• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

الحداثة والعرب | د. خالد زيادة

للإستماع





تحدَّثَ الدكتور خالد زيادة، الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق، خلال لقائه د.باسم الجمل عبر برنامج "مجتمع"، عن نشاطه الأكاديمي والبحثي واشتغاله على موضوعات كثيرة؛ مثل المدينة العربية وتشكُّلها ومفهوم الحداثة، وحتى العلاقة ما بين العرب وأوروبيين، وأوروبا بشكل عام، وعن مفهوم الحداثة الذي لم يأخذ معناه الحقيقي، وما المقصود بالحداثة؛ هل هي حداثة أفكار، حداثة بنيان، عمران، تحضر مدني؟


المقصود بالحداثة.. موضوع شائك ومعقد

قال الدكتور خالد زيادة، الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق: "في الواقع موضوع الحداثة هو موضوع شائك ومعقد، وحدث تم تناوله من وجهات نظر مختلفة. نحن في العالم العربي في الستينيات صار فيه كلام كثير عن الحداثة الشعرية؛ يعني خصوصاً مع مجموعة من الشعراء الحداثيين أو افترضوا أنهم حدثيون. لكن مفهوم الحداثة هو أوسع من الأدب والشعر. هو موضوع يتناول كل مناحي الحداثة. أو بالأحرى القول إن الحداثة هي التغيير الذي طرأ على العالم مع التطور الذي حدث في أوروبا.

هناك وجهات نظر متعددة في هذا الموضوع؛ كل الكلام الآن هو عن الحداثة الأوروبية التي اجتاحت العالم، من الناحية العمرانية والفكرية والعلمية، وفي كل مناحي الحياة.. يعني بنشوف إنه فيه بصمات أوروبا في كل هذه التطورات التي حدثت.. لكن الحداثة لم تجر فجأةً؛ يعني هي ليست انعطافة، وإنما هي عبارة عن تراكم حدث في أوروبا خلال قرون عديدة. يعني إذا كنا نريد أن نعود إلى البدايات، بعض مؤرخي القرون الوسطى في أوروبا يعودون إلى القرن الثاني عشر، مع بناء الكاتدرائيات، مع اكتشاف أنماط جديدة في الزراعة، مع تقنيات معينة؛ على سبيل المثال اكتشاف الساعة، يعني يتكلمون عن هذا الموضوع يقولون إن يعني مجرد اكتشاف الساعة، الساعة التي نستخدمها الآن، تغير التوقيت، يعني أصبح الناس تجري على توقيت مختلف عن التوقيت المتعلق في غروب الشمس أو شروق الشمس.. إلى آخره".


النهضة الأوروبية والثورة الكوبرنيكية

وأضاف الدكتور خالد زيادة: "لكن الحداثة هي تطور أخذ هذا المنحى طويل المدى؛ وليس فقط في مجال العمران أو التقنيات، ولكن في مجال الأفكار والعلوم. يعني نحن كلنا نتكلم حين نقرأ عن تاريخ النهضة الأوروبية، يتكلمون عن الثورة الكوبرنيكية؛ يعني علاقة الأرض في الكون وفي الأفلاك.. إلى آخره. وجهة النظر التي تتعلق بالرؤية الحداثية تعود إلى -إذا جاز التعبير- بداية القرن السابع عشر، مع نشوء الفلسفة الحديثة؛ حين تغيرت ليس فقط أنماط العمران أو أنماط الفنون التي نعرفها؛ فنون الوسطى ثم فنون النهضة. ولكن تغيَّرت كل العلاقة، المجتمع بالمعتقدات التي كانت من قبل؛ يعني العلاقة مع الكنيسة في أوروبا. على سبيل المثال العلاقة مع رؤية العالم. ولهذا السبب يعني يعتبر إنه ديكارت الفيلسوف اللي عاش في النصف الأول من القرن السابع عشر، توفي ١٦٥٠، يعتبر أبو الفلسفة الحديثة.. وبعده جاء فلاسفة غيروا النظرة إلى السلطة، إلى الدين، إلى المجتمع؛ أمثال الإنجليزي جون لوك، وكتابه الشهير هو (مقالتان في المجتمع المدني)؛ يعني هذا اللي يقدم نظرة جديدة إلى موضوع السلطة".


مسارات مختلفة للحداثة.. تجربة محمد علي باشا في مصر

وتابع الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق: "يعني أن السلطة المطلقة انتهت، الآن أصبحت السلطة ملك له شروط دستورية، وتحدث عن فصل السلطات اللي هو نحن نعيش عليه. يعني مبدئياً نعيش على مبدأ فصل السلطات القضائية.. وإلى آخره. إذن هذه الحداثة انتشرت في العالم مع توسع أوروبا.. توسع أوروبا من ناحية، واكتشاف العوالم غير الأوروبية؛ إنها أصبحت مقصرة وتحتاج إلى أجزاء يعني على سبيل المثال، يعني حين نعود إلى تاريخ الدولة العثمانية، نشوف إنه السلاطين اللي بدؤوا في تحديث، يعني نستخدم هنا كلمة تحديث وليس حداثة. هم الذين بدؤوا يفكرون بتطوير العسكرية؛ يعني الجيش، لأنه الهزائم العسكرية أملت عليهم إنه يفكروا كيف يتم تحديث العسكري على النمط الأوروبي؟ وهذا حدث ببطء منذ بداية القرن الثامن عشر مع السلطان أحمد الثالث في إسطنبول، نحن نعرف محمد علي باشا في مصر، اللي بدأ في تحديث العسكرية وتحديث الإدارة وتحديث المؤسسات إلى آخره. إذن علاقتنا في الحداثة هي أيضاً أخذت مسارات مختلفة؛ يعني بدأت في العسكرية، وانتقلت إلى الإدارة، ثم الاحتياج إلى تعليم حديث، ثم تغيير في السلطة. كل هذا حدث، ثم نظرة إلى العالم وإلى الأدب. كل هذا حدث في فترة نهاية القرن التاسع عشر، كان فيه اتساع في الأخذ بهذه الحداثة..".


الحداثة في مصر مقارنةً بالبلدان العربية

واستكمل د.خالد زيادة: "إذا أخذنا مثلاً في مصر اللي هي بلد كان متقدماً في هذا المجال، بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى، نشوف إنه الخديو إسماعيل، على سبيل المثال، أراد أن تكون مصر أو القاهرة على الأقل جزءاً من أوروبا.. يعني أراد أن يبني، كما يقول، باريس على ضفاف النيل. وهذا معناه أن هناك اجتياحاً للحداثة الأوروبية وإعجاباً وانبهاراً بهذه.. إذن نريد أن نتابع الكلام في هذا المجال.

