• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

مفاهيم خلق المخلوقات | د. يوسف أبو عواد

للإستماع




ناقشَ الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية، المختص في اللسان العربي المبين، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مفاهيم"، نشوء الخلق أو نظرية نشوء الخلق في القرآن، وكيف بدأ ظهور الكائنات على الأرض؟ ومفهوم الإنبات في القرآن الكريم، وكيف أسهمت العودة إلى الفطرة الأولى في نشوء مظاهر التحضر الإيجابي؟.. وغيرها.


بداية ظهور الخلائق

قال الدكتور يوسف أبو عواد، أستاذ اللغة العربية، المختص في اللسان العربي المبين: "في الحلقتَين الماضيتَين تحدَّثنا عن خلق السماوات والأرض وما يُسمى بالمصطلح الحديث اليوم (خلق الكون)، وبعد ذلك طبعاً السياقات القرآنية تدل على أن ظهور الخلائق بدأ بعد هذه المراحل اللي هيَّ مرحلة الستة أيام. هناك آيات في القرآن الكريم تشير إلى تدرج ظهور الكائنات على الأرض، يعني أنها لم تظهر دفعةً واحدةً، وإنما ظهرت بطريقة متدرجة، مثلاً قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ).. طبعاً ربط الماء بنشوء المخلوقات النامية يعني التي تُسمى اليوم الأحياء، الكائنات الحية، هو أولاً ربط قاطع بمعنى حتى العلم اليوم يقول لك إنه لو كانت هناك خلية واحدة حية؛ سواء أكانت هذه الخلية نباتية أم حيوانية، لا بد أن تكون النسبة الأكبر من هذه الخلية هي ماء، معناها 70% تقريباً من نسبة الخلية ماء، هذا جزم كبير طبعاً".


وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "يعني لاحظ الجملة فيها جزم (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)؛ يعني لو أنه عثر على أي شيء حي ينمو بالطريقة الحيوية المعروفة ولا يعتمد على الماء، سيكون هذا مخالفاً للآية، ولكن ذلك لم يحصل أن عُثر على كائنات لا تشرب الماء، لا تشرب الماء في حياتها قطعاً؛ ولكن طبعاً للوهلة الأولى الناس اعترضوا، قالوا والله وجدنا كائنات لا تعتمد على الماء، لكن بما أنه الخلية أصلاً 70% منها وجميع التفاعلات الحيوية في الخلية، فلذلك هذه الجملة صادقة جداً، في جميع الكائنات الحية الموجودة على سطح الأرض، إنما الآية ما يلحظ فيها أنه قال (فَأَخْرَجْنَا بِهِ)، يعني بالماء، الآن الضمير سيعود على الماء، (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ)، لا يوجد شيء يعود عليه الضمير إلا الماء، (فَأَخْرَجْنَا بِهِ) يعني بسببه (نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ)..".


الإشكال في "نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ"

وتابع أستاذ اللغة العربية، المختص في اللسان العربي المبين: "هذه عبارة (نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ) فيها إشكال قد يُفهم أن معناها جميع أنواع النبات، هذا الفهم المباشر الذي فهمه معظم المفسرين القدماء؛ لكن لو كان هذا المقصود لقال فأخرجنا به كل نبات، والدليل أنه بعدها مباشرةً قال (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا)؛ لا يمكن أن يكون (منه) هنا عائدة على الماء، ليه؟ ليس لأنه الأبعد فقط عن الضمير، ولكن لأنه استخدم نوعَين من حروف الجر، يعنى قال، حتى نبسط الموضوع، (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ)، بسببه يعني، نباتَ كل شيء، فالماء سبب مهم جداً وشرط أصيل في تكون كل ما ينبت وكل ما ينمو وكل ما يوصف بأنه حيوي، ثم قال (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا)، يعني منه الآن ستعود على نبات كل شيء، الذي ذكر في الآية وليس على الماء".


مفهوم الإنبات في القرآن الكريم

وقال د.يوسف أبو عواد، رداً على "يعني لفظة نبات هي أشمل من أن تكون مقصورةً فقط على النبات الأخضر اللي احنا بنزرعه": "وكيف لا تشمل، ونوح، عليه السلام، حين خاطبَ قومه، قال (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا)؛ يعني النص قطع هنا أن لفظة إنبات في القرآن الكريم لا يقصد فيها فقط ما يُعرف اليوم بأنه نباتات، ويقصد به صفة الحيوية التي توصف اليوم بأنها الإحياء أو علم الأحياء أو علم الكائنات الحية.. كل هذا يدخل ضمن مفهوم الإنبات في القرآن الكريم، فالماء ولد ما يمكن أن نسميه الكائن الأول أو الخلية الأولى التي وجدت على سطح الأرض، فكان منها بعد ذلك نبات كل شيء؛ لأنه قال (فأخرجنا منه)، يعني من هذا النبات بتسلسل طبعاً، ومراحل متتالية، كما تثبت الآن أو يثبت علم الأحافير وعلم طبقات الأرض أن ظهور الكائنات كان متدرجاً.. طبعاً المشكلة يعني ممكن الناس تقول نظرية التطور.. وإلى آخره. هو أولاً لا يوجد مانع أن يكون أو أن تكون طريقة الله في الخلق قائمةً على التطوير".


كل تطور في الكائنات يحدث بطريقة مقصودة

وأضاف أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "هذا الفرق؛ نحن لا نقول تطور بمعنى أنه يحصل بطريقة تلقائية أو صدفية أو عشوائية، هذا لا يكون؛ لأن العملية منتظمة وتجري وَفق قوانين وسُنن واضحة جداً، وكل تطور يحدث في الكائنات، يحدث بطريقة مقصودة؛ لذلك نسميه تطويراً.. وَفق القدر الكبير الذي ذكرناه في عدة حلقات، يعني أن كل شيء خلقناه بقدر ووَفق الكتاب الأول يعني، فهذا لا يوجد مانع أن تكون هذه الآلية يعني الفرق؛ مثلاً التطوريون الذين ينحون إلى الإلحاد، هم يقولون إن الانتخاب الطبيعي هو الذي يؤدي إلى تطور كائن عن كائن، عن طريق الطفرات العشوائية التي يعني كثير منها مضر وبعضها منافع، والطبيعة بحكم ظروفها تنتقي النافع والضار، يموت فيفنى.. وهكذا؛ لكن أصلاً عمر الكائنات الحية على الأرض وعمر الأرض وعمر الكون لا يستوعب وَفق قانون الاحتمالات أن يتشكل حمض أميني واحد، وليس كائنات، ملايين الكائنات الحية، فكيف يمكن لهذا الوقت القصير نسبياً أن يكون وَفق الانتخاب الطبيعي كما يقولون، سبباً في نشوء كل هذه الأنواع من الكائنات؟ إذن هي عملية تطوير مقصودة، وكلمة تطوير ليست ابتداعاً ولا هي سعي لأن نوافق ما تذكره النظريات الحديثة، لأ، إنما القرآن الكريم قال والله (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا).. أينعم الأطوار معناها مراحل؛ سواء أكانت هذه المراحل في وجود الكائن نفسه أو في وجود الكائنات، والتراكمية هذه أشارت إليها أيضاً في سورة فاطر، فقالت (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ)، ما دام يزيد في الخلق ما يشاء".


فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا.. سر الخضرة الموجودة في الأشجار

وتابع د.يوسف أبو عواد: "إذن ما الإشكال إذا كان الله، سبحانه وتعالى، أخبر أنه يأتي إلى خلق موجود، فيزيد فيه بالنسبة لخلق سابق عليه، يعني هذا ليس فيه أي إشكال، وهذا أصلاً يجري وَفق سُنة كما قُلنا هو لا يعني أنه فيه التدخل المباشر، لأ هو يجري وَفق سنة وقدر وضع أول الأمر واكتنزته اللحظة الأولى التي تولَّد فيها الكون، فقال (فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا)، هذا الخضر هو الذي نعرفه اليوم بأنه النباتات، يعني القرآن فرق بين كلمة نبات؛ نبات كل ما ينمو، يدخل في هذا جميع أنواع الكائنات الحية؛ البكتريا والفيروسات والنباتات والحيوانات، الفقريات واللا فقريات، إلى الثدييات العليا، فقال (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ)؛ أي بسبب هذا النبات منه من بعضه، يعني تولَّدَ منه، لاحظ منه هنا تفيد التبعيض مع السببية، هذا الفرق بين (من) و(به) في الأول، قال (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ)؛ يعني بسببه، لكن في الثانية قال (فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ)، يعني من هذا النبات، نبات كل شيء، الذي يمكن أن نصطلح فنسميه الخلية الأولى التي وجدت على سطح الأرض التي نقلت الميت إلى الحي، هذا هو إخراج الميت أو إخراج الحي من الميت، فتولد منها هذه خضر؛ الخضر هذا ما يمكن أن نسميه النباتات بجميع أنواعها أو ما يُسمى اليوم، لاحظ المشكلة صارت تداخل مصطلحات؛ يعني الصحيح أن تسمى خضرات يعني النباتات، إذا أردت أن تسميها تسمية قرآنية صرفة ودقيقة ستُسميها خضرات؛ لكن هذا يشمل أيضاً الفواكه، أنه أصلاً الأشجار كلها، النباتات، ما هي معتمدة على مادة الكلوروفيل، هذه هي المادة سر الخضرة الموجودة في الأشجار، حتى لو لم توجد في الثمرة فهي موجودة في الأشجار، والأشجار يعني لا تتحقق حياتها إلا بها، فهذا هو سر الخضرة الموجودة في الأشجار".


وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا.. تَتَبُّع الكلمة

وقال أستاذ اللغة العربية، المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "إذن الخلل صار في إنه قصر معنى اللفظ إنبات؛ بس قصره فقط على النباتات التي يعني نزرعها إحنا أو يزرعها الإنسان بشكل عام": "بالضبط هذا يعني عملت تداخلاً لسانياً جعل الناس يسقطون المعنى الذي أنشأ بعد ذلك على مفهوم القرآن أو الكلمة التي ذكرها القرآن؛ لكن إذا تتبعنا الكلمة كما فعلنا (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا)؛ إذن الإنبات هو كل ما ينمو، الخضر، هو كل ما نسميه اليوم نباتات، يدخل فيه الخضراوات والفواكه والحبوب.. وغيرها، ولاحظ النص كيف قسَّمَه فقال (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا)؛ نخرج منه يعني من هذا الخضر حباً متراكباً، هذه الحبوب الآن (وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ)؛ يعني الأشجار العالية والمثمرة التي يعني يكون ساقها أقوى وأعظم، وجنات من أعناب، يعني أتكلم عن الكروم، الأشجار، تفصيل بدأ من الحبوب والنباتات الزاحفة أو الأرضية إلى أن وصل إلى أرقى أنواع النباتات (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ). طبعاً الآن، هذه أمثلة طبعاً للنباتات الموجودة على سطح الأرض، هي تعطيك نماذج يعني للأشجار الحبوبية، الأشجار الأرضية الزاحفة على الأرض أو النباتات أو للأشجار العالية، هذا هو، ومشتبهاً وغير متشابه، ثم قال (انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ)؛ والينع هو صفة للخضرة، وهذا التركيز على فكرة الينع فيه إشارة إلى أنه سر حياة النباتات قائمة على هذه الخضرة الموجودة فيها كما ذكرنا، وهي متعلقة بعملية البناء الضوئي والكلوروفيل، (إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)".


إشكال إسقاط روايات الأسفار اليهودية على الآيات

وأضاف د.يوسف أبو عواد: "الآن لا نستغرب بعد ذلك؛ لاحظ الفهم الذي سنفهمه بناء على التدبر الآن، يعني نحن فعلنا آلية اللسان ففهمنا ما معنى الإنبات، وفهمنا ما معنى الخضر. عندنا آية تقول (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، الآن لو ذهبت يعني تفتح كتب التفسير وكذا، ستقع في إشكال اللي هم يسقطون الروايات، روايات الأسفار اليهودية على الآيات، طبعاً روايات الأسفار اليهودية تقول إنه وروح الله ترف على وجه الماء.. إلى آخر، هذا في بداية الخلق، فقال لك هذا هو معنى أنه كان العرش أول الأمر، الآية أصلاً ما قالت إنه شوف لاحظ دقة النص القرآني، قال (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، طب الرواية أنت تستدل بها الإسرائيلية، أن العرش كان على الماء قبل أصلاً فصل الجلد الذي يسمونه جلداً في تلك الكتب، وفصلنا في هذا أنه كان العرش على الماء؛ لكن هو متأثر جداً بالرواية ولم يفعل الآلية الحقيقية لتدبر النص والبحث عن الآيات المتشابهة، طب لو أكملت الآية الآن لاحظ التدبر الداخلي في الآية نفسها (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، طيب لنربط هذا مع قوله في سورة الملك (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)؛ لأنه فيه قاسم مشترك، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، طب في سورة الملك (خلق الموت والحياة)، هنا كان عرشه على الماء، إذن معنى كان عرشه على الماء هنا هو خلق الموت والحياة، والعرش من التعريش معناها التعريش، هو إحكام الأمر والسيطرة على الشيء من أعلاه؛ بحيث هذه السيطرة تمسكه إلى آخره، يعني حتى المعرش الآن في اللهجات العامية أنت تعرف المعرش هو شيء أنت تفعله حتى تمسك جميع عروش الشجر من أولها إلى آخرها، فتسيطر عليها، لا تتشتت يمنةً ويسرةً، وهذا على فكرة معنى التعريش، ورد في القرآن لما تحدث عن فرعون وقومه وما كانوا يعرشون، فالآن لما تقول وكان عرشه على الماء معناها أن الأمر الذي تعلق به الماء اللي هو الحياة والموت سببه ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، يعنى معناها أن لأ هو يشير في قوله كان عرشه على الماء أن جعل الماء سبباً للحياة، والموت تحت أمر الله وسلطانه، وتدبيره سببه النهائي ليبلوكم أيكم أحسن عملاً؛ لأنه الكائن الأخير الذي سيظهر هو الإنسان وهو المقصود الأول أصلاً، لأن كل ما سبق مسخر له، فهذا يعني جعل الماء سبباً للحياة الذي سينتهي وَفق امتداد العرش الذي ذكرناه إلى وجود الإنسان، هدفه أن يبلو الناس أيهم أحسن عملاً، يعني اختبار الناس في قضائهم، في القدر الذي أتاحه الله لهم..".


كان عرشه على الماء = خلق الموت والحياة

واستكمل أبو عواد: "فإذن الفكرة بعيدة تمام البعد عن فكرة إنك تتخيل إنه كرسي، وهذا كرسي أو عرش كان موجودًا على الماء، وهذا التجسيد الذي تجعل فيه، تشبه الله فيه بأنه إنسان، وهذا سيكون له حلقة منفصلة وفيها تفاصيل كثيرة مهمة جداً.. لكن ما يعنينا الآن هو كان عرشه على الماء تساوي خلق الموت والحياة؛ يعني ما العرش المقصود هنا؟ العرش هو الأمر الكلي الذي جعل من الماء ما يتحول إلى كائنات تنتهي بوجود الإنسان، هذا هو خلق الموت والحياة. طيب هنا قال كان عرشه على الماء، لماذا هذا التعريش على الماء؟ يعني الأمر المنتشر الذي ستصل نهايته إلى وجود الإنسان، (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)".


وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ.. لماذا لم يقل على الأرض أو السماء؟

وأجاب د.يوسف أبو عواد، عن سؤال "لماذا الماء مثلاً؟ لماذا لم يقل على مثلاً الأرض أو السماء؟"، قائلاً: "هو سبب الحياة التي تولَّدت من الموت الأرض ميتة دون الماء، والآن جميع الدراسات الفلكية لما تبحث عن الكواكب الأخرى تريد أن تتأكد من وجود حياة تبحث عن الماء؛ يعني الموجات أو الأجهزة التي تستخدم في الرصد تبحث عن عنصر واحد هو الماء فقط، إذا وجد الماء عرف أن هناك حياة؛ فلذلك قال عن الماء لأن هو سبب الحياة مش قُلنا خلق الموت والحياة، ولذلك ذكر هنا العرش الذي على الماء، وإلا فالعرش الكلي هو على جميع المخلوقات لما يذكر في الآيات الأخرى (ثم استوى على العرش)، هذا العرش يشمل جميع المخلوقات؛ إنما هنا بعد خلق السماوات والأرض جاء هنا الاستواء على العرش بعد أن قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، خصَّ هنا الموضوع، وجود الأحياء؛ ليشير لنا إلى أن الحكمة من جعل الماء كائناً حياً ستكون نهايتها هي وجود الإنسان الذي يُبتلى فيعرف أيهما أحسن عملاً، وقال الذي خلق الموت والحياة كما قُلنا، الآن فيه آيات أخرى تشير إلى وجود الأنواع الأخرى من الكائنات، يقول (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ)؛ كثير من الناس الذين تمحلوا يعني في قضية الإعجاز العلمي، فجعلوه يصبح أضحوكة عند يعني الناس؛ إنه يقول لك إنه كل شيء في القرآن هو ظن أن كلمة في الكتاب هنا (ما فرطنا في الكتاب من شيء) معناها القرآن، والمقصود لأ، (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)؛ المقصود كتاب الخلق الذي هو خلق السماوات والأرض وما فيه من القدر الذي ولد جميع هذه الكائنات؛ يعنى الأمر الأول، يعني ما يمكن أن نسميه اليوم الأكواد البرمجية التي مشي الكون بناء عليها، أنشأ أنواعاً من الكائنات، (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)؛ هذا معناه إلا أمم، يعنى كلمة أمة تشبه كلمة أم؛ معناها يضمها، ضام جامع، يجعلها منتظمة وتسير وَفق نظام شامل كما هي الحال بالنسبة إلى الإنسان، هذه هي المثلية المقصودة، ثم قال (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ)، ليه؟ حتى يشير لك إلى أن التكون هذا المبني على قضية الأطوار وعلى قضية يزيد في الخلق ما يشاء، وعلى قضية أخرجنا منه خضراً، نخرج منه ونخرج منه.. وهكذا وَفق أسس، مش قصة تدخل مباشر، وضع النظام الأول، وصار مصنع الكون وَفق الكتاب الذي لم يفرط فيه في شيء، وكما قُلنا صناعة أو بناء مصنع لا يحتاج بعد ذلك إلى تدخل بشري أقوى وأعظم إتقاناً بكثير من مصنع يحتاج في كل لحظة أو بين لحظة وأخرى إلى تدخل لتصحيح الأخطاء، حتى آلية التصحيح موجودة ذاتياً وسنأتي إلى هذا ونكرره؛ لأنه ذكرناه في حلقة سابقة وسنورد هنا ما يؤكد أن تصحيح ما يحصل من أخطاء ناتجة عن يعني تداخل المخلوقات بعضها مع بعض، موجودة أصلاً في الكتاب المبين، الكتاب الأول، في أم الكتاب الذي لم يفرط فيه في شيء؛ هي سُنن تجري، سُنن تجري لا تحابي أحداً في وجود المخلوقات وفي تنظيم أمورها.. وإلى آخره".


وَمِن "كُلِّ شَيْءٍ" خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ

واستكمل أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "وأكد هذا فقال (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ) (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، وأيضاً هناك آخر آية يمكن أن نذكرها في تكون الكائنات؛ هي قوله تعالي (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)، وهذه الآية أيضاً في فترة من الفترات في القرن العشرين كانت محل استشكال؛ لأنه لما يعني اكتشفت الكائنات التي تتكاثر بطريقة لا جنسية، قالوا ها قد وجدنا كائنات ليست تسير على نظام الزوجَين، والآية فيها جزم قاطع (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)؛ لكن بعد ذلك لما دخل العلم إلى داخل الخلية فلاحظ أنه أهم شيء في الخلية الذي هو المورث أو الجين أو الكروموسوم، يتكون من زوج من الكروماتيدات، يعني دبلو كروماتيد هذا تزواج موجود داخل نواة الخلية؛ فإذا أرادت هذه الخلية أن تتكاثر ما الذي يحصل فيها؟ تنتفخ، تتفاقم، يتفاقم حجم الخلية، تنفصل الكروموسومات إلى كروماتيدات، ثم وَفق البرمجة الربانية الأولى التي يعني يشملها لفظ الكتاب؛ يتشكل كروماتيد، يزواج يعني يتشكَّل لكل كروماتيد انفصل كروماتيد آخر يتزاوج معه، فتتخثر الخلية ثم بعد ذلك تصبح خليتَين، وكل خلية يعود فيها نفس عدد الكروموسومات المتزاوجة التي يتكون كل واحد منها من كروماتيد.

إذن القضية قضية تزاوج، بل أكثر من هذا، حتى ما ليس بحي؛ لأنه الآية قالت (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)، الآن العلم يعرف تماماً أنه قائم على فكرة الشحنة الموجبة والشحنة السالبة، ولذلك هناك ما يُسمى قانون الديناميكا الحرارية، الذي يعني أن هناك المناطق الحارة والمناطق الباردة في الكون؛ وهو الذي يسبب توسع الكون بالمناسبة".


هل الزوجان ذكورة أم أنوثة أم شقان يتماثلان؟

وأجاب أبو عواد عن سؤال "مفهوم لفظة الزوجَين؛ هل الزوجان هنا ذكورة أم أنوثة أم شقان يتماثلان؟"، قائلاً: "لأ؛ ليس مشترطاً أن يكون هنا الخطأ ما هو الذي ظن أنه الموضوع يجب أن يكون ذكراً وأنثى، أخطأ في الفهم، وكلمة زوج في القرآن الكريم تعني تكاملَ نصفَين أو يعني جزء يكمل الجزء الآخر.. جزآن يكمل أحدهما الآخر لتكوين شيء، هما وجودهما لا يكتمل وجوده بالصورة المثالية إلا بوجود الجزأين معاً، هذا هو المعنى الكبير لكلمة الزوج، وهذا العلم أثبته أيضاً كما قُلنا يعني، والآية لو قالت لذكر وأنثى كان الموضوع مختلفاً، لكن هي قالت (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)". 


لماذا لم يستخدم لفظة الخلق بدل الإنبات؟

وأجاب د.يوسف أبو عواد، عن سؤال "وأنبتاكم نباتاً؛ لماذا لم يستخدم لفظة الخلق بدل الإنبات، بينما لمّا بدأ يتحدث عن خلق الإنسان سماه خلق الإنسان، طبعاً فيه الآية في نوح وهو الذي أنبتكم في الأرض نباتاً، كان يقصد للإنسان خطاب موجه لقوم نوح، لماذا لا يتم استخدام لفظة خلق؟"، قائلاً: "بالنسبة إلى قوم نوح نعم؛ لأنه يعني لاحظ نوح، عليه السلام، لما خاطب قومه قال (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) ، وقال (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا)؛ لأنه قوم نوح كانوا متعلقين باللحظة الزمانية والمكانية التي هم فيها، فكانوا يعتقدون أنه ما قدسوه من الأشخاص وما ربطوا بها من آلهة لهم تحكم فيهم، فهو سألهم سؤالاً مفحماً، يعني قال أنتم الآن كلكم الآن موجودون، ولكنكم لستم وجودكم أولياً من الذي أوجد الأطوار السابقة لوجودكم، كان السؤال الذي يريد أن ينبه عقولهم من خلاله؛ يعني كما حصل مع إبراهيم لما خاطب ذلك الملك فقال له (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)، الآن هو لا يريد أن يدخل في نزاع ربما يطول، هم يقولون إن هؤلاء الذين يعني الأتباع (وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا)، أصحاب الجاه وأصحاب المال في القوم، لهم تحكم فيهم، في أشخاصهم، في حياتهم، في أرزاقهم.. إلى آخره، فهو لفتهم، قال دعكم من وجودكم الحالي من الزمن الفعلي الذي أنتم فيه الآن، مَن الذي خلقكم أطواراً؟ مَن الذي أنبتكم من الأرض نباتاً؟ هذا هو، ثم لفتهم إلى كائنات وأجرام سماوية علوية؛ فهذا هو السبب، هنا القضية؛ قضية تركيز على مراحل سابقة، هي ما ستجعلهم يستيقظون. طيب الآن في مرحلة خلق الإنسان؛ نحن نجد أن القرآن الكريم يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، ويقول (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ)؛ الإشكالية ليست سخر لكم ما في الأرض، وإن كان ممكناً في زمن قديم لم يكن يعرف أنه كيف سخر لنا ما في الأرض؛ لكن الآن نحن نعرف أننا وصلنا بالقدرات والآلات البشرية إلى قاع المحيط، ووصلنا إلى أقوى أنواع الكائنات وسيطرنا عليها باستخدام التكريم الرباني الذي هو العقل؛ عقل الإنسان أقوى سلاح سلح به في مواجهة كل الكائنات الأخرى والسيطرة عليها والاستفادة من خيراتها في ما يمكن الاستفادة منه؛ لكن السماوات قال لك كيف؟ ما هو تسخير السماوات في الفهم البسيط إنه والله الشمس والقمر والنجوم وكذا، لكن هذا يمكن أن يُقال عنه استفادة وليست تسخيراً؛ لأن التسخير معناه أكبر من الاستفادة، حتى ظهر العلم الحديث اليوم وصار معروفاً أن الإنسان تفتق ذهنه واكتشف أجهزة صار بإمكانه أن يحلق في الفضاء فصنع محطة الفضاء مثلاً، وصار بإمكانه أن يصل إلى أطراف الكون باستخدام أجهزة، فيعني يلتقط إشعاعات تُسمى الإشعاعات الخلفية الكونية التي كان موجودة أصلاً منذ اللحظة الأولى لنشوء الكون، فصار كل الكون مسخراً لعقل الإنسان أن يرصده، فيشاهد الإبداع العظيم فيه، وطبعاً كل يعني واحد مثل أينشتاين من علماء الكونيات الذي مرة بعد أخرى يقر أن هذا الكون ينبئ قطعاً عن منظم عظيم وخالق عظيم، وإن كان طبعاً فيه التفاصيل الأخرى؛ بسبب الإشكالات التي كانت موجودة، يعني يحصل الاختلاف، فإذن فكرة خلق التسخير ما في السماوات والأرض للإنسان، العصر الحديث كرس هذه الآية ووضحها توضيحاً تاماً، ربما لم يكن بذاك الوضوح في عصور سابقة، وهذا يدلل على دقة العبارات والألفاظ القرآنية".


