• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

ما المقصود بتجديد الخطاب الديني؟ ومسؤؤلية مَن؟ | د. محمد سالم أبو عاصي

للإستماع





تحدَّثَ الدكتور محمد سالم أبو عاصي،  عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر،  خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مجتمع"، عن تجديد الخطاب الديني وما المقصود به؟ ومَن طالبوا بإنشائه أو تقديمه؟ وإذا أردنا أن نجدد الخطاب الديني فما المقصود به؟ يعني هل نجدد النص نفسه مثلاً أم نجدد فهمنا للنص؟ أم فهمنا للتراث؟ أم للفقه؟


ماذا يُقصد بتجديد الخطاب الديني؟

قال الدكتور محمد سالم أبو عاصي، عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر: "أولاً؛ نحن إلى الآن ننادي بتجديد الخطاب، وعلى مستوى النخبة لم نحدد ما معنى تجديد الخطاب؛ بل ربما يختلف المصطلح من فئة إلى فئة، يعني مثلاً بعض الناس سطحيون، سيرى أن تجديد الخطاب أن تجدد أنت خطبة يوم الجمعة، والبعض الآخر يرى أنه نحن لا بد نقضي على التراث كله، والبعض الآخر يرى أن تجديد الخطاب أنه نحن عايزين نبدل الدين...".


المؤامرة على الإسلام وإشكالية تحديد المصطلح

وأضاف الدكتور محمد سالم أبو عاصي: "فيه فئة من الناس عندهم كل حاجة مؤامرة على الإسلام؛ فيقول لك أيوة ده همَّ عاوزين يبدلوا الدين ويضيَّعوا الدين.. وكذا، فأول خطوة أنا بنادي بها إنه لازم نقعد نتفق على تحديد المصطلح، يعني ورشة عمل نتفق على أن إيه المراد بتجديد الخطاب الديني، آدي نقطة. النقطة الثانية إن إحنا أيضاً لازم يُسمى في علم البحث والمناظرة تحرير محل النزاع، يعني إحنا الآن بنتنازع في إيه؟ هل احنا بنتنازع اللي احنا عاوزين نشيل الأحكام ونجيب أحكام جديدة؟ ولَّا إحنا عاوزين نجدد في الوسائل؟ ولَّا احنا عاوزين نجدد في العقول التي توصل الخطاب إلى الناس؟ يعني أنت الآن عندك عدة مستويات؛ عندك نفس الخطاب، وعندك اللي بيحمل الخطاب وبيوصله للناس، وعندك منبع الخطاب؛ اللي هو التراث اللي أنت بتاخد منه المعلومات أو بتستقي منه المعلومات؛ فإلى الآن هذه الأمور لم تتحدد، ولذلك لو جمعنا عشرة أو عشرين من المثقفين، على التنوع؛ كل واحد له منظور في تجديد الخطاب..".


التجديد ليس بدعة ولا محاربة للدين

وتابع الأستاذ والباحث الإسلامي في جامعة الأزهر سابقاً: "وجهة نظري أنا أولاً إحنا عندنا حديث إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة مَن يجدد للأمة أمر دينها؛ فالتجديد مش بدعة، ولا التجديد يعني محاربة الدين، ولا التجديد يعني القضاء على الدين. إنما لازم نبحث التجديد، هو إيه؟ مين اللي هيجدد وهنجدد إيه؟ فلازم اللي يجدد يكون، مش هاقول بقى على مستوى من الاجتهاد.. وكذا، لا؛ يعني على الأقل يبقى عنده شيء من الإبداع، عنده شيء من إدراك حاجة العصر، عنده شيء من إدراك حاجة المجتمع، دي نمرة واحد.

الأمر الثاني اللي هنجدده ده؛ هل هو الأحكام الثابتة؟ لأن الشريعة فيها الأحكام نوعان؛ فيه أحكام ثابتة قطعية يسمونها دائرة مغلقة، يعني الصلوات الخمس، ما حدش ييجي يجتهد ويقول لك خليها ستة ولّا سبعة ولّا أربعة ولا كذا. الزكاة، فريضة كذا.. إلى آخره. لكن الدائرة الكبيرة جداً في الشريعة واسعة الأحكام الاجتهادية. والأحكام الاجتهادية دي بقى بيدخل فيها المصلحة، بيدخل فيها الاستحسان، بيدخل فيها العرف، بيدخل فيها حاجة الناس. الدائرة الكبيرة دي بتمثل من وجهة نظري أكثر من خمسة وثمانين في تسعين في المئة مفتوحة تحتاج إلى تجديد وتحتاج إلى تغيير، فلما نيجي نقول مين اللي هيجدد، يبقى لازم واحد يكون عنده..".


التجديد يبدأ من المؤسسات كالأزهر الشريف مثلاً

وأجاب الدكتور محمد سالم أبو عاصي، عن سؤال "على عاتق مَن يقع التجديد؟ وعلى أي أساس بِدنا نجدد؟ ومَن هو الذي سيجدد؟ وما الشروط التي يجب أن تتوفر فيه؛ كي نطمئن لتجديده؟"، قائلاً: "في الحديث اللي ذكرته يبعث الله على رأس كل مئة، من الشراح يقولون إنه من دي يحتمل أن يكون جماعة، ويحتمل أن يكون فرداً. خلينا الآن نقول مع اتساع المعلومات والتخصصات يبقى لسه، يبقى أنا أختار اللي يجدد فئة جماعة؛ لأنه مش هيحتاج لرجل الدين بس. تجديد عاوز رجل دين، عايز فلسفة، عايز تاريخ، عايز رجل إعلام، عايز حاجات كتير جداً. فأنا أرى أن التجديد يبدأ من المؤسسات، من المؤسسات العلمية، وليكن مثلاً على سبيل المثال المؤسسة الكبرى في العالم في الدين هي الأزهر الشريف، فيبدأ التجديد من هذه المؤسسة".


