ناقشَ الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مفاهيم"، مفاهيم نشأة الكون، عبر البحث في المفردات والألفاظ القرآنية التي تتعلق بنشاط الكون وَفق آلية اللسان العربي المبين، وهل ممكن أن نخرج بنتيجة مخالفة لما فُهم بين الناس عن نشأة الكون التي غالبيتها أُخذت من الأسفار اليهودية، نقلًا عن ثقافات أُمم قديمة؟ وما المقصود بنشأة الكون أو نظرية الخلق في القرآن الكريم؟
نشأة الكون.. بين القرآن الكريم وقصة الخلق السومرية والأسفار اليهودية
وقال د.يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "في الحقيقة أبدأ من نقطة في غاية الأهمية؛ أن الناس لما نتحدث عن نشأة الكون في القرآن الكريم يقولون لك هناك تشابه بين ما تذكرونه في القرآن الكريم وما هو مذكور حتى في قصة الخلق السومرية أو في الأسفار اليهودية أو غيرها، ويقولون إن هذا التشابه يعني مدعاة لأن يرفض الكل، وفي الحقيقة القرآن الكريم نبَّه حين نتعامل مع قضية السماوات والأرض هو طبعاً مسمى الكون يعني ككلمة نحن لا نجده بهذه الطريقة في القرآن الكريم؛ هو مصطلح اشتق يعني في ما لحق بعد ذلك من أجيال، اشتق من الفعل (كان) يعني بمعناه التام؛ لأنه الفعل (كان) له معنى تام غير الفعل الذي بمعنى مثلاً الماضي، الذي يسمي فعلاً ناقصاً في العربية، له معنى كان، وكان الشيء يعني تكون فاشتق مصطلح الكون؛ لكنه في القرآن يُسمى السماوات والأرض، فالله سبحانه وتعالى يقول (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ)، وهذا معناه أننا ينبغي أن نتقيَّد؛ خصوصاً في هذا الموضوع، بالألفاظ القرآنية تقيداً بالغاً المشكلة التي ظهرت، والإسقاطات التي حصلت على قصة الخلق الأصلية التي أوحى الله بها إلى أنبيائه يعني منذ نوح، عليه السلام، وما بعده؛ أنه لم يتم التقيد بالألفاظ التي أنزلها الله، صار هناك تخيلات بشرية وإسقاطات ووصف ما النص الذي أنزله الله، حاد الناس عنه أصلاً، فصار عندنا تشكلات غريبة نجدها مثلاً في سفر التكوين أو غيره، أنه والله كانت السماوات والأرض مثل الجلد، بعد ذلك فصلت؛ لأنه نحن الآية الأم التي يمكن أن نبدأ بها الحديث هي قوله تعالي (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)، يقول لك هذا مشابه تماماً لفكرة الجلد الذي انفصل بعد ذلك فصار نصف منه يشكل السماء، ونصف منه يشكل الأرض".
دقة الألفاظ القرآنية والاستعانة بآلية اللسان العربي المبين
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "هذا في الحقيقة لما تتأمل دقة الألفاظ القرآنية وتستعين بآلية اللسان العربي المبين التي أرشد القرآن إليها، تعرف أنه إسقاط بشري، هو فهم بشري حول كأنه هو النص المقدس، لماذا" لأنه (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) لاحظ أصلاً بداية الآية، تصدير أية آية في القرآن الكريم بعبارة (أَوَلَمْ يَرَ) هي لا تحث على الرؤية البصرية فقط، هذا يمكن آخر مرحلة تكون في موضوع (أَوَلَمْ يَرَ)؛ هي حث على العقل، وحث على التفكر، وحث على استخدام كل الوسائل التي يمكن أن تساعد على الرؤية؛ لأنه مثلاً قال (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)، وهذا أمر لم يرَ في وقت التنزيل قطعاً هو يحث على التفكر في حادثة كانت موجودة.
هنا يقول (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا)، وطبعاً قوله (الذين كفروا) في هذا السياق معناه من فهم الحقيقة التي سنشرحها الآن من خلال ألفاظ هذه الآية، ثم بعد ذلك تنكر لخالق السماوات والأرض، ولعلاقة هذا النص به لا يمكن إلا أن يكون تنكر بعد وضوح الحقيقة؛ لأن الكفر يحصل بعد تجلي الحقيقة، فلذلك قال (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا) نحن كما هو الأسلوب المعتاد نرجع إلى الأصل الثنائي للكلمة الذي هو (الرت) هنا يعني أزلنا حرف القاف من الكلمة، سنتحدث عن (الرت)؛ (الرت) نجد أنه العجلة في الكلام؛ بحيث تتداخل المفردات والحروف ويدخل بعضها في بعض، هذا هو الأصل الثنائي لكلمة (الرت)، ثم بعد ذلك تولد عندنا يعني كلمات كثيرة ثلاثية؛ مثلاً (الرتب) ترتيب الأشياء بعضها فوق بعض، بحيث تأخذ أقل حيز ممكن، هذا معروف عند جميع الناس، ولا يزال ماثلاً ومستخدماً في جميع اللهجات العربية حتى اليوم، وهناك كلمة (الرتج)؛ (الرتج) معناه الإغلاق، يعني أن تطبق شيئَين على بعضهما، وهناك كلمة (ريتاج)، (ريتاج) الذي هو بالباب العظيم، هذا معروف".
كَانَتَا رَتْقًا.. اللفظة القرآنية والإعجاز البياني للنص القرآني
وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "ومن العجيب أيضاً كلمة (الرتخ)؛ (الرتخ) يقولون هو من القراد، نوع من الحشرات يشق الجلد، فيحدث فيه ندبة، ثم يلتصق بهذه الندبة فيصبح هو والجلد كأنهما شيء واحد. هذا (الرتخ) و(الرتع) معروف رتعة الدابة تلازم المكان كأنها جزء منه؛ بحيث يُقال هذا مرتعها، فلو فصلت عنه فربما يصيبها السقم ولا تتواءم مع بيئة جديدة، فتموت؛ فأصبحت كأنها جزء من المكان الذي تعيش فيه، ويقولون أيضاً (الرتق) هو مقاربة الخطي مع اهتزازها.. لاحظ، يعني هنا فيه خطي؛ ولكن تداخلت الخطي بعضها في بعض، واهتزت فأصبحت كأنها شيء واحد، ورت أيضاً معروف ترتيل الكلمات؛ معناها تصفّ بعضها بجانب بعض، ومنه أصلاً تُسمى الأسنان المرتلة، يعني المنضبطة المنظمة، ومنه رتل الدبابات، اليوم مثلاً نقول الذي يكون هو في الأصل مكون من وحدات كثيرة؛ لكنها تسير كأنها وحدة واحدة متصلة، كأنها تسير بأمر واحد ونظام واحد، والرتل خلط الشحم بالعجين فكأنهما شيء واحد، يتجانسان؛ ولكنهما في الأصل لاحظ الآن سنصل إلى خلاصة مهمة جداً كأنهما شيء واحد، ورته هو شد الشيء بالشيء بشكل عام. طيب الآن إذن نستنتج أن الرت تداخل الكلام، أن الرتق (كَانَتَا رَتْقًا)؛ يعنى ليس معناه كتلة واحدة، بمعنى منسجمة متحدة، إنما تكتنز في داخلها أشياء كثيرة؛ ولكنها متكتلة مع بعضها، بحيث لا يتميز أو لا تتميز هذه الأشياء المكتنزة في داخلها بعضها عن بعض، الآن لو جئت إلى أحدث النظريات طبعاً نحن لا نسقط ولا نقول نحن نتكلم عن إعجاز علمي ولا يقول لنا أحد اكتشفوا شيئاً قبل أن يحصل، ما نفعله نحن أننا نثبت أن اللفظة القرآنية كانت صالحة لفهم ذلك العربي القديم وما زالت تتوافق مع كل ما اكتشفه العلم؛ هذا هو الإعجاز البياني للنص القرآني، فالآن لما يقول لك هذه السنجليرتي التي هي الذرة الصغيرة جداً التي حصل منها البيربانج أو ما يُسمى الانفجار؛ يعني ترجم إلى العربية على أنه الانفجار العظيم، هو في الحقيقة ليس انفجاراً؛ لأن الانفجار معناه فيه نوع من الفوضوية والعشوائية؛ هو تمدد، هو وجود شيء كان يكتنز نظاماً من لحظة صغره الأولى، كما قُلنا، فـ(الرت) الذي هو تداخل الكلمات وغيره، و(الرتب) و(الرتل).. إلى آخره، هو صحيح في داخله مكونات تكتلت فشكلت شيئاً أصغر؛ لكنها من الأصل منظمة ومبرمجة، يعني داخلها برنامج..".
