• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

مفاهيم نشأة الكون (٢) | د. يوسف أبو عواد

للإستماع




ناقشَ الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مفاهيم"، مفهوم نشأة الكون وَفق اللسان العربي المبين، مستكملاً ما بدأه في حلقة سابقة عن مجموعة من المفاهيم؛ منها مفهوم اليوم ومفهوم المرحلة الذي فُهم أنه اليوم، ومجموعة محاور، حتى وصلنا إلى المحور الخامس (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا)، (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ)، وما المقصود بذلك؟ وكيف يكون ذلك؟


المقصود بـ"وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا" و"وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ" وكيف يكون؟

وقال الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "الآن نحن شرحنا ما معنى مادة (وبسط في الأرض، ودحا، وطحا.. وإلى آخره) وقُلنا إن هذه الكلمات لا تتعارض أبداً مع فكرة كروية الأرض. مشكلة الجبال أنه طبعاً في أحد الجانبَين نجد أنه يستدل فيها على فكرة الإعجاز وفي الجانب الآخر يستدل فيها أنه والله كيف ألقاها يعني؟ (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ)، قال لك كيف ألقى الجبال؟ يعني هذه الآية تشير إلى أن الجبال جاءت من خارج الأرض، وأيضاً فكرة أن الجبال رواسي، الآن هل الجبال رواسي؟ بمعنى هل هي تثبت أو تساعد في تثبيت القشرة الأرضية؟ الجواب نعم.

السؤال الثاني: هل الجبال (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً) هل الجبال أوتاد؟ معنى (أوتاد) يعني لاحظ؛ ينبغي أن يكون لها جذر في باطن الأرض، وهذا الجذر لا بد أن يكون يعني مثل على الأقل ارتفاعها فوق سطح الأرض، طيب الآن: هل الجبال لما رصدت باستخدام الموجات، وإلى آخره، هل لها جذر؟ الجواب نعم. إذن هي تسهم في تثبيت؛ لأنه القشرة الأرضية الموجودة الآن فوق طبقة تحتها وفوقها وفي داخل الأرض، هناك لب الأرض، هل الجبال تسهم في توزيع الحمل على كتلة القشرة الأرضية وعلى الصفائح التكتونية؛ بحيث تسهم في ثباتها؟ الجواب نعم. تبقي كلمة (ألقاها)، ما معنى (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ)، بعض الناس قال إن الرواسي المذكورة في الآية هنا ليس المقصود بها الجبال، ولكن في الحقيقة كلمة (رواسي) لما نبحث عنها في القرآن الكريم، نجد أنها مرتبطة بموضوع الجبال".


اللغز في كلمة "أَلْقَىٰ"

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "لكن اللغز في كلمة (ألقى)، هل معنى ألقى يعني جاء به من خارج الأرض؟ هذا هو السؤال، ولا لأ؟ إذا ذهبنا إلى الآيات التي تتحدث عن موضوع الإلقاء؛ نجد أن منها (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا). طيب؛ لماذا الذي يتكلم عن موضوع إلقاء الجبال أو الرواسي لا يكمل الآية؟ هل هناك أحد يقول إن الأنهار ألقيت؟! هل يمكن أن يُقال أصلاً هذا؛ بمعنى جاءت من خارج الأرض؟ الجواب لأ، لكن كلمة (ألقى) أصلاً هي مأخوذة من ألقى واللقاء، هي ترجع إلى الأصل (لقي)، اللقاء معروف، ما هو أصلاً يعني في اللسان معروف ما هو، هل الجبال تكونت عن طريق الإلقاء بمعنى التقاء شيء مع شيء بحيث يكون أحدهما أعلى من الآخر؟ هذا معناه، لأنه أنت الآن انظر إلى طريقة تشكل الأنهار والسبل، ستفهم ماذا يقصد القرآن الكريم من موضوع إلقاء الجبال، الأنهار، كيف تتشكل؟ تتشكل بسبب حركة الماء، وقانون الجاذبية الأرضية؛ لما تتحرك المياه من منطقة أعلى إلى منطقة أسفل باستمرار، تقوم بهذه الملاقاة بين الماء وسطح الأرض، يؤدي إلى الحت والنحت في سطح الأرض، ليتكون مسار النهر، وقل مثل ذلك في السبل، يعني الطرق التي يسير فيها الناس، تتشكل أيضاً لما الناس ترى أو تعتمد طريقة معينة؛ أنه أكثر مسافة ممكنة بين نقطتَين، فيسيرون عليه مرة بعد مرة، ملقاة أرجل الناس والدواب والسيارات الآن والمركبات وغيرها لهذه المنطقة من الأرض، تؤدي إلى تشكل السبيل..".


كيف يتكون الجبل؟

وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "طيب والجبل، كيف يتكون الجبل؟ يتكون نتيجة التقاء الصفائح التكتونية التي ذكرناها وذكرنا طرفاً من هذا في الحلقة السابقة، فتلتقي صفيحتان تكتونيتان، ما يؤدي إلى انزلاق إحدى الصفيحتَين تحت الأخرى، ويؤدي إلى تهشم وتحطم ينتج عنه بروز الجبل فوق سطح الأرض ونزول جذر هذا الجبل أيضاً تحت السطح. إذن هذه عملية إلقاء؛ لأنه التقى شيء أعلى بشيء أدنى، فولد شيئاً جديداً، فهذا معنى (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) تماماً كما فهمنا قضية الأنهار، فهمنا قضية السبل، وفهمنا بالتالي قضية الجبال، والإشكال إذن معناها يتوافق مع أحدث ما توصل إليه العلم اليوم".


إشكالية "الإلقاء" في تكوُّن الجبال والأنهار والسُّبل

وقال د.يوسف أبو عواد، رداً على "على قصة (ألقى) مثلاً (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) مثلاً ألقى البحارة المرسى": "أينعم، هو صحيح فيه جانب أعلى وجانب أسفل؛ لكن الفكرة أيضاً فيه التقاء ولّا ليس مربوطاً بقضية السماء؛ يعني هو كان يطرح استشكالاً أن الجبال جاءت من السماء فأُلقيت في الأرض، هذا الاستشكال مصدره ليس قرآنياً.. ببساطة يعني (وألقى) لاحظ (وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)، طيب الإلقاء شو معناه؟ معناه نزول الألواح من يد موسى، عليه السلام، إلى الأرض، إلى أن التقت بالأرض. طيب، ونحن لا نقول لا يوجد التقاء بين شيء أعلى وشيء أدنى موجود، بالعكس تكوُّن الجبال هو ناتج عن التقاء، وكذلك تكون الأنهار، وكذلك تكون السُّبل".


