تحدث الدكتور يوسف أبو عواد، المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مجتمع"، عن علاقته مع اللغة العربية؛ حيث عمل دكتوراه وماجستير في الدراسات اللسانية أو اللغوية.
وقال د.يوسف أبو عواد، المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "أنا أنهيت الماجستير والدكتوراه في الدراسات اللسانية أو اللغوية كما هو دارج وشائع في العالم العربي الآن يعني".
هل اللسانيات هي اللغة؟
وأجاب د.يوسف أبو عواد، عن سؤال "هل أنت موافق على أن اللسانيات هي اللغة؟"، قائلًا: "حسب الاصطلاح القرآني، وهو أدق استخدام للعربية.. لأ؛ ليس سواء قطعاً يعني، فأنا أنهيت الماجستير والدكتوراه في الدراسات اللسانية يعني ما يُسمى اللوجستك؛ معناها هي القواعد المنطقية التي تنتظم اللسان على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي والأسلوبي، وكانت رسالة الدكتوراه، وحتى جميع بحوث الماجستير والدكتوراه؛ كلها مخصصة في القرآن الكريم وفي موضوعات قرآنية، والعلاقة بدأت بحفظي كتاب الله، سبحانه وتعالى، في سن صغيرة، ربما كان عمري 15 عاماً، ثم التأمل، وقد يعني حباني الله بعقل يحب المنطق وقواعد المنطق، وتتبع البناء على مستوى الكون، على مستوى كل شيء في الكون، فأحببت أيضاً بشغف شديد أن أتعمق في بناء القرآن الكريم، ثم بناء اللسان العربي بحكم أنه الوسيلة الأولى والأهم لفهم النص القرآني بنص النص نفسه؛ معناها النص القرآني نفسه يقول لك إذا أردت أن تفهمني فادرس اللسان العربي (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)؛ ولذلك يجب أن تكون الوقفة الأولى في فهم النص القرآني هي أن تفهم اللسان العربي، ولا بد لزاماً إذن أن تفهم ما معنى اللسان؟ وما معنى العربي؟ وما معنى المبين؟ حتى تغوص بعد ذلك..".
توضيح مفهوم لفظة اللسان
وأضاف المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "لفظة اللسان في الأصل تتعلق باللفظ؛ فهي لا تتحدث عن المستوى الكتابي، ولا على المستوى، معناها العقلي الذي تبنى اللغة بطريقة يمكن أن نسميها مثلاً نظام برنامج فقط صامت داخل الدماغ؛ يعني أن اللغويين الحديثين أو الحدثيين يفرقون بين اللغة واللسان من ناحية أن اللغة هي صورة عقلية، أما اللسان فهو صورة لفظية، ولكن في الحقيقة لما نرجع إلى ابن جني مثلاً؛ فإنه يُعَرِّف اللغة على أنها أصوات متتابعة يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، لماذا هو الذي عرفه هو تعريف اللسان في الحقيقة؛ أنه أصوات متتابعة معبرة عن الأغراض، في لفظ القرآن الكريم واستخدامه، نحن لا نجد هذا بتاتاً، نحن لا نجد اللغة ككلمة أصلاً؛ ولكننا نجد اللغو وكلمة لغة هي معروف أنها على شاكلة الكلمات التي حذفت الواو من أولها، وهذه نقطة مهمة، وأحياناً تقلب إلى آخرها، واللغو هو ليس أكثر من حركة اللسان التي لا معنى لها، ولذلك يُقال، أعزكم الله، ولغ الكلب؛ أخرج لسانه فوضعه في إناء، هذا هو الولغ أصلاً، ثم يتحول حرف الواو أحياناً إلى آخر الكلمة، فيُقال (لغو)، وقد ذكر هذا القرآن الكريم على سبيل الذم، فقال سبحانه وتعالى (والذين هم عن اللغو معرضون)، (وإذا مروا باللغو مروا كراماً)، فاشتقاق اللغة إذا أردنا أن نكون دقيقين وأن نتمسك بدقة اللسان العربي الذي حافظ القرآن على استخدامه الدقيق؛ فيجب أن نبدأ بفصل اللسان كمفهوم عن اللغة، والتمسك؛ ممكن بعض الناس يقول لك هذه قضية مجازية، وهو من العرف اللغوي، هذا أسحبه على أية لغة في العالم شئت إلا على العربية، لماذا؟ لأنها اقترنت بنص مقدس، ومن المهم أن نحافظ على دقة دلالات كلماتها؛ حتى نصل إلى المعنى الذي أراد النص إيصاله للناس".
إشكالية الحفاظ على استخدام المفردة
وتابع د.يوسف أبو عواد: "يجب أن نحافظ على استخدام المفردة بالمعنى الأصلي لها وإن تنوع الاستخدام باختلاف الزمان والمكان؛ لكن أن يبقى المعنى الأصلي مثلاً إدخال كلمة اللغة على اللسان، هذا سيجعل في عرف الناس أن اللغة هي اللسان؛ فإذا سمع كلمة لغو العقل اللا واعي فسيربطها مباشرةً باللغة، فلا يفهم عمق معنى كلمة لغو، وهنا حصل تشويش، التمسك بدقة الألفاظ وقواعد اللغة، هو تماماً مثل التمسك بدقة الأنظمة والقوانين، متى ما بدأنا تركه سيترك تدريجياً؛ حتى ينمحي، وبالتالي ينمحي ما هو متعلق به، واللغة هي وعاء للمعاني في اللسان، يعني؛ ولكن طبعاً الدارج هذا للأسف هو منتشر يعني، وحتى انتشر على اللسان في كل الدراسة في بكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وفي الحقيقة اللسان هو وعاء المعنى، معناه هو الذي سيساعدك لإيصال المعنى، وهنا نقطة مهمة جداً، لماذا نزل القرآن أصلاً باللسان العربي؟ يعني لماذا؟ وقد يكون هذا محل إشكال، محل استشكال، وماذا تفعل بقية شعوب العالم عبر التاريخ يعني وعبر اختلاف الزمان والمكان؟".
مرحلة مفصلية في البحث باللسان العربي
وأجاب د.يوسف أبو عواد "لماذا يعني هذا السؤال ينطرح؟ يعني ليه ماقالش (إنا أنزلناه بلغتكم) أو (باللغة العربية) أو بالاثنتين؟ ليه اختار وقارن ما بين اللسان العربي واللسان العجمي؟"، قائلاً: "هذا موضوع سينقلنا إلى مرحلة مهمة جداً من هذا الحوار؛ وهي كانت بالنسبة إليَّ مرحلة مفصلية في البحث في اللسان العربي، ويعني على انعكاسه على القرآن الكريم، فالآن قد يُقال مثلاً بقية شعوب العالم ما حظها من فهم القرآن الكريم، وهو رسالة عالمية؟ يعني ليس هناك شك في كل الاتجاهات الإسلامية الموجودة، الآن وقديماً وحديثاً؛ أن الإسلام رسالة عالمية، لكن مثلاً يُقال إن فكرة الإيمان بخالق للكون هي فكرة واضحة لجميع سكان العالم عبر اختلاف الزمان والمكان، وقد جعل اللهُ أدلتها ماثلةً في خلق الناس وفي خلق الأرض والسماء، بغض النظر عن تعمق مستوى العلوم في دراسة هذه الكونيات؛ ولكن فهم الناس هذه الأدلة هو حد سواء بين كل البشر، لأن اللغة التي تحكي فيها هذه الأدلة عن الله باعتباره خالقاً وقديراً وعظيماً وحكيماً، هي لغة واحدة تفهمها جميع عقول البشر، فلماذا لم تكن لغة النص الإلهي أو لسان النص الإلهي الذي نزل به لساناً يفهمه جميع عقول البشر؟ وحتى أنا طرحت على نفسي هذا السؤال؛ حتى أكون صادقاً، فقلت كما كان الله قادراً أن يوحد فهم الناس له خالقاً وحكيماً، لن يعجز أن يجعل هناك لساناً موحداً يفهمه الناس على حد سواء، ونحن نشهد مثلاً بدايات وسائل التفاهم الموجودة الآن في العالم؛ مثل شواخص المرور أو الشواخص الإرشادية، أصبحت عالمية، ومثلاً الوجوه التعبيرية هذه تشكل نواة تفاهم ربما ستصبح عالمية بعد فترة من الزمن؛ لأنه هكذا تبدأ الأشياء أصلاً وتنتشر، فلماذا لم يكن نزول الوحي الإلهي بهذه الطريقة؟ هذا سؤال مهم جداً، وينبغي أن يجاب عنه بمصداقية، الآن لما عقدت مقارنة بين النص القرآني والكون باعتباره هو كتاب الله المنظور كما يُقال، والقرآن كتاب الله المذكور، وجدت أن فهم الناس للكون ودلالته على عظمة الخالق هو مختلف اختلافاً كبيراً بين الناس؛ ففهم الفلاح البسيط الذي يعيش في مزرعة له للسماء والأرض هو فهم سطحي؛ ولكنه لم يعتمل الأساس الذي يهديه إلى أن وراء هذا الكون خالقاً، فإذا ما تعمق مثلاً ودرس علوم الكونيات والفيزياء والكيمياء حتى وصل إلى مستوى فيزياء الكم أو وصل إلى مستوى الذرات، وما هو أصغر منها؛ الأكواركيس، يُقال الآن، فإنه سيزداد يقيناً أن هذا خلق مبني بإتقان وإحكام وسيكون له حظ من التعرف على الخالق، ليس موجوداً لدى مَن لم يدرس، أليس كذلك الذي تعمق ووصل لأعماق الخلق سيصبح عنده من الدلائل على عظمة من بني هذا الخلق شيء كبير؛ ولذلك أينشتاين بغض النظر عن كل ما قيل عنه لما أرسلت إليه رسالة مشهورة جداً؛ وهي منتشرة، هل تؤمن يا أينشتان بخالق لهذا الكون؟ فقال نعم، أنا أؤمن بخالق؛ ولكن ليس بالطريقة السطحية التي تصفها الديانات بأنه يجلس على كرسي، وكذا، ويفعل كذا، طبعاً هو يصف ما كان شائعاً في ذلك الوقت من وصف للخالق في المذاهب المسيحية التي كانت شائعة، فالعالم إذا تعمَّق هو يعرف أن وراء هذا البناء بانياً متقناً وحكيماً، طبعاً هذا بغض النظر عن مسألة الإيجاد من العدم أو عدم الإيجاد من العدم، هذه مسألة أخرى تماماً؛ أنا أتكلم الآن عن البناء وإتقان الصنعة.. طيب إذا قِسنا هذا على النص الذي سيخاطب الله به البشر، ليكون نصاً خالداً ويضع شريعة لتنظم حياة البشر وتوصلهم إلى أعلى درجات السعادة، لا بد أن يكون هناك نفس الاختلاف في مستويات الوصول إلى عمق النص.. نحن ترجمنا معاني النص القرآني إلى أي لسان من ألسن العالم اليوم، وأي لغة كما يُقال، فإن المعنى الكبير لشرائع الإسلام سيكون واضحاً جداً مهما اختلف مذهب المترجم، يعنى لن يشك أحد أن القرآن يدعو إلى أن يتصل الإنسان بالله، ويدعم سواه في ناحية الاعتماد والتوكل والإيمان والإسلام وغيره.. لن يشك أحد في مبادئ الدين الكبيرة العظيمة من بر الوالدين وصلة الأرحام مثلاً كل منظومة القيم التي لو ترجمت إلى أية لغة من لغات العالم، وبغض النظر عن مستوى الترجمة، وهذا تماماً يقابل ما ذكرناه عن ذلك الفلاح البسيط الذي يعيش في حقله، فيعرف أمراً سطحياً عن السماء والأرض؛ ولكنه يهديه إلى الله، هذه المعاني الكبرى للإسلام، هي تقع في قلب أي إنسان بصرف النظر عن وسيلة التواصل التي وصلت إليه هذه المفاهيم من خلالها؛ لكن التعمق في فهم اللسان العربي هو تماماً مثل التعمق في لغة الفيزياء والكيمياء والأحياء التي لها بطبيعة الحال رموز يمكن أن تسمى لغة أو لساناً يصطلح عليه أهل الفن، فلا يكاد أحد من خارج الفن يفهم ما يقال إلا أصحاب الفن.. إذن هذا يحتاج إلى جهد من الإنسان، فكلما جاهد في الوصول إلى الكونيات عرفَ اللهَ أكثر، وكلما جاهد أيضاً في الوصول إلى عمق اللسان العربي سيعرف رسالة الله بشكل أعمق، ومن هنا فإننا نستنتج أن اللسان العربي هو الشكل للكون الأرقى لوسائل التواصل بين البشر تماماً كما أن التعمق في الفيزياء والكيمياء سيوصلنا إلى الشكل الأرقى للكون؛ هو يحتاج إلى جهد، وكلما اجتهد الإنسان أعطاه أكثر وأكثر".
