكرة الحياة بعد الموت، وهنا قال (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)، في الحقيقة لما جمعت كل الآيات المتعلقة بهذا فهمت أن اعتراض المشركين أو المعارضين للنصوص القرآنية وحتى الكتب السماوية السابقة على فكرة الإحياء بعد الموت، كان للأسف ناتجاً عن محدودية العقل البشري؛ لدرجة أن المشكلة عنده في الجانب الحسي، بيقول لك كيف يُعاد إنشاء الجسم بعد أن فني، فالقرآن الكريم أراد أن يثبت لهم إعادة بعث الأجساد بأمثلة مشابهة، جاء لهم بمثال الأرض وإحيائها بعد موتها، أتى لهم بالخلق الأول، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه، وقال لهم لخلق السماوات إذا أنتم متعلقون بالجانب المادي، إذن لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، طيب جانب الوعي أو المعنوي لاحظت أنه جانب الوعي أصلاً لا يموت؛ هو ينفصل، أوجده الله، سبحانه وتعالى، هو ينفصل عن الجسد ثم يعود ليقترن به مرة أخرى، والجانب المعنوي الأعلى، وهو الأمر، الروحية موجودة أصلاً متى ما وجدت أسبابها الموضوعية، فالآيات التي تتحدث عن الأدلة المادية على الإحياء بعد الموت، كلها تتعلق بالجانب الجسدي فقط، وكلها تخاطب الإنسان بالمستوى الحسي، ثم تطلب منه أن يكون فكره.. بعد ذلك أرقى من كل هذا وأن يتعالى فيصل إلى الجانب الأعلى؛ وهو الجانب المعنوي والإدراك والمعرفي من وجوده، متى ما وصل إليه أصلاً لن تكون عنده مشكلة في إعادة إحيائها".
النفس والروح والجسد.. على أية صورة يُبعث الإنسان؟
وأضاف أستاذ اللغة العربية رداً على "هل يفهم من البعث هو البعث على الصيغة الأخيرة التي كان عليها الجسد أو الجسم؟ هل يبعث الإنسان بنفس الالتزام ما بين النفس والروح والجسد، أم تبعث النفس بشكل مختلف مثلاً؟": "النفس موجودة؛ ولن يكون البعث للنفس إلا إذا أُعيد اتصالها بالجسد، ولن يعود ذلك حتى يعاد بناء الجسد، بس الجسد مثل السيارة مثل المركب؛ يعنى لو العلم الآن يقول لك أصلاً الجسد يتغير بين فترة أشهر لا تبقى خلية كما هي، كل الخلايا تتغير، إذن الإنسان كيف يعرف ذاته، يعنى كيف تعرف لأنه هناك نحن عندنا مثلاً في بعض الأفكار البديلة في الحقيقة التي بحث عنها البشر؛ ولكن أنا أرى أنها غير مجدية أبداً، يعني فكرة تناسخ الأرواح مثلاً أو فكرة قانون الكارما التي نجدها في بعض الحضارات وفي البوذية، المشكلة أنا ناقشت كثيراً من يتبنون هذه الفكرة، وأقول لهم ما أنت الآن يعني تريد أن تصل بالبشر إلى أنه سيحاسب وكذا، حتى تجعل له رادعاً ويرتدع عن الخطأ؛ لكن ما فائدة فكرة الكارما أو فكرة تناسخ الأرواح كلها إذا كنت تقول أنا سيعاد بعثي في جسد آخر يخلق من جديد، وستكون الظروف التي يعيش فيها الجسد أو الشخص الجديد نتيجة عن التصرفات التي سبقت للشخص القديم، بس أقول لك ببساطة لو كانت الفكرة صحيحة، أنا الشخص الآن الانتقالي، هذا الثاني والثالث، الجسد الثاني والثالث والرابع والخامس.. وإلى آخره، ما فائدة ما تقول أنت عنه من قانون الكارما إذا لم أكن أحس بأن هذا ثواب أو عقاب على شيء فعلته؛ لأنه أنا انقطعت صلتي بشخصيتي الأولى، فلم أعد أعرف حتى في فلسفتهم أن ذلك الشخص الذي يعاقب الآن أو يثاب الآن؛ لكن لاحظ فلسفة القرآن العليا تقول لك النفس محفوظة هي عند الله الجسد، يعاد بناؤه، ما فيه مشكلة لما يُعاد اتصال النفس بالجسد، يتعرف صاحب النفس أنه هذا أنا هذا أنا الذي فعلت يوم كذا وكذا ويوم كذا كذا، فحين يحصل الثواب والعقاب يكون هو يعرف السبب الموضوعي لحصول الثواب أو العقاب، بعد ذلك هذا العدل وهذه الفائدة في الحقيقة، الحقيقة في التنقية وتطهير النفوس وتزكيتها. إذن الجسد يخلق من جديد خلقاً آخر؛ لكن هذا الخلق الآخر ليس هو أنت، هو القرآن يريد لك أن تعي أنه أنت في الحقيقة ليست جسدك أنت بمعناك الأسمى، نفسك هي التي تشكل مكوناتك، هي التي تشعرك إذا وقفت أمام المرآة فنظرت إلى نفسك، طب أنت قف بعد ثلاث أو أربع سنوات سترى شخصاً آخر؛ لكن أنت تعرف أنك أنت".
هل يقرر الإنسان كيف أو متى يموت؟
وتابع أبو عواد رداً على "أريد أن أركز على فكرة اللي هي تلازم النفس مع الجسد، وأن الإنسان نفسه مسؤول عن تربية نفسه ومسؤول عن تريبة جسده والحفاظ على استمرارية الحياة، وهو يقرر متى يموت، فهل يمكن الاستنتاج أنه يقرر كيف يموت ولَّا متى يموت؟"، قائلاً: "إلى حد ما يمكن أن يستخدم السُّنة الكونية التي تساعد على الحفاظ على الجسد والنفس إلى أقصى حد ممكن، بس الموت حكم نهائي موجود؛ لا بد أن يموت هو في نهاية المطاف..)، معلقاً على "لأ، القصد من الموضوع أنه طالما الإنسان عنده هذه المسؤولية الكبيرة تجاه ذاته وأن أي إهمال يمارس في الحياة هو نتيجة إهمال تجاه النفس"، قائلاً: "أنا من وجهة نظري أنه سيُحاسب عليه، هو يدخل جزء بحسب الإهمال".
ستُحاسب.. كلما أهملت جسدك أو نفسك أسهمت في قتلها
واختتم د.يوسف أبو عواد، رداً على "ضمن الظالمين الذين يظلمون أنفسهم؟"، قائلاً: "نعم؛ هو مفهوم منسوبي بمعنى (ولا تقتلوا أنفسكم)، مفهوم منسوبي كلما أهملت جسدك أو نفسك؛ أسهمت في قتلها، بقدر هذا الإهمال أنت تُحاسب على هذا.. (وأنه في حالة توافر هذا الوعي الذي هو هذه التلازمية ما بين الجسد والنفس، أكيد سيغير الكثير من المفاهيم في حياة الناس والبشر، وسيؤثر على البيئة التي يعيشون فيها ونظرتهم للحياة الأخرى والحيوانات والبيئة والأرض حتى بشكل عام).. في كل شيء، نعم".