لا يمكن تجديد خطاب ديني دون إصلاح التعليم 

واستكمل د. محمد سالم أبو عاصي: "بعد الاتفاق، كما تفضلت، على ماهية التدريب. طيب إحنا بقى هنجدد أو المؤسسة، أي بقى مؤسسة يعني مش هحدد بالضبط. الجماعة اللي هتجدد دي يبقى هو لازم يجمع بين أمرَين؛ يجمع بين إدراكه النصوص الشرعية وإدراكه الواقع المعيش؛ لأنه أنت بتدرك الواقع يعني، وبتدرك النص، ثم أنت تحتاج إنك أنت تنزل النص على الواقع المعيش، يعني كيف تطبق هذا النص على الواقع المتجدد المتغير؟ يبقى إحنا عاوزين جماعة، فئة علمية موثوق بها مؤهلة، ومش لازم موثوق بها بس، لازم تكون مؤهلة، ودعني بس أقول جملة معترضة كده، إنه لا يمكن تجديد خطاب ديني دون إصلاح التعليم".


التجديد وساحة الحلال والحرام

وأضاف عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر، رداً على سؤال "ما الساحة التي يجب أن ينالها التجديد؛ هل هي ساحة الحلال أم ساحة الحرام؟"، قائلاً: "خلِّيني أعمِّم القاعدة؛ خليني أقول إن التجديد يمشي في دائرتَين، أولاً ما لم يرد به نص، فيه مشكلات طارئة مش موجودة في النصوص، والأمر الثاني كله حكم ظني. ظني يعني إيه؟ يعني يحتمل وجهات نظر متعددة؛ فأنا آجي كمجتهد أو كمجدد أشوف أن هذا الاحتمال يناسب المجتمع دلوقتي ولَّا ما يناسبش. اللي يناسب آخده وأعرضه على الناس، يعني خلِّيني أقول إن التجديد يبقى أعم من قضية الحلال والحرام. التجديد يبقى كل نص ظني يدخله التجديد. لو جيت لدائرة الحلال والحرام، هاقول كل شيء لم يرد نص بتحريمه هو حلال، لأن في قاعدة الأصل في الأشياء الحل. الحرام أيضاً ممكن هتجد اختلافاً، لو رجعت للتراث هتجد أمراً بيختلف من إمام لإمام، فده يقول حلال وده يقول حرام.. وفيه مشكلة تانية، ده فيه ساعات إقحام النص ما لا يحتمل..".


ليس الحلال فقط.. التجديد أَعَم

وتابع د.محمد سالم أبو عاصي: "خليني أيضاً أضيف معلومة، في إفتاء النبي عليه الصلاة والسلام، هناك إمام عظيم جداً اسمه الإمام القرافي، بيقول تصرفات النبي، عليه الصلاة والسلام، على ثلاثة أقسام، ساعات يتصرف من مقام النبوة، وساعات تصرَّف باعتبار أنه حاكم، وساعات يتصرَّف باعتبار أنه قاضٍ.. فلما ييجي مثلاً في الحروب أو كذا يفعل شيئاً، ده مش حجة مثلاً، يقول مَن أحيا أرضاً مواتاً فهي له، طيب هل دعا له باعتبار النبوة ولّا ده قاله باعتباره رئيسَ دولة؟ فييجي الأحناف يقول لك لا، ده باعتباره رئيس دولة. وبالتالي ماحدش يعتدي على أرض الدولة إلا إذا رجع إلى الدولة ومؤسساتها وخَد الأرض.


هتيجي تجد رأياً مقابلاً آخر يقول لك لا ده باعتبار النبوة. معنى ذلك أن كل واحد يروح يسيطر على قطعة من الأرض وياخدها. فاحنا برضه في السُّنة وفي الإفتاءات لازم نميِّز؛ لأن برضه فيه خلط كبير في الخطاب الديني. إنه لازم كل ما يقوله النبي إحنا ملتزمين به ونتبعه. لا. احنا متبعين في ما بلغنا به باعتبار النبوة؛ لكن ليس في ما قاله باعتباره حاكماً أو باعتباره قاضياً. يعني لما ييجي يقضي في مسألة مش لازم القاضي الآن في هذا القرن يقضي بمثل ما قضى به النبي، عليه الصلاة والسلام.. الظروف قد تتغير، العادات قد تتغير.. إلى آخره، أنا عاوز أختلف شوية إذا سمحت لي، أنا أرى التجديد أعَم. يعني مش عايز أقصره على دائرة الحلال فقط؛ يعني أنت عندك مثلاً دوائر أوسع، في بناء الحضارة، في التاريخ، في حاجات كثيرة جداً في الإسلام، في الفلسفة، في التفسير، بعيداً عن دائرة الحلال والحرام، عايزة تجديد، يعني أنت الآن مثلاً لو جيت للأصنام أو اللي بيسموها دلوقتي باللغة المعاصرة التماثيل؛ هل هذه التماثيل تعبر عن حضارة المسلمين؟ تعبر عن الحضارة الفرعونية؟ تعبر عن أية حضارة كانت؟ فهي رمز، تشير إلى الحضارة. فأنت لا بد أن تبقيه ولا أنت بتدخله في دايرة إن ده حرام وده أصنام ودي عبادات وده شرك وده وثن وعايز تكسره، فأنا أرى أن التجديد إن لا إنه تبقى هذه التماثيل، لأنها تعبر عن تاريخ، تعبر عن حضارة، تعبر عن فن.. إلى آخره، وأخليها، بعضهم دخلهم في دائرة الاعتقاد اللي هو مش الحلال، لا ده شرك، فيه حاجة في الفلسفة مفيدة جداً، فيه حاجة اسمها وحدة المفهوم وتعدد المصداق، الأفراد بتتعدد؛ يعني لما القرآن يقول (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) ما فيش رباط خيل الآن، فرباط الخيل أصبحت مرحلة تاريخية، أصبح دلوقتي فيه حروب سياسية فيه القوى الناعمة، فيه حروب إلكترونية، يعني المصداق للأفراد تتعدد. النفقة أيام النبي، لما عليه الصلاة والسلام غيَّر النفقة، دلوقتي للرجل على بيته، يعني فيه أشياء كثيرة جداً أنا باعتبرها تاريخية من حيث المصداق".


