• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

كيف يصبح الإنسان مثقفاً؟ | حسين سعدون

للإستماع





تحدَّثَ حسين سعدون، الباحث والكاتب المميز وصانع المحتوى العراقي، الذي شغل السوشيال ميديا كثيراً، فهو قارئ من الطراز الأول، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مجتمع"، عن نفسه ومَن هو؟ وكيف يصنفه الناس؟ وأيضاً لقاءاته ونشاطه الفكري، وكيف يصبح الإنسان مثقفاً؟ وغيرها من الموضوعات... 


حسين سعدون: تصنيفي "باحث عن الحقيقة"

قال حسين السعدون، الباحث والمفكر والكاتب: "أنا المفكر الحر، عصي على التصنيف؛ يعني خاصة تعرف أن الأقفاص الأيديولوجية ما تصلح لتصنيف إنسان، ونحن الآن في عصر السوشيال ميديا، عصر الصورة؛ فأعتقد التصنيف شيء مهم.. التصنيف يعني الإلغاء، يعني أنت وضعت الإنسان في خانة وألغيتها، لنترك التصنيف ونهتم بالفكر.. فأنا تصنيفي هو (باحث عن الحقيقة)".


ما الحقيقة؟ وهل توجد حقيقة في الكون؟

وأجاب حسين  سعدون، الباحث والمفكر والكاتب، عن سؤال "الحقيقة يعني أنه إلى الآن لا يستطيع الإنسان أن يضع تعريفاً للحقيقة، يعني كل شخص أو كل مجموعة فكرية أو كل خط فكري يحاول أنه يضع بصمات على شكل الحقيقة الذي يراه؛ لكن هل فيه حقيقة في الكون بمعنى حقيقة يمتلكها شخص ويقول هذه حقيقة، فاتبعوها مثلاً؟"، قائلاً: "من الكتب المهمة صدرت في سياق الثقافة العربية، مذبحة التراث، مذبحة للراحل جورج طرابيشي، ويسأل هذا السؤال: ما الحقيقة؟ يقول أنت تتعامل مع الأشياء، لديك مسافة عن الأشياء؛ كالمهندس وغيره، تستطيع أن تضع لها حداً وتعريفاً؛ لكن بما أن القضايا في داخلك صعبة، فقال عبارة هائلة لم ينتبه إليها أحد، (أن البراءة الأيديولوجية في حقلَي الإنسان والتاريخ مستحيلة)، لا توجد حقيقة هنا.. ييجي مبدأ التحيز؛ فهي المسألة بداخلي شلون بعبَّر عنها. والمتصوفة تكلموا عن هذا الموضوع، فأنا أعتقد واحدة من أكبر المكائد والخدع التي قام بها الإنسان بتصفية خصومه نفسه؛ هي تعريف الحقيقة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتاريخي، يزعم امتلاك الحقيقة؛ لكن لا توجد حقيقة، وهناك مثل ألماني شهير يقول (الحقيقة في مكان ما منتصف الطريق، قد يصل الإنسان إلى.. وما يصل)، وعندما نرجع إلى تراث مثلاً بوذا أو الصين أو كذا.. نجد تعريفات هائلة بعيدة عنها ومتداولة؛ غاندي يقول الحقيقة واحدة، لكن كل إنسان يعطيها اسماً مختلفاً، ماء جار ووتر، المسمى واحد؛ لكن الاسم يختلف".


هل كل شخص يستطيع أن يخترعَ حقيقةً خاصة به؟

وأضاف حسين سعدون، رداً على "هل لا توجد لدينا مرجعية للحياة؟ إذن مفيش حقيقة وأن هذه الحقيقة نسبية، وأن كل شخص يستطيع أن يخترع حقيقة خاصة به؛ ليقدر أن يميز نفسه عن الآخرين؟": "إحنا لو جينا مجال المعرفة ذاتها، إذا أردنا أن نقف حقيقة تعريفها هذه، ونتوقف في هذه الحالة.. نجيب محفوظ بإحدى رواياته سرَّبَ عبارةً جميلةً يقول: الحقيقة بحث وليست وصولاً، الوصول توقف الموت، كثير من الاختراعات الكونية التي جيئت البشرية توقفت عند مثلاً.. بالمناسبة أرسطو عقل هائل، حتى الواحد لا يتصور نقده لو توقفت البشرية عند ما قاله أرسطو عن الحقائق وعن الأرض وعن الكون وعن السماء، ما كان جاء فرانسيس بيكون بالأصنام الأربعة، والأرجون الجديد هو فلش آلة المنطق، ما كان خرج عندنا جيل جديد، فما هذا يعني التوقف في هذه الحالة، ما راح تتقدم البشرية".


القرآن فيه إعجاز علمي وسياسي واقتصادي.. 

وتابع الباحث والكاتب وصانع المحتوى، رداً على "لو حاولنا أن نستنطق النص القرآني مثلاً، هل نجد حقيقة في القرآن؟": "القرآن أنا رجعت قرأت المراجع الأخيرة، يعني قرأت مثلاً نصر حامد أبو زيد ومحمد عبده وأمين الخولي.. القرآن نص أدبي بامتياز؛ لكن أنا أرجع إلى الراحل حسن حنفي، عند عبارة جميلة يقول (القرآن تعاملنا معه مثل جراب الحاوي، نخرج أرانب بيضاء من قبعات سوداء) أي حقيقة القرآن أصبح سوبر ماركت فيه إعجاز علمي وفيه سياسي واقتصادي، والقرآن تنبَّأ بكذا وكذا.. هذا لم يحدث؛ لذلك أنا أقول يوجد قرآن حي ويوجد قرآن ميت، الآن الموجود أدنى بالشرع، قرآن ميت يُذاع بالجنازات والتلاوات والمصائب والبركة ويعلق بالسيارة؛ لكن القرآن الحي الذي هو فعال بالمجتمع ليس له وجود؛ بل الناس لا تعرفه، وأنا بهذه الحالة أرجع إلى لقطة للإمام علي في صفين، لم ينتبه إليها أحد، عندما منعَ أصحابه بالجدال بالقرآن، أنا أقول دائماً، أسأل نفسي، أقول كان القرآن طري، الآن نازل، ولا توجد تفسيرات لا تجادلهم في القرآن فإنه حمال أوجه، لا يمكن للنصوص أن تحل مشكلة وهذه المشكلة والكثير من الصناعات السياسية، لو رجع أي باحث آخر خمسين سنة ويستخدم القرآن من الطرفَين..

خلينا نيجي للحقيقة القرآنية، إيران استخدمت القرآن، حقيقة العراق بالحرب العراقية، ثماني سنوات، استخدمت القرآن وما استخدمتش شيئاً آخر، لاحقاً بعد سنتَين العراق يستخدم القرآن، والجانب الآخر أمريكا والمتحالفون (زانقين) الحقيقة مع مَن؟ وهذه الصراعات موجودة دائماً.. مجتهد يطرح بالقرآن رؤية؛ مثل محمود محمد طه السوداني، وهو أول مفكر حسب علمي، مفكر عربي يُعدم بعد سقراط، تتم إهانته وتعليقه على الحبل، يتكلم عن القرآن المدني والمكي، والأسئلة طرحها زي الحقيقة مع القرآن، مَن يخبرنا بها الآن؟ صار لها مذكرة تفسيرية مع النص. النص ترك للعقل حتى يتفاعل معه (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ).. النص نسبي؛ بيختلف من عصر إلى عصر، والمتصوفة برعوا في هذا الحقيقة، والراحل محمد شحرور عنده عبارة هائلة يقول إن النبي، عليه الصلاة والسلام، لم يفسر القرآن؛ حتى لا يفيق به معاصر، ائتوا لنا بتفسير".


