تساؤلات الحلقة:
التفسير اللساني التدبري
للإسلام.
التفسير اللساني التدبري
للإيمان.
التفسير اللساني التدبري
للكفر.
باسم: أهلاً بكم، أنا معكم باسم الجمل في حلقة جديدة من
برنامج "مفاهيم". ونلتقي خلال هذه الحلقة مع الدكتور يوسف أبو عواد
كالمعتاد، لمناقشة بعض المفاهيم القرآنية وفق آلية اللسان العربي المبين. أهلاً بك
دكتور يوسف.
يوسف: أهلاً وسهلاً.
باسم: ناقشنا في الكثير من الحلقات السابقة بعض المفاهيم
القرآنية، اعتمادًا على آلية اللسان العربي المبين. وبطبيعة الحال، ظهرت لدينا الكثير
من المفاهيم المغلوطة عند العامة. وبالتالي، تأكدنا من وجود دقة في اختيار الألفاظ
في القرآن الكريم. حاليًا، هناك الكثير... هناك مجموعة من الألفاظ القرآنية التي
تتعلق بمفاهيم عامة أو واسعة يتداولها الناس، مثل الإسلام والإيمان والكفر
والفسوق. عند إخضاع هذه المفاهيم لآلية اللسان العربي المبين، يتضح أو يتبين لدينا
أنها مختلفة في معانيها ومقاصدها عما يستخدمه العامة أو الثقافة السائدة في
المجتمعات. كيف يمكن إلقاء المزيد من الضوء على هذه المفاهيم لو سمحت؟
يوسف: حسنًا، أهلاً وسهلاً بك وبالسادة المشاهدين والمشاهدات.
تعلم دكتور أن مصطلحات الإسلام والإيمان والكفر والفسوق مصطلحات محورية جدًا في
القرآن الكريم وفي الدين الإسلامي بشكل عام. والمشكلة أن هذه المصطلحات تعرضت لأن
تُفهم بناءً على أمثلة قد تكون مناسبة لظرف معين مثلًا في مرحلة معينة. فظن الناس
أنها شرح مفهومي للكلمة. على سبيل المثال، يُقال: الإسلام هو الشهادتان والصلاة
والزكاة والصيام والحج. هم ظنوا أن هذا شرح مفهومي، مع أنه يمكن أن يكون في ظرف أو
وقت معين أو سبب معين أو بداية مرحلة الدين إلى آخره كان يعني نقطة نظام. لذلك،
حتى تحدد المصطلح يجب أن ترجع إلى تصريفاته في القرآن الكريم نفسه لتفهم معناه
الحقيقي الصالح لكل زمان ومكان. وكلمة إسلام مأخوذة من الأصل الثلاثي "سلم"،
و"سلم" أصلها الثنائي أيضًا "سل"، والسل معروف ما هو. حين تسل
خيطًا من نسيج أو تسل سيفًا من غمده، يعني هي حركة سلسة سهلة منتظمة متوافقة مع
نظام محدد. لاحظ خروج السيف من الغمد الذي يسمى "سلا"، هذا أصلها
الثنائي. ولذلك كلمة "سلم" ليس من الغريب مثلًا أن نجدها في القرآن الكريم
في سياق قوله تعالى: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ". وهذا بالطبع جاء بعد سياق الحرب، يعني:
"فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ
خَلْفَهُمْ"، "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً"،
"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ". إلى أن قال: "وَإِنْ
جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ". معناها
السلم هو ما يعرف اليوم بأنه المسالمة.
ما هو السلم؟
يوسف: وفي آية أخرى يقول: "إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ
إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ
صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ". إلى أن يقول:
"وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ
سَبِيلًا"، "فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا
إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا".
وهذا مهم جدًا أيضًا يرتبط بالموضوع الذي طرحناه سابقًا. أنه بغض النظر عن ما هو
عليه من اعتقاد، إذا ألقى إليك السلم، ليس لك عليه سبيل. هذا هو المعنى الكبير.
لاحظ الأصل الثلاثي السلم.
باسم: يعني مجرد انتهاء حالة العداء بمجرد حدوث سلم تتوقف
حالة العداء بغض النظر عن الخلفيات والمكونات...
يوسف: بالضبط هذا هو المعنى الكبير. وفي آية أخرى يقول مثلًا:
"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ". لاحظ
هذا سياق مهم جدًا في فهم الأصل الثلاثي لكلمة الإسلام. "يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ
أَلَدُّ الْخِصَامِ"، يعني حقيقته أنه في الخصومة لدود لا يبحث عن حق، يبحث
عن نصرة نفسه. وإذا تولى يعني ترك ذهب عن موضع الخطاب والكلام والخصام والإعلام
والظهور أمام الناس، سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل. إذن هذا السلوك
المعاكس لسنن الله في الكون، إفساد الأرض. لاحظ، والله لا يحب الفساد،
"وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ"
ثم يقول بعد ذلك: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ". هذا الصنف الآخر طبعًا
لم يُشرح ما هو، لكنه شرح لك ما معنى أن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله.
باسم: أن يسلم له.
يوسف: أن يكون صادقًا في الكلام، لا يتكلم بكلام وهو لدود
الخصام. أن يصلح في الأرض، أن يكون محافظًا على الحرث، أن يكون محافظًا على النسل.
هذا الذي "يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ
بِالْعِبَادِ".
لما انتهى من عرض
طرفي المقارنة قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ
كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ". إذن السلم الذي دُعي أتباع الرسالة الخاتمة وكل من يؤمن إلى الدخول
فيه، هو سبيل من ليس لدود الخصام ومن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؟ أكيد من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله. فما المقصود فيه؟ أن يصلح في الأرض ويحافظ على الحرث
والنسل. إذن ليس السلم فقط إيقاف حالة العداء مع البشر، بل هو إيقاف حالة العداء
مع الأرض، مع الحرث، مع النسل، مع الزرع، ومع سنن الكون. لأن البعض يقولون أنتم
تتحدثون عن السنة السنة. نعم السنة هي قانون الله في الكون وأعظم إجرام يفعله
الإنسان أن يعكس السنة، وأعظم مظاهر عكس السنة إفساد الأرض وإفساد الزرع والصناعة
والتجارة ونظام الحياة، النظام الذي ينبغي أن تقوم عليه الدولة كما هو الحال في
الدولة المدنية طبعًا حقيقة وليس فقط مجرد نظريات. لا، هذا هو الصلاح الذي تدعو
إليه الآيات وهذا مصطلح السلم.
هل جوهر
الإسلام هو إصلاح الأرض؟
يوسف: يعني يفهم كالتالي، أن هذه الطريقة التي تقود إلى إصلاح
الأرض تعتبر هي المعيار الجوهري في الإسلام بشكل عام؟
باسم: نعم، أي طريقة تؤدي إلى إصلاح الأرض ويشملها كلمة:
"ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.." لاحظ، والعكس "وَلَا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ". الناس تفكر في ماذا يعني لا تتبع خطوات
الشيطان؟ فيربطونها بألفاظ، بحركات، بكذا، لكن السياق لم.. خطوات الشيطان التي
ذكرها هي الإفساد في الأرض، إهلاك الحرث والنسل، الكلام بشيء ومخالفته بعد ذلك في
الواقع، أن يكون لدودا في الخصام، لا يبحث عن الحق في المحاورات، يريد أن ينصر
نفسه، يريد مصالحه الفردية على المصلحة الاجتماعية الكبرى، المصلحة الجماعية. هذه
هي خطوات الشيطان التي تشير إلى السياق المتماسك. هذا هو تماسك السياق والتماسك
النصي، هكذا تقام النصوص. يعني اللسان العربي من طريقته أنك إذا تحدثت عن فكرة
لابد أن يكون أولها مرتبطا بآخرها، فإذا استخدمت مصطلحا في نهاية الفكرة فلم توضحه
فمن المؤكد أن ما ذُكر مسبقا في السياق هو ما وضح هذا المصطلح. فهمنا ما معنى يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله كعبارة. هناك تحليل مفاهيم وتحليل للجمل أحيانا. فهمنا ما
معنى ادخلوا في السلم كافة، فهمنا ما معنى لا تتبعوا خطوات الشيطان. النتيجة
الكلية: السلم هو إيقاف أي شكل من أشكال العداء تجاه الأرض، تجاه الحرث، تجاه
النسل، فضلا عن البشر طبعا التي هي أعلى وأرقى أشكال المخلوقات.
هذا هو السلم الذي
تتحدث عنه الآيات في جذرها الثلاثي. "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ
شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ
مَثَلًا". هذا مثل أيضا ضربه الله ليفهم الناس حقيقة الدين، ما هو الإسلام،
إذا كنت أنت عندك عدة مناهج تتبعها فأنت مشتت بين رجال متشاكسين. أنت مشتت بين
مجموعة من الرجال، "رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ.."، هذا
يأمرك أن تقوم والآخر يأمرك أن تقعد والثالث يأمرك أن تنام، ماذا ستفعل؟ ستكون
مشتتا؟ لماذا؟ لأن مصادر تلقي المعلومات عندك فيها كثير من اللغط، فيها وسطاء، أنت
مرة تقدس رجلًا، مرة تقدس بشرًا، مرة تؤمن بخرافات، مرة تؤمن بأن الأبراج لها
تأثير، مرة تؤمن بدون أدلة، تقيم اعتقاداتك بدون أدلة، فتصبح إنسانا مشتتا،
"كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ
حَيْرَانًا".
باسم: تعبير فيه رجال متشاكسون وكأنه يوجد أكثر من شخص في
ذهنك؟
يوسف: نعم، أكثر من منهج يعني ليس مستقرًا. هو يأخذ
التعليمات، ويصير هناك وسطاء بينه وبين الله، بينما الآخر رجلٌ سلم لرجلٍ، هو فيه
أمر واضح يسير وراءه. طيب، ما المقصود؟ المقصود أيها الإنسان، هذا الكون بين يديك
واضح جدًا، أنت بالحياة والخبرة والتجربة تعرف ما الذي يصلح وما الذي يفسد. إذا
جاء إنسان يضحك عليك يقنعك بتحريم الحلال وتحليل الحرام وإلى آخره، يعني يأتي..