وأجاب الأستاذ والباحث الإسلامي في جامعة الأزهر سابقاً، عن سؤال "ما الفرق في التجديد؟ يعني هل التجديد سيدخل على فهمنا للنص ولَّا على ما موجود من فهمنا للنص؟"، قائلاً: "حيدخل على الاتنين، يعني هيدخل على مفاهيم عند كثير من الناس؛ علماء قدامى ومحدثين، وهيدخل على التراث الفقهي؛ التراث الفقهي من وجهة نظري أنا فيه الكثير والكثير مما انتهى، أو أقدر أقول ثقة هو أصبح مرحلة تاريخية".


معايير تحديث التراث.. وإشكالية التمييز بين المقدس وغير المقدس

 وأضاف د.محمد سالم أبو عاصي، رداً على سؤال "على أي أساس أنا بِدِّي أحدث التراث؟ وما المعيارية اللي لازم تطبيقها لتحديث التراث، يكون ملائماً فيها؟ وما علاقة ذلك بفهمي للنص؟"، قائلاً: "هنعود للنقطة الأولى؛ إن التراث جزء منه كبير، التراث الفقهي، والتراث عموماً جزء منه تاريخي.. بعض الناس متمسكة به لأنه عنده خلط بين المقدس وغير المقدس يعني هو في نظرته بعض الناس التقليديين قوي إن التراث ده هو الدين، التراث ده أنت لما تعتدي عليه أنت بتعتدي على الدين؛ ولذلك أنت لما تيجي تهاجم أو ترد أي رأي قاله مثلاً الشافعي ولَّا قاله مالك، يبص لك ويقول لك إزاي أنت بتعتدي كده على الدين، فاحنا لازم يبقى فيه تمييز بين المقدس وغير المقدس؛ النص القرآني مقدس، لكن التفاسير مش مقدسة، التفاسير فيها وفيها.. إلى آخره، الآليات اللي هنفهم بها النص هي آليات محددة قديماً؛ لكن أيضاً في التجديد عاوز آليات جديدة، يعني لا بد أنك تفهم القرآن في إطار البيئة الاجتماعية، لا بد أنك تفهم القرآن في إطار الظروف اللي أنت عايشها. ده أمر مهم جداً في فهم النص القرآني، طبعاً أيضاً فهم السياق يحدد المراد برضه، اللغة يعني، عدة عوامل أنت تستطيع من خلالها أن تفهم النص؛ لكن مع مراعاة فهم المجتمع والبيئة المجتمعية اللي أنت فيها، وبعدين شوف الظرف التاريخي اللي نزل فيه النص القرآني، والظرف التاريخي اللي أنت عايشه الآن، وكذلك في السُّنة نفس الوضع، فدي كلها الآليات؛ لكن التراث هيقول لك الآليات، اللغة، وعشان نفهم القرآن، اللغة، زي ما السيوطي نفسه بيقول في (الإتقان) اللغة والحديث والقراءات والبلاغة والبيان والمعاني والبديع، كل ده ماشي، لكن فيه أمور جدّت الآن، لازم وأنا بادرس النص تكون عيني الأخرى على البيئة وعلى المجتمع وعلى الظروف التي أنا أعيشها، وأقارن بين الظرف التاريخي اللي نزل فيه النص، وبين الظرف التاريخي اللي أنا باعيشه ده".


وتابع عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر، رداً على "أنا في رأيي أنه إذا حكمت أنا النص القرآني ضمن ظرف تاريخي محدد، وهذا الظرف التاريخي انتهى، فالنص انتهى": "لا، أنا برضه لازم نحدد إيه المراد بالتاريخية، يعني هل التاريخية عبارة عن أن النص نزل في ظرف زماني وانتهى؟ ينطبق عليه اللي حضرتك بتقوله ده. لكن أنا لو باقول لو أدرس التاريخية على أن أنا بادرس التاريخ اللي نزل فيه النص؛ عشان وأنا باطبقه يبقى أنا في عيني هو عالج إيه؟ هو ماذا حل للمشكلات لما نزل في الظرف التاريخي دوَّت؟ لكن لو جيت قفل لو جيت أنا للتاريخية أيوة هاجي ببعض الآيات، تاريخية الجزية مثلاً الآن أصبحت أمراً تاريخياً مع تطبيق الجزء الآن، حتى يعطي الجزء، أصبحت أمرياً تاريخياً؛ لكن ما حدش بيقول إن النص تتحل المشكلة دي إزاي في وجهة نظري؟ بالمفهوم والمصداق؛ المفهوم القرآني ثابت منزل من عند الله، لا يتغير ولا يتبدل، وأنا أجدد في الأفراد".


التاريخي والمقدس في النص القرآني

وقال د.محمد سالم أبو عاصي، رداً على "محمد شحرور فك الارتباط ما بين التاريخي والمقدس في النص القرآني؛ على اعتبار أنه قال إن هذا المصحف هو من ثلاثة أشياء، أهمها الكتاب، ويأتي القرآن والفرقان والأحكام": "أنا لا أتفق مع الدكتور شحرور في الفصل بين القرآن والمصحف والكتاب والفرقان فيه، دي كلها ألفاظ تعبر عن مضمون واحد، فيه فرق في وجهة نظري بين الاسم والوصف. يعني أنا باقولش إن الكتاب هو القرآن من حيث الوصف؛ أنا باقول إن القرآن له وصف، والفرقان له وصف، يعني هذا القرآن باعتباره فارقاً أو مفروقاً فيه بين الحق والباطل، إذا اعتبرته اسم فاعل أو اسم مفعول، هو بس أنا أطلقت عليه الفرقان من باب أنه يفرق فيه بين الحق والباطل أو مفروق فيه بين الحق والباطل. لو أنا جيت للكتاب، هو القرآن؛ بس باعتبار أنه مكتوب أو محفوظ أياً ما كان، يعني أنا لا أتفق مع دكتور شحرور.

ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الكتاب ده إيه؟ ها، هيبقى إيه الكتاب؟ مختلف عن القرآن؟ اللي هو جزء من القرآن، جزء من المصحف، أنا عايز أقول حاجة؛ الكتاب غير القرآن، مادة كتب غير مادة قرأ؛ لكن ذلك الكتاب لا ريب فيه، الكتاب ده أنت حابب تقول جزء من القرآن.. يعني آيات في القرآن خلاص، أنا وجهة نظري أن القرآن والكتاب والفرقان كل دي أسماء للقرآن؛ لكن باعتبارات متعددة باعتباره مكتوب كتاب باعتباره مفروقاً فيه أو فارقاً من الحق والباطل فرقاناً باعتباره المقروء قرآناً، دي وجهة نظري. أما أنا فلست مع التوسع إنه اسمه هو الهدى، لا أنا من أسماء القرآن الكتاب، الفرقان، القرآن، التنزيل، الذكر، معنى الكتاب غير معنى القرآن غير معنى الفرقان، أنا باقول تتساوى في المصداق، مش تتساوى في المعنى، المصداق فرد خارجي. المصداق مش معنى، في الفلسفة المفهوم معنى إنما المصداق أفراد؛ أفراد خارجية. يعني عفواً أنت بتقول الإنسان كائن حي، ده مفهوم؛ لكن محمد إنسان وفلان إنسان، وعلي إنسان.. أفراد خارجية. فالأفراد الخارجية مختلفة، والمفهوم واحد؛ فهنا المفاهيم دي تعددت، يعني الكتاب له مفهوم والفرقان له مفهوم والقرآن له مفهوم، لكن المصداق واحد".


من أين نبدأ؟

وأجاب الأستاذ والباحث الإسلامي في جامعة الأزهر سابقاً، عن سؤال "هل سنترك الحبل على الغارب لمَن هب ودب، وأن يقول أنا بدِّي أجدِّد أو لا أريد التجديد، هذا يمنع، هذا يوافق، يعني من أين نبدأ؟"، قائلاً: "نبدأ إن إحنا الأول لازم نتفق على معنى تجديد الخطاب؛ لأن هذا المعنى المفهوم وماهيته وتحديده مختلف ثقافة، يعني لو رُحت للإعلاميين، لهم نظرة في تجديد الفتاة، رجال الشريعة لهم نظرة أخرى، رجال الفلسفة لهم نظرة، فلازم الأول.. لذلك ما فيش ثمرة واقعة لتجديد الخطاب، لأنه فيه تناحر؛ كل يرى من وجهة نظره، يعني ترى كتير من رجال الشريعة لا الإسلام، مش عايز تجديد الإسلام، صالح لكل زمان ومكان، هتجدد إيه؟ هتجد آخر يقول لك لا، الفكر مثلاً العلماني لا يرى أن تجديد الخطاب إن إحنا نحوله إلى تاريخي، يعني رفض التراث مطلقاً وقبول التراث مطلقاً، إن ده خطأ، وده خطأ، يعني ده عامل القبول المطلق أو الرفض المطلق، الرفض المطلق زي عناد الأطفال والقبول المطلق ده زي الأعمى، فاحنا الأول عشان نحل المشكلة والمجتمعات تحس إن فيه تطوير لازم يبقى فيه تحديد لهذا الخطاب الذي نريد أن نجدده".


المؤسسات وقدرتها على التجديد

وأضاف د.محمد سالم أبو عاصي، رداً على "هل تعتقد أن هناك دوراً للدولة بغض النظر عن شكل الدولة الآن، إن هيّ مثلاً التي تكلِّف مجموعةً ما أنه أنتم أكيد، ولأنه لا عاد دخل للدولة؟": "لا، أنا أتكلم على مستوى مصر، فيه تدخل من الدولة، بتنادي بتجديد الخطاب. يعني أنا آخر تصريح قرأته للسيد الرئيس، إن عاوزين وعي ديني، وعاوزين فقه مواطنة، وعاوزين وعاوزين وعاوزين. فالدولة بتنادي؛ لكن هي تنادي، بتنادي على المؤسسات؛ لكن هل المؤسسات بقى مش بتتكلم هنا عن مصر ولا غيرها، بتتكلِّم عموماً؛ هل المؤسسات عندها الكوادر القادرة على التجديد؟ على إدراك الرؤية؟ على إدارة مصالح المجتمع؟ يعني مثلاً هل إحنا الآن، نمسك جزئية بسيطة، هل إحنا الآن مثلاً تفسير للقرآن يمكن أن نطلق عليه بالتفسير المصلحي؟ التفسير المقاصدي اللي بيراعي مصالح المجتمع.. وكذا، واللي إحنا ما زلنا عايشين الآن على أن ابن كثير ده هو التفسير المرجع، والذي ينبغي أن نفهم القرآن من خلاله؛ فالدولة بتنادي، لكن هل إحنا مستجيبين لهذا أو لأ؟ ده شيء آخر، أنا مش بادافع؛ لكن هي الدولة معذورة الدولة بتنادي أهل الاختصاص".