التوافق بين الخلق واللسان
وأضاف المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "اللسان أو التواصل يبدأ تماماً كما بدأت الكائنات؛ نحن نرى على مستوى الأحياء أن الكائنات بدأت ببكتيرية وحيدة الخلية، ونرى على مستوى الكيمياء أن العناصر بدأت بذرة هيدروجين وحيدة النواة أيضاً، والأصوات أيضاً بدأت صوتاً صوتاً.. هكذا التوافق بين الخلق واللسان، جزء من خلق الله وسُننه؛ فهو تشكَّل صوتاً صوتاً بالتعلم من الطبيعة والفطرة الموجودة داخل الإنسان، فأنت تجد مثلاً الأحرف القوية؛ مثل حرف الطاء وحرف القاف والخاء، التي فيها نوع من الدفع، تجد أنك لو تكلمت بها لأي إنسان سيفهم دلالة الكلام؛ لأن هذا منسجم مع نظام خلق الإنسان، اللسان الوحيد الذي حافظ على هذا الانسجام، وبقيت فيه هذه الدلالات، مع تطور منتظم ليصل إلى أعلى مستويات التطور هو اللسان العربي، ولعل كثيراً من المتابعين يقول إن هذه النظرية هي بالنسبة لي حقيقة؛ لكن إثباتها للعالم يحتاج إلى جهد تقوم به منظمات تكون حريصة جداً على ثقافتنا ولساننا العربي وعلى القرآن الكريم؛ حتى توصل رسالتها بعمق إلى الناس، ولكن هذه الحركية الموجودة في الأصوات ثم ما بعد ذلك بناء ما هو أرقى وأرقى وصولاً إلى اللسان بأكمله؛ لأنه اللسان فيه بناء، كما أن الكون فيه بناء، تتحول الذرات إلى عناصر، والعناصر إلى ما هو أكبر منها؛ حتى نصل إلى شكل الكون الموجود اليوم، وتتحول الأصوات إلى صوتَين من صوت، ثم إلى صوتَين، ثم إلى ثلاثة أصوات، وهذه الأصوات الثلاثة لم تقف على هذا كما نعرف في العربية، وإنما تشكل منها الرباعي والخماسي والسداسي بالزيادات، وتشكلت منها المشتقات التي ولدت ما سُمِّي بعد ذلك علم الصرف؛ فالتسلسل مع دلالات الأصوات، ثم بنائها من الأحادي ثم الثنائي ثم الثلاثي سيجعلنا ندرك أن النظام في اللسان العربي منسجم كل الانسجام مع الفطرة البشرية، ومع دلالة الأصوات الأولى".
لماذا سُمِّي اللسان عربياً؟
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "لماذا سُمِّي اللسان عربياً؟ ليه ما قال لساناً عالمياً مثلاً؟ هل قصد فيه إنه فيه جنس، لأن العرب تكلموا فيه مثلاً فسماه عربياً؟ لأنه أنزل القرآن على مجموعة من العرب؟ إقبال عربي على شعب عربي مثلاً؟ ولا لأنه له معنى آخر لكلمة عربي؟"، قائلاً: "كلمة عرب إذا أردنا أن نفهمها ندرسها في اللسان العربي نفسه، الآن مثلاً معظم الطلاب حين يدرسون الإعراب؛ يظنون أنه حفظ كلمة إعراب جذرها (عرب، وعرب وعبر وعرب)؛ هي من التقليب الموجود في نشأة الألسن، أحياناً تتقلب الحروف وتحافظ على معنى متشابه، وهذا موجود؛ فنحن مثلاً نقول (الملعقة) و(المعلقة) أصبحت موجودة عند كثير من الناس؛ فكلمة (عبر) أنت ماذا تفهم من (عبر)؟ أي وصل من مكان إلى مكان آخر. طيب ماذا تفهم من عبر العرب؟ الآن هنا في مصر العربات هي وسيلة النقل، ويقال فلان عراب الصفقة؛ أي هو الذي ساعد على وصولها، حتى انتهى إلى التفاهم بين أطراف الصفقة؛ فهو العراب الذي ينقل التفاهمات بين الأطراف، حتى نصل إلى النتيجة النهائية وعبر عن رأيه، وسموا الإعراب إعراباً لأن هيئة الكلمة يعني حركتها الأخيرة في الأصل أو غيرها؛ مثل جمع المذكر السالم وغيره، تعبر عن معناها، تعرب عن معناها، معناها الإعراب في الأصل هو أن تعبر عما في نفسك أن تعرب عما في نفسك، فاللسان العربي هو اللسان الأوضح في الإعراب عن مكنونات المعاني؛ هو الأقدر عن التعبير عنها وإيصالها إلى الناس بأعلى مستوى ممكن، كما قُلنا في لغة الفيزياء والكيمياء على مستوى العلوم الطبيعية لن تجد لساناً في العالم يتضمن التقلبات والتحولات والتطورات الصوتية والصرفية والمعجمية والنحوية كما في اللسان العربي؛ يعنى أنا سأضرب لك مثالاً بسيطاً في قوله تعالى مثلاً (هذان خصمان اختصموا في ربهم)؛ لاحظ على مستوى الأصوات (هذان خصمان)؛ أنت تلاحظ صوت الخاء ثم الصاد، كيف أنهما أشعراك بالخصومة، ثم قال (اختصموا) ولم يقل (اختصما)، طيب؛ تحول إلى اللاتينية بكل ما تولد عنها وترجم لي هذه العبارة، لا يمكن.. لماذا؟ سيقول لأ أحد بسيطة؛ لا لا يمكن، لأنه لم يقل )هذان خصمان اختصما(؛ قال (هذان خصمان اختصموا)، تحول من المثنى إلى الجمع، طيب؛ لماذا لم يقل (اختصما)؟ هنا لفتة مهمة جداً؛ لأنه لو قال (اختصما) سيشعر العقل اللا واعي عند الإنسان أن الخصم ليس له ذنب؛ لأنه سيحيل الموضوع على الخصم، والخصم شخصية اعتبارية؛ لكن هو الخصم في الحقيقة أشخاص، فتحول إلى واو الجماعة، حتى يقول لهم أنتم المسؤولون عن هذه الخصومة والمحاسبون عليها؛ ليس الشخصية الاعتبارية التي تشكلت من نتيجة كونكم خصماً. كما قال أيضاً (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)، وليس (اقتتلا)، طيب هذه لا يمكن ترجمتها إلى كل اللغات التي أعرفها أنا على الأقل من اللغات اللاتينية بنفس الأسلوب المستخدم في القرآن الكريم، ولذلك قُلت لك إن اللسان العربي وصل إلى أعلى مستوى ممكن من التطور اللساني الذي كان في وسعه بعد ذلك أن يحتوي المعاني التي أراد الله أن يوصلها إلى الناس، فقال (اقتتلوا) حتى يشعرهم بأنهم كأفراد، كجماعة، مسؤولون عن هذا الاقتتال وليست الطائفة؛ لأن الطائفة شخصيتها اعتبارية، ليست لها شخصية حقيقية، في الواقع هي فكرة تجريدية".
"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا".. لِمَ قال اقتتلوا ولم يقُل اقتتلا أو اقتتلتا؟
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "ألا يوحي أيضاً لما نقول هؤلاء شخصان اقتتلوا أن المقصود بـ(الشخصان) مجموعة أشخاص، أو إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا.. طائفتان يعني اثنين، واستخدم الجمع للإشارة إلى أن الطائفتَين هي مجموعة من الأشخاص مش فرد؟"، قائلاً: "نعم؛ هي مجموعة من الأشخاص اجتمعوا على فكرة خالفت فكرة مجموعة أخرى؛ فحصل الاقتتال، فهو يشير هنا أولاً في كلمة (طائفة) يحذر من التعصب لفكر الطائفة على حساب الحق، ولكن لمَ قال اقتتلوا ولم يقُل اقتتلا أو اقتتلتا؟ يعيد المسؤولية إلى الأفراد وليس إلى الطائفة، حتى قال والله لست مسؤولاً، هي الطائفة المشكلة، مشكلة الطائفة هو لما عاد إلى واو الجماعة، أشعرك أنك كفرد لا عذر لك".
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.. اللسان العربي وإشكالية التعبير بالإنجليزية
وأضاف المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "كون الطائفة هي مجموعة أفراد؛ فالمسؤولية عادت على كل فرد من الطائفة.. وهذا هو، لاحظ فقط فيه تحول بسيط نحوي لا تتيحه الألسن الأخرى الموجودة في العالم؛ لا تتيحه مثلاً في اللسان الإنجليزي، نحن نرى ترتيب الجملة ثابتاً؛ فعل وفاعل ومفعول، لكن كيف تعبر عن معنى كقوله تعالي (إنما يخشي الله من عباده العلماء)؛ لو أردت أن تعبر عنه بالإنجليزية لم تستطع تركيب الجملة الطبيعي؛ لأن هذا (إنما يخشي اللهَ) أتاح لك اللسان العربي حين أشار إلى المفعول به بالفتحة، أن تميز مَن الفاعل مِن المفعول، ثم استخدم هذه الميزة، فقد قدَّمَ المفعول به على الفاعل، ليدلك على الحصر، فيقول (إنما يخشي الله أي ولا يخشي غيره من عباده العلماء)، وكان يمكن أن يقول إنما يخشي العلماء الله؛ ولكن لن تفيد معنى الحصر الذي أفاده هذا التغير في الترتيب، والذي هو إحدى مزايا اللسان العربي، الذي لا تجده في ألسن أخرى".
هل اللسان يدل على مجموعة عرقية؟
وقال د.يوسف أبو عواد رداً على "هل اللسان يدل على مجموعة عرقية؟": "لأ قطعاً؛ اللسان لا يدل على العرقية، والقرآن الكريم من الواضح جداً أنه يؤسس لفكرة أن العرقية لا تأثير لها ولا قيمة، إنما قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)؛ هو ذكر فائدة كون المجتمعات على شكل شعوب وقبائل، أن يعرف الأب ابنه والابن أباه وعمه وخاله، فيحصل معناها حماية الناس بعضهم بعضاً برابط الدم؛ لأنه رابط قوي جداً، يساعد في تآلف الناس وتعصبهم حول بعضهم في مواجهة المصائب وليس في مواجهة الحق طبعاً، ولذلك قال (وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ)؛ ولكن اللسان ليس مقصوراً على العرق قطعاً، هو كما قُلنا يتعلق بمدى وضوح التعبير عن كلماتها وحروفها، ومن أصواتها إلى بنائها على مستوى الكلمة والجملة عن المعاني، فهو لسان عربي؛ لأنه يعرب عن المعنى بطريقة لا يستطيع أي لسان آخر في العالم أن يعربها".
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "العرب يعني كما قُلنا مثلاً من ناحية علماء الفيزياء، هم قوم اكتسبوا لغة الفيزياء التي جعلتهم ينفذون إلى أعماق الكون، وكل من سار مع الأصوات أنا أقول هذا، كل من سار مع الأصوات، من ناحية تعلم الإنسان الأول لها من الطبيعة وتدرج شيئاً فشيئاً، سيجد أن ما يمثل البناء الأكمل والأكثر تطوراً لدلالة الأصوات عن المعاني؛ هو اللسان العربي، فسيصل إليه قطعاً، وهو متاح أن يتعلمه، كما أن لغة الفيزياء متاحة، فسيصل إليه قطعاً؛ وهو متاح أن يتعلمه كما أن لغة الفيزياء متاحة لكل إنسان ذي عقل ويجاهد في سبيلها".
وتابع د.يوسف أبو عواد، المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "وقطعاً كل مَن يتقن فهم دلالات الأصوات والسير معها شيئاً فشيئاً حتى تتركب على شكل كلمات، ثم تتشكل الكلمات على شكل جمل؛ هو في الحقيقة وصل إلى مرحلة العربية أو فهم العربية، على الأقل لا يشترط أن يكون أتقن التعبير بالعربية؛ ولكنه سيفهم".
المقصود باختلاف الألسن في "وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ"
واستكمل د.يوسف أبو عواد: "اختلاف الألسن تماماً كاختلاف الألوان المذكور في الآية نفسها (وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)؛ والألوان لا يقصد فيها فقط اللون المعروف مجازاً، الألوان معناها تطلق على الأنواع بشكل عام؛ يعني حتى اختلاف شكل الجسم والوجه والطول والقصر.. إلى آخره. هذا شكل من التنوع الذي يدل على آية عظمى من آيات الله سبحانه وتعالى، فالخلق كله مبني على التنوع؛ ولكن هذا لا يعني أن الألسن كلها على قدم المساواة لا يعني ذلك، كما قُلنا هذا مثال فهم الكون من قِبل علماء الفيزياء، هو أعلى درجة يمكن أن يصل الإنسان منها إلى فهم الله سبحانه وتعالى، فكذلك أيضاً اللسان؛ فهم اللسان العربي لمن تعمق فيه هو أعلى درجة توصل الإنسان إلى عمق المعاني التي عبر عنها القرآن الكريم، هذا هو؛ ولكن المعنى الأساسي سيصل إلى جميع الناس باختلاف ألسنتهم، كما أن معرفة الله بالأساس واصلة إلى جميع الناس".