يحرمون باسم الله أشياءً. لذلك القرآن يشن حملة شعواء على ماذا؟ "وَلَا
تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا
حَرَامٌ".
إذا لاحظت الظواهر
التي يحاربها القرآن في وقت نزول الشريعة الخاتمة، تلاحظ أنها كلها ناتجة عن إدخال
وسطاء، كأنهم شركاء يصبحون. الإنسان يتنازعه قول لله وقول لأهل الفلاني، وقول
لصاحب الجاه الفلاني، وقول... فمن يتبع؟ النتيجة الحتمية فوضى عارمة في الأرض،
فوضى في نظام الطعام، فوضى في نظام الشراب، فوضى في نظام الزرع والحرث والنسل
والصناعة، وبالتالي فوضى كلية في المجتمع. فبهذه الطريقة، بنى القرآن الكريم فكرة
السلم فيه.
التحليل
اللساني لكلمة الإسلام
يوسف: طيب، لكن طبعاً الإسلام كمسمى هو مأخوذ من الفعل
الرباعي "أسلم"، بمعنى "سلم"، فعل ثلاثي. أنت سلمت الآن
ومطلوب منك السلم. وماذا عن أسلم؟ الآن السلوك أصبح متعديا. يعني أيضاً مطلوب منك
أنك كما يجب عليك أن تسعى لمنع الضرر عن نفسك، تمنعه أيضاً عن غيرك.
باسم: عن الآخرين...
يوسف: هذا معنى "أسلم". وهذا على فكرة المسمى المستخدم
لجميع الرسالات السابقة؛ بمعنى أنه ليس محصوراً على الرسالة الخاتمة. ولذلك تجد
مثلاً في قوم لوط "فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". طبعاً هذا سياق
عجيب، لماذا أول شيء قال: "فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"؟
البيت الذي يصفه النص هنا هو البيت الذي أسلم نفسه وأسلم المجتمع من سلوك معاكس
لفطرة الله التي كانت في قوم لوط منتشرة. فهم كانوا الوحيدين المسلمين لسنن الله
في هذا الجانب الذي خالفه قوم لوط؛ لذلك أنجاهم الله.
باسم: لماذا ذكر المؤمنين في بداية الآية؟
يوسف: لأن هذا السلم الذي فعلوه في أنفسهم وعدّوه إلى غيرهم
بالإسلام هو ما حقق لهم الأمن؛ الأمن في الحياة ثم الأمن لما نزلت العقوبة.
الإسلام ولّد الأمن، وسنشرح هذا بالتفصيل. إن الإسلام هو الخطوة الأولى لتوليد
الأمن، والأمن درجة أعلى من مجرد الإسلام، لكن ليس بالمنظور الذي يفهمه الناس
أيضاً. هناك منظور قرآني عجيب جداً ودقيق إلى أبعد الحدود في شرح هذه الفكرة. ولذلك
لاحظ في آية كثيرا تثار ما أيضاً من الطاعنين في القرآن، يقول لك الإسلام فيه
إكراه. أين؟ "قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى
قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ". يقول لك:
إما أن تقاتلهم أو يسلم؟ طبعاً هذا فهم خطأ، لأن معنى "يسلم" هنا أي
يتوقف عن القتال؛ يتوقف، يكف عن القتال الذي هو أصلاً رفع السلاح كما شرحنا في
حلقة القتال. هو رفع سلاح في الأول ويريد أن يعتدي. فإذا أسلم، أوقف أذاه، أوقف
عدوانه، يتوقف القتال، وليس المقصود بأي شكل هنا الإسلام أن معناه..
باسم: يقوم ويصوم ويصلي ويحج..
يوسف: أينعم، الدخول في دين معين أو الدخول في الدين يعني
مثلاً إعلان الإيمان بالدين كُرها، هذا ليس المقصود. المقصود هو السلم. وذكرنا هذا
في سياق الأمثال قبل قليل. بمعنى أن "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ
خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ". ثم قال: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ
فَاجْنَحْ لَهَا". لاحظ السياقات كيف أنها متشابهة، وما ربما يغمض على بعض
الناس تكشفه السياقات الأخرى بحيث لا تدع مجالًا لدخول تلاعب من الأصل في تفسير
النص.
هل
الإسلام دين محمد؟
يوسف: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ".
الآن الإسلام الناس يظنون أنه دين محمد عليه الصلاة والسلام. يقول لك: الإسلام دين
محمد؛ يظن أنه أحسن بهذه الطريقة. وهذه العبارة في الحقيقة في قمة الإساءة. لماذا؟
لأن القرآن الكريم يذكر أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء، وهو كفيل أن يوحد البشر
بالسلوك بغض النظر عن العقيدة. العقيدة هذه حسابها فردي عند الله، لكن هو كفيل أن
يوحد البشر بالسلوك وأن يمنع بعضهم أذى بعضهم عن بعضهم الآخر؛ يعني أن يكف الناس
عن إيذاء بعضهم بعضاً، وإيذاء الأرض وإيذاء السنن وإلى آخره. هذا السياق الذي يقول
فيه: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ
كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ
لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى
ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا". لماذا أتيت بهذا السياق؟ لأنه هو الذي يذكر فيه قوله
تعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا..".
باسم: "فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ".
يوسف: نعم، الناس الآن كيف تفهم الآية؟ تفهم أنه من لم يعتقد بـ..
أو يتبع الشريعة الخاتمة "فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ
مِنَ الْخَاسِرِينَ". مع أن القرآن في أماكن أخرى وضح هذه القضية وسنأتي إلى
توضيحها، لكن هنا يقول إن هذا الميثاق أخذ على جميع الأنبياء أنهم في أي وقت يأتي
رسول بعدهم مصدق لما معهم عليهم أن يكونوا معه لا يتفرقوا لأنه هو دين واحد، "لَتُؤْمِنُنَّ
بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ"،
لكن الميثاق ليس واضحاً هنا، ما هو الميثاق؟ ما هو تفصيله؟ ما الذي سيأتي به
الرسول الذي تتحدث عنه الآية؟ وكما
قلنا الوحدة النصية لابد إذا كان فيها كلمات غير واضحة أن يأتي ما يوضحها. قالوا: "قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا
وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". ثم قال: " أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ"، ما هو الدين؟
لاحظ، "وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا
وَكَرْهًا". هذه الجملة في علم نحو نص اليوم تسمي الجملة المفتاحية التي
ترتكز عليها جميع جمل النص الأخرى؛ لأنها هي الجملة الموضحة، وباقي الكلمات
مفهومية. يعني الميثاق، الرسول بما جاء، ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه.
ما هو الإسلام؟ ما هو الدين؟ الآية اللاحقة: "قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا
أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ
رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ".
لكن إلى الآن لم يوضح
ما الدين؟ ما الذي أنزل؟ ما الميثاق؟ بماذا أتى الرسول؟ ما هو الإسلام الذي لن
يقبل غيره؟ الجملة الوحيدة الكاشفة هي: "وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا". هذا هو الإسلام إذن. وما هو
إسلام من في السموات والأرض؟ انسَ البشر، دعهم من نظرك، وانظر إلى.. ستجد أن تحرك
الموجودات والكائنات وفق سنة الله من غير مناكفة ولا مشاكسة. مطلوب منكم أيها
البشر، وقد أعطيتم الإرادة، أن تختاروا الجانب الذي يتوافق مع سنن الله الكونية
والتي فيها الإصلاح. لاحظ كيف أن السياقات يسند
بعضها بعضا فتعطي معنى واحدا متوافقا متماسكا.
باسم: صحيح.
يوسف: هذا قد يبدر حتى من إنسان لم.. لسبب أو لآخر ربما شوهت
صورة الدين في عينه، ربما، لكن يكون هو مسلم مسالم لا يؤذي أحدا، يسير مع السنن،
يسير مع الفطرة، لا يغش، لا يكذب، لا يخدع، لا. إذن هو دخل ضمن المسمى الكبير
لفكرة الإسلام هذه. وطبيعي جداً إذا فهمنا هذا أن نفهم ما معنى: "وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ". ما هو لأنه
عكس الإسلام؟
باسم: الفوضى.
يوسف: العكس أن تفسد، أن تهلك الحرث. كيف سيقبل منك هذا أصلاً؟
حتى لو زعمته دينا، حتى لو نسبته إلى الله، حتى لو قلت نحن أبناء الله والله أذن
لنا أن نأخذ أرض الناس الفلانيين وأرض كذا وأن نأخذ أموالهم وأن نستحل أموال الأمم
وإلى آخره و"لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ". كل هذا لا
حجة فيه عند الله؛ لأنه أنت تسير عكس التيار..
باسم: مثل أبو إسحاق الحويني كان يريد أن يظل يغزو الناس كلها
من أجل.. (يضحك)
يوسف: (يضحك) من أجل الغنيمة.
سبب ربط
النبي محمد بالنبي إبراهيم
يوسف: إذن ها هي الفكرة المحورية كما قلنا في نص الآيات. الآن
نلاحظ أن القرآن يؤكد أن هذا دين جميع الأنبياء بدءًا بإبراهيم عليه السلام ويركز
طبعًا على إبراهيم، "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ". لماذا تلاحظ أن
السياقات النصية القرآنية دائمًا تركز على ربط النبي محمد عليه الصلاة والسلام
بالنبي إبراهيم؟ لماذا؟ يوجد سبب مهم جدًا: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ
اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا". طبعًا، ما كان فيه أنبياء بعده؛
إسحاق ويعقوب وأنبياء بني إسرائيل وموسى وعيسى وإلى آخره. باسم: كلهم كانوا
على نفس الملة.