 

وأجاب الأستاذ والباحث الإسلامي في جامعة الأزهر سابقاً، عن سؤال "هل من مسؤولية الدولة ولَّا من مسؤولية مؤسسات المجتمع المتخصصة أن تبدأ هي؟ الدولة فرشت لها الأرض، طب تفضلوا أنتم؟"، قائلاً: "عفواً، وحتى الدولة لو لم تفرش الأرض، هو مفترض أنك أنت من نفسك اللي تجدد، دي مهمتك، دي وظيفتك الأساسية، أنت كمؤسسة دينية أو مؤسسة قيادية بتقود المجتمع، أنت من نفسك، أنت عندك النبي، عليه الصلاة والسلام، (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة مَن يجدد لها دينها). فأنت المفترض أنك أنت اللي بتجدد وبتراعي حاجة المجتمع وحاجات الدول والعلاقات الدولية، والدنيا اختلفت الآن؛ فأنت مش الآن هتقعد تدرس في الفقه؛ دار الحرب ودار الإسلام، الكلام ده مش موجود الآن على أرض الواقع. يعني أنت المفترض الضمير المهني والأمانة العلمية إنك أنت من نفسك تجدد، هو عاوز إصلاح التعليم، تحطي آليات تجديد فهم النص، أنت بتفهم الآن النص على مؤسسات كتير بتفهم النص اللغة أو بالآليات القديمة. فأنت عاوز آليات جديدة يعني علم اللسانيات ده اللي ظهر حديثاً ازاي واحد هيفهم القرآن يكون مش مطلع على هذا العلم".


التفاسير ليست معصومة

وتابع د.محمد سالم أبو عاصي: "فيه الآن في العالم كله المفروض يبقى عندنا برضه في العلوم الدينية مادة الفكر النقدي. إزاي إن يبقى عندك قدرة الباحث، يبقى عنده قدرة على قراءة كتب التفسير وينقد. إزاي هو يقرأ الرازي؟ فيه أشياء جميلة جداً وفي أشياء قيمة جداً؛ لكن فيه أشياء عايزة نقد. ابن كثير، الطبري، المشكلة أن ده اللي بيدرس. ده الآن اللي بيدرس. يعني أنت لما تروح لقسم التفسير في الجامعات المصرية وفي الجامعات العربية، هتلاقي تفسير ابن كثير ده اللي بيدرس، فبالتالي أنت بتدرس فبتطبع في الباحثين أو التلامذة اللي موجود في الكتب. لكن أنت ما بتدرسش على أنه فكر نقدي، على أنه فيه فرق زي ما قُلنا بين المقدس، اللي هو النص القرآني، وغير المقدس. فلازم يشيع في المثقفين أو في المجتمع أن التفاسير دي مش معصومة، أن التفاسير دي مش دين، المشكلة إن الواحد بيقرأ في تفسير فيقول لك ده فلان قال. وبعدين عندنا نغمة ثانية تيار يصدرها، يعني تيار سلفي أو كذا. أنت لما تيجي تنقد يقول لك هو أنت مين؟ هو أنت أعلم من الطبري؟ هو أنت أعلم من ابن كثير؟ يعني أنا مثلاً رجل أستاذ، ففي الجامعة بقى لي أكثر من خمسة وثلاثين سنة، فآجي أتكلم في تفسير آية أو أجيب معنى جديد. وإيه المعنى ده؟ هو المعنى ده قاله الطبري، قاله القرطبي، قاله ابن كثير، قاله أبو السعود؟ كأنك أنت متعبد باللي يقوله ده، فدي برضه فكرة، على فكرة دي فكرة شائعة كمان لدى المتخصصين مش لدى الناس العادية كمان، يعني دي فكرة شائعة لدى كثير من المتخصصين".


لا تجديد للخطاب الديني دون إصلاح التعليم

واستكمل د.محمد سالم أبو عاصي: "إحنا مثلاً في مصر، إحنا في مؤسسات؛ يعني إحنا عندنا الأوقاف، وعندنا دار الإفتاء، وعندنا الأزهر الشريف، الرأس الكبير هو الأزهر الشريف. شوف أنا هاقول لحضرتك على حاجة، وأنا قُلتها، لا تأمل في أي تجديد لخطاب ديني دون إصلاح التعليم؛ لأنه العقل اللي هيجدد التعليم، يعني أنت اعمل رصد لخطب الجمعة، اللغة طبعاً، البعض مش كله. وشوف الكلام اللي بيتقال يوم الجمعة، وشوف منطقيته، وشوف عقلانيته. يعني زمان مثلاً الراجل بيروح يصلِّي في الجامع ويمشي. النهارده الشباب، مواقع التواصل الاجتماعي فيها كل شيء؛ فهو جاي إن ماكنتش تقول له كلاماً منطقياً عقلياً، وده للأسف الشديد الإسلام، كده يعني أنا باعتبر أن الإسلام في أساسياته الأولى أنه دين يقوم على العقل وعلى المنطق، فأنت لما تييجي الآن وتحكي لي قصصاً لا يقبلها منطق ولا يقبلها عقل، وتقول لي في كتاب وكتاب كذا وكذا، بتدفع الناس للزاوية أو للخروج منها".