الفرق بين "ألقى" و"رمى"

وأجاب أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، عن سؤال "ما الفرق بين (ألقى) و(رمى)؟ لماذا لم يقُل (ورمى الألواح)؟ لماذا قال (ألقى الألواح)؟"، قائلاً: "المعاني المعنوية والبعد المفهومي للموضوع الآن؛ أنه إذا حصل الإلقاء بقصد إيجابي يكون ظاهره أحياناً لنقُل مثلاً نقاشاً شديداً، لكن هذا النقاش الشديد بين الأفكار إذا نحن أخذنا هذه الفكرة الكونية وامتددنا بها مفهومياً، سنستنتج أن الأفكار القوية قوة الصفائح الأرضية، إذا التقت فتناقشت وتحاورت، ظاهر الأمر الأوَّلي أن هناك خصاماً شديداً، لكن نتيجته النهائية أنه ستتولد أوتاد تثبت أركان الفكر البشري، يعني ممكن الآن الناس الذين يتبنون فكرة أنه والله أنا أتمسك بالنص، أرجع إلى النص الأصلي الذي حفظه الله، وأحلله وأسير في تحليله وَفق آلية اللسان العربي، قد يحصل هناك لقاء بين فكر وفكر ظاهره تصادم؛ ولكن النتيجة النهائية ما دام هناك ضابط، وهو يجري وَفق ضابط معين، فالنتيجة النهائية هي أن يتولد وتد يثبت الفكرة الكلية مثلاً ويؤدي إلى الوصول إلى نتيجة ممتازة جداً تعطينا على الأقل يعني خطَّ رجعة ومكاناً نلوذ به لو حصل بعد ذلك نوع من الاختلاف، ولذلك الله، سبحانه وتعالى، قال، لاحظ (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هو قال في أول الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، كرر (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)؛ (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، كيف؟ لاحظ كلمة (أطيعوا) الأولى، الثانية ذهبت لما حصل التنازع، يعني الآن طاعة الله ليس فيها إشكال، طاعة الرسول ليس فيها إشكال، طاعة أولي الأمر ليس فيها إشكال؛ فيها نظام، حصل نزاع، هل هناك قاعدة كبرى؟ نعم يستند إليها، هل هناك وتد؟ آه (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ)؛ بمعنى كيف نرد إلى الله؟ الناس، معظم الناس، يقولون إن معنى الرد إلى الله، يعني إلى كتاب الله، طيب والرسول، ما هو الرسول جاء أصلها رسالة، يعني رسل، الرد إلى الرسول هو الرد إلى رسالة الله التي هي القرآن الكريم، والرد إلى الله هو الرد إلى خلق الله وسُننه في الوجود وكونه، ومنها وهي تلقي العدتين الكبيرتين المتوافقتين؛ هما يعني السند الذي يمكن أن يستند إليه، والتي تشكل وتداً، وإن حصل التنازع؛ لكن إذا التزمنا بالمنهجية الأصلية تشكل وتداً يحتمي به بعد ذلك من أنه الإنسان يزيغ وينحرف.. تمام، هذا البعد المفهومي للموضوع، يعني صورة من صور تطبيقاته، يعني القصد أن النقاش حتى لو كان في بدايته فيه اختلاف، فيه نوع كما يشبه تهشم الصخور إذا التقت الصفائح؛ لكن إذا كان لضابط وَفق سنة أصلية، فنهايته في الحقيقة سعيدة، ونهايته لقاء يثبت ولا يهدم، هذا الفرق بينه وبين الرمي..".


لماذا جمع القرآن "الظلمات" وأفرد "النور" في "وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ"؟

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "الرمي يمكن أن نشبهه بالجدال اللي أنت تتبنى مثلاً طريقة، وأنا أتبنى طريقة؛ طريقتك في الأصل عوجاء، يعني أنت لا تسير في فهم النصوص وَفق ما أمرك الله، لن نلتقي، أنت ستهدم، لن تكون هناك نقطة التقاء؛ هو بالمناسبة يعني للربط صراحةً بين المحاور وبين ما ذكرته، الهدف أصلاً من تحليل نحن لماذا نحلل كلمات القرآن ومفرداته؟ نريد أن يصل الناس إلى قناعة أنه القرآن الكريم على مستوى عالٍ جداً من الدقة في يعني وضع الألفاظ، لا يرقى إليها أي شيء، فيزداد تمسك الناس بهذا النص، ويؤمنون فعلاً أنه هو القاعدة الأولى والكبرى التي ينبغي أن يحاكم كل شيء بناء عليها؛ لذلك نحن حتى نتطرق إلى ألفاظ لها يعني نقارنها بأحدث ما وصل إليه العلم، ونثبت مرة بعد مرة أن الألفاظ لا تزال صالحةً لأن تصف الظواهر، نحن لا نقصد أنه والله سنكتشف من الألفاظ، لكن يكفينا أن اللفظ كان صالحاً لفهم القديم، وما زال صالحاً لما اكتُشف من الظواهر، ويجب، ولكن مع ذلك أن نحدث فمنها بما يتواءم مع التحضر والتحدث أو التحديث الذي يحصل في الكون، ففي الليل والنهار مثلاً نجد الله، سبحانه وتعالى، يقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)؛ هناك تفريق في الآية بين (خلق) و(جعل)؟ آه، هل الجعل هو خلق ولَّا هو مرحلة لاحقة؟ في الحقيقة في سياق الآية يقول لك الجعل هو أن تخصص، تحول شيئاً ليكون مخصصاً لغاية معينة؛ معناها الخلق الأول للسماوات والأرض أو التخلق لم يكن فيه فكرة أصلاً السماوات والأرض، الظلمات والنور؛ الظلمات والنور هي أمر جُعل بعد ذلك ليكون لكلٍّ وظيفته، فقوله (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)؛ أي حوَّل جزءاً مخصصاً ليؤدي دورَ الظلمات، فخصصه لهذه المهمة، وحوَّل جزءاً مخصصاً من الخلق؛ ليؤدي دور النور، لكن الملاحظ أن الآية جاءت بكلمة (الظلمات) جمعاً، بينما كلمة (النور) جاءت مفردة، والسبب معظم الكون ظلمة، وأصل الكون ظلمة، وكان الناس يظنون أن الظلمة هي الفراغ أو هي اللا شيء؛ ولكن القرآن يقول (وجعل الظلمات)، لو كانت هي اللا شيء كان قال (أبقى الظلمات)، ويقول في آية أخرى (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ)؛ محونا معناها الشيء الموجود، لكن له أثر خفيف جداً كالكتابة التي مُحيت إذا ما دققت النظر واستخدمت الوسائل المعرفية التي أتاحها الله لك، سترى أثره، طيب لاحظ الآن الدقة ولاحظ العلم، ماذا يقول؟ يقول العلم إن معظم الكون مادة مظلمة وطاقة مظلمة وليس فراغاً كما كان يتبنى قبل ذلك، هذا الظلام الذي يشاهد في الكون يُسمى (أنتي ماتريال)، يعني ظهرت عليه جميع خصائص المادة؛ ولكن بشكل معاكس، ورصدت ظواهر كثيرة لن نخوض في تفاصيلها؛ لأنه الهدف إيصال المعنى، تثبت أن هذا الظلام الذي هو في الكون هو مادة، ولكنها مادة مظلمة، وفيه طاقة؛ ولكنها طاقة مظلمة، وهو يشكل 95 في المئة من الكون الذي يشع، فجمع القرآن كلمة الظلمات وأفرد كلمة النور، طيب ويقول لك (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) يعني إذن الليل، كما قُلنا، مادة، والنهار يقول قائل ما هو النهار نفسه الشمس، كيف يعني؟ النهار هو الشمس، ولكن العلم يقول لك لأ؛ النهار هو شيء يخرج من سطح الشمس، وقد يكون سببه هو تولد في الشمس قبل ملايين وربما آلاف السنين قبل أن يصل إلى الأرض الضوء، الآن أثبت العلم أنه فوتنات، وأن خروجها من سطح الشمس سيؤدي في نهاية المطاف إلى نهاية الشمس باعتبارها نجماً، ستنتهي.. إذن لما القرآن الكريم يتعامل مع النهار أنه شيء مختلف عن الشمس، الشمس ليست هي مجرد النهار، هي شيء انفصل عن الشمس فولد ظاهرة النهار".