يوسف: كانوا على نفس الدين، على الإسلام. نعم، الملة هذه جاءت
من الأتباع. ما معنى أن إبراهيم كان حنيفًا؟
يوسف: جميع الأنبياء كما قلنا في آية الميثاق، كلهم ساروا على
نفس النظام الذي هو نظام الإسلام. لكن إبراهيم يقول الله عنه: "مَا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا". هذه ملل فيها انحراف عن
الإسلام، "وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا". كلمة حنيفًا عندما تذكر
مع كلمة "مسلمًا" في سياق إبراهيم عليه السلام فيها لغز مهم جدًا وعجيب
وفي غاية الأهمية؛ لأن الحنف هو أصلا ميل. يعني كل الكلمات التي تصف الدين في
القرآن دينًا قيمًا، صراطًا مستقيمًا، لكن لما تأتي إلى إبراهيم كلمة حنف فيها
ميل، ومعروف الأحنف هو الذي يكون الإعوجاج الموجود في الساقين، هو موجود عند كل
إنسان بالطبيعة أصلا ومهم للقدرة على الوقوف بدون ما يكون فيه ألم، لكن يكون عنده
يعني تقوس زائد في الساقين يسمى أحنف. فلماذا سُمي إبراهيم حنيفًا؟ لأنه ما كان
يعايشه إذا سار مع الخط الاجتماعي الموجود سيسير في خط خطأ. لذلك جاء، كان يفكر
فيما هو موروث فيقول: "يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا
يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا". يريد جوابًا. يذهب إلى قومه وإذ
قال... ماذا؟ فلما "رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي". يعني ذهب
يحاجهم، يحاج قومه. "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ
اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا.." قال لهم سأحاكم فكرتكم الآن: "قَالَ هَذَا
رَبِّي". نتنازل يعني تنزلا أريد... لاحظ لا يسير بخط مستقيم مع ما رآه عند
الناس، مع المجتمع ما وجدنا عليه آباءنا. يعيد (فلترة) الفكرة ولو أدى ذلك إلى أن
يميل عما عليه الناس، ولكن هو يميل لغرض الوصول إلى الحق. وهذا هو الحنف؛ الحنف
الذي في الساق هو تقوّس لكنه تقوس مفيد جدًا.
باسم: ضروري للإنسان.
يوسف: يمكّن الإنسان من الوقوف. وفي هذه الحالة الاستقامة سيئة
أصلا وليست مفيدة إذا أخذتها بمعناها الحرفي. فإبراهيم لم يكن يسير مع الخط
الاجتماعي دون أن يفكر ويقتنع بالفكرة بحجة أن هذه هي ما وجدنا عليه الناس، هذا ما
توارثناها، هذا مروي لنا. لا؛ كان يحاكم،
"فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ"، إلى آخر السياق.
هل انحرف
إبراهيم عن اليهودية والنصرانية؟
باسم: ألا يوحي الحنيفي هنا أن إبراهيم، كونه "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا
وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا"، ألا يوحي أن إبراهيم
كان أيضا حنف عن هاتين الملتين؟
يوسف: طبعا هو حنف عن... ومع أن اليهودية والنصرانية أصلا كملّل
ظهرت لاحقا.
باسم: لأ، أنا سؤالي هنا كالتالي لأنه...
يوسف: لا لا، ما هو؟ أنا أقول لك هذا أكبر دليل أن اليهودية
والنصرانية توصيف لسلوك حتى قبل أن يتشكل مثلا فئة تابعة للذين هادوا أو لأتباع
عيسى أو هكذا.
باسم: بالضبط قد تكون الملتان قائمتان في عهد إبراهيم.
يوسف: بالضبط؛ لأنه هو المقصود ليس تابعا لرسول أو من بني فلان
أو من بني علان. اليهودية سلوك ينحرف عن الإسلام، النصرانية سلوك ينحرف عن
الإسلام. الإسلام الذي نقصده يا جماعة ليس هو الذي يفهمه الناس. لا؛ نحن نقصد التماهي
مع السنن والقوانين بحيث أن تكف أذاك عنها على الأقل عنها لو ما نفعت تكف أذاك
عنها فلا تسير عكسها.
باسم: يعني أريد أن الفكرة تأخذ يعني حقها. هل يُفهم من السياق
أن الملة اليهودية والملة النصرانية كانت قائمة في عهد إبراهيم؟
يوسف: قطعا كفكرة كانت قائمة في عهد إبراهيم عليه السلام، لكن
التوراة والإنجيل أنزلت من بعده، لكن كتوصيف...
باسم: سلوكي؟
يوسف: لسلوك اليهود الذي هو مخالفة السنة مع العلم بأن هذا
مخالف؛ هذا المعنى الكبير للفكرة، للسلوك اليهودي. النصرانية مخالفة السنة بسبب
التكاسل عن البحث؛ يعني الضلال والتيه لم يعط جهدا للقضية حتى يبحث فيها وقلد
تقليدا، يعني قلد الشيء قلد الحبر، قلد الراهب، فضّل عن السير مع السنة الصحيحة
لله سبحانه وتعالى. واليهودي يعرف في السنة ويعرف أن هذه هي طريق الله وهذا نظام
الكون لكنه يخالف السنة بقصد وإرادة. هذا هو السلوك اليهودي؛ فإبراهيم لم يكن ليخالف
وهو يعلم أن هذا ليس صوابا ولم يكن ليسلم عقله لوسيط يقول له هذا صواب وخطأ دون أن
يبحث فيقتنع أن هذا صواب ولا خطأ.
باسم: يعني لم يكن تراثيا؟
يوسف: بالضبط، والنبي محمد عليه الصلاة والسلام لما جاء لماذا
طلب مُنه تحديدا؟ لأنه واجه زمنا كان يشبه زمن إبراهيم عليه السلام، فيه كثير من
الخرافات والخزعبلات والاختراعات والملل الموجودة: الملة اليهودية والملة
النصرانية وملة عبادة الملائكة وغيرها من الملل. فكان مطلوب منه أن حتى تصل إلى
الحق لابد أن تعيد التفكير في كل ما هو موجود. وهذا لا يعني أن ترميه، لكن أنت
تمحص فتعرف الصواب من الخطأ. لذلك في نهاية المطاف...
باسم: يعني طلب منه استخدام طريقة النبي إبراهيم في التفكير
مثلا؟
يوسف: بالضبط، لأن ما واجهه إبراهيم من مجتمعه كان أشبه ما
يكون بالمجتمع الذي واجهه النبي محمد عليه الصلاة والسلام. فكان بحاجة إلى الجهد
الإبراهيمي إلى...
باسم: طريقة البحث..
يوسف: ملة إبراهيم، ولذلك سماه القرآن أمة. يعني كثرة تتابع
الناس على خطأ. لاحظ في مصطلح القرآن يقول وإن التموا على هذا الخطأ، فيمكن أن
تسميهم لمة، ولكن لا تسميهم أمة؛ لأن الأمة انضباط يقود إلى صواب، يقود إلى
استقرار، كما أن الأم تقود إلى أسرة ناجحة ومبنية بطريقة صحيحة. فمهما التم الناس
حول فكرة معينة، إذا كان كله تقليدا ومليئا بالأخطاء، هذا لم وليس أمة. أما
إبراهيم فكان لوحده أمة. فطُلب من النبي محمد عليه الصلاة والسلام أن يسير على هذا
النسق وعلى هذا السياق فيه. وإبراهيم، لاحظ في نهاية المطاف، وهذه نقطة مهمة جدا،
قال في النهاية: "إِنِّي
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا". ما معنى حنيفا؟
سألتف عن هذه العقائد كلها؛ لأنني لم أجد فيها ما يقنع، ولا أوجه نفسي لشخص ولا
إنسان ولا شيء أتخيله. يعني هو لماذا الكوكب؟ لماذ تركه؟ "لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ"، وكذلك القمر
والشمس. طيب، ما بالك الآن الناس يتخيلون أنهم يعبدون الذي فطر السموات والأرض، ولكن
في ذهنهم أن هذا المعبود إذا فعلت أنا كذا وكذا وسبحت بعدد معين وصليت ألف ركعة أو
مئتي ركعة، أنا يعني فعلا شيئا تجاه الله. أسعدت الله؟ يعني الله فرح مني.
باسم: يرضيه.
يوسف: هذا الذي تعبده أنت تخيل في الحقيقة، ليس هو فاطر
السموات والأرض؛ لأن كلمة إبراهيم عليه السلام أعلى مستوى من التجريد وصل إليه
البشر.
سوء فهم
مقولة "رضا الله"
باسم: لأنه فيه سوء فهم لمقولة رضا الله.
يوسف: أينعم.
باسم: يعني يقول الفرد إنني أريد أن أحصل على رضا الله.
يوسف: صحيح.