الوصول إلى اللسان الأكمل الأقدر على احتواء المعاني
وأضاف د.يوسف أبو عواد، رداً على "يعني هناك عدة ألسنة؛ بس منها اللسان العربي المبين، وهو الأكثر دقة؟": "نعم؛ ولكن منها لا يعني أنه مثلها، هو يعني أنه في أعلاها، كما أن هناك عدة مستويات في فهم الكون؛ ولكن من هذه المستويات علم الفيزياء الحديث، أليس علم الفيزياء الحديث هو الأعمق؟ يمكنك أن تدرس الكون بطريقة الناس البسيطة جداً، ويمكنك أن تدرسه بمنطق الطبيعيات القديمة، ويمكنك أن تدرسه بمنطق الفيزياء الحديث؛ ولكن منطق الفيزياء الحديث هو أعلى مستوى وصل إليه البشر في فهم طبيعة الكون، كذلك يمكنك أن تتواصل بأي لسان شئت؛ ولكنك لم تصل إلى اللسان الأكمل الأقدر على احتواء المعاني إلا إذا تعمقت في فهم اللسان العربي، وهنا بالمناسبة أريد أن أذكر الآية هذه نفسها (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء)، هذا للأسف إسقاط معظم المفسرين أو فهم الناس أن العلماء المقصودين هنا علماء الشريعة، وهذا لا يؤيده سياق النص... لماذا؟ انظر إلى السياق وتأمل، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا)؛ يعني أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات، سيحثك على دراسة علم الأحياء، النبات، ومن الجبال جدد؛ بيض وحمر مختلف ألوانها، وغرابيب سود، ستدرس علوم الأرض، طبقات الأرض، والصخور.. إلى آخره، كلما تعمقت فهمت أكثر، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه، كما قُلنا ليس اللون فقط هو لون البشر، لأ؛ الأشكال والأنواع.. إلى آخره، ثم قال هذا علم الأحياء، طبعاً، ثم قال (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء)، إذن قطعاً هو سيعود إلى العلم الذي يولد الخشية، ليست قضية أنك تكرر كلاماً موجوداً في الكتب التراثية وكذا هذا لن يورثك الخشية أبداً، ما سيورثك الخشية هو التعمق في فهم خلق الله سبحانه وتعالى، وما سيورثك فهم المعاني بشكل عميق جداً هو أن تتعمق في فهم اللسان العربي".
كيفية التعمق باللسان العربي
وأجاب د.يوسف عن سؤال "هل يستطيع كل فرد أن يتعمق باللسان العربي وما القواعد؟"، قائلاً: "هذا السؤال يجاب عنه كما يجاب عن أي سؤال يتعلق بدراسة أي علم من العلوم؛ فمع الأسف في جميع العلوم هناك علم وهناك ضوضاء تحيط بهذا العلم، فلو ذهبت تدرس أي علم من العلوم؛ علم الأحياء، علم الكيمياء؛ ستجد علماً يسير وَفق منهجية دقيقة وصحيحة ومقنعة للعقل؛ فالعقل هو الآلة التي أصلاً بناء عليها أصبح الإنسان مكلفاً، وهو الآلة التي ينبغي أن يحاكم إليها أي منهج علمي، وكذلك حصل في اللسان العربي المبين، هناك ضوضاء كثيرة جداً أحاطت بدراسة اللسان العربي، منذ فجر الدراسات يعني وعصر التدوين، وهناك علم تلمح يعني ملامحه في كلام لابن جني والجاحظ وغيرهما من العلماء الذين تتسلسل بهم وصولاً إلى بعض العلماء في العصر الحديث؛ ولكن الأمر يحتاج إلى جهاد ومجاهدة، تماماً كما ستفعل في دراسة الكيمياء والأحياء، حتى يستنير لك الدرب وتبدأ بالفهم الذي يقنع عقلك ومنطقك العقلي إقناعاً تاماً، ستعاني ولكنك ستكافأ، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وأعظم مكافأة هي هذه اللذة التي ستشعرك بالانسجام التام والتماهي مع كون الله، سبحانه، وسننه تماماً كما شعرت باللذة حين رأيت خلق الله، كيف بني، وبالمناسبة هذا هو المعنى العظيم لكلمة الإسلام؛ لأنك هنا ستكون قد أسلمت أمرك لسنن الله الكونية الموجودة في الوجود، فتشعر بأنك في أدنى مستويات الطاقة السلبية طبعاً وأعلى مستويات الطاقة الإيجابية".
أهم القواعد الأساسية في اللسان العربي
وقال د.يوسف أبو عواد عن أهم القواعد الأساسية في اللسان العربي: "ربما تكون هي منهجية أكثر من كونها قواعد؛ لأننا نحتاج إلى جهد كبير للأمانة، تتبناه منظمات، حتى نصل إلى الذروة التي تميِّز أو تبيِّن تميُّز القرآن الكريم عن غيره، وتميُّز أيضاً معانيه عن غيره من الكتب السماوية أو غير السماوية أيضاً؛ فالقاعدة الأولى هي تتبع الأصوات إلى أصغر استخدام ممكن، ثم تلمح الدلالة معناها أن أبحث عن الدلالة، مثلاً كلمة (مه) هذه تستخدم للسؤال عند العرب مثلاً أو (به) أو (فه)؛ سأسعى إلى تتبعها في اللسان العربي وفي الاستخدام العربي حتى أصل إلى دلالة الـ(فه) كصوت أو دلالة الباء أو دلالة الميم، وهناك جهود كثيرة بُذلت في هذا المضمار؛ ولكننا لم نصل إلى ما يمكن أن نطلق عليه الاستقراء التام وشبه التام، وهذه المشكلة التي تجعل مثل هذه الدراسات لا تقبل عند كثير من الأكاديميين؛ لأنها لم تُبنَ على أساس، هي جهود أفراد مع الأسف، واستقراؤها يحتاج إلى جهد كبير، ربما فقط استقراء دلالات الأصوات يأخذ سنوات طويلة من الإنسان أو مجموعة من الناس، حتى لأننا بعد ذلك سننتقل إلى مرحلة أعلى، وهذا يقابل تماماً ما فعله علماء الفيزياء والكيمياء، مرة أخرى هم تتبعوا مثلاً الجين البشري، فوجدوا أنه الجين، بشكل عام الجينات، فوجدوا أنها تنبني على أربع قواعد نيتروجينية، في الأحياء هناك أربع قواعد نيتروجينية تنبني منها الجينات التي هي الموروثات.. الآن تراكم هذه القواعد الأربع النيتروجينية مع بعضها، يولد كل ما ينتج بعد ذلك من صفات الكائنات. طيب؛ نحن عندنا في اللغة العربية ٢٨ صوتاً، سنتتبع كل صوت وحده أولاً، ثم بعد ذلك تآلف الأصوات مع بعضها في سبيل تشكيل الكلمات، ثم تآلف الكلمات في سبيل تشكيل الجمل، وهنا بالمناسبة أنا أذكر أن الصرفيين العرب تتبعوا تحول الحروف أو الأصوات إلى كلمات، فذكروا مثلاً مبحث اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وصيغة المبالغة واسم المكان والزمان.. وغيرها من المشتقات والمصادر، ثم تتبعوا أيضاً تحول الكلمات إلى جمل، وهذا ما يُسمى علم النحو أصلاً الذي يعالج فهمَ المعاني على مستوى الجملة؛ ولكن ليست هناك دراسة استقصائية تتبع الأصوات من أولها لفهم دلالة الأصوات، ثم بعد ذلك فهم دلالتها إلى ما اجتمعت مع غيرها؛ يعنى لا نستطيع أن نجزم مثلاً ونقول على الإطلاق حرف الباء يدل على كذا، هو يدل على كذا كبداية؛ إنما إذا اجتمع مع غيره مثلاً قد يصبح هناك دلالة مضافة أو دلالة جديدة ناتجة عن اجتماع الحرفَين أو الصوتَين معاً؛ فهذا الأمر يحتاج إلى استقراء وتتبع تاريخي قدر المستطاع، وفهم المعاني ومقارنة ذلك بأصوات الطبيعة".
دلالة الحروف في اللسان
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "الحرف كحرف إن قصدت به الصوت؛ فالصوت هو نفس اللفظ، يعني إن قصدت به الدلالة، نعم هناك دلالة في الأصل قطعاً، وهذه الدلالة تلمحها يعني مثلاً لماذا أنت تلمح الاختفاء لما تقرأ سورة (الناس)؟ تلمحه بوضوح (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس) ثم قال (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس..)؛ لو لم يكن الصوت له دلالة لما كان هذا الأمر واضحاً جداً، ولما أصرَّت السورة يعني تلح على أن تكرر حرف السين؛ خصوصاً الساكن، بينما في سورة (الفلق) مثلاً هناك إلحاح على تكرار أصوات الحروف التي تؤدي إلى القلقلة أو ارتعاد الصوت أثناء القراءة؛ لأمرَين اثنين موجودَين في السورة، الأمر الأول هو عملية الخلق، والتي هي منبنية على الانقسام، كما أثبت ذلك علم الأحياء وغيره من العلوم اليوم؛ فالخلق والفلق مبني على قضايا الانقسام، وصوت القاف يشعرك بالقطع والقسم، وهكذا، ثم تحول إلى صوت الدال مثلاً والباء، وهي حروف مقلقلة؛ ولكنها كلها تشعر بالقوة. إذن الأصوات لها.. مثلاً حرف الهاء مثلاً الذي فيه إشارة إلى الغياب، وذلك استخدم في كل ضمائر الغائب في العربية، وتجد مثلاً أن فتية الكهف قالوا هؤلاء قومنا، معنى أنهم، كأنهم غائبون، وعقولهم ليست معهم؛ فهذا ما أوصلهم إلى ما هم فيه من عبادة غير الله؛ فهناك أدلة واضحة جداً وقائمة على أن الأصوات المفردة لها دلالات، ولكن ينقصنا فقط أن نستكمل عملية الاستقراء؛ حتى ننطلق منها بعد ذلك بإنشاء علم محكم ورصين يكون نهجاً لمَن يريد أن يدرس اللسان العربي بهذه الدراسة العميقة طبعاً".
إشكالية دلالة الحرف والمعنى الكامل
وتابع المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "الدلالة تعطي معنًى يمكن أن نقول وصل إلى المرحلة التجريدية، هو بدأ بشيء ملموس.. هكذا تبدأ اللسان، يتكون في الأصل، هذه نقطة مهمة جداً وقد ذكرتها في فيديو يتحدث عن قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها)، أي لسان في العالم يبدأ بمسميات الأشياء؛ ولكن طبعاً هذه ليست البداية الأولى، مسميات الأشياء على مستوى الصوت الواحد فقط، كما هي الحال في الطبيعة، ثم بعد ذلك يتكون من الصوت مسمى أيضاً لأشياء جامدة ومحسوسة بحواس الإنسان الطبيعية، ومرحلة التجريد معناها المعاني التي تفهم بالذهن أو بالعقل.. هذه مرحلة لاحقة في حياة الإنسان؛ فبدايةً بدأ الأمر بتعلم الأسماء، وكلمة اسم هي في الأصل وسم، كما قُلنا عن اللغة هناك واو في بداية الكلمة أصلاً، وسم بمعنى علامة لحظة التناسق بين وسم، معناها الاسم هو علامة على الشيء. طيب علامة عليه من أية ناحية؟ من ناحية إنه الناس اصطلحوا واتفقوا، هذا لا يكون أبداً؛ لأن اللسان يتشكل بطريقة طبيعية وَفق السنن الكونية، كما تشكل مجرى النهر، وكما يتشكل أي شيء آخر في الكون، لا يمكن أن تجبر الناس مهما حاولت أن تجبرهم وتأخذهم على أن يتكلموا بطريقة معينة، التشكل يجري وَفق قوانين طبيعية وتتجاذبه عوامل كثيرة جداً، فلماذا صار هذا اللفظ وسماً على هذا المسمى ؟ صار وسماً بمعنى صار علامة؛ حتى قيل إنه هو اسم، لا بد أن يكون هناك تناسق فطري طبيعي، يعني تناسق في فيزياء الصوت، مثلاً الآن في مختبرات كثيرة ترصد الأصوات والطاقة الموجودة فيها وغير ذلك، وأيضاً أثرها على السمع وعلى أذن المتلقي، هذا التناسق هو ما نقصده بالأساس الأول للسان، وهو ما نقصده بالأسماء التي تكونت أول الأمر؛ حتى تشكلت الأسماء الأولى، ثم منها هذه تسمى الأسماء الجامدة.. على فكرة في الصرف العربي اليوم منها تبدأ الاشتقاقات وَفق طريقة يعني منهجية، هي أصلاً موجودة في برمجة العقل لما خلقهم الله أول الأمر، وقد وصف هذا تشومسكي، لما تحدَّث عن اللغة، وصفه أنه هذا موجود أصلاً في عقل كل إنسان؛ اللغة كقوانين موجودة لدى عقل الإنسان، قدرة طبيعية وهبه الله إياها، على أن يقوم بتصريف الكلمة، وهذا طبعاً هو الجواب الحتمي على مَن يقول لمَ علم الله آدم الأسماء كلها؟ هو ماذا علمه؟ يعني لقنه الأمر تلقيناً؟ لأ هو علمه كيف يحاكيه، هو وضع فيه القوانين الأولى لإخراج أصوات تعبر عن المعاني والدلالات، ثم أعطاه قدرة على أن يسمع الأصوات الموجودة في الطبيعة، وصولاً إلى وسم الأشياء بصوت يناسبه طبيعة هذه الأشياء، وصولاً إلى ما مثلاً..".