كيف يمكن قراءة القرآن كما طُلب من الناس؟

وأجاب حسين سعدون، عن سؤال "كيف يمكن قراءة القرآن كما طُلب من الناس، من القرآن، أن يُقرأ به؟"، قائلاً: "القرآن أُنزل للناس؛ لكن هناك مَن يريد إرجاعه إلى السماء، من يذكر الأسماء حتى مثل حساس، هو نزل للأرض حتى الناس تنتفع به. أنا أعتقد أنه على المسلم المعاصر أن يجيب عن أسئلة عصره، نأخذ مثلاً محمد إقبال، وهذا مفكر هائل، وكتب عن تجديد التفكير الديني بالإسلام.. محمد إقبال مثلاً خلينا نأخذ واحدة من رؤيته وشلون طرحها؟ (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، يقول هذه آية تحرير المسلم، انتهاء عصر النبوة الخاتم، وبداية عصر العقل الاستدلالي الذي سيصلنا.. البشرية وصلت إلى مرحلة لا بد للوحي أن يُختم. محمد إقبال سُئل، أنا مرة شُفت يعني سؤالاً قالوا له أنت هذه الفكرة منين جَت لك؟ قال من والدي؛ دائماً كان يقول لي اقرأ القرآن وكأنه أنزل عليك".


الإنسان كائن لغوي بامتياز

وأضاف حسين سعدون رداً على "هذا ما نادى به دكتور شحرور": "هل يستطيع المسلم المعاصر الآن أن يستفيد من منجزات العلوم الإنسانية؟ أنا أسمي منجزات العلوم الإنسانية مثل شخص يدخل إلى منجم وبيده (لايت) ضوء القرآن، منجم علم النفس وعلم الاجتماع واللغويات واللسانيات الهائلة، بالقرآن نص لغوي بامتياز، والآن بنص لساني، الآن اللغة أم العلوم بالآن؟ تعريف الإنسان سابقاً كان يُقال الإنسان كائن عاقل، نرجع إلى عالم المعرفة، منو الإنسان هذا التعريف مضحك، الآن كل إنسان عنده نوع من العقل والتمييز الفكري، الإنسان كائن لغوي بامتياز، الإنسان دون لغة ليس له وجود، هل يستطيع الإنسان أن يستفيد ويأخذ كل منجزات العلوم الإنسانية ويعمل بالقرآن الكريم؟ هذا شغل مؤسسات، أنا شُفت بعض المفكرين عملوا ذلك، عبد الكريم سروش، مصطفى ميليكيان، شبيستري في إيران؛ ظلوا للآن مضيقاً عليهم، سموهم علماء الكلماء الجديد، عندنا نصر حامد أبو زيد مثلاً.. بعض؛ لكن للأسف الراحل محمد شحرور، قُيدت محاولاتهم بحرب عليهم..".


آلية قراءة النص القرآني

وقال الباحث والمفكر والكاتب: "المسلم المعاصر متواضع الإمكانات، ما تكلمت عنه.. المسلم المعاصر يقرأ القرآن، يرتل القرآن، يستخدمه بالبركة، يرجع إلى التفسيرات القديمة التي كتبت؛ لكن الآن بهذا الموجود، الكلام ما موجود على الواقع. وجهة نظري وما تكلمت عنه محاولات فردية؛ مثلاً كان الراحل محمد شحرور يعتمد مثلاً على التراث العربي، عبد القاهر الجرجاني، والبلاغة العربية، ومعجم فارس، واللسان العربي.. المسلم المعاصر ما عنده هذا الشيء. ثاني شيء هو تطور المعجم، اللسان، نحن نسمع في إنجلترا مثلاً القاموس، يتم كل سنة إضافة كلمات، والآن بالواقع أنا لو أسوِّي دراسة بالعراق آخر عشرين سنة، كم كلمة أُضيفت بالمعجم؟ الإنسان يخترع اللغة، اللغة حاجة، ثانياً هل جرى هذا بالعلوم الدينية مثلاً؟". 


الاستدلال على الحقيقة

وأضاف حسين سعدون: "اللسان أوسع من اللغة"، ورداً على "كيفية الاستدلال على الحقيقة، ألا يمكن اعتبار مثلاً المبدأ أن الدال يطابق المدلول حقيقة أو أن قوله الحق هو أيضاً حقيقة أو بهذه الطريقة يمكن الاستدلال على الحقيقة؟"، قال: "نيجي لقوله، قال معنى قد يكون حكمه الحق أو هو حكمه المنجز أو بالتالي الكلمة التي تنتصر، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، هنا المسألة منوطة بيد الإنسان أم بيد الإله؟ مَن الذي سيظهر هذه الكلمة؟ يعني هنا أهم اختلاف بالتفسيرات، هبنرجع هبنرجع، ماكو اختلاف بالتفسير".


وتابع الباحث والمفكر والكاتب: "الإنسان مقيد بالزمان والمكان والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لو ادَّعى الإنسان امتلاك الحقيقة، سيقنع الآخرين بها، لأنه هندخل صراعاً؛ هنعيد صراعات القدماء والحديثين، وما راح نوصل لنتيجة.. هل توجد آلية ومنهج معين؟ أنا بحدود علمي لا توجد؛ فالآن نستعير عبارة جاد ميير بكتابه (الحقيقة والمنهج)؛ عبارة هائلة، يقول لا يوجد منهج ثابت يؤدي إلى الحقيقة، قد لا يوجد منهج يعني لا يوجد عندنا بالفكر تتبع المنهج الفلاني، تصل إلى الحقيقة الفلانية، لا تصل، نحن ما نتكلم عن علوم طبيعية؛ مثل قوانين الجاذبية وسرعة الضوء ودرجة غليان الماء، نتكلم عن علوم إنسانية، الحقيقة بها متقلبة ومتغيرة من جيل إلى آخر، حتى أكو مدارس التفسيرات كلها، مدارس التفسير، مدرسة التفسير بالمأثور، مدرسة التفسير بالرأي، وهييجي تكفيرها، ابن عباس غير ابن عمر؛ أكو متشدد، وأكو مرخص الراشدي، مفاتح الغيب اللي يغلب عليه الجانب الفلسفي القرطبي، جامع لأحكام القرآن، يأخذ الجانب الفقهي.. إذن اختلافات هائلة".


وقال حسين سعدون رداً على " هذه الاختلافات هي التي قادت إلى يعني أنا ممكن أسميه نكوص العقل العربي بشكل عام، أو العقل الإسلامي بشكل عام، عن مواكبة ما يُسمى اصطلاح/ إصلاح الأرض، وهو إصلاح قرآني": "صح، استعمركم فيها".


إشكالية ومعيارية فقه النص

وأجاب سعدون عن سؤال "هل نستطيع أن نقول إن الإنسان عاجز عن أن يفقه يعني يا النص معجز، أو نحن غير قادرين على فهم النص أو النص خاطئ؟"، قائلاً: "إحنا ليش بنقول النص لا يطرح حلول جميع المشكلات وإلا تعطلت الإرادة الإنسانية؟ لماذا لا نقول القرآن يعطي خطوطاً عامة، أن الله يأمركم بالعدل، وإذا حكمتم بين.. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)، العدل هنا تفصيلها مثل الدستور؛ أي دستور بشري يعطيه قاعدة عامة.. المعيارية مَن يملكها؟ شخص؟ مؤسسة؟ مرجعية؟ جهة معينة تعرضها للآخرين؟ لا ننسى أنه أكو صراعات عبر التاريخ ألغت الاحتكار للنص القرآني؛ مثل الفقه البدوي، مثل الأحكام المسبقة، مثل الأيديولوجيا.. إحنا طبعاً عندنا مثلاً مفسر الطنطاوي، الجوهري من مصر، بداية القرن العشرين، وتعثَّر في تفسير النص القرآني، قال بالفيزياء والكيمياء وعلم الذرة.. وغيره، والآن أصبح التفسير لا قيمة له؛ لأنه ربط القرآن بأشياء متغيرة تتغير، بالتالي طرأت عندنا بداية الإعجاز العلمي عن طريق زغلول النجار وغيره، والآن ليس لها أية أهمية، أنت الآن تدعو إلى مسألة مهمة؛ وهي من متخصصين، مسألة اللسان هذه ماكو كل إنسان قادر عليها".