ممكن أن نتحدث عن المفكرين الذين أخذوا عن أوروبا؛ أمثال الطهطاوي على سبيل المثال في مصر، أمثال بطرس البستاني في لبنان، اللي فكروا بمفاهيم جديدة. وبنقل المفاهيم، يعني بطرس البستاني على سبيل المثال، أنشأ دائرة المعارف، اللي هيّ موسوعة. طب ما الذي أراده من وراء هذه الموسوعة؟ أراد أن ينقل المفاهيم الحديثة؛ خصوصاً مفهوم الوطن، لأنه فكرة الوطن، ما كان عندنا فكرة الوطن ".


هل الحداثة قرار مجتمعي؟

وأجاب الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق، عن سؤال "هل الحداثة قرار مجتمعي؟"، قائلاً: "سؤال جميل وفي مكانه الحقيقة؛ لأنه فيه فارق بين أوروبا، كيف تطورت هذه الحداثة؟ إذا جاز التعبير، اللي هي حداثة في المجتمع، في المزارعين.. أسهموا في تحديث أدوات الزراعة. والبنائون أسهموا.. إلى آخره. والمفكرون قاموا بإنجازات كبيرة في هذا المجال للعلماء. لكن في العوالم غير الأوروبية بنشوف إنه على الأغلب هي قرارات من السلطة، وكما ذكرت قبل قليل أن سلاطين شعروا بأنهم محتاجون إلى قوة عسكرية لمجابهة الأخطار التي تأتي من الخارج. وبالتالي القرارات كانت يعني من جانب السلطة. وحين نتحدث عن مصر على سبيل المثال، يتبادر إليَّ محمد علي باشا؛ لأنه هو الذي أخذ القرارات، هذا فارق أساسي؛ لكن هناك يعني هذا الكلام لا يختصر الصورة بمجملها، لأنه كمان هؤلاء الحكام إن كان سلطاناً ولّا باشا ولّا والياً.. إلى آخره، كان يقوم بهذه كما قُلت من أجل يعني اكتساب القوة؛ القوة العسكرية بالدرجة الأولى. القوة العسكرية تستدعي تعليماً جديداً؛ يعني مؤسسات جديدة، علم عسكري، رياضيات، هندسة؛ يعني تحتاج إلى هذه الأمور. ثم يحتاج إلى بيروقراطية حديثة، يعني الإدارة القديمة لن تعود قادرةً على استيعاب هذه التطورات، فتنشأ إدارة جديدة، بيروقراطية جديدة، ثم لا تأجيل جديداً من المتعلمين الذين اكتسبوا الأفكار الأخرى".


القرن الـ19 وإمكانية استيعاب الحداثة الأوروبية

وأضاف د.خالد زيادة: "في وقت من الأوقات؛ خصوصاً في نهاية القرن التاسع عشر، يعني ساد اعتقاد بأنه بإمكاننا أن نستوعب هذه الحداثة الأوروبية خلال سنوات أو خلال عقود قليلة. كان هذا التفكير، وكانت الفروق، إذا رجعنا في الزمن إلى تلك المرحلة، تبدو أنها ضئيلة. يعني ربما أصبحت العسكرية على سبيل المثال في مصر من مستوى العسكرية في فرنسا، يعني المدفع والبندقية.. وإلى آخره. وقِس على ذلك يعني ممكن اكتساب الصناعة وبناء مصانع تنتج سلعاً مختلفة؛ فكان فيه اعتقاد بأنه يعني نستطيع أن نحصل هذه الأمور، ونستطيع أن نحصلها؛ يعني لو عُدنا إلى مفكرين تلك المرحلة، كانوا يعتقدون أنه بالتربية من خلال التعليم ممكن اكتساب كل القيم والمفاهيم والعلوم الحديثة، هذا بقي مستمراً حتى يعني ثلاثينيات أو أربعينيات القرن العشرين عند مفكرين؛ مثل طه حسين، يعني إنه بنعمل تعليم جيد.. بنكتسب العلوم الحديثة، وهذه النخبة تقود مجتمعاً، يعني نتقدم ونسير، عندنا رقي يعني يعادل الرقي اللي في أوروبا.

تبيَّن طبعاً أنه كلام مش صحيح؛ لأنه التطور اللي حدث في أوروبا لم يأتِ في ذاته، وإنما احتاج إلى قرون، ثم هو يعبر عن أمور حدثت في المجتمع وليس فقط قرارات من فوق.. وحدث أيضاً صراع؛ يعني هذا ما لم يأتِ يعني بقناعات تلقائية. وإنما نعرف الصراع مع الكنيسة مع السلطة، الحروب الدينية، الحروب بين دول.. كل هذا يدل على أن ما حدث في أوروبا دون أن يكون كلامنا مدحاً يعني؛ ولكن هذا الواقع التاريخي يدل على أن هذه التطورات أخذت مداها البعيد".


المجتمعات العربية واستجلاب أساليب الآخرين في التحديث

وقال الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق، رداً على "العرب بشكل عام، المجتمعات العربية، المجتمعات الوحيدة في العالم التي حاولت أن تستجلب أساليب الآخرين في التحديث وإسقاطها على ثقافتها دون محاولة الدخول في الشروط الأولية، التي واجب توفرها لإنتاج الحداثة الطبيعية": "نعم، يعني هذا يدخلنا في مجال مهم؛ ولكن حتى تنتج الشروط لازم يكون فيه فرص متكافئة لشرائح واسعة من السكان. وحتى تكون هذه الفرص المتكافئة حاصلة لازم فعلاً إنه ينتقل السكان من أساليب بدائية، كما في أريافنا حتى الآن، الأرياف العربية، ربما يعني تستخدم أدوات كانت تستخدم من 2000، يعني لم تتغير أو تغيرت بشكل بسيط، وبالتالي يعني إيجاد هذه الشروط ليس أمراً سهلاً. وهذا لا ينطبق فقط على العرب؛ ولكن فيه شعوب يعني الآن بنشوف إن الصينيين على سبيل المثال بتطبيقات معينة، بأساليب حكم معينة، استطاعوا استيعاب الحداثة الصناعية على الأقل، وبالتالي صاروا منافسين في هذا المجال، لم ينتجوا علوماً جديدة، يعني ما عندنا معلومات بتقول إن اليابانيين أنتجوا علوماً غير التي أنتجها الأوروبيون في القرون الماضية، ولا الصينيون فعلوا ولا الهنود.. ولكن على الأقل هم استطاعوا أن يوظفوا العلوم التي اكتسبوها في الجامعات والمدارس، وبنظام سياسي، أيضاً يحتاج إلى نظام سياسي ونظام اجتماعي يتيح فرصاً لأكبر عدد من السكان أن يشاركوا في عملية النهضة، وهذا ما دائماً عَم نشوف أنه متوفر في البلاد العربية. يعني إذا قارنا أحوالنا مع التطور الذي حدث في بلد مثل ماليزيا، ولَّا في كوريا؛ نشوف أن سوريا على سبيل المثال كانت متقدمةً على كوريا في الستينيات، يعني متقدمةً في مدخول الفرد، في نسب الدخل القومي في الصناعة؛ لكن ممكن نقول إن إدارة المجتمعات ما كانت متكافئة، وما كانت متعادلة، وبالتالي الذي حققه الكوريون، يعني ما حققوه، كثير من العربية".


