تحدَّثَ الدكتور سمير العيطة، الباحث والصحفي والمفكر، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مجتمع"، عن دور إيران في الأزمة السورية، وهل هو دور طارئ أم مؤسس، سلبي، إيجابي؟ ولماذا إيران في سوريا؟ هل له علاقة بتاريخ تمدد الإمبراطورية الفارسية في المنطقة بشكل عام أم أن هناك تلاقياً فكرياً أو طائفياً ما بين نظام الحكم في سوريا وإيران؟
إيران والأزمة السورية
وقال الدكتور سمير العيطة، الباحث والصحفي والمفكر: "أبدأ بالسهل؛ ليس هناك علاقة وثيقة بين المذهب الجعفري، الشيعة الجعفرية، والمذهب النصيري العلوي؛ شيئان مختلفان.. فيه نقاط تلاقٍ؛ بس مثل ما فيه نقاط تلاقٍ مع المذاهب الأخرى. القصة بالنسبة إليَّ ليست هنا؛ إيران اليوم كما تركيا اليوم، أنا أعتبرهما جزءاً من الحضارة العربية الإسلامية، مع أنهما لا تحبان أن تسميهما كذلك؛ تاريخ الإمبراطورية الرومانية الإسلامية. وبالنسبة إلى الصراع السوري وجهة نظري أن العلاقة أوثق بين السلطة السورية وحزب الله، من العلاقة مع إيران؛ وهي نتيجة".
جنوب لبنان وشيعة لبنان.. شيء استراتيجي لسوريا
وأضاف د.سمير العيطة: "جنوب لبنان وشيعة لبنان لهم أثر كبير على أحداث سوريا، وهم نوعاً ما شيء استراتيجي بالنسبة إلى سوريا؛ لأنهم بشكل ما بقي من رادع على إسرائيل عسكرياً في هذه الفترة والأحداث اليوم؛ يعني ما من إثبات بعد ذلك. نحن ننسى أن الثورة السورية الكبرى ١٩٢٥ أتت من وراء شخص من جبل عامر، أدهم خنجر.. حاول قتل الجنرال هنري غورو، المندوب السامي للاحتلال الفرنسي؛ ولكن أصابه في ذراعه أصلاً المقطوعة، مبتورة، ولم يُقتل؛ فلحقه الفرنسيون فاختبأ في بيت سلطان باشا الأطرش. وذهبت القوات الفرنسية، دون إذن أو التفاوض مع سلطان باشا، وأخذته من بيته كي تعدمه، وقامت حمية سلطان باشا الأطرش والدروز لحماية شخص شيعي؛ لأنه لاجئ عنده، والتواصل كان أكبر، وبالمناسبة كان هناك ممثلون من جبل عامر في المؤتمر السوري في ١٩٢٠، وهم جزء من قضية الأقضية الأربعة التي لم تحل بين سوريا ولبنان إلا في الجامعة العربية".
تركيا وإيران.. حرب بالوكالة على الأرض السورية
وتابع الباحث والصحفي والمفكر: "عند إنشاء الجامعة العربية، اعتراف سوريا بلبنان في حدوده دون الأقضية الأربعة.. مع الأقضية الأربعة. المهم قبل الأحداث حافظ الأسد حافظَ على توازن معين بين دول الخليج العربي؛ السعودية خصوصاً، وإيران من بداية العلاقة مع نظام الخميني كان عدائيته أو العدائية المشتركة المتبادلة بينه وبين صدام حسين، خصوصي صدام حسين، وقصة حماة.. وإلى آخره التي تحدثت عنها، وهذا التوازن، توازن أصبح صعباً التصرف على الرئيس بشار الأسد. في سلسلة ما بعد الألفين خصوصية. الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وسوء التصرف؛ كان يجب على الجيش السوري أن ينسحب على الأقل إلى البقاع، حتى لا يحدث ما حدث في ٢٠٠٤ و٢٠٠٥.. هنا قصة معقدة في الأحداث السورية، فيه شيئان لافتان؛ أولاً تدخل حزب الله للدفاع عن بعض القرى الشيعية، حتى بعد يعني حكي إنه تدخل قبل أن يتدخل حقيقة، وما ينسى في الجغرافيا الاجتماعية السورية أنه مثلاً في شمال هرمن فيه قرى في سوريا هي للبنانيين، شيعة يعني؛ ليس لهم حتى جنسية سورية، وأخذوا أراضي في الإصلاح الزراعي الذي لم يكن يفرق بين عربي وعربي، يعني قصة طويلة فيه شيعة بسوريا، القرى اللي حول حمص، فكان هذا تدخل نوعاً ما. وفيه حتى، كما تعرف، قصة البلدتَين الصغيرتَين في ريف حلب، اللتين حوصرتا.. وإلى آخره. هلأ في هاي نقطة، والنقطة الأخرى هي إنه دفعت تركيا بميليشيات، ودفعت إيران بالمقابل بالميليشيات، وكانت الحرب في سوريا بشكل ما مجابهة بين تركيا وإيران بالوكالة على الأرض السورية".
