• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

مفاهيم بداية البشر ومراحل تشكل الحضارة | د. يوسف أبو عوّاد

للإستماع




تساؤلات الحلقة:

. هل شقاء البشر راجع لخطيئة آدم؟

. ما هي الأسماء التي علمها الله آدم؟

. ما هي الجنة التي سكنها آدم وزوجه؟

. ما هي الشجرة التي أكل منها آدم وزوجه؟

. كيف جرى حوار الله مع الملائكة؟

. هل يمكن للبشر اليوم أن يعيشوا سعادة الجنة التي عاشها آدم؟

. تطور ظهور البشر ونشأة الحضارة وما رافقها من انحرافات سلوكية.


باسم: أهلا بكم، أنا معكم باسم الجمل في حلقة جديدة من برنامج "مفاهيم" مع الدكتور يوسف أبو عواد. وما زلنا نناقش في مبادئ وأسس نظرية الخلق في القرآن. في الحلقة السابقة، دكتور كنا نناقش موضوع خلق آدم والحوار مع الله والملائكة، والآن نحاول أن نكمل الحوار حول إسكان آدم الجنة وخروجه منها. ماذا يُفهم يعني كيف أسكناه بالجنة؟ وأي جنة؟ وهل الجنة سماوية، أرضية، أم هي جنة يعني معنوية مثلاً؟ وإسكانه فيها وإخراجه منها؟

الجنة بين الأرض والسماء

يوسف: جميل. طيب، بس قبل أن نذهب إلى مرحلة الجنة، هناك نقطتان مهمتان. الأولى: إنه بعض الناس يقولون: طيب، و"إذ قال ربك للملائكة" وكذا... هذا أنتم تقولون إنه الأنسنة وتشبيه الله. هو طبعاً يفهم إنه معناها القول المعنى لابد أن يكون بالطريقة التي يعرفها البشر. هو المعنى عام طبعاً، لأنه يعني تكريم الله يكون بالوسيلة المناسبة التي توصل الفهم إلى الملائكة، وليس المعنى.. لا يمكن أن يُفهم المعنى إنه بالطريقة هذه، الطريقة الحرفية. هذه نقطة. النقطة الثانية: إنه دائماً ما يقول الناس إنه الأسماء أسماء عقلاء. يعني علم آدم الأسماء كلها.

باسم: آه، يعني أسماء ناس، أسماء بشر.

يوسف: طبعاً هذه فكرة في غاية السوء لأنه هي مفتاح لتقديس البشر. يعني شوف، يريدون أن ينفذوا إلى إعادة تقديس البشر من أي منفذ أو من أي مدخل. إنه والله علم آدم الأسماء. مين هي الأسماء؟ معناته هؤلاء الأسماء مقدسة، معناته يصبغ عليه نوع من الألوهية أو التولد عن الآله أو العصمة أو إلى آخره من الأشياء. ونحن قلنا كثيراً في آيات القرآن الكريم التي تعبر باسم إشارة أو ضمير يعود على العاقل يشمل هذا غير العاقل. يعني أن يكون أشمل كما قلنا عن السموات والأرض: آتينا طائعين. نقول هنا: طب ما هو عندك آية أخرى التي تقول "وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ"... ليه؟ لأنه الكلام الآن يشمل ما هو عاقل وما هو غير عاقل؛ فاستخدم ضمير يجمع الأمرين معاً. لذلك لما قال: "أنبئوني بأسماء هؤلاء" أو قال: "يا آدم أنبئهم بأسمائهم"، لا يمكن أن يكون الكلام هنا عن عاقل، والصحيح هو ما ذكرناه من الآلية التي تعلمها آدم؛ فصار يعطي الأشياء جميع الأشياء توسيماتها.

فالآن بعد ذلك حصل إسكان آدم الجنة. يعني تم الآن بيان الفكرة أو التميز الذي هو موجود عند آدم في خلقه، والذي جعل الملائكة تسجد له بأمر الله سبحانه فقال: "يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة". هنا هذه الجنة طبعاً لا يمكن أن تكون في السماء وجنة الخلد أبداً مستحيل؛ لأنه هو أصلاً في أول السياق ماذا قال؟ "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض..".

باسم: في الأرض! كلامك سليم صح.

يوسف: يعني إذن الجنة هي...

باسم: جنة أرضية.

يوسف: جنة أرضية، ولكن هي لمحة من صورة الحياة المثالية التي يمكن أن يعيشها البشر إذا عاشوا في صلاح الأرض على الأقل كما هي وساهموا في إصلاحها وإعمارها. هناك لفتة أخرى في الجنة إنه "لا تقربا هذه الشجرة". يعني كثير من الناس يقول إنه أنا ما ذنبي؟ يعني أنا لم أقرب الشجرة فلم آكل منها! ليش الشقاء الذي أنا أعيش فيه؟ طبعاً لاحظ الأسفار اليهودية تربط قضية الشقاء هذه بالخروج من الجنة بطريقة فجة ويعني سيئة صراحة؛ إنه المعاناة التي تعانيها الزوجة أثناء الولادة والعمل الذي يشقى به الإنسان من الصباح للمساء كل هذا شقاء ناتج عن الخطيئة التي اقترفها آدم، هكذا تجد في سفر التكوين. لكن في القرآن الكريم تجد الأمر مختلفاً تماماً؛ أولاً لن تجد فكرة أن زوج آدم هي التي أغوته، لن تجد فكرة الحية والأشياء هذه الخزعبلية. يقول لك: طب كيف دخل الشيطان الجنة؟ أًذِن له أن يدخل الجنة؟ أليس هناك سياق: "قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ"، وفي سياق آخر قال: "اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ"، يعني حتى يقول لك أنا لما قلت في السياق الآخر "اهبطوا منها جميعاً" كنت قاصداً أن يشمل الكلام إبليس إنه كان أيضاً أُدخل الجن معهما، لكن أُدخل بسبب الإنظار؛ ما هو قال: "قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"؟ "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ"، فبحكمي إنه قال "فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ". طبعاً ليس كما طلب بالضبط؛ هو قال له "قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ"، إلى حد معين، لكن الفكرة أذن له أن يوسوس وأذن له أن يذلهما وإلى آخره سنأتي إلى هذا.

باسم: هل هون يعني قصة إنه "فوسوس لهما الشيطان"، هل هو بإذن ولا الشيطان يعني مارس دوره الطبيعي في الحياة؟

يوسف: أيوه! هي فكرة الشيطان هذه طبعاً معروفة إنه هذه معضلة إبليس يقولون يعني الذين يطرحوا الموضوع بطريقة فلسفية هو الشيطان أصلاً لما عصى يعني، هل كان مجبراً على فعل هذا ولا لأ؟ لأن هو ماذا يقول؟ "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ" أو "وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ"، هذه نقطة في غاية الأهمية؛ هو قال بما أغويتني! طيب الآن هناك سياق آخر في سورة الصافات الذي فيه الحديث بالنقاش بين أهل النار قالوا "قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ"، لاحظ "قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"، هذا النقاش بين الأتباع والمتبوعين، "إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ"، يعني معناها تأتوننا من جهة الخير لتسحبونا إلى الجهة جهة الشر! ونحن قلنا إنه اليُمن يشير إلى معنى الخيرية في حلقات سابقة. "قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ". هنا شاهد مهم جداً "فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ"، يعني لما أنت تقول أغواه هو أصلاً غاوي! هو أصلاً غير مؤمن، لذلك قالوا لهم "لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ". لكن نحن لما جئنا فطلبنا منكم أو مثلاً جررناكم بالوسوسة أو إلى غيره من الأمور، الإرشاد إلى ما هو سيء، الإغواء؛ يعني هو عكس الإرشاد أصلاً! أنتم سرتم لأنه عندكم البذرة لتفعلوا هذا.