هل يمكن فصل الشمس عن النهار؟ هل يمكن تحصيل نهار دون شمس؟

وأجاب أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، عن سؤال "هل يمكن فصل الشمس عن النهار مثلاً؟ هل يمكن تحصيل نهار دون شمس؟"، قائلاً: "لأ، ليست هذه الفكرة؛ ولكن أنت مثلاً تقول (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا)، وتفصل الشمس عن الليل، يعني هذا معناه أن ما تراه من ضوء الآن هذا هو ضوء النهار الذي نراه، هل هو الشمس ذاتها ولَّا هو شيء انفصل عنها؟ هنا مكمن يعني فصل الكلام، هل هو نفسه ممتد من الشمس؟ يعني هو امتداد الشمس ذاتها واللي هو شيء انفصل؟ طيب، أحدث ما وصل إليه العلم، وهذا بالمناسبة نتائجه قاطعة، هو أنه شيء انفصل وخرج ففارق سطح الشمس، فشكَّلَ شكل ظاهرة النهار، وأما خلق الليل فإقرار العلم اليوم بأن الظلام الذي يمكن أن يكون الليل أحد ظواهره هو مادة يدل على أنه مخلوق، وليس مجرد فراغ".


وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا.. وقفة مهمة جداً

وتابع د.يوسف أبو عواد: "وأيضاً في آية أخرى يقول (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)، وعلى فكرة هذه الآية تحتاج إلى وقفة مهمة جداً؛ لأنه أغطش الأصل الثنائي لها الذي هو (غط) و(الغط) معروف، ومنه تولدت كلمة (الغطس)، وكلمة (غط) وكلمة (غطش)، طيب إذن ما معنى أغطش ليلها وأخرج ضحاها؟ يعني جعل الليل مغطًى، ولكنه موجود؛ لما أنت تأتي إلى ظاهرة الثقوب السوداء الآن مثلاً وتجد أن الضوء يدور حول الثقب الأسود حتى يختفي، ولا نستطيع أن نرصد مداخل الثقب الأسود؛ لأنه لا يعكس ضوءاً، فتلاحظ ما يشبه عملية الغطس للأجرام السماوية في داخل هذا الثقب، كأنها تغطس في ذلك المكان؛ لكن الأمر يحصل بانتشار، فناسب أن يأتي بحرف الشين، ليصف هذه الظاهرة؛ فقال (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)، والضحى كما قُلنا هو النور، فخروجه يعني أنه ينفصل عن سطح الجرم السماوي، أو عن سطح النجم قبل أن يعني يظهر أو يصل إلى الأرض".


وصف الليل والنهار في "فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ"

واستكمل أبو عواد: "وتحدثنا أيضاً عن قوله (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ)، وهنا أيضاً وقفة مهمة جداً في وصف الليل والنهار، قال (وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)؛ يعني ما الذي يسلخ من الآخر؟ (وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ)؛ إذن الأصل الليل ولَّا النهار؟ الأصل الليل.. وهكذا، أيضاً العلم يقول لك إن الأصل الموجود في الكون هو الليل؛ ولكن ليه قال نسلخ؟ لأنه انفصال النهار هذا الذي ينتج طبعاً عن حركة دوران الأرض يعني حول الشمس، ذهاب الضوء التدريجي هذا ليس أمراً سهلاً أبداً؛ يعني هو حركة صعبة جداً تشبه حركة سلخ الشاة، تؤدي إلى انسلاخ النهار عن الليل، وقال (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا)؛ يغشي الليل النهار معناها أن النهار حين يبرز وحين يعني يخرج في الصباح يغطي على الليل، فلو نظرت من خارج الأرض ستجد أن الظلام هو الأصل، وأن هناك شيئاً صغيراً جداً فيه جزء صغير يغطي على هذا الظلام؛ وهو الليل، فيغشيه، ولكن قوله (يطلبه حثيثاً) فيه معنى مهم جداً؛ الحث، الآن معروف الحث ما هو، يعني مثلاً في الفيزياء يقول الحث المغناطيسي الذي يولد الكهرباء، الحث المغناطيسي ينتج عن حركة دائرية، لما يقول لك أنه (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا) معناها أن الليل يطلب النهار بشكل حثيث، كيف سيطلب الليل النهار بشكل حثيث؟ هناك رابط يربط بين وجود الليل والنهار، وهذا الرابط مستمر بشكل حثيث كحث المغناطيس".


إشارة قوية جداً على كروية الأرض

وأضاف أستاذ اللغة العربية، المختص في اللسان العربي المبين: "يقولون الأرض إن القرآن قال إن الأرض منبسطة، كل هذه الكلمات التي ذكرناها من الدحو والطحو، ويغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً، ويكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، تشير إشارات لسانية واضحة جداً إلى أنه لا يمكن أن يكون شكل الأرض إلا كروياً، إذا نظر إليها من الخارج، وإلا لا يمكن أن يطلب الليل النهار حثيثاً، لو كانا مجرد ظاهرتَين تلحق إحداهما الأخرى، أين الحث الحاصل بينهما لتطلب إحداهما الأخرى بهذه الطريقة؟ فهذا قوله (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا)، وهناك آية أخرى أيضاً مهمة جداً تتعلق بظاهرة الليل والنهار، وهي (أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) ما الأهمية لهذه الآية؟ الأهمية تكمن في أن لها إشارة قوية جداً أيضاً على كروية الأرض، وعلى طريقة حركة الأرض حول الشمس، كيف؟ هو قال في أول الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ)، لا يمكن أن نسمي الليل ظل الليل، في القرآن شيء والظلام شيء، والظل شيء آخر؛ الظل معناها مرحلة بين الظلام والنور، يعني، ولذلك يكون فيه بعض نور خفيف جداً، ثم يتشكل الظل. طيب امتداد الظل يحصل في وقت الفجر؛ يعني بعد بزوغ الفجر الأول تبدأ الأرض كلها تكون على شكل ظل، يعني فيها نور خافت جداً ممتد على جميع المنطقة التي يكون فيها الفجر أو الإسفار حصل فيها، الآن هذا الظل ليس مرتبطاً في هذا الوقت بقرص الشمس، طيب سبب الظل الآن الذي يحدث في الأرض الممتد هو أن الشمس، قرص الشمس يكون تحت في نظر الرائي طبعاً يكون تحت كرة أو تحت أفق الأرض فيتشتت ضوء الشمس في الغلاف الجوي؛ هذا التشتت يولد الظل، لأنه لم يكن، لم يحصل، درجة أنه شعاع النور يظهر نور الشمس؛ إنما يتشكل الظل ممتداً على جميع المنطقة التي حصل فيها الإسفار، طيب لا يمكن أن تقول إنه مد الظل، ثم جعل الشمس عليه دليلاً، إلا إذا كانت الحركة دائرية بين الأرض والشمس، وأن الأرض تدور حول الشمس. إذا لاحظت نحن كنا نتكلم عن منطقة معينة حصل فيها الإسفار وليس ظل شيء، ما هو لو ظل لم يكن ممتداً هذا الظل الذي تحدثت عنه الآن، هذا ظل محصور الذي قالت عنه الآية بعد ذلك ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا)؛ يعني متي تصبح الشمس دليلاً على الظل بعد خروج قرص الشمس ولا قبل؟ قبل، كل الظل منتشر في كل مكان، ما فيه ظل جسم الأرض، كلها ظل؛ بمعنى أنه مرحلة بين النور والظلام، هذا معنى الظل، يعني الظل أصلاً ليس ظلاماً دامساً؛ هو مرحلة فيها خيال، يعني كما يقال، طيب الآن الظل ممتد في منطقة جغرافية معينة، حصل فيها ما يُسمى وقت الإسفار أو الفجر الفلكي، يسمى أيضاً حصل الظل في منطقة كاملة، ليس في كل الأرض؛ ولذلك الآية جاءت في أولها (أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ) بصيغة المفرد (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا)، يعنى لو شاء لأبقى الظل كما هو في جميع المنطقة، هذا طبعاً يحصل إذا كان دوران الأرض حول الشمس يستغرق نفس المدة أو دوران الأرض حول نفسها يستغرق نفس مدة دوران الأرض حول الشمس، لو حصل هذا أنه نفس مدة الدوران؛ سيبقى الظل ساكناً كما هو في المنطقة التي حصل فيها؛ لكن لما ذهب إلى مرحلة (ثم جعلنا الشمس) استخدم صيغة الجمع، فقال (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا)؛ لأنه الظل سيحصل في منطقة صغيرة جداً بالنسبة إلى الكرة، والشمس في نفس اللحظة هي في مناطق أخرى من الأرض كثيرة، تشكل ظلاً تكون هي دليلاً عليه، يعني دليل معناها؛ هي تعطيه، هي مفتاحه، هي سمته، هي التي يتحكم في طول الظل أو قصره حسب موضعها في السماء".