قصة عجيبة
وأجاب د.سمير العيطة عن سؤال "هل تعتقد أنها كانت في صراع بين التركية والإيرانيين؟"، قائلاً: "شيء لافت؛ يعني أنت الميليشيات التي جلبت من أفغانستان وبعضها من إيران وبعضها من العراق وبعضها من باكستان، شيعة، والميليشيات اللي أتت عبر الحدود التركية من الإيجور إلى الشيشان، ميليشيات سُنية.. هذه مدعومة تركيّاً وهذه مدعومة إيرانيّاً، بلدان يتصارعان في سوريا عبر ميليشيات بالوكالة، وهما في الوقت ذاته يتاجران بين بعضهما البعض بأكثر من عشرة مليارات دولار في السنة رغم العقوبات الأمريكية على إيران، قصة عجيبة".
الدولة والجيش السوري.. الخاسر الأكبر
وأضاف الباحث والصحفي والمفكر: "أنا عندما قُلت في الحلقة الماضية إنه خطأ للسلطة السورية، كيف تعاملت مع الأزمة؟ وكان يجب احتواء الأزمة بطريقة مختلفة؛ لأنه من خسر أكثر شيء في هذه الأزمة هو الدولة والجيش السوري.. تضعف الدولة؛ أية دولة تضعف قوتها الداخلية يدخل الكل، ليس فقط تركيا وإيران، كل دول الخليج بعد قطر، بعثت ودفعت فلوساً وأفلتت وسائل الإعلام، كلهم يريد؛ مثل ما كنت أشبه بما حصل بليبيا اليوم واضح أن هناك قسمَين يمكن ثلاثة في ليبيا، وكل واحد طرف، ومجموعة دول تدعمه، شيء جيد ما فعله الروس عبر الأستانة؛ إنه هيّ كان تحكي أن هاي محارم مصالحة لسوريا، وهي محاولة المصالحة بين تركيا وإيران.. وأنا هيك وجهة نظري؛ أنت مع إني تفاوض إنه وقفوا لنا المعركة واضبطوها، وضبطت نوعاً ما كل يعرف حدوده حتى وصلت إلى حالة نوعاً ما استقرت، ليست الحرب في سوريا كما كانت في فترات معينة؛ خصوصاً بعد قصة (داعش)".
حزب الله والسلطة السورية
واستطرد د.سمير العيطة: "على الأثر الإيماني في سوريا، أنا متفاجئ أن الإيرانيين مع أنهم أعطوا سوريا دعماً مالياً واقتصادياً كبيراً بالنفط وبمساعدات مالية؛ حتى لم يعطوا بالمقابل كما أعطى غيرهم الروس خصوصاً.. الروس أعطوا استثماراً مثلاً، والفرنسيون المعادون للسلطة أخذوا استثمار اللاذقية، سبحان الله، القطريون لسه مصرف قطر الوطني يعمل في سوريا؛ وهو في الحجم ثاني مصرف خاص في سوريا. هناك فيه نوع العالم متعدد الأقطاب، معقد أكثر مما الواحد يصوره كثنائيات. الفسفات الأساسي في سوريا مع إنه يهم الإيرانيين كثيراً؛ لأنه فيه يورانيوم للروس، وحقل الفوسفات يعني يجب أن نستخرج بس في عز منطقة داعش.. أنت تمتع بخصوصية هديك المنطقة، الدواعش فيها. أعطوا تصريحاً لهاتف خليوي ولكن بدأ حديثاً، يعني حتى ينتج ويعمل وما فهمته قصص معقدة؛ لم يعطوا بحجم ما قدموه لسوريا نوعاً ما، السلطة حفظت أوراقها تضامناً، بس أنا برأيي الأساسي للتضامن الأساسي هو بين حزب الله والسلطة السورية".