الدلالة اللفظية والحروف
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال " كيف توصل الإنسان إلى أن يضع هذه الدلالة اللفظية أو هذه الدلالات في العقل عن الأشياء وأن يعطيها ميزة في الحروف؟"، قائلاً: "هو عقل الإنسان من هذه الناحية هو أداة تنفيذية؛ برنامجه الأول من ناحية قدرته على المواءمة بين الأشياء وفهم سُننها، ثم الاستنتاج والتوليد.. برنامج موجود أصلاً لدى الإنسان تماماً كما وُجِد للطفل برنامج يعلمه كيف يرضع من ثدي أُمه، ووُجِد لديه برنامج يعلمه كيف يمشي؟".
اللسان والمستوى الكتابي.. إشكالية كبيرة جداً
وقال د.يوسف أبو عواد: "أعود إلى نقطة مهمة جداً؛ المستوى الكتابي، هذا تقريباً يمكننا أن نقول إنه العلاقة شبه منعدمة بينه وبين اللسان، باعتبار أن اللسان أصوات المستوى الكتابي ليس أكثر من مجرد رموز تواضع عليها الناس.. نعم، هذا نشأ من المواضعة؛ فلكن أيضاً هنا نقطة مهمة جداً، الألسن عندما حولت إلى الشكل الكتابي اختلفت في طريقة التحويل، فلو ذهبنا إلى مجموعة اللغات أو الألسن الصينية وما يشبهها، سنجد أن طريقة تحويل اللسان إلى كتابة بُنيت على رسم الأشياء أو المسميات، وهذه إشكالية كبيرة جداً جداً؛ لأنه لن تصل إلى نظام مصغر جداً يختزل عدداً كبيراً جداً من المعاني، أما أن تجعل الرمز الكتابي يعبر عن الصوت ثم بعد ذلك أنت فائدة الكتابة فقط؛ أنها تنقل لك الصوت بطريقة من العين إلى الدماغ، بدل أن تكون من الأذن إلى الدماغ؛ فهذا مستوى أرقى بكثير في التعبير الكتابي عن اللسان؛ لأنه سيختزل معاني كبيرة جداً برموز صغيرة وقليلة جداً، فهذا أيضاً وجد في اللسان العربي، وإن كان موجوداً في ألسن أخرى؛ ولكنه موجود أيضاً في اللسان العربي، فنحن يجب أن نعزل بين الكتابة، الكتابة هي مجرد اصطلاح؛ يعني كان يمكن أن تكتب، وهي تكتب إلى الآن، يكتب الباء بعدة أشكال، والعين والحاء.. هذا ليس له تأثير في المعنى في الحقيقة".
الحرف القرآني
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل الحرف القرآني حرف مصطلح؛ اصطلاحي، أم أنزل مع اللفظ، مع المعنى؟ هل أوحي به أم أوحي بالمعنى؟ يعني هل الرسول لما كان يستقبل الوحي وكان يملي على الكتبة، هل كان يملي عليهم معنى أم لفظاً، معنًى أم لفظاً مع نص مكتوب؟ بمعنى يعني معنًى مرمزاً له بحروف؟"، قائلاً: "نعم هو الأظهر، أقول الأظهر؛ لأن المسألة فيها محل نظر، إنما الأظهر أن القرآن نزل ألفاظاً وليس كتابةً، والرسول، عليه الصلاة والسلام، أملى الألفاظ على الكتبة، فكتبوها؛ كتبوها بما كان متعارفاً من الاصطلاح الكتابي وليس الاصطلاح الكتابي في أصله يعني وحياً، لكن هناك إشارات إلى أن الكتابة، كتابة الحروف؛ مثل التاء المفتوحة والتاء المربوطة، مثل إضافة بعض الحروف في الكتابة مثلاً التي لا تلفظ أبداً ولا حتى في كل القراءات المعروفة للقرآن الكريم إنه لها تأثير ولها نسق محدد؛ لكن المشكلة في دراسة هذا النسق، أنه ليست هناك منهجية واضحة مقنعة للعالم، إنه والله نحن نجد إشارات مثلاً مثل (ط س) في أول سورة النمل، يعنى أنه نجد تكرر حرف الطاء في سورة النمل، هو حسب نفس عدد ترتيب السورة في القرآن، وهو 27، بينما حرف السين مثلاً 93، أو من مضاعفاتها.. أتذكر جيداً، المهم له علاقة واضحة جداً برقم السورة وعدد آياتها. طبعاً بعض الناس سيقول لي دخلت في الإعجاز العددي، لا لا، أنا لا أقول إنه هذا وصل إلى مرحلة يمكن أن يُسمى إعجازاً؛ ولكن أقول هناك إشارات، وهذه الإشارات لا يمكن أن تكون عبثية؛ إنما نحن لم نصل إلى مرحلة من الدراسة استقرائية شاملة ومحكمة ودقيقة وحيادية حتى نفهم لماذا جاءت هذه التكرارات؟ يعني هذا التكرار هو مقصود، ووجود التاء المفتوحة والمربوطة مقصود؛ ولكن التكلف في تفسيره أو التسرع في إعطاء الأحكام هو الذي يعني يجعل ما يقوله الناس يُرفض بعد ذلك، وهذا يدخل في جوانب كثيرة، على فكرة في القرآن عدم الاستقراء الكامل، كلمة مثلاً (يوم)، طبعاً هنا لم يكن على مستوى الحروف، أنت لو بحثت في أي باحث قرآني حقيقي ودقيق ستجد أنها تكررت 365 مرة، قطعاً ما أقصده هو (يوم، ويومًا، ويومٍ) التي هي بحالاتها الإعرابية ثلاث وليس (يومئذ، ولا يومكم، ولا يومهم) هذه ليست المقصودة؛ إنما كلمة يوم. طيب؛ هذا لما تذهب إلى كلمة شهر وتجدها قد تكررت ١٢ مرة، هل يمكن أن تقول هذا على سبيل المصادفة؟ لا؛ يمكن، إنما هذا يفتح لنا بوابة للبحث إذا وصلنا إلى نتيجة، أنه كتابة القرآن وكلمات القرآن فيها نسق هائل فعلاً، هذا يعني أنه لا بد أن يكون -أقولها بكلمة واحدة- (صنع على عين الله)، لكن لا أدري هل الرسول أخبر الكتبة أن يكتبوا بهذا الشكل أو هو رعاية للقرآن في مراحل انتقاله من جيل إلى جيل؟ لا أستطيع أن أجزم بهذا".
الاستقراء الحيادي
وأضاف المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "هل لدينا وسيلة تاريخية لترجيح أحد القولَين على الآخر؟ الجواب لأ؛ لأن الأدلة التاريخية لا تصل إلى مرحلة القطع ولا حتى الظن بأي من الجانبَين، فلذلك حتى نصل إلى جواب لهذا ينبغي أن نبحث عن وسيلة أخرى في الاستدلال.. ما الوسيلة. هي الاستقراء الحيادي، إذا أثبت الاستقراء الحيادي أن هناك حكمة دقيقة جداً لوجود الكتابة بالطريقة التي هي عليها؛ خصوصاً في الزيادات واختلاف التاء المربوطة، وأبراهم وإبراهيم.. هكذا، لماذا أحياناً توجد الياء، وأحياناً لا توجد؟.. إلى غير ذلك من الكلمات؛ إذا أثبت الاستقراء ذلك، فنحن نقول إنه برعاية ربانية قطعاً، ولكن إذا لم يثبت الاستقراء ذلك؛ فنحن نقول إنه شيء عفوي وصار فيه الناس على ما كان متعارفاً عليه من أساليب الكتابة، ويترك الأمر حتى تنجز فيه دراسات محكمة ومتقنة".
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ.. هل المقصود اللغة العربية؟
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ).. هل المقصود باللسان -لنفترض أن النبي جاء باللسان- اللغةَ العربية مثلاً؟"، قائلاً: "هذا يفتح علينا باباً لسؤال مهم جداً، نعم كل نبي جاء بلسان قومه؛ بمعنى ما يفهمه القوم من الأصوات في ذلك الوقت، لكن سيقول قائل ولماذا لم يكن الكتاب واحداً من أوله وهو باللسان العربي؟ في الحقيقة البشر لم يصلوا إلى أعلى مرحلة من التطور والتكامل على مستوى اللسان إلا في وقت نزول القرآن؛ فكان الوقت مناسباً لأن تنزل الرسالة الخاتمة، لأنه اللسان أصبح في أعلى درجاته وأصبحت فيه إمكانية لاحتواء المعاني التي يريد الله أن يوصلها إلى الناس بأجلى وأوضح صورة؛ فلذلك نزل، وهذا موضوع مهم جداً؛ حتى البشر وصلوا إلى أعلى درجة من التطور الإنساني والأخلاقي، وسأدلل على هذا بسياقات قرآنية مهمة جداً، ربما لم يسمع عنها معظم الناس، أنت حين تقرأ عن الأقوام السابقين عاد وثمود ونوح.. وهكذا تلاحظ أن الله عاقبهم بعقوبات مجتثة؛ مجتثة بمعنى اسم فاعل تجتثهم وتنهيهم، وقد قال نوح عليه السلام في آخر فترة حياته (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا. إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)، لماذا؟ لأنه الإنسان في تلك المرحلة لم يصل إلى التطور الإنساني والخلقي الذي وصل إليه في وقت نزول القرآن. نلاحظ أن القرآن الكريم يطرح فكرة مهمة من بعد موسى، عليه السلام، انتهت العقوبات التي تجتث الأقوام من أساسها، وبدأت سنة التدافع، وهي صراع يحصل بين أهل الحق وأهل الباطل؛ لكن هذا الصراع لم يفضِ القضاء على أهل الباطل، وإنما المقصود منه أصلاً هدايتهم وإيصالهم إلى الحق، أما أن تكون هناك عقوبات مجتثة، فلا، لماذا؟ لأنه الناس صار عندهم تهيؤ إنساني وأخلاقي لتقبل الرسالة السماوية التي هي واحدة من ناحية المعنى، ولم تعد هناك حاجة لأن يجتث قوماً من أساسهم، فلاحظ أن الله قال مثلاً في سورة البقرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، لم تجد ذكراً لموضوع القتال في سبيل الله إلا هنا للمرة الأولى.. طيب، ما في البداية حينما كان يحصل صراع بين النبي وقومه تنزل عقوبة مجتثة وتنهيه؛ لكن هنا لأ، القتال معناها.. طبعاً كلمة (قتال) هي مصدر رباعي من (قاتل)؛ هم بدؤوا بالقتال، فنحن لا بد أن ندافع في هذه الحالة؛ لكن بغض النظر عن هذا الموضوع، القتال معناه أنه كان هناك جدوى يمكن أن تحصل، ونتيجة، ويمكن فعلاً أن يصل إلى فهم رسالة الأنبياء؛ لأنهم عندهم رقي إنساني وخلقي يُهيئهم للوصول إلى هذه الرسالة، ثم استمر بعد ذلك الأمر في الإسلام؛ ولذلك ليس هناك عقوبات مجتثة، الناس تتساءل دائماً لماذا لا ينزل الله عقوبةً مثلاً من السماء تجتث مثلاً اليهود والصهاينة وغيرهم.. وكذا إلى آخره؟ هذا لن يحصل لأن هذا أمر انتهى.
بتتبع السياق التاريخي لحديث القرآن عن الأقوام؛ تجد أن هذا ما يحصل، وحتى حين ذكر القرآن كذلك في الآيات المكية (سيهزم الجمع ويولون الدبر)؛ هو يشير لك إلى أن هناك جمعاً، وهو جمع سيصارع جمعاً، ثم بعد ذلك تحصل هزيمة، ويذهب بعض الناس الذين لم يصلوا إلى الرقي الأخلاقي والإنساني، لتقبل الرسالة السماوية، هو يبقي مَن يتقبل وعنده قابلية فعلاً لتقبلها، فيبقى موجوداً، ويجب أن يبقى موجوداً؛ لأنه هو وصل إلى رقي، وكذلك اللسان في هذه المرحلة كان قد وصل إلى رقي يمكنه به أن يحتوى المعاني التي يريد الله أن يوصلها للناس".