لا يمكن أن يكون شكل الأرض الخارجي إلا كروياً

وتابع د.يوسف أبو عواد: "فالآن إذا قارنت المنطقة التي يحصل فيها إسفار في إحدى المناطق بالكرة الأرضية، ستجد أنها منطقة صغيرة قياساً مع المناطق الأخرى التي تكون فيها الشمس ظاهرة فتشكل ظلال الأجسام، لذلك ناسب أن يقول (ألم تر إلى ربك) بصيغة الإفراد (كيف مد الظل)؛ لأنه يشير لك بهذا الإفراد إلى أنه الكلام على حيز محدد، وهي منطقة صغيرة يحل عليها وقت الإسفار أو الفجر الفلكي، وفي نفس اللحظة هناك مناطق كثيرة في الأرض الشمس مشرقة فيها، وهي دليل على الظل، تتحكم في تشكله، يعني هو حالة وليس مادة؛ لأنه لم يصفه بالكلمات التي تعني الخلق وتعني الجعل، لذلك قال لك (ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً)، فهو حالة ناتجة عن الأثر؛ أثر وجود ضوء على جسم، لكن كيف كان ممدوداً مع أنه هو ناتج أصلاً عن الشمس.. هذا يعني كما قُلنا لا يمكن أن يكون ممدوداً على منطقة كاملة، إلا إذا افترضنا أن قرص الشمس موجود، وهو موجود تحت أفق الأرض. طيب، الآن الذين يتبنون فكرة الأرض المسطحة، هذا لا يصلح معهم أبداً؛ لأن هم يعتبرون أنه الشمس تدور فوق الأرض من مكان إلى مكان، وأنها صغيرة فتظهر في بعض الأماكن وتختفي من بعض الأماكن، لا يمكن أن يفسر هذه الآية فكرة أنه مد الظل، إلا إذا كان قرص الشمس تحت الأفق، فتشتت ضوء الشمس في الغلاف الجوي؛ هذا التشتت ولد ظلاً ممتداً، فإذا خرج قرص الشمس صار يتحكم بعد ذلك بالظل حسب ارتفاع قرص الشمس... لا يمكن أي إنسان أن يقول إن الأرض من شكلها الخارجي منبسطة أو مسطحة، لا يستطيع تفسير هذه الآية بأي شكل من الأشكال، لا يمكن أن يفهم معنى قوله (وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا) ومعنى قوله (مد الظل) ولا قوله بعد ذلك (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا) إلا بطريقة واحدة، هم ماذا يقولون لك؟ هو الظل، هو مخلوق منفصل أصلاً، والشمس لا علاقة لها بالظل، بس هذا لاحظ، الفكرة ممجوجة؛ يعني لا يمكن لإنسان أن يتقبلها؛ لأنه يقول لك كيف يعني الظل؟ أنا ألاحظ أنه الظل يتشكل نتيجة للشمس وبُعدها وقربها وزاويتها، كيف الظل موجود ولا علاقة له بالشمس؟ لكن القرآن لم يقل هذا، قال مده، فهمنا الآن من دلالة الكلمة وما قارنّا به من اكتشافات علمية أن المد يقصد به تشتت الضوء في الغلاف الجوي وعدم سقوطه المباشر على الأرض، وفهمنا بعد ذلك قوله (ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً)؛ لذلك قال (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا)، وهذا أيضاً يتناسب مع الحركة الدورانية وليس الحركة الطولية؛ يعني القبض اليسير الذي يتشكل درجة درجة، لا يتوافق مع حركة طولية تكون يعني حركة خط مستقيم.. لأ؛ هو يتوافق مع الحركة الدورانية، حتى يتحقق عليه كلمة يسير، اللي هو درجة على المنقلة التي يستخدمها الطلبة، فهذا أيضاً يعني مجموع الكلمات آية الظل هذه، وآية يكور الليل على النهار، وآية يطلبه حثيثاً، وآية دحاها وطحاها.. كلها دلائل قوية جداً جداً لسانياً على أنه لا يمكن أن يكون شكل الأرض الخارجي إلا كروياً..".


جماعة الأرض المسطحة والتمسك بفكر محرف والروايات الإسرائيلية

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "وهذا طبعاً يتوافق معاه، هو حقيقة علمية يعني؛ لكن أنت تعرف جماعة الأرض المسطحة، كم لها انتشار الآن، والناس يتحدثون فيها، وبالمناسبة هذه ليست فكرة إسلامية؛ يعني هم عالة على جماعات أخرى أصلاً موجودة في دول غربية متمسكة ببعض النصوص الموجودة في الأسفار اليهودية وملاحقها، ويريدون أن يتمسكوا بهذه النصوص فيرفضون كل ما أنتجه العلم، وتواتر يعني علماء الفيزياء، وهم ليس أصلاً فيهم عالم فيزياء واحد ولا حتى متخصص بالفيزياء الفلكية، إنما هو تمسك بفكر يعني محرَّف أنتجه البشر؛ لكن للأسف وجدنا من المسلمين مَن يسير وراءهم، فيخرج بنفس النتيجة، ما ولَّد فكرته من النص، لو كان منطلقه النص لن يصل إلى هذا، مستحيل، إنما نفس ما حصل مع بعض المفسرين القدامى، كيف ولد فهمه للآيات من خلال الروايات الإسرائيلية التي يعني كانت منتشرة وكذا، فصار لما يقرأ النص لا يقرأه بعين صافية؛ إنما بتأثرات مسبقة، فيخرج بالتالي بنتائج منحرفة أيضاً".