لماذا الإيرانيون مهتمون جداً بالوجود في سوريا؟
وأجاب د.سمير العيطة عن سؤال "لماذا الإيرانيون مهتمون جداً بالوجود في سوريا؟ هل له علاقة بتداعيات النظرة الإمبراطورية للدولة أم له علاقة فعلاً بالصراع مع إسرائيل أم فقط خدمة الانتماء، حيوية الدولة الإيرانية، إنه أنا لازم أكون موجوداً في المنطقة وسوريا جزء من هذه المنطقة؟"، قائلاً: "كل دول المنطقة والدول الخارجية؛ خصوصاً في الدول التي تضعف، تفرض عليها قوة ناعمة، قوة غليظة، قوة بالوكالة؛ وهذا حديث، يعني فيه دول مغيبة؛ مصر لا تلعب دوراً كبيراً، لكن دول الخليج، قطر قوة ناعمة وغليظة نافذة، وكأنها بحجم مصر، في فترة معينة تريد أن تفرض نفوذها المباشر على مصر، إيران لها طموحات وتطوَّرت منذ (الثورة الإيرانية)، الكل لعب، أن يأتي الخميني ويأخذ مكانه بدل الدولة.. قصة طويلة.
تطورت هذه الدولة؛ لها آلياتها المعقدة، فيها انتخابات، ولا يستطيع أن ينكر إنسان ذلك، وتحاول أن تأخذ حصتها. حصل شيء استثنائي عندما غزا الأمريكيون العراقَ، أعطوا مساحةً للنفوذ الإيراني في العراق".
غزو العراق والصراع السُّني الشيعي.. ثم غزة تكسر القاعدة
وأضاف الباحث والصحفي والمفكر: "أنا برأيي؛ العراقيون والإيرانيون لم يكونوا هذا؛ هلأ كل القصة قبيل غزو العراق، وثم بعد غزو العراق، كل المنطقة أُطرت على أساس أن المنطقة يحكمها صراع سُني شيعي خاصة لضرب العلاقة بين السعودية وإيران، بين تركيا وإيران، ما هو لافت اليوم مع قصة غزة أنها كسرت هذا الشيء؛ فاليوم إيران تدعم (حماس) السُّنية، إخوان مسلمين، ينسى الكثير أن هناك حزباً متصلاً بحركة الإخوان المسلمين العالمية، مصرح في إيران، والإيرانيون تدخلوا في أول الأزمة السورية. كمان الأتراك اللي هم يحكمون المقاومة في تركيا حتى تصلح السلطة في سوريا علاقتها مع الإخوان، حساسية السلطة مع الإخوان في سوريا كبيرة، والإيرانيون يدعمون حزب الله. أنت في نفس الوقت المعركتان الأساسيتان، عَم باحكي عن المشهد اليوم. معركة حماس والجهاد، ومعركة حزب الله، ومع الإسرائيليين".
انتهاء الصراع السُّني- الشيعي.. الصين تصالح إيران مع السعودية
وتابع د.سمير العيطة: "انتهى الصراع السُّني- الشيعي، وأتت الصين وصالحت إيران مع المملكة العربية السعودية. إذن الدول الأصغر لم تعد تستفيد من الصراع بين إيران والسعودية؛ ممكن تكون لها علاقات مباشرة، والسعوديون أصلحوا علاقتهم مع إيران، مع أنه فيه مشاكل في العلاقة مع الشيعة. أنت دخلت في طور جديد؛ يمكن أن تخلق استقراراً في الخليج، وبالنسبة إلى منطقة بلاد الشام أنت في المنطقة، ما عَم باحكي اقتصادياً، بس من ناحية الدولة الهشة؛ لأنه مصنفون كلنا هشين، أنت عندك المثلث (لبنان وسوريا والعراق)؛ هي دول هشة، اتفاق خروج عن قصة سُنة وشيعة يساعد كثيراً أن تتعاون الأطراف.. لأنه إذا انهارت هذه الدول، ستأتي تداعيات على تركيا وعلى إيران وعلى الخليج".
وأجاب الباحث والصحفي والمفكر، عن سؤال "كم نسبة، يعني سوء إدارة مثلاً من الدولة السورية أو السلطة السورية، هي في الأزمة، يعني هل الأزمة في نسبة كبيرة من سوء إدارة مثلاً؟"، قائلاً: "فيه نسبة كبيرة من سوء الإدارة. أنا حكيت لك على قصة أنه كانت الدولة غير مديونة، كانت الدولة عندها قدرات مالية في المصرف المركزي كبيرة؛ لكن التحولات هناك آلية دولة وآلية سلطة. أنت نظام الحكم على زمن حافظ الأسد، كان رأسمالية الدولة، يعني حتى تبقى السلطة مستمرةً. يعني دائماً نفرق بين السلطة والدولة، تأخذ ريعاً ستبقى سلطة تحتاج إلى الريع. من العقود الحكومية أتوا بمعامل أسمنت، معامل شمندر سكري، أخذت لتغذي بس نموذج رأسمالية الدولة على شاكلة الاتحاد السوفييتي، والدول الشقيقة.