باسم: يعني السبب كان موجود أولردي؟

يوسف: بالضبط! وهذا يتناسق تماماً مع فكرة الإضلال والهداية التي شرحناها في حلقة سابقة؛ يعني هو أصلاً الغواية جذرها موجود عند إبليس، لكن معنى أغويتني أي أدخلتني في اختبارٍ كشف عن الغي الذي هو موجود أصلاً عنده! هذا هو فتح له طريق سيكشف له عن ما هو مكنون في داخله من نية سيئة. أينعم! هذا هو، لذلك هو أصلاً بيّن السبب الذي منعه من السجود ".. أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"، يعني تفضيل من وجهة نظره هي يعني هكذا في رؤيته إنه أنا عنصر أفضل يعني، طب ما أنت تفضيلك لعنصرك على عنصر الطين هو في الآخر أنت تخاطب فيه الرب الخالق، يعني كيف تخاطبه بما خلق هذا؟ طبعاً العمى الذي يصيب كل من يسلك سبل الشيطان في العالم يعني فيفسد ويسعى إلى التغيير، يعني يقول لك إنه فيه عنصر أفضل من عناصر أخرى وأن باقي البشر خدم لهذا العنصر. لاحظ التشابه والتطابق التام، إحنا خلقنا، نحن الذين لله والباقي كلهم حميرنا أو خدمنا أو إلى آخره من المصطلحات التي هي نفس الفكر الشيطاني تماماً، والنتيجة هي سلوك شيطاني يعاكس السنن ويخالف الأوامر، يفسد يهدم يسفك الدماء إلى آخره.

فالفكرة أنه الشيطان كان عنده الغي أصلاً في داخله فهذا الاختبار الذي أدخله الله فيه كشف عن غوايته، ولذلك في آية أخرى قال "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"، وفي آية سورة الكهف "إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ". طب إذن هو كان مُعطى الخيار، كان معطى له في أن يفعل أو لا يفعل فاختار هذا الخيار.

باسم: اختار الفسق.

يوسف: وهذا يعنى الإغواء؛ الإغواء يعنى أدخله في اختبار كشف فيه عن غيه، كما قلنا في الآية "لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" "فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ"، ولكن في نفس الوقت قالوا "وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ"، يعني في الحقيقة نحن لم نتدخل في الإرادة، نحن فقط وسوسنا لكم، طلبنا منكم أن تفعلوا كذا، لولا أنه عندكم بذرة لما دخلتم في هذا الإغواء! فإذن سمح لإبليس أن يوسوس لأنه انظر وأعطي الصلاحية، وهذا طبعاً قد يقول قائل طب ليش سُمح له؟ ما هو قال لك "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"، يعني لو لم يُفتَح لخط الشر مجال أن يمشي ويسير في الأرض، سواء بالنفس أو بوسوسة لكان معنى "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" لا قيمة له، أصبح مالوش معنى، يعني سيكون الإنسان مجبر وله اتجاه واحد إلى آخره، ففتح هذا الاتجاه لكن هناك بالمقابل طبعاً الاتجاه الروحي، يعنى اتجاه الروح تدعو إلى الخير، اتجاه الشيطان يدعو إلى الشر، الروح مقترنة بالملائكة، الروح مقترنة بالأنبياء، الروح مقترنة بالفطرة، كلها تدعو إلى الخير، كما أن هناك الاتجاه الشيطاني الذي يدعو إلى الشر، كما أن هناك الاتجاه الروحي المرتبط بالملائكة، المرتبط بالفطرة الأولى، المرتبط بالبشر اللي ارتقى عن مرحلة الإنسان فهو يدعو إلى الخير!

"فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا"، وقال في الأخير "اهبطوا منها جميعا"، الهبوط هنا معناه نزول درجة الحياة عن درجة الرغد، التي وصفتها الآية الأولى، إلى درجة أقل من ذلك. لكن هنا نقطة مهمة جداً جاءت في سورة طه، وفي سورة طه لما ذكر قصة آدم وقصة الجنة قال له "إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى". يعنى أنت آمن من الغوائب التي قد تهدد الحياة والوجود وإلى آخره، "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ"، وفي السورة نفسها قال "وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ"، يعنى أحياناً ينسب الخطيئة إليهما معا، ولكن في سورة طه قال "وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى".

باسم: فالعصيان فقط من جانب آدم؟

يوسف: أساسه نعم، يعنى زوج آدم ذهبت معه بالتبع، وهذا عكس تماماً ما هو موجود...

باسم: في الأسفار اليهودية؟

يوسف: وهذا موجود في الكثير من كتب التفسير للأسف يعنى كما قلنا كثيراً، وأيضاً يقول لك دخل فيها حية يعنى نفس الترهات تجد أنها أُدخلت فأسقطت على النص، مع أنه النص واضح إنه إبليس سُمح له كما بالوسوسة أو بغيرها، يعنى بأسلوب معين سُمح له أن يدخل في الجنة. لكن لما انتهت قضية الخطيئة "وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"، لاحظ الآن: "فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى"، بمعنى أتريد الحياة التي عاشها آدم وزوجه في الجنة عليك أن تتبع الهدى. طيب الهدى شرحناه، الهدى هو الفطرة الطبيعية التي استمر عليها البشر قبل إنزال الكتب ما بين عهد آدم وعهد نوح، استمروا على الفطرة الأولى هذا هو الهدى الذي هدى الله الناس إليه، ثم جاءت الكتب بعد أن انحرف الناس واستُحدثت منهجيات، فجاءت الكتب لتعيد إحياء هذه الفطرة. فإذن معناها متى ما سار الإنسان مع فطرته الأولى وقوانين الوجود الطبيعية دون أن يخالفها ويناكفها سيعيش الحياة.. يعني الحياة التي عاشها آدم في الحنة! هذا معناه هو قاله "إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى". طب بعدين قال "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى"، مش كما يقال أيضاً في الروايات الإسرائيلية أنه شقي آدم وشقي زوجه وكذا وكذا، "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا"، أيوة الآن يأتي فيقول لك يعنى ماهو إذن الحل في الذكر، ويحولون القضية إلى لسانية نفس الإشكالية...

باسم: أه... إلى تكرار لفظي لذكر الله؟

يوسف: أينعم! طب ما الذكر فسره من الآية السابقة ما هو الذكر المطلوب هنا؟ هو قالك "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى". طب ما معنى "أعرض عن ذكري"، يعنى لم يسر على هداي، يعنى ما سار عكس سنن الله، عكس خلق الله، عكس الطريقة التي بنى الله عليها الكون، صار يفسد ويهدم ويسعى في القتل وغيره من الأمور. هذا هو الإعراض عن ذكر الله المقصود في الآية، وعكس ما ذُكر "اتبع هداي" يعنى الاتباع، وليس الذكر الذي باللسان كما قلنا إلا هو وسيلة استعانة يعنى، هي كما نقول هي آخر عامل مساعد، ولكن ليس هو الجوهر الحقيقي المطلوب أبداً في سير الإنسان في مرحلة إعمار الأرض..

الغواية والهداية

باسم: الشيطان ماذا وسوس لآدم؟

يوسف: قال "هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى"؟

باسم: طب طالما كان في الجنة معناته إنه لا يتعب ولا يشقى في الجنة، معناته إنه الجنة كانت ممتازة حياتها كويسة؟

يوسف: صحيح.

باسم: ليش وسوس إله أنه أعطيك خلد؟ يعنى شو كان رأي أو يرى آدم إنه هناك مثلاً حياة عكس الخُلد أو هل كان يتمنى الخُلد على الحياة التي كان يعيشها آدم حتى يأتي إبليس ويوسوس له؟ أو الوسوسة هون معناها إعطاء معلومة إنه فيه شي خُلد انتبه دير بالك.