اللفظ الثنائي يميل إلى التجسيد
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "اللفظ الثنائي وقبله اللفظ الأحادي، هو يميل إلى التجسيد؛ لأنه قريب جداً من الطبيعة، والطبيعة هي محسوسات، يعني لم يكن البشر قد وصلوا أصلاً إلى المرحلة العليا التي هم مهيئون فيها لاستقبال الرسالة العليا، فكانت الرسائل على قدر تطورهم ووعيهم بالأخلاق والإنسانية، وفي مرحلة الجذر الثلاثي هذا على مستوى فقط صوتي؛ معجمنا نحن نقول، ولكن كان أيضاً قد رافقه رقي على مستوى اشتقاق الكلمات والرقي على مستوى توليد الجمل أيضاً وتنوع أشكالها، كان مناسباً لإنزال الرسالة السماوية الخاتمة في هذا الوقت، وعلى فكرة هذا لما أنت تقرأ مثلاً قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، وكلمة خليفة لا تعني خليفة عن الله أبداً؛ لأن الخليفة أصله اللغوي (خلف)، معناها ذهب من قبله، يعني لا يسمى الخليفة خليفة في حضور المستخلف، والله لا يخلفه أحد، وإنما خلف خلقاً قبلهم؛ لكن هذا الخلق لم يصل إلى المرحلة من الرقي التي يمتلك فيها الإرادة التي تهيئه لأن يفعل شيئاً يخالف السنة الطبيعية أو الفطرية التي برمج عليها، ولذلك كان أعجب ما تعجبت منه الملائكة هي فهمت هذا ضمناً من إشارة الله؛ إنه إذا كان هذا الخليفة وصل إلى مرحلة أصبحت لديه الإرادة التي بها يعاكس سنة الكون؛ فيفسد في الأرض ويسفك الدماء. تعجبت كيف سيأذن الله بحصول أمر يناقض سُننه الكونية، أنه يجب أن يكون هناك إعمار وليس فساد وحياة وليس قتل، وطبعاً لاحظ هنا المعاني الإنسانية العظيمة جداً التي تعطيك النواة والبلورة الأساسية لهذا الدين؛ إنه القضية قضية الحياة، هي الأصل وإعمار الأرض، هي الأصل، وسيكون من البشر طبعاً مَن بسبب الإرادة التي أُعطيها يفعل عكس السُّنن الكونية، فتعجبت الملائكة من هذا؛ ولذلك جاء التكليف في هذه اللحظة التي أصبح الإنسان فيها قادراً على أن يتحمل التكليف، صارت لديه الإرادة هذه، فتعجبت الملائكة من هذا، ثم تطور الأمر لدى الإنسان بارتقاء الإنسانية والأخلاقية جنباً إلى جنب مع ارتقاء النظام اللساني، حتى أصبح النظام اللساني قادراً على استيعاب الرسالة الأكمل والخاتمة للرسائل السماوية".
الوصول إلى مرحلة التجريد
وتابع د.يوسف أبو عواد: "وليس المقصود أن الإنسان وصل إلى بداية التجريد حين نزل القرآن؛ وإنما وصل إلى أعلى درجة يمكن أن يصل إليها من الفكر التجريدي، إنما الفكر التجريدي بدأ مع بدايات خلق آدم، ثم بعد ذلك تطور شيئاً فشيئاً مع التطور الإنساني والأخلاقي، وأصبح له وجود؛ لكنه صار يتكامل شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى أعلى مستوى ممكن، حين نزل القرآن الكريم؛ بحيث يفهم المعاني التجريدية الكبيرة جداً، كمعنى التوحيد ومعنى العقوبة.. وهكذا والمعاني التي يقوم عليها الدين".
هل الأعجمي مضاد للعربي؟
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "هل الأعجمي هو مضاد للعربي؟"، قائلاً: "العجمي في معناها العميق يعني في دلالتها هي عدم الإبانة، عدم الإعراب، عدم القدرة على التوصيل للمعنى الذي تريده، إلى الشخص المقابل.. هذه هي العجمي، ولذلك سُميت المعاجم معاجم.. على فكرة ما مُعجم بضم الميم هو من الفعل (أعجم) وأعجم معناها أزال العجمي، يعنى وضعت المعاجم لأن الألفاظ العربية بالنسبة إلى مَن لم يفهم اللسان العربي مسبقاً يراها أشياء غير واضحة، أو أصواتاً غير واضحة؛ لا يعرف معناها، فوضعت المعاجم لتوضح هذه المعاني، فتزيل عنها العجمة لمَن يقرأها.. هذا الهدف طبعاً بغض النظر هل وصل المعجمي إلى هذا الهدف أو لا، (ولو وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)؛ أي القرآن أعجمي مع قوم عرب وصلوا إلى مرحلة عالية من التعبير عن المعاني، ثم بعد ذلك تأتينا ألفاظ وآيات لا تصل إلى الرقي في إيصال المعاني، مما قد وصلنا نحن إليه في وقت نزول القرآن، هذا هو المقصود؛ معناها أن القرآن جاء بأعلى مستوى من التعبير عن المعاني وصل إليه القوم الذين أنزل فيهم القرآن، ولم يكن بأقل من ذلك؛ بل هو أيضاً قد جعلهم يعني يستسلمون لبلاغته وفصاحته في التعبير عن المعاني".
وأضاف د.يوسف أبو عواد رداً على "لماذا تاه العرب في قراءة النص؟ يعني هل العرب مثلاً لم يدركوا معنى اللسان لتطبيقه على قواعد النحو؟ يعني ليه العرب ما قرؤوش النص بالطريقة التي نتحدث فيها؟"، قائلاً: "هذه نقطة مهمة جداً لها اعتبارات موضوعية تاريخية؛ في الحقيقة حصول النزاع والقتال منذ فجر التاريخ الإسلامي سواء على مستوى النزاع، الملك والخلافة، أو على مستوى النزاع بعد ذلك في منهجية التعامل مع الدين، هل يتعامل معه من ناحية تقليدية وإن أجمع كل ما روى من مرويات عن الصحابة ومَن تبعهم أو أنه انطلق من منطلق منطقي جاء إلى العقل العربي؛ معناها نبه إليه العقل أو لنقل يعني عقل الأمة، لا نقل العقل العربي، عقل الأمة في ذلك الوقت من ترجمة علوم اليونان وعلوم الهند، أصبح هناك صراع كبير جداً، هذا الصراع جعل الناس ينشغلون في أنه هل أبدأ في فهم الدين من المنطق أو لا أبدأ فهمه من النص، ويا ليتهم بدؤوا من النص الأعظم والمتواتر؛ هو النص القرآني، المشكلة هو الانشغال بالروايات.. على فكرة ليس المقصود من هذا إلغاء الروايات وإلغاء التاريخ، لأ هذا إجحاف؛ إنما المقصود أن توضع الروايات في موضعها المناسب، بمعنى هي جزء من التاريخ؛ ولكنه ليس فيه من القطعية، ما في القرآن الكريم وحتى الصحابة، أنا لا أظن بتاتاً أن ابن عباس وابن مسعود حين كانا يفسران القرآن كان يقصد الواحد منهما أن هذا المعنى النهائي للآية وانتهى الأمر، ولا يجوز أن تفكر في معنى آخر كما هو الفكر التقليدي الذي انتشر بعد ذلك عند الأمة، إنما كان يقصد أن هذا تأمل وتدبر في معنى الآية أو انعكاس معنى الآية على الواقع التي كان يسأل عنها في وقت من الأوقات؛ فكان يعطي انعكاساً لمعنى الآية، فظن أنه من جمع الروايات بعد ذلك أن هذا هو المعنى الوحيد، وحصل هذا كردة فعل على مَن بدأ قضية فهم الدين والتدين من المنطق اليوناني أو من الفلسفة الهندية، فلم يكن هناك سلاح أقوى من وجهة نظر من فعل هذا، إلا أن يجمع المرويات حتى يقول له هذه هي المرويات وأنت تقف في وجه المرويات؛ لأن النص فيه احتمالات طبعاً من ناحية التفسير، يحتمل الأمرَين، وكان السلاح هو اللجوء إلى المرويات، أنت تجد ابن جرير مثلاً ماذا فعل؟ هو جمع كل ما روي عن الصحابة والتابعين في التفسير، لكن هو لم يدرس النص دراسة تتبع مستوياته اللسان العربي من ناحية صوتية وصرفية ونحوية.. وإلى آخره، ولم يفعل ذلك أحد من بعده بمستوى منهجي، هناك يعني شذرات مفرقة هنا وهناك في كتب التفاسير؛ ولكنها ليست دراسة منهجية للنص القرآني ابتداء من دلالات الأصوات ووصولاً إلى دلالات الجمل، لم يحصل هذا للأسف عبر التاريخ وحتى الآن، طريقة منتظمة وطريقة منهجية؛ فانشغال الناس بالصراعات العقائدية وانشغالهم بالصراعات السياسية أيضاً غيَّبَ هذا الأمر، وللأسف يعني غاب واختفى، لكن هنا نقطة مهمة؛ فهذا لا يعني أن جوهر الدين العظيم ومعانيه الكبرى غابت، لأ؛ هي موجودة، ولكن يعني أننا حرمنا من النفاذ إلى أعماق كبيرة للنص، كان يمكن أن ننفذ إليها في وقت قصير عوضاً أن نستغرق 1400 سنة ونحن لا نزال نبحث ونحتاج إلى مزيد من البحث".
دور ثقافة الملل ما قبل نزول القرآن
وتحدث د.يوسف أبو عواد عن دور ثقافة الملل ما قبل نزول القرآن، قائلاً: "هذا موضوع مهم جداً أيضاً؛ وهو تحول الدين إلى جزء من التقاليد التي يتبناها الناس تعصباً للعرق أو القبيلة أو الأصل الذي ينتمى إليه الإنسان.. فطبعاً الإسلام لا يمكن أبداً أن ينسب إلى عرق أو إلى أُمة من ناحية النسب المعروف، إنما هو فكر أراد الله، سبحانه وتعالى، أن ينتشر في كل الأرض على قدم المساواة؛ لكن صارت ردة فعل على تمسك مثلاً أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى أو الملل والنحل بأديانهم تمسكاً تعصبياً تماماً كما يُقال عما حصل مع أتباع مسيلمة، صار التمسك أيضاً تمسكاً تعصبياً لأقوال الرجال ينتمون إلى الأمة، وهي اجتهادات في الحقيقة كما قُلنا نحن نضعها في موضعها؛ لكن أن يتعصب إليها وكأنها جزء من الدين هذا أيضاً أصبح ردة فعل تماماً يعني تتعصبون، نحن أيضا نتعصب، هذه ردة الفعل حولت موضوع الدين إلى تقليد يروي، وكتب تتكرر، تفتح كتابَ تفسير جديداً ألفه أحد المفسرين، فلا تجد فيه زيادة عشر كلمات أو مئة كلمة عن تفسير سابق، وكأن التكرار والتقليد انتشر فقط تمسكاً بما هو موجود وصار ما هو موجود وما هو مروي يعبد كأنه يعبد عبادة في مقابل ما يتمسكون هم أيضاً بما هو موجود عندهم، وهذا غيب فكرة أننا نكون حياديين تماماً، وننطلق في فهمنا من النص الأصلي".
كيف كان تأثير عصر التدوين على النص لسانياً؟
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "كيف كان تأثير عصر التدوين على النص لسانياً؟"، قائلاً: "هو كما قُلنا عصر التدوين المشكلة أن التركيز فيه أصبح على نقل كل ما كان مروياً، لماذا؟ لأنه خشية الفقدان خشية أن يفقد ما رُوي فصار التركيز كله، على هذه المرويات التي رويت، أن تنقل ومن الذي رواها.. إلى آخره، وهذا هو جزء من تاريخ الأمة، وهو مساعد أيضاً، يساعدنا أن نبدأ من حيث انتهى أولئك الآخرون الذين بدؤوا في فهم النص من الصحابة والتابعين؛ ولكن هو ليس نهاية المطاف، إنما انشغال الناس وخشيتهم من فقدان هذه المرويات، جعلها تطغي على أن نتعمق في فهم اللسان من أصواته وصرفه ونحوه لحساب أن نجمع المرويات وندونها؛ لأنه دخل بعد ذلك، يعني لو جمعت المرويات وانتهى، لكان ممكناً أن يلتفت العلماء إلى قضية العودة إلى الدرس اللساني الحقيقي للنص القرآني؛ ولكن ما الذي حصل؟ الذي حصل أنه حينما جمعت المرويات انبثق صراع جديد أن هذه المرويات صحيحة، لأ هذه ضعيفة، إذن ماذا سنفعل؟ سنذهب إلى الرجال الذين رووا المرويات، فنؤلف كتباً ضخمة جداً، مئات المجلدات، هذا الرجل هل هو ثقة ولَّا ليس ثقة ولا هكذا ولا لم يكذب ولا عرف عنه ولا لم يعرف، صار عندنا في المكتبة الإسلامية مئات وآلاف المجلدات في هذا الموضوع تحديداً، طب هل هذه المجلدات وصلنا فيها إلى نتيجة قاطعة؟ لأ؛ لأنها اجتهادات رجال، فانشغل الناس بها وتنقيح المرويات وتدقيقها وكذا، والمشكلة لم نصل إلى نتائج قاطعة، النتائج القاطعة التي وصلنا إليها من جمع المرويات هي المعاني الكبيرة التي هي موجودة في القرآن الكريم أصلاً وستتعجب ربما حينما تعلم أن كل هذا الجهد الذي استغرق ربما ٣٠٠ أو ٤٠٠ سنة في البحث في الرجال لم يتجاوز الحديث النبوي، يعني كتب التفسير وكتب السيرة لم تخضع للبحث على منهج البحث في الجرح والتعديل، يعني منهج الجرح والتعديل لم يستطع العلماء والمفكرون في ذلك الوقت أن يصلوا إلى هذه المرحلة، إلى هذه الدرجة؛ استهلك وقتهم واستغرقهم البحث في قضية الرجال، حتى مرويات التفسير لم تحقق أصلاً تحقيقاً قديماً، التحقيق الحديث هذا الموجود فيها، طبعاً هذا نظرة من بعيد، الآن أنت ستقرأ ما كتب عن الرجال، وبناء عليه وحتى مع ذلك مرويات التفسير إلى الآن لم تدرس هكذا بكاملها وَفق منهج الجرح والتعديل دراسة حقيقية، ثم لو درس سيأتي شخص آخر فيخالفك في الجرح والتعديل، فيخرج بنتائج مختلفة.