التسخير والنفوذ والسلطان

وأضاف د.يوسف أبو عواد، رداً على "يعني لفظة تسخير توحي وكأن هناك قدرة للعقل البشري وإن كانت كامنة في إمكانية ليس فقط الاستفادة وإنما يعني..؟": "أينعم؛ يعني مثلاً الجذر (سخر) أو تجده مثلاً (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا)؛ ليس معناها الهزء هنا، معناها التسخير، أن مَن يعني الناس، موجودون بالطبيعة، ولا بد أن يكون هذا، الطبقات بعضها أعلى من بعض، فطبقات منها مسخرة لأخرى، وهذا لا يعني أنه دائماً الأدنى أو الأقل مثلاً من الناحية المادية مسخر للأعلى، قد يكون الأعلى يعني مثلاً الطبيب، يحتاج إلى العامل البسيط، كما أن العامل البسيط يحتاج إلى الطبيب، بغض النظر عن اختلاف المستوى المادي؛ فهذا يستفيد من هذا بوظيفة يقدمها له وهذا أيضاً يستفيد من هذا، التسخير متبادل؛ معناها أن الإنسان أيضاً يمكن متاح له كما قُلنا أن يحدث تغييراً في الأرض وفي السماء؛ لكن في السماء الأمر مشروط بأن يكون هناك صلاح مطلق في هذا الإحداث، لأنه إذا لم يكن هناك صلاح مطلق لا بد أن يوقف تلاعب الإنسان من ناحية السماء كما ذكرت الآية (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)؛ معناها هناك إذن بالنفوذ، ما السلطان؟ أن يكون هناك صلاح أن تستخدم هذا هذه القدرة التي ستوهبها، وطبعاً الآيات تشير هنا إلى أن الإنسان مقبل على مراحل أعلى بكثير من الوصول إلى السماوات وتسخير ما فيها مما هو الآن، لأنه نحن ما زلنا في البدايات؛ يعني من ناحية أنه تسخير ما في السماوات، فيمكن له أن يؤثر ويتأثر، أن يتبادل الكون والإنسان الوظائف؛ كل منهم يستفيد من الآخر، هذا شيء يشير إليه القرآن الكريم، إلى أن الله فتح بابه ونافذته للإنسان، طبعاً تخيل هذه القدرة، ومتخيل التقزيم الذي يحصل في عقول كثير من الناس، إنه لأ إحنا ...".


ثقافة التدين وتقزيم العقل البشري

وتابع أستاذ اللغة العربية رداً على "هذه الملاحظة التي كنت بِدي يعني أحكي فيها؛ أن هناك يعني ثقافة التدين اللي سائدة في كثير من المجتمعات، هي تقوم بعملية تقزيم للعقل البشري، ومنعه عن فهم كل ما يعني خلق إله العقل ليفهم": "بالضبط؛ فبالتالي ولد نوع من التخلف، يعني الموجات التي تسير عبر الجو عبر الأثير وبين الأقمار الصناعية وبين الأجهزة الخلوية اليوم أليست هي جزءاً من تسخير ما في السماوات، ما هو السماء كل ما علا الأرض؛ لكن إذا أنت سرت بالعقلية إنه أنا والله لن أستطيع، هو قال لك لا أنا حدودي الأرض، الخروج من الأرض هذا يعارض القرآن، هذا كفر، لن يصل أحد إلى القمر، لن.. كذا، يعني بغض النظر طبعاً عن التفاصيل، أنا قرآنياً أقول لك هذا ممكن، نعم هذا ممكن، وما نشهده اليوم ليس إلا بدايةً سيكون ما يتبعه أكثر بكثير مما هو موجود، وإذا لم تتغير العقلية الإسلامية، ستسير الأمم الأخرى تسبقها تأخذ قصبَ السبق في هذا؛ لكن إذا نحن عُدنا إلى النص وفهمنا آفاقه وأبعاده لا بد أن يكون لنا الحظ الأوفر والأعلى في أن نسهم في هذه الحضارة، بل نكون يعني في مقدمة المساهمين فيها، وربما نكون قادةً إذا أمسكنا بالنص، لأنه غيرنا ليس معه نص؛ هو فقط يسير وَفق الطبيعة الإنسانية الفطرية الطبيعية، وأول شيء يجب أن يحصل إيمان بدلالة هذا النص، إذا الناس آمنت بدلالة هذا النص، وتركت الخزعبلات والتراهات، وفهمت أنه هذا النص أتاح الله بناء عليه للإنسان أن يصل إلى آخر آفاق الكون، التي يمكنه الوصول إليها، أنا هنا الإنسان سيتولد لديه الحافز والنشاط والسعي نحو الإبداع والسعي نحو العمل؛ بما فيه الإصلاح، لأنه دائماً تجد أن الآيات (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)؛ الأرض أول ما أُنشئت واكتمل إنشاؤها، والسماوات أُنشئت على الصلاح، فالمطلوب إنه الإنسان يسير وَفق خطة الإصلاح هذه، ويسهم في الإعمار؛ يعني ممكن يقول لك يعني معناها هل خلق الله الأرض والسماوات ناقصة؟ ليس هذا المعنى، هناك رسالة للإنسان، طُلب منه أن يعمر الأرض، أصلاً هو أنشأكم من الأرض واستعمركم، كان يمكن أن يخلق الأرضَ في أكمل ما يكون، والسماء في أكمل ما يكون، لا يوجد أمراض، لا يوجد زلازل، لا يوجد براكين؛ لكن من أهم ما ابتلي به الإنسان واختبر به، أن يصلح ما يراه، أن يعمر، أن يكمل ما يراه من خلل؛ هذا نوع من الاختبار، بعضه فردي وبعضه مجتمعي.. إلى آخره".