القرآن الكريم والكشوفات العلمية الحديثة

وقال د.يوسف أبو عواد: "القرآن الكريم يعني يُعنى بهذه الظاهرة، فيصفها بوصف يمكن فهمه بطريقة بسيطة؛ ولكن سنقف مع الألفاظ، لنرى هل الألفاظ ما زالت في قمة الدقة في ما يعني يتعلق بالكشوفات العلمية الحديثة؟ فمثلاً في قوله تعالى (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ)، كلمة (لواقح) معروفة لدى الناس، يعني التلقيح، الناس يعني يعرفون التلقيح بين ذكر وأنثى، ويعرفون أن التلقيح يؤدي إلى يعني تولُّد الجنين وتكوُّن الحياة.. هناك آيات تشير إلى أن الريح لها دور في دفع السحاب ليلتقي بعضه ببعض، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي) (يزجي) أصلها الثنائي (زج)، وتعرف زج به زجره وأزجاه؛ هي تعطي معنى الدفع (يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا)؛ يعني معناها السحب البسيطة تجتمع، يجتمع بعضها مع بعض فتكون سحباً ركامية، هنا قال (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) العلم الآن يقول لك ليس دور الرياح متوقفاً فقط على دفع السحاب والتقاء بعضه ببعض، وإن كان هذا الالتقاء أيضاً يدخل ضمن لفظة التلقيح؛ ولكن من أهم ما تفعله الرياح أنها تحمل ذرات الغبار وربما حبوب اللقاح وغيرها التي تدخل ضمن مكونات السحب، طبعاً إذا دخلت هذه الحبوب أو حبوب اللقاح والغبار ضمن السحاب، ستسرع من عملية تكاثف بخار الماء حولها، فتثقل من وزن البخار؛ لأنه يتحول إلى قطرات ماء، فتؤدي بالتالي إلى تولد المطر، يعنى كأن العملية فعلاً عملية تلقيح، أنه أنت حملت الريح، حملت بذرة البخار أو حبوب اللقاح هذه، فأدخلتها في السحابة، كانت فيها بخار ماء، سرعت عملية تكثيف بخار الماء حول هذه الذرات، فتشكلت قطرات المطر، فنزل الماء".


وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا "مِن بَرَدٍ"

وأضاف أبو عواد، رداً على "يعني ما يقوم به بالاستمطار الصناعي؟": "هذا هو تكريس لفكرة التلقيح الطبيعي، إنه هي أشياء، مواد معينة يعني من الضوء وكذا، نعم توضع في السحب، عملية تكاثف البخار الموجود أصلاً هو ليس خلقاً طبعاً، هذا ليس خلقاً، وهذا له علاقة بآية مفاتيح الغيب التي سنذكرها بعد قليل، وفيها إشكال كبير جداً في فهمها، سنتعرض له في مكانه، وقال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ) هذا الشاهد (مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ)؛ هنا فيه أمر عجيب، يعني في سياق الآية ينزل من السماء، من جبال فيها.. إنه يصف الغيوم بأنها جبال، في الحقيقة إذا ذهبت تبحث عما يسمي اليوم السحب الركامية الرعدية؛ فإنك ستجد أحسن ما يمكن أن توصف بها هذه السحب، بأنها فعلاً جبال، ليه؟ لأنها تتراكم بطريقة طولية وليست عرضية، والطريقة الطولية يعنى نحن ندرك بالعين المجردة أنه ندرك كثافة السحب وندرك عرض السحب؛ لكن الامتداد الطولي في السماء لا نستطيع أن نجزم يعني أن تستخدم لفظة جازمة هكذا وينزل من السماء من جبال فيها.. معناها أنت تجزم لو العلم أثبت لي والله أنه لا يوجد في السماء سحب تتشكل بطريقة طولية، كل السحب عرضية مستعرضة، ستكون هذه الكلمة غير واقعة في محلها؛ لكن العلم يقول لك أن الغيوم خاصة التي ينزل منها البرد، تتشكل بطريقة الجبال فعلاً، وأنه لولا ما يُسمى بالتيارات الصاعدة -أرجو من المتابعين التركيز- لولا ما يُسمى بالتيار الصاعد الجبل يقترن دائماً بفكرة الصعود، لن يتكون البرد، لماذا؟ قال لك لأنه بخار الماء هناك ريح تحركه بطريقة رأسية إلى الأعلى تحريكاً شديداً، فكلما صعد هذا البخار إلى الأعلى أسهم في أن هذا البخار يكون ذرات مائية أكبر؛ لأنه مع سرعة الصعود ومع وجود الغبار وحبوب اللقاح التي تحدثنا عنها في داخل الغيوم، يؤدي إلى تكاثف كتلة أكبر؛ لأنه عندها قوة صاعدة إلى الأعلى، معناها عكس قوة الجاذبية، ناتجة عن حركة الرياح، هذه القوة ستعطيها فرصةً إلى أن يكبر حجمها بشكل أكثر بكثير من الغيوم التي تكون موجودة بطريقة مستعرضة، فإذا وصلت إلى حد معين، تعادلت فيه قوة الريح الدافعة مع قوة الجاذبية بعد ذلك بلحظة ستغلب قوة الجاذبية، فتنزل هذه الحبات البرد، ولكن هو أيضاً قال (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ) يعني فكرة جبال هذه فهمنا ولاحظنا أيضاً أنه المعنى المفاهيمي لكلمة جبال، يعني لا يقتصر يعني شوف القرآن دائماً يجعلك تصحو من غفلة، يقول لك لا تقف على الجبال لأنها صخور وتراب وإلى آخره، مفهوم الجبال واسع، هاهو يتكلم لك عن السحب على أنها جبال، فهذا الاستحساس المفاهيمي للعقل، أنه إياك أن تقف وخلاص انتهى الموضوع، ووجدنا آباءنا على أمة، لأ، سيصدمك في كل لحظة أنه يجب أن يكون عقلك متقداً ومتحفزاً لفهم المعاني، فقال (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ)؛ لم يقل فيها برد أو لم يقل ينزل من السماء من جبال فيها برداً، يعنى لو كان الكلام مباشراً وعادياً كان يفترض أن يُقال ينزل من السماء من جبال فيها برداً، مفعول به للفعل ينزل، أو أن يقول وينزل من السماء من جبال فيها برد، من جبال فيها برد، فتصبح مبتدأ مؤخر؛ لكن هو قال (مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ)".


حقيقة علمية

وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "لا يمكن أن تجد في كتاب تفسيري قديم ما يفسر هذه الـ(من) الداخلة في الآية، ولكن اليوم تجد أن العلم يقول لك لا يمكن أن يتشكَّل البرد تحديداً إلا في وجود ذرات الغبار هذه التي تتكون من حولها حبة البرد، يعني المطر العادي يتشكَّل عادي حتى لو ما وجدت حبوب اللقاح أو الغبار نتيجة تكاثف بخار الماء وثقله، فيسقط عادي دون ما يكون فيه حبوب لقاح؛ أما البرد فهذه حقيقة علمية، لا يمكن أن يتشكل دون أن يكون ذرة الغبار هذه أو حبوب اللقاح موجودة، لذلك قال لك (مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ)؛ يعني إذا أخذت الـ(من) هذه بمعنى التبعيض، أنه الجزء المهم من البرد يجب أن يكون فيه هذه الغيوم الركامية الرعدية، إذا أخذتها بمعنى السببية اللي يجب أن يكون هناك من يعني شيء يسبب تكون البرد، فكانت دقة اللفظة القرآنية وتوافقها مع ما هو موجود يبين دقة النص القرآني، قال (فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ)؛ طبعاً يثبت هذا أنه هذه غيوم كما قُلنا ركامية رعدية، فتقترن بماذا؟ تقترن بفكرة الرعد والبرق".