طيب، هل يمكن أن يكون دينا سيذهب الإنسان فيه إلى مصير أبدي من العقوبة السرمدية أو النعيم الأبدي ينبني على ترجيحات من بين الرجال واجتهاداته ولا ينبغي أن يكون يعني إذا أردت أن تقدم امتحاناً وطنياً للطلاب تصنفهم بناء عليه، فيختلف مستقبلهم اختلافاً كلياً؛ هذا سيكون طبيباً مرتبه مثلاً آلاف الدولارات، وهذا سيكون مثلاً في العمل الفلاني أو عاملاً مثلاً؛ لأنه لم ينجح في الامتحان، فيبقي مرتبه محدوداً جداً؟ هل يعقل أن يكون هذا الاختبار في مشكلة في وضوح الأسئلة، بعدين تقول له اجتهد أنت فاقرأ السؤال بالطريقة التي تجتهد أنت، وينبغي أن تجتهد بشكل صحيح، وسأحاسبك إذا لم يكن اجتهادك يعني كتبت س تربيع أو تكعيب، الرقم مش واضح، اثنين ولَّا ثلاثة، ثم ستحاسب الطالب وتقول له أنت اجتهد واعرف اثنين ولَّا ثلاثة، وسأحاسبك إذا اجتهدت اجتهاداً خاطئاً، ويجب أن تحل السؤال بطريقة صحيحة؟ هذا لا يمكن؛ النص الأصلي الذي سيجرى بناء عليه الاختبار لا بد أن يكون قطعياً واضحاً للجميع، وما تواتر من معاني الأحاديث المروية هو تماماً ما تواتر من القرآن الكريم؛ يعنى للأسف هذا الانشغال هو الذي أبعد الناس عن التعمق في الدرس اللساني للقرآن الكريم، فحرمنا لذة كبيرة وبياناً كبيراً لإعجاز القرآن كان يمكن أن يغير ما عليه الناس اليوم".
إمكانية دراسة وفهم اللسان العربي
وأضاف المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "ربما تكون ما يُسمى بالبيروقراطية التي كانت دارجة في القرنَين التاسع عشر والعشرين، حرمتنا من أن نصل إلى هذا؛ ولكن نحن الآن في أسعد الأوقات من ناحية أننا يمكننا أن نقنع المؤسسات الرسمية بتبني هذا الأمر، لماذا؟ لأنه لدينا الآن وسائل التواصل المختلفة، (السوشيال ميديا) بين قوسين، يمكن لمن يتبنى هذا الأمر أن يطرحه كطرح لمن يحب أن يتعلم اللسان العربي، ويتعمق فيه، سيجد إقبالاً كبيراً وحباً لدراسة اللسان العربي لن يجده آلاف مؤلفة ممن يدرسون العربية بطريقتها التقليدية، الآن وجود العدد الكبير من المعجبين والمتابعين الذين شعروا بأن الدراسة اختلفت كلياً في فهم الدرس اللساني عما كان متعارفاً عليه وتقليدياً، سيجعل هناك نوعاً من الضغط على المؤسسات أو المنظمات الحكومية وشبه الحكومية؛ لتتبنى هذه الطريقة في الدراسة، فتجمع لها مَن يحتاج من الباحثين، ثم تنشأ مشاريع كبرى لتغيير هذا الأمر؛ يعنى عندنا مشكلة كبيرة مثلاً يعني تعقيباً النحو أحدث مشاكل كبيرة حتى للطلاب المتعلمين، أنت مثلاً تقول هناك أشياء غير مقنعة بتاتاً؛ مثلاً تقول للطالب له لم يدرس زيد، وهذا فعلت في فيديوهات أحياناً فيها نوع من الضحك؛ ولكن أنا أريد أن أوصل معنًى عميقاً تقول له (لم يضحك) فعل ماضٍ ولَّا مضارع؟ يقول لك ماضٍ (لم يضحك) انتهى، لكن يتفاجأ أن الفعل مضارع، طب هو أصلاً كلمة مضارع هل تعبر عن الزمن، كما أراد من وضعها من أنها تعبر؟ لأ، وقال لك ليه مضارع؟ لأنه مضارع اسم الفاعل من ناحية الحركات والسكنات. طيب ما علاقة هذا بالإعراب الذي أنت أنشأت النحو العربي أصلاً حتى تصل إلى أن تفهم متعلم النحو عما تعرب الكلمة، فذهبت وبعدت، وأيضاً يركزون مثلاً يعني آتي للطلبة عادة يقول لك ضمير متصل مبني في محل، واسم إشارة، وكذا وكذا.. ليست هذه الطريقة الصحيحة في تدريس النحو العربي؛ الطريقة الصحيحة أن تربطه بما يفهمه عقله ضمناً، فتقول له مثلاً جاءت هي مَن التي جاءت؟ هي، إذن هي فاعل، يقول لك بس علموني ضمير متصل ومنفصل مش عارف شو.. قل له، قل فاعل أنت الآن ودعك من هذه الهذرمات بعد ذلك ممكن إذا أردت أن تتخصص في دراسة تاريخ النحو أن تفهمها بعد ذلك، هلا يساعد كثيراً".
تنقيط وتشكيل النص القرآني وأثره على اللسان
وأجاب د.يوسف أبو عواد عن سؤال "في رأيك تنقيط أو تشكيل النص القرآني، شو أثر على اللسان؟ هل زاد من اللسان وضوحاً من المعاني؟ هل أعاقها مثلاً؟"، قائلاً: "لأ هو تنقيط؛ سواء التنقيط الإعجام أو الحركات العربية، بالعكس هو كان مهماً جداً لضبط النص القرآني في الحقيقة؛ لأنه هو انعكاس صوتي موجود، تمييز بين الحروف على مستوى الصوت موجود؛ إنما خشي على مستوى الكتابة أن يقرأ اللفظ وأن يقرأ المكتوب على غير الملفوظ، يعني بصورته الأولى الصحيحة، فوجدت هذه وسيلة كتابية لضبط الملفوظ بشكل كتابي؛ فهذا تطور مهم جداً وتطور طبيعي ساعد أصلاً في حفظ النص كما هو ملفوظ في أساسه الأول".
هل اللفظ القرآني تغير من سياق إلى آخر؟
وأجاب المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن، عن سؤال "ما علاقة الإعجام باللسان؟ وما علاقة السياق في فهم مدلول اللفظ القرآني؟ يعني هل اللفظ القرآني تغير من سياق إلى آخر؟ هل اللفظ القرآني في كل السياقات يحمل نفس المعنى أم يتبدل ومن يحدد هذا التبديل؟ يعني كيف أنا أفهم اللفظة أنه إذا تم استخدامها في هذا السياق قد يتم استخدامها في سياق آخر، وتعطي نفس المدلول أم مدلولاً مختلفاً؟"، قائلاً: "في الحقيقة أبدأ من حيث بدأت وأنتهي بما انتهيت إليه؛ فيه تسلسل لا بد أن يكون منطقياً حتى يصل إلى المشاهد بطريقة سلسة، في عصر التدوين حصل مشكلة من ناحية كما قُلنا الاهتمام المبالغ فيه في قضية الروايات والجرح والتعديل، مع ما دخل أيضاً إليها من مرويات دست.. إلى آخره، فأعطت شكلاً جديداً لما تتعمق في فهم سياقات القرآن ستستغرب أنه يشبه أن لا يكون موجوداً في هذا الشكل التراثي المنقول؛ فمثلاً لو تتبعنا سياقاً مهماً يتعلق بماذا عبدت قريش؟ نحن نرى في كتب التراث والمدونات أن قريش كانت تعبد حجارة تصنعها من الطين أحياناً ومن التمر، فإذا جاعت أكلت ذلك الصنم، وكان هذا يسخف عقل قريش بسببه؛ لكننا في جانب آخر نجد أن قريش أفصح العرب وأنها قد وصلت إلى معانٍ عالية من الحكم والأخلاق في جوانب كثيرة؛ طبعاً ليس في كل شيء، ولكن في جوانب كثيرة يصعب علينا أن نصدق أن هذه العقلية القرشية كانت بالفعل تعبد حجراً كحجر باعتباره حجراً أو تمثله بتمرة ثم تأكله، ما القصة؟ القضية ليست قضية رفض عقلي فقط، نحن قلنا سننطلق من النص القرآني بدرسه اللساني بأبعاد هذا الدرس المختلفة، لنفهم.. لو تتبعت مثلاً سياق صورة النجم، لماذا سورة النجم تحديداً أختارها لأبدأ؟ لأنها سمَّت هذه الآلهة بأسمائها المشهورة؛ فقالت (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى)، ما معنى (ألكم الذكر وله الأنثى) ولماذا جاءت هنا؟ هذا الفهم السياقي على مستوى الصورة وعلى مستوى النص القرآني كله.. طيب؛ في موضع آخر نجد الآية الكريمة تقول (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا)، وفي موضع ثالث (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا)، وفي موضع رابع (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)؛ معناها يسألهم هل كانوا يعبدونكم حقاً؟ فقالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم.. طيب؛ نرجع إلى سياق سورة النجم سنفهم الآن (ألكم الذكر وله الأنثى) أي أنكم أنتم تبقون لكم الذكور وتئدون الإناث أو تستعرون على الأقل من الإناث ثم تنسبون لله الإناث، ما الرابط بين اللات والعزى ومناة؟ سنستنتج بما لا يدع مجالاً للشك أن اللات والعزى ومناة نسبت لله على أنها إناث وبنات له من سياق السورة، ثم قال (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى)؛ أي غير عادلة وغير منطقية. (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ)، ما الظن؟ الظن أن هذه الأصنام هي مجسدات حسية لصور الملائكة التي تخيلتها قريش وكل إنسان يقدس شيئاً يحاول أن يضع له صورة حسية؛ لأنه نحن قلنا إن نهاية تفكير الإنسان وصل إلى التجريد، ولكن لا يعني ذلك إلغاء الحس؛ فالحس يبقي جزءاً موجوداً من الوجود البشري على الأرض؛ لذلك تحاول أن تأتي بشيء محسوس، وهذا المحسوس يذكرك بالمعنى التجريدي للملائكة والتي جعلتها بنات الله، فنفي هذا صحة هذا المعنى فقال هذا الظن أنتم ظننتم ثم ركنتموه في عقولكم ثم قدستم ما ركبتموه من الملائكة ثم جعلتهم لها صوراً ثم عبدتم بعد ذلك الملائكة، وليس المقصود عبادة الحجر وإنما المقصود عبادة ما يرمز له الحجر، ولم يكن ذلك القرشي يغضب للحجر إذا كسر من أجل الحجر؛ ولكنه يقدس ما يرمز إليه الحجر تماماً، مثلاً أي تمثال لشيء محترم ومعظَّم يُهان، أنت تشعر أن الإهانة لصاحب التمثال. طيب، ثم قال (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ) )أَمۡ لِلۡإِنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ فَلِلَّهِ ٱلۡـَٔاخِرَةُ وَٱلۡأُولَىٰ(. ثم قال بعد ذلك مباشرة ) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى(، من رابط أكمل (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى)؛ ترابط السياق، الإناث التي ذكرها (ألكم الذكر وله الأنثى) هي ملائكة، وهذه الملائكة يقول لهم أنتم تعبدونها لا على أنها خلقت ورزقت؛ ولكن على أنها تشفع، فيطبق الله ما تريد؛ ولكنها في الحقيقة لا تفعل، لأنه هذا يعني تعدد الإرادة، ومن هنا نفهم أن فكرة الشرك التي كانت عند قريش عميقة عمق فكرة الشرك التي حصلت لدى النصارى أو المسيحيين تماماً، ولذلك نفهم الآن لماذا يذكر القرآن الكريم، من فجر الدعوة، قضية الولد؛ ليس دائماً قضية الولد هي المقصود فيها النصارى، لأ هو يقصد بها قريش أيضاً؛ لأنها وقعت في ما وقع فيه النصارى، طبعاً هذا الفهم السياقي الآن قد يقول قائل ما المشكلة الكبيرة مثلاً في أن يجعل لله ولداً ويعبد، هذه المشكلة؛ هو لماذا الشرك مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الفكر القرآني؟ لأنه في الحقيقة يجعل هناك تعدداً لمصادر الأوامر ومصادر الإرادة، وبالتالي سيكون هناك تعدد في الأخلاقيات التي تنظم حياة البشر؛ بل ستصاغ القوانين الأخلاقية على لسان الولد، لما يخالف ما يريده الله أصلاً؛ لذلك صاروا يبررون أفعالهم على حجة أنه سيغفرها لهم مثلاً المسيح أو ستغفرها لهم الملائكة، وهذه الأفعال تعارض قوانين الله في الكون. إذن، فماذا ولدت؟ ولدت انهياراً أخلاقياً، والمقصود الأعظم، هذا أيضاً قضية أخرى؛ إذا تتبعنا سياقات القرآن الكريم والمقصود الأعظم أصلاً من وجود القرآن والدين هو الأخلاق، وكل ما عدا ذلك وسيلة موصلة إلى الأخلاق العالية، أعلى مستوى من الرقي الإنساني والأخلاقي في التعامل، هذا هو المقصود؛ ولذلك تتبع السياق مثلاً أنت حين ترى حرفياً يتحدث عن موضوع القبلة مثلاً أو تفاصيل وضع اليد في الصلاة، وكيف تضع يدك وتفرق الأصابع أو لا تفرق وتحرك، طيب السياق أين هذا الفقه الذي ملأت به الكتب؛ مثل قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)؛ أسس للإيمان الذي سيتولد عنه الأخذ بسنن الله، وهذا طبعاً نقطة مهمة جداً (من آمن بالله واليوم الآخر)، الله؛ لأنه مصدر الخلق ومصدر التشريع الموجود أصلاً على مستوى الفطرة قبل أن يكون موجوداً في الرسائل، واليوم الآخر أن هناك جزاء على أفعال الإنسان، والملائكة حين تتبع سياقها في القرآن الكريم تجد أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرهم به..".