العودة إلى الفطرة الأولى ومظاهر التحضر الإيجابي

واستطرد د.يوسف أبو عواد: "وكثير من الأمم أدركت هذا المعنى بفطرتها؛ يعني هم تخلوا عنه، يعني أنا أتحدث الآن عن أمم تحضرت وصار عندها علوم كثيرة، هي تخلت عن نصوص ظهر أنها، يعني أدركوا أنها قطعاً لن تكون من الله؛ لأنه طبعاً هي فيها تحريف.. وإلى آخره، بحكم التطورات العلمية.. لما فعلوا هذا الآن أصبح هناك تخلية من هذه النصوص ودلالاتها التي كانت تقف حاجزاً عن التطور العلمي، عادوا إلى الفطرة الأولى، هم لم يصلهم القرآن، طبعاً هذا تقصير من ناحية المسلمين وأتباع الرسالة الخاتمة؛ لم يصلوا بالقرآن بالطريقة الصحيحة. العودة إلى الفطرة الأولى أسهمت في نشوء كل ما تراه من مظاهر التحضر الإيجابي؛ لكن أيضاً اقترن معه شيء سلبي، لأنه الآن لا يوجد رادع، لا يوجد وازع؛ بينما لو كنا نحن المسلمين متنبهين لهذه النصوص، وبعض الناس يقول لي لا تعمم، أنا لا أعمم؛ لكن هذا الأغلب، هذا لا أحد يستطيع أن يقول الآن إنه والله إحنا كشعوب مسلمة نقف في أوائل الشعوب التي أسهمت في بناء الحضارة وبناء التطور والوصول إلى السماوات وإعمار الأرض، معروف إنه نحن نقبع في مؤخرة القائمة، للأسف يعني". 


العبادة في النص القرآني وإشكالية تفعيل الطقوس

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل تعتقد أن تسويد شكل من أشكال الفهم للنص القرآني بعيداً عن آلية التدبر التي يجب أن تتبع في القرآن، قاد للعقل البشري أو بالذات للعقل الإسلامي العربي، إنه يطمس نفسه بنفسه دون الاستفادة من الإمكانات الموجودة أو التي يفتحها النص أمامه؟"، قائلاً: "مئة في المئة، هذا كلام لا غبار عليه؛ يعني هذه الاستعانة بالمرويات الإسرائيلية وغيرها من أي مكان وخلاص، هو ترك النص، تحليل النص وَفق الآلية التي طالب النص منك أن تستخدمها لتحليله، فعل ماذا؟ أحدث آلية انهيار بدل آلية الإعمار التي يحدثها النص. النص يحدث ما أحدثه خلق الله الأول للإنسان بفطرته الأولى، يريد أن يعمر ويريد أن يبني، عنده طموح أن يصل طموحه، لا يتوقف؛ لكن يأتي مَن يحدد لك هذا الطموح، بماذا؟ هذا حرام، هذا كفر، هذا كذا، هذا كذا.. الآن أنت يعني تكبح جماحك وتذهب طاقتك وتتحول إلى إنسان تغلب عليه الكآبة، ينتظر الموت، لا يريد الحياة، آلية هدم حقيقية عوضاً عن آلية البناء التي نحن نشاهدها، والتي تحث عليها آيات القرآن الكريم، يعني نحن لما ذكرنا قضية العبادة، هل وجدت القرآن من أوله إلى آخره ربط العبادة ولو في آية واحدة بقضية، مثلاً الشعائر الطقوسية؟ هل الشعائر الطقوسية.. هي استعانة في الحقيقة وليست عبادة، هي استعانة للوصول إلى هدف العبادة، هي الحياة في كل قصص الأقوام السابقة لما كان كل نبي يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، كان يذكر مظاهر من مظاهر الحياة، معناها سِر في حياتك وَفق سنن الله وأنظمته ووَفق فطرتك الأولى، وفق ما فتح الله لك، وما كلفكم وما أعطاك من صلاحيات، دون أن تذهب إلى الإفساد، (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)، هذه هي العبادة في النص القرآني؛ لكن نحن العبادة ما هي في مفاهيمنا؟ إنه والله فعلت مجموعة من الطقوس، فكأنني أفرحت الله، شوف كيف الصورة أو التقزيم الذي جعلنا هو طبعاً أنت الآن".


كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ.. حلل الكلمات وَفق المنهجية اللسانية

وأضاف أبو عواد رداً على "يعني هي صارت عملية طمس للفطرة أو عملية تشويه أو تلويث للفطرة البشرية أو العقل البشري؛ وبالتالي إعاقته عن فهم النص، وإعاقته عن التقدم": "هو ليس فقط أعاق، هو أحدث آلية هدم تماماً؛ يعني عوض عن آلية البناء الموجودة في النص الأصلية التي تحاكي الفطرة الأصلية للإنسان، هو ابتكر، اخترع؛ حتى نقل يعني، هو نقل، كله نقل، نقل آلية، هدم فعلياً، هدمت ووصلت إلى النتيجة التي نراها اليوم في العموم، وطبعاً النتائج ماثلة؛ يعني لا يستطيع أحد أن يجادل، إن النتائج ماثلة أمام أعيننا، ما دامت النتائج ماثلة، لا توجد نتائج تطفو وتظهر على السطح إلا يكون هناك أساس ولد هذه النتائج، أساس فكري، أساس ثقافي، أساس عقدي، فلا بد من مراجعة هذه الأسس. ونحن وجدنا، يعني نحن لا نجامل، لو لم نجد في النص القرآني ما نذكره الآن لما كان أصلاً لا يمكن أن ندخل هذا؛ لكن النص القرآني من الواضح تماماً أنه يحاكي ما هو موجود في الكون، وما هو موجود في فطرة الإنسان؛ بشرط أن تنظر إليه بخلفية صافية، فقط بلسان عربي مبين، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)، حلل الكلمات وَفق المنهجية اللسانية، اجمع الآيات...".


القدسية فقط للنص

وتابع أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين، رداً على "بعيداً عن تأثيرات تلمودية، بعيداً عن تأثير القراءات الاستشراقية الخاصة بالأسفار اليهودية، بعيداً عن كل الطقوس القديمة التي مورست للطمس أو لتحجيم قدرة العقل البشري على النفاذ إلى آلية النص أو فهم النص أو تدبره": "طبعاً، وبعيداً أيضاً عن أن تجعل الاجتهادات، الرجال، بنفس قدسية النص؛ هي اجتهادات الرجال، جزء من التاريخ، وهو كتاريخ أية أمة؛ لكن نحن المشكلة أين؟ في ما ورد من اجتهادات، نحن لا نقصد أن نهملها أو نرميها أو لا نستفيد منها، بس نريد أن نصل إلى نقطة مهمة جداً، القدسية فقط للنص، بعد ذلك، ما بعد ذلك هو اجتهادات؛ فنحن ننظر إليها من منظار النص، إذا وجدنا أنها تكرس النص، تعطينا صورة مثلاً، قصة عملية حقيقية تمثل تطبيقاً لآية قرآنية، نعم بها ونعمت، لا بأس؛ لكن نبقي فنركز أنه ليست القدسية بها ولا بناء الأساس عليها، لو ظهر يوماً ما أنها غير صحيحة أو ضعيفة لا يهمنا، لا نكترث لهذا، إنما هي كنوع من الاستئناس بهذه الطريقة، ينبغي أن ننظر إلى كل ما نقل من التراث؛ سواء ما جاء منه من الإسرائيليات أو من الروايات أو غيره من الاجتهادات، أما أنه نحن لما نأتي إلى آية مثل (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، فأأتي إلى الأقوال المذكورة في كتب التفسير المروية عن فلان وفلان وكذا، وأجهل فهمي للآية، لاحظ كيف الفهم المتشكل، قدسية الآية، وقدسية ما نقل كله كأنه خلط في خلاط فجعل شيئاً واحداً، هذا الأسلوب غير صحيح قطعاً، يفهم النص تماماً، يغلق على فهمه، انتهي.. بعد ذلك بإمكانك أن تمحص ما ينقل، هل يتوافق مع النص ولَّا لا يتوافق؟ إذا لم تجده يتوافق، إذن بحثت، ستجد قطعاً مصدره".


آليات الوصول إلى مقاصد الألفاظ القرآنية

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "ما الآليات التي تتوفر للإنسان حتى إذا استخدمها يصل إلى نتيجة معقولة ومتطابقة لمرامي أو مقاصد الألفاظ القرآنية؟"، قائلاً: "هو الكتاب نفسه؛ القرآن الكريم نفسه، لم يترك هذا الأمر، يعني هو وضح الموضوع، فقال (بلسان عربي مبين)، وقال (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)، لم يترك الأمر على عواهنه، يعني نحن أيضاً لا نريد إنه بعض الناس يحرف الآيات عن معانيها، فيأتي بمعانٍ غريبة جداً باطنياً وكذا، يفقد النص مكانته ودلالته فعلياً، وبالمقابل بعض الناس يفقد النص دلالته بما يطغي عليه من ضوضاء كثيرة، ويحيطها بالنص، فيعطيها نفس مستوى القدسية". 