القرآن الكريم نادى بالتجديد

وقال عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر، رداً على "عند الملل الأخرى أو التجمعات الأخرى من التجمعات الدينية؛ عند اليهود والمسيحيين مثلاً، ما فيه أزمة تجديد خطاب ديني، فلماذا عند المسلمين هذه الأزمة موجودة ومتفاعلة ودائماً متحركة؛ عندهم هذه الشهوة للتجديد؟ هل له علاقة بالفطرة اللي موجودة عندنا؛ غير متساوقة مع ما جاء وما بعد ما جاء من تراث؟ هل الفقه التراثي ثقيل على النفس البشرية بهذا الشكل، وبالتالي النفس أبت أن تتقبله؛ خصوصاً أن أي قارئ للقرآن بشكل منطقي سيجد أنه فعلاً هذا الفقه التراثي ثقيل، لأن القرآن بعيد؟": "إذا نظرنا إلى الثقل والتخفيف؛ الثقل موجود أيضاً عند اليهود. لكن أنا من وجهة نظري لازم نحدد قاعدة ننطلق منها؛ إحنا مقتنعين إن الإسلام دين عالمي ولَّا دين إقليمي؟ باعتبار النصوص إنه دين عالمي، باعتبار النصوص أن هو خاتم الأديان، فبالتالي أنت مطالب تخاطب العالم كله، فهل هتخاطب العالم كله باللغة التي كانت أيام ما نزل القرآن؟ هتخاطبه باللغة بتاعة التراث؟ هتخاطبه بالمنهج الذي قيل من أكثر من 15 قرناً؟ ولا أنت عايز تخاطب العالم كله بلغة جديدة، وبمفاهيم جديدة صالحة للإنسان في ذلك في هذا الزمن، باعتبار أنك أنت الإسلام دين عالمي، بما أنه دين عالمي يبقى أنت مطالب بالتجديد، غير قد لا يكون ديانته ديانة عالمية هو مكتفٍ بما عنده وقافل على نفسه ومش عاوز؛ لكن أنت اللي طالع للعالم أنت اللي عاوز تدعو العالم كله فلازم عندك الآليات التي تخاطب بها العالم كله، فأنت مطالب بالتجديد وزي ما قُلنا مش عايزين نعيد مراراً، القرآن الكريم نفسه نادى بالتجديد، يعني ينزل القرآن في المدينة، غير القرآن في مكة، دي مراعاة لظروف المجتمع؛ يعني هنا باركز على العقيدة والبعث، وكذا.. والشرك، وفي المدينة ركز على معاملات وعلاقات دولية وعلاقات مع الآخرين وعلاقات مع اليهود وعلاقات مع المشركين، أصبحت هناك يعني بالمفهوم المعاصر حتى دولة، فهنا القرآن راعى الظرف التاريخي في مكة، غير الظرف التاريخي في المدينة، فأنت أيضاً لازم تراعي الظرف التاريخي في ما بعد، ولازم تنادي العالم كله أن الإسلام دين عالمي، يبقى أنت عندك الأدوات الجديدة وعندك البدائل التي تقنع بها العالم".


وأضاف د.. محمد سالم أبو عاصي، رداً على "ولهذا السبب فيه كثير في الثقافة الإسلامية، أنه ينسب الإسلام لأشياء كثيرة، وحتى أي قارئ للقرآن بيقرأ القرآن بعيون شو قال فلان عن القرآن بس، ولا يستخدم القرآن كمرجع للمحاججة؛ إنما يحاجج عن القرآن من خلال ما قرأ الناس عنه ويسمى الإسلام، طيب كيف يعني؟ كيف يمكن تبرير ذلك، إنه أنا أقرأ الإسلام دون ما أروح للأصل؟": "طبعاً لها عدة اتجاهات؛ يعني أولاً ضعف الثقافة، ماحدش عنده اللسانيات والأدوات يفتح المصحف ويقرأ؛ فبالتالي هو يروح لغيره عشان يلقنه المعنى. فضعف الثقافة، ده من جهة. من جهة أخرى فيه طائفة عندنا رسخت في عقول الناس أننا لا يمكن أن نصل إلى ما وصل إليه هؤلاء، أنت مهما تخصصت وبحثت، أنت مش هتبقى في يوم من الأيام القرطبي، ولا أنت فلان، ولا أنت فلان، ولا أنت فلان، فأنت مين أنت؟ فبالتالي أصبحت الأشخاص دي في صور مقدسة يتحط فهمك بجوار فهمه! لا أنت مين؟ فدي خلت أيضاً إن أنت بتقرأ النص بهذه العيون، ففقدان الأدوات المعرفية، أدوات البحث عند كثير من الناس، خليته عالة على الآخرين، التقديس والرهبة خلتك إنك أنت أسير لما قاله السابقون، تعطيل العقل وتعطيل الفكر، الدين مش بالعقل، لغاية دلوقتي بتسمع هذا الكلام. يقول لك لو كان الدين بالعقل كان المسح على الخفين من أسفل لا من أعلى. إذا كان القرآن يذكر مادة العقل دي أكتر من 300 مرة. والقرآن يقولون ماذا في السماوات والأرض، والقرآن يذكر أولي الألباب، العقيدة في القرآن. قامت أول ما قامت على أنها تحرك المنطق العقلي. وعلمتك أنك أنت لما ترد على واحد مخالف لك أيضاً ترد بالمنطق العقلي، أفلا تتفكرون، أفلا تعقلون، يعني كل ده حث على إعمال الفكر والعقل، المسلمون تركوا هذا كله".