يوسف: نعم، هو الفكرة إنه ".. أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى" أن تكونا ملكين.  في آية أخرى قال "إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ"، هذان الطموحان أو السعيان هما موجودان عند كل البشر، كل البشر يريد يعني في داخله إرادة أن يصبح مَلَكًا، يعني المُلك هنا المَلَك، طب الملك نحن قلنا ما معناها؟ إنه عنده صلاحية مطلقة للتحكم في السنن في القوانين، يعنى يمكن أن يغير.. طبعًا هو لا يغير، لأنه لا يعصي الله ما أمره ويفعل ما يؤمر، وما يقل منهم دون ذلك نجزيه جهنم، هذا على سبيل الإفتراض، لكن الملائكة لا يعصون الله ويسيرون مع السنة. الآن الطموح البشري ولا يزال الآن طموح البشر، يريد أن يغير في القوانين الأولى، وهذا التغيير معناه هدم كلي للوجود. فهذا الطموح أغرى فيه أو به إبليس أغرى به آدم. والنقطة الثانية أنه الإنسان أيضاً يريد الخلود، لاسيما إذا كانت الحياة فيها رغد، هو لا يريد الموت وهو يعرف أن الموت في النهاية هو قدر، بغض النظر عن القدرة كما قلنا في حلقة الموت وإنه يمكن إطالة العمر وإلى آخره، لكن في النهاية لا يمكن أن يُخلّد الإنسان، خلاص هذا الكتاب الأول وهذا هو...

باسم: يعنى آدم كان يدرك أنه كان هناك موجود موت؟

يوسف: طبعا

باسم: بمعنى إنه آدم لم يكن الخلق الأول، لأنه إذا كان هو الخلق الأول كيف أدرك أنه هناك موت وهو الوحيد ما زال في الجنة؟

يوسف: لا، لا... هو ليس الخلق الأول أبداً، وهو شاهد كائنات وشاهد أنها تحيا وتموت وإلى آخره وعرف فكرة الموت، وأيضًا عرف أنه هو يستفيد الآن من الخلق لكنه لا يتحكم فيه وهذا نوع من...

باسم: يعنى آدم... يعنى هون هل يمكن مثلاً الجزم إنه آدم كان مجموعة بشرية أو جنس آخر أم هو فرد من مجموعة حتى يدرك أنه كان هناك موت؟ يعنى كيف توصل آدم الشخص إذا كنا نتحدث عن شخص إنه هناك موت، والموت تمثل أمامه وشاف آخرين يموتون، طيب هل هو لوحده شاف الموت ولا كان فيه مجموعة بشرية أخرى معه؟

يوسف: لأ ممكن تقول إنه مجموعات مخلوقات أخرى، يعنى أنواع أخرى من المخلوقات الأدني، يعنى رأى أن الموت سنة فى الوجود كله، فلابد أن تشمله أيضاً كما تشمل المخلوقات الأخرى، لكن يعنى ما يمنع فكرة إنه آدم وزوجه مجموعة كاملة؟ لإنه فى النهاية قال "اهبطا منها" كما قلنا بصيغة المثنى، إلا أنه يقال الجنسان.. يعنى يحتمل الموضوع إنه اهبطا.. يعنى ذكورا وإناثا.. يعنى قد يحتمل إنه فى مرحلة الجنة والله زاد الوجود الآدمي فأصبح مجموعة، المهم هذه ليست القضية ذات بال، لكن هو أدرك على كل حال أن الموت محتوم، وأدرك أن لتصرفه حدود لا يمكن أن يصل إلى مرحلة التحكم فى السنة، قد يعاكس السنة، لكن كما قلنا كثيرًا إلى حد معين، كما هو نسبة الأرض إلى السماء، لا يتجاوزها حفاظًا على انتظام الكون، "وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا"، لاحظ كل الآيات يُسند بعضها بعضًا فتُعطيك فكرة واحدة متكاملة، فالآن إبليس طمّعه فى أن هذه الشجرة أنت إنما نُهيت عنها لأنها ستوصلك إلى القدرة على السيطرة على السنن فتُصبح مَلَكًا يكون لك هذا المُلك فى السيطرة على قوانين الوجود، وتصبح خالداً فلا تموت. الآن كل بشري عنده هذا الشعور أحيانًا وقد يجرّه إلى الخطأ، كما جرّ آدم إلى الأكل من الشجرة، ولكن طبعا نسبة الحرام التي نُهي الإنسان عنها هي كنسبة الشجر إلى الجنة تماما، لذلك أنت لو ذهبت إلى الآيات التي تتحدث عن المحرمات في القرآن ستجد أنها قليلة جدا تحاكي فعلا نسبة شجرة إلى جنة كبيرة وفيها أنواع مختلفة من النعم والأشجار وإلى آخره.

الشجرة المحرمة

باسم: على ذكر الشجرة، إنه القرآن قال: "لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ". الشيطان قال سأدلك على شجرة الملك.

يوسف: نعم.

باسم: يعني هل نتحدث عن نوعين من الأشجار؟ هل المقصود بالشجرة هنا هو الشجرة كما نعرفها ضمن.. يعني شجرة عادية، أم شجرة مثلاً أجناس، أو شجرة ثقافات، أو شجرة.. ما المقصود بالشجرة؟

يوسف: والله، كلمة شجرة بالمعنى يعني بمعناها المباشر المحسوس معروف للناس، لكن في المعنى المفاهيمي للشجرة، كل شيء فيه تشابك..

باسم: تفرع..

يوسف: وله أصل يتولد عنه تفرعات كثيرة يدخل في المعنى المفهومي لكلمة الشجرة. وكلمة الأكل. كما قلنا مثلاً "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ.." المال لا يُأكل يعني..

باسم: الله قال: "لا تقربا هذه الشجرة"..

يوسف: نعم.

باسم: هناك "لا تأكلا".

يوسف: "فأكلا منها".

باسم: "فأكلا منها".

يوسف: أينعم، يعني هما ليس فقط اقتربوا، هم وصلوا إلى الأكل. يعني إذن معناها إدخال عنصر على حياتهم، أو على أجسامهم، حسب دلالة المعنى يعني. نحن قلنا مثلاً: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ"، الأكل هو تغذية شيء بشيء، ليس شرطاً أن تكون هذه التغذية حسية، يعني..

باسم: ليس شرطاً أن يكون طعاماً.

يوسف: آه، "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى"، هو المقصود إنه تغذى بهذا المال، فحوله إلى شيء يفيده، وهو ليس مُستحقاً له يعني. التشاجر الآن، أنت تقول مشاجرة يعني، يؤخذ المعنى المفهومي لاحظ الشجرة من تداخل الأغصان، إنه يعني تداخل خصمين، كل خصم مكون من عدد من الناس، تداخلهم بعضهم ببعض يسمي تشاجراً ومشاجرة..

باسم: هل الشجرة التي نُهي آدم الاقتراب منها هي نفس الشجرة، أو تماثل في كينونتها الشجرة التي دل عليها مثلاً إبليس؟ شجرة الخلد؟ يعني هل شجرة الخلد هي نفس الشجرة، يعني بالتكوين الوجودي تاعها، الشجرة التي نُهي آدم الاقتراب عنها؟

يوسف: هو طبعاً دله على الشجرة التي نُهي عنها، أكيد يعني ليس هناك شجرة غيرها. بس هل هي الشجرة شجرة حسية، معناها عليها ثمر كما يقولون، كشجرة التفاح وإلى آخره، ولا هو هناك معنى معنوي؟ يعني اقتربا من شيء معين، يعني بعض الناس يقول إنه الموضوع هو إنه الموضوع العلاقة أو المعاشرة بين الرجل والمرأة..

باسم: هو جنس آخر مثلاً..

يوسف: أينعم، مع أنني أنا أستبعد أن يكون هذا المعنى، ليه؟ لأنه في الغريزة الأولى والفطرة الأولى لوجود آدم هو مخلوق لأن يكون خليفة. معناها لابد أن يكون.. مستحيل أن يكون مُنع من موضوع المعاشرة الجنسية التي ستؤدي إلى استمرار الجنس، يعني.