باسم: هي أيضا فيها سوء فهم أم أن الناس لا تعرف ما الذي يرضي
الله وكيف يتم إرضاء الله؟ وهل الله يرضي بمعنى حزن ورضي مثلا كما يرضيك؟
يوسف: للأسف، هذا هو التخيل الصنمي. هو إبراهيم حارب فكرة
الأصنام وحارب فكرة أن تعتبر أن شيئا سبب في شيء بدون دليل. يعني أنتم تعتبرون
الكواكب والشمس والقمر لها دور وتأثير، عندكم دليل قاطع؟ مادام ما فيه دليل،
يعني... طبعا هذا السياق يحتاج إلى تحليل مفهومي كلمة كلمة؛ لأن فيه أبعادا كثيرة
جدا. لكن باختصار، كلمة "أفل" معناها مثلا أنت تقول لي: "البرج
الفلاني يؤدي إلى الحدث الفلاني". ممتاز! أنت ربطت الآن هناك شخص ولد في كذا
فحصل له لأنه... نذهب إلى آخر ثاني ثالث رابع. هل استمر هذا التأثير أم أفل؟ مادام
أفل إذن ما تتكلم عنه ليس سنة متسقة. إذن ما تتكلم عنه ليس سببا حقيقيا. طيب الصنم،
الأصنام التي كان يعبدها القوم، هذه الأصنام محدودة القدرة، لا تغني عنك شيئا. طب
أنت إذا كنت تعبد الله ولكنك تتعامل معه كأنه بشر، يعني سيفرح الآن، سيغضب الآن،
سيرضى الآن، معناها أنك تلقائيا ستنحرف سلوكياتك حتى تصل إلى ما وصل إليه عبدة
الأصنام وسيذهب جوهر الدين الحقيقي منك. إنما إذا توجهت إلى فاطر السموات والأرض،
ما الذي ستفعله؟ ستذهب إلى السموات والأرض؛ لأن الفاطر نفسه أعلى من فكرة أنك
تتخيله. ممنوع هذا فوق التخيل، خلاص انتهى، إنما ما يمكنك أن تبحث فيه هو السموات
والأرض نفسها. يعني ما فعله إبراهيم عليه السلام ما هو؟ أنه في الحقيقة ترك ما كان
عليه قومه وصار ينظر ماذا يقول الكون؟ ماذا تقول الفيزياء؟ ماذا تقول الكيمياء؟
إذا أردت أن أفعل كذا، ما الطريقة التي توصل إليه وفق سنن السموات والأرض؟ فهذا هو
إسلام إبراهيم وهذه هي حنيفيته. لاحظ كيف وهذا يتوافق مع ما ذكرناه أيضا في النصوص
السابقة.
كيف يفهم الإنسان العادي سنن الله؟
باسم: طب سؤالي هنا؛ الإنسان البسيط العادي في المجتمع كيف
يفهم سنن الله؟ كيف يستطيع الفرد أن يفهم سنن الله حتى
يلتزم بها؟
يوسف: في الحقيقة يجب أن يعيد الناس للعلم قدره. يعني البحث
العلمي يُصرف عليه في جميع الدول العربية اثنين بالمئة مما تصرف عليه إسرائيل! هل هذا
معقول؟ الآن إهمال البحث العلمي ما
هو سببه عند الناس؟ إنهم ينظرون إلى العلوم نظرة دونية. سنن الله تفهم عن طريق
العلوم؛ لأن لماذا أسست العلوم؟ ما الذي استدعى أن أكبر أذكياء العالم يخضعون
للكون فيبحثون في الأشياء متأكدين أن وراء كل شيء قانونا ثابتا صارما، وإن جهلوه
في لحظات لكن يبحثون وهم على يقين أنهم يصلون إلى القانون، ويقتربون منه شيئا
فشيئا. إذا أردت أن تفهم شيئا في الغذاء والدواء، ما تذهب وتقول لي والله هذا
الشيخ الفلاني...
باسم: ولكن كيف... أريد أن أوصل للناس أن هناك تبادلية ما بين
سنن الله أو سنن الكون وما بين طرق إصلاح الكون أو طرق إصلاح الأرض؟
يوسف: أعطيهم أمثلة واقعية.
باسم: هذه التبادلية كيف للإنسان العادي أن يفهمها حتى يستطيع
أن يتصرف فيها؟
يوسف: أنا أقول لك: أعطيهم أمثلة واقعية. آتي بنماذج.. يبنون
تخيلاتهم على الأحداث الكونية بناءً على الخرافات وبناءً على خزعبلات تضحك من
الشيوخ ورجال الدين والرهبان والأحبار والمعصومين وإلى غيرهم. أقول له: قارن الآن
بين هذا الذي ذهب إلى الشيخ واعتمد على أنه.. والله إذا بقول الكلمة الفلانية تُحدث
كذا، وإذا بعمل الرقية الفلانية، واذهب فقارن بينه وبين إنسان سار مع السنن
الطبيعية التي خلقها الله. لاحظ اليابان، لاحظ الصين، لاحظ أوروبا، التطور الذي
حصل في وسائل النقل وفي البناء وفي الطب وفي العلوم وفي جميع... على جميع الأصعدة
هل نتج عن إدخال وسطاء هكذا بالكذب أم ذهبوا فبحثوا في السنن وتطوروا في العلم
فوصلوا إلى ما وصلوا إليه؟
دور مؤسسات المجتمع
باسم: إذن أنت هنا بحاجة ليس للفرد كفرد، كان سؤالي عن الفرد...
هنا بحاجة إلى أن المجتمع نفسه، مؤسسات المجتمع أو إدارات المجتمع تكون واعية لهذه
التبادلية ما بين سنن الكون وما بين طرق إصلاح الأرض..
يوسف: طبعا.
باسم: وبالتالي وضعها في سياقات تعريفية أو علمية تكون في
متناول الجميع، حتى تكون أنت ضمن هذا السياق عليك واحد اثنين ثلاثة أربعة. يعني
مدعاة لتغيير كل طرق التعليم عند العرب.
يوسف: صحيح. هو بحاجة إلى يقظة على مستوى عال في المناهج وفي
غيرها من آليات. لذلك القرآن يركز على فكرة الملأ دائما؛ وكيف أن الباقين يتبعون
الملأ. إذا الملأ تبنى الفكرة معناها في كل وزارة من الوزارات ومجال من المجالات
وتم تغيير الشيء بما يُصلح فعليا إصلاحا حقيقيا بما يستند إلى العلوم الطبيعية كل
في مجاله. قطعا الناس تلقائيا ستتلقى علما صافيا نقيا بعيدا عن الخرافات وبعيدا عن
الخزعبلات، يتحقق مفهوم الإسلام الكبير فتتحقق السعادة الكبرى للمجتمعات.
كل الأنبياء مسلمون
يوسف: وهذا كما قلنا إبراهيم عليه السلام "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ". لاحظ كل
الأنبياء على نفس النسق، "وَوَصَّى
بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى
لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ". "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ
أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ
آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". "إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ
يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ.."
باسم: "أَسْلَمُوا
لِلَّذِينَ..."
يوسف: ليس اليهود، "الَّذِينَ أَسْلَمُوا" الذي اتبع
التوراة حقا هو أسلم فعليا، كله يؤدي إلى نفس المؤدى. "وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ
رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا.." هؤلاء السحرة، ".. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا
صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ". هي الرسالة. "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ
بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ". ويوسف عليه
السلام: "رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي
مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ".
وقد... طبعا كان الدكتور محمد شحرور رحمه الله من أول من سرد هذه الآيات
وجمعها بهذه الطريقة؛ يعني ذاكرا كلمة الإسلام كيف أنها وردت على ألسن جميع
الأنبياء. فكان له قصب السبق صراحة في جمع هذه النصوص بهذه الطريقة.
سليمان عليه السلام قال: "أَلَّا
تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ". قل: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ
سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ". طيب الآن حصل خلاف لا يوجد نقطة تواصل، "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ". لاحظ، يعني ما نريده نحن هو أن نصل إلى مفهوم الإسلام، هذا هو، أن
يكون مصدر اتباعنا، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا
أربابا من دون الله. يعني يا جماعة سواء كنتم أهل كتاب أو غير أهل كتاب نريد أن
نجعل مصدر حياة البشر وما يميز الصواب من الخطأ هو الله، كيف؟ بسننه الموجودة
والمبثوثة في الكون. أنا لا أريد منك الآن، لا أريد أن أدخل في حيز النصوص
التفصيلية وأن أكرهك وأن أتدخل في أنك تتبع الشريعة الخاتمة، لكن لا نريد فكرة
الوسطاء. لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله. لا تجعل إنسانا مقدسا كأنه قادر
أن يولد فكرة فيقول لك هذا الصواب وهذا الخطأ ويتدخل ويتفلسف في جميع أنواع العلوم
والطب، وأنا عندي حل لجميع الأمراض. هذا يجب أن يلغى من فلسفة المجتمعات. دائما
نبحث في الشيء وفق سنن الكون التي بثها الله فيه. اتفقنا؟ اتفقنا، ما اتفقنا إذن
أنتم خالفتم مبدأ لا يسع المخالفة فيه. "فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". نحن سنسير مع السنن،
هذا هو المطلوب.
المعنى الاصطلاحي للإسلام
باسم: بهذه النقطة بالذات السائد أنه هناك فيه معنى اصطلاحي
للإسلام عند الناس وهو عكس المعنى اللساني اللفظي المستخدم في النص القرآني.
يوسف: صحيح
باسم: الإشكالية هنا أن الناس
تستخدم معنى اصطلاحيا للناس تربطه بمجموعة من الاشتراطات الإجرائية، أي واحد يقوم بيها
يقول أنا مسلم.
يوسف: بالضبط.
باسم: لكن في القرآن أو في
الدلالة اللسانية للفظ الموجود في القرآن هو مدلوله أوسع هو استخدامه أوسع، هو
المعنى أكثر دقة في كيفية أن تكون مسلما في الكون.
يوسف: في الحقيقة هذه المشكلة، يعني حتى أنا أقول لك كتب الفقه
الآن المتوارثة تفتحها، دائما تجد كتاب العبادات. هم يقسمونها إلى أربعة أقسام أو
خمسة رئيسية: كتاب العبادات. العبادات يعني الإسلام، ما هي العبادات؟ الطهارة
والصلاة والصيام والزكاة والحج، خلاص انتهى! طيب أنا أقول للسادة المشاهدين جميعا:
أمامكم مجموعة كبيرة من الحلقات تتبعنا فيها بدء الخلق من أوله وسيرة الأنبياء
وسيرورتهم وسيرورة حياة البشر عبر التاريخ. فهمنا معنى العبادة التي كان كل رسول
يدعو إليها قومه لما قارناها بالسلوكيات الموجودة. يعني كانوا يطففون الميزان،
كانوا يتبعون أصحاب الجاه والمال، كانوا جبارين "وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ..." إلى آخره مما
ذكرناه. وفهمنا أن: "اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ..."، وأن وصف
جميع الأنبياء بالإسلام يعني التوقف عن كل هذه السلوكيات، وهذه هي العبادة. وهذا
معنى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". دونكم آيات القرآن الكريم ودونكم مفاهيمه وهي
كثرة كاثرة لا يستطيع أحد أن يجابهها. يا جماعة، أليس كل هذا كفيلا؟ "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ"؟ فيفهموا أن هذا هو المقصود بالعبادة وهذا المعنى
الكبير للإسلام.