إنا أنزلناه بلسان عربي مبين.. الآلية اختلفت

وأجاب الباحث والكاتب وصانع المحتوى عن سؤال "كيف نفهم اللسان العربي المبين؟ ما اللسان معناه لفظ عربي، معنى اللسان، كيف نفهم لفظة مبين عن دراسة هذه الأسس أو هذه المفاهيم؟ راح يتكشف لدينا كثير من الميكانيزم الخاص بهذا اللسان اللي نقدر نستنبط أنه عندما تتشكل هذه الآلية، هل يمكن استخدامها لفهم النص بشكل معقول مثلاً؟"، قائلاً: "نعم، أول شيء نتخلص من إكراهات وآراء الأقدمين اللي عطلتنا، وثاني شيء تحفز المسلم على التفكير؛ فالمسلمون لا يقرؤون، بالمناسبة أنا دخلك الصورة دي، إحنا عندنا كاتب بالعراق مشهور، علي الوردي، أناس أنا قلت لهم ما قرأتوا علي الوردي؟ قالوا شلون؟ قلت لهم عنده هذه الآراء، هذا قال علي الوردي، القرآن مثلاً يجري دائماً بالخطب المنبرية، تهويل الناس وتخويفهم من جهنم.. وكذا، هل شخص مثلاً قال إنه أكو ناس بسورة الملك إنه الإنسان إذا ألغى عقله سيدخل جهنم، سمعت واحد يتكلم عنها، وقالوا لو كنا نسمع الجانب النقلي؛ (وَقَالُواْ لَو كُنَّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ فَٱعتَرَفُواْ بِذَنبِهِم فَسُحقا لِّأَصحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ)، عدم استخدام العقل، ذنب عدم وجود العقل، التفكير في اللغة الإسلامية، هذا ما نقل، هناك ما نقل جزء، صورة، وهناك أمور.. لم تنقل هناك كثير آيات قرآنية عندها أمر، عليها أقول هاي ما لها تداول، هناك يجري التركيز على آيات الحدود، على آيات الإحكام، على آيات الجلد، آيات العقوبات؛ لكن مثلاً أنا أذكر كاتباً، الله يرحمه، أنا ما بِدي أجيب اسمه، قرأت له كتاباً كان مملاً جداً في التوحيد، توحيد الكلمات وتوحيد الصفات؛ بينما القرآن يعرضها بانسيابية (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بانسيابية، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، علم الكلام، أفسد؛ إذن هذه الرؤية من خلال هذه الصراعات، الفرق الإسلامية الجهمية والمعتزلة والشيعة والسنة.. وغيرها، وخلوا الناس ما يفهمون آيات القرآن الانسيابية الهائلة، النهر الجاري، ويذهبون إلى هؤلاء، علماء الكلام، فأصبحوا دول أسميها ديناً موازياً للنص الأصلي، والنص، والراحل محمود درويش يقول (واحتمى أبوك بالنصوص فدخل اللصوص)؛ صار عندنا لصوص بشرية موازية، تعادي النص القرآني، لا تستطيع أن تناقشها من جديد".


خلق تديُّن موازٍ

وأضاف حسين سعدون رداً على "تم خلق دين، وأنا أسميه تديناً موازياً، يعني خَلْق دين/ تدين؛ لأن الناس مارست طقوساً أكثر مما تمارس الدين": "فاهم شيء مَن يقوم بالإصلاح.. محمد شحرور، رحمه الله، قام بجهد هائل من خلال كتابه (الكتاب والقرآن)، وأنا قرأت له حواراً بعد 67، خلال دراسته بالاتحاد السوفييتي، هذا الكتاب ما أنجز بيوم وليلة، وطبعاً العبارة الهائلة (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)، الكتاب هنا ليس القرآن، كلام هائل، التفريق بالمصطلحات، نفي الترادف على اعتبار أن هذا إنجاز عظيم".


التعامل مع النص القرآني.. تجربة في مساجد بغداد

وتابع  سعدون رداً على "دكتور شحرور عفواً هو صحيح نفى الترادف؛ بس كان يقصد نفي التماثل في المعنى على قاعدة أن اللفظ إذا اختلف مبناه بالضرورة يختلف معناه؛ لكن هناك بعض المعاني تشتق من نفس اللفظ وإن اختلف يزيد، هذا هو الترادف المقصود فيه، أما التماثل فهو بالتأكيد مش موجود في القرآن": "هاتكلم عن تجربة شخصية في مساجد بغداد، عشتها في التسعينيات، تتعلق بالتعامل مع النص القرآني، كيفية التعامل، هذه مسألة مهمة، هناك مَن يذهب إلى أن القرآن يتم تكريمه وتوقيره بمعرفة أحكام التلاوة، كنا ندرس الإدغام والإظهار والإقلاب، وتجلس أمام الشيخ ويحاسبك على الحرف، وينتهي دورك، وإن (الم) لا أقول ألف لام حرف.. ومن رتل هنا نجد التدريس أسميه القرآن المذهبي؛ بمعنى يجر القرآن تعسفاً إلى رأي الفقيه الجصاص، حنفي فقيه، حنفي عندما يفسر آيات الأحكام، ويختلف مثلاً مع الشافعي في (لامستم النساء)، ما يحلل النص، يكره الناس أنه هذا الرأي الفقيه الصحيح؛ فمثلاً كانت هناك مساجد شافعية تدرس ابن كثير، ومساجد مالكية تدرس القرطبي، فأصبح القرآن مذهبياً، تقتبس من مذهبه الطائفة، تم تأجيره بالطائفة، وهناك إحنا تكلمنا عن السياق، الكارثة، يتم اقتطاع آيات من قبل وبعد، والناس تحفظها، شلون تبروزها في لوحة، اقرأ ما قبل وما بعد، يعني لا تقل (فويل للمصلين) وتقف".