الصين وأوروبا مثالاً.. شروط توليد الحداثة 

وأجاب د.خالد زيادة عن سؤال "ما الظروف التي توفرت في الصين مثلاً وفي أوروبا وفي مناطق أخرى لتوليد الحداثة؟"، قائلاً: "رأيي أنه لازم تتوافر هذه الشروط حتى نبدأ، ومن دونها لا يمكن.. يعني دون هذه الشروط؛ تعليم جيد.. أن نصرف مقادير جيدة على الإنتاج العلمي.. وهذا غير متوفر في البلاد العربية، البلاد العربية تتعرض منذ فترة وحتى الآن إلى ضغوط سياسية؛ التي بعض المجتمعات لا تتعرض لها. يعني الهند لا تتعرض للضغوط التي تتعرض لها البلاد العربية. وهذا موضوع آخر ممكن يعني التطرق إليه في مجال آخر. إذن نحن عندنا مشكلات من نوع مختلف؛ لكن الأمور التي تفضلت بها هي شروط لازمة وضرورية، لا يمكن البدء بنهوض من غير تكافؤ الفرص، تحقيق مستويات جيدة في الإنتاج العلمي، نوع من الديمقراطية، يعني تكافؤ فرص بين الناس للعمل والتعبير.. كل هذه الأمور ضرورية لكي نفكر بالنهوض، وإذا عملنا مقارنةً ربما ليس الآن مجالها، ليست لدينا المعلومات الكافية للمقارنة بين مصر وكوريا، بين سوريا وماليزيا؛ ولكن لازم أفترض أنه حيطلع معنا أنه توفرت شروط معينة لهذا النهوض اللي تم عقود قليلة. لا أقول إن الكوريين يعني حققوا نظريات جديدة في العلم، ولا نظريات جديدة في الفكر؛ ولكن على الأقل استوعبوا حسب تراثهم وحسب تقاليدهم، استوعبوا هذه العلوم، واستطاعوا أن يكونوا منافسين في المجالات الصناعية. علماً بأن الحداثة ليست الصناعة فقط، واليوم نحن في عصر الصناعة يعني عصر الإنتاج الصناعي وعصر التنافس بين الدول على الإنتاج وعلى جودة السلع، على حقوق الإنسان؛ يعني هذه كمان جزء من الشروط الضرورية، تحرير المرأة يعني هذا جزء من أنه استفادة من طاقات المرأة في العمل.. كل هذه الأمور ليس بالضرورة أنها متوفرة في عدد كبير من البلدان العربية، إذا كنا نتكلم عن العرب ونحن نتكلم باللغة العربية الآن".


التحديث وسيادة العلاقات الزبائنية على العلاقات المؤسساتية

وأضاف د.خالد زيادة: "الذين كتبوا في الحديث أو اللي يعتبرون أنفسهم تحديثيين تكلموا على مستوى فكري دون أن يكون لهذا الكلام أي انطباع في الواقع، يعني هذا منا. والأمر الآخر أنه حتى لو كان الفرد المفكر أو المثقف أو الكاتب اللي يكتب في هذه عنده استيعاب. ولكن تأثيره الاجتماعي ليس كبيراً. يعني لا السلطات تستمع إليه أو تأخذ برأيه، ولا المجتمع يصغي إليه، وهو ليس مرشداً ولا يعني له صفة، بقدر أقول في هذا المجال إنه فيه تراجع، هو يعني إذا أردت أن أشرح فكرتي بنقول إنه حتى الخمسينيات كان ممكن نشوف فيه جامعات، مؤسسات، تتوفر فيها الشروط الحديثة فعلياً؛ خصوصاً مستوى الجامعات.. أساتذة، عندنا كفاءة، فيه نظام تعليم جيد، فيه مخرجات للتعليم واضحة لها يعني تأثير اجتماعي؛ ولكن من الخمسينيات والستينيات عَم نشوف تراجع في التعليم، عَم نشوف إنه اللي عَم بيحصل هو سيادة العلاقات الزبائنية على العلاقات المؤسساتية، وهذا له تفسير خليني روح شوي إلى مجال اسمه الإنثروبولوجيا... الإنثروبولوجيا السياسية بتقول إنه الحداثة بتنطفئ، وتنطفئ تقاليد، يعني الحداثة بيكون لها وهج أو بيكون لها قوة تأثير. وهذا بنشوفه مثلاً في المدن العربية في مطلع القرن. نشوف إنه فيه أجزاء من المدينة كانت تقريباً أوروبيين، حتى يتكلموا في ما بينهم بالإنجليزية أو الفرنسية، والمدارس تخرج طلاباً يعني لهم مستوى علمي؛ إن كان في مجال العلوم أو الآداب، مستوى رفيع. لكن الآن الجامعات تخرج أصحاب إجازات لا يعرفون الكتابة باللغة العربية، ويعني عندهم حصيلة بسيطة جداً، لماذا يعني إذا تساءلنا عن ذلك؟ بنشوف إنه كل العلاقات التقليدية والبدائية دخلت إلى المؤسسات اللي مفروض أنها حديثة، وأن تكون تحمي نفسها بشروط لتجابه كل الفساد من ناحية الزبائنية من ناحية أخرى، أن تجابه التجهيل.. إلى آخره..".


تراجع في الإنتاج العلمي ومخرجات التعليم والتصنيع 

وتابع الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق: "هذا عَم نلاحظ أنه فيه تراجع؛ إن كان في الإنتاج العلمي، وإن كان في مخرجات التعليم، وإن كان حتى في مجالات أخرى.. بنشوف فيه تراجع في التصنيع؛ يعني كان عندنا صناعة، بداية صناعة في الأربعينيات واندثرت حالياً. الآن نسينا هذا، تفسير إنه هل المجتمعات التقليدية تكون كامنة ولكن فيه فرص لتنقض على الحداثة؟ فالحداثة هي في صراع دائم مع التقاليد، مع الأمور، وهذا حتى في أوروبا حصل على مدى قرون من الزمن.. أنت ذكرت موضوع الكنيسة مثلاً أو الإقطاع أو يعني كل العلاقات التقليدية؛ الثورة الفرنسية قامت من أجل ذلك، من أجل أن تهدم المؤسسات التقليدية، أن تحد من فعالية المؤسسات التقليدية، إن كانت دينية أم اجتماعية أم اقتصادية. الثورة الفرنسية كان لها تأثير على أوروبا كلها وعلى العالم كله.. فبالتالي هذا الشيء اللي أخذناه لوهلة من تراجعنا عنه ولم نحمِه، يعني ما توفرنا الشروط اللي مكتسبات الحداثة أن نحافظ عليها، عم بيحدث تراجع في مكتسبات الحداثة، وهذا شيء قلة اللي ينتبهون إليه، يعني الأمور لا تتجه بخط مستقيم، فيه تراجع وفيه تعرجات، مش دائماً إنه كسبناه وانتهينا، لازم نحافظ عليه ونرفع من شأنه، فهذا اللي يعني لازم التحليل اليوم أو التفكير اليوم يتجه إليه..