باسم: يعني المعنى الاصطلاحي الموجود الشائع في كتب التراث أو
حتى بين الناس بشكل عام، حتى عند الناس الآخرين الذين قاموا... مثلا عند الأوروبيين
أو المستشرقين الذين قرأوا الإسلام، عندهم نفس المعنى الاصطلاحي أن الإسلام مربوط
بمجموعة من الإجراءات الطقوسية. وبالتالي أي شخص يقوم بهذه المجموعات معناه هو
اسمه مسلم، لكن هذا الفهم يتعارض تعارضا عموديا وأفقيا ويتعارض كليا مع اللفظ ومع
معنى اللفظ أو مدلولاته الموجودة في النص القرآني.
يوسف: تعرف يا دكتور لو كان مثلا هذا المعنى يمكنه أنه يُدمج
في ما نقول فيه لا بأس، لا مشكلة، يعني قد يكون كان نقطة نظام في وقت كان الناس
فيه فوضى، لكن المشكلة أنه يصبح بديل عما نتكلم عنه. يعني يُترك كل ما نتحدث عنه
مما فيه صلاح البشر والمجتمعات والأرض كلها، فيصبح معنى بديل يشعر الإنسان أنه فعل
كل ما عليه وأنه المسلم الذي لا يقبل الله دينا غيره، يشعر بالتميز على غيره أنه
أنا في الجنة وغيري في النار، وهو في الحقيقة لم يفعل شيئا حقيقيا من الرسالة.
باسم: بالعكس هو يدفع نفسه إلى الخلف. يعني هو يدفع نفسه إلى
الهلاك عن طريق الاقتناع أن يكون ممارسا مجموعة من الطقوس..
يوسف: طبعا هو خُدّر خلاص، شعر أنه أرضى الله والله فرح، أنه
صلى وصام وحج وفعل الزكاة. يعني يمكن الزكاة هي الشيء الوحيد اللي فيه أثر متعدٍ
مما يدخل ضمن ما تعارف عليه الناس اليوم بأنه الإسلام، لكن الباقي يشعر أنه فعل ما
عليه. الآن المشكلة بهذا الشعور أنه سيستهل في المعاملات، في العلم، في الدراسة،
سيستهل أنه لن يشعر أصلا بأنه يخالف السنن الكونية وأنه يفسد في الأرض، هو يشعر
بالفوقية. لا، تماما مثل ما كان يفعل عبدة الأصنام أنه قدم قربانا للصنم والصنم
الآن فرح، يذهب في الحياة فيفعل ما يشاء، خلاص هؤلاء شفعاؤنا عند الله يقربوننا
إلى الله زلفى.
باسم: دون
الالتزام بالقواعد الأساسية أو بالدلالات الأساسية للفظة الإسلام في القرآن، أنها
تعني الالتزام وفق السنن الإلهية في الكون والالتزام بالقواعد وسلوك الإصلاح في
الأرض.
يوسف: أينعم حتما. أقول لك فعل ما يظنه شفعاؤنا عند الله
ويقربنا إلى الله زلفى. خلاص، أي شيء يفعله الآن فيه عنده صك مُسبق، شيك على بياض
مغفور لك. أنت انتهى، أنت مسلم. أنت كل البشر في النار وأنت في الجنة مقابل ماذا؟
مقابل أنك فعلت أفعالا طقوسية شخصية يعني لك لنفسك؟ ما أثرها على الحياة؟ ما أثرها
على المجتمع؟ أتظن أنه والله أن الله بهذه الطريقة.. أليس هذا تصنيما لفكرة الله
الأكبر من هذا؟ فاطر السموات والأرض الذي كان إبراهيم عليه السلام يتبنى فكرة
الاتجاه إليه؟ هذا تصنيم بمعنى الكلمة ويجب أن ينتهي. إذا لم ينته من حياة الناس وبقي ستبقى حياة الناس كما
هي. لن يحدث التطور، لن تحدث النهضة للأمة، لن تواكب الأمم الأخرى في التطور
والتحضر، لن ينتهي الظلم ولن ينتهي الاضطهاد ولن ينتهي أن يكون رجل غير مناسب في
مكان لا يناسبه أصلا. كل هذه الأشياء التي نعيشها والتي تتحول إلى اكتئاب داخلي
عند الناس، إلى غضب، إلى احتقان، لن ينتهي شيء من هذا حتى يصحو الناس إلى هذا
المعنى الكبير.
الشعور بالفوقية على الأمم
يوسف: وأيضا فكرة الشعور بالفوقية على باقي الأمم، وعلى الناس
الأخرى، مع أن هاالناس أنت تتعامل مع الناس وتجد منهم الكثير ممن ينطبق عليه الوصف
الكبير للإسلام. لا يؤذيك في أبسط الأشياء، يبعد عنك كل شكل من الأذى، بينما تجد
من يقول إنه حقق كل أركان الإسلام -كما هو يتخيل- يؤذيك بكل أنواع الأذى.
لذلك الناس يسألون
كثيرا مستغربين أحيانا يقول: معقول نحن يا أخي كيف نشعر.. نتعامل مع بعض الناس من
خارج الدول الإسلامية؟ أشعر بأن هذا الذي سوف يدخل الجنة وأنا سوف أدخل النار.
يعني هو ليس مستوعبا لماذا... لماذا فكرة أنني بهذه السلوكيات التي أنا عليها أنا
أستحق الجنة وهو يستحق النار. هل يعقل أن
يكون دين رب العالمين الغني عن البشر بهذه الطريقة؟ مستحيل. طبعا هذا الكلام عقلي،
لكن مستنده الأول الذي بنينا عليه ليس هو فلسفاتنا، هو النص. هذه نصوص القرآن
متكاثرة جدا جدا جدا؛ معظم القرآن الكريم يتحدث عن خلق السموات والأرض والبشر
ومكونات الخلق وقوانين الخلق ووجود البشر وما فعلوا أثناء تسلسل وجودهم. معظم آيات القرآن
الكريم كم هي الآيات التي تتحدث..
ما
المقصود بالإيمان؟
باسم: توضيح الدلالة اللفظية للفظة الإسلام في القرآن بهذا
الشكل الذي تحدثنا فيه يُسقط كل المعاني الأخرى وكل المعاني الاصطلاحية التي أُلصقت
بالإسلام وقزمته وحولته إلى أنه عبارة عن مجموعة من السلوكيات الطقوسية اللي يمكن
أن يؤديها أي شخص في زاوية من زوايا بيته ويركن، وبالتالي خرج من دائرة الفعل الذي
له علاقة بإصلاح الكون أو قوانين إصلاح الكون. وهنا قد يقودنا أيضا إلى فكرة الإيمان. ما المقصود
بتبادلية الإيمان والإسلام أيضا؟ يعني هل ما يؤديه الفرد من طقوس هي دلالة إيمانية
أنه يقوم بواجبه الإيماني مثلا تجاه الله؟
يوسف: أنا أقولها ببساطة: الطقوس الفردية هي شرعت في باب
الاستعانة وليس باب العبادة. الآية القرآنية واضحة جدا: "وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ"، ولم يقل: واعبدوا الله بالصبر والصلاة. قالوا:
"وَاسْتَعِينُوا". وهو في سورة الفاتحة قال: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ". الاستعانة حسب هدفها أنت، هدفها أن تزكي نفسك، أن
تجلس، أن تكون بينك وبين نفسك مثلا في أداء الصلاة أو حتى في الحج أو غيره لتراجع
نفسك، تقف مع ذاتك، تقوّم أفعالك، تراجع نفسك؛ لا تصير تركز قرأت الحرف الفلاني
بشدّة وبدون شدّة ووضعت يدي هكذا ووضعت يدي بهذه الطريقة فتُفقد جوهر أصلا هذه العبادة
أو الشعيرة تفقد جوهرها. هذه لك أنت تفعلها ليس لأن الله يفرح أو يغضب عليها، لا،
هي تساعدك أنت على تنقية نفسك، على تهذيب نفسك، حتى يسهل عليك أمر السير مع السنن
الكونية في ظل أنه أنت ربما لما تعاشر الحياة والناس وكذا تغفل نوعا ما، فهي مجرد
تذكير، هي لك تعينك، وليست هي العبادة التي قال الله في شأنها: "وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". لا، أنت تفعلها ثم
تنطلق إلى الحياة فيكون تأثيرها بعد ذلك المطلوب، وهو العبادة، وهو على فكرة مربط
الفرس في الحساب وفي دخول الجنة وفي دخول النار، هذا هو.
باسم: ولهذا قيل: اعبدوا الله في الأسواق.