تخيلات بشرية بسبب انحرافات عن الكلمة الأصلية
واستكمل د.يوسف أبو عواد: "طيب علم الفيزياء الآن الحديث يقول لك من اللحظة الأولى لهذا الانفجار أو التمدد العظيم الذي حصل للكون، هناك ما يزيد على ثلاثين ثابتاً كونياً لو اختلت بنسب بسيطة جداً لما كان يمكن أن يتشكل الكون بصورته الموجودة حالياً، فلاحظ مدى تطابق وصف الكلمة لحال السماوات والأرض، (كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) مع طبعاً الفهم البسيط ومع أيضاً الفهم الحديث له، ولاحظ الآن أيضاً ستفهم أنه الذي قال إنه كانتا مثل الجلد وفصل.. إلى آخره، أو قصة الخلق السومرية وإدخال آلهة أخرى في الموضوع، وكذا.. هو كله تخيلات بشرية كانت ناتجة عن انحرافات الناس عن الكلمة الأصلية؛ ولذلك يقول القرآن الكريم (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)؛ هو جاء ليحسم أصلاً هذه الاختلافات حول هذه النظريات وغيرها التي نتجت عن إدخال العنصر البشري، ولذلك نحن نحث دائماً على التمسك بالنص، السر في القرآن هو النص؛ فكيف يهمل النص بتحليله العربي المبين، ثم يحاد إلى غيره، هذا الذي يولد الانحرافات، ويجعل شرح بعض يعني أو كثير من الروايات الموجودة في كتب التفسير، لما تقرأ الشرح هو في الحقيقة يسقط ما وجده في الكتب السابقة، وكأن الله لم ينبهه إلى أنه أنا ما أعدت تنزيل النص بهذه الطريقة إلا حتى أنفي هذه الانحرافات التي حصلت عند البشر".
هل أنبأ رب العالمين الثقافات والشعوب والأمم بمبدأ الخلق؟
وأجاب أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، عن سؤال "على ذكر الإسقاطات الموجودة في الثقافات والأمم القديمة؛ هل يمكن الافتراض أن رب العالمين بطريقة ما أنبأ هذه الثقافات وهذه الشعوب وهذه الأمم بمبدأ الخلق؟ يعني هل كانت تعرف بنفس الطريقة التي أنبأ الناس فيها من خلال القرآن؟"، قائلاً: "هو بما أن الله سبحانه يخبر في غير موضع من القرآن الكريم أنه لم يخلق الإنسان سدًى ولم يتركه هملاً؛ معناه هو كان دائماً ما يحوطه إما بالفترة السليمة الأولى وإما بالأنبياء الذين يصححون ما انحرف فيه البشر عن المسار الأول، عن الفطرة الأولى، وعن الصواب، إذن هو قطعاً من بداية الخلق ما نجده أصلاً من الآثار الصحيحة التي تنطبق على الكون أو الاكتشافات العلمية الحديثة في ديانات سابقة أو حتى في حضارات سابقة، هو ينبئنا بأن النبوات كانت مصدراً لهذه، لأن بعض الناس يقول لك هذا تطور أديان؛ معناها هذا يدل على أنه هذا أخذ من هذا.. وكذا، وهو اختراع بشري، لأ هو مَن قال لك إنه أصلاً نحن نقول إن الأديان ظهرت فجأة، هو الدين واحد أصلاً، هو دين الله واحد، وكان موجوداً منذ.. وكان الناس لا يزالون ينحرفون عنه، فيأتي الأنبياء فيصححون ما انحرف الناس فيه عن فطرة الله الأولى، وعن كتابه الأول الذي أنزله إلى الناس، فالبقايا التي نجدها فيها بعض الصواب وفيها كثير من الخطأ، نتجت عن إدخال كلام البشر وتحليلات البشر وخلطها بالنص الأصلي؛ حتى يصبح المجموع كأنه رباني وكأنه إلهي، فجاء القرآن بفكرة حفظ النص، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، كما قُلنا (الذِّكر) لاحظ يعني النص يذكر فيحفظ كما هو، فاهتم المسلمون بحفظ اللفظ وإتقان ضبط الرسم، حتى رسم القرآن كما هو، وهنا تمثلت أصلاً معجزة الإسلام في الأخير وقطع الخلاف، لكن الخلاف الذي ظهر بعد ذلك والذي نجده في كثير من كتب التفسير، السبب البسيط له عدم الالتزام بالنص وعدم تحليله تحليلاً عربياً لسانياً كما هو".
إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ.. لماذا التخصيص؟
وأضاف د.يوسف أبو عواد رداً على "الآية اللي ذكرتها (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)؛ لماذا التخصيص على مجموعة بشرية محددة ما دون غيرها؟ وأنه هذا القرآن جاء يصحح ما كانوا يختلفون فيه، حول مثلاً قصة الخلق، حول فهم الله، حول معاني العبادات، حول معاني الإيمان بشكل عام؟ لماذا هذا التخصيص؟ هل هم كانوا أكثر الناس قبولاً لهذا الوعي ولَّا أكثر الناس انحرافاً عن هذا الوعي؟": "السبب الأكبر الذي يشير إليه القرآن هو أنهم كانوا ينسبون ما يحللونه ويفهمونه إلى الله، فيكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون هذا من عند الله.. هذه هي المشكلة؛ يعني أعطوا القدسية لتحليلاتهم وكأنها من الله، وأصلاً هنا ولدت فكرة تقديس البشر؛ يعني التي جعلت بعد ذلك آلهة أخرى أصلها في الأخير الإله بشري، لأنه ما دام تخترع إله وهناك بشر يتصل بهذا الإله، إذن أنت تخضع لبشر آخر، فبنو إسرائيل كانوا ينسبون ما يحرفونه إلى الله، هذه المشكلة، ونحن لا نجد مثلاً في قصة خلق السومرية أن هذا منسوب لخالق السماوات والأرض، نجده نصاً موجوداً.. إلى آخره، لكن في الأسفار اليهودية نحن نجد كل شيء منسوب إلى الله إلى رب العالمين، فهذه الإشكالية الكبيرة التي جعلت القرآن يخصص بني إسرائيل بهذا الكلام، أنت قل ما تشاء ولا تنسبه إلى الله، ليست هناك مشكلة، هذه أفكار بشرية يتصارع بعضها مع بعض، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)، بحسب السنن الطبيعية؛ لكن إذا نسبت ما تقوله لرب العالمين، فهذا إشكال كبير جداً ينبغي أن يتم تصويبه من الله سبحانه وتعالى بنفسه؛ ولذلك تولَّى الله تصحيحَ هذا الأمر بنفسه، وأنزل القرآن وحفظ النص، وإن كانت الشروحات الناس تفرقوا فيها شذرَ مذر؛ لكن النص بقي محفوظاً لكل مَن يريد الوصول إلى الحقيقة".
القرآن يحث على الفكر والتعقل
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "رغم أن الله حفظ النص والذكر والألفاظ، لماذا الناس ما زالوا يتبنون أفكاراً أخرى وإسقاطها على النص بعد مرور 1400 سنة على نزول القرآن؟"، قائلاً: "المشكلة معظم الناس يمشون على ما يمشي عليه الملأ منهم؛ سواء في المستوى الثقافي أو غيره. نحن الآن نتكلم عن المستوى الثقافي الذي تبنى نشر فكرة قصة الخلق أو غيرها، تبنى فكرة أن يأتي بما جاء به بنو إسرائيل من كعب الأحبار، وما جاء بعد ذلك مما كان يعني يتسامر به، ربما هو كان أصلاً مجرد سمر؛ لكن أعطى القدسية بعد ذلك بشكل غريب، وترك النص، النص الأصلي المسؤول عن تفكيك النص، يعطيك حدوداً صارمةً، والصرامة هذه تقييد، ومعظم الناس لا يحب التقييد؛ عندما لا يجد شيئاً جاهزاً وفهماً مبسوطاً يذهب إلى هذا الفهم المبسوط والجاهز ويترك النص، إنما هذا في الحقيقة هو تكريس لقوله تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، يعني أين؟ (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) أنا أقول لك تمسك بالنص، هذا هو النص، لم أشهدك خلق السماوات والأرض، لا تذهب فتأخذ ممن لم يشهد خلق السماوات والأرض فتترك هذا، ثم تملأ كتب التفسير بروايات عجيبة غريبة، هل أنت التزمت بنص الآيات الواضح والصريح؟ لأ؛ ذهبت إلى منطقة الراحة كما يُقال، أنت أعطيتني قصة جاهزة، خلاص هذه منطقة الراحة إنما القرآن يحث على الفكر، يحث على التعقل، وهذا أمر فيه جهد، وفي النهاية فيه ثمرة كبيرة، الناس دائماً الأمر الذي فيه جهد يتركونه إلى ما فيه راحة، حتى إن كانت ثمرته أصغر، وهذه ليست طريقة القرآن، ولا ما أراده القرآن، القرآن دائماً يذم أنه إنا وجدنا آباءنا على أمة، لاحظ، ويحثك حتى لو تلقيت من آبائك شيئاً، ليس معنى ذلك أنه كل ما تتلقي من آباء خطأ، ولكن فكَّر، تلقَّاه بعقل، ممكن تغير الزمن، أصبح غير مناسب، لماذا تأخذه وتجره إلى زمن آخر".