لماذا توقفت عملية التحديث عند حدود معينة؟ ولماذا الآن في العالم العربي بشكل خاص التحديث يذهب إلى الأمور الشكلية الظاهرية؟ له علاقة في السلطة وله علاقة في.. وله علاقة في الضغوط الخارجية، وله علاقة بأنه لم نستطع أن نحصن المجتمعات الحديثة من طغيان التقاليد اللي هي بقيت فاعلة واستطاعت أن تتغلب. على عَم نحكي بشكل عام، يعني لما بندخل في التفاصيل ممكن يعني نعطي أمثلة مختلفة على ذلك. على سبيل المثال كنا في وقت تأسست فيه أحزاب ذات طابع ديمقراطي مدني؛ بنشوف أن الأحزاب تراجعت، صارت ذات طابع شخصي وديني، فهذا المقصود بأنه لم نحمِ المكتسبات اللي حققناها خلال فترة وجيزة من هذا الزمن؛ يعني إذا نظرنا إلى بعض البلدان العربية بنشوف إنه ما حققته بين سنة 1900 و1950. كان يَعِد بتطور؛ ولكن ما حدث في ما بعد يعني شوف إنه صار تراجع عن هذه المكتسبات أو نسيان لها أو إهمال لها. وطبعاً يعني إذا سألتني الآن نحتاج إلى شرح طويل لنفهم؛ ولكن على الأقل ينبغي أن نتنبه إلى أنه تراجعنا في عملية التحديث، ولن نؤصل التحديث ولم نوطنه، يعني لم ننتج حداثتنا.


كيف نصبح منتجين للحداثة؟

وأجاب د.خالد زيادة عن سؤال "حتى نصبح منتجين للحداثة، ما الذي كان يلزم توافره؟"، قائلاً: "رأيي أنه نحن ما عندنا مؤسسة دينية بقوة المؤسسة الكنسية، والآن المؤسسات الدينية تابعة للدولة. يعني رجال الدين جزء من الدولة، ويُعينون من جانب رجال السياسة.. لكن اللي حدث عندنا هو حدث حرج المؤسسة في التنظيمات اللي ألبست الدين السياسة. فبالتالي يعني ينبغي التمييز بين المؤسسة الدينية، ممكن العطف عليها أحياناً بسبب ضعفها يعني وعدم تأثيرها وعدم إصغاء الناس للمؤسسات الدينية في بعض البلدان، نحن نجهل تماماً أن وضع المؤسسة الدينية ننسى أنه فيه؛ ولكن اللي حدث أنه انتقل النشاط الديني إلى المجتمع إلى أخذ اللباس السياسي، وهذا أخطر شيء حدث في العالم العربي.. هذا من ناحية. من ناحية ثانية فيه أمور، يعني ما يمكن تسميته تسييس التدين، واعتقاد أنه نحن نريد أن نبني دولة إسلامية. كل هذه الأمور يعني لو رجعنا إلى التاريخ ما كان هذا موضوعاً على حدة يعني. ولكن مش بس المؤسسة الدين هاي الخطر، بنشوف أنه في بعض البلدان رجعت العشائرية والقبلية، وأصبح لهم نفوذ ولهم حضور، فهذا يعني لا ننتبه إليه.. ولكن هو من العوائق أشد من الدين، ربما يكون تأثيره أن العصبيات داخل المجتمع الواحد إذا لم نتكلم عن المذهبية، فبالتالي أحياناً البعض يضع المسؤولية فقط على الدين.. هذا اسمه باحثون ومفكرون؛ أن يشتغلوا على هذا المستوى، أنا رأيي أنه بانتظار أن يحدث ذلك أو لا يحدث أو أن يكون تأثيره محدوداً، المقصود أنك تطور وتحمي المؤسسات الحديثة بنفسها اللي هي تستطيع أن تجابه، لما بنعمل جامعات حقيقية وعلم حقيقي، حينحسر التفكير الخرافي والتقليدي يعني، فحتى لا نخوض معارك خلينا نبني المؤسسات الحقيقية. يعني باعتقد هذا طريف أوفر وأكثر أماناً وأفعل.. لكن هذا يحتاج إلى مجهود أولاً، إلى قيادات، يعني حكومية، تكون رصينة وواعية، لهذا الدور يحتاج إلى رجال علم، يعني علماء بشكل حقيقي، إلى إداريين؛ لأنه هذا كله إدارة في النهاية، إدارة هذه المؤسسات، إن كان المصنع ولا إن كان الجامعة، وإلا ما فيه أسهل من إنه الفساد يطرق كل المؤسسات إذا لم يكن فيه حماية لها...".


الدين ليس عائقاً لتقدم الدول

وأضاف الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق: "إذن أنا رأيي، وأعطي أمثلة على ذلك.. الأمثلة خُذ الهند، نحن لا نتكلم عن التدين الهندي، التدين الهندي قد يبدو لنا نحن غريباً، ولكن لم يمنع هذا النوع من التدين من تقدم الهند، وأصبحت دولة يعني فوق الدول العظمى في العالم. إذن ما نقول إنه الدين عائق، العائق مش الدين، هناك مَن يقول الدين، خطأ، ولا المؤسسات؛ أنت لازم تضع حداً، يعني لما هذه المؤسسات أو الأحزاب تضع لها حداً، لأنه فيه حد بالقانون. ما هيك القانون يعني بينظم الأحزاب؛ ينظم الجمعيات ونشاطها وينظم حدودَ نشاطها. لما كل هذا يطبق نصل إلى نتيجة معقولة وإيجابية. يعني أنا رأيي ما نخترع ولا نتوهم أعداء معينين، إن كان في الدين أو إلى آخره، ونهمل الشيء الأساسي، أن تبني مؤسسات الحداثة التي تستطيع أن تحمي نفسها وتحمي المجتمع في نفس الوقت".