يوسف: بالضبط. حتى كلمة الإيمان، طبعا نفس الفكرة. ستجد الأمر
غريبا. أنا استغربت بشكل كبير جدا في لحظة من اللحظات أثناء الدراسة، التعمق في
دراسة اللسانيات العربية أن الإيمان مشتق من الأصل "أمن". وما كنت قد
عرفته وقرأته في جميع كتب العقيدة. وحتى كلمة "عقيدة"، على فكرة، لا
وجود لها في القرآن، فهي كلمة مُحدثة ومدخلة. ربما يصدم الناس، لكنني أقول لك:
أعطني، إذن... ها هو النص بين أيدينا. هل تريد منهج التفكير بطريقة إبراهيم عليه
السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم؟ لا، أين كلمة "عقيدة" في القرآن؟ كلمة
"إيمان" أصلها "آمن". فإذا قال لك: "الإيمان هو التصديق
بالله، والتصديق بكذا، والتصديق..."، فإن إبليس كان مُصدقًا بالله، وكان
مُوقنًا بالله بالفعل! أين الإيمان إذاً؟ ثم، إذا كان معناها التصديق، لماذا
يستخدم القرآن كلمة من الأصل "أمن"؟ والأمن معروف في قوله تعالى:
"الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ". يعني أن
الأصل اللساني للكلمة واضح جدًا لجميع الناس. فلماذا يستخدم القرآن هذا الوصف؟
وأيضًا يركز على أن الإيمان ليس التصديق الذي تقوله الكتب التراثية. لاحظ كيف قال:
"وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا..."، أبناء يعقوب قالوا له: "وَمَا
أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ". يعني حتى لو عرفت وتيقنت
أننا صادقون، فأنت لا تؤمن لنا.
باسم: بمعنى أن الإيمان لا يعني مطابقته بالصدق.
يوسف: طبعا! بالطبع! أنا أصدقك ولكنني لست مؤمنًا لك ولا بك،
هذا معنى الكلام. أنت صادق، لكنني لست مؤمنًا بك، لماذا؟ لأنني لست مطمئنًا لك، لا
أشعر بالاستقرار تجاهك. أنت تتحدث كلامًا صادقًا، ولكن...
باسم: بمعنى أن العكس ليس "كافرًا"، بل
"مؤمنًا".
يوسف: العكس المباشر للكافر هو...
باسم: الكاذب، الصادق، يعني... الكفر هو الكذب، والصدق هو...
معنى
مصطلح الكفر
يوسف: الكفر مصطلح فيه نوع من الاختلاف. فالكفر هو أن يعرف
الإنسان الحقيقة ثم يقلبها ويرفضها ويغطي عليها. هذا هو الكفر؛ لأنه في قوله
تعالى: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ
غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ". الكفار هنا يقصد بهم الزرّاع.
باسم: الزرّاع.
يوسف: الذين يزرعون البذور فيقلبون التربة لكي تكون البذور
تحت التراب. ثم أخذت هذه الكلمة، وهي موجودة في العديد من اللغات؛ مثل كلمة (Cover). فالكافر
ليس معناه الذي لم يتبع الرسالة أو الشريعة الخاتمة. لا، معناه أنه عرف الصواب
تمامًا ثم...
باسم: كذب
يوسف: بالطبع،
كذب. بالتالي، سيتولد عن ذلك أنه يكذب، ويتحدث بما ليس بصدق. إذن، فكرة الإيمان
أصلها الكبير هو "الأمن". يعني بالله عليك، الدين هو دين الأنبياء جميعًا.
أنا لا أقول فقط إنه دين محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو قائم على كلمتين كبيرتين:
"سلم" و"أمن". لاحظ الأثر النفسي للكلمتين على المجتمع ككل،
وهو لا يميز. وسأثبت هذا في الإيمان بمعنى الأمن أيضًا، فهو لا يميز في موضوع
العقيدة؛ لأنه لا إكراه في الدين. فكرة الإيمان هي عقد اجتماعي، وفكرة الإسلام هي
عقد اجتماعي. أنت تحدث عقدًا بينك وبين المجتمع وبينك وبين الكون أن لا تأتيه
بضرر، أن لا تؤذيه، هذا الأقل. لكن "الأمن" هو أعلى من ذلك. يعني أن
تأمن مني، أي أنك لن تغتالك مني غائلة. هذا أكثر من مجرد أنني سأتعامل معك بكل
صدق. سيكون بيننا تعامل أكبر من مجرد أنني أكف الشر عنك وتكف شرك عني. سندخل في
عقد بيني وبينك سيكون فيه كثير من التعاملات الاجتماعية وكثير من التعاملات مع
البيئة والكون، ولكن هذا العقد مبني على أنني أؤمنك وأنت تؤمنني. فهذا أصل
الإيمان. إنما بالطبع قد يقول قائل: أين فكرة الله في الموضوع؟ فكرة الله موجودة.
ماذا
يعني "أنا أؤمن بالله"؟
باسم: سؤال، ماذا تعني جملة "أنا أؤمن بالله"؟
يوسف: ممتاز.
باسم: "أنا أؤمن بالله"، ماذا تعني هذه الجملة؟
يوسف: نعم، عندما أقول "أنا أؤمن بالله"، فإن ذلك
يعني أن أساس عقد الأمان الذي بيني وبينك هو الله. بمعنى أنه إذا اختلفنا أو أردنا
وضع أسس معينة، فما هي أسس عقد الإيمان الذي بيننا؟ هل نرجع إلى فلسفات بشرية أو
أفكار بشرية أو إلى الأحبار أو الرهبان أو وسطاء؟ أم نرجع إلى الله؟ الجواب هو:
نرجع إلى الله، ليكون مرجعنا هو الله كأساس عقد الإيمان. وكيف نعرف الله؟ نعرفه من
خلال سماواته وأرضه.
باسم: هنا السائل يسأل، هل يعني ذلك أنك تواجه مثلاً سؤال
"أتؤمن بالله؟" أو "أتؤمن بوجود الله؟"
يوسف: آه، هذه الفكرة "أتؤمن بوجود الله؟" هي فكرة
مقحمة.
باسم: هل يعني أنه إذا لم أؤمن بوجود الله، فهو لا يوجد؟
يوسف: بالطبع، هذه فكرة "هل تؤمن بوجود الله؟" هي
فكرة مقحمة، ويمكن أن تُدرج في سؤال آخر مثل: "هل تصدق أم تكذب؟" أما
الإيمان الذي يتحدث عنه القرآن، فلا يطرح هذه الفكرة، لأنها أصلاً فكرة مغايرة
للفطرة. أنا أعتبر أن فكرة الإيمان لا تتعلق بالتصدُّق أو التكذيب.
باسم: يعني الإيمان يخضع للتصديق والتكذيب؟
يوسف: في المفهوم المتعارف عليه، نعم.
باسم: في المتعارف.
يوسف: لا، في القرآن، الإيمان يتعلق بالأمن والخوف. لاحظ كيف
أن إبراهيم عليه السلام حينما ناقش قومه قال: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا
أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ". يعني
أن الذين عقدوا بينهم عقد إيمان، ولكن لم يرجعوا هذا الإيمان إلى الله، بل اتبعوا
أشياء مستمدة من الكواكب أو الشمس أو الأصنام، هذه خرافات. أما نحن، فإن مصدرنا هو
سنن الله الواضحة في الكون وشرائع الله التي تكرس هذه السنن. بمعنى أن ما يحرمه
القرآن هو محرم بفطرة الناس. كل إنسان سوي يعتبر أن هذه الأشياء محرمات.
باسم: يعني الفطرة تأباه بطبيعتها.
يوسف: نعم، فالفطرة تأبى هذه الأمور بطبيعتها. أما بالنسبة
للمبادئ الكبرى التي تتعلق بالأمور المتعدية، فمثلاً الكذب، السرقة، الاغتصاب، وكل
ما نهى القرآن عن فعله، فهذا شيء مجمع عليه بين البشر. فعلى سبيل المثال، النهي عن
أكل الخبائث هو أمر مجمع عليه بين الجميع.
يوسف: هل يمكن لبرلمان في العالم، كما قال الدكتور محمد شحرور
رحمه الله، أن يناقش فكرة أنه سنسمح بالكذب ولا نمنعه؟ سنسمح بالسرقة ولا نمنعها؟
سنسمح بالاغتصاب ولا نمنعه؟ لا، لكن في الواقع وفي السلوك تحدث مثل هذه الأفعال،
لماذا؟ أحيانًا تحدث باسم وسطاء دينيين بين الله والناس، وأحيانًا باسم خرافات،
وأحيانًا باسم شهوات، وأحيانًا باسم عبادة الهوى. المستند العقدي والأمان الذي
بيني وبينك، ونقطة نظامه وشاهده وضابطه ورابطه هو الله. هذا هو معنى الإيمان
بالله. ولذلك قال: "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ". "أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ
شَيْئًا". هذه هي الفكرة، إذًا، طرفا الإيمان يعني الفعل "آمن". أنا
آمنتك بالله، هذا معناه. يعني الذين آمنوا بعضهم ببعض بالله، ".. وَلَمْ
يَلْبِسُوا..." لاحظ كيف ركّز: ".. وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ
بِظُلْمٍ". يعني يمكن أن تقول "أنا آمنتك"، ثم يبدر منك ظلم، وبقدر
ما يبدر منك ظلم ينقص الأمان. خلاص، لأنك قد أخللت بالعقد، وهذا هو المعنى الواضح
للآية.
فألاحظ كيف أن
إبراهيم عليه السلام، مع أنه كان واحدًا، ناقش قومه وقال: ".. أَيُّ
الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ". إذًا
الإيمان مظهره يكون في فريق كامل من المؤمنين الذين يتبادلون عقد تأمين بعضهم
لبعض. ولذلك خوطب أتباع الرسالة الخاتمة بالإيمان. لاحظ: "يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ...". كيف؟ يتعجب الناس
كيف هذه الآية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ..."؟ لأنه هذا تركيب غريب: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا..." في مقابل الذين هادوا والنصارى والصابئين، يُطلق على أتباع
الرسالة الخاتمة. هم أيضًا مطلوب منهم أن يدخلوا هذا الإيمان؛ الإيمان بالرسالة
الخاتمة، وهم من ضمن من يُطلب منهم أن يدخلوا في عقد الإيمان الأكبر:
"آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ...". لاحظ: "وَالْكِتَابِ الَّذِي
نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ..."،
يعني هي فكرة بشرية كبرى. ليست فقط فكرة تخص أتباع الرسالة الخاتمة، يقول:
"آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ
كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ". في هذه
الآيات التي تتحدث عن مفهوم الإيمان، هي تتحدث عن عقد إيماني بشري كبير بين جميع
من يقبل بهذا من البشر. أنا أؤمنك وأنت تؤمنني، وأساس عقد الأمان... لأنه ممكن
يحصل اختلاف. ما هو؟ ما الدستور؟ أساسه الله. كيف نرجع إلى الله؟ بالسنن الكونية
الكبرى، التي هي الفطرة، التي هي خلاصة القرآن الكريم.