آدم وحوار الله مع الملائكة

وقال د.يوسف أبو عواد: "النص القرآني يشير إلى البداية الأولى لخلق آدم، في قوله تعالي (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، ولم يقل طبعاً هنا إني خالق، إني جاعل، الجعل معناه تحويل شيء إلى شيء، كما ذكرنا، يعني هذا يتوافق تماماً مع فكرة الإنبات؛ يعني هو شيء موجود، هناك تغيير وظيفي سيحصل مع نوع من التطوير، فينتج البشر؛ لأنه قال (إني جاعل في الأرض خليفة) وفي آية أخرى (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ)، وطبعاً البشر أعلى من مجرد الإنسان كما ذكرنا؛ لذلك هو لم يأمر الملائكة بالسجود، وسنشرح ما السجود، إلا لما قال لهم (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي)، هذا الفيصل، هذا هو الجعل، التغيير الذي حصل على شيء موجود مسبقاً؛ التسوية معناها النفس التي (وَنَفس وَمَا سَوَّىٰهَا فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَىٰهَا)؛ النفخ في الروح هو الأمر الرباني الذي يساعد أو يؤدي إلى تفعيل آلية النفس هذه لدى الإنسان، وهو أمر مختلف كلياً عن كل الكائنات السابقة، هو الذي سيجعل الإنسان له القدرة على التصرف ضمن القدر؛ فيختار كذا ويختار كذا، هو الذي سيجعله يتجاوز مرحلة التجريدية ومرحلة الغرائز ومرحلة الشهوات، ليصل إلى الأفكار العليا والأفكار التجريدية؛ لكن قد يقول قائل: ماذا يخبر الله الملائكة أصلاً؟ يعني (وإذ قال ربك للملائكة)، يعني هل هو يستشير الملائكة ولا يفيد من إشاراتهم وهو رب العالمين، وهو لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون؟ الجواب بسيط طبعاً، الجواب هو ما ذكر في الآيات الأخرى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)؛ هو يقصد أن الملائكة مكلفة بماذا؟ بتنفيذ أوامر الله، وقُلنا كثيراً إن الملائكة نحن لا نراها؛ ولكن مظهرها السنن الكونية المتسقة، طيب الملائكة تعلم أن هناك سنة كونية لا بد أن تسير بالطريقة التي هي عليها، معنى الكلام أن هذا الكائن سيكون من قدرته أن يخالف السنن، فهذا تنبيه للملائكة التي هي مسؤولة عن رعاية السنن الكونية..".


وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.. أمر لا استشارة 

وأضاف أبو عواد: "فلذلك استغربت الملائكة فقالت (أتجعل فيها)، يعني هو قوله (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)؛ هو في الحقيقة ليس استشارة، هو أمر؛ معناها أن تخضع الملائكة لما يتطلبه هذا الأمر من منح الإرادة للإنسان والنفخ فيه، والنفخ فيه بالروح يعني خضوع الملائكة لهذا الأمر، هو سبب إخبارهم بذلك؛ لذلك قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وطبعاً كلمة خليفة أيضاً الأصل اللغوي فيها خلف، والخلف معناها شيء يخلف شيء سابق، سابقاً له". 


لا يوجد شيء اسمه خلافة الله في الأرض 

وأجاب أستاذ اللغة العربية عن سؤال "يعني هنا المقصود بالخلافة ليست خلافة الله في الأرض؛ إنما خلافة ما كان، ما كان يسبق الإنسان مثلاً أو البشر؟"، قائلاً: "لا، لا يوجد شيء اسمه خلافة الله في الأرض؛ الخلافة لما تقول خلف هو الخليفة، لا يجتمع مع مَن استخلفه أبداً، لا يوجد نص واحد أبداً يدل على أن الخليفة يمكن أن يجتمع مع مَن استخلفه؛ يعني مثلاً موسى لما استخلف هارون، لم يكن معه في الوقت نفسه، مستحيل، لا يكون هذا، (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، فيقول لك هو أمر، المشكلة تعرف من أين تولدت الفكرة؟ إن هو أسقط مفهوم خليفة الذي يعني ظهر أين؟ الخليفة في العهد الأموي والعباسي، لا أعرف بالضبط؛ ولكن أسقط هذا المفهوم على كلمة خليفة الموجودة في القرآن، ثم يعني صار ينظر إلى أن الله هو خليفة الكون، شوف الإسقاط من أين تولد؟ هو فهم أصلاً فهم وتخيل الله أنه خليفة الكون، ليه؟ لأنه رسم لله صورة إنسانية، وبعدين قال لك إنه الإنسان بحكم إنه معه صلاحيات هو خليفة الله في الأرض، وكيف؟ كيف يمكن أن يسمي خليفة الله في الأرض وهو قادر على أن يحدث ما هو معاكس لسنن الله؟ يعني هل يُسمى خليفةً بهذه الطريقة أصلاً؟ إذن هو خليفة معناها خلف خلقاً كان يسبقه، وهذا هو الجعل، وهذا هو الإنبات الذي ذكرناه، وهذا هو التطوير الذي أحدثه رب العزة، تبارك وتعالى، في خلق أصلاً كان موجوداً، فأحدث عليه من التطوير والإنبات ما جعله مهيئاً لنفس جديدة تستطيع أن تختار الخير والشر، وأن ينفخ فيه من الروح التي تفعل هذا الأمر، فهذا معنى قوله (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فلما قالوا (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا) قلنا إنه هذا مخالف لما هم عاشوه؛ يعني وأمروا به دائماً إنه كل شيء سيسير وَفق السنن التي ليس فيها إلا الصلاح، فتعجبوا يعنى كيف يكون فيها الآن مَن يفسد فيها ويسفك الدماء؟ طيب قارن هذا بما أخذ من الروايات والإسرائيليات.. لآخره، وأنا دائماً أحب هذه المقارنة، لأن هناك بون شاسع بين النص بما هو عليه وبدلالته الواضحة جداً، والتي حكمت بين بني إسرائيل في ما كانوا فيه يختلفون وبين النقل، يقول لك كان هناك قبل الإنسان الحن والجن والبن، وأفسدوا في الأرض، فقال الله لهم إني جاعل خليفة من هؤلاء في الأرض، طيب هو الفكرة غريبة يعني صدقاً لو الإنسان يفعل عقله بشكل بسيط، لو كان هذا هو المقصود، أولاً أنت تقول إنه خليفة عن الجن، طب الجن في كل نصوص القرآن لم يذكر أنه انتهى، هو موجود (يا معشر الجن والإنس)، سنأتي لنفهم المقصود التام من هذا؛ لكن لو كان خليفة عن الجن لاختفي الجن، خلاص انتهي، (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ)، انتهى المستخلفون، هذه نقطة. لو كان أنهم قاسوا، وجود قاسوا، الإنسان أو البشر على الكائنات الأخرى، أنه سيفسد في الأرض ويسفك الدماء، طب هو مَن؟ هل أنت مثلاً إذا كان الله قال لهم إني جاعل في الأرض خليفة؛ لأنه مَن سبقهم أفسد، يعني معقول إذا كان عن جد مَن سبقهم أفسد سيجعل خليفة يعود فيكمل الفساد؟! ليه سماه خليفة؟ إذن ما التغيير الذي سيحصل إذا كان هذا الخليفة، الملائكة ستستنج أنه ما دام اللي قبله أفسد، إذن هو سيفسد ويسفك الدماء، إذن لماذا تجعل خليفة معناه كأنه يرسم صورة عن الله، إن هو يكرر شيئاً موجوداً دون أية منفعة ولا أية فائدة؟! يعني الموضوع عجيب صدقاً إنه تفعيل بسيط للعقل يجعلك تعرف أن هذه الروايات يعني سقوطها يغني عن إسقاطها، لا نحتاج أن نتحدث في إسقاط، هي ساقطة أصلاً بالتفكير البسيط؛ إنما كما قُلنا هو الخليفة، هو ما جعل منه الإنسان، ما استخلف منه الإنسان؛ مما كان موجوداً قبله، ولم يكن فيه أصلاً إرادة يعني ولا كان فيه روح الإنسان التي نفخت في الإنسان؛ الأمر الذي يحقق الإرادة الإنسانية، فقالوا أتجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء...".


وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ

وتابع د.يوسف أبو عواد: "هنا ملاحظة مهمة جداً؛ أنا لا أدري حقيقة كل مَن يسعى إلى فهم الهدف العظيم من وجود الإنسان، ويفسر قوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) بأنه العبادات التي يذكرها الفقهاء في كتبهم، إنه كتاب الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج، لاحظ كيف هذا كتاب العبادات، بعدين الباقي سموه المعاملات، يعني تشعر أن الأجزاء الأخرى من الفقه ليست عبادات، خلاص يعني هذه هي العبادات، بينما الآية التي قالت (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) اقرنها مع هذه الآية (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، ستعلم أن المقصود ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، أن يصلحوا فيها ويحقنوا أو يسهموا في الحياة، يعني ما عكس سفك الدماء (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا) جميل، معناها المفهوم العظيم للعبادة، اعكس الإفساد، الإصلاح، اعكس سفك الدماء، الإحياء.. إذن المساهمة في المحافظة على حياة الموجودات بجميع أصناف الكائنات وبالإنسان نفسه أعظم عبادة، يمكن أن يتعبد بها الإنسان، مش أن يذهب إلى الموت وينتظر لحظة الموت، ويقول لك استنى أن أموت في سبيل الله، أنت خُلقت لتحيا في سبيل الله، أما الموت فهو ضرورة ملحة يلجأ إليها الإنسان إلجاءً، وليس هو الأصل، خلقت لتصلح، خلقت لتعمر ولتبني؛ لتسهم في تطور الأرض بكل ما فيها، ما يمكن أن نسميه كائنات جامدة، والكائنات الحية الأخرى".


الرسالة الكبرى.. ما العبادة؟

واستطرد أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "وهذه رسالة عظيمة تجعلنا نفهم الآن أنه بيقول لك يعني في واحد قال العلم قال الله وقال رسوله وقال الصحابة، هم أولي العرفان، مش عارف شو البيت الثاني؛ يعني منذ عهد قديم طبعاً لم أتذكره، لأني لم أقتنع به منذ اللحظة الأولى، لاحظ كيف يعني يصور لك أنه يعني أنك تنقل كل ما روي، هذا هو العلم. أما إذا ذهبت إلى علوم الطبيعيات، فأنت إنسان دنيوي، أنت تبحث عن الدنيا، أنت لا علاقة لك بالله ولا بالمقصود الذي خلقت من أجله؛ أنت منصرف ملتهٍ بما لا ينبغي أن تلتهي به، بينما القرآن يقول لك عكس ذلك تماماً؛ كل علم تدرسه تهدف به إلى إصلاح الأرض، إلى تطوير وجود الكائنات الحية في الأرض، وإلى إعمار الأرض؛ هو مما يقربك إلى الله، هذه هي العبادة، وأنت تستعين بعد ذلك بالصلاة والصيام، لتزكي نفسك، فتحقق العبادة، وليس العكس، ليست هي الغاية، الصلاة في القرآن سُميت استعانة (واستعينوا) مش هو في سورة الفاتحة قال (إياك نعبد وإياك نستعين)، طب هو لما ذكر الصلاة كالصبر، وسيلة؛ لكن الغاية الكبرى التي يُراد من هذه الوسيلة أن تهذب نفسك فتوصلها إلى أنك تذهب فتخرج في الأرض فتعمرها وتبني فيها وتسهم في تطور الأحياء وغيرها، فهذه هي الرسالة الكبرى التي استغربت الملائكة، إنه سيكون من صلاحيات البشر، طبعاً ليس كل البشر قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها، ليس المقصود الكل؛ إنما سينتج من إعطاء البشر الإرادة بطبيعة الحال، مَن يصلح ومَن يفسد، هم استغربوا طبعاً أنه كيف يصبح لأول مرة مَن يفسد فيها ويسفك الدماء، طبعاً يقول قائل طب كيف عرفت الملائكة أنه سيكون مَن يفسد فيها ويسفك الدماء، فالله أخبرهم، قال لهم (إني جاعل في الأرض خليفة)، ما معنى، يعني أكيد أنه وضح لهم ما المقصود بالخليفة، لكن تخيل أن النص قال (إني جاعل في الأرض خليفة) سأعطيه الحرية والإرادة، فيكون مَن يصلح ويفسد، فقالوا أتجعل فيها مَن يفسد فيها؟ سيصبح هذا إطناباً لا داعي له، والنص الذي يعطي المعنى بأبسط عبارة وأكثر عبارة لا يفعل هذا، فنص القرآن بليغ جداً يحذف ما يفهم من السياق، إذن هم أُفهموا أنه سيكون خليفة من شأنه كذا وكذا، فالتزموا بما يحقق هذه السنة الجديدة التي ستحدث في الكون، فاستغربوا، قالوا (أتجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء)..

إذن الأمر واضح جداً وبسيط، ثم قالوا (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)، آه، هذا يرجع بنا ويؤكد ما قُلناه، ما معنى يعني أن تقارن الآن (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)، معناها جملة نسبح بحمدك ونقدس لك، معناها المفهومي الأساسي حتى هو عكس الإفساد، وعكس يعني نحن معشر الملائكة بما نمثله من سنن الكون كلها، تدل على تسبيح الله، يعني كلها تفعل ما يجري سنن الله التي تنزهه عن النقص وتقدس هذه الكلمة التي أردت أن أقف عندها؛ لأنه كلمة قدس هي ترجع إلى الأصل الثنائي (قد) والقد يقول لك أتى على الشيء من أوله إلى آخره، ولذلك يقال (قد الفتاة) يعني معناها الشكل الخارجي لجسمها أو (قد الإنسان) بشكل عام، ويُقال على قد كذا، وعلى فكرة في العاميات العربية مهنة القصارة يعني القصير، يكون معه إشي اسمه القدة، القدة والميزان، فيستخدمها لضبط المستوى بحيث يكون مستوًى واحداً، هذا معروف، طيب أضيف لها حرف السين، السين يدل على نوع من التدخل اللطيف في الأمر، يعنى ما معناه قد يحصل أثناء سيرورة الكون لأسباب معينة، إنه بعض الاختلالات، بعض الأشياء؛ لكن هناك آلية تقويم ذاتي تقوم عليها الملائكة داخل السنن نفسها، فتقدس معناها، تعيد الشيء إلى سيرته الأولى، ويكون طبعاً هذا لحكمة معينة أو لسبب؛ لكن آلية التصحيح الذاتي موجودة أولاً بأول، فالتسبيح هو الجريان الأصلي وَفق السنن، والتقديس هو آلية التصحيح الذاتي الموجودة في الكون؛ بحيث إنها تعدل كل ما يمكن أن يحصل من أخطاء".


معنى "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"

وأضاف أبو عواد: " (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، معناها النتيجة النهائية لما سيحصل من وجود البشر؛ أنتم لا تعلمون نتيجتها ولا تعلمون الحكمة منها، والمطلوب ألا تعصوا الله ما أمركم، وأن تفعلوا ما تؤمرون؛ لأنه في النهاية الله عالم الغيب والشهادة، هذا يدل طبعاً أن السلطة الأولى والأخيرة لله، هذا من ضمن ما لم تعلمه الملائكة، أنه كان يقصد بوجود الإنسان، أنه يختبر، أن يمتحن، أن يدخل في مدرسة، أن يساعد في إعمار وتطوير الأرض، هذا هو اختباره؛ فمنهم مَن سيكون يعني حقق الرسالة فأحسن حمل الأمانة، ومنهم مَن سيكون فعل العكس، فأساء بالتالي حمل الأشياء، ثم قال بعد ذلك (وعلم آدم الأسماء كلها)، طبعاً أنا وجهة نظري يعني أن تعليم آدم الأسماء كلها جاء بعد، يعني جاء بعد إسجاده الملائكة له، لأنه (وإذ قال ربك للملائكة) في سياق آخر (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيتُهُۥ وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ)، يعني خلاص استسلمت الملائكة، خضعت للسنة الجديدة، وخضعت للقانون الجديد الذي سينظم حياة البشر؛ إلا إبليس طبعاً، وسنذكر هذا.. انتهي الأمر. الآن سيكشف الله سبحانه وتعالى لهم بعض السبب..".