إشكالية تقديس التراث والماضي

وأجاب د.محمد سالم أبو عاصي، عن سؤال "لماذا صار تقديس للتراث؟ لماذا الإبقاء؟ لماذا سمحت المجتمعات لهذا النوع من الناس أو من المؤسسات أن تظل تقدس الماضي؟"، قائلاً: "ما عندوش قدرة؛ ما هو أنا رجعت تاني، هو ما عندوش قدرة أن يبدع؛ ليست لديه الأدوات المعرفية اللي هو يستطيع أن يخلي دول على جنب.. هاقول لحضرتك مثلاً، مثالاً بسيطاً؛ وأنا طالب في أولى كلية، كان عندنا أستاذ، الله يرحمه، كان من النوعية المفكرة المبدعة، فكان لما يكتب لنا يكتب من دماغه ويحاول يحط أفكاره، كان الكل يعيب عليه يقول لك فلان ده ما بيرجعش لكتب التراث، فلان ده لا ينقل من كتب التراث، ده ما جابش القرطبي ولا جاب فلان، واعتبرها سبَّةً. الآن أنت لو جيت تقدم بحث، أي بحث، فين مصادرك؟ ما رجعتش لكتب التفسير ليه؟ ما رجعتش لكتب الحديث ليه؟ ما رجعتش لكتب الفقه ليه؟ طب ما أنا ممكن يكون عندي فكرة مش موجودة. لا؛ على طول فيه صد، فهو كله راجع لمشكلة التعليم ومشكلة البحث العلمي. أنت عاوز الآن يعني مثلاً في الدراسات العليا، ماجستير، دكتوراه. إيه اللي بيحصل؟ الطالب بيخش دراسات عليا فبيدرس مواد تانية زي الكلية ثلاثة أو أربعة كتب بيحفظها، وبعدين يروح يجيب موضوع، يجيب موضوع قديم، يروح يدور له على محطوطة في دار الكتب، في تفسير مش عارف من كم، يا ابني ما التفاسير الموجودة خلاص، يعني اللي أنت هتحققه ده في التفسير ما هو مفيش فيه زيادة على الموجود، ويمكن أقل، وبقى دكتور.. وكذا؛ لكن أنت عشان تعمل النهارده مثلاً دكتوراه، أن ييجي لك باحث تقول له هات لي فكرة جديدة تفيد المجتمع في تفسير القرآن، تكاد تكون معدومة، تحتاج إلى قرارات مجتمعية، وتحتاج إلى قرارات سياسية، وتحتاج إلى قرارات ثقافية، وتحتاج إلى قرارات من الأمانة العلمية. حاجات كتير جداً أنا بنادي بها منذ زمن؛ لكن يعني بعض البرامج أنا قُلت إن إحنا في حاجة إلى تفسير جديد. لكن أنا كشخص ممكن ما أقدرش أقوم به، ده عايز مؤسسة. فأنت برضه مش عايزين نتطرق للسُّنة دلوقتي، السُّنة أيضاً تشوف الأحاديث التي تتفق مع القرآن. هناك كم من الأحاديث في ظاهرها معارض للقرآن، يخلي الناس تحصل فيه شيء من الاضطراب النفسي. إزاي النبي يقول كده وإزاي القرآن يقول كده وأنتم بتقولوا إن كليهما وحي؟ طيب وفيه مادة أيضاً بتدرس في السُّنة الآن، مشكل الحديث، يعني إيه مشكل الحديث؟ يعني أن الأحاديث متعارضة، طيب هل المنطق يقول إن النبي، عليه الصلاة والسلام، الذي يوحى إليه هيقول أحاديث متعارضة؟ ولا ده كان من تصرف الرواة أو حديث يعارض القرآن؟ فتبص تلاقي فيه طيب إيه المشكلة لما أنا الآن أعمل مشروع وابتدي أقول أنا أنقي أو أجنب الأحاديث اللي تعارض مع القرآن في الظاهر، مش قادر أوفقها مع القرآن، أجنبها بعيداً، وأخليها بعيد خالص. فضلاً طبعاً أنا أجنب الأحاديث المكذوبة والإسرائيليات، وكذا.. إلى آخره، يبقى أنا حليت مشكلة كبيرة".


كيفية التجديد وتجنب المجتمعات الاضطرابات

وأضاف عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر: "إيه المشكلة لما أنا أبدأ مشروعاً؛ إن أنا أجيب السُّنة التي تتفق مع القرآن، ما فيش فيها كلام يخالف القرآن. وأقول يا جماعة آدي القرآن المصدر الأول، وآدي السُّنة المصدر الثاني. والباقي ده كله بقى المتعارض، ده يبتدي الباحثون يشتغلون فيه ويبقى على جنب؛ فنجنب المجتمعات الاضطرابات الكثيرة جداً؛ لأنه أصبح الاضطراب الآن يبقى فيه الاعتراض على السُّنة. يعني أنا ما باشغلش بالي إنه فلان أنكر حديثَ البخاري ولا ما أنكرش؛ الجزئيات دي أنا لا أنشغل بها. أنا أنشغل بالعمل الكلي، العمل الفكري، فإحنا الآن عاوزين مثلاً مشروع تفسير القرآن المصلحي، إن هوَّه أنا بافسر القرآن، أراعي العلاقات الدولية، الآن غير زمان، وضع المرأة غير زمان، القضايا كثيرة جداً، والسُّنة كذلك".


أكثر من 10 سنوات على المناداة بتجديد الخطاب الديني!

وقال د.محمد سالم أبو عاصي، رداً على "أنا أتفق معك أنه يجب أن تكون هناك قراءة مختلفة للنص؛ لكن القراءة المختلفة لازم تكون معتمدة على آلية محددة": "ما رأيك، لأنه إذا كان مَن يتصدر للتفسير لا يفقه اللسان العربي المبين؛ فلذلك تجد تفاسير الآن تسمعها غريبة جداً وعجيبة، وبرضه ما يتقبلهاش المنطق.. والمخرج؟ أنا باقول الأساس التعليم، المخرج مش عمل فردي؛ المخرج لا بد من عمل مؤسسي، عمل كبير. فالعمل الكبير ده يعد الكوادر اللي هي عندها الإبداع وعندها القدرة على تغيير هذا الواقع، فده مش في إيدي أو في إيد حضرتك؛ إنما ده في إيد المؤسسات، وإلا المناداة بتجديد الخطاب الديني دي بقى لها سنوات، اقتربت من عشر سنين أو أكثر؛ هي بدأت في 2000م. ومع ذلك برضه عشان نكون منصفين، لا فيه أجيال؛ يعني محمد عبده، ورشيد رضا، وشلتوت، والشيخ المراغي.. كل دول يعني عملوا جهوداً، شلتوت ده يعني في رأيي إنه ما لوش نظير وسابق عصره، وعمل تجديداً كبيراً جداً في الفقه والشريعة وتفسير القرآن الكريم".