فكرة مفاتيح الغيب.. وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا

وقال د.يوسف أبو عواد: "الآن نذهب إلى فكرة مفاتيح الغيب (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)؛ هذا طبعاً، هذه الآية الآن تصف بعد خلق السماوات والأرض، يخبرنا الله أنه يعلم كل ما في السموات والأرض، وهذا محل تساؤل للناس؛ يعني يقولون كيف يحصل هذا الإدراك الرباني (َمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)؟ أقول له أكمل آخر كلمتَين، لاحظت أول الآية (وعنده مفاتح الغيب) وآخرها (كتاب مبين)، جميل؛ إذن هو يتكلم عن مفاتيح، عن أقدار، عن قوانين، وضعت هذه القوانين بحسبتها البسيطة والهائلة، طبعاً بقوة الله وعلمه العظيم يمكن معرفة كل ما يتعلق بالتفاصيل التي تحصل في الأرض؛ لأن هو قانونه، هو كتاب، هو مفتاح، وليست القضية كما يظن الناس إنه والله قضية تفاصيل، وكل تفصيل ليست له علاقة بالآخر، هذا معناه أنه الغيب الذي يحصل في السماوات والأرض كله مترابط وخاضع للقدر؛ لكن تبقى آية إن الله يقضي بالقدر، وتدخل الإنسان محدود في الأرض، نعم الإنسان له صلاحية أن يقضي بالقدر، ويقضي، ويمكن أن يعاكس السنن، أيضاً إذا أراد أن يلتزم بكتاب الله وفطرته، سيقضي بما يتوافق مع.. إذن عنده صلاحية، هذه الصلاحية الكبرى أصلاً، هذه الإرادة، هذه نفخة الروح التي ميز بها الإنسان، فصار بشراً، طبعاً عن غيره من الكائنات، وأُعطي الصلاحية أن يقضي ضمن قدر الله، وهذا خطر كبير أو إكرام كبير حسب ما يستخدمه الإنسان".


وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ.. الإنسان لم يحدث نظاماً جديداً

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "وقال في آية لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) يقول قائل آه، طيب الآن نحن صرنا نعلم ما في الأرحام وصرنا ننزل الغيث، طيب احنا شو قُلنا، إن الله عنده، وهو عنده مفاتح الغيب، وقال (كل في كتاب مبين) الذي فعله الإنسان أليس هو تفعيل للكتاب؟ هل فعل شيئاً جديداً؟ هو فعل سُنة الكتاب أو القدر الموجود في الكتاب، فأنزل الغيث، ولم يغير، لم يغير في النظام، لم يحدث نظاماً جديداً، لم يصنع غيثاً؛ لأ هو فعَّل فكرة تلقيح الغيوم التي تمر فوق بلد معين مثلاً حتى تستغل، فتنزل على شكل مطر، بعدين الآية لم تستخدم أسلوب الحصر، يعني الناس يعني أذكر أني سمعت وأنا في سن صغيرة تقريباً أحد الشيوخ يُسأل عن قوله تعالى عن فحص الجنين، يعنى هل هو ذكر ولَّا أنثى؟ يعني سليم ولَّا فيه أمراض؟ أول ما يعني كانت فكرة الفحص عن الجنين قد اكتشفت وانتشرت يعني في العالم، فقال (حرام)، قالوا ليه؟ ليش فحص الجنين؟ قال لأنه (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ)؛ يعني الله هو الذي يعلم ما في الأرحام، شوف الآن السذاجة في الفكرة؟! طيب الآن أنت لما أفتيت بهذه الطريقة إنه هذا حرام، تعرف لو المشاهد يفكر بطريقة بسيطة جداً ربما ستقوده إلى الكفر، ليه؟ لأنه هو يعرف الآن أصبح هناك علم بمفهوم الأرحام، يعني أصبح تشخيص الجنين ومعرفة حاله ذكراً أو أنثى سهلاً، ويخرج بنتائج قاطعة؛ يعني معناها أنت لما تقول حرام، معناها وإحنا استطاع الإنسان أن يفعل هذا الحرام، فيعكس ما تكلم الله به على فهمك، طبعاً معناها خلاص أصبحت الآية لا معنى أو معناها غير صحيح..".


بآلية تدبرية واحدة لن يكون هناك إشكال في الآية

وتابع د.يوسف أبو عواد: "شوف كيف عدم إعمال العقل في فهم النص والتقيد ليه؟! هو ركز أنه هذه مفاتيح الغيب، مين قال هل الآية استخدمت أسلوب الحصر؟ الآية قالت إن الله عنده علم الساعة، لم تقل، لم تستخدم أسلوب حصر، لا، ولا أداة النفي، قالت (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث) لم تقل مثلاً لا ينزل الغيث غيره، هو ينزل الغيث، جملة عادية، يمكن معناها تفعيل فكرة القانون؛ فإنزال الغيث بما فعله الإنسان، ويعلم ما في الأرحام. طيب؛ لكن العلم المحيط بالتفاصيل الدقيقة في الوقت الفعلي لم يكن طبعاً إلا لله، لذلك في آية أخرى قال (وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). طبعاً هذا من باب الجزم أيضاً؛ يعني إذا أردت أن تفهم الآية، ممكن إنسان يقول لك طب يعني يقول لي طب أنت انتظرت حتى اكتشف العلم؛ حتى تخرج بهذه التأويلات؟ لأ؛ أنا أقول لك لو أنا فهمت الآية بطريقة نصية بالتدبر، مش تدبر القرآن، حتى تدبر الآية فقط، طب ما هو في آخر الآية قال (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً)، ممكن أنا أعرف ماذا أكسب غداً، كل إنسان عنده توقع أو عنده تخطيط، ماذا سيفعل غداً، لكن هل الموضوع، هل المقصود في هذه الجملة أنه الدراية بمعنى التوقع النسبي بنسبة حتى 99 في المئة، ولا الجزم القاطع؟ لا يمكن أن يكون معنى الآية إلا الجزم القاطع، إذن لا يمكن أن يكون معنى إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، إلا العلم الكلي، معناها الجزئي من هذه الأشياء قد يقع تحت قدرة الإنسان وعلم الساعة، إذا حصلت على ما تريد سيعرف بها، مَن يعرف هذه العلامات من الناس الذين يعايشون ذلك الوقت، لاحظ إذن الجمل لما تأخذها كلها بآلية تدبرية واحدة، لن يكون هناك إشكال في الآية، بس أنت إذا قُلت لأ، هذه مفاتيح الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله، إسقاطات، أنت أخذت كلمة من هنا مع جملة من هنا، ركبتها على الآية، لم تبدأ بفهم الآية بطريقة مستقلة".