معنى "فَفَتَقْنَاهُمَا"
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل الموضوع كسل ذهني عند الناس أم كسل ذهني إضافة إلى غياب آلية فهم للنص؟"، قائلاً: "هو كسل ذهني عند عامة الناس وغياب الآلية عند الملأ من المثقفين لأسباب قد تكون سياسية، ولأسباب قد تكون يعني ممكن تجارية.. إلى غير ذلك من الأمور، لأسباب قد تكون لإراحة باله، بس نقل وخلاص، هو النقل أسهل ما يكون دائماً أنت الآن يمكن أن تؤلف كتاباً في لحظة، صح، الآن بإمكانك باستخدام البرامج تأليف كتاب مئتين وثلاثمئة صفحة بالنقل من هنا وهناك؛ لكن كتاب يأتي بفكرة جديدة إبداعية يحتاج إلى تعقل، وربما يأخذ منك سنوات طويلة، في المرحلة اللاحقة تقول الآية (كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)، لاحظ لم يقل ففتقه، هذه نقطة مهمة سنأتي إليها يعني، ما قال فتق الرتق، قال (ففتقناهما)؛ ولكن قبل ذلك الفتق أصله الثنائي (الفت)، و(الفت) أعتقد كل الجمهور من جميع البلدان العربية يعرفون ما هو (الفت)، يعني تفتيت الشيء حتى يصبح دقاقاً، قارن الآن، ما يقال الآن، أو ما هو معروف في النظريات العلمية الأكثر رجاحةً بأدلة يشبه أن تكون قاطعةً، إنه الانفجار العظيم هذا أدى إلى انتشار الغبار الكوني الأولي، أو السديم الكوني، بما يشبه هذا؛ ولكن طبعاً قد يقول قائل هو (رتق) وليس (رت)، و(فتق) وليست (فت)، هو حرف القاف، وجوده هذا يدل على الطاقة الهائلة التي كانت تكتنزها الذرة الأولى التي تسمى بنجليرتي، اليوم في العلم وأيضاً على القوة الهائلة التي حصل فيها هذا التمدد الكوني؛ لذلك أضاف حرف القاف إلى الأصل الثنائي، فلما قال (ففتقناهما)، إنه هذا التفتيت حصل لعنصر السماء، ما سيكون بعد ذلك سماء، ولعنصر الأرض، ولعله كلمة الأرض، وهذا سنأتيه.. لا تقتصر فقط على الأرض التي نعرفها؛ إنما تقتصر على كل جسم جامد في السماء يشبهها، يعني ليس فقط كلمة الأرض هي الكرة الأرضية التي نحن نعيش عليها، ربما يكون أيضاً مقصود بذلك الكواكب الأخرى أو غيرها مما يعيش أو قد يعيش عليها كائنات أخرى لا نعلمها، الله أعلم، لكن الفكرة أنه برنامج تكون الكواكب كان مكتنزاً من اللحظة الأولى، وبرنامج تكون الأغلفة الجوية وغيرها من السدم الكونية أيضاً كان مكتنزاً والتفتت الذي تكون كان سينشئ الأرض كما ينشئ السماوات، فهذا معنى قوله (ففتقناهما)، ولم يقل (ففتقه)، كما قُلنا. طيب ثم بعد ذلك قال (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، هذا سنأتيه في مكانه".
المرحلة الأولى من تكون السماوات والأرض
وأضاف أبو عواد: "هناك آية أخرى تشير أيضاً إلى المرحلة الأولى من تكون السماوات والأرض؛ ولكن بطريقة عكسية التي هي قوله تعالى (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ)، وهذا الشاهد لأنه قال كما بدأنا أول خلق نعيده، أي إلى حالته الأولى التي بدأ فيها. إذن ما الحالة الأولى التي بدأ فيها؟ أنه كان مطوياً كطي السجل للكتب؛ السجل في أصله، السجل عند العرب معروف هو الدلو الذي يُملأ بالماء، وهو صب الماء؛ بحيث يتبع بعضه بعضاً في مسار منتظم يُسمى سجلاً، ولذلك صاروا يسمون الآن عملية تثبيت المعلومات تسجيلاً؛ كأنك حصرتها كما يحصر الماء في الدلو، فيأخذ من البئر بعد أن يكون بعيداً عن التناول، فتحصره في الدلو، فيحصل في متناولك، بين يديك، صار يُطلق على كل عملية تثبيت للمعلومات (سجل)؛ ولكنها عملية منظمة، والسجال هو تبادل الكلام بين طرفَين بطريقة منتظمة أيضاً؛ بحيث يكون كل نقطة تابعة للنقطة التي قبلها بطريقة منطقية ومفهومة، هذا هو السجال؛ فقال (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)، طبعاً هناك قراءة أخرى للآية، كطي السجل للكتاب، والقراءات التي ثبت صحتها هي أصلاً تتعاضد في إيصال معنى نحن يمكننا أن نعتبر الكون كله بمجموع قوانينه كتاباً واحداً ينتظم كله، بحيث يشكل معادلة واحدة، وهذا على فكرة غاية ما يسعى إليه اليوم علم الفيزياء الكونية، هو علماء الفيزياء الكونية عندهم إيمان الآن قاطع أن هناك معادلة تنظم جميع معادلات الفيزياء في الكون، وعندهم حدث وإحساس قوي بأنها موجودة؛ ولكنهم يسعون لاكتشافها، ومع ذلك هذا لا يعني أنه لا يوجد كتب، فهناك كتاب لخلق النجوم، هناك كتاب لخلق الكواكب، هناك كتاب للثقوب السوداء، وهناك كتاب للنباتات والحيوانات. فلما يقول لك لكن هل هذه الكتب منفصلة ولّا هناك سجل يجمعها بحيث يربط جميع هذه الكتب في نظام متناسق ومتسق تحكمه ضوابط يعبر عنها اليوم بالثوابت الكونية التي ذكرناها في بداية الحلقة، لاحظ دقة التعبير، السجل يربط الكتب وليس كل كتاب يسير هكذا منفرداً عن الآخر دون اتساق؛ يعني كأنه عندك مجموعة من الكتب فجمعتها في نظام السجل، مثل الآن المجلد الذي تجمع فيه مجموعة كبيرة من الملفات؛ لكن طبعاً لا تجمعها فقط من ناحية شكلية، لأ، هو يجمعه من ناحية شكلية ويجمعه من ناحية معنوية؛ بحيث تعمل كلها في تناسق وانتظام؛ يعني حتى لو ضم الكون وعاد إلى حجمه الصغير الذي كان عليه في اللحظة الأولى، لن يعود؛ بحيث إنه يعود/ والله يكون فوضى، لأ، سيعود سحبه من ناحية الحجم، لكن يبقى اكتنازه للبرمجة موجود، لأنه خلق الله، وخلق الله منتظم؛ فلذلك قال (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)".
الكون في تمدد.. حقيقة علمية
وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "وهناك آية تعضد هذه الآية اللي هي قوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)، الآن في الآية الأخرى قال نطوي السماء كطيّ السجل كما قُلنا للكتب، يعني البرمجة والأنظمة كلها موجودة؛ لكن يعود فينكمش وطبعاً تمدد الكون أن الكون في تمدد، هذه حقيقة الآن، حقيقة علمية لا جدال فيها يعني، (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) هذه حقيقة علمية الآن، الآن الطي هذا سنرجع لها لكن حتى لا نتشتت في الكلام، الطي.. (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ) في الآية التي في سورة الأنبياء قال (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) لم يذكر الأرض ما شأنها؛ لأنها مشمولة في المعنى العام، لكن هنا ركز فقال (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ)، طبعاً..".
يد الله.. قضية غريبة جداً في التراث الإسلامي
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "أنا سأعطيك قضية غريبة جداً حصلت في التراث الإسلامي تعرف ما الذي تجادل فيه الناس في هذه الآية؟ صاروا يتجادلون، هل المقصود من الآية أن الله له يد ولَّا له يدان اثنتان، وكلتاهما يمين، ولا واحدة يمين؟ يعني بالله عليك شوف الموضوع كيف ترك المعنى اللساني لهذه الآية؟ اذهب فابحث عن كلمة (قبض) في النص القرآني، بدل ما يعني تدخل في هذه المهمهات، المعمعات، يعني تحت تأثير الفلسفة وغيرها من ردود الأفعال وقراءة الأسفار اليهودية، وغيرها من القصص التي نقلت، ابحث في تحليل اللفظة ما هو القبض في القرآن الكريم، (أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ)؛ لاحظ (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضنَٰهُ إِلَينَا قَبضًا يَسِيرًا)، إذن القبض هو عكس المد. طيب الآن الأرض إذا قُلنا إنها تشمل كلَّ الكواكب التي تتكون من العناصر الثقيلة في الكون كله بامتدادها ستعود لتنكمش، هذا معنى القبض، ولا علاقة له أصلاً بقصة يد، يقول لك ما هو قال (وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) كلمة (يمين) أصلها من اليمن، واليمن معناه البركة، معناه الخير، معناه الإحسان في الشيء..".
نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ.. معنى "الطي"
وتابع أبو عواد: "لاحظ الآية الأخرى، قالت (نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)؛ يعني هل الطي معناه انهيار البرمجة ولَّا انكماش الشكل الكوني؟ احنا قُلنا انكماش الشكل، إنما البرمجة الأولى التي كانت في الذرة الأولى، إن صح التعبير، ستبقى موجودة حتى بعد الانكماش، وسيطرأ عليها ما يشاءه الله من تغيير، ثم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؛ لكن القبض الذي سيحدثه الله عندما ينهار الكون على نفسه، فيعود فيتقلص؛ لن يكون قبضاً عشوائياً أو قبضاً فيه شر، هو قبض ميمون، هذا معنى الكلام إنه السماوات مطويات بيمينه، فلاحظ الفرق لما تجمع هذه الآية مع آية سورة الأنبياء مع الآية التي تتحدث عن الفتق والرتق، وهي أيضاً في سورة الأنبياء، كلها تجمعها مع بعضها بعضا وتقارن هذا الفهم اللساني للكلمات بالفهم الموجود في كثير من المرويات أو بالحياد عن الموضوع، كيف تكون النتيجة بعد ذلك؟ (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) ويقبضن، آه ويقبضن؛ معناها آه القبض اللي هو ضم الجناح بعد ما يكون ممتداً، لاحظ كيف الجناح يعود فينضم على الطائر فينكمش؟ معناها بعد القبض عكس المد، هم راحوا فشرحوا القبض أنه هكذا يعني شوف كيف طبعاً من أكبر الإجرام أنك تتعامل مع رب العالمين كأنه بشر، وتبدأ في تخيله كأنه بشر، وهذا سنتحدث عنه في حلقة مهمة جداً في صفات الله وأفعاله في القرآن الكريم، لأنه نتيجة هذا على سلوكيات الناس صراحة في غاية السوء وأنتجت كثيراً مما تراه اليوم من الانحراف أو الفشل الذي حصل للأسف في كثير من الأمم الإسلامية؛ لأنه يتعامل الناس مع الله كأنه بشر، هذه مشكلة كبيرة والقرآن الكريم طبعاً بعيد عن هذا".
التشكل الأول للكون وقضية الأيام الستة
وقال أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "عندما نتعامل مع الأمور بطريقة لسانية ونفهمها وَفق منهج اللسان العربي المبين، إذن هذا هو التشكل الأول للكون كما وصفه القرآن الكريم؛ لكن طبعاً القرآن ذكر قضية الستة أيام، وستلاحظ الآن الستة أيام التي ذكرت في القرآن الكريم هي أيضاً مذكورة في الحضارات السابقة ومذكورة في الأسفار اليهودية وغيرها؛ لكن قارن ولاحظ التصحيحات القرآنية على ما هو موجود، يعني نحن نجد في بعض الروايات ستة أيام هذه لاحظ ذهبت للروايات بيقول لك يوم السبت خلق التربة، ويوم الأحد خلق كذا وكذا، بيصير يقسم الموضوع صراحةً تقسيماً طفولياً، وقارن هذا بما ستسمعه الآن من تفصيل القرآن في معظم الآيات، القرآن الكريم جاء مجملاً في قضية الأيام الستة، قال فيها، هذه التي سنتناولها ونحن دائماً نقول للمتابعين، الله سبحانه وتعالى وصف القرآن فقال (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، فلما تعرض لك آية يتشابه عليك معناها، هي طبعاً جاءت متشابهة لمراعاة أمرَين اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو ما لانهاية له من الأمور؛ لكن هناك آية محكمة أم تجعلك منضبطاً في فهم هذه الآية المتشابهة، طيب الآية الأم في قضية الأيام الستة هي في سورة فُصلت، طبعاً (قلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)، آه أول ما يعترض علينا يقول لك شو يومين؟ هو أصلاً لم يكن هناك يوم ولم تكن الأرض تدور حول الشمس ليتشكل اليوم، نقول له أنت فهمت اليوم تراثياً واجتماعياً وثقافياً، ارجع إلى كلمة يوم، فافهمها في النص القرآني، أنا سأعطيك الآن كيف تكلم القرآن الكريم عن كلمة يوم...".
معاني لفظة "يوم" في القرآن.. أمثلة
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "استخدام لفظة يوم لا يعني شيئاً مختلفاً؛ هو ليس مختلفاً، لكن القرآن في كل لحظة يصدمك، فيحفز عقلك أن تعود فتفكر، هو لا يريد لك أن تركن إلى ما هو معتاد، يحفزك مثل الآن لاحظ مثلاً يقول لك أنجح الفيديوهات الآن وأكثرها انتشاراً ما فيها حركات في المونتاج تحفز المشاهد على المتابعة. القرآن الكريم يستخدم، ولله المثل الأعلى، هذا الأسلوب من ناحية الألفاظ، من الناحية اللسانية؛ لكن أنت يعني اعمل بحثاً، مسحاً شاملاً في القرآن، لاحظ قال (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ)، هل قصدوا اليوم الذي هو يعني النهار ولا قصدوا في هذه المرحلة لما معظمهم شرب من النهر وبقي عدد قليل، قالوا لا طاقة لنا اليوم؟ يعني انتقلنا إلى مرحلة الآن ليس لنا طاقة بجالوت وجنوده، طيب (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، هل المقصود آية اليوم ولا مرحلة انتهت، مرحلة سابقة وبدأت مرحلة جديدة أكمل فيها الدين وأتمت بها النعمة؟ (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ)؛ يعني يقصد في هذه المرحلة التي قالوا فيها (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ) لا يقصد يوماً بمعنى أنه أربع وعشرون ساعة، ولا دوران الأرض حول الشمس (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)، طيب كل الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة هي تتحدث عن دوران الأرض حول الشمس، وأنه أربع وعشرون ساعة، ولا تتحدث عن مرحلة ينتقل إليها البشر غير المرحلة التي نعيشها اليوم؟".
فهم الكلمة باستخدام الأصول اللسانية العربية وما يشابهها في القرآن
وأجاب أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، عن سؤال "موضوع (اليوم) كان عن حقيقة أنه يعني فيه لبس في فهم موضوع اليوم، وهو الإسقاط اللي قائم بين الناس، هل إنه اليوم أربع وعشرون ساعة؛ لكن اليوم القرآني واضح أنه هناك فيه اختلاف في استخدام اللفظة، لفظة (اليوم) لإعطاء مدلول زماني كلياً ما اختلف عن المدلول الزماني اللي بيعطوه الناس في حياتهم اليومية؟"، قائلاً: "نعم هو يدل على تحول من مرحلة إلى أخرى؛ يعنى النقطة التي أنت تكون تسير في مرحلة معينة في نقطة ممكن نسميها نقطة الذروة أو قيمة قصوى، يحصل تحول من مرحلة إلى مرحلة أخرى، كما قال (اليوم أكملت لكم دينكم)، طيب قال (كُلُوا مِن ثَمَرِهِ)، لاحظ في سورة الأنعام (كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) طب يعني تقول لي يوم حصاده يعني المقصود في أربع وعشرين ساعة، ولَّا المرحلة التي نضج فيها الثمر فأصبح قابلاً لأن يحصد؟ نحن لا نتكلف، نحن نذكر ما ذكره القرآن، نرجع إلى القرآن نفسه فنتدبر، نسير بآلية التدبر، نفهم الكلمة باستخدام الأصول اللسانية العربية وباستخدام ما يشابهها في القرآن الكريم، لأ صفات يوم القيامة كلها (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)، لاحظ هذا حتى قبل يوم القيامة اللي هي الآيات النهائية، (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)، طيب (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، ما هو قال لك (يوم)، إذن هو شوف خلق السماوات والأرض، هو سماه (يوم) مع إنه إيش مرحلة؟ (قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ)، هذا نوح، عليه السلام، (لا عاصم اليوم من أمر الله) هل يقصد يوماً ولَّا مرحلة تحول فيها الناس من الحياة التي كانوا يظنون أنها ستبقى مستقرة إلى مرحلة الطوفان؟ فقال لهم (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) أعتقد يعني إنه من كان عنده شك في فهم كلمة اليوم في القرآن الكريم، يجب أن يزول هذا الشك تماماً بعد كل هذه الكمية من الآيات".