تأثير الوهابية

وأجاب الأستاذ والباحث الإسلامي في جامعة الأزهر سابقاً، عن سؤال "هل هناك تأثير للوهابية في ما بعد؟"، قائلاً: "طبعاً؛ الإسلام السياسي ده يعني أنا بالنسبة إليَّ كتاب في الإسلام السياسي، الإسلام السياسي ده أحدث أمرَين في غاية الخطورة؛ الأمر الأول أنه فهم الناس في الأعم الأغلب أن الدين مطية للوصول إلى أغراض أخرى، وبدؤوا يفهمون مفهوم الدولة بفكر جماعة، يعني نزلوا في الناس إنه اللي همَّ يقولونه إن اللي همَّ يعملوه هو ده اللي ينبغي أن يسود. وبدؤوا يفهمون الناس الدين في عمومه وشموله ويسره وتخفيفه.. وكذا كذا إلى آخره؛ اللي فاهمه هو أو اللي فاهمه المرشد أو اللي فاهمه الجماعة. والأمر الثاني إنه بدأت يبقى فيه ضغط على المبدعين والمفكرين، إنك أنت ما تتحركش خارج الإطار اللي هو محدده؛ اللي محدداه الجماعة أو محدده الفكر، وإلا مثلاً يعني أنا أستغرب القرآن يقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لتعارفوا). طيب أنا الآن لما آجي أعرف العالم الغربي بالإسلام، وييجي يقول لي (داعش)، طب ماذا أقول؟ طيب كثير من الكتاب المثقفين يطرحون سؤالاً مهماً جداً؛ طرحه نصر أبو زيد، وطرحه عابد الجبري، أي إسلام تريد؟ أنا جيت من ألمانيا، من أمريكا، من أية دولة، عايز أدخل الإسلام، إسلام إيه بقى؟ إسلام الشيعة؟ إسلام الوهابية؟ إسلام الأزهر الوسطي؟ أي إسلام تريد؟ الآية، الصورة الآن لو أنت جبت واحد أجنبي مايعرفش حاجة عن الإسلام، قال لك إيه هو الإسلام؟ لو وقع حظه معي هدِّيله صورة، لو وقع حظه مع واحد وهابي متشدد، هيدِّي له صورة تانية، وقع مع واحد شيعي هيدِّي له صورة تالتة، وقع مع واحد من (داعش) هيدِّي له صورة رابعة، فأي إسلام تريد؟ دي أول نقطة كمان يعني ذكرتني في تجديد الخطاب، الخطاب الإسلامي، أنت هتجدد له، أي إسلام هتريد؟".


فهم النص القرآني وغياب الآليات

وتابع د.محمد سالم أبو عاصي، رداً على "أنا يبدو لي أنه لغياب الآليات المحددة لفهم النص القرآني بعيداً عن تأثير الفقه التراثي، بعيداً عن قال فلان.. وإلى آخره، هذه هي التي تضمن للناس تقديم صورة واضحة للنص متجددة، يعني لا يمكن تقدم صورة محددة؛ لأنه في الوقت اللي أنت بتمتلك الآلية، والنص نفسه ولَّاد للمعاني": "هنعود للي إحنا قُلناه؛ عشان أنت بقى بتجيب الآليات الجديدة دي عايز مناهج تعليم جديدة. وأن تترك النص القرآني ينطق هو ولا تستنطق أنت النص؛ يعني المشكلة أن كل فكر أو كل جماعة بتستنطق النص بالمعتقد اللي عنده، هو عنده فكرة معينة، يروح للقرآن، وعايز القرآن ينطق بما في مفهومه هو، أنا دائماً أقول للطلبة اترك النص القرآني ينطق هو، خليه هو يعبر عن ذاته؛ لأنه هو نزل بلغة عربية مبينة، فهو اللي يقول لك هو عاوز إيه، مش أنت اللي عاوز النص يقول لك اللي أنت عاوز إيه، يعني بعض الناس عنده الفكرة في دماغه فيلوي النص بأية طريقة كانت عشان النص يقول له، يعبّر عن الفكرة اللي في دماغه هو؛ لكن هو الواقع إن أنت تترك النص ينطق هو ولا تستنطقه أنت".


التفسير قبل محمد عبده كان تفسير نخبة لنخبة

واستكمل عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر: "لازم نتفق على أنه أيضاً الجدال والحوار أمر صحي، ولا بد يأتي اليوم، وإلا سيتجاوزنا الزمن والتاريخ، يعني فيه أمور مثلاً كانت في مصر من 50 سنة، في العالم كله العربي تقريباً، محرمة عند الناس، وعاملة ضيق على الناس؛ مثلاً زي فوائد البنوك، الآن تجاوزها الناس وتخطوها، وإنه الأغاني حرام وكذا حرام.. الناس تجاوزت هذا، هو سيأتي يوم ويحدث تغيير؛ لأنه الضغط المجتمعي هيبقى أقوى من المؤسسات، وهيبقى أقوى من الناس، وإلا الناس هتسيبك وتمشي مش هتلتفت إليك، إنما الآن أنا يعني باشتغل بطريقة اللي هي المحاضرات وبطريقة عرض الأئمة المستنيرين؛ يعني الواحد بييجي يقول لي أقرأ إيه في الإسلام؟ أقول له اقرأ تفسير محمد عبده؛ لأن محمد عبده راعَى العابد ما راعاش العالم، يعني التفسير قبل محمد عبده كان كله تفسير نخبة لنخبة، ما كانش حد يفهم التفسير إلا جماعة متخصصين. محمد عبده هو الذي جاء ونقل التفسير من دماغ عالم إلى دماغ المثقفين. جه بعده فريد وجدي، وجه بعده تلميذه رشيد رضا.. يعني بدأت حركة النهضة وجِه بقى تلامذة المدرسة؛ المراغي وشلتوت والبهي.. وكذا إلى آخره. فنحن الآن نعرض هذه النماذج".


الوصول إلى تجديد الخطاب وتحديد الآليات المعاصرة

واختتم د.محمد سالم أبو عاصي، رداً على "هذه النماذج فردية لم تكن تطبيق آلية محددة، وبالتالي صار في اختلافات فيها؟": "لا، هو أيضاً أصبح فيه وعي مجتمعي، يعني برضه الأمور مش زي زمان؛ يعني دلوقتي فيه نخبة مثقفة وفيه ناس بتحرك المجتمع، وبتبتدي تعترض، ده بيحرك الطرف الآخر، إنه لازم يتجاوب سريعاً في تجديد الخطاب، ولذلك أنت الآن بتلاقي إن فيه تيار مثلاً علماني أو حداثي، بيضغط بشكل ما، بيبقى فيه ردة فعل في رفض أمور كثيرة؛ لكن أن نصل، كما تريد، إلى تحديد الآليات المعاصرة، فدي التي نحتاج إليها سريعاً".