التحول كان يجب أن يحدث من التسعينيات، عندما انهار الاتحاد السوفييتي وتوجه حافظ الأسد إلى تحرير الاقتصاد، أصبح القطاع الخاص فاعلاً في سوريا.. 1990، 1995م، لم يحدث نمو حقيقي في سوريا بحجم الذي حصل بين 1990 و1995م، بالإضافة إلى إدارة النفط التي بدأت تخرج، والتي أراحت كثيراً الاقتصاد السوري آخر خمس سنين من حافظ الأسد. 1995، 2000م؛ وقف كل شيء، الرئيس مريض لا أحد يأخذ قراراً. وأولاد المسؤولين البعثيين ينتظرون شيئاً آخر".
فترة تقاسم السلطة
وأضاف د.سمير العيطة: "أنا أسمي الفترة التي تلت، انطلاقاً من 2000م، فترة تقاسم السلطة، وهي معقدة، كان صعباً كثيراً أن يكون إنسان موظف دولي.. أنت مثلاً هناك مدير خزينة في الحكومة الفرنسية هذه مطلعة على مالية كل الشركات وأوضاعها باستراتيجية شركات فرنسية، ودورها هي أن تدعم الشركات الفرنسية في اللعبة العالمية، إحنا في عالم معولم، كان لا يسمح لموظف الدولة اللي هو بيدعم هذه الشركات، إن كان في مجالات الأدوية ولَّا الصناعة أن يذهب إلى مجالس الإدارة ضمن الشركات، ويعمل في الشركة ذاتها. طيب، أنت عندما تكون في إدارة حكومية تخدم من المصلحة العامة ولَّا مصلحة الشركة؟ أصبحوا كلهم هدول موظفي الدولة، صاروا يعملون في الدولة على أمل أن يذهب إلى القطاع الخاص. خربوا الدنيا. هنا أولاد المسؤولين تبع الدولة؛ اللي كان أهلهم يأخذون قليلاً. صار كل واحد يريد أن يخلق مجالاً له في هلأ التطورات هاي تحدث في كل الدول العربية، بشكل معين. وهي إحدى مشكلات الليبرالية الاقتصادية، بطريقة فهمها الحديث هلأ هذا في عز التحولات الاجتماعية بسوريا، تسونامي شبابي، قال ذهبوا بمجلس الوزراء ونائب مجلس الوزراء، إنه المشافي الحكومية التي كانت تعمل وتعالج مجاناً لكل الناس، قال نحن الآن فيه هناك دوران للذهاب إلى المشافي الحكومية؛ دور مَن يدفع ودور مَن لا يدفع، وعلى المشافي الحكومية أن تمون نفسها بنفسها. هذا لا، غير معقول؛ لأنه هناك بلدان أوروبية تخلت عن المشافي الحكومية أو المشافي الخيرية المجانية، وثبتت منذ تاسع عشر أنظمة التأمين الذي لا يمشي في أمريكا بشكل شو اسمه، وكانت مشكلة أوباما مع الكونجرس. لا يمكن أن تلغي المشافي المجانية إلا إذا وضعت نظام تأمين صحي شامل للناس بشكل أن تحمي الفقراء".