المجتمعات العربية والتحديث الاجتماعي

وتابع د.خالد زيادة: "أنا أعطي مثلاً؛ يعني أحد الأمثلة التي بافترضها إيجابية، أو مثالاً يعني يمكن أن يفسر.. بنشوف إنه نحن إذا رجعنا إلى خمسينيات القرن العشرين؛ بنشوف أنه يعني تقدمنا في الحد من أمور كثيرة تُنسب إلى الدين، وبالتالي الإمكانية قائمة.. ولكن لم نحمِ هذه الإنجازات ١٠٠٪، فبالتالي يعني حتى لا نضع هدفاً يعني أنا أقول كما أفكر. إذا أخذنا من سنة العشرين إلى سنة الخمسين والستين؛ بنشوف أن المجتمعات العربية كلها تقدمت بطريقها، استطاعت أن تتعامل مع الدين بطريقة إيجابية، وخلينا نقول يعني ذات فائدة، يعني حافظنا على هذا الانتماء، وفي نفس الوقت ما كانت عائقاً أمام التحديث الاجتماعي. حدث نقوص، هذا أسبابه في مكان آخر؛ ولكن العنوان الأساسي حتى يعني نخرج بحصيلة من المجتمع أنه ما فيه عوائق تعجز المجتمعات من أن تجد لها حلولاً إذا سلكت الطرق المعروفة في العالم، يعني إن كانت هي الشفافية وإن كانت هي تكافؤ الفرص.. وإلى آخره، فأنت يعني هذه أثبتت جدواها وفاعليتها، وبالتالي تستطيع أن تستوعب كل المشكلات بعد ذلك، يعني؛ لأنه تعطي أنت فرصاً لكل الناس تعبر عن رأيها وأن تحاورها ضمن السقف الذي يفرضه القانون".


علاقة العرب بشكل عام تاريخياً مع الأوروبيين

وتحدث د.خالد زيادة عن علاقة العرب بشكل عام تاريخياً مع الأوروبيين، قائلاً: "أنا قُلت في بعض المؤلفات يعني إن علاقة العرب خصوصاً والمسلمين عموماً مع أوروبا، هي علاقة فريدة؛ لأن عمرها أكثر من ألف سنة من الجوار، والجوار يعني ناخد وصول العرب إلى الأندلس، ثم العثمانيين دخلوا إلى أوروبا، واحتلوا نصف أوروبا يعني بعد القرن الخامس عشر. إذن هذه العلاقة فريدة؛ لأن الصينيين ما عندهم علاقة مع أوروبا من هذا.. الصينيون موجودون في آسيا، والهند نفس الشيء، إذن نحن في عندنا علاقة قديمة، وفيها مد وجزر؛ يعني علاقة جدلية، فترة تقدم العرب باتجاه أوروبا، الأندلس، ونقلوا العلوم أيضاً. وفترة من التراجع مع الحروب الصليبية؛ ثم في الفترة العثمانية، احتل العثمانيون اللي همَّ مش عرب، ولكنْ مسلمون، يعني بهذه الحضارة اللي نحن جزء منها، ووصلوا إلى حدود فيينا في وسط أوروبا، ثم بعد ذلك في القرن التاسع عشر حدثَ التراجعُ مع الاستعمار. إذن هذه علاقة جدلية قديمة عمرها إذن كما قُلت أكثر من ألف سنة، وما فيه شعب في العالم له مثل هذه العلاقة مع أوروبا نأخذه بالاعتبار، لهذا السبب بنشوف اليوم أن إحدى مشكلاتنا هي التفكير في أوروبا, صرنا بنعتقد أن كل آفاتنا ومشكلاتنا جاية من أوروبا، وبالتالي من الغرب. يعني في القرن التاسع عشر من دول أوروبا ما كانت أمريكا لسه حاضرة في الحياة السياسية العالمية. الآن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعلة وأوروبا أصبحت إلى حد ما تابعة. لكن هذا الغرب، نضع نحن كل مشكلاتنا على الغرب، وهذه واحدة من المشكلات، مشكلات ناتجة عن هذا التراكم، هذا التراكم الطويل اللي في اللا وعي يعمل، في اللا وعي العربي، هذا بيشتغل بهذا السبب، أحياناً بسهولة بنشوف كاتب من الكتاب بيرجع إلى الحروب الصليبية، كأنها حدثت في الأمس أو بيعتبر أن الاستعمار الحديث هو امتداد للحروب الصليبية. على الأقل الأفغاني كان يقول إنه هذه عَم تتكلم عن إنجلترا، تريد أن تهدم هذا الدين.. وإلى آخره. أنا لا أقول إن إنجلترا كانت تريد سعادة هذا الدين؛ المقصود الإسلام، ولكن أسباب أوروبا الحديثة هي استعمارية، يعني هي ذات مصالح تتجاوز الدين، وتستخدم الدين أحياناً من أجل المصالح، يعني فيه فرق بين الحروب الصليبية والاستعمار الحديث، هذا موضوع مستقل..".


عقدة التعامل مع الغرب

وأضاف الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق: "الآن عندنا مشكلة، وهذه المشكلة ما بنقدر نتخلص فيها؛ لا على المستوى الشعبي، يعني الوعي، ولا على المستوى الفكري. أنا باقول إنه المفروض يكون للعرب إذا كنا نريد أن ننهض لن يكون لنا تفكير نقدي تجاه أوروبا. تفكير نقدي، ماذا أقصد بذلك؟ أنه ننتهي من هذه العقد اللي اسمها الغرب، ونتعامل مع العالم كعلاقة بتفكير موضوعي.. لا يمكن أن نعتبر أنه أنا لا أبرئ الغرب، أنا عارف أن الغرب يعني له مطامع حتى هذه اللحظة التي نتكلم فيها. هذا شيء مفروغ منه؛ ولكن تستطيع أن يعني تفكر في الأمر وتتعامل معه وينتج عنه نتائج عملية قائمة على فكرة العداء المتأصل، واللي هو أبدي الآن. نحن بنعرف أن العالم يقوم على تبادل المصالح؛ يعني وعي المصالح والسياسة بحد ذاتها هو وعي للمصالح. نحن نحتاج إلى تفكير سياسي، والتفكير السياسي لا ينحصر فقط برجال السياسة أو بالحكام. تفكير السياسة هو تفكير اجتماعي أيضاً يقوم على مبدأ أنه ماذا نريد من الآخر، وهذا الشيء اللي ما عَم نقدر نوصل له. فإما نكون مرتهنين لهذا الغرب، وإما نعلن العداء السافر تجاه أوروبا. عندنا هذه المشكلة تجاه الغرب اللي تحتاج إلى مناقشة من المثقفين لا تقوم على يعني مبدأ إما الاستسلام للغرب، باعتبار أنه هو اللي يقود الحداثة ويقود القوة ولديه الصناعة، وليس أمامنا طريق إلا أن يتبعه، وليس على طريقة القوى المعادية اللي بتعتبر أنه فيه عداء أبدي وسرمدي مع هذا الغرب، ولدينا أمثلة من العالم، وذكرناهم قبل قليل. إن كان الصينيون، وإن كان الهنود، وإن كان أمم أخرى يعني تتعامل على أساس المصالح المتبادلة، وليس على أساس المبادئ، وممكن يعني نعطي أمثلة أخرى، شوف مثلاً يعني فيتنام التي خاضت أكبر حرب في العصر الحديث، ضد الولايات المتحدة الأمريكية، تريد أن تتجاوز هذه المرحلة، لتؤسس سياسة مبنية على مصالح الشعب.