آيات لا تُفهم إلا بسبب النزول

واستكمل الباحث والمفكر والكاتب: "وهناك آيات لا تُفهم إلا بسبب النزول؛ مثلاً سورة المجادلة بالكامل مبنية على نقاش بين خولة بنت ثعلبة وعائشة من وراء الستار والرسول، فأيضاً يجر كذا أنا أسميه تم محاولة، إحنا بالقرآن، القرآن يلوم الأديان السابقة بأنهم حرَّفوا الكلم عن مواضعه، بالإسلام التحريف أصبح أكثر من النص نفسه، يأتي التحريف بالمعنى أنه يجير القرآن لحاكم أو لشخص أو لطائفة، فيصبح القرآن ينطق باسم الطائفة، والطائفة تطلع بأكثرها تقول لك القرآن كذا يفسر هذا التفسير. (وتقام حروب باسمها).. فييجي تحريف المعنى أو يجري تحريف القرآن لنص أيديولوجي أو جهة معينة مثلاً. هاعطيك مثلاً، وهذا دائم كنا نقوله للطرفة بعد احتلال الكويت.. رئيس النظام السابق كتب كلمة (الله أكبر) على علم وجيرها، أنا أناقش، عندي حرب مع الكفار، وجرى اجتماع في بغداد، وهذا معروف، تقدر ترجع باليوتيوب، علماء من دول معينة يقولون العراق على الحق والجهة المقابلة على الباطل، وتم تلو آيات قرآنية، الجهة المقابلة قامت بالعكس.. هنا يقول لك النصوص لا تحل مشكلة، لم ولن تحل مشكلة، الذي حل المشكلة الصواريخ الأمريكية عابرة القارات، وكثير أنا ما أنظر، وكله تكلم عن سيد القمني، نصر حامد أبو زيد، لا نعول على النص أن يجيب عن كل الأسئلة، يبقي العقل البشري فعالاً وأحياناً في بعض الأمور أنا أكو حديث نبوي ما أعرف مدى صحته؛ لكن يعجبني في دلالته، دلالة يقول (اقْرَءُوا القُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ)، أحياناً تضطر إلى تحييد النص في بعض المشكلات وبعض الخلافات بين الفرق الإسلامية في فترة من الزمن، على أن تجد آلية مناسبة حتى توصل هذا النص للناس، لأنه سيطرة القرآن مثلاً أنا قبل فترة استمعت إلى شيخ في إحدى الإذاعات يقول لك فلان الفلاني، التفسير نقرأه؛ لأنه يختلف أيديولوجياً مع المفسر، هو مو بزمنه يحذر منه، يقول هذا تفسير خطر، ليش ما تدعون الناس هي تقرأ القرآن بعينها وتفهم وتناقش وتحاور، والنص والقرآن، أكو آية جميلة بسورة سبأ بتتكلم عن نقاش رب العالمين مع قريش إنه هذا محمد ما به من جنة يدعوكم الله أن تتفكروا، ثم تتفكروا، ما بصاحبكم من جنة، مثنى أو فرادى.. هذه ما توقف عندها المفسرون، العقل الجمعي، الشخص الآن بالعقل الجمعي تضيع ذاته، مثلاً صارت مظاهرة أو صار لعبة كرة قدم، فيصيح بالهتاف وحده ما يساويها، هو منضم مع الناس؛ فالقرآن يقول لأ مثنى أو فرادى ثم تتفكرون ما بصاحبكم من جنة، الإنسان يجلس مع نفسه أو مع ذاته أو مع شخص؛ ليصل إلى الحقيقة دون حسابات الربح والهزيمة الانتصار". 


وقال حسين سعدون: "ولكن لازم أن تكون هناك آلية للفهم؛ هي العقل، وبِده أدوات؛ هي الأدوات العلمية، حديثة.. فالأدوات التراثية المتعارف عليها لا بد منها، الناسخ والمنسوخ، اللغة العربية". 


المقصود بالنص الأدبي

وأضاف حسين سعدون، رداً على "أنا أتحدث عن آلية لفهم النص؛ أن النص عبارة عن ألفاظ": "هل هو نص أدبي، نص علمي، نص فكري، تاريخي؟ الفن القصصي بالقرآن، محمد أحمد الثرو، علي أو أمين الخولي، أو نصر حامد.. ما انتهى نصر حامد عليه في نقد الخطاب الديني، هو نص أدبي؛ له قواعد وسياقات تفهم من خلال اللسان العربي بالأدب.. أنا باعرف بعض المفسرين؛ مثل رشيد الخيون، باعرف كتابات الباحث العراقي، استعان ببعض الألفاظ السريانية لفهم مثلاً سورة الفاتحة، والآن تجد هذه المحاولات؛ فسورة يوسف يقول (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، (أنزلناه حكماً عربياً)".


لا بديل عن العقل

وتابع الباحث والمفكر والكاتب: "ولا بديل عن العقل بهذه الحالة؛ فالعقل بإمكانه يستفاد من الدراسات والمنجزات الحديثة؛ باللغة، بالاقتصاد، بالتفسير، بالتاريخ.. (فالعقل هو عبارة عن نتيجة ثقافات واستشراقات)، ويصل إليها بطريقة نسبية، وهنالك ييجي مبدأ التراكم المعرفي، نقف على أكتاف السابقين، نصر حامد وشحرور، نهضم ما قالوه ثم نضيف إليه؛ لكن أكو توقف، أكو عودة للوراء، ماكو أكو؛ يعني هؤلاء مثلاً نصر حامد تم تطليقه من زوجته وتم تكفيره؛ لأنه أبدى رأيه بمسائل معينة.. القرآن منتج ثقافي، له منتج ثقافي، له نص تاريخي، شحرور هوجم من أبناء جلده؛ يعني من العلمانيين ومن الإسلاميين.

هنا السؤال هو نفسه شلون يقول أسطر عبارة هائلة، الأسئلة مبصرة والأجوبة عمياء، قد نبحث، يقول لك ما عندي إجابة جاهزة، نقول المرجعية لمَن؟ وحتى إذا صدت جهة ما للتفسير، ستطالب بدليل بأي حق تتكلمين بالنص القرآني، هذه مشكلة ثانية، ليه؟ لأنه إحنا نضفي على القرآن هم قداسة، يعني من التفسير".


الناس اليوم تقرأ الصور وتتفرج على الكلام

وقال حسين سعدون، رداً على "كثير من الناس يعني يحتارون في قدراتك القرائية، أنت تقرأ كثيراً وتستخدم هذه؛ يعني ما تستخلصه من القراءات تستخدمه كثيراً بين الناس، يعني وأنا لا أتردد عن وصفك بالمثقف، مثقف متفاعل؛ يفعل مع الناس، مدى تجاوب الناس لما تطرحه أنت، الناس في علاقتك معهم؟": "في الإجابة عن سؤالك؛ القراءة مظلومة، لقب أرسطو هو القارئ، هذا العقل؛ كان لقب القارئ في اليونان، إحنا شخص بده يعرف نفسه يطلع بحوار يقول الكاتب إذن ليش ما يقول القارئ، يستنكف مثلاً القراءة أهم من الكتابة، قراءة ويدرنت، قصة الحضارة، ليه ما درست؟ عندنا أديب مصري إبراهيم عبد القادر المازني، صاحب كتاب (صندوق)، يقول القارئ مثل مسدس الماء، يمتلئ أولاً ثم يفرغ ثانياً، إذا هو ما يقرأ شلون هيفرغ؟ ولذلك أنا دائماً أقول لا تقرأ لكاتب لا يقرأ، يكرر نفسه، اجترار أنا وجدت نفسي خلال عملي في بيع الكتب، يعني بالمهنة وجدت أن روائع الفكر الإنساني موجودة على الأرصفة وموجودة على الرفوف شبعت غباراً وتراباً؛ لا أحد يقرأ، الناس أكو عبارة قالها صديق لي هائلة، يقول الناس اليوم تقرأ الصور وتتفرج على الكلام، يفوت على البسطة يا يبوء، يا يطلع قبل بالتعبير العراقي، بس ينظر أقول له هذا الكتاب مثلاً علماني أو كتاب.. يقول لي هو 400 صفحة، ما عندي وقت أقرأ، هذه مهمة، العبارة أنا مشاغل البيت وكذا زين السوشيال ميديا هائلة، محتلة الناس، ماكو إنسان ما عنده موبايل ببيته،  شنو الحل؟ الناس لا تحتاج أستاذ جامعة، أستاذ جامعة يدرس الطلاب، ولا تحتاج حلقات درس، كما يقوم بها الشيخ، تحتاج إلى وسيط معرفي، يقوم بنقل هذه المعرفة بعيداً عن اللغة الأكاديمية الصعبة واللغة السلسة؛ وهو يعطيهم أشبه بفتح شهية، هو ما يقول لا تقرأ؛ أنا هاقرأ لك الكتاب، لأ بيدق الباب بيفتح تساؤلات، هذا الكتاب 300 صفحة، بهاي الفصول أقرأ الكتاب، ولو هذا الفصل، هذا الكتاب، كذا، الناس تواصلت بشكل هائل بالدرجة الأولى، تتواصل مع الشباب، أسميه بالعراق أصدقاء، جيل زد، وهذا جيل مظلوم، اللي تبدأ تقريباً من نهاية التسعينيات للألفينات، هذه المواليد".