باسم: فيه بعض المفسرين، بعض الآراء، قال إنه الشجرة المقصودة: "لا تقربا هذه الشجرة"، يعني جنس آخر أقل مرتبة من جنس الآدمي أو الآدم. إنه هذا الجنس أرقى، فيه مجموعة من الصفات الوراثية والاجتماعية تجعله يكون أرقى سلوكياً وحتى مبنى جسمياً من الشجرة الأخرى أو من أهل الشجرة الأخرى أو الأجناس الأخرى.

يوسف: آه، يعني كما يسعى الآن الإنسان إلى أنه يُحدث تغييرات جينية تجعله الإنسان الخارق مثلاً، يعني بهذا المعنى.

باسم: قد يكون إنه "لا تقربا هذه الشجرة" يعني هاي الناس نوعية من الناس إنه فيه عندهم انحطاط بيولوجي، انحطاط مثلاً جيني، مثلاً.

يوسف: أه، يريد أن يحدث تطوير في نفسه ليصل إلى مرحلة لا يموت فيها، مثلاً تلاعب بجينات.

باسم: طالما إنه الشجرة ليست مقصود فيها الشجرة المجسدة اللي نعرفها، يعني في شجرة، أي شجرة عادية، إنما قد تكون شجرة بشر أو جنس آخر غير البشر أقل مرتبة مثلاً في التطور الجيني أو في ثقافته أو حتى في تماثله مع الروح، ممكن لم يُعطَ الروح.

يوسف: هذا المعنى المفهومي يعني يحتمل، لأنه ممكن أن يكون الموضوع إنه السعي مثلاً إلى إحداث علاقة جنسية مع بذرة لجنس أرقى، أو شجرة لجنس أرقى.

باسم: يعني نفخة الروح راحت لآدم.

يوسف: اللي هو ربطه، "فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا"، يعني ربط الموضوع إنه لما أَكَلَا مِن الشجرة "فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا"، هناك ربط، يعني هناك نوع من الترابط بين الأكل من الشجرة وظهور السوءة، يعني ظهورها على العلن، معناها ليس في عشرة طبيعية بين آدم وزوجه، لكن ظهورها على العلن. فيحتمل أن يكون هذا الطموح للتلاعب أو للتغيير في خلقه الأصلي، بحيث أنه يكون مخلداً، ويكون معناها له قدرة على السيطرة على السنن أو القوانين الكونية، الوصول إلى، كما يقال، الأكواد البرمجية الأولى للكون. فهذا الذي طمّع فيه إبليس آدم. على كل حال هو قضية كبيرة، لكن نسبتها أيضاً، كما قلنا، ضئيلة. نسبتها ضئيلة قياساً مع الجنة. ونحن نجد أنه القرآن الكريم يعبر عن الموضوع فيقول مثلاً: "فوسوس لهما الشيطان"، ويقول في آية أخرى: "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ". وأزلهما هنا من الزلل، يعني، لكن لم يقل "زلّا عنها"، قال: "َأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ"، لأنه فيه تعدية هنا، فيه دخل عامل آخر في الموضوع ساهم في إزلالهما عن الجنة طبعاً. "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا"، يعني هون "عن" تفيد المجاوزة أو الابتعاد. فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"، معناها القرآن على.. نبه آدم إلى عداوة إبليس من أول دخول الجنة: "إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى". لكن لما خرج لاحظ رحمة الله: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى". هذا الكلام في نفس السورة، يعني سورة طه. حتى لا يقول إنسان إنه أنا شقيت، لأنه هناك فهم تقليدي متوارث شائع إنه شقاء البشر، كما قلنا، يعني.

باسم: أبدي.

العلاقة بين الشقاء الإنساني وخطيئة آدم

يوسف: حتى عندنا للأسف في الروايات إنه والله، إن الفهم الشقاء الذي نحن نعيشه، هذا جريرة خطأ آدم. يعني لأنه فيه يقول لك: احتج آدم وموسى، وقال موسى يا آدم، أشقيتنا، يعني يقول له: يا آدم، أشقيتنا. لاحظ ظلال الفهم اليهودي أو الإسرائيلي لكيف دخل على النص. يقول له: يا آدم، أشقيتنا، أخرجتنا من الجنة. كيف تجمع بين هذا وقوله تعالى: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى". يعني مستحيل أن جريرة الخطأ تكون تُجر أصلاً. هذا القرآن قال: يقول لك: "َلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى".

باسم: طب لو أردنا أن نسقط هذا الفهم السائد للخروج من الجنة على الحياة العامة، يعني من فهم هذا الشكل، شو أدي للناس في حياة الناس؟ يعني أنا فعلاً أسأل، يعني جعل حياة الناس فعلاً في شقاء أو دفع الناس للاعتقاد أن الحياة هي حياة شقاء؟

يوسف: أنا أقول لك، إذا أنت يعني اقتنعت بهذا الفهم، سيكون هناك داخلك شعور بأنك مظلوم، ولكن ليس بيدك حيلة. يعني يشعر الإنسان بأنه أنا لا ذنب لي، ولكني أدخلت في هذا الشقاء وليس لي حيلة. هذا هو، طبعاً، لن ينطق بهذا في الأخير، وسيستسلم وكذا، ويظن إنه مسكين، إنه هذا دين، يعني إنه هذا تدين، إنه خلاص، هو هيك الموضوع. لكن الإنسان لما يكون في داخله فكرة لم يأتي ما يزيلها أو يقنعه بأنها خطأ، وتبقى، وتحت سطوة القهر، يستسلم لها. ما هي النتيجة؟ النتيجة أن يمشي في الحياة كأي إنسان مقهور مغلوب على أمره. يعني يفقد جزءاً كبيراً من بشريته بسبب هذا، ويقول لك: خلاص، ما هو ربنا أشقانا، وربنا أضلنا، وخلاص، وآدم هيك سوى، وهذا إشي إنكتب علينا، فيفقد الإيمان.

باسم: ما هي التداعيات السلوكية على البشر نتيجة الإيمان بفكرة زي هيك؟ يعني تبدو خطيرة في المجتمع.

يوسف: جداً، في قمة الخطر، صراحة، في قمة الخطر. والعجيب إنه كيف يتسلل هذا الشيء أيضاً إلى الفكر، والآية واضحة جداً. هو قال له: "فتشقى". أنت ولا قال في النتيجة: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى". أزيدك، قال أيضاً: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ". يعني نفس فكرة الجنة التي عاش فيها آدم. العيش في جنة الدنيا بكل ما فيها من البركات، هي ستكون ناتجة عن الإيمان، الذي هو اتباع الهدى، الذي هو السير مع السنن. سيعيش الناس حياة سعيدة فيها الرغد، فيها نسبة الحلال كبيرة جداً، قياساً مع نسبة الشجرة التي تمثل نسبة الحرام، والتي هي السعي إلى تغيير خلق الله. يعني أنت تريد أن تفهم فعلاً إنه فكرة الشجرة قد يكون المعنى فعلاً إنه والله السعي إلى تلاقح مع جنس أرقى، وضع لأجل الاختبار. لأنه الشيطان وصفه القرآن في سورة المائدة فقال "لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ". شوف الفكرة. طبعاً هم لن يصلوا إلى التغيير المطلق، لكن هي محاولات. شجرة الخلد ومُلك لا يبلى، فهي نفس رسالة الشيطان الكبرى إنه دائماً الشيطان كيف يدفع الإنسان للوقوع في خطأ، لمناكفة سنة الله وقوانينه الموجودة، ليقترف الظلم وغيره من أنواع البشاعات. يطمّعه بأنه سيبقى. لو يقتنع الإنسان إنه والله أنت ممكن فعلاً في أي لحظة يأتيك كتاب الموت، لن يفلح الشيطان في الوسوسة له، لكن هو يطمعه أنه سيبقى. يطمّعه أيضاً على مستوى مجتمعات أو دول أو قوى عظمى إنه أنت يمكن أن تتحكم في قوانين الكون. عادي يعني، قد تصل لمرحلة تغير فيها قوانين الوجود، وتلعب في البرمجيات الأصلية للكائنات وللمخلوقات. فلذلك هذه رسالة الشيطان الكبيرة، ويعني هناك رسائل كثيرة. كما قلنا، رسالة أن تفهم إنه نحن في شقاء بسبب إنه خطيئة آدم. هذه كارثة كبيرة جداً تدفعنا..