العمل بالصحافة وقصة "لوموند ديبلوماتيك" العربية
وأجاب الباحث والصحفي والمفكر، عن سؤال "أنت اشتغلت بالصحافة أيضاً؟"، قائلاً: "لا؛ الصحافة خليني هيك نضحكك، توريطة من الله يرحمه سمير قصير، أنا عملت في مشروعات بين 1990 و1999م، وخرجت من الشركة، وفتحت كان أول إنترنت عربي، شركة بتعمل إنترنت عربي.. فكان لي صداقة مع سمير قصير، وهو كان يدرس في باريس، ويعمل في (لوموند ديبلوماتيك)؛ لما عاد إلى لبنان أصدرها كملحق لصحيفة (النهار)، ثم لا أدري ما حصل بينه وبين جبران تويني، الله يرحمه.. أوقفوا له إياه، كلمني قال لي طلعها ببلاش على (فيسبوك)، ما معي مصاري، بقيت بين 1999 و2005م، يعني يبعت لي المادة وأتعامل مع المترجمين، وأضعها على النت، عندما اغتيل، قُتل في 2005، كما أمزح ماذا أفعل بهذا الطفل اللي وضعوله بين إيديه، هذا ليس طفلي. ذهبت إلى (لوموند ديبلوماتيك) في فرنسا. قُلت لها ماذا تريدون أن تفعلوا؟ وقالوا هل تريد أن تستمر؟ قلت لهم بس نعملها مؤسسة مضبوطة أولاً، يعني الفترة السابقة كان يصدر العدد الفرنسي في الشهر، يجب أن يصدر العدد العربي تقريباً في نفس التوقيت".
الربيع العربي وانتهاء التجربة
وأضاف د.سمير العيطة: "ننظم آلية لحتى مش يومية؛ يعني صعبة الترجمة. قُلت له شهرية. عملنا شركة ونظمنا، وكان النموذج أنه في كل بلد عربي نخلق شراكة. وأصبحت (لوموند ديبلوماتيك) العربية قصة؛ لأنه شراكة مع (الأخبار) ثم مع (الأهرام)، يعني وحده أربعمئة وخمسمئة ألف نسخة، أنت كل النشرة الفرنسية ما بتعطي مئتي ألف نسخة. فأصبحت اسماً وانتشرت في عدة بلدان عربية في وقت معين، كانت في ١٣ بلداً عربياً.. ثم أتى الربيع العربي، والشريك اليمني احترق، والشريك البحريني فلِّس، والشريك المغربي اعتقل.. مصر صار فيها المشكلات، وقفنا فترة طويلة بالخليج، قطر، قال ما عندنا كفاية لندفع لكم بمكان تكلف شيئاً، والسعودية كمان.. أفلسنا وانتهت التجربة، بس أنا باعتبرها تجربة جميلة، يعني خلال 8 سنوات، عَم باحكي 8 سنوات اللي كان فيها المؤسسة".
وأجاب د.سمير العيطة عن سؤال "من خلالها قدرت مثلاً يعني تحس أنه ممكن الصحافة تأثر في بناء مجتمع، في بناء دولة، أو تكون أداة من أدوات البناء مثلاً ولَّا مجرد أداة إخبار وإعلام للناس، إنه دون ما يكون لها أي أثر؟"، قائلاً: "هلأ الشيء الجيد إنه كانت مجلة ثقافية وتبحث عن تفاصيل؛ بس أنا كنت أنتقد الصحيفة الفرنسية؛ إنه يكونوا كمان صحيفة استقصائية، يعني تكتبون بموضوع ويحكون عنكم الناس قبل أن تنشروا المقال.. أحياناً بتطلع الصحف (لوموند) وغيرها بيحكوا عن مقال حيطلع قبل أن يصدر المقال؛ لأنه مهم بقى فيه هناك قصة أساسية لخلق الوعي عبر الصحافة الاستقصائية. أنا مُصر عليه، وفيه كمان دور أساسي.. هلأ بدأ يبرز بس أنا ما باصوره بالمستوى اللازم يكون. لا بالإعلام مرئي ولا كذا. على الإضاءة على ما هي مجتمعاتنا، على خصوصياتها اللي كنت عَم باحكي لك إياها بالحلقة الطائفية المدنية، إخراج القصة من الأشياء النمطية الموروثة اللي ما لها معنى، الحكي على المناطق، احترام الهويات الموجودة عندنا؛ يعني أنت لا تستطيع من وجهة نظري أن تخلق مواطنة متماسكة دون أن تحترم الهويات، تريد أن تتشاجر معهم أم تضمهم لك".