سياق النص القرآني والفطرة الإنسانية الطبيعية
وتابع د.يوسف أبو عواد: "ما معنى ذلك؟ معناها مظهر الملائكة الذي نحن نشاهده ما هو نحن لا نشاهد ملائكة؛ ولكن نشاهد مظهراً ما هو مظهر القوانين المتسقة الموجودة في الكون كله؛ التي لا تتخلف أبداً في كل الدراسات العلمية، تثبت لك هذا. إذن إذا آمنت بالملائكة باعتبار أن مظهر وجودهم هو القوانين، أنت ستتماهى مع القانون، الكون، الذي أراده الله؛ فستكون في أفضل حالاتك البشرية والكتابية والنبيين.. هذا طبعاً اتبع؛ لأنه في الحقيقة تذكير لما هو موجود أصلاً في الفطرة والكون، ثم قال بعد ذلك لاحظ (وَءَاتَى ٱلمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلقُربَىٰ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينَ وَٱبنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّائِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ)، ثم قال (وأقام الصلاة)، طب هو تقديم الأخلاق هذه كلها في سياق الحديث عن تفاصيل؛ لأنه أنت تدقق إنه والله درجة كذا لدرجة كذا، وتأخذ بتفاصيل، وكأنك تجعل الدين كأنه لعبة، فقد وصلت إلى كلمة سر معينة بعشوائية معينة، أنت فزت في اللعبة، أليس هذا تسخيفاً لقضية الدين نتج عن تدوير الكلام الذي يُقال إدخال روايات، ربما يكون بعضها صحيحاً وبعضها ضعيفاً وبعضها مدخلاً وبعضها مندساً على حساب أن نصب اهتمامنا على سياق النص القرآني، فنصل إلى عنق سيجعلنا نشعر فعلاً أن هذا ما ينسجم مع الفطرة الإنسانية الطبيعية".
إشكالية استباحة الحرام
وقال المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن، رداً على "إذن قياساً على فهم قريش للملائكة وتجسيدهم ضمن أصنام حجرية؛ سواء يعني هدفاً لاعتبار الملائكة كلهم شفعاء ووسطاء مع الله.. إذن نفس ما يدور حالياً في قبور الأولياء في كثير من الدول العربية عند المسلمين": "ما هي هذه الفكرة متى ما فُهمت ستنتهي من هذا الأمر، وننتهي بالتالي من تحليل الحرام باسم هؤلاء الشفعاء.. هي المشكلة الكبرى التي ستنتج بعد ذلك، اذهب إلى كل مَن يفعل هذه الفكرة، ماذا يفعل في النهاية؟ هو سيفعل، سيعتدي على هذا ويظلم هذا، ثم يقول لك سيغفر لي.. سأزيدك من الشعر بيتاً أحياناً يصنع الإنسان صورة غير حقيقية لله؛ مثلاً يقول لك أنت إذا سبحت ثلاثاً وثلاثين وحمدت غفرت ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر، رجعت من الحج كيوم ولدتك أمك.. إذا فهمت هذا بمعنى أنك ظلمت الناس وأكلت حقوق البشر وفعلت ما فعلت، ثم بعد ذلك معناها أشياء شكلية فقط، تقولها بلسانك أو تفعلها بجوارحك، ستُمحى كل ذنوبك.. أنت في الحقيقة اصطنعت صنماً ليس هو الله الذي يتحدث عنه القرآن، ثم بعد ذلك هيأت لنفسك أن هذا الصنم سيغفر لك هذه الذنوب فقط بألفاظ وحركات عملتها، فاستبحت الحرام وأقنعت نفسك وريحت ضميرك ترييحاً في الحقيقة ليس حقيقياً، وإنما ضحكت على نفسك في الحقيقة".
قراءة الأنثروبولجيست لقصة اللات والعزى
وأضاف يوسف أبو عواد رداً على "هناك بعض الأنثروبولجيست يقرؤون قصة اللات والعزى، بالذات اللات، أن هناك كان فيه صخرة وبعض اليهود العرب في تلك الفترة كانوا يعملون نوعاً من اللت والطحين عليها، ولذا سُميت صخرة اللات، وعُبدت الصخرة؛ وأنه صار عليها لت، وبالتالي سُميت باللات، ما مدى دقة ذلك": "هذا من ناحية لسانية بعيد تماماً عن الصحة، فكلمة اللات هي في الحقيقة تحريف لكلمة الله؛ يعني هو اشتقاق، كما أنه اعتبر أن الملائكة مشتقة من الله، وهي بنات؛ فاشتق لها اسماً من اسم الله، واسم الله هو أصلاً يرجع إلى آلهة أولها، ووله الشيء؛ يعني تعلقه تعلقاً لا يستطيع الانفكاك عنه، ولذلك علاقة المؤمن بالله التي يتحدث عنها القرآن هي علاقة انسجام تام مع خلق الله وقوانينه في الوجود، وهذا هو المعنى الحقيقي لعبادة الله أو تأليه الله سبحانه وتعالى، فاللات هي نوع من التحريف، كما أن العزى تحريف للعزيز، ومناة تحريف للمنان؛ بمعنى أنه مَنّ على عباده بالنعم، فهي كلها تحريف من أسماء أو صفات ينبغي أن تكون لله، كما اشتقت شخصيات للملائكة من الله على ما كانوا يعتقدون؛ اشتقوا لها أيضاً أسماء من أسماء الله أو صفات الله التي كانت معروفة في ذلك الوقت".
قضية التجسيد والمعاني الحسية
وتابع المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "هذه قضية التجسيد؛ وهو الانحطاط بالفكر إلى العودة إلى المعاني الحسية؛ هو هذا أصلاً ما يحاربه القرآن في فكرة محاربة الشرك، يطلب من الإنسان أن يكون فكره أرقى وأسمى، ويصل إلى أعلى درجات التجريد وأعلى المدرجات، هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أبعد ما يكون عن الحسيات، أيضاً هذا هو تبع للسؤال السابق ممارسة الطقوس تحت سطوة ما دون يعني وجعل كأنه هو أصل الدين، وكل الدين جعلت الطقوس تتحول إلى حركات وكلمات، الطقوس إن صح التعبير، طبعاً كلمة طقس هي في الأصل ليس لها أصل عربي؛ لكن على كل حال يعني العبادات لنقل برسومها أو بأشكالها هي في الحقيقة نقطة نظام يقصد منها تنظيم عملية التواصل مع الله سبحانه وتعالى، حتى تصل إلى الخلق؛ لكن إذا أنت أمسكت بحذافير النظام، بشكليته، ولم تصل إلى النتيجة؛ فلا تنفعك في شيء، لذلك تجد الآية تقول (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر)، مثلاً هذا الناس يعرفونه، ولكن لا يطبقونه؛ لأنه ما يقابله من مدخلات ناتجة عن يعني فهم مغلوط أو حتى عن مرويات مغلوطة في أذهان الناس للأسف، تجعل هذا المعنى العميق للآية كأنه عديم المعنى؛ فتجد أحدهم يفعل كل ما تشاء من الموبقات ثم يظن أنه بالتالي إذا بنى مسجداً ببعض المال الذي جناه أصلاً من السرقة والنهب.. إلى آخره أنه بهذا (وإذا اعتكف بمسجد معناه خلصت ذنوبه) كفر عن ذنوبه، أو إذا ذهب إلى الحج كل عام أو كذا.. فصار التركيز على شكليات العبادة التي نجد أن السياق القرآني ينفيها نفياً تاماً.. أن لها تأثيراً أصلاً يعني".
واستكمل د.يوسف عواد: "ما يُسمى بممارسة العبادات إن هي طقوس؛ يمكن اعتبارها شعائر؛ نعم شعائر، سماها في القرآن الكريم شعائر".
إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ
وقال د.يوسف أبو عواد: "المقصود بـ(إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ) أن الشعيرة في الأصل هي العلامة، أو إذا رجعت إلى أصلها الأول الملموس هو الشعر، يعني حتى لذلك أخذت منه كلمة الشعور؛ لأنه دقيق جداً ولطيف، كما هي الحال في الشعر، فقصة إن الصفا والمروة من شعائر الله؛ لأنه كما يُقال مثلاً الشعر بالنسبة إلى المعنى الحسي لو رجعنا إلى الإنسان الأول، الشعر الذي يغطي جلد الكائن؛ يجعلك تميز ما هو هذا الكائن، ما طبيعته؛ فيكون علامة عليه، هل هو من السباع أم هو من الأنعام أم من غيره، فصار الشعر والشعار علامة على شيء معين؛ فهي جعلت علامة، لكن لا لقدسيتها في ذاتها وإنما هو نوع من التنظيم حتى تنتظم عبادة الناس؛ لأن لا يتجه كل إنسان لما يريد هو نوع من التنظيم، بس ليس هو المقصود بذاته؛ ولذلك لاحظ الآية (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلمَروَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِ فَمَن حَجَّ ٱلبَيتَ أَوِ ٱعتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَا) ثم قال (وَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِیمٌ).. يعيدك مباشرة إلى المعنى السامي، المعنى التجريدي من هذه الأنظمة والشعائر والعلامات التي وضعت للعبادة، ليس إياك أن تتعلق بها..".
إشكالية الطواف بالصفا والمروة
وأضاف د.يوسف أبو عواد بشأن (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلمَروَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِ فَمَن حَجَّ ٱلبَيتَ أَوِ ٱعتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَا): "يبدو أن قضية (لا جناح) نتجت عن الخشية إنه والله الصفا والمروة هي أماكن حجارة مثلها مثل الأصنام مثلاً، فلماذا نعطيها شيئاً من القدسية؛ فنفى هذا ما دام أنك علمت أنك لا تقدس هذه الحجارة، وإنما هدفك فقط يعني الالتزام بنظام العبادة؛ حتى لا يسير كل إنسان على طريقته الخاصة، هذه قضية فقهية، فلا أحب الآن أن أدخل في الفقه؛ لأنه سأدخل في قضية الفقه، أنا سأقف مع النص؛ لكن هنا ملاحظة مهمة، أنت تجد أنه إذا التفسير المبني فقط على الروايات لما يصل إلى كلمة (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم)؛ هذه الآية تحديداً ستجد نفسك في بحر من التيه، لماذا؟ لأن الفقهاء يقولون لك ليس هناك تطوع في الطواف بين الصفا والمروة، التطوع قد يكون بالكعبة؛ فيقولون ما موضع الجملة هذه من الآية (مَن تطوع خيراً) بماذا؟ (فإن الله شاكر عليم)، ولكن في الواقع هو واضح جداً لمن يتتبع سياق هذا القرآن ويفهمه؛ كلما ذكر شيئاً حسياً يقول لك إياك أن تقف مع هذا الحسي؛ وإنما هو في الحقيقة نقطة نظام فقط نريد منها أن نوصلك إلى المعنى التجريدي العظيم من هذا الأمر، وهو فعل الخير".