زارني السفير الفيتنامي حين كنت سفيراً في القاهرة، وربما أكون أنا أخطأت، تكلمت عن فيتنام ونضاله، قال لي فيتنام ليست حرباً، فيتنام أمة. عَم بيذكرني أنه خلصنا من الحرب وصارت من الماضي؛ يستعمل تعبير فيتنام ليست حرباً؛ لأنه نحن دائماً رايحين نذكر فيتنام نذكر معها كلمة حرب فيتنام. قال لي نحن دولة يعني لا، لها مصالح وكان جاي يعني يزورني ليشوف شو ممكن التبادل بين فيتنام ولبنان. إذن شوف هذا مثل يعني يعلم أنه كيف يمكن أن دولة خاضت يعني أشرس حرب في القرن العشرين ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وتجاوزت بمعنى استفادت من الدروس".


أوروبا كانت القوة العظمى حتى الحرب العالمية الثانية

وتابع د.خالد زيادة: "أنا بدأت كلامي بأنه ما فيه جوار يشبه الجوار العربي مع أوروبا.. نحن نتقاسم بحراً صغيراً.. ما هيك يعني المسافة بين مدينة تونس وصقلية، هي بضعة يعني وقت قصير مثلاً يعني أو مع إيطاليا أو مع روما أو إلى آخره. نفس الشيء، مضيق في جبل طارق، يعني نحن في جوار؛ لكن خلينا نشوف الجغرافيا شو بتخبرنا عن هذه الأوروبا اللي كانت في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وحتى الحرب العالمية الثانية كانت أوروبا هي القوة العظمى يعني؛ لا تريد أن ترى في جوارها قوةً صاعدةً. ولا تريد وحدةً بين هذه الأقطار، ولا تريد أن تصبح في مقابلها قوة صناعية إن كانت هذه الدولة أو تلك. إذن ما تقوله صحيح إذا نظرنا إلى الجغرافيا، يعني الجغرافيا فقط تنبئنا بأنه نحن مع جوار صعب.. ولكن للأسف ما حد بيشوف الأمور بهذه الطريقة. بيعتبر أنه نحن المشكلة مع أوروبا هي أيديولوجية. لازم نشوف، عندنا جغرافية وتاريخية وليست أيديولوجية. يعني هي مشكلتنا معها، كيف نعي مطامع أوروبا الحقيقية وليس على مبدأ أن هناك عداء سرمدياً، مش عارف إذا عَم باقدر أعبر عن الفكرة، برأيي أنه لم نستطع أن نفرض على أوروبا كيف ينبغي تنظر إلينا. فنحن بنقول إن أوروبا لها مطامع، وهذا متفق عليه، ودعمهم إسرائيل ليس خفياً يعني، وزرع هذا الكيان ليس خفياً. لكن لم نستطع أن نفرض عليه كيف يتعامل معنا، يعني بمعنى الكلام العادي كيف تحترمنا أو كيف تقدر قوتنا؟ هذا اللي عجزنا عنه. وبالتالي هذا ما أدعو إليه..".


العرب قادرون على أن يفرضوا وجهة نظرهم ورؤيتهم

واستطرد د.خالد زيادة: "أدعو إلى أن العرب يقدرون أن يفرضوا؛ مثل ما شعوب أخرى ذكرتها خلال حديثي. فرضت على الغرب إنه يتعامل معها بالطريقة التي هي تريد وليس ما يريد الغرب منها. نحن حتى الآن نستسلم ولا نستطيع أن نفرض وجهة نظرنا أو رؤيتنا أو حتى أن نبرز وحدتنا أو نبرز كيف يمكن أن نملي على الغرب ينظر إلينا؟ هذا ما ينقصنا. وباعتقد هذا مجهود كبير ينبغي أن يحدث. بس على الأقل بدايته هو أن نؤمن أن نحن قادرون أن نفرض، إذا أردنا، وجهة نظرنا أو أن نفرض كيف يتعامل الآخر معنا.. هذا هو الحقيقة. وباعتقد الآن تحدث في العالم، تظهر أن فيه شعوب دون مسمى، ليست يعني من القوة، ليست لديها القوة العظمى؛ ولكن عَم تقدر تفرض وجهة نظرها باتباع سياسات وتقدير لمصالحها الحقيقية، مصالح صعوبة، مصالح الأمة التي تمثلها، عَم تفرض وجهة نظرها، وعَم تقدر تتمكن مع ما يرافق ذلك من تصنيع، من بناء قوة عسكرية، من بناء مقدرات حقيقية بتقول للغربيين إنه نحن قادرون أن نصنع؛ مش بس نستورد السلع ونستورد الأفكار ونستسلم لمشيئتكم".


أسباب الحداثة وشروطها.. العرب وإشكالية فرض مصالحهم على الآخرين

وأجاب د.خالد زيادة عن سؤال "يعني الخلل عند العرب في أنهم لم يختاروا النموذج الأفضل في كيفية فرض مصالحهم على الآخرين؟"، قائلاً: "الآن، الوقت نبني حداثة موازية، بس على الأقل يعني تكون عندنا المقدرة على استيعاب حقيقي لأسباب الحداثة وشروطها. لها شروط ما هيك يعني، ما فيك أنت يعني بعقلية عشائرية تبني حداثة، ولا بعقلية خرافية أن تبني حداثة، فيه لها شروط. ولا يعني أنظمة قمعية أن تبني حداثة، فيه لها شروط، ولا بنظام تعليمي متأخر أن تبني حداثة، فهذه شروط بديهية باعتقد استوعبتها شعوب كثيرة حتى تقدر تنتقل إلى العتبة التي تبني شروط الحداثة، وبالتالي فينا نشوف صحيح أن الكوريين والماليزيين ما أنتجوا علوماً موازية لعلوم الغرب؛ بس على الأقل يستخدمونها بطريقة فعالة وحقيقية، وليس يعني مجرد استنساخ".