يوسف: طيب، سنجد أيضًا ما يؤكد هذا في أنه عندما تحدث عن آية
القتل. لاحظ، آية القتل مهمة جدًا في إثبات هذا المعنى. يقول: "وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً". هي طبعًا حرر نفسك من
التفكير أنه المؤمن معناها أنه والله...
باسم: الذي يصلي ويصوم إلى آخره.
يوسف: نعم. لماذا حرر نفسك؟ سأثبت لك الآن: "وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً". يعني هذا لا يصدر من
إنسان قد بذل عقد الأمان.
باسم: يعني غير العداء لا يمكن أن يعتدي.
يوسف: أنت اتفقت مع الآخر على الأمان. كيف تقتله؟ هذا لا يمكن
أن يحدث. لا يصح أن يحدث. لأنك دخلت في عقد الأمان. صحيح أم لا؟ آمنت غيرك، كيف
تقتل غيرك إلا أن يقع ذلك خطأ؟ طيب، ثم قال: "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ".
بمعنى أنك تحرر إنسانًا أيضًا ممن ضمن عقد الأمان. هذا الإنسان قد يكون مأسورًا،
قد يكون مسجونًا، قد يكون عليه دين يجعل وضعه مربكًا. ماشي. فيدخل فيه أفكار
كثيرة. طيب، "وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ
يَصَّدَّقُوا..." يعني إلا أن يسامحوا. الآن ركز: "فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ
عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ...". معناها أن القوم لم يدخلوا في عقد
الإيمان هذا. هناك معاداة، لا يريدون. لكن هذا شخص من بين القوم هو آمنك. قال لك
أوصل لك رسالة بطريقة أو بأخرى: "أنا مؤمن". أنا داخل في الآية لن يكون
مني أي اعتداء. بالعكس ستكونون آمنين من جهتي، وهو ضمن القوم المعادين.
"فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ". مقابل أن قتل هذا بالخطأ، لابد من تحرير رقبة مؤمنة.
الآن أهم شاهد: "وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ". يعني
مادام هناك ميثاق بيننا وبين القوم الآخرين، وإن لم يكونوا قد آمنوا بالرسالة
الخاتمة، نفس الدية التي ذكرها مع المؤمن الذي آمن بالرسالة الخاتمة. إذًا مفهوم
عقد الإيمان الكبير بين جميع أتباع الرسل وبين جميع البشر.
باسم: هو عقد مجتمعي قائم إذاً.
يوسف: نتائجه على البشر. هل ميز بين الدية المسلمة إلى أهله
وتحرير رقبة مؤمنة هنا وهناك؟ هو لم يفرق إلا في من لم يبذل عقد الإيمان فأصبح
معاديًا، يريد المعاداة. هذا الذي فرق بينهم. ثم قال: "وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا". وهنا إذًا نفهم أن كلمة "مؤمن" تشمل كل
من آمنك، سواء اتبع الرسالة الخاتمة أو كان من قوم بينك وبينهم ميثاق الأمانة هذا
الكبير. "فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا".
الإيمان وميثاق الأمن
باسم: أنت عارف، بالمناسبة، الكثير من الدول الأوروبية التي
تمنح الجنسيات للأجانب، في خلفية جواز السفر بيكون مكتوب عقد أو ميثاق الأمن. أن
تلتزم بـ: واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، وألا تشارك بأعمال ضد الدولة وضد المجتمع
إلى آخره. هذا هو ميثاق الأمن الذي تمنح الجنسية على أساسه.
يوسف: صحيح. حتى
الفيزا، يعني التأشيرة، هي أصلاً ضمن الشروط والأحكام. بمجرد أن تأخذ الفيزا فأنت
توافق على قوانين البلد وتؤمّن من ستأتي إليهم مقابل أن يأمنوك أيضاً. الآن يبقى
أن يقال: ما معنى آية "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا
وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي
قُلُوبِكُمْ"؟ يعني هذه الآية الناس تحتاج أن تفهمها بشكل دقيق. نفهم الآن أن
هناك درجتين: هناك من يستسلم استسلامًا، يعني سيقول لك "خلاص، أنا سأكف شري
عنك"، ولكن لا يوجد عنده تفاعل، يعني لا يتفاعل مع المجتمع. هذه أقل الدرجات،
هذه الدرجة الدنيا في بناء المجتمع وفق نظام الإسلام والإيمان. قالوا
"آمنا"، فقال لهم النص: "لا، أنت لم تصل لمرحلة أنك أنت..."
باسم: أنت أسلمت.
يوسف: آمنت غيرك
وستتداخل مع المجتمع واطمأننت ووافقت على الموضوع، لكنك تعهدت بكف الشر وكف الأذى.
ممتاز. " وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ"، مع ذلك، "وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ" بمعنى تطيع الله في سننه وتطيع الرسول في المبادئ الكبيرة التي
تتوافق أصلاً مع سنن الله، "لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ". معناها يقبل الأمر منك. هذا أقل ما يقال. لكن درجة
الإيمان الأعلى هي أنه: "لأ، أنا ليس فقط سأكف شري عنك، أنا سأساهم معك،
سنتعاضد، نضع أيدينا في أيدي بعضنا فنبني مجتمعنا وفق سنن الله وشريعته التي تتوافق
أصلاً مع سننه، فنكون مؤمنين بعضنا بعضًا في مسيرة الإصلاح والبناء وإعمار الأرض
وفق هذه السنن. هذه هي الدرجة العليا من الإيمان، ومستندها بالله. الآن يبقى شعورك
الداخلي: "أنا والله فعلاً مؤمن بأن الله المنظم لكل هذه السنن". أشعر
بالأمن تجاهه أو لا أشعر؟ هذا حسابه بينك وبين الله. أنا يهمني في نهاية المطاف في
حياة البشر النتيجة والأثر. أما ما تعتقده في داخلك وتخيلك...
باسم: يبقى في داخلك.
لفت انتباهي استخدام أو أن الخطاب كان موجهاً "قالت الأعراب"، مثلاً.
يعني هو نقل عن العرب. هل هذا تمييز عن باقي المجتمع؟ هل هي فئة مخصصة في
المجتمع أقل مرتبة أو أقل تفاعلاً؟
يوسف: لا. هذا مصطلح
مفهومي لساني مهم. الأعراب هو الذي كان في الأصل يخالف في الاتساق، يخالف النسق،
يخالف المجتمع. عكس العرب. نحن قلنا كلمة "عرب"، يعني "عرب"
معناها انتظم في الشيء، دخل ضمن النظام العام الاجتماعي الكبير فكان خاضعاً
للنظام.
باسم: هو موقف واضح
بالنسبة...
يوسف: آه. دخول
الهمزة "أعرب" معناها أنه خارج عن النظام، يعني يعيش في منطقة نائية
وكذا ولا يخضع للأنظمة. الآن هو أراد أن يخضع، فلذلك قالت: "قَالَتِ
الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا"،
انتقلوا إلى مرحلة أحسن.
باسم: يعني الأعراب
ليست البداوة هنا؟
يوسف: لا، لا.
باسم: كما هو دارج
في...
يوسف: لا، لا. العرب
هو العروبة، هي السير وفق الأنظمة. هذه هي كلمة "العروبة".. هذا معناها.
باسم: يعني يمكن أن
ينطبق، مثلاً، على أي فئة بشرية أو مجتمعية على أطراف أي مجتمع، إن هؤلاء أعراب؟
يوسف: طبعاً. هذا
يشمل الجميع. هو يشمل كل العالم. هذه كلمة "عربي". والقرآن لما وصف
بـ"عربي"، نحن قلنا هذا كثيراً. إنه "عربي" معناها يسير وفق
النظام اللساني دون ما دخله من انحرافات نتيجة تحولات اللهجات البشرية. يعني هو
يسير وفق النظام الفيزيائي الدماغي الصحيح، أن كل صوت يدل على ما يشابهه في
الطبيعة وما يتناسق معه، وصولًا إلى تكوين الكلمات والجمل إلى آخره، فيسير باتساق.
لذلك سُمي "اللسان العربي المبين". وليس معناه أن كل جملة يقولها الناس
اليوم في ما يمكن أن يسمى "اللغة العربية" ينطبق عليه أنه "لسان
عربي مبين". لكن في القرآن، اللسان العربي مبين بمعنى لا يخلط شيئاً بشيء،
واضح جداً في توضيح المفاهيم وتوضيح المصطلحات. فكلمة "عرب"
و"عروبة" في القرآن معناها أن يكون الشيء في أتم حالاته وأتم انتظامه.
وكلمة "أعرب" معناها خرج عن هذا النظام.
باسم: يعني لنقرّب
المثل، مثلاً في مجتمع ما، هناك مجموعة بشرية مختلفة في عاداتها وتقاليدها عن
المجتمع...
يوسف: متمردة، يعني؟
باسم: ليس بالضرورة
تكون متمردة. أعطيك مثل: في بريطانيا عندك فئات، مثلاً الغجر. هذه الفئة موجودة في
المجتمع، لكن سلوكها وثقافتها مختلفة
يوسف: نعم.