إشكالية صيغة الجمع في فهم السُّنن الكونية

وأجاب أبو عواد عن سؤال "هنا مستويان من الخطاب فيه في الآيات التي سبق وذكرت، أنها ننزل من السماء ماء، ينزل هو بالصيغة الجمع، وفي الآية الأخرى قال الله ينزل، ما الفرق بين الاثنتَين؟ هل ينزل يعني هنا، هل المقصود فيها الذات الإلهية مثلاً نفسه ولَّا أنه هناك مجموعة أخرى؟"، قائلاً: "هو استخدام صيغة الجمع في بعض الأحداث التي تشير إلى الخلق أو حتى التنزيل، قطعاً لا بد أن يكون المقصود الأول والأساس الأول فيه رب العالمين؛ لكن فيه إشارة إلى تضامن وتساند مجموعة من القوانين أو السنن الكونية في إحداث الأمر، وبالتالي يعني دخول مؤثرات فرعية كدور للملائكة أو دور للبشر وغيرها من الأمور، فلذلك تستخدم صيغة الجمع، تحدث؛ إما أنها تحدث على مراحل أو أنه يتعاضد فيها مجموعة من السنن الكونية، لكن طبعاً المصدر الأول الذي يتحكم في كل هذا هو رب العالمين، يعني هو لا ينفي أن الموضوع يعود على رب العالمين؛ ولكن فيه إشارة إنه هاهنا مجموعة من السنن، فحاولوا الانتباه، يعني ليس سُنة واحدة مثلاً تجري أو تتحكم في الأمر، لأ؛ مجموعة من السنن، فيناسب أن تستخدم في صيغة الجمع في هذه الحالة، ولذلك نحن نجد حتى في الأساليب العربية موجودة إنه مثلاً بعض الملوك والرؤساء يستخدم صيغة الجمع في كثير من الأمور، يعني يقول (نحن فعلنا كذا وكذا) لأنه هناك فيه أطراف مساعدة؛ ولكنها تحت سلطة الملك العليا، طبعاً تقوم بفعل الأمر والمساعدة في إنجازه؛ إنما بالنسبة إلى رب العالمين، هذا ليس عجزاً وإنما هو طريقة في الخلق، يعني هذه هي طريقة الخلق، طريقة الخلق هي أن الله أراد أن يكون هناك تكاليف، فبعض المكلفين لا يعصون الله، وبعضهم يستطيع أن يعصي الله، هذه هي الفكرة، لو كان هناك الخلق المباشر دون وجود مثلاً ملائكة أو سنن وسيطة، لا يصلح أصلاً أن تتولد فكرة الإنسان الذي يستطيع أن يعاكس، ما هو لا بد أن يكون هناك من لا يعاكس، حتى يفهم الآن الإنسان أنه يعاكس، هذه هي الفكرة؛ ولذلك نجد آيات تتحدث أيضاً عن خلق السماوات والأرض، فتقول (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ)، لاحظ الفرق، طبعاً يسجد، وييجي يقول لك كيف يسجد، ما هو اترك أرجوك، لا بد من تنبيه العقل، تنبه السجود الذي تفهمه؛ ليس هو معنى السجود المفهوم الكبير، ليس هو، ولا تسبيح الكائنات الذي تحدث عنه القرآن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ)، طب كلهم قد علم صلاته وتسبيحه؟ لأ صلاته واحد، ليس فقط تسبيح، يعني هل معناها أنها تقول سبحان الله ما هو تكرس للأسف في العقل الجمعي عند معظم الأمة الإسلامية، أنه التسبيح امسك مسبحة وبلش سبح، وإذا عددت مئة دخلت الجنة، ومسحت ذنوبك، وإن كانت مثل زبد البحر، هذا الذي تكرس؛ لكن شتان ما بين ما يطرحه القرآن وما بين ما تشكل في أذهان الناس، نتيجة البعد عن النص".


تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ.. أهمية آلية اللسان العربي المبين

وأضاف د.يوسف أبو عواد، رداً على "ولهذا ضروري التركيز على آلية اللسان العربي المبين، في فهم قواعد هذا اللسان، في كيفية فهم ألفاظ النص القرآني": "صحيح؛ يعني ما معنى (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ)، حسب كل ما ذكرناه، ما هو سبح أصلاً معناها جرى كل ما قال (اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، طيب إذن السبح هو الجريان؛ لكن الجريان وَفق نظام ولَّا بعشوائية؟ انظر إلى حركة وَفق نظام، طب لمّا تقول أنا سبحت ما معناها؟ الآن الفعل منك الآن، أنك جريت وّفق النظام دون ما تخالف، سرت في السباح أو في السبح المطلوب الذي يتوافق مع السنن، الآن كل ما في الكون ليس له إرادة أصلاً أن يفعل عكس ذلك؛ فالسماوات والأرض والشجر والطير والدواب كلها تسجد، يعني تخضع كلها، تصلي، معناها كل ما يعيق على فكرة الصلاة سنأتي إليها بتفاصيل إن شاء الله في حلقات لاحقة..".


التسبيح والسير وَفق النظام

وتابع أبو عواد: "لكن المقصود المبدأ هنا كل ما يعيق الحركة أو الجريان وَفق السنن؛ إذهابه وتنقيته حتى يبقى الشيء يسير في مساره الصحيح وَفق السنة الأولى، يعني مثلاً هل جسم الإنسان يصلي كجسم؟ ما هو الآية تقول لك كل شيء يصلي لله؟ الجواب نعم، ليه؟ لأنه الإنسان مثلاً خلق جسمه سليماً، هل يوجد في الجسم آلية علاج ذاتي للجروح؟ نعم، هل يوجد في الجسم آلية محاربة ذاتية للفيروسات والبكتيريا؟ الجواب نعم، هل يوجد في الجسم استشعارات داخلية بالأطعمة المضرة، يعني جرب أن تقطع الأطعمة، الوجبات السريعة فترة شهرين أو ثلاثة، ثم عُد فكلها، صدقني بطنك سيخبرك أن هناك خطأ ليه؟ لأنه يصلي، معنى يصلي، معنى يذيب كأنك تدخل الشيء في الصلي تحت النار، يذيب كل ما لا تريده من الشوائب، حتى يعطيك معدناً نقياً أو لحماً نقياً مما لا تريده، فكل ما في السموات والأرض لو حصل نوع من الاختلال، هناك آلية تصحيح ذاتي.. طيب أقول لك ثقب الأوزون منذ عشر سنوات يقولون سد ثقب الأوزن، ليه توقفت المصانع عن ضخ الدخان المضر الذي يعني أحدثوا آليات وكذا شعروا بخطر كبير على الأرض، كيف ثقب الأوزون، كيف غلق؟ هناك آلية التسبيح، آلية الصلاة؛ ليس التسبيح هنا صلاة الكائنات التي هي تنقيت ما حصل من ضرر وخلل يتخالف مع السنة الكونية، موجودة ومكتنزة في داخل كل شيء خلقه الله، والتسبيح كما قلنا هو أنها أصلاً تسير وفق النظام، وهذا خضوع، إلا البشر كثير منهم يفعل وكثير حق عليه، لاحظ حق؛ لأنه العذاب حق، لأنه ما نقيت نفسك لا بد مما ينقيك من خارجك يعني". 


ما المقصود بـ"وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"؟

وأجاب أستاذ اللغة العربية عن سؤال "الآية التي تقول (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)؛ كيف يعني؟ هل أقول سبحان الله سبحان الله؟"، قائلاً: "ما هو هذا الذي سنخرج منه الآن، التسبيح لا بد أن نبدأ بفهمه بمكونات السماء والأرض التي شرحناها وفهمنا قوانينها.. وإلى آخره. لما أريد أن أسقطه على نفسي ما المعنى الصحيح؟ إذا أنا قُلت (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، القصد سِر في حياتك صباحاً ومساء مسبحاً، يعني تسبح في الفلك الصحيح الذي ينبغي أن تسبح فيه، يعني بعت سلعةً، اشرح للشاري ما تفاصيل هذه السلعة، لا تغش، وضِّح له التفاصيل، كم تخدم، ما صناعتها؟ أنت كمشترٍ أعطه الثمن الذي يستحق للسلعة، ولا تبخس الناس أشياءهم، هل سرت الآن وّفق النظام الصحيح والفطرة الأولي ولَّا لأ؟ هذا على فكرة اللسان، هو آخر ما يقال، فهو فكرة تذكير، بس إنه والله أنت نسيت فتحتاج إلى كما أنا مثلاً أرى ما في الشاشة فقط، حتى أتذكر اللسان، هو اللي يذكرك، الناس جعلوا اللسان هو الجوهر والأشياء الحقيقية بعيدون عنها، إنما تسبيح الكائنات هذا هو، وهذا المعنى الجوهري للصلاة والسجود الذي يذكره القرآن عن الكائنات (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)".