جيل زد.. أصل التسمية

وأجاب سعدون عن سؤال "ما أصل التسمية؟"، قائلاً: "أصل التسمية هو بالعراق يقسمونها (جيل زد) (جيل واي).. كذا، إنه هذا الجيل مغبون، لم ينتبه أحد إلى أسئلته، بيبدأ من منتصف العشرينيات إلى نهاية الثلاثينيات؛ لم ينتبه، عندهم أسئلة وعندهم مشكلات، مشكلة مثلاً.. مشكلات الطلاق الهائلة، العنوسة، مشكلات الفشل العاطفي والاجتماعي والاندماج بالمجتمع، العزلة.. ما عندهم بوصلة، شخص، دليل يعطيهم كتاباً، أقرأ السؤال دائماً اللي يأتي، حتى أنا أما أقف بالمحل، السؤال.. يقف القارئ، هي سؤالان: ماذا أقرأ؟ وكيف أقرأ؟ في سؤاله وهو حائر يقول لي ما أعرف شكل الكتب، هائلة، كتب كثيرة، شلون أريد أقرأ؟ مثل يوناني (العلم كبير والعمر قصير)، زين؛ فأنا وظيفتي من خلال خبرتي البسيطة اختصار للطريق أقول اقرأ هذا الكتاب، اقرأ هذا الكتاب هيفيدك بأجوبة لأسئلتك في كثير من الأمور. مثلاً أكثر سؤال جاني الشهر الماضي بشكل هائل على مواقع التواصل، العراقيون كانوا يحتفلون بموضوع عزاء عشرة محرم، وهذا بالعراق حدث هائل وتاريخي؛ استشهاد الإمام الحسين سنة 61 هجرية، فيدخلون لي على الخاص يقولون الرواية السائدة ما تنقل بالفضائيات من خلال المقتل، نحن العراقيين نسميه مقتل، يصعد الخطيب إلى المنبر بطريقة بكائية يستعرض، يقولون لي هذا ما يقنعني، أريد أن أعرف لمَن أقرأ أنا عن هذه الحادثة، فأعطيه أمهات الكتب، تاريخ الطبري أو غيره، أو أناساً محدثين؛ مثل المدرسة العراقية التاريخية، مدرسة هائلة، جواد علي عبد العزيز الدوري، صالح أحمد العلي، رشيد الخيون، عباس العزاوي، علي الوردي، هم بنقدر نعتبرهم.. فأعطيه مصادر حديثة؛ هذا العلوي جداً مظلوم، تكلم عنها بحيادية هائلة، وبتفكيك استخدم أدوات ماركسية، هل يعلم الناس أن مرتضى مطاهري، وهو كان من المفترض يكون خليفة الخميني، لكن قُتل عام 79؛ عنده كتاب اسمه (الملحمة الحسينية) يستعرض خمساً وسبعين في المئة بالكتاب خرافات ما لها أصل، وكان عنده عقل جريء على شريعته. صدر كتاب الشهيد الخالد نعمة الله صالح، من داخل المؤسسة الدينية هناك، أكو هائل؛ بس المهم تشرحها، تضع إيده؛ لأنه القارئ كسول، كسول ذهنياً، منين يروح، هو لازم يبحث، يبني تجربته الذاتية، يستفيد من مبدأ الخطأ، والصواب يصير عنده نضج، لأ كسول يريد واحداً، ولذلك تذكرني عبارة بالتراث قالها ابن عبد ربه الأندلسي، في كتابه (العقد الفريد) تصف حال المواطن العربي، يقول لك (قد قسَّمَ الله الأرزاق بين الناس، فلم يرضَ أحد برزقه، وقسَّمَ العقول، فرضي كل بعقله)، الصبح طابور؛ مثل القاهرة مثل بغداد، الزحام، أنا حتى أصل إلى عملي ساعتين، ناس معذورة تبحث عن العمل؛ لكن كم واحد ييجي يشتري كتاباً ويبحث أو يسأل قلة، نخبة، لذلك صحيح أنا كنت أسمع العبارة؛ لكن الآن آمنت بها، أن الحضارة لا يصنعها القطيع، تصنعها النخب، ما ممكن كل الناس يكونون متنورين وكذا وكذا؟ لأ نخبة، الراحل الآن جرى اهتمامي بكتاباته بالفترة الأخيرة، عبد الوهاب المسيري، عنده كتاب اسمه (سيرة غير ذاتية وغير موضوعية) كتاب جميل جداً قرأته أكثر من مرة، يقول في الكتاب عبارة مهمة، يقول (أنا لا أخاطب جميع الناس وإلا أصبحت كاتباً فاشلاً، ولا جميع القراء)، أنا في بالي وأنا أكتب قارئاً محدداً بعمر محدد، بمشكلة محددة؛ أوجهها إليه مثل الطبيب، مثل ماكو تخصصات الكاتب طبيب هنا، أنا جت لي غياب المؤسسات التعليمية، كان يقوم بها المعلم، دور الوظيفة الأب، مثلاً تأتي فتاة أو فتى يسألني على قضاياه وأيد أموراً، أقول له ليش ما سألت بالبيت، يقول أُعَنَّف، لا تتم الإجابة عن أسئلتي، أسكت مثل ما الطفل اللي هو يطرح أعقد الأسئلة بالوجود، يتم تعنيفه (اسكت، لا تفكر.. لا كذا، لا كذا)، زين ما أقدر أذهب إلى الشارع أو إلى المدرس، فيذهب لشخص يتكلم بهذه المواضيع لا يراه هو عبر شاشة مختفٍ، ويطرح علية السؤال.. بالمناسبة، أنا لا أستطيع أن أجيب عن كل الأسئلة".


كيف يمكن خلق طبقة مثقفين؟

وأجاب حسين سعدون عن سؤال "كيف يمكن خلق طبقة مثقفين؟ هل يمكن أن نخلق طبقة مثقفين؟ يعني في غياب مؤسسات المجتمع، في غياب مثلاً دور التعليم، في غياب مثلاً ظروف استقرار اقتصادي أو مادي أو سياسي، مثلاً كيف يمكن يعني تخلق طبقة مثقفين على الأقل تلملم المجتمع وتقوده ومن ثمَّ تضعه على المسار الصحيح؟"، قائلاً: "أنا وجهة نظري ومن تجربتي الخاصة، قد أكون مخطئاً.. يجب أن نخرج هذه الأمور من يد الدولة؛ نصر حامد أبو زيد عندما قال بالتسعينيات بالهلال الهائل، اسمه سقوط التنوير الحكومي، إحنا عندنا بالعراق كتجربة شخصية أسميها الدولة التي تقوم بمفهوم الأب، المواطن يمرض يصيح يريد من الدولة دواء، يريد كذا، كهرباء، ماكو يريد من الدولة كهرباء، وبعدين يعاتبها، يحتاج يعاتبها؛ هو مثل الأب القاسي. هنا الدولة دورها لازم توفر له جميع ما يحتاج، وهو عاجز ما يسوي أي شيء، ليش ما نعطي يد المبادرة للمجتمع، آدم متز، المستشرق البريطاني، بكتابه (المجتمع في الإسلامي في القرن الرابع الهجري) يعتبر أعظم عصر، انظر إلى الحراك الهائل في ذاك العصر؛ أبو حيان التوحيدي، إخوان الصفا، خرجت من الدولة العباسية، الأفراد هم مَن تولوا زمام الأمر؛ لذلك يجب خلق طبقة مثقفة بعيدة عن يد كذا، بمساعدة المجتمع المدني؛ الأطباء والمهندسين والمثقفين والمفكرين، اللي عندهم كلمة مسموعة، هم الذين يشكلون هذا الشيء".