باسم: وهاي يعني تتبدى كل يوم في حياة الناس.

يوسف: طبعاً، ويمنعك عن العمل. لكن أنت إذا رجعت إلى الآية ورجعت إلى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"، لا، ستفهم إنه الحياة التي عاشها آدم وزوجه يمكن أن تعيشها فرداً، ويمكن أن تعيشها المجتمعات بأمر بسيط: آمن، اتبع هدي الله، سار مع فطرة الله، سار مع قوانين الله. سينتظم كل شيء. والمجتمعات التي بعضها مؤمن ببعض، وسنأتي إلى معنى الإيمان الكبير في القرآن الكريم، هي تعيش ما يشبه هذا النوع من الحياة، فيفُتح عليهم الرغد، وتكون الحياة ميسرة، وبأسعد ما يكون مما هو متاح، يعني في الحياة الدنيا. لكن المجتمعات التي تدخل فيها مناكفة السنن، ويزول فيها الأمن بين الناس بعضهم بعضاً، يدخل الناس فيها في شقاء. وكما قلنا، جريرة الفعل المجتمعي قد تنجر إلى الأفراد، ويبوء بالإثم من كان سبباً في هذا من المجتمع.

الشقاء كاختيار لا قدر محتوم

باسم: من الواضح إن المجتمعات الإسلامية، خلينا نكون نحدد بالضبط أكثر، إنه طالما عندهم يعني هذا الفهم لهذا النص بهاي الطريقة، إنه نحن الحياة هي حياة شقاء نتيجة تداعيات الشقاء اللي فهموها في النص القرآني، وبالتالي كل المجتمعات تشقى نتيجة لهذا الفهم.

يوسف: صحيح، ليس فقط تشقى..

باسم: أو تعيش الشقاء.

يوسف: تستسلم. الأسوأ، لنفترض أننا نعيش الشقاء الآن. إذا أنت اقتنعت إنه هذه هي العقلية، هذا ناتج طبيعي ولا يزول. يعني هو ناتج طبيعي عن خروجنا من الجنة بجريرة خطيئة آدم. هل ستغيّر؟ ما أنت تقول إنه هذا عقيدة خلاص، وهذا نهاية قضاء رباني هذا. لن تسعى أصلاً إلى التغيير. لكن بالمقابل، إذا فهمت إنه لأ، هذا فهم مغلوط وليس صحيحاً أبداً، والعيشة التي عاشها آدم يتسنى لأي مجتمع أن يعيشها إذا اتبع الهدى، إذا آمن، فتُفتح له بركات السماء والأرض. وعلى فكرة، كان هذا يخاطب به الأنبياء أقوامهم. يعني نوح ألم يقل لقومه: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا"؟ لكن هو يطلب منهم أن يعودوا إلى النهج الرباني الطبيعي السنني. وكذلك أيضاً، يعني عاد وكذلك ثمود، أنبياؤهم هود وصالح يخاطبونهم بنفس الطريقة. وفي الآية العامة هذه: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ". وفي آية أخرى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً"، لاحظ "يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا".. يعني مش قال: "اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا". طيب، قرية آمنة مطمئنة، ما معنى آمنة مطمئنة؟ أنك لا تجوع فيها، ولا تعري، ولا تظمأ فيها، ولا تضحى. طيب، "َكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا". " يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ"، تعاضد واضح جداً، وفكرة، يعني، سكن الجنة من آدم وزوجه هي متاحة، ليست محصورة على آدم ولا على زوجه أبداً. هي متاحة لكل البشر وما زالت متاحة. والخروج منها إلى الشقاء أيضاً في قدرة البشر إذا اختاروا هم هذا الطريق. والمجتمع الذي ينجر إلى هذا، أفراده في الأخير هم المسئولون. يعني الأفراد الصالحون في المجتمع هم المسئولون إنه لماذا يُترك المجتمع فينحرف بهذه الطريقة، فتأتي جريرة الموضوع على الجميع. يعني في نهاية المطاف.

باسم: على ذكر وإن من قرية، وإن قرية، هل المقصود بالقرية القرية المتعارف عليها مجموعة بشرية محددة، أم يعني شو المقصود بالقرية هون؟ يعني هل قرية يعني الصغيرة مثلاً؟

يوسف: القرية هي تتكلم عن مرحلة من الحياة البشرية، يعني كان الانتشار البشري قليل فيها في الأرض. لذلك أنت تجد.. وهذا أصلاً ما سننتقل إليه في الحديث عن تطور الخليقة بعد ذلك، يعني بعد قصة الجنة وإهباط آدم، تجد أنه القري التي وُصفت في قوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود ومدين هي لم تصل إلى مرحلة التمدن، لكن مثلا إنه بعض الناس أيضا هذا من التسرع وعدم التدبر وترتيل آيات القرآن وصفّ بعضها لبعضها، يقول لك المدينة دائما مقترنة بالخير والقرية مقترنة بالشر وهذا غير صحيح أبدا، يعنى حتى في النص..

باسم: الآية تنفي، عكس.. تنفي ذلك. هل المقصود بالقرية هون المجموعة البشرية التي تعيش ضمن نسق مجتمعي واحد، على عكس المدينة اللي بتكون فيها عدة أنساب؟

يوسف: أينعم، المدينة فيها تنوع، فيها تنوع أكثر، فيها امتداد، لأنه كلمة مدينة أصلها أصلاً "مد"، يعني امتداد، وكلمة قرية أصلها "قر"، يعني.

باسم: الاستقرار.

يوسف: آه، انضم بعضه إلى بعض، فانكفأ، تقريباً فيه نوع من الانكفاء على النفس أو على الذات. ولكن ليست القضية إنه مصطلح قرية ليدل على الشر، لأنه أنت تتحدث عن زمن فرعون، أرسل ليس فقط في المدينة، في المدائن. يعني لما تذهب إلى عهد موسى عليه السلام وفرعون، الموضوع كان ممتداً، يعني وصل ليس فقط إلى مدينة، وصل إلى مدائن كثيرة. وطبعاً مراحل تطور ظهور البشر وبناء البناء الحضاري والإعمار في الأرض، يشرحها القرآن بطريقة واضحة، تدرجاً من قوم نوح إلى غيرهم من الأقوام. حتى في سورة الكهف: "َابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ". طب ما هم أصلاً تركوا الـ.. انظر لاحظ ".. إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ"، يعني وين الخيرية؟ شوف التسرع في الحكم كيف يسقط الإنسان في سقطات. بعدين الناس تقول لك: لأ، طلع خطأ، وليس كل من يعني يتولى، للأسف، يتولى الكلام. هو تخصص فعلاً أعطى لنفسه المهلة الكافية ليدرس اللسان العربي، ليتدبر الآيات، ليجمعها. عدم التسرع في يعني.. نحن بحاجة حقيقة إلى أن نتأنى ونبحث مطولاً قبل أن نخرج بنتائج. وكلما تأنينا، كلما كانت النتائج متسقة وممتازة جداً، وفعلاً لها أثر، وتُظهر قوة النص القرآني وتميزه.

طرق الهداية

باسم: شغلتني فكرة قصة إنه الإيمان أو الاعتقاد بهذا المفهوم، كيف انعكس سلباً على حياة المجتمعات، وبالذات على المجتمعات الإسلامية العربية. يعني كيف إنه الشقاء، يعني وين ما تروح في أي مجتمع تحس فيه شقاء فعلاً، معقول هذا الشقاء ناتج فقط عن سوء فهم هذا النص، ولا كمان هناك فيه سلوكيات أخرى؟ وهل يعني الشقاء هنا غياب طرق الهداية، مثلاً، أو سبل الهداية؟

يوسف: ولكن القرآن الكريم يقول لك إنه الهداية موجودة. "فمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى". قال: "قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".