٦٠٪ ممن يعملون في البلاد العربية غير محميين اجتماعياً
وأضاف الباحث والصحفي والمفكر رداً على "وبهذا المجال أنت يعني فيه لك تعليق بأن الدول العربية ليست بعيدة عن كونها دولاً راعية فقط، شو بتقصد؟": "راعية ولا ريعية، أنت هناك أحلام إنتاجية شو الاقتصاد؟ الاقتصاد هو شيئان؛ اللي هو بتعمل عليه الدولة رأس المال، اللي أحياناً يكون مالاً دون رأس، والعمل اللي لازم تحميه، أنت خذ العمل بالأول على عكس المجتمعات مثل الهند؛ حيث فيه زراعة وإلى آخره.. نحن أغلب العمل غير النظامي وهو ٦٠٪ من العمل غير نظامي، يعني ما محمي اجتماعياً، يروح على مستشفى لما بيمرض يدفع كلفة المستشفى، هو يكون عنده معاش تقاعدي. هذه الحماية الاجتماعية. عندنا ٦٠٪ ممن يعملون في البلاد العربية غير محميين، حتى في القطاع غير الزراعي، وأغلبهم مش لأنهم يعملون لحسابهم الخاص كفنيين وحرفيين.. وإلى آخره، عمل مأجور غير محمي، والعمل المأجور في البلاد العربية غير محمي، إن كان عمل مواطن ما صاروا.. إلى آخره. وإن كان عمل أجنبي ببلاد الخليج إلى آخره.. هذه قصة كل تاريخ وصناعة في الصناعيين بالقرن التاسع عشر، حتى روبيتس، حتى فورد عندما أنشأ صناعة سيارات كان يحمي عماله، يريد أن يهتموا بالمعمل، يخلق لهم بيوتاً، عدم حماية العمل دلالة على عدم الجدية في الإنتاج، أنا هيك آخده... العقد الاجتماعي أنتج في القرن العشرين، نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين، ما بتصور أي من الدول نتجت عن عقد اجتماعي حديث، وارثة العقد الاجتماعي القديم ومطبقاه بطريقتها الخاصة؛ للحفاظ على سلطة السلطة، لم يذهب أحد حتى بعد الربيع العربي والتحولات إلى نقاش حقيقي على عقد اجتماعي جديد يأخذ التطورات التي حصلت والأشياء الموجودة في المجتمع إلى عقد اجتماعي حقيقي عن دور الدولة، ماذا تفعل الدولة؟ هل يمكن أن تذهب إلى هذا الحد؟ كيف تصنع العلاقة بين الدولة المركزية والأطراف؟ إحدى المشكلات الكبرى هي إهمال الأطراف، لا أحد يهتم بالأطراف، أنت تهتم بالعاصمة وبعض الأماكن؛ لأنه فيه سياحة.. إلى آخره ".
مفهوم الدولة بعقدها الاجتماعي
وتابع د.سمير العيطة: "عندما أنشأت مفهوم الدولة بعقدها الاجتماعي للتخلص من الاحتلال والانتداب، ماذا كان الهم؟ نشر التعليم، نشر الكهرباء، دور اجتماعي بالأطراف.. باحكي على سوريا ودمشق، الكهرباء موجودة من ١٩٠٤، قصة قديمة من الزمن العثماني. ما مشكلة أن تخلق كهرباء؟ المشكلة أن الكهرباء إلى آخر قرية، هذا عمله، العقد الاجتماعي وصنع تحولات؛ لأنه عندما تحول الأطراف تخلق ديناميكيات اجتماعية جديدة، يجب أن تتعامل معها، وممكن تغير النخب القائمة، أنا برأيي ليس هناك مشروع بحجم عقد اجتماعي جديد يصدر عن نقاش اجتماعي، يصدر عن التحول هذا، أحياناً تذهب التغيرات بإرادة سلطوية إنه الحاكم يريد كذا إلى اتجاه معين؛ يمكن أن يخلق انفراجة لبعض الدول العربية، تخرج فيه أخرى باستعصاب. خذ المثال الأهم؛ يعني من هيك فكرياً يفكِّر فيه، لماذا وصل إلى هنا؟ تونس الثورة كانت سلمية، التحول بالسلطة سلمية، كان فيه نوع من التحول إلى الديمقراطية. أكيد مهم تحليل التجربة التونسية، لماذا وصلت إلى هنا؟ ما استعصاء داخلي كبير رغم وجود نقابة مهمة، رغم وجود أحزاب سياسية؟ لماذا هذا الاستئصال؟ هلأ حتماً فيه عنصر خارجي أوروبي وعربي وصراعات بين دول عربية مثل ليبيا، بس هنا مشكلة النخب المحلية، لماذا لم تستطع أن تأخذ دولتها اللي هي دولة جيدة جداً يعني ككوادر دولة من حالة اللي هي كانت على زمن الرئيس ابن علي، إلى حالة أخرى أكثر تطوراً، المشكلة بالنخب".