الدحيح مثالاً.. مؤثرو المنصات

وأضاف الباحث والمفكر والكاتب، رداً على "ضمن الظروف السائدة في المجتمعات العربية؛ هل هناك فسحة أن يتم خلق طبقة مثقفين بعيدة عن الدولة مثلاً؟": "ممكن بحلول فردية، الآن نجد مؤثرين بمصر أو بالعراق أو بأي مكان، عندهم ملايين المتابعين بعيداً عن يد الدولة، منصات الناس تنتظر برامجهم، عندنا شخص بالعراق مؤثر كانوا ينتظرون برنامجه كل جمعة، الناس بالشارع تترقب البرنامج، كان ذا طابع سياسي لا موجه من الدولة، ويبث خارج العراق.. عندنا أمثلة بمصر وغيرها، (الدحيح) وغيره بدول عربية، موجودون؛ أسماء بالتيك توك أو تويتر".


حضارة الموجة الثالثة والثورة التكنولوجية

وأجاب حسين سعدون عن سؤال "هل تعتقد أن السوشيال أداة مهمة أو أداة فاعلة في خلق طبقات المثقفين؟"، قائلاً: "الأداة هي الأساس؛ هي أصبحت الشخص اللي يغادرها يغادر المعرفة، وهذا تكلم عنه مبكراً آلفين توفلر (حضارة الموجة الثالثة)، أنه ستظهر ثورة تكنولوجية تعيد الخطاب القديم السائد الذي كان يقوم به مثلاً شخص يصعد ويتكلم بطريقة وعظ، لا السوشيال ميديا ماكو مواطن ما بجيبه موبايل وبالتالي يقلب، أنت بالدرس الأكاديمي تخاطب الإنسان المثقف، أنت بالسوشيال ميديا تخاطب الأُمي، تخاطب غير المتعلم، تخاطب إنساناً ما عنده ثقافة. أنا يستوقفني بالشارع شخص يقول لي أنا ما أقرأ كتباً بس أسمع لك، وربة البيت.. فالسوشيال ميديا موجودة بكل مكان، ليش ما يتم تطبيقها؟". 


المجتمع المدني يلملم نفسه وأطرافه

وتابع  سعدون رداً على "كيف تمكن الخلق من خلق طبقة، يعني هذه الطبقة لازم بدها تكون على الأقل فيها شخوص، فيها تحديدات، فيها مستويات ما؟": "لذلك لا بد يتعامل المجتمع المدني؛ هو يقوم ويلملم نفسه وأطرافه، مثلاً قبل فترة بالعراق، اتحاد الأدباء وهو اتحاد غير رسمي، قام بفعاليات؛ أنا رحت نظر منها مع علي بدر ووائل العراقي وغيرهما، أسبوعية كل خميس، ودعوة عامة مجانية. أنا رحت عن أثر القراءة علي بدر، عن أثر مدير دار نشر، عن أثر الطبع، شخص، عن الطباعة، أسبوعية، وهنا المشكلة، صوت الثقافة، نقدر نقول صوت التنوير ضعيف؛ لكن يجب دعمه.. هذه الفعاليات والنشاطات تغري الناس وتبدأ تبحث، هو هذا السبيل الوحيد.. تبحث أن تصبح الثقافة عندها جزءاً..".


مفاهيم الثقافة تختلف من عصر إلى عصر

وأجاب الباحث والمفكر والكاتب عن سؤال "هل هناك مفهوم محدد للثقافة للجميع أم هناك ثقافة للأفراد ومن ثمَّ تتضافر جهودهم الثقافية ليصبحوا مثلاً تياراً؟"، قائلاً: "الثقافة؛ سنفتح أي معجم بالثقافة يطلع لنا 360 تعريفاً؛ يمكن أشهرها تعلُّم شيء عن كل شيء، ولَّا تعلُّم كل شيء عن شيء.. مفاهيم الثقافة من وجهة نظري تختلف من عصر إلى عصر، أكو كاتب مصر الراحل، وكان تولى وزارة الثقافة اسمه شاكر عبد الحميد، شاكر أصدر بـ2005 كتاباً مهماً، ما أحد انتبه إليه اسمه (عصر الصورة)، أنا جبت منه هذه العبارة (الناس اليوم يقرؤون الصور ويتفرجون على الكلام)، قال الكلمة المكتوبة سيقل تأثيرها؛ ستبدأ المرئية، المسموعة والمكتوبة، الصورة ستحتل مكان ألف كلمة، كيف تستغل الصورة؟ كيف تصل إلى الناس؟ كيف تخلق لهم المعرفة؟ اليوتيوب وسيلة من وسائل المعرفة، هذا شخص ما يعرف شيئاً في الفلسفة، يقول لك داخل أخلصها، فما أعرف، قُلت له اكتب على اليوتيوب أرسي برول، يطلع شخص من الولايات المتحدة أعتقد درس لاهوتي، يشرح الفلسفة بشكل مبسط جداً يستطيع يفهمها أي إنسان، يمكن هو أرسي نفسه لو يكتب ما أحد يقرأ له". 


استخدام الصورة ونقل المعرفة

وأضاف حسين سعدون، رداً على "لما تقصد استخدام الصورة في نقل المعرفة أو تكوين طبقة ثقافية، ما المقصود بالصورة؟ أي صورة يمكن أن تشارك في هذا؟": "الصورة أن تخرج أنت كلحم ودم، أنت مو إنك تكتب لحم ودم وتتحدث للناس.. آه دون تصوير ودون تقنيات، وتضع كاميرا الموبايل وتمسك.. وليس شرطاً حكواتي بس عن طريق السوشيال ميديا؛ قد تكون فيديوهات قصيرة مكثفة، مو بشرط أنها طويلة، بالمناسبة أنا ما عندي فيديوهات طويلة أكو مفكرين يميلون باليوتيوب، هي قصيرة، مجرد أن يشاهدها تقطع سمعه مثلاً.. أعطيك تجربة؛ دُعيت إلى محاضرة في كركوك قبل سنتَين، كركوك قريب، شمال العراق، وكان المحاضرة هم طلبوا مني قالوا أكو مفهوم يتعرض للتشويه، واضح النية، هو التنوير، وهو واحد من أهم المفاهيم تتعرض إلى التشويه، بناء على تعريف كاتب مقال شهير (كن جريئاً في استخدام عقلك) أنت بتفسيراتك بالكلام راح تذكر ديكارت وهيجل وماركس، لازم تذكرهم، فبنهاية المحاضرة لفت انتباهي واحد أو اثنين بأسئلة الجمهور، وهذه الأسئلة أنا جداً أهتم بها، لأنها مرآة أفكار الناس، قال لي أنا مليت الدفتر بأسماء ما سامع بها من وراك بسببك باكر هاروح أبحث عنها هايد وهيجل وماركس؛ لأن هو يمتطي على ذكر اللسان العربي مثلاً ها الثلجي مثلاً هسا جه في بالي (وعلم آدم الأسماء كلها) هذه الآية بها صراع هائل، أن الأسماء هي أساس المعرفة، أنه هذا قلم وهذا كذا وهذا كذا مثلاً؛ فأنت من أجا في باله، في ذهنه".