باسم: طب ما المجتمعات بتصلي وتصوم وتحج، وعدد المساجد أكثر مرات في عدد من الناس؟

يوسف: لأنهم حولوا الاستعانة إلى عبادة، وظنوا أن العبادة هي الاستعانة. هاي، هذه كلها وسائل يُستعان بها في أول الأمر، يعني في بداية السلوك، لتكون لك نقطة نظام تذكرك، تذكرك إن كنت غافلاً. بس، لكن العبادة ليست هذه العبادة، وليست هذه هي الهداية الحقيقية..

باسم: يعني استبدال نمط الهداية أو طرق الهداية ببدائل..

يوسف: طقوسية.

باسم: الطقوسية.

يوسف: هذا تمويت للهداية الحقيقية التي أرادها الله، يعني تمويت بمعنى الكلمة، وتثبيط وتحبيط، قتل نهائي. يعني قتل، كما قلنا، وهذا هو قتل النفس.

باسم: يعني اعتبار الاستعانة بالأشياء هي المنى، أو هي الهدف الأكثر، أو هي الهداية. يعني صار فيه استبدال ما بين منظومة الهداية بمنظومة الاستعانة.

يوسف: بالضبط، وصار فيه استبدال لمنظومة الهداية أيضاً بمنظومة الاستسلام للشقاء، إنه لأنه هذا أمر كتب علينا، وانتهى الموضوع. فتُرك اتباع سبيل الهداية واستسلم للشقاء. باسم الله، لاحظ الكذب يعني على الله. المشكلة إنه هذا ينسب إلى الله، ولكن لولا محفوظية النص لما كان بإمكاننا أن نصل إلى هذه الحقيقة. فلذلك نحن نعود فنذكّر دائماً على أن التمسك بالنص، والتعمق في معاني ألفاظ النص ودلالته، وجمع الآيات التي تتمحور حول موضوع واحد لفهم المعنى. والموضوع صح يأخذ جهداً، ولكن لكثرة ما أثير يعني للكلام المعاكس والمناكف والذي يبعد عن الحقيقة، فللأسف يعني صار الموضوع يحتاج إلى جهد. لكن هل معناها نيأس؟ لأ، لابد أن نستمر حتى يعني يصل الناس إلى الحقيقة.

من الطوفان إلى البناء

باسم: طيب، تحدثنا إحنا عن نشوء النبات ونشوء الخلق. الآن تطور ظهور البشر وتشكل مظاهر الحضارة. كيف تَبَدّى وفق هذه الأسس اللي ذكرتها الآيات؟

يوسف: لما نذهب إلى قوم نوح، يعني نلاحظ أنه السياق لما يذكر قصص الأنبياء مع أقوامهم، أول ما يذكر من الأنبياء دائماً يذكر نوح عليه السلام. نلاحظ أنه قوم نوح كانوا يعيشون على النمط الزراعي. ليه؟ لأنه يعني حتى هو لما قال لهم: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا". فكان يتحدث لهم بحكم البيئة وحكم الطموح الذي كان لهم في ذلك الوقت، وهو العيش على نمط الزراعة فقط.

باسم: على الأنهار.

يوسف: أينعم، الأنهار يعني المقصود التي تجري فتسقي الأشجار وتبث الحياة. لكن المشكلة إنه قوم نوح قد ظهر فيهم فكرة استعلاء الملأ على سائر القوم، واستسلام القوم لهذا الاستعلاء. هذا الاستعلاء الذي لم ينتج عن كفاءة عقلية، وقدرة معرفية. لأ، "اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا". لذلك قال الملأ من قومه، لاحظ لما جاء نوح إلى قومه..

باسم: يعني كان فيه طبقية في مجتمع نوح؟

يوسف: بالضبط، يعني هذا المجتمع الزراعي الذي كان في عهد نوح عليه السلام، ظهر فيه.. لو لم يظهر انحرافات منهجية لما كان فيه داعي لإرسال الرسل أصلاً. الانحراف الأول الذي نلاحظه هو الطبقية، والمشكلة في الطبقية إنه الطبقة الدنيا أُقنِعت أنه فعلاً أنتم يجب أن تستسلموا للطبقة العليا. لأنه لما خاطب نوح قومه، "قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ". شوف قال: "الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ"، والآخرون ماذا قالوا؟ "اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا"، فالملأ تعنصروا، فأقنعوا من تحتهم أنهم أفضل منهم، وأنهم هم الذين يقررون إذا كان نوح يعني جاء بحق ولا ما جاء بحق.

باسم: ما هو، هذا تقريباً يحدث، ما زال يحدث في المجتمعات.

يوسف: أه، طبعاً، هذا منهج حدث وظل يحدث يعني. قال كبر.. لاحظ قال: "يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ"، يعني الفكرة إنهم "قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ". جمل، لاحظ كلها متتالية. كيف الفكرة بدل أن يحاكموا الفكرة، فينظروا إلى جوهرها، وهي مفيدة، تُرفض الفكرة لأنه هذا الشخص الذي قال الفكرة، يعني بس بسبب هذا الشخص رتبته الاجتماعية ووضعه المادي.. ولذلك حتى هاي الفكرة استمرت إلى عهد الرسالة الخاتمة، حتى قيل عن الرسول عليه الصلاة والسلام إنه: "لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ". ولذلك جاء الله فرد عليهم: "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ"، "اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ". ما هذه العنجهية التي تجعل منك إنساناً أنت تحكم على الناس هذا يستحق كذا، وهذا يستحق كذا؟ وياليت إنه كان الحكم مبني على تقييم مثلاً على الخبرة والعلم والمعرفة، لأ، هو مبني أنهم أكثر أموالاً وأكثر أولاداً، يعني الجاه والتحكم في رأس المال..

باسم: هو نفس المعايير اللي ما زالت قائمة في المجتمعات تاعنا..

يوسف: أينعم، للأسف يعني هذه المعايير ما زالت منتشرة. وهذا بداية الانحراف السلوكي الذي نلمسه عند قوم نوح. وفي أضعف الحالات يقولون له: "مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ..".

باسم: مش مميز عنكم بشيء، وبالتالي لماذا..؟

يوسف: آه، يعني إنه حتى نقبل منه الرسالة، لابد أن يكون...

باسم: مميزاً.

يوسف: لإنه هو فكره أصلاً عنصري طبقي. يعني حتى أتقبل منك، أنت لابد أن تكون مميز. إذن القرآن هنا ماذا يرسل لنا؟ رسالة كبيرة جداً، إنه أنتم كبشر خلقتم بشراً، يعني كلكم لآدم. هذه هي الفكرة. إذا حصل هناك انحراف منهجي أو سلوكي، بحيث يقنع الناس إنه والله حتى أتقبل منك فكرة، لابد أن تكون أعلى من رتبة البشر. إذن هذا انحراف منهجي خطير جداً، وهذا ناتج أصلاً عن تكريس فكرة الطبقية، وستنتج في النهاية دماراً على مجتمع كامل. يعني خلاص، تحكم وسيطرة من هؤلاء الملأ، والناس الباقي، باقي الناس يعني يحصل لهم الاستعباد الهائل كما حصل عند قوم نوح، حتى في موضوع العقيدة. ولذلك لاحظ قوم نوح في نهاية المطاف قالوا: "لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا". طب هي معناها ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر غير عن الآلهة، لأنه قال: آلهة..

باسم: سدنة.. سدنة الآلهة.

يوسف: بالضبط، هم الذين...

باسم: طبقة رجال الدين.