الأيام الستة.. 6 مراحل خُلقت فيها السماوات والأرض ككل
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "طيب نرجع الآن إلى الآية الأصلية، ما هي إذن الأيام الستة خلاص اتفقنا أنها لا علاقة لها بيعني دوران الأرض حول الشمس.. إلى آخره، إذن هي ست مراحل أو ست مراحل خلقت فيها السماوات والأرض ككل، مرحلة ينبغي أن يكون هناك فيها فاصل خلقي حصل فيه تحور شديد في وجود الكون تماماً، فسُميت هذه المرحلة يوماً في اللفظ القرآني واللغة يعني لو قال طب لماذا لم يستخدم كلمة أخرى؟ يعني هو كثير من الأحيان أصلاً أنت تحتاج إلى أن تنزل بمستوى الكلام حتى توصل الكلمة إلى عقل اللغة، فاللسان في الآخر هو صلة تواصل، أنا أريد أن أوصل لك المعنى؛ لكن ما يميز القرآن أنه لما يستخدم لفظة حتى وإن كانت اللفظة قد يعني يخطر ببالك أنها لا تتسع التعبير عن المعنى، يعطيك أدلة أخرى في أماكن أخرى في القرآن الكريم، أنه لم يقصد المعنى الذي كان في بالك وكان متعارف عليه الناس، وإن كان هذا المعنى الذي هو اليوم صحيح، هو مرحلة ينتقل فيها أو تدور فيها الأرض دورة كاملة حول الشمس، هذا أحد إسقاطات معنى اليوم؛ ولكن هذا ليس كل المعنى المفاهيمي لكلمة اليوم، المشكلة هنا كلمة يوم فيها حرفان من حروف العلة التي هي (الياء، والواو)، فهذه الكلمات التي هي فيها حروف العلة، فيها صعوبة نوعاً ما في أنك تأتي إلى ما يشابهها؛ لكن الحرف الأقوى في الكلمة هو حرف الميم، حرف الميم الذي يدل على الانضمام، يدل على الالتئام، مثل كلمة (أمة) وكلمة (أم).. وإلى آخره. الآن دخول حرفَي علة على الحرف اللي هو حرف الياء وحرف الواو يعني أعطاهما معنى اللي هو معنى مرحلية، إنما الحرف الأصلي الحرف يعنى الصامت في الكلمة القوي هو حرف الميم، تصبح كلمة (يم)، و(اليم) يدل على انضمام الشيء على بعضه البعض، يعني نحن قُلنا هي مرحلة متناسقة، بعضها متناسق مع بعض، تتبعها مرحلة أخرى يحصل فيها اختلاف كلي عن المرحلة الأولى، وإن كان طبعاً هذا لا يعني أنه انقطعت عنها، ولكن حصل تحول كما اليوم الذي انتهي فيها مثلاً نزول القرآن وأحكامه، (أكملت لكم دينكم)".
حروف العلة والصرف العربي وعلم الأصوات
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "يعني دخول الواو على الياء والياء والميم؛ ألا يعني أن هذه المرحلة بدت تستقر وتموضعت؟"، قائلاً: "هي حروف العلة وحروف المد تعطيك نوعاً من الامتداد مع وجود حرف الميم الذي يعطي انضماماً لهذا الامتداد بعضه مع بعض يعني؛ لكن سيكون لنا يعني توسع أكثر، حروف العلة هذه صدقاً، آخر ما يبحث بعدما يتم وضع أصول الحروف جميعها ودلالتها الصوتية.. وإلى آخره، يعني يمكن الدخول إلى حروف العلة؛ لأنه هي حروف العلة ما زالت تشكِّل مشكلةً طبعاً في الصرف العربي، وحتى في علم الأصوات؛ إنما الحرف الأصلي هو الميم، ووجود حرف الواو أيضاً يدل على تجانس المرحلة بعضها مع بعض؛ يعني هذا الذي يمكن أن يُقال في كلمة (يوم)، إنما على كل الحالات لو تركنا التحليل الصوتي، المعنى الدلالي المفهومي للكلمة في آيات القرآن الكريم، هو المرحلة التي ينسجم بعضها مع بعض، والتي يكون هناك فاصل واضح بينها وبين مرحلة تلحقها كيوم الحصاد الذي ذكرناه، اليوم، يعني يقر فيه الناس الآن نضج الثمر وأصبح قادراً للحصاد، قابلاً للحصاد، يعني هذا مثال من الأمثلة..".
3 آيات تتحدث عن التتابع الزمني في خلق السماوات والأرض
واستطرد أبو عواد: " (واليوم أكملت لكم دينكم)، طيب الآن سيقول قائل ما يعني معنى الآية تقول (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا)، لاحظ الكلام يتحدث إنه الأرض خلقت أولاً، هكذا يقولون، لكن مثلاً في سورة النازعات عندنا (ءَأَنتُم أَشَدُّ خَلقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَىٰهَا رَفَعَ سَمكَهَا فَسَوَّىٰهَا وَأَغطَشَ لَيلَهَا وَأَخرَجَ ضُحَىٰهَا وَالأَرۡضَ بَعدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ أَخرَجَ مِنهَا مَآءَهَا وَمَرعَىٰهَا)، طيب وبعدين (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)، (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)؛ هذه ثلاث آيات تتحدث عن التتابع الزمني في خلق السماوات والأرض، والآية الأظهر في تقسيم المدد هي آية سورة فصلت، طيب كيف نتعامل مع الآية (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)، الآن أنا إذا أردت أن أتعامل مع الموضوع، هناك أربعة أيام منذ بدأ الخلق عندما انتهت كانت الأرض قد قدرت فيها أقواتها، والتقدير ليس معناه ظهور الأقوات، فضلاً عن ظهور الكائنات، معناه وضع البذرة الأولى مثلاً لنشوء النباتات، وضع البذرة الأولى لنشوء الأنعام، لغيرها من الأمور التي مهدت الأرض؛ لأن تظهر عليها الحياة، تمام، وقالوا (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)، طيب على فكرة ما سأذكره أرجو أن لا يحسب أنه القصد منه أنني أريد أن أقول إن هذا إعجاز علمي أو لأ؛ ولكن أريد أن ألفت إلى لفتة العمر الكوني، الآن يحسب وفق معادلة بأنه 13 فاصل سبعة أو ثمانية مليار سنة، وعمر الأرض أربعة ونصف مليار سنة، عمر الأرض يعني اللحظة الأولى التي يمكن أن نقول إنه تشكلت فيها الأرض، هي بعد ثلثي عمر الكون تماماً، الآن عمر الكون 13 فاصل ثمانية، طيب أربعة ونصف، وأربعة ونصف، المجموع يشكِّل تقريباً 13 سبعة بالعشرة، اللي هو عمر الكون؛ يعني لما نقول إنه الأرض أصبح فيها أقواتها وأصبحت ممهدة؛ بحيث يمكن ظهور بذرة الحياة الأولى عليها، لأ، أربعة لأنه عمرها أرجع بالزمن للآن، يتكون عمره 13 ملياراً، الآن عمر الأرض أربعة ونصف، معناها كم بقي من أول الكون إلى ظهور الأرض صالحة للحياة، مر تقريباً تسعة مليارات سنة، صحيح.. طيب هذه التسعة مليارات هي الثلثان، طيب القرآن عبَّر عنها بأنها أربعة أيام، والأربعة أيام هي ثلثا الستة أيام، أليس كذلك؟ طب يقول قائل بس هذا يشير إلى أن الأرض قبل السماء، لأ نحن قُلنا أنه هو يصف الآن نشأة الأرض، وقُلنا إنه منذ النشأة الأولى للكون كان يكتنز برنامج الكتب الذي عبر عنه القرآن بالكتب الذي سيتحول بعد ذلك إلى نشوء النجوم ونشوء الكواكب وغيرها من الأمور، فالبذرة الأولى لتولد الأرض هي موجودة أصلاً في الذرة الأولى السنجليورتي هذه التي قُلناها، واستغرق الأمر ما يقارب تسعة مليارات سنة حتى تصبح الأرض صالحة للحياة".
كيف تخلقت الأرض؟
وأجاب أبو عواد عن سؤال "يعني استغرق تقدير الأقوات في الأرض تسعة مليارات سنة؟"، قائلاً: "مش تقدير الأقوات وحده، خلق الأرض، تخلق الأرض، ما الأرض؟ كيف تخلقت؟ الآن العلم يقول لك هذه الكواكب تشكَّلت من العناصر الثقيلة التي تحدث عند انفجار النجوم، فبعد ذلك تدور حول النجوم التي بقيت، يعني فيها العناصر الخفيفة؛ مثل الهيدروجين والهيليوم، طيب إذن هذا فيه مرحلة أخذتها الأرض وما يشبهها من الكواكب الذي يمكن أن نسميه كاسم جنس، إنه أرض، في الكون كله تخلق، تخلق هذا في المرحلة الأولى، طب الذي خلق الأرض في يومين، هذه هي مرحلة اليومين التي هي تخلق العناصر الثقيلة وتشكلها؛ لكنها أي يعني لن تصبح ممهدة، يعني ما زالت بما يشبه تنظر إليها فتظن أنها كتلة عشوائية لم تتشكل على شكل كوكب يدور في مداره، ممهد للحياة؛ يعني ينتظم فيه الليل والنهار وغير ذلك، طيب هذا هو، هذان هما اليومان الأولان، الآن (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)، هذه الأشياء الثلاثة حصلت في المرحلة الثانية، يعني يمكن أن نقول إنه تشكل الكواكب في المرحلة الأولى قبل ثباتها وقبل صلاحها؛ خصوصاً الأرض، طبعاً نتكلم الآن أخذ أربعة ونصف مليار السنة الأولى من خلق الكون، الآن إلقاء الرواسي وتثبيت الأرض وتقدير الأقوات فيها؛ بحيث أن تكتنز برنامجاً، يعني يصنع أقواتاً لما سيأتي بعد ذلك من الكائنات، أخذ أربعة ونصف مليار سنة، صار ما مضى من عمر الكون تسعة مليارات سنة، طيب كم عمر الأرض الآن؟ أربعة مليارات ونصف سنة، هو ما يكمل الثلاثة عشر فاصل ثمانية من عشرة أو سبعة بالعشرة مليار سنة، هذا هو..".
ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ.. خلق ما تبقى من السماء
وأضاف أستاذ اللغة العربية: "طيب الآن السماوات في هذا الوقت الذي كانت تتشكل فيه الأرض، لم تكن موجودة؟ لأ كانت موجودة، النص لم يقل قط إنها لم تكن موجودة؛ لأنه قال لاحظ ثم لا تعني بالضرورة أنه معناها انتهِ من هذا الشيء ثم انتقل لبدء شيء جديد، ولم تقل الآية هذا؛لأنه قال (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، طيب شو يعني استوى إلى السماء وهي دخان؟
الآن الانتقال إلى مرحلة الإنهاء؛ خلق ما تبقى من السماء، نحن الآن نعرف في علوم الكونيات أن الكون معظمه مادة مظلمة، وسنأتي إلى هذا؛ لكن ما يشكل النجوم والكواكب وغيرها من الأشياء التي تُرى بالعين أو بالأجهزة، وخمسة في المئة فقط من حجم الكون المنظور يعني والمشاهد، والذي استطعنا أن نشاهده، هذه الخمسة في المئة، هل معظمها غبار وسديم كوني، وهو المادة الأولى التي حصل الانفجار العظيم، والتي سيتشكل منها بعد ذلك النجوم التي تشكل الكواكب؟ الجواب نعم؛ معظم السماء دخان، طب هو لما يقول لك (ثم استوى إلى السماء) يقصد لك انتقل الآن، لتلاحظ ما مراحل خلق السماء، مع أنه كانت مراحل خلق السماء منها ما هو مساوق أصلاً لخلق الأرض، يعني لا يعني هذا أن الأرض انتهت في الأيام الأربعة والسماء ليس فيها شيء، لأ هو موجود ومعظم الموجود دخان كوني، (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، طبعاً هنا قبل أن أنتقل إلى الآية اللاحقة؛ هناك كثير من الناس يقولون أنت تحلل تحليلاً لسانياً، أجب ماذا قال لهما؟ (ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) وليس طائعتَين، يقول لك المفترض أنه يتكلم ثم استوى، الأرض والسماء وهي تؤنث في اللسان العربي، فكان يجب أن يُقال ماذا؟ فقال ائتيا طوعاً قالتا آتينا طائعتَين؟ لأ هو قال (طائعين)، وهذا في الحقيقة أبلغ بكثير من أن يقول آتينا طائعتَين؛ لأنه (طائعين) معناها أن الأرض والسماء وما فيهما من مخلوقات عاقلة جاءت طائعةً لله، بمعنى انسجمت للسنن الكونية التي وضعها الله في الكون منذ لحظة خلقه الأولى، فالكلام لما قال (طائعين) شمل السماء والأرض وما فيهما من غير العاقل، وشمل العاقل، لاحظ فما كنت تظنه خطأ هو في الحقيقة يكتنز معنى لم يخطر لك على بال، (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)؛ يعني هذان اليومان اللذان بقيا الآن نحن عندما مضي على الكون تسعة مليارات سنة معظم ما في السماء كان موجوداً، هذان اليومان الأخيران اللذان هما بعد تشكل الأرض هما اليومان اللذان حصلت فيهما قضية السماوات السبع".
قضية السماوات السبع لا تزال سراً
وتابع أبو عواد: "وفي الحقيقة قضية السماوات السبع لا تزال سراً إلى الآن؛ يعني لا يستطيع أحد أن يجزم، وقد بحثت بحثاً مضنياً في قضية السماوات السبع، لأخرج فيها بنتيجة جازمة؛ لكن الأمر الوحيد الذي يمكن أن أخرج به أنها سماوات طباقاً؛ معناها أنه هناك مراحل لوجود السماوات العلوية، بعضها ينفصل عن بعض، ولا يزال العلم إلى الآن لا يستطيع أن يجيب عن هذا، وهي مرحلة".
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ
وأجاب أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، عن سؤال "فيه عندي استفسار حول قصة (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)؛ يعني هنا الله قضى في قدر؟"، قائلاً: "أينعم بالضبط، تنفيذ القدر الأول هو يسمى قضاء، يعني هو موجود في التقدير الأول؛ ولكن ظهوره للوجود هو القضاء، إذن نحن نستنتج أن السماء بما فيها من مكونات كانت أصلاً موجودة وتشكل معظم ما فيها أو كل ما فيها يمكن أن يكون خلال الأيام الأربعة التي تشكلت فيها الأرض بالتساوق، لكن قضاء أن تكون هذه السماء بكل ما فيها من مكونات، سبع طبقات، الله أعلم بحقيقتها، هذا حصل في آخر يومَين، هو أمر قضائي؛ ولكن قدره موجود في الأصل، مرحلتان؛ وهما كما قُلنا يعني أصبح عمر الكون على كل حال، ما هو العجيب في كلمات القرآن الكريم أنه صلاحيتها لكل وقت، ولكل زمان في كل مكان سيكتشف قطعاً هي طبعاً نظرية التمدد الكوني، كثير منها أموره أصبحت يعني قطعية، يعني ربما الذي فيه خلاف ليس حقيقة تمدد الكون ولا حقيقة إنه والله الكواكب تكونت بعد النجوم، ولّا مثلاً السديم الكوني، كثير من الأمور التي ذكرناها حقيقة علمية، وعمر الكون أصلاً يحيب وَفق معادلة وليس فقط إنه والله رصد بالأجهزة أو كذا، لأ، هو هناك معادلة يُحسب من خلالها عمر الكون؛ إنما على كل حال لو حصل اكتشافات التحدي أن تبقى ألفاظ القرآن بمفاهيمها اللسانية العربية ويعني صالحة لأن تتواءم وتتوافق لا تتعارض، يعني عدم التعارض هو في حد ذاته الذي يشكل التحدي بهذا النص وبما فيه من يعني معانٍ دلالية ومفهومية تدخل ضمن الآلية التي نحن نستخدمها ونحث على استخدامها لفهم النص القرآني، وهي آلية اللسان العربي المبين. طيب يبقى أن يُقال (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)؛ لاحظ الآن وأوحى في كل سماء أمرها، هذه مرحلة الأمر؛ يعني انتهى الخلق، الآن المرحلة التنفيذية التي هي ظهور أثر الخلق وأثر الأوامر التي هي النظام وسُنن الكون".
وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "يقول قائل طيب (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا)، هذه النجوم يعني صار فيه مرحلة لاحقة، هذا خطأ في فهمه للنص، النص هو انتهى عند إيش؟ (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) خلص انتهت الأيام الستة، إذن ضمن هذه الستة أيام النجوم موجودة وكل شيء هو جاء يخبرك في جملة منفصلة (وزينا السماء الدنيا) أما الأيام الستة وما فيها من أحداث انتهت عند كلمة (يومَين)، خلاص أغلقت الفترة كما يُقال في الرياضيات، وما سيأتي من كلام هو مستأنف، يقول لك (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، فهذا يعني ما تسنى الكلام فيه على قضية الأيام الستة من خلال الآية التي ذكرناها، طبعاً يبقى أنه لا بد أيضاً أن ننظر في آية سورة النازعات التي ذكرناها".