وعلم آدم الأسماء كلها.. المرحلة الأعلى

وتابع أبو عواد: "لكن هنا قبل أن أذكر هذا؛ أريد أن أربط بين هذا السياق وسياق سورة الرحمن، ففي سورة الرحمن يعني لاحظ بعض الناس اللي يعني حتى من الطرف الآخر الذين يطعنون في القرآن الكريم لعدم.. في الحقيقة لم يعطِ نفسه فرصة حقيقية ليتدبر، يقول لك (ٱلرَّحمَٰنُ عَلَّمَ ٱلقُرءَانَ خَلَقَ ٱلإِنسَٰنَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ)، فبيقول لك هو هذا معكوس السياق، الرحمن لازم يقول الرحمن خلق الإنسان علم القرآن علمه البيان أو علمه البيان، وآخر شيء علمه القرآن، ليه؟ لأن هو مسكين يسقط الألفاظ، يسقط المعاني على الألفاظ حسب ما يتوارثه، فتولد عنده مطاعن، فقال الرحمن علم القرآن، القرآن ليس هو البيان الذي علمه آدم، بعد ذلك سأشرح هذا، القرآن معناه مجرد إعادة شيء كما هو، ولذلك جاءت الآية لما كانت تخاطب الرسول، عليه الصلاة والسلام، (لَا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِۦٓ إِنَّ عَلَينَا جَمعَهُۥ وَقُرءَانَهُۥ فَإِذَا قَرَأنَٰهُ فَٱتَّبِع قُرءَانَهُۥ)، طيب أليس أصلاً القرآن نزل عن طريق الملك، عن طريق روح القدس؟ إذن الملائكة عندها قدرة القرآن، القدرة على القرآن، علمتها الملائكة، يمكنها أن تعيد ما تسمع؛ لكن لا يمكنها أن تصل إلى البيان الذي نتج عن تعليم آدم الأسماء، هذا هو الفرق..

لذلك تعليم القرآن سابق على خلق الإنسان، لأنه بوجود الملائكة قبل أن يخلق الإنسان أصلاً، ثم خلق الإنسان، ثم جاءت المرحلة الأعلى التي هي (وعلم آدم الأسماء كلها)، علمه البيان، شوف التناسق العجيب والتعاضد في النص القرآني، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، طيب إذن ما معنى علم آدم الأسماء؟ هذه الفكرة أنه ترديد شيء موجود ككلام، معناها هم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، داخل في نفس الإطار؛ لكن تعليم البيان معناها أن يصبح لدى الإنسان القدرة، ليس فقط على التصرف في الخير والشر، لأ؛ أن ينقل هذا الأمر، فيصبح داعياً إلى هذا، إلى غيره.. الآن علم آدم الأسماء، الموضوع بدأ بتعليم الأسماء، كلمة اسم بالنص القرآني واضح جداً أنه المقصود فيها الوسم، التوسيم، ولذلك، والتعليم، موضوع التعليم مختلف عن موضوع الإقراء؛ يعني (فَإِذَا قَرَأنَٰهُ فَٱتَّبِع قُرءَانَهُۥ) هذا هو التلقين، لذلك كثير من الناس يظن أن الله علم آدم الأسماء كلها، فيرجع فيذهب إلى فكرة الإقراء التي هي التلقين، وهذا ليس بصحيح، ما يمكن أن نستنتجه من تعلم الأطفال للغة أو اللسان أن التعلم يجري وَفق أولاً محاكاة الأصوات الموجودة في الخارج، فيعني معناه لذلك قُلت لك هذه مرحلة التعليم، مرحلة لاحقة، بعد أن يعني أخضعت الملائكة لسنة وجود البشر.. إلى آخره، أطلق البشر في الوجود يتعلمون الأسماء؛ فمعناها هو عاش في الطبيعة، فبدأ يحاكي الأصوات الموجودة في الطبيعة، والطبيعة فيها أصوات الحروف، ستلاحظ أنها موجودة، يعني موزعة في ثنايا الطبيعة".


الطريقة الفطرية الصحيحة

واستكمل أبو عواد: "وهذه هي الطريقة الفطرية الصحيحة التي لم تنحرف بتشكل ألفاظ اللسان؛ إنه يسمع الصوت من الطبيعة، وطبعاً هذا بالمناسبة يعني حتى لا يقول أحد إنه أنت هذا قال به كثير من العلماء السابقين، من ضمنهم، أشهرهم يعني، قال أحمد بن فارس، صاحب معجم (مقاييس اللغة) المشهور جداً، هو تبني هذا الرأي وغيره.. على كل حال هم قالوا إنه المقصود هنا بتعليم آدم؛ أي أنه جعل في دماغه آلية، يعني ميكانيزم تجعله قادراً على أن يسمع الأصوات، فيولد يعني منها ما يتناسب مع ما سمعه، يعني هو يرى صوتاً مقترناً بصورة، مقترناً بمشهد معين.. إلى آخره. الدماغ فيه آلية أن يدرك أن هذا الصوت له المعنى الفلاني، فتبدأ الأصوات صوتاً صوتاً، يعني حرفاً حرفاً، ثم بعد ذلك يتعاضد صوت مع صوت آخر، ثم نصل إلى بعد ذلك، مرحلة الجذور الثلاثية، وأحياناً تجد أن الجذر الثلاثي لا يفي بالغرض، فيضاف إليه حرف رابع يعزز، القوي؛ ولكن هذا نادر..". 


تشكُّل المعنى.. قدرة فطرية وضعها الله في آدم

وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "ما دام الإنسان بدأ يفهم انعكاسات الواقع، كيف أعطى لهذا الانعكاس أو لهذا الصدى نتيجة واقع، يعني كيف تشكل المعنى في ذهن الإنسان؟"، قائلاً: "هو الله سبحانه وتعالى قال (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، لاحظ الكلمة أيضاً تعلمون، (لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ)، يعني الأفئدة جاءت في آخر المطاف، الأفئدة هي التي تقترن بالمخ والاستنتاج والعقل.. إلى آخره. إذن هو الإنسان يشترك عنده السمع والبصر ولا تدخل عليه الصورة الطبيعية إلا مقترناً فيها المسموع بالمبصر، فيتشكل في الدماغ صورة ذهنية يجردها الدماغ، هذه قدرة فطرية وضعها الله في آدم، ولذلك قال وعلم آدم، يعني ميزها حتى عند الملائكة، لم تكن موجودة، إنما وجدت فقط في آدم؛ إنه يدرك المسموعات ويدرك المبصرات ويستطيع، يتخيل لها أولاً معنًى تجريدياً يحاكيها بجهازه الصوتي، ثم ينقل هذا المعنى المباشر الذي رآه في الطبيعة إلى أشياء مشابهة تشترك في معنى كبير..".


المعنى المفهومي

واختتم أستاذ اللغة العربية المختص في اللسان العربي المبين: "وهو ما نسميه بالمعنى المفهومي، يعني مثلاً هو سمع صوت الماء، يعني حرف الخاء وحرف الراء، إذا ركزت في صوت الماء الذي يتدفق في الطبيعة ستجد أن في صوت الماء في الطبيعة ما يشبه صوت الخاء وصوت الراء، طيب أخذ منه الإنسان هذا الصوت (خر) أول ما أطلقه ليعبر عن الماء (خر الماء)؛ لكن صار يوسع هذا المعنى فيطلق هذا على السقوط، يطلق هذا على الانهيار، يطلق هذا على معانٍ كثيرة، حتى يقال مثلاً (خارت قواه) أو (خرت قواه)، لاحظ مع أنها شيء معنوي، ويرسم للقوة صورة يتخيلها بصورة ذلك الماء المحسوس أول مرة، ثم يسقط عليها المعنى الذي أخذه بالسمع والبصر باستخدام الأفئدة وَفق آلية مزروعة، برمجة يعني، برنامج سوفت وير أساسي موجود في الدماغ البشري، وصفه تشومسكي وغيره من علماء اللسانيات العرب أصلاً قبل ذلك يعني حتى".