أحداث غزة والموقف الرسمي الأوروبي

وقال الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق، رداً على "حالياً أوروبا تعيش ضمن العلاقة يعني ما حدث في غزة.. تداعيات المواقف الأوروبية على عمق المأساة والدم اللي تم التسبب في إراقته، والوقوف الرسمي الأوروبي مع هذه النغمة، مشاركة فيه": "أنا هذا اللي عَم بتتفضل فيه وأكد كلامي؛ أنه لما بتظهر شيئاً من القوة تؤثر على المجتمع الآخر، على الآخرين.. إيه، ما هيك يعني لما تظهر يعني هذا الصمود في غزة كما تفضلت، خلى قطاعات واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أنها تطلع بمواقف معارضة. ما كان ممكن أن نراها لو الأمور راكدة وساكنة ومستسلمة، هذا اللي حصل في الأشهر الأخيرة.. وبالتالي يعني دون الخوض بما يجري في غزة، وهو أمر متغير بين يوم وآخر.. ولكن كل هذا يوقظنا على مسائل أساسية، أنه على الفلسطينيين أن يكون لهم موقف موحد حتى يكتسبوا القوة والاحترام من الآخرين. وأن يمنعوا تدخلات الآخرين في شؤونهم، أنا عندي كتاب عنوانه (لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب)، هذا عنوان كتاب يعني صدر سنة ٢٠١٣، من أكثر من عشر سنوات، وصدرت منه طبعة في مصر، يعني موجود في الأسواق، وموجود في بيروت وغيرها. والفكرة الأساسية في هذا الكتاب أن قوة أوروبا ما كانت في الصناعة؛ لأنه في الستينيات اليابان تفوقت على أوروبا في الصناعة، ولكن قوة أوروبا كانت في الأفكار، فكرة الحرية، فكرة الوطن، فكرة المساواة، دولة المواطنة.. هذه الأشياء ما عادت الآن لها نفس القوة. يعني انتهينا.. كل الشعوب تعلمت هذه المبادئ، وأوروبا ما عادت عَم تنتج أفكاراً؛ خصوصاً هي مش بس أعطتنا أفكاراً، أعطتنا في ما بعد أشياء مش كلها إيجابية، أعطتنا أيديولوجيات؛ أيديولوجية الاشتراكية والفاشية والقومية.. وإلى آخره، حتى هذه الأيديولوجيات ما عاد لها فعالية، الآن انظر يعني آخر عشرين، ثلاثين سنة، شو صار بالأفكار المتعلقة بالاشتراكية والقومية وإلى آخره.

إذن لم يعد لأوروبا ما تقدمه الآن؛ ولكن أنا قُلت إنه على العرب أن ينتجوا هم أفكارهم، أن ينتجوا ما بقي نكون صدى لما كانت تقدمه أوروبا. كنا صدى من أيام الطهطاوي، يعني راح على فرنسا وقال يعني هذا التقدم والتمدن، وخير الدين التونسي قال التمدن الأوروبي نهر جارف لازم نمشي باتجاهه وإلا غرقنا.. وكل المفكرين حتى طه حسين.. وإلى آخره، فكرتهم الأساسية أنه فيه حضارة ومدنية وعلم وثقافة في هذه الأوروبا علينا أن نأخذ بها. الآن انتهى هذا الأمر".


دور المثقف وكيف نصنع حداثتنا الخاصة بنا؟

وأضاف د.خالد زيادة رداً على "خلينا نبحث نحن في كيفية أن نصنع حداثتنا الخاصة فينا، والانطلاق بعيداً عن تأثيراته، وأن ننتظر للآخر أن يحدثنا": "نحن متفقون إذن على المبدأ الأساسي؛ إنه نحن ننتج مواقفنا ونفرضها على الآخرين، أن ننتج حداثتنا ونفرضها على الآخرين، كما تفعل شعوب أخرى. هذا شيء ليس مستحيلاً، بس لا نعرف متى هنكون حاضرين؟ غداً أو بعد فترة محددة، إنه نبدأ، لكن علينا نحن بموقعنا ومن وظيفتنا الاجتماعية أن نقول هذا الكلام، أن ننادي به، وهذا يعني يعيدني إلى موضوع وهو دور المثقف، يعني دور مصفد، باعتبار المثقف هو رجل الوعي، الرجل اللي يطل على مشكلات المجتمع. في وقت من الأوقات انحسر دور المثقف؛ خصوصاً لما أصبحت الدول والحكومات صارت عندها مقدرات بتقول إنه ما عدت بحاجة إلى المثقفين، هي بحاجة إلى خبراء، عندنا كل المؤسسات.. عندها وزارة صحة وأشغال وصناعة.. وإلى آخره، وأنتم يعني فيكم تساهموا، وعندي جامعات، وعندي فروع جامعية.. تفضلوا اشتغلوا؛ لكن الشيء اللي أهمل هو أن دور المثقف هو التطلع إلى المستقبل والنقد. يعني أن يكون له موقف نقدي وفي لحظات أن يبني تصورات، كما يعني في لحظات من الماضي حدث ذلك لما بنشوف بالبلاد العربية إذا ما بدنا نأخذ الأمثلة الأوروبية، يعني في وقت من الأوقات كان هؤلاء المتنورون والمثقفون لهم دور في الحياة العامة.. يمكن نبلش ذكرنا بطرس البستاني، وأحمد لطفي السيد اللي أنشأ حزباً وجريدة، وكان ينادي بأفكار حديثة، وقس على ذلك من الشخصيات اللي كان لها دور.. عبد العزيز الثعالبي في تونس، اللي هو يعني ما زال مثالاً للوطنية. هؤلاء الأشخاص هم مثقفون، ليسوا رجال سياسة؛ لكن كان دورهم الاجتماعي كبيراً، يعني المجتمع ينظر إلى ما يقولون ويأخذ به باعتبار أنه هذا انحسر مع الحكومات يعني الدول، صارت الدول تفرض رؤيتها. الآن من هذه المنصة فيني أقول إنه لازم إعادة تقويم دور المثقف، بأن يكون نقدياً ويطرح الرؤى، وهذا اللي تراجع عنه، أنا جوابي على هذا يعني التساؤل هو التالي: إنه نحن؟".


لماذا تغدق المؤسسات الدولية كالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة؟!

وتابع د.خالد زيادة: "أول شيء لازم نتساءل: هل هذا الكرم الحاكمي من المؤسسات الدولية شو وراه؟ ليه يعني هذه المؤسسات، البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، ومش عارف مين، يعني يغدقون بهذه الطريقة؟! هذا سؤال يعني وعارف إنه النتائج أقل بكثير من المتوقع، ويغضون الطرف. يعني ماشي الحال ما باعرف إذا كان هذا يعني له أغراض؟ خلينا نقول سلبية أو سيئة، بمعنى أنه إشغال المثقفين بأمور جانبية جات بمردود قليل؛ لأنه أنا باعرف أنه فيه جمعيات من اللي هي بتقول محو الأمية وتمكين المرأة، لا مكنت المرأة كما تدَّعي، ولكن الإغداق مستمر، يعني فهذه واحدة من المسائل الحساسة، لأنه بوقت من الأوقات بيحصل إن الحكومات بتقول هؤلاء عملاء للغرب.. وإلى آخره، يعني تمنع ذلك وأحياناً تغض الطرف، تترك هؤلاء ينشغلون في هذه المهمات اللي مردودها قليل أو شبه معدوم يعني.. نحن هنا موجودون نتكلم، مفروض أن مثلاً نتكلم لجمهور يعني جمهور عريض، بينه مثقفون، ويعني ناس متعلمون وناس يحبون أن يصغوا إلى الآراء.. وكذا. أنا باقول إنه لازم يخرج أشخاص يعني لا يتأثرون بهذه الإغراءات المادية. ودعوتي مش مثالية يعني مش طوباوية. ولكن ممكن الحدوث، يعني بالآخر لازم يكون مسؤولية تجاه مجتمعك، أن تقول رأيك هذا اللي بافترضه".