تونس.. الذهاب إلى السياسة وإهمال الدولة
وأضاف الباحث والصحفي والمفكر: "هلأ بالنسبة إليَّ الدولة مؤسسة؛ انحيازها تجاه الأحزاب السياسية مهم، مع إنه ولا يمكن فرض الديمقراطية إلا بوجودها قوية؛ هي التي تستطيع أن تضمن. ما حدث في تونس هو الذهاب إلى السياسة وإهمال الدولة، بمعنى إيه؟ بمعنى أن التوافقات أول شيء كان فيه توافقات سياسية، عَم باحكي بين ٢٠١١ و٢٠١٤، لم تكن هناك انتخابات، صدر بس نوع من دستور مؤقت. لطيف.. مَن قام في تلك الفترة على أمور البلاد خلال ثلاث سنوات؟ كان يمكن له كلهم أصدقائي المشكلة.. كان لا يمكن له أن يقوم بأكثر؛ لأنها كانت فرصة تاريخية لوضع أسس للمرحلة اللي بعديه. يعني مثلاً ما أخذ من أموال ابن علي وتقسيمات، ماذا فعلوا به؟ تركوه لفترة بعد الانتخابات.
المشكلة بالصراع، بالانتخابات السياسية؛ إن هناك توافقات تحصل، هذه التوافقات أدت إلى كارثة؛ يعني مثلاً توظيف الحكومة تضاعف أعداد الموظفين الحكوميين لإرضاء هذا وذاك في الأحزاب السياسية، أصبح اليوم الإنفاق الحكومي الجاري على المعاشات والأجور لا يتيح أية فرصة استثمارية؛ لأنه من الميزانية العامة.. قصة كبيرة. وهذا كان إرضاء النصرة، تريد وظائف وتريد توظف مريديها؛ يعني التنظيمات الأخرى.
هذه التجربة فعلاً تستحق يعني معنى بناء الدولة، ما التجارب وكيف انتهت؟ في النهاية أن الطرفَين أو الأطراف كلها عطلت بعضها، المجتمع كله، وتعطل المجتمع؛ فيه مسؤوليات خارجية، بس فيه مسؤولية على النخب".
الوضع في سوريا.. مسؤولية السوريين والنخب
وقال د.سمير العيطة، رداً على "أخيراً الوضع السوري مثلاً؛ يعني بآفاق الحل في سوريا اللي نسميه مفهوم الدولة في سوريا": "هلأ مسؤولية، هي مسؤولية السوريين والنخب السورية، إذا فينا نسميهم هيك. هل تريدون أن تستمروا بالتقسيم؟ هل تريدون أن يستمر التقسيم الذهني بينكم؟ إنه هون شيء له هيك مركز كردي، وهون فيه لا أكثر إسلام سُني، وهون هذا وأنتم ترون أنه خصوصي بعد القصة التي حصلت، يعني حرب غزة.. أنا كل ما أحكي لكم عن الحريات والديمقراطية. كانت لمصلحة ناس. اليوم بأوروبا ممنوع تحكي، وأكيد ببلادك هنا يدافعون عن الحرية، وأنا قُلت لهم الأوروبيين والأمريكان؛ بس أتى وقت المراجعة بالنسبة إلى أين تريدون أن تذهبوا.. إذن بقي الحال على هذه الحال عشر سنوات، خلاص فيه قبرص وتركيا وسوريا ومنطقة أمريكية تبع الأمريكان والإنجليز، وكتبت أنا إنه لازم يكون فيه مراجعة كبيرة وفرصة للتحاور.. نحن لا نتحدث مع النظام. تعبير النظام يستخدم خاصة من الدول الغربية. كل ما لا يعجبهم اسمه النظام. ما فيه نظام؛ فيه سلطة وفيه دولة، يجب التعامل مع الدولة السورية، ولا يمكن إعادة بناء دولة بشكل سليم. الدولة تأخذ صحيح وقتاً طويلاً. سلطة أوكي، التعامل مع السلطة ليس انزل من على الكرسي، سأقعد مكانك. ليكون أذكى نوعاً ما من التعامل بهذه الطريقة؛ بس الدفاع عن دولة سوريا فيها العقوبات واتجاه، وحتى تجاه السلطة، وتعديات، وهي تعيش على إضعاف السلطة والولاية..".