باسم: لكنها تلتزم
بالإطار العام الذي يؤمن المجتمع بوجودها وعلى وجوده. فهل يمكن مناداتها بالأعراب؟
يوسف: هو ممكن أن
نقول إنها دخلت في مرحلة الإسلام. مادامت لا تؤذي، إذن هي أسلمت، لكن لا يوجد
تفاعل، وتداخل حقيقي مع المجتمع واندماج، فلم تصل إلى مرحلة الإيمان. لكن هي
أسلمت. أما الأعراب، لا، هو سيكون في الأصل عكس النظام وعكس القانون، إلا أن يبدأ
في التحول. أما هو بطبيعته متمرد، هو خارج عن النظام، لا يتبع الأنظمة، لا يسير مع
نسق المجتمع. فيمكن أن نقول إنه الفئات المتمردة أو التي تكون في أطراف الدولة
فتتفلت من القوانين، تتفلت من الأنظمة. هذا ما يصلح أن نسميه
أعرابا.
ما الكفر والفسوق؟
باسم: قبل ما ننهي
يبقى عندنا مثلًا مدلول أو القراءة اللسانية للفظة "الكفر"
و"الفسوق" في القرآن.
يوسف: نعم، نحن شرحنا
أصل "الكفر" في الآية التي بيّنته من ناحية الزراعة، اللي هو البذور.
فمعناها قبل أن تصم إنسانًا بأنه كافر، لا بد أن تعرف أن هذا الإنسان يعرف الحق
فعلًا ويجحده وينكره. لاحظ هذا، إذن يتدخل في مستوى العقيدة الداخلية والشخصية.
ممكن أن نستخدم "الكفر" كوصف نحذر منه، أما وصم إنسان بأنه كافر ثم
تعتقد بعد ذلك أنه في النار وكذا وكذا، هذا في حسب نظري بآيات القرآن الكريم، ليس
للبشر. ليس لأحد أن يصم إنسانًا بشخصه أنه هذا كفر، لأنه لا بد...
باسم: الكفر هو إعلان
ذاتي، يعني ممكن أكون أنا كافر، بس أن تتهمني بأني كافر وأنا لم أعلن، بالتالي
تعدٍّ على...
يوسف: بالضبط، أنا لا
أصفك بأنك كافر، مستحيل. ولكن أقول لك: التصرف الفلاني أنت خرجت فيه عن حدود
الإسلام أو حدود الإيمان مثلًا بما وصفناه، ممكن، ويجر عليك بالتالي عقوبة
اجتماعية، يعني ستكون واضحة.
باسم: طيب، هل الكفر
مسبّة أو لعنة أم هي توضيح حالة؟
يوسف: لا، الكفر
سُبّة. الكفر سُبّة صدقًا، يعني الناس يظنون أن الكفر توضيح حالة. يمكن أن تقول:
والله هذا مسلم أو غير مسلم. مع أني حتى ضد هذه الفكرة من ناحية مسلم أو غير مسلم
في فكرة إنه والله تقول: هذا إنسان غير مسلم، وهو في الحقيقة مسلم أكثر ممن يقال
عنه أحيانًا إنه مسلم.
باسم: يعني الإنسان
الذي يسالم المجتمع بكل مقوم من مقوماته فهو مسلم؟
يوسف: طبعًا. القرآن
عجيب في هذا: "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ..."،
"إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ
وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ..."، وافق على
عقد الإيمان الذي قلناه بالمستند الذي ذكرناه، "وَعَمِلَ صَالِحًا.."،
فلهم أجرهم عند ربهم." لاحظ..
باسم: قبل ما أتعرض
للآية نفسها، أريد أذكر مثلًا: "كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ
ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ." هل هذه سُبّة أم توضيح حالة؟
يوسف: هي توضيح حال، لكن
أنت إذا استخدمت معناها فيها تعيير. لماذا؟ لأنه لما قلت إن الله ثالث ثلاثة أصبح
هناك مصدران آخران افتراضيان سيتلقى منهما تشريع. هذا التشريع قطعًا سيصبح مثل
الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، لذلك يبدأ التلويث. يعني هي فكرة الشرك كلها، بحسب
تتبعنا للنص القرآني وسياقات الأنبياء والأمم، لماذا نُهي عنها؟ لأنه سيتولد عنها
مناهج وأفكار تعاكس قطعًا، ولو في بعض الأحيان، سننًا كونية. سيصبح هناك تعارض،
يبدأ الانهيار، يبدأ اختلاف البشر، يبدأ الاقتتال: نحن عرق أفضل، نحن كذا. هذا
يشفي، هذا لا يشفي، بدون ما يرجع للسنّة الطبيعية. هذا ينفع، هذا لا ينفع. الآن،
فيه مصدران، هناك مصدران آخران. أنت قلت إن الله ثالث ثلاثة مثلًا.طيب، الإلهان
الاثنان المفترضان، التواصل معهما، مَن المتواصل؟ سيكون هناك سدنة، صح؟ السدنة
سيتكلمون باسم هذين الإلهين. ما يتكلم به السدنة قد يوافق سنن الله وقد يعارضها.
إذن، أصبح هناك مشاكسة. ولذلك، هذا صار نوعًا من الكفر، لأنك أنت الآن إذا طبعًا
عرف هذا.. وضّح له الحق فعرفه. طبعًا ممكن يكون إنسان جاهل، مع أنه أعتقد أنه من يُنبه
إلى طريقة إبراهيم في السير، لا بد في النهاية أن يستسلم: إنه أنا أتوجه لفاطر
السماوات والأرض فأبحث في السماوات والأرض. هذا الذي أفعله. فهذه المشكلة في
الشرك. هذه هي المشكلة: إحداث مناهج.
باسم: هل لفظة "كَفَرَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ" تعني المفهوم السائد
حاليًا عند، دعنا نقول، عند المسيحية بشكل عام؟ هو "التثليث"
(الترينيتي)؟
يوسف: والله، كثير من
المسيحيين يقول مثلًا بفكرة التثليث. وفي النهاية، هذا مجرد، كما أقول لك، مجرد،
يعني كلام يقال دون أن يكون له انعكاس.
باسم: هذا ما أحكيه أنه
السلوك مرات.. يعني السلوك هو وكأنه سلوك: إن الله ثالث...
يوسف: بس السلوك أنه
الله واحد.
باسم: السلوك أنه
الله واحد.
يوسف: نعم، نعم. نحن
نتعامل مع السلوك، وحساب الناس على ما في نفوسهم، هذا لرب العالمين: "فَذَكِّرْ
إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ." في هذا المجال
أبدًا، ولا إكراه في الدين: "أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ" بهذا المعنى، لا. إنما الفكرة في النهاية سلوكياتك: هل سلوكياتك
تتوافق مع الإسلام العام والإيمان العام؟ خلاص انتهى، إسقاط الكلمات القرآنية...
باسم: بس التحديد في الآية:
"كفر الذين قالوا إن الله..." لاحظ "الذين قالوا"، بمعنى
أعلنوا؟
يوسف: نعم، لا.
"قال" ليس فقط أعلن. هو فعل القول، يعني يتحول إلى فعل وسلوك. القول
أكثر من مجرد الكلام بس، يعني انبنى عليه سلوك.
باسم: ما هو الفعل
والسلوك؟ إعلان؟
يوسف: أينعم، إعلان وسلوكيات.
باسم: بمعنى أن الكفر
في ذلك، تحديدًا أن من قال بذلك أو أعلن أو سلك هذا الطريق هو كفر. يعني هل
"كفر" كذب هنا أم أخل بالسنن؟
يوسف: كفر هنا معناها
أنه في قرارة نفسه يعلم أنه لا يمكن أن يكون للكون إلا مصدر واحد، ولكنه خالف ما
في قرارة نفسه خضوعًا لما سمع. هذا هو الكفر. يعني فيه حقيقة مكتنزة داخله، وكأن
القرآن يحثه أنه فيه داخلك الحق. ارجع، فابحث عنه. قد يكون مدفونًا تحت التراب كما
هي البذرة تحت التراب. فلو راجعت نفسك وبحثت، ستجد أن الموضوع غير منطقي. لكن كما
قلت، هو قد يكون كلمة يرددها لا يدري في النهاية ما أبعادها أو...
باسم: هو حاليًا
الكثير من الناس ترددها...
يوسف: لا يكون لها
أبعاد. يعني يكون يسير فعلًا وفق السنن، ويسير وفق أن الله واحد، ويتلقى معلوماته
من سنن الكون وسنن السماوات والأرض. فلا يجوز أن يحاكم الناس صراحة في أقوال
يقولونها وإن توافقت لفظًا مع ما يقوله القرآن. لأنه نحن نتعامل مع مفاهيم وليس مع
كلمات فقط مجردة. البحث: التعامل مع المفاهيم. وأيضًا الإحسان والإساءة والعقوبة،
إلى آخره، تُبنى على السلوكيات. هذا هو المختصر المفيد.
باسم: يعني بالنهاية
أنه الآية التي قالت: "إن الذين آمنوا والذين هادوا... ومن آمن بالله وعمل
صالحًا... وباليوم الآخر وعمل صالحًا..."
يوسف: "إن الذين
آمنوا والذين هادوا..." نعم.
باسم: يعني هذه هي
الصفات الأساسية لأن يكون الإنسان مسلمًا؟
يوسف: أينعم، يؤمن
بالله واليوم الآخر، ويعمل صالحًا. فكرة بسيطة جدًا: يَأْمَن غيره على أساس، دون
أن تدخل وسطاء في الوسط. واليوم الآخر، إنه لا بد من فكرة أنه أنت إذا فعلت شيئًا
ستُعاقب عليه. لو لم تُعاقب في الدنيا، لا بد أن يأتي يوم وتُعاقب عليه. والنتيجة
طبعًا أنه يعني حتى نثبت أنه كلامك حقيقي وتوقيعك على العقد التزمت به ينعكس ذلك
بالعمل الصالح.
باسم: والعمل الصالح هنا
يدخل.. هو تعريف واسع. هو كل شيء يقود إلى إصلاح الأرض والعمل الصالح.
يوسف: والمحافظة على
الحرث والنسل.
باسم: شكرًا لك
دكتور، انتهينا. نلتقي بحلقة جديدة من برنامج "مفاهيم" مع الدكتور يوسف
أبو عواد.