يوسف: أصحاب الأموال وأصحاب الأولاد، الذين يكرسون فكرة الطبقية هذه التي تجعل من بعض الناس أعلى من البعض الآخر. وهذا البعض الآخر لابد أن يتبع حتى الرأي، لم يُسمح لهم أصلاً أن يُقيّموا نوح أو كذا. والذي سار مع نوح منهم، وهم عدد قليل جداً، قال هؤلاء "اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ". فلذلك قال لهم: ".. وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ". ما هذا المعيار الذي أنت تتكلم بناء عليه؟ أرذل في ماذا يعني؟ أقل منك مالاً، أو أقل منك ولداً، أو جاهاً، ولا علماً، وقدرة على الفهم، إلى آخره. فكانت طبعاً نهاية قوم نوح، كما هو معروف إنه الطوفان. وطبعاً هنا الناس يعني يدخل هناك أيضاً نفس الفكرة.. يعني جاء ما الروايات الإسرائيلية وإلى آخره إنه والله كيف طوفان يعم الأرض، وكيف تسع سفينة أو فلك...

باسم: لكل الأزواج الحيوانية اللي خلقها رب العالمين..

يوسف: الحيوانات. أه، يقولك كيف يعني؟ من الذي قال إنه الطوفان عم كل أنحاء الأرض؟ ما الذي قال أصلاً إنه التوسع البشري كان قد وصل إلى كل أنحاء الأرض؟ يعني من أين جئت بهذه الفكرة في النص القرآني؟ أنا لا أجد، لا أجد في النص القرآني ما يدل على هذا. في النص القرآني يشير إلى طوفان، ويشير إلى.. وقلنا: ".. احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ..". طبعاً الأزواج التي تتأثر، لأنه أصلاً ليس كل الأزواج تتأثر بالماء. يعني هناك كائنات كثيرة، الكائنات البحرية أو البرمائية، لا يهمها...

باسم: الطوفان.

يوسف: الطوفان أو كذا. فالأزواج الموجودة في المنطقة التي وُجد فيها قوم نوح، يعني. وليس هناك، على فكرة، ما يدل إنه يعني نوح كان مرسلاً إلى العالمين، إلى جميع البشر الموجودين في الكرة الأرضية.

باسم: أُرسل إلى قومه.

يوسف: أرسل إلى القوم الذين انحرفوا عن نهج الهدى الأول، الذي هو الفطرة. فأُرسل الطوفان في هذه المنطقة. طب، وين المنطقة؟ لا يهم وين المنطقة؟ الفكرة الآن مفاهيم، الفكرة الآن ما هي السلوكيات التي حصلت، في أي مرحلة بشرية، في مرحلة الزراعة كان البشر في ذلك الوقت، ما الذي نتج؟ ما الذي فعله قوم نوح حتى تكون هذه نهايتهم؟ أينعم، وطبعاً الفلك والسفينة، يعني من باب الفائدة إنه إذا السفينة لما نراها في النص القرآني، يقصد بها وهي في حالة الرسو يعني، قبل أن تتحرك تُسمى سفينة. لأنه لما قال: "اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا".. وفي النهاية، في النهاية، قال حتى في سورة الكهف، يعني لما جاء موضوع...

باسم: فَرَسَت.

يوسف: نعم، فرست، "فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ". لاحظ من الذي نجا الآن بعد النهاية؟ أصحاب السفينة، هنا يتكلم عن مرحلة الرسو التي انتهت. ولذلك لما جاء في سورة الكهف: "فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا..". فالسفينة كانت طبعاً قبل هو أن يذهب أصلاً فيها في البحر وكذا، هي في مرحلة الرسو يعني. فإذا دخلت البحر، تُسمى فلك، وتُسمى فلك قبل دخولها في البحر. لكن القرآن لم يستخدم كلمة سفينة إلا إذا كانت في حالة الرسو، وليس في حالة الحراك. لأنه الفُلك، كما هو موجود في مكان آخر في القرآن، كل في فَلَك، من نفس الجذر، يعني مشتق يدل يشير إلى الحركة، الحركة، حركة السباحة التي هي الحركة المنتظمة. يعني هذا من باب الفائدة اللفظية للكلمتين.

إذن الجمع المشترك لكل الصفات التي ذكرناها لقوم نوح هي العمى. ما معنى العمى يعني؟ رفض معظم القوم.. العنصرية، طبعاً الطبقية هذه وجدت من الملأ. طيب الباقي، رفض تفعيل أدوات الحس، أدوات المعرفة التي أُعطيِها. ولذلك قال: "فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ".

باسم: عميان يعني؟

يوسف: عمين. ليست جمع أعمى، جمع عَمِيّ. وعَمِيّ على وزن فعيل، يعني صفة مُشبّعة. يعني صار العمى ملازماً له، لا يبرح أعمى، لا يريد أن ينفك عن العمى. خلاص..

باسم: يعني هو انعمى عقلي..

يوسف: استسلم للعمى كاستسلام الناس لفكرة إنه نحن في شقاء وخلاص. ويعمون أسماعهم وأبصارهم وعقولهم عن التفكر وإعادة النظر إنه معقول أن يكون دين الله الذي أنزله لإصلاح البشر بهذه الطريقة إنه شوف كيف التسلل، الأفكار التي جاءت من الأمم السابقة والروايات الإسرائيلية، كيف أثر وعاد الناس إلى الانحراف الذي وقعت فيه الأمم السابقة.

الآن بالانتقال إلى قوم عاد، أيضاً نجد فكرة الملأ هذه استمرت. يعني هي كما قلنا، هي مستمرة إلى عصرنا الذي نحن فيه. قال الملأ من قومه: "ِإنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ". هي نفس الفكرة. قالوا: "عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ".. يعني "جاءكم ذكر من ربكم".. "أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ". يعني هم لا يريدون رجل، يريدون شيئاً غير الرجل. وعلى فكرة دائماً قصة.. القرآن الكريم يرد على فكرة إنه لماذا يكون الرسول رجلاً. يعني قل: لو كان.. ما هو قال لهم: "قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا"، "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ".. يعني هم اعترضوا. يعني قالوا: كيف رسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ طيب، ما هي الفكرة في إنه يكون الرسول بشر؟ أولاً، إشعار الناس بأنهم كلهم سواء. هو اختير..

باسم: أنه يكون بينهم.

يوسف: لفضل موجود فيه. على فكرة، اختيار الرسل ليس سببه إنه والله إنه هذا بُرمج وقضى الله قضاءً حتمياً إنه هذا.. "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا..". ليه؟ لأنه الرسول محاسب ومثاب. إذن، قانون العدالة الربانية الكبير يعني إنه هو اصطُفي لأنه كان أخير البشر وأنقاهم وأكثرهم تهيؤًا للتواصل مع الأمر الروحي الذي سيأتي عن طريق المَلَك. وطبعاً القضية ليست مربوطة بالمال والولد كما هم يربطونها. فوجود الرسول على شكل بشر أو من البشر، الهدف إنه الرسول أثناء حياته، اللي هي نبوة الرسول، يُطبّق الرسالة بمعنى يحوّلها إلى سلوك عملي. وهذا هو الهدف من وجوده بشراً. يعني أنا أدعوك الآن إلى مبادئ. طب لو كان الرسول مَلَك، سيقال بكل بساطة: ما هو الرسول الذي جاء.. كيف الآن كثير من الناس تقول له مثلاً: والله هذا الأمر جاء به.. مثلاً جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول لك: لأ هو رسول، أنا مش رسول. يعني لابد أن يكون الرسول بشراً حتى سلوكه الواقعي يكون تكريساً للنص الذي جاء به. ولذلك، على فكرة، معنى الرسول أو هدي الرسول أو هُدى الرسل الذي يتحدث عنه القرآن: "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ..". إذا أردت أن تعرفهم، الموضوع بسيط جداً، اقرأ نص القرآن. كل نص في القرآن هو فعل للرسول، وقول للرسول. هذا هو بكل بساطة، وهذا هو المعيار الذي يجعلك تميز ما هو هُدى الرسول مما ليس هُدى. لا يُعقل أن تأتيني بكلام تنسبه إلى الرسول يخالف فيه.. مستحيل، لأنه هو أُرسل بشراً حتى يكون قوله هو فعله تكريساً، يعني في الجيل الذي بُعث فيه، ثم الآن فكرة متواترة الآن.. إنه لو كان الرسول لم يُمثل النص الذي جاءه، لرفض وانتهت وهزمت دعوته لم يكن لها تأثير. فهذه فكرة بشرية الرسل، الهدف منها إنه إثبات أن ما يأتون به من رسالة هو أمر قابل للتطبيق البشري.