الأيام الستة وتقسيم الأسبوع إلى سبعة أيام زمانياً
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "كيف يمكن الربط بين تقسيم الأسبوع إلى سبعة أيام زمانياً مع التناغم أو يعني كأنه عكس دلالة لخلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، كما تقول في الأسفار اليهودية أو في القصص القديمة، يعني اليوم السابع؟"، قائلاً: "القضاة يقولون (وما مسنا من لغوب)، طبعاً أينعم هو أو على الأقل في اليوم السابع قد نقول إنه والله ظهور البشر مثلاً يمكن أن يكون اليوم السابع؛ لأنه هو أمر إضافي بعد خلق السماوات والأرض؛ أنا أعتقد أنه الأيام السبعة هي شيء يعني موجود في الفطرة الأولى، لأنه البشر مجمعون عليه في أنحاء العالم كشأن الأشهر الاثني عشر في السنة، والقرآن قال (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)؛ ففكرة المراحل هذه أنه استغراق خلق السماوات والأرض أخذ ست مراحل، مع ظهور البشر كانت المرحلة السابعة؛ يعنى هي عكست لقضية اصطلاحية، يعني تقسيم الأسبوع إلى تقسيم السنة، أو تقسيم الأسبوع إلى سبعة أيام، هكذا بحيث تتكرر أثناء السنة، هو في الآخر قضية اصطلاحية؛ يعني لنفترض أن الناس جعلوها ثمانية أو تسعة أو كذا، لن يتغير شيء هو مجرد مسميات حتى تضبط قضية اللسان".
إسقاط طقوسي على فكرة الأيام السبعة
وأضاف أبو عواد رداً على "لأ، هو القصد كالتالي؛ إنه صار فيه إسقاط طقوسي في الموضوع، كان يعني كل ملة اعتبرت يوماً مقدساً لها، وبالتالي...": "آه؛ هو جعل اليوم المقدس، اختلافه هو طبعاً إسقاط طقوسي في الموضوع؛ ولكن أعتقد أنه فكرة السبعة بحد ذاتها هي يعني مشترك بشري، مشترك بشري ناجم من الفهم الذي نتج عن بذور وحي الأنبياء التي بقيت عند الناس من فهم المراحل، يعني هو نوع من المحاكاة، الاصطلاح.. هكذا. طيب في سورة النازعات يقول (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)؛ هنا يقول قائل أين البناء؟ يعني السماء هي حتى أنت قُلت الآن هي مادة مظلمة والغبار الكوني.. وإلى آخره من الأشياء، هل هذا بناء؟ في الحقيقة إذا نظرت إليها بهذه الطريقة العشوائية لن تقول إنها بناء، لكن إذا نظرت إليها كما يقول العلم الآن ستقطع أنها بناء، بشرط أن تفهم المعنى الدلالي لكلمة بناء، يعني (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)، أنت الآن يعني لماذا تفهم أنه معنى البناء يجب أن يكون طوباً محسوساً وملموساً؟ ولّا معنى البناء هو تشابك الوحدات بعضها مع بعض؛ بحيث يكون هناك تناسق وبعضها يسند بعضاً، يعني البناء الحسي الذي نعرفه ليه يُسمى بناء؟ لأن الطوبة تسند طوبة، والأسفل يحمل الأعلى، والأساس يحمل البناء.. وهكذا، فبينه تعاضد وتماسك؛ هذا التعاضد من جميع مكونات البناء يجعله متماسكاً، طيب هل ينطبق هذا على السماوات اليوم؟ قطعاً ينطبق بعد ما فهمت الجاذبية أنها موجودة في كل مكونات الكون، وأنها تجعل الكواكب والنجوم، تجعل النجوم يعني موجودة في أماكنها، والمجرات متشكلة بالطريقة التي هي عليها، ودوران الأجرام السماوية بانتظام.. كله ناتج عن.. حتى يقولون لك الآن موجات الجاذبية أو خطوط الجاذبية أنها هي التي تعمل تماسك يجعل السماء كما قال القرآن عنها (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) تماماً كأنها محبوكة حبكاً، يعني بيد خياط ماهر، يعني ولله المثل الأعلى.. لكن هي بناء، نعم هي بناء..".
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا
واستطرد د.يوسف أبو عواد: "طيب (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)؛ السمك مأخوذ من الأصل الثنائي (السم) والسم هو أعلي شيء، ومنه كلمة سمع أخذت بعد ذلك، وكلمة سماء، وسم الخياط هو رأس الإبرة التي يخاط بها سُميت سم الخياطة أعلاها، من هذا الأصل تولدت كلمة سم الخياطة، فلما يقول لك (رَفَعَ سَمكَهَا فَسَوَّىٰهَا وَأَغطَشَ لَيلَهَا وَأَخرَجَ ضُحَىٰهَا)، المقصود أن الجزء الأعلى من السماء أو السماء المشبوكة، طبعاً إضافة حرف الكاف هنا يدل على قوة التماسك والنسيج، يعنى حرف الكاف لاحظ، حاول أن تدرس حرف الكاف لتعلم دلالته في كلمات عدة، لاحظ كلمة (كتلة) دائماً الحرف يعني أنا لاحظت بالبحث المستمر أنه إذا أردت أن تفهم الدلالة الصوتية للحرف انظر إليه حين يأتي في أول الكلمة، يعني لاحظ كلمة (كتلة) لاحظ كلمة (كتب) لاحظ كلمة (كثر) لاحظ كلمة (كنز)؛ ستعلم أن حرف الكاف يدل على كثرة فيها تناسق وفيها امتداد، لذلك جاءت هذه الكلمة وكأنها تصف تماسك النسيج السماوي من أعلاه إلى أسفله، أنه يضم يعني تناسقاً ونسيجاً محكماً، (وَأَغطَشَ لَيلَهَا وَأَخرَجَ ضُحَىٰهَا)، هنا طبعاً وصف لليل والنهار، سنأتيه بعد ذلك؛ لكن هنا نقطة مهمة في الأرض، (وَٱلأَرضَ بَعدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَا أَخرَجَ مِنهَا مَاءَهَا وَمَرعَىٰهَا)، يعنى في آية سورة فصلت قال وقدر فيها التقدير، قُلنا ليس قضاء، وهو وضع النظام ووضع السنة، طيب الآن (أخرج منها ماءها ومرعاها) معناها ظهور أثر التقدير هذا الذي هو خروج الماء والمرعى على الأرض، فقال (وَٱلأَرضَ بَعدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَا أَخرَجَ مِنهَا مَاءَهَا وَمَرعَىٰهَا وَٱلجِبَالَ أَرسَىٰهَا)... ترك للناس حرية الإفساد في القضاء أو الإصلاح، هذا ما يفهم من قوله تعالى (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا)، هذه أيضاً قضية مهمة، يعني أنت فتحتها؛ لكن في الوقت المناسب لماذا يقول (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا) ويقول (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا)؟ هم دائماً يربطون؛ يقول لك قضية الحفظ مربوطة بين النجوم، وأنها تقذف الشياطين.. إلى آخره، هذا ليس صريح الآيات أبداً، الآية تقول لك إن السماء حفظ، إن السماء سقف محفوظ، (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) (يُرسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظ مِّن نَّار وَنُحَاس فَلَا تَنتَصِرَانِ)، ما الفكرة في الموضوع؟ الفكرة أن البشر يمكنهم أن يتصرفوا في قدر الله الموجود في الأرض فيفسدوه كما أفسدوا يعني حتى لعبوا في جينات الكائنات وفي جينات النباتات ودخلوا إلى تقديرها الأول، فأفسدوا، وهذا الإفساد طبيعي القرآن تحدث عنه، وتعجبت منه الملائكة؛ لكن السماء يعني وصول الإفساد معناها إلى القوانين الكلية السجل، خلينا نقول السجل الذي ينظم الكتب، لن يصل إليه البشر، وكلما أرادوا الوصول إليه حال دونهم حائل من أن يصلوا إليه؛ ولذلك يقول لك (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا)، فنعم هناك قدرة للبشر على القضاء في القدر الموجود في الأرض بما يوافق السنة أو يخالفها، والقرآن قال (لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)، لم ينفِ أنهم يصلون، سيصلون إلى بعض ذلك؛ لكن في كل مرة متى ما أرادوا الإفساد، يعني معناها قد يقول قائل إنه يمكن الوصول إلى السماء وفهم حقائق أعظم بكثير عن الكون؟ نعم؛ بس بشرط، يكون الهدف فهم السنن والسير معها والاستسلام لها، أما إذا كانت هناك نية إفساد سيفشل المشروع البشري، في كل مرة، (يُرسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظ مِّن نَّار وَنُحَاس فَلَا تَنتَصِرَانِ) في كل مرة سيفشل المشروع البشري؛ لأنه لم تصل إلى الجذر والقاعدة الأم والسجل الذي ينظم كتب الكون، وإلا معنى هذا أن الإنسان خلاص سيفسد إفساداً كلياً وعامّاً في الكون، وهذا لن يكون".