اختبار المفاهيم بالواقع

وتابع الباحث والمفكر والكاتب: "اختبار المفاهيم بالواقع، وكثير من المفاهيم سقطت؛ لأن الواقع ما أرادها، فأثبتت فشلها. نقدر نقول هذا، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)، أنا أحد المفسرين المعاصرين أجبني في تفسير إبراهيم عندما حطَّمَ الأصنامَ، قال هانينا أن ينفعوكم أو يضروا، أستنتج مَن ينفعون البراجماتية مثلاً".


علم آدم الأسماء كلها.. تمكين العقل البشري

واستكمل سعدون رداً على "فبالتالي علم آدم الأسماء كلها، بمعنى مكَّن العقل البشري من القدرة على توسيم الأشياء من الواقع، وبالتالي قدرة تطوير العقل البشري دائمة ما دامت الأرض والسماوات قائمة": "صحيح، وأنا أعتقد شحرور أو غيره تكلَّم عن موضوع الأجل والقضاء والقدر، مثلاً النظام الصحي باليابان متطور، فنسب الوفيات تقل، فالإنسان يعيش تسعين سنة، وتجد في اليمن حروباً أهلية، يموت أربعين سنة، هذا الموضوع بعيد عن القدر، إنها قدرة الإنسان، يزيد في الخلق ما شاء، يعنى قدرة الإنسان على تأجيل الموت أو التعجيل به راجعة إلى الإنسان، بعيدة عن القدر الإلهي (يعني الإنسان يتدخل في إطالة عمره؛ ولكن بس لا يتدخل في وقف الموت) صح، لا الموت لا يقف حتى ظهروا جميع الأنبياء (فالموت واقع)".

 

ثنائية القرآن والطبيعة

وأضاف سعدون: "ولذلك محمد إقبال أو أكو مفكر سوري هم جري ما جري شحرور، بالمناسبة جودت سعيد إذا سامع به مات بتركيا عام 21، تكلَّم عن ثنائية القرآن والطبيعة، بيقول دائماً القرآن ما يطرح الحالة بداخلك، (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)، هل إحنا سرنا بالأرض؟ كثير من الآيات تطرح القرآن يخرج ويشوف مصداق إلها، ووقتها تكلم عن سقوط الاتحاد السوفييتي، وربطها بآيات قرآنية، بأنه الظلم الذي يؤدي إلى هلاك الدول، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)".


وقال الباحث والمفكر والكاتب رداً على "هناك ثنائية في رأيي الإنسان يتبادلها في تحديد مدى حريته؛ أنت تحدد حريتك بالشكل الذي أنت بِدك إياه، إذا بِدك تؤمن فعندك حدود، وإذا بِدك تكفر فعندك حدود، وبالتالي هذا الأثر يبيِّن فاعليتك في الحياة": "صح؛ يعني السنن الإلهية، مفهوم السنن هائل؛ حتى عندنا مفكر عراقي اسمه أحمد باقر الصدر، كتب عن السنن الإلهية التي لا تتغير، سنة الله في ما كذا، السنن، القوانين، أنا أفهمها مفهوم القانون، الآن القرآن سبق وتكلم عن سنن ثابتة بالكون لا تتغير".


السُّنة هي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير

وتابع حسين سعدون رداً على "ولهذا الناس تخطئ في اعتبار أحاديث ما نقل عن الرسول سُنة باعتبار أنها سُنة؛ ولكن حقيقة السُّنة هي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير، أما الأحاديث فهي أحاديث نقلت عن الرسول، قد يكون جزء منها صادقاً، وقد يكون جزء منها غير صادق، وقد يكون نُقل بالمتن وفيه شيء نقل بالكلام، وفيه شيء نقل...": "صح؛ ولذلك العقل السُّنني هُزم لصالح العقل الخوارقي أو المدمر الذي يدمر الخوارق. أدعوك إلى قراءة جودت السعيد، مهم جداً، وكان شحرور صديقه، وتبادلا بعض الأفكار، فأنا قرأت له مبكراً (اقرأ وربك الأكرم) وغيرها. بالمناسبة هو أول واحد كتب عن سيد قطب عام 66، صدر كتاب درس فيه مصر على موضوع العنف، وطرح سيد قطب معه في الطريق، واستشهد بآية قرآنية (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ)، يقول هذه تعطي أنه العنف، فيقتل نفسه بنفسه، وينهي كل شيء، وإن هو دعا، وللأسف الفكرة ما نجحت، إلى تبني غاندي ومارتن لوثر كينج وغيرهما في تبني منهج اللا عنف، وجاب له أصولاً قرآنية تبدأ هي من قصة ولدي آدم، هذا القرآن، سبق بها الجميع؛ لكن لا يستمع أحد".


واستكمل سعدون رداً على "يعني قد يكون ذلك بس؛ لكن فيه قاعدة في القرآن (لا تعتدوا)؛ يعني العدوان أساسي، إنه عدم الاعتداء أساسي في القرآن؛ لكن لا يمنع أن تقاتل لأجل حقك، لأجل يعنى إنه إذا صار فيه اعتداء عليك): "ولكن القتال هنا مهمة الدولة لا الأفراد؛ هي هامة بين أهم النقاش...".


إشكالية خلق طبقات مثقفة واستغلال السوشيال ميديا

وقال الباحث والمفكر رداً على "أعود إلى فكرة قصة خلق طبقات مثقفة والتفاعل مع الناس واستغلال السوشيال ميديا، التي أنت تقريباً يعني وقتك واضح فيها أو جهدك واضح فيها.. هل يمكن تعميم مثلاً نموذج حسين السعدون في المجتمعات العربية؟": "أنا أقول لك كنت تجربة، حالة خاصة؛ ما ممكن تعميم، تأخذ الشكل"، مجيباً عن سؤال "هل كثرة القراءة ستنتج عندنا مثقفين؟"، قائلاً: "هنا يطلع سؤال: هل أنت تركز على الكم ولّا على النوع؟ يعني هنا أكو قاعدة ماركسية، يقول التراكم الكمي يعقبه تغيير نوعي، أنا وجهة نظري قد أكون مخطئاً.. انتقالة أوروبا الهائلة، وجهة نظري جَرَت عصر العقلانية والتنوير عندما تم تحويل العوام والجمهور إلى شعب، ناس؛ للأسف إحنا عندنا عبارات بالتراث ورثناها، مثل حامد الغزالي (إلجام العوام عن علم الكلام)، كلمة العوام دائماً مخيفين وذلك وكذا وأنه كان القضية قدرية، ولذلك مثلاً أعطيك صورة لتقريب الموضوع.. موضوع التخلف، هل هو موضوع قدري ولَّا موضوع إنساني خاضع للتغيير؟ لا موضوع إنساني خاضع للتغيير بالطبع، أنا رجعت إلى كتابات أبو حامد الغزالي وغيره أو حتى أرسطو يعني، حتى الفلسفة الإغريقية ترى أن التباين بين الأفراد هو ليس تبايناً تاريخياً، هي جملة خاطرة بالثقافة، هو تباين طبيعي، تباين يعني قدري، قدري ما تقدر تغيره..".