واستكمل الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق: "نحن يعني صرنا أمة إذا كنا بنحكي عن الأمة العربية، ٤٠٠ مليون. بيسوى يطلع بيننا يعني واحد بالمليون كافٍ ليقول الأمور كما هي، مش عم أطالب كل الناس، يعني بيكفي يعني ٤٠٠ اليوم، خلي أربعمئة مثقف، لا شك أنه بما يسمى ٤٠٠ مثقف عضوي، يعني متفاعل مع المجتمع؛ فبالتالي يعني بيكونوا عملوا إنجازاً، يعني طبعاً كلام فيه شيء من التفاؤل؛ ولكن فيه دعوة إلى أن هؤلاء المثقفين آن الأوان يقولون رأيهم بكل ما يعني ما يحيط بنا من عقبات ومشكلات عميقة، يعني مش سهلة إحنا لا نواجه مشكلات عارضة، فيه مشكلات دنيوية وأصبحت متأصلة، وبالتالي لا نعدم شخصاً أن يتكلم مثل ما عَم نتكلم الآن، يعني بشيء من الوضوح النسبي، دون أن نتعرض إلى أشخاص معينين أو هيئات معينة؛ لكن الهدف هو أنه مَن يعني ننظر في اتجاه الآخر، لكي لا نرى الحقائق ولا نرى.. باعتقد كلامي واضح".


معضلة ثقيلة أمام أي مثقف عربي

وقال د.خالد زيادة رداً على "هناك معضلة ثقيلة أمام أي مثقف عربي في ما لو حب أن يمارس دوره كمثقف حقيقي، المعضلة الكبيرة من حيث حرية التفكير والقدرة على التفكير وتوفير متطلبات حياتية تسمح له أن يطور أفكاره ويتسع ويمارس دراساته وأبحاثه": "متفقون يعني عارفون وإلا ما كانت أحوالنا بهذه الطريقة يعني؛ ولكن هذه دعوة، إنه يكون فيه مجال لأشخاص أن يقوموا بدورهم كمثقفين وليس كناشطين. يعني أنا مش عَم باقول إنه أنتم اشتغلوا بالسياسة وحاربوا المثقف، عليه مهمات إنه يعني وعي تاريخي. مش مسألة يعني أنا أدعو إلى هذا، موضوع آخر اللي بِدهم يشتغلون في السياسة. حقهم أن يكون لهم يعني مجال لممارسة هذا، موضوع آخر. لكن أنا عَم أقول مثقفين ومفكرين عندهم مهمات حقيقية للوعي. الوعي ما نحن عليه، وهذا الشيء باللي شايفه إنه غامض أو إنه ما عَم بيحدث بالطريقة المناسبة. أضف إلى ذلك أنه كل واحد مشغول ببلده. فيه مشكلات فوق رأسه، باقول ماني فاضي، فكر ببلد آخر أو بمشكلة أخرى. كل هذا حقيقي يعني مش وهمي؛ ولكن ما بنعدم إنه على أمة بهذا الحجم وبهذا التاريخ وبهذا العمق، إنه يطلع فيها أشخاص يعني يقولون، يكون عندهم وعي، أين نحن الآن من العالم ومن حاضرنا؟ يعني، وهذا يتطلب مستوى من الوعي مش الوعي العامي أو الوعي العادي، وهو دعوة إلى أفراد أكثر ما هو دعوة لكل يعني الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين.. ما شاء الله صار عندنا حملة دكتوراه بالآلاف المؤلفة".


كثرة حاملي الدكتوراه.. لماذا تسعى السلطات لخريجين عديمي الكفاءة يحملون ألقاباً وهمية؟

وأضاف الكاتب والباحث اللبناني، والدبلوماسي وأستاذ الجامعة السابق، رداً على "يعني أنا في رأيي المشكلة هنا -وقد ينتقدني كثير- في ارتفاع نسبة حاملي الدكتوراه من الجامعات التي هي عبارة عن تخريج نسخ في كيفية بس إدارة أبحاث": "هذا واحد من الموضوعات اللي لازم تناقش وتبحث، هذا بحد ذاته. لماذا تسعى السلطات لخريجين عديمي الكفاءة ويحملون ألقاباً وهمية؟ هذا موضوع للبحث، موضوع جدي، يعني اللي تكلمت عليه منذ قليل، عن تدهور التعليم. يعني كنا في مستوى كانت الجامعة الفلانية في البلد الفلاني في مستوى معين في الثلاثينيات، والآن بعد مرور ٧٠ سنة، صارت يعني تقريباً لا تنتج سوى أوراق لشهادات وهمية عملياً، هذا موضوع، موضوع أساسي؛ لأنه يشوف كل بلد على حدة أين أصبح في التعليم؟ وليه عَم يتدهور؟ بعض الأسباب معروفة وبعض الأسباب بحاجة إلى بحث، يعني مش كلها مسؤولية إرادية، هذا اللي قُلت إنه كيف التقاليد تغلب الحداثة؟ وكيف بِدنا تتغلب في هون الأوقاف، وتنتقل العلاقات العشائرية والزبائنية إلى صروح مفروض أنها تمثل الحداثة مثل الجامعات، نشوف أنه اليوم كلها محاسيب، هذا يعني معناه فيه معضلة اجتماعية عميقة، ولازم نتصدى لها، يعني على الأقل نوعي، يعني إحدى مشكلاتنا في التاريخ الحديث أنه المجتمعات آمنت بأنه شهادة الهندسة والطب أهم من شهادة الفلسفة والأدب. وربما (مبررةً) بين قوسين في وقت من الأوقات. كنا بحاجة إلى أطباء ومحامين ومحاسبين، يعني رجال خبرة.. إلى آخره. لكن أهملنا يعني؛ لأنه الذين ينتجون أفكاراً للمجتمع هم اللي بيمارسوا المهن الفكرية، لما بنرجع للتاريخ بنشوف إنه اللي بقي ذكرهم هم الفلاسفة والشعراء، مع الاحترام للمهندس والطبيب يعني طبعاً؛ ولكن نحن أهملنا بشكل إنه صرنا ننظر شفقةً لواحد معه أدب عربي أو معه فلسفة، شو عَم تعمل أنت يعني يا معتر؟ ليه درست يعني هذا الإهمال؟ هذا اجتماعي".


واختتم د.خالد زيادة: "(يعني بشكل عام المجتمعات العربية بحاجة إلى مزيد من الجهد والعمل؛ للبحث في الأولويات وتطويرها وكيفية استخدام الأصول الثقافية العربية).. الأمور واضحة ما بدها يعني، فيه أمور ما بدأ تصويب، يعني ما بدها عليها موجودة، وعلينا أن نقف موقفاً نقدياً نبحث فيها. النقدي ليش إلى هنا، إن كان على مستوى التعليم ولّا الإدارة ولّا كل الأمور الأخرى، يعني اللي بحاجة، هذا اللي عَم ما بيحصل".