التسبيح وفكرة التنزيه

وأضاف أبو عواد رداً على "يعني عندما يقول فلان إن التسبيح هو عبارة عن عملية تنزيه لله سبحانه وتعالى، أن يكون مثل الأشياء يعني مثلاً الأشياء تتبدل وتتغير وتتحرك وكل شيء هالك إلا وجهه، بمعنى أن الله ثابت، الوحيد في الكون، هو الواحد الأحد، وكل شيء متغير؛ بمعنى أن الأشياء تنزه الله أن يشبهها؛ لأنها هي متحركة ومتبدلة، والله ثابت لا يتحرك ولا يتبدل؟": "صحيح، هي تنزه الله عن كل نقص، ليس فقط أن يشبهها هي أولاً بحركتها التي هي محتاجة فيها إلى بعضها بعضاً، هي نقص، فهي تدل أن كل هذه الكائنات ناقصة، والذي خلقها بالتالي لا يحتاج إليها؛ فهو صمد، فهو ليس ناقصاً.. هذه واحدة؛ لكن النقطة الأهم أنها تنزه الله عن النقص، عن الاختلال؛ لأنها تسير بانتظام، يعني لا توجد عشوائية، كل شيء في موضعه، أي شيء ترتبه في الخلق ستجد أنه يسير بنظام، طبعاً تبقى الأحداث، يعني لاحظ اختبار الله للناس، هو جعلك إلى أقصى حد تستطيع أن تراقب الظواهر الكونية فتعلم أنها محكومة، يعني أقصد أنها بحكمة، لكن الأمر ما يجري من أحداث خاصة إذا دخل فيها عنصر البشر في كثير من الأحداث لا يفهم الناس لماذا يجري هذا، فكأنه الله سبحانه وتعالى يقول لك أنا سمحت لك أن ترى كل ما في الخلق وسمحت لك أن تدرك كثيراً من حكم الأمر، وأخفيت عنك البعض، هل خفيان بعض حكم الأمر عن الإنسان يدفعه أو سيكون له حجة مقنعة إنه والله ينكتب لله سبحانه وتعالى ويترك مثلاً السير وَفق سننه وأحكامه، ولا هذه ليست حجة؟ هذا هو، هذه فكرة التنزيه، إنه هي بانتظامها تشير إلى كمال وحكمة صانعها، فهو إذن منزه عن النقائص".


التسبيح.. السير في السبح الصحيح

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "إذن التسبيح ليس فقط تنزيهاً؛ إنما هو عبارة عن عملية الالتزام يعني في حياة الفرد، حتى الأشياء، الالتزام ضمن القوانين والسنن الطبيعية؟"، قائلاً: "صحيح؛ أنت ينبغي أن تسبح الله، ما معنى تسبح الله؟ يعنى أن تسير بنفسك في السبح الصحيح، في الفلك الصحيح الذي رسمه الله لك، وأراد لك أن تسير فيه، ولك خيار أن تخرج، أنت الوحيد أيها البشر لك الخيار أن تخرج، وكثير حق عليه العذاب، هذا هو، أما كل ما في الكون فلأ، كل ما في الكون يسجد لله، يسبح لله، يصلي لله؛ وهذا يعني بعد أمر الله، طبعاً الأمر هو جاء في مرحلة بعد".


التسبيح وضبط أخلاقيات الناس

وأضاف أستاذ اللغة العربية، المختص في اللسان العربي المبين؛ رداً على "يعني لو نأخذ فكرة التسبيح هذه ونعممها مجتمعياً للناس؛ أن التسبيح يعني التزامك ضمن القوانين والمألوف في المجتمعات": "والخروج عنها هو خروج عن هذا التسبيح؛ يعني أديش ممكن يكون تأثير هذه الفكرة في ضبط أخلاقيات الناس في علاقاتهم مع بعض، والنتيجة النهائية أن الناس سيصلون إلى السعادة المطلقة التي أرادها الله؛ ولكن أنا أقترح عوضاً عن أنه يعني رسائل الواتس آب مثلاً التي يتراسلها الناس في كل صباح؛ يقول لك (سبح الله ثلاثاً وثلاثين، واحمد الله) أنا أقترح في معاملات الناس يستخدمون لفظ (تسبيح)؛ يعني إذا أراد أن يعقد عملية بيع يقول له احذر عليك أن تسبح الله في بيعك، سيجعله يستحضر هذا، لا بد أن يعوض صراحة الفكرة الخاطئة؛ يعني نذهبها من عقول الناس، ثم نضع مكانها الفكرة الصحيحة؛ فأنت تجعله يستحضر أنه احذر أنت إذا غششت في البيع، في الشراء، في الزواج؛ في أي نوع من أنواع المعاملات التي تحصل بين الناس، في التعليم، في أداء المهنة، في أداء الوظيفة، ما الذي تفعله الآن؟ أنت تفعل عكس نظام التسبيح، معناها ما الذي تفعله أنت؟ تفعل إساءة؟ أنت تسيء؛ والإساءة هذه في جنب الله، هي لا تؤثر عليه طبعاً، لكن لاحظ عظم الجرم، سرت عكس كل موجودات الله التي في الكون؛ لذلك أنا أقترح يجب أن نملأ وأن نزيل الفكرة الدارجة هذه التي أصبحت مستهلكة؛ هي ليست مشكلتها فقط أنها مستهلكة، هي تشعر الناس أنهم فعلوا كل ما عليهم، يشعر الناس أنه فعلوا كل ما عليهم، يشعر كأنه نال صكاً وغفر ذنبه، فإذا ذهب إلى المعاملات والبيع والشراء هو عنده يشعر بأمان وضمان أنه أمن خلاص، يعني سبح في الصبح، صلى صلاة الفجر بالمسجد، وسبح ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبَّرَ ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام".


وتابع أبو عواد رداً على "معناها أنه خلاص؛ إن هو صار بالنسبة إليه دفتر حساب بينه وبين رب العالمين": "أيوة؛ فأنا معي واسطة خلاص، معي صك غفران".


إياك أن تسير عكس قانون التسبيح

واختتم د.يوسف أبو عواد رداً على "هو فيه هاي العداد تاعة الصين، بيصير يعد وسوس": "يخرج إلى الحياة مطمئناً أنه شو ما عمل، غفرت ذنوبه؛ بينما إذا أنت ذكرته (سبح الله) إياك أن تسير عكس قانون التسبيح، نحن الآن بيننا معاملة سنعقدها باسم تسبيح الله، لاحظ؛ إذا أدخلنا هذا المفهوم بطريقته الصحيحة في المعاملات، سيبدأ المفهوم ينتشر بين الناس ويعاد إلى وضعه الأصلي الذي ذكره القرآن الكريم واضحاً تمام الوضوح في هذه الآيات التي ذكرناها".