لِمَ يصبح أهل سوريا مثل أهل غزة اليوم.. ماذا تريدون؟
وأضاف الباحث والصحفي والمفكر: " كنت أضحكهم؛ لأنه كنت يعني يستخدموني كاستشاري في وزارة المالية، وفي وزارة الاتصالات في سوريا؛ بيعرفوا الناس اللي لسه موجودين في البلد أنه أنا أذهب للاجتماعات، موجودين، وزراء باقول لهم أنا مع الدولة ضد السلطة، في إله احنا وعايشين يضحكوا وأنا صادق يعني، ممكن يكون لي تحفظات كثيرة على السلطة، بس أنا أدافع عن الدولة، أنا أعتبر حالي إنساناً دوره أن يخدم الدولة السورية، لا ممكن ما تخدمه، لا يعطي نتيجة اليوم أو لا يعطي لا يهم. ضروري أن تعود هكذا عقلية في سوريا، والشيء اللافت أنه في هذه الفترة ومن تداعيات ما يحدث في غزة وبدأت هذه المراجعة، وبدأت تحركات من الأطراف؛ يعني أنا شفت تحركات من ناس محسوبين شديدي المعارضة، بس رغم أن السلطة في سوريا هيك معتدة بموقفها وإلى آخره، شُفت بعض التحركات الصغيرة؛ ولكن مهمة ويجب البناء عليها، أهم شيء البلد والمجتمع والناس.. الناس في سوريا اليوم تموت جوعاً؛ لا يجوز بأي منطق، مهما كان العذاب، أن يبقوا يموتون جوعاً عشر سنين، هناك شخصان أو ثلاثة يدفعون الكونجرس حتى يأتوا بعقوبات أقصى، وبعدين يعني لمَ يصبح أهل سوريا مثل أهل غزة اليوم أو أهل الضفة اليوم، ماذا تريدون؟".
حكايتي مع جدي
وتابع د.سمير العيطة رداً على "فيه كتاب لجدك، كتاب مصور، تصويري، وفيه شروحات في كل صورة، كتاب يعكس لحظات كثير من الناس لا يعرفونها": "أنا لي علاقة خاصة مع جدي أبو والدتي، اسمه سعيد تحسين بك، ولد في سوريا؛ عاش في لبنان، ذهب إلى العراق، وعُلِّم الرسم في العراق، مع أنه لم يدرس إلا الابتدائية، ولم يذهب إلى أية مدرسة تعليمية، ثم اشتهر في سوريا، ثم أتى إلى مصر وعاش عشرين سنة فيها. وكان أول معرض فردي له سنة خمسة وستين في القاهرة، عرض ستين لوحة وعاد إلى دمشق باثنين وثمانين، وتوفي بالخمسة والثمانين، فنان صوفي إنساني، كان بأنصار بيعرف بيكاسو..".
وتابع د.سمير العيطة: "من هذه القصة دون مذكرات جلبتها وحفظتها سنوات طويلة، قبل انتشارها. هو يقول إنه عمل 2500 لوحة. أنا يا دوبك لاقيت 250 مع 180، ما زلت أبحث عن تراث، عملت كتابَين واحد عربي إنجليزي للوحات والناس، وفي منها، أنا تفاجأت، أنا أعرفه جيداً، وواحد آخر أخذ المذكرات، تاريخ حقبة في أربعة بلدان عربية. من كل النواحي ليس بس فقط فناً، الفن والدين له تصور معين للدين، مؤمن جداً. ولكن كان يقول وهي قصة لحلقة يوماً ما إن الدين والفن متشابهان مترابطان. قصة تستحق أن الواحد يعطيها؛ كان يحترم الإنسان ويريد المساواة، همه الإنسان. وعلى كل حال في لوحاته ترى البعد الإنساني، يهتم بالفقراء، يهتم بالناس العاديين، ويفتخر بالتراث العربي الإسلامي، قصته قصة، هو بالنسبة إليَّ أن الإسلام هو دين الإنسانية، بالنسبة إليه فيه جزء من لوحاته يرى فرسان الإسلام لا يحملون سيفاً؛ يحملون شعلة معرفية وفوقهم حمامة سلام".
نحن لا نعرف بلادنا وثقافتنا
واختتم العيطة ردًا على قول د.باسم الجمل "إن شاء الله، مركز مجتمع راح يتبنى نشر هذا الكتاب، ويكون بين يدَي الجميع؛ لأنه حقيقةً يستحق النشر"، قائلاً: "جهد سنتين هيك، أنا مبسوط فيه إنه يصير لنا أشياء هيك، ستفاجأ أنه لأ، كان فيه هيك شيء، وهذا الحديث إلى آخره، هذا شيء جميل؛ نحن لا نعرف بلادنا وثقافتنا، ومهم أنه يهتم الناس مثلكم بإحيائها".