السماء والأرض.. مفهوم مادي وبعد معنوي
وقال أبو عواد رداً على "يعني الأرض هي صحيح مادية يعني محسوسة؛ ولكن يمكن أيضاً أن نستخدم الأرض بالبعد المعنوي، يعني أسألك شو الأرضية الثقافية التي تتحدث عنها؟ لا أقصد بذلك أنه شو الأرض الثابتة إنما أقصد الفكرة؟": "صحيح، هذا ممتاز جداً؛ يعني الاستنتاج المفاهيمي للكلمة أنه لما نفهم إنه كل شيء له أرض وسماء، هذا الشيء أنت أيها الإنسان قادر أن تغير فيه، فتفسد وتخرب؛ لكن مهما أفسدت لن تصل إلى سماء هذا الشيء فتفسده من جذره الأول، لأنه هذا الآن في حفظ رب العالمين، فالاختبار الإنساني، الإنسان أن يطغى، يظن نفسه سيصل إلى السماء، فيغير كل ما في الكون، لكن رحمة الله سبحانه وتعالى، ونحن سنذكر هذا أنه لما خلق السماوات والأرض كلما ذكر قضية العرش قارنها بالرحمة، رحمة الله منعت الإنسان أن يصل إلى هذا إذا كانت نيته سيئة؛ لكن إذا كانت نيته صالحة، فإنه سيصل، وهذا أعلى معاني السمو؛ لماذا يقول لك السمو مقترن بالتجلي، مقترن بمعرفة الحقائق الكبرى، مقترن بسرعة التوصل إلى الحقائق؟ لأن الإنسان الآن أصبح سامياً خاضعاً؛ يعني ذل لله سبحانه وتعالى واستسلم، إنه أنا في الأخير خلق من خلق الله، كيف أحارب الله؟ كيف يعني كيف أسير عكس ما خلق الله وأريد أن أفسد النظام الذي أوجده الله؟ فمتى ما حصل عنده هذا الاستسلام سمي فحصل له بعد ذلك نتائج كثيرة من الاكتشافات العلمية والاختراعات التي تحسن من حياة الناس.. إلى آخره".
الأشياء المعاكسة تنتج الأمور الشيطانية
وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "بالمقابل الأشياء المعاكسة تنتج الأمور الشيطانية، وهذا المعنى المفاهيمي الكبير أصلاً لقضية الشيطان في القرآن الكريم، وبذلك أيضاً نفهم سورة البقرة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)؛ إنها مرحلة التسوية، كانت بعد الأربعة أيام، يعني التي هي قضاء السماوات السبع، وكان بالتالي خلق الأرض يترافق معه وجود مكونات السماء التي نعرفها؛ خصوصاً السماء الدنيا، وإلى ذلك شرحنا معنى الدخان قبل ذلك".
وَٱلأَرضَ بَعدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَا.. قضية "الدح"
وتابع د.يوسف أبو عواد: "أريد أن أتكلم عن قضية (الدح) التي ذكرناها في سورة النازعات (وَٱلأَرضَ بَعدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَا أَخرَجَ مِنهَا مَاءَهَا وَمَرعَىٰهَا)؛ إحنا تكلمنا عن قضية أخرج منها ماءها ومرعاها؛ لكن ما معنى دحاها؟ وهذه الكلمة تسببت في إشكال مهم جداً، يقولون لك إن القرآن الكريم يشير إلى أنه الأرض مسطحة، طيب الآن كلمة (دح) هذه معناها حفر بئراً مستديرة، بمعنى شكل البئر التي تكون من الأسفل مكورة أو أسطوانية ولها فوهة في الأعلى، يعني تشكل ما يشبه الشكل الإيلاجي، هذا هو الدح في اللسان العربي بمعناه أو بأصله الثنائي، و(الأدحى) هو بيض النعام، هذا لا تكاد المعاجم العربية تختلف فيه، هو بيض النعام، هناك استخدامات ثلاثية من الأصل الثنائي تعزز هذا الفهم؛ مثل (دحرج)، لاحظ الدحرجة وعلاقتها بالتكوير، و(دحر) أيضاً وعلاقته بالتكوير، إذن لما نفهم أنه (وَٱلأَرضَ بَعدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَا)، طبعاً الأرض وغيرها من الكواكب في بداية تشكلها لم يكن شكلها منتظماً، هذا معروف؛ لأنه يصبح تكتلاً بما يكون ظاهره أنه عشوائي ليس له شكل منتظم، لكن يدخل في مدار حول نجم، الدوران هذا يؤدي إلى تهذيب وتشذيب الشكل، حتى ينتهي في النهاية إلى شكل صالح لأن يعيش عليه أو لأن تكون عليه الحياة، فإذن هذا هو معنى (الدح) أو (الدحو) (وَٱلأَرضَ بَعدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَا)، فلما دحاها وأصبحت ممهدة ومبسوطة في نظر الإنسان طبعاً أخرج منها ماءها ومرعاها، أما قوله تعالى (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا)، فهو قريب، لاحظ كلمة (دحا) و(طحا) الفرق بينهما حرف الطاء، تحول فقط من دحا إلى طحا، حرف الطاء يعطيك قوة، مزيداً من القوة والدفع، ويقال إنه الطحو أن تدفع بعقب قدمك شيئاً تحتك، يعني تدفع شيئاً تحتك بعقب القدم، لأن هذه الحركة، لاحظ الحركة بعقب القدم، تدفع شيئاً، ما الذي سيولده؟ حركة دورانية، هذا الذي سيولده يأخذ شكل السيف مثلاً أو شكل السكين، وبالنسبة إلى الأرض طبعاً نحن نجد لها صفات؛ يعني الآن لما نقول مد الأرض وبسطها، سنفهم ما المقصود، المقصود أنه هذا الدحو والطحو للأرض جعل سطحها هو الممتد وسطحها هو المبسوط، وليس المقصود شكل الأرض الخارجي لو نظرت إليها من السماء؛ لكن القرآن جاء فأشار لك إلى الشكل الخارجي، بيعني لفظ إذا تعمقت فيه ستجد هذه الدلالة، وأشار لك إلى ما يراه الناس من مد الأرض وبسطها، وجعلها مهاداً معناها ممهدة لعيش الناس عليها، وأيضا هناك آية تقول (لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا) أيضاً هذا وصف الأرض ورد في القرآن الكريم؛ لأنه نحن نتحدث عن كل ما يتعلق بخلق السماء والأرض، فكلمة (الكفت) (ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً)، لاحظ الدقة اللسانية في الكلمة وما رُتب عليها بعد ذلك من قوله أحياء، الكفت في أصله الثنائي ما هو كف، طيب هذا هو الكف يقال كف الشيء يعني أبعده، وكف الإنسان مقترناً باطنه بظاهره، فيقال كفت الشيء هو قلبه رأساً لعقب، مع احتوائه، هذا هو المهم؛ ليس فقط قلبه رأساً على عقب، إذا قلبت شيئاً رأساً لعقب وما زال تحت الاحتواء؛ فإن هذا يُسمى كفتاً..".
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ
واختتم د.يوسف أبو عواد: "وقريب منه على فكرة كلمة (كفر)؛ لأنه كفر معناها ستر الشيء وغطاه، فكفت إذن، قال (أحياء وأمواتاً) يعنى أنه الأرض، وهذا مهم جداً لما سيأتي بعد ذلك من الكلام عن نشأة المخلوقات بمادتها التي خلقها الله، نفس المادة تنقلب ظهراً لبطن، فتكون الأحياء، ومادة الأحياء تنقلب ظهراً لباطن فتكون الأموات، فقال (ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً) هناك أيضاً كلام عن الأرض، الله سبحانه وتعالى في سورة الرعد يقول (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ)، طبعاً الفهم البسيط والأولي أنه والله قطع مثلاً كما يقولون هذه تنبت نخلاً وهذه لا تنبت، هذه تنبت زيتوناً وهذه لا تنبت؛ لكن هو لاحظ حتى يشير لك إلى أنه سيمهد لما سيعرفه العلم بعد ذلك من القارات، وأن بعضهم منفصل عن بعض، والصفائح التكتلية وغيرها، يقول لك (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ)؛ آه يعني التفسير الأول أنه والله قطع متجاورات كل قطعة تصلح لشيء، طيب ما هو ذكر بعد ذلك قال (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ)، إذن القطع المتجاورات ينبغي أن تشير إلى أمر آخر غير تجاور قطع الأرض التي تصلح أن تنبت، هذه فيها أعناب، وينبت في هذه نخيل.. وغير ذلك؛ بدليل أنه في آية أخرى قال (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)، هذه الآية تفهم في السياق القديم أنه والله تصحر أطراف الأرض وعدم صلاحيتها للزرع بعد أن كانت صالحة، هذا نقص طبعاً لها، فيها إشارة بأنه يعني كما أن الأرض تنقص، معناها أنتم تنقصون وإنكم في حال قوة، لكنكم ستضعفون ولا بد أن يكون لكم نهاية كما هي الحال في الأرض؛ لكن نحن الآن نعرف أن الصفائح التكتلية تنقص من أطرافها، بسبب انتقاء الصفائح، ويعني ضرب بعضها لبعض، تلتقي أحياناً الصفيحة القارية مع الصفيحة المحيطية، فتغوص أحدهما تحت الأخرى، هذا يؤدي إلى نقص مساحة في هذه، ويؤدي بعد ذلك إلى تشكل الجبال؛ وهو محور آخر أيضاً يمكن أن نتحدث عنه في يعني محور لاحق".