رسالة الصيام
وأجاب المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن، عن سؤال "إذن استخدم في آية الصيام (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ما المقصود بمعناه هنا؟"، قائلاً: "تماماً هو المقصود أن الصيام كأمر حسي يتعلق بامتناعات جسدية إياك أن تقف معها، وهذا ما يحصل للأسف مع عامة المسلمين اليوم، ماذا يحصل؟ يتوقف مع الامتناع الحسي؛ لأنه فقط تظل القضية، فإذا أفطر أفطر بشراهة شديدة، إذا نظرت إلى وزنه قبل رمضان وبعده ستجد وزنه زاد، أين رسالة الصيام؟ وقال (فمن تطوع خيراً فهو خير له)، معناها ابحث عن الخير هذا، ترى بداية تجعلك تفكر وتعيد النظر وتنتبه إلى نفسك وتنتبه إلى جسدك أولاً قبل ما تنتبه لغيرك".
وأضاف د.يوسف أبو عواد: "المقصود بمن تطوع خيراً هو نفس الفكرة الارتقاء إلى المستوى التجريدي؛ كلمة خير معناها المجرد كبير جداً جداً، وهو إيصال كل ما هو نافع للغير؛ هذا معناه من تطوع خيراً، وللنفس أيضاً معناها إياك أن تقف مع المعنى الحسي للصوم، وعليك أن ترتقي إلى أعلى درجات التجريدية في فهم كلمة الخير، فتوصلها إلى نفسك وإلى الآخرين؛ فهو خير لك، هذا هو الخير المطلوب".
الحاجة إلى الجانب الحسي
وأجاب المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن، عن سؤال "يعني ابن عربي لما قال أنا الله والله أنا، يعنى وصل إلى مرحلة التجريد؛ إنه يعني ما عادش، ولما قال إنه العبادات لم تعد مطلوبة منه، التكاليف لم تعد مطلوبة؟"، قائلاً: "لأ هذا في الحقيقة نوع من الخطأ للأسف، لأنه أحياناً الإنسان وهو في هذه المرحلة من التفكير يخلط، لأنه إذا أنت لغيت فكرة العبادات أنت هدمت الدين؛ الناس ليسوا كلهم على مستوى واحد من الفهم، والناس معظمهم لا ينتظم إلا بنظام يبدأ بالمحسوسات، فتلك المحسوسات يعني لو الناس وصلوا إلى مستوى من الرقي، هل نحتاج إلى إشارات المرور مثلاً؟ هل نحتاج إلى خطوط لقطع المشاة من الشارع؟ لو كل الناس وصلوا إلى مستوى من الرقي فقدر السائق هل هو أحوج إلى المشي أو الماشي وبناء على التقدير يفكر في المشي كأنه هو سيتوقف إذا رأي أن الماشي بحاجة إلى قطع الشارع من غير أي شواخص أو علامات؟ لكن لو فرضنا أن هذا فعل هل معظم البشر وصل إلى هذه المرحلة؟ الذي وصل هذا في الحقيقة أعتقد أنه الإنسان حتى مع هذا ينتابه مراحل من العودة إلى حسيته؛ لأنه هو هل ما زال يأكل ويشرب؟ طبعاً ما زال يأكل ويشرب.. إذن هل ألغى الجانب الحسي وذهب منه تماماً؟ لأ لم يلغِ، ولذلك فحاجته الحسية إلى العبادات ستبقى موجودة أيضاً".
السياق القرآني ولفظ المفهوم القرآني
وقال د.يوسف أبو عواد: "الأصح هو أن توسع دائرة المعنى ولا تقف فقط أمام معنى معين؛ وهذا القرآن أشار له إشارات كثيرة جداً على مستوى القرآن كله، وعلى مستوى السور أحياناً؛ يعني في نفس السورة وفي بناء السورة نفسها مثلاً أنت يأتيك أحدهم فيقول لك القرآن حين تحدث عن وسائل النقل ماذا قال لك (والخيل والبغال والحمير)، يقول لك لاحظ هو وقف الآن عند المعنى الثابت الحسي للخيل والبغال والحمير، طيب إذا أنت أردت أن تأخذ المعنى الكبير للخيل والبغال والحمير، هل المقصود الخيل كخيل؟ يعني الخيل بتركيبه الجسدي الثابت، ولّا المقصود إنه كقانون أن يسخر لك شيئاً من موجودات الطبيعة حتى ينقلك بأسرع مما تستطيع بمراحل؟ قطعاً المقصود هو المقصود الثاني للمعنى العميق لكلمة الخيل والبغال والحمير، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) مثلاً؛ ولكن القرآن دائماً يبدأ من الأساس الحسي الأول، ثم ينتقل لك لأعلى المعاني التجريدية، في هذه الآية لم تحتج إلى أن تذهب إلى صور أخرى؛ حتى تفهم، لأنه ماذا قال لك (ويخلق ما لا تعلمون)، قد يقول قائل ليس الله هو الذي خلق ما علمنا بعد ذلك من الطائرات والسفن.. إلى آخره، هو خلق الأداة التي تخلق، أنت خلقت الكمبيوتر، هل تقل لي إن الكمبيوتر هو الذي طبع الكتاب، أنت خلقت أداة الخلق، فكل ما تولد عن أداة الخلق فهو خلق للخالق الأول والخالق الأصلي، وهذا نجده أيضاً لما تحدث عن البيوت، فقالوا (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىَ حِينٍ)؛ ولكن قد يقول قائل ذهبت بيوت الشعر وبيوت الصوف، وقال لك (إلى حين)، هذه الإشارة تقول لك ماذا؟ لا تقف عند المعنى الحسي، قف عند المعنى الجوهري؛ وهو تسخير الموجودات لتكون لك حماية في السكن، وهذا اسحبه على ما يتعلق بالجنة والنار، وما يتعلق بصفات الله؛ لأنه يقول لك قائل الثمار التي ذكرت في القرآن هي ما كانت معروفة في جزيرة العرب، ومن قال لك إن المعنى الهائل لكلمة النخيل والعنب وكذا هو ما تعرفه أنت من النخيل والعنب، ستقول لي والله أنت تتكلف، أنا لا أتكلف، أنا أذهب للدراسة السياقية.. على فكرة هذا يسمى في اللسانيات الحديثة نحو النص، ونحو النص علم ليس فقط نحو الجملة، إنما نحو النص، طيب أليس القرآن الكريم نفسه في سياق معين قال لك (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، يعني هو يقول لك أنا أعطيك مثلاً ولكن إياك أن تظن هذا هو النهاية، طيب يقول لك في آية أخرى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ)؛ إذن المقصود العظيم من كل الأشياء المحسوسة التي ذكرت في القرآن هو مقصود أبعد من معناها الحسي، وهو قرة العين؛ الوصول إلى أعلى درجة من السعادة والسكينة والطمأنينة، هذه هي الجنة الحقيقية التي يتحدث عنها القرآن، بالمقابل أيضاً النار، ولما يتحدث عن الله فيذكر بعض (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) فيرد (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) ما قال بل يداه مبسوطة، لاحظ كيف في فترة التدوين التي ذكرتها في سؤالك، كيف وقف الفقهاء المسلمون مع قضية هل لله يد ولَّا لله يدان؟ وبعضهم قال نفسر اليد، فقال اليد هي النعمة، واليد هي الكرم.. وكل هذا، نقاش سفسطائي وردات أفعال فقط لا معنى لها، هل كلمة يد هي فقط معناها تطلق على اليد ولّا هناك معنى عظيم لقضية اليد؟ وكما قال أبو عبيدة معمر بن المثني في كتاب له إن القرآن يستخدم أساليب العرب في الكلام، فلا يشترط قد بيّن لك القرآن أن الله ليس كمثله شيء، وانتهى، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فحين يستخدم المعاني المحسوسة التي تعرفها أنت في حق الله خذها بمعناها المجرد، وإياك أن تقف مع المعنى الحسي، وإلا فقد أهملت السياق وأهملت نحو النص الذي تكلمنا عنه".
وأضاف المشرف بقسم اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في الأردن: "أحياناً يربط القرآن الكريم وصفاً بمسمى حسي؛ لكن هذا المسمى الحسي لماذا ربط به؟ يعني لماذا ربط بالرجال مثلاً بعض الصفات؟ هل ربط فيهم لأن لهم أعضاء معينة ولّا لهم صفات معينة في الوقت الأول للنزول؟ إذن إذا كان هذا الأمر هو المقصود، هل يربط الحكم بالصفة ولا يربط بالمحسوس الذي سقطت عليه الصفة في ذلك الوقت، لصفة فيه، والآن هذه الصفة قد تتغير مع الزمن ألا يتغير الأمر؟ قطعاً سيتغير".
هل تعني الألفاظ مباشرةً الوصف البيولوجي للفرد؟
وتابع د.يوسف أبو عواد: "فالألفاظ هذه لا تعني مباشرة الوصف البيولوجي للفرد؛ وهذا مهم جداً، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى دراسات تقوم بها مجموعة كبيرة من العلماء؛ لأنه هذا سيعطي نتائج هي قطعاً في مصلحته، نصرة القرآن وإشاعة رسالته السمحة في جميع أنحاء العالم.. لكن هي تحتاج إلى جهد من العلماء؛ لأنه جهد الأفراد سيرفض غالباً عند كثير من الناس؛ لكن لما يكون جهدًا تقوم به مجموعة كبيرة من العلماء ويتم تبنيه فعلاً وينشر ويعزز بالأدلة والدعم الكامل، قطعاً سيكون له تأثير إيجابي كبير جداً، ونحن نصل فعلاً إلى فهم عمق النص وعدم الوقوف مع الفهم الحسي فقط، وقد ذكرت أمثلة واضحة جداً للجميع، ولا أعتقد أن مسلماً يشك في أن الله ليس كمثله شيء، وأن الجنة لا يمكن أن تقف عند المحسوسات التي يمكن أن تفهمها من الثمار التي ذكرت في حق الجنة، وهذا ينسحب على القرآن كله؛ حتى على فهم الأحكام التي ذكرها القرآن؛ ولكن هناك مشكلة أخرى أحياناً نفس المعنى الأول تجدها في كتب التراث عجيباً غريباً..".
الإيمان والكفر في كتب التراث
واختتم د.يوسف أبو عواد قائلاً: "يعني مثلاً ابحث عن الإيمان والكفر في كتب التراث، ماذا ستجد؟ ستجد تعريفات الكافر هو كل مَن لم يدخل في دين الإسلام، فما هو دين الإسلام؟ يعرف الأمور بطريقة سطحية شكلية غريبة جداً، ولكن القرآن لما تتبع نصه وتفهم أعماق الكلمات، لا تجد الكافر هكذا؛ الكافر لما يتحدث عنه القرآن يتحدث أنه في النار، ما هو الكافر؟ هو أشار في موضع من المواضع إلى أن الكفار هم الزراع، يعني حتى القرآن فيه نسبة عالية جداً من المعجمية؛ فهو في حد ذاته معجم لنفسه؛ فأشار لك في موضع من المواضع (يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) مثلاً، أو (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ)، أي أعجب الزراع، ولا يزال الناس في بلاد الشام يقولون مثلاً الكفر كذا والكفر كذا عن المناطق الريفية؛ لأنهم يضعون البذور فيقلبون التراب فتصبح البذور تحت التراب، هذه العملية تُسمى كثر، إذن الكافر مَن هو؟ الكافر هو الذي عرف حقيقة معينة وأسمي هذه الحقائق هي وحدانية الخالق طبعاً أو ما دونها من الحقائق كالعدل مثلاً في الخصومات.. وإلى آخره، ثم سعى في تغطية هذه الحقيقة كما وصفت الآية ذلك، فقالت (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ)، لماذا طيب؟ يعني جحدوا ظلماً وعلواً هنا تفهم لماذا يعاقب الله الكافر بهذا العذاب الشديد، القضية ليست قضية إنه والله بحث عن الحق فلم يجده فتاه وأشكلت عليه الأمور.. لا القضية قضية عرف الحق تماماً ورآه رأي العين، لذلك الجزم بأن أحداً ما كافر بمعنى أنه سيذهب إلى النار، ويكون مخلداً فيها وكذا.. هذا لم تستطع أن تفعل هذا في النهاية علمه عند الله، أنت تتكلم عن صفات فقط، تقول مثلاً أن تشهد شهادة باطلة، هذا كفر، مثلاً ألا تعطي النعمة حقها، فتعامل نفسك وقد أنعم الله عليك وكأنك ليس عندك نعم، هذا كفر، مثلاً هذا هو. والإيمان أيضاً بنفس السياق؛ فالقرآن لم يشتق كلمة إيمان من صدق وصدَق؛ ولكنك في الكتب تجد الإيمان هو التصديق، ولا اختلفوا؛ هل التصديق والإقرار..".