الخلق الإنساني والاختلاف بين الأجناس

باسم: ألا يُفهم من إنه كانوا يعني.. فكرة أن يكون الرسول بشر مكانش مقبولة إلهم، كانوا متعودين أن الرسل كانوا ملائكة مثلاً، أو كانوا مختلفين عنهم.

يوسف: لأ، هي تُكرس فكرة إن هم عندهم شعور طبقي إنه أنا حتى أعتقد أنه رسول، لازم أؤمن بأنه تفضل عليّ بشيء، لذلك قالوا إنهم " يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ".. إن هو ".. إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ.." لاحظ ".. يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ".

باسم: يتميز عنكم بشيء ما..

يوسف: فهم عندهم عقيدة غرسوها، إنه أنت رسول يعني تميز. طب تميز، أنت لازم تكون أفضل منا. طب أنت في ماذا أفضل منا؟ وهذا خطأ ليس صحيح. البشر سواء، كلهم سواء. التميز فقط في معيار واحد، هو التقوى، "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، ليس التميز في عائلة، ولا التميز في مثلاً في أنه من جنس..

باسم: سلالة، ولا دم، ولا طبقة.

يوسف: هذا تنفيه نصوص القصص النبوية بشكل عام، جميع الأنبياء تأتي عليهم من جذره هذا النوع من الاعتقاد، الذي هو لا يزال منتشراً عند كثير من الطوائف الإسلامية.

باسم: خاصة منتشر عند العائلات الدينية، أو ما يُسمى العائلات، بين قوسين، "العائلات الشريفة"، أو التي تنتسب إلى شخصيات تاريخية مثلاً..

يوسف: يعني يقول لك: معصوم، هذا عنده عصمة من الأئمة من كذا، هذا من الأولياء، يتبع للولي الفلاني.

باسم: العائلات الدينية..

يوسف: أينعم، تعيدنا إلى فكرة إنه التقديس يجب أن يكون لتفضيل. بس التفضيل هذا مش ناتج عن التقوى، هو ناتج عن عرق.

هنا نلاحظ أنه ظهرت فكرة قال: "أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ".. في عهد قوم عاد، قالوا يعني: ".. أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا"، يعني إضافة إلى ما حصل من انحراف عند قوم نوح، ما ظهر عند قوم عاد هو...

باسم: تعدد الأئمة؟

يوسف: لأ، تقديس فكر الآباء. يعني إحاطة قدسية أنه ممنوع أن تنتقد ما هو موجود ومتوارث عن الآباء. وطبعاً هذه فكرة بقيت مستمرة في البشر، تولّدت فاستمرت حتى الآن. فيه كثير من الناس أحياناً لما تأتي تناقشهم في صحة فكرة، يقول لك: يعني كل آبائنا وأجدادنا اللي كانوا قبلنا كانوا على خطأ؟ هو القرآن يقول لك: هذا ليس معياراً. المعيار هو حاكم الفكرة، هل هي صحيحة أم خطأ؟ لأ، هذه ليست طريقة في الاحتجاج. فهذه تولدت عند قوم عاد، واحتجوا بها على نبيهم هود. قالوا: كيف نعبد الله وحده ونذر.. حجتهم أنه ليش نعبد الله وحده، لأنه هذا سيؤدي إلى أن نذر ما كان يعبد آباؤنا. فقال: "إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ". يعني وين الإثبات أن هذه آلهة؟ مجرد أوسام أسقطتموها على أشياء لا علاقة لها حقيقة بالألوهية. وقال لهم: "ِإنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ". طبعاً نحن ذكرنا إنه قوم عاد وصلوا إلى مرحلة من البناء. لما قال لهم: "أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ.."، فهم تميزوا بالبناء. يعني هناك مرحلة من التطور الآن، ليس فقط الحياة الزراعية التي يكون فيها الإنسان فقط يعيش على الأرض بأبسط نوع من الحياة، لأ، ظهر مشهد من مشاهد التطور، اللي هو أصبح هناك بناء، هو بناء مرتفعات وبناء مصانع أيضاً، بداية ظهور الصناعة في عهد..

باسم: بداية تطور المجتمع، يعني تطور المجتمع الصناعي ممكن؟

يوسف: أينعم، بداية يعني البذرة الأولى يمكن أن نقولها المرة الأولى التي يظهر فيها الفكر الصناعي عند البشر. لكن اقترن بهذه الانحرافات التي ذكرناها، اللي منها ما هو استمر مما كان عليه قوم نوح، ومنها ما ظهر اللي هو تقديس فكر الآباء والأجداد من غير أن يحاكم إلى الحقيقة أو إلى العقل والمنطق. وفي النهاية قالوا: ".. اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ".. "إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ".

طيب، في النهاية كانت عاقبة قوم عاد إنه: "فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا". وانتهى القوم عن آخرهم طبعاً، كما سنذكر هذا في قضية الصراع.. يعني بين الرسل وأقوامهم. ولكن يلاحظ هنا أنه يقول: "وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا"، "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً".. هذا الكلام في سورة الأحقاف جاء عن قوم عاد، "فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ"، ليه؟ "إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ". نفس الفكرة، عدم تفعيل آليات...

باسم: أدوات المعرفة.

يوسف: أدوات المعرفة التي يأمرك القرآن، من عاد لقوم نوح، قال: قوماً عمين. لاحظ هنا قال إيش؟ لم يغن عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء. بعدين يأتيك واحد يقول لك: لأ، ممنوع تفكر، ممنوع تسمع، ممنوع تقرأ. ممنوع. يعني عجيب جداً كيف.. ويُلبس الفكرة إنه هذا الدين هيك.. يا أخي وين؟ أين القرآن مما تقول؟ أين حث القرآن لك على تفعيل.. وعلى إعادة اللوم والعتاب والعقاب بعد ذلك عليك شخصياً، أنت المسئول. لاحظ الآية لما خاطبت أتباع الشريعة الخاتمة، جاءت بصيغة المفرد: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ". مش: لا تقفُوا. لا تقفُ أنت. "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"، يعني لا تأتي فتقول لي: إنا وجدنا آبائنا على أمة، وجدت الناس على شيء فسرت عليه. قالوا لي: لا تسمع من هذا، ولا تقرأ هذا، ولا.. أنت مسئول عن سمعك وبصرك وفؤادك الذي أُعطي لك، يعني عقلك وتفكرك وتدبرك. فإذا انحرفت، لن تكون لك حجة. يعني لإنك أعطيت أدوات المعرفة، فإياك أن يسلبها منك من يريد أن يجعل عقلك نسخة عن عقله. هذه نقطة في غاية الأهمية.

باسم: يعني، السائد من الثقافة الحالية، حالياً في المجتمعات الإسلامية بشكل عام، والمجتمعات العربية بشكل خاص، هو تسويد فكرة ثقافة الآبائية التي تُعيق الفرد إنه يستخدم دماغه. وأي شخص حالياً بيحاول يقدم شي نظرة مختلفة، يهاجم ويعتبر إنه خارج عن الملة، ويهاجم في...

يوسف: بحجة إنه هذا يخالف ما وجدنا عليه.

باسم: أيوة، بحجة الخروج عن الآباء.

يوسف: أينعم.

باسم: دكتور، شكراً كتير لإلك. انتهينا. نكمل في حلقة جديدة أخرى حول نشوء الكون واستخدام آلية اللسان العربي المبين في فهم النص الكريم.

يوسف: الشكر موصول لكم وللسادة المشاهدين.

باسم: شكرا، شكرا لكم نلقاكم في حلقة جديدة من برنامج مفاهيم مع الدكتور يوسف أبو عواد.