الخطأ الثقافي يقتل أمة

وأضاف سعدون: "لذلك أنا دائماً أتكلم للأصدقاء، أقول لهم أكو فرق بين الخطأ العلمي والخطأ الثقافي؛ الخطأ العلمي قد يقتل شخصاً، أنا طبيب قتلت واحدة بعملية، بناية شيدت خطأ؛ بينما الخطأ الثقافي يقتل أمة، مثل الدواء، إنه فكرة ثقافية تعيش الناس بعد ألف عام بوهم إلى أن يأتي شخص، يعني لو محمد شحرور ما موجود، هل كان تم فتح سؤال القرآن من جديد وأن الناس تبقى تتساءل، أنا أعتبر أنا فضيلة لمحمد شحرور، أنا وجهة نظري هو إعادة السؤال عن القرآن، خلَّى الناس في حيرة، إحنا بدنا نقرأ من التفاصيل شنو أني مرات يعني مثلاً التفسير (والفجر وليال عشر) الآن انتشرت، أصدقاء شوف رد الفعل فرحانين يقولون هذا فهم غير ذاك الفهم القديم، (والفجر وليال عشر والشفع..)، وهو آية من آيات القرآن يسلط عليها الضوء بالقضاء، (للذكر مثل حظ الأنثيين) وغيرها، فإثارة السؤال يخلي الناس في حالة قلق، هي مهمة جداً؛ خلق التجربة نفسها، ما أقدر أحكم عليها، أنا أقول لكل إنسان تجربته، والآن التقليد غلط، أنا ضد التقليد؛ إنه الإنسان يقلد أي شخص ما راح ينجح تجربته، هو من واقع تجربته وتفاعله مع الناس، مو شرط منصات ثقافية، يعني مو شرط يعني".


معركة القيم العربية

وأجاب سعدون عن سؤال "الكل مُقر أن المجتمعات العربية تعيش في ظروف مزرية حقيقةً؛ سواء على مستوى الحريات ولَّا على المستوى حتى الاقتصادي أو حتى على مستويات الفهم والمستويات المعرفية، طيب أوروبا تعيش في مستويات مختلفة أو حتى في دول جنوب شرق تعيش في مستويات مختلفة؛ لكن إذا بدك تبحث مثلاً تقارن بينه وبين جنوب شرق آسيا، هم عندهم مستوى معرفي، لكن ما بتحس الزنقة اللي عايشاها المجتمعات العربية، مش كيف في المجتمعات الأخرى، ما السبب؟ يعني ليه البؤس بادي حتى وإن كان الإنسان مرتاحاً مادياً؟"، قائلاً: "هسا؛ حتى باديك مثلاً، تجربة، هاي أنا مرتاح مادياً، أنا بارحل بمطار بغداد لآجي إلى القاهرة، وإحنا عندنا جماعة قاطعين بزنس بزنس، هذا مترف ولا مو مترف، عشان أكو عطلة بالكون ترى صياحاً وهرجاً وضرباً بالأيادي، موجود باليوتيوب، فشُفت قُلت حتى الإنسان اللي عنده فلوس ما خلص من المشكلة، أكو مقولة أنا قرأتها بعلم الاجتماع أعجبتني، تقول (الإناء القذر يفسد اللبن الصافي)، البيئة بالتعبير العام، البيئة خربانة أقدر أقول لك إياها فلم ينجح بها أي حد، سقفها وضعها مشاكلها قديمة، يعنى آخذ مثلاً مفكراً جريئاً مثل مالك بن نبي، هو البعيد عن التصنيف الطائفي، مالك بن نبي عنده رؤية لم ينتبه إليها أحد، بتحتاج إلى توضيح، يقول البيئة العربية، الوضع العربي العام، الشللية، المواضيع الثقافية اللي بتقتل الإبداع، بدأت من صفين، يحللها ويجيب بعيداً عن الرؤية الطائفية، هو يطرحه علمياً، يقول اختلال القيم، معركة القيم العربية انتهت من صفين؛ لأنه هناك استبداد وتوريث وكذا.. والطرف الآخر تم قمعه بقوة قبل ما يصير الموضوع صراعاً مذهبياً، فأنا أشوف أن كل الخلل، هذا وجهة نظري، هو اختلاف أولويات الناس، ماذا تريد؟ الموضوع الثقافة والفكر بالمؤخرة، قد لا يكون يستحضر عند الناس نهائياً؛ لذلك استطاع الحاكم ورجل الدين والمنبر والتاجر والكاهن أن يسيطر على الناس.. الثقافة ليس لها وجود، فلنأخذ مثالاً، أنا أعمل في مجال الكتب، أكو بيت عربي ما به مطبخ، إذن كم بيت عربي به مكتبة؟ أتحدث عن تجربة، أنا أدخل إلى محافظة النجف، الثقافة، يقيمون عليها دعوة وهي مدينة الإمام علي، عليه السلام، اللي يقول علي بيت العلماء، زين أنا مدينة العلم وعلي بابها، والإمام علي عليه شبه إجماع كل تراث الفرق الإسلامية، من عنده أنا أعطيك من عندي زمان أنه تسعين في المئة من هاي البيوتات بها كتب أدعية وقرآن فقط، ليس بها.. وكسوق بالنجف الآن يعني تاريخ هائل اسمه سوق الحويش بالكتب، الحويش الآن يجري هدمه وهدم نصف السوق، حتى يصير مجمعات ويتم إلحاقه بالمرقد وتصير النجف دون مكتبة؛ لذلك أنا أقول لأصدقائي الصبح إذا قعدنا في بغداد وماكو لحم بالسوق أو ماكو طماطم أو ماكو خيار، ستصير ضجة أنا عشتها بزمن صدام، يعني مو شيء، إحنا جلسنا في يوم الصبح ماكو بيض بالعراق، نسمع فلان جاب بيض نروح نركض، أمواس حلاقة ماكو طبعاً.. هاي الأزمات يخلقها النظام..".


العربي يقرأ 6 دقائق في السنة

واستطرد  سعدون: "لكن إذا اختفت المكتبات، المتنبي أشهر شارع كتب في بغداد، وأنا أعمل به من عام 2010، بغداد تعدادها تقريباً عشرة ملايين، المتنبي ما يزورها ألف شخص، يجيب الألف للعشرة، زين.. خلينا نأخذ الأرقام، لا تكذب، أهم كاتب بالعراق الدكتور علي الوردي، عالم الاجتماع، تطبع كتبه في دار نشر يملكها صديق أقول له كم نسخة تطبع بالطبعة؟ كان يطبع ألفَين، تراجع، قال خسارة، وهسا أجيب لك مثلاً من مصر أنا سمعته الآن بالنسخة الأحدث يطبع 500 نسخة، بلد تعدادها أربعون مليون نسمة تصدر 500 نسخة، أنا شفت لقاء لإبراهيم المعلم شخصياً، شفته بالتليفزيون يتكلم (دار الشروق)، مدير دار الشروق، عن طباعة روايات نجيب محفوظ في مصر، طبعاً نجيب محفوظ كاتب يُقرأ عالمياً مو بس عنده مقولة دائماً أنا أحبها، يقول (العالمية هي المحلية دون أسوار)، كلها تقرأ نجيب محفوظ، قال له كم نسخة تطبع سيادة المعلم؟ المحاور قال له خمسة آلاف نسخة، وأخسر فيها خمسة آلاف، نييجي نحسب زين، مواطن عربي؛ المواطن العربي مش قد 300 مليون.. نسبة القراءة أكو مقولة إحنا دائماً نتداولها، إسبانيا تترجم أكثر من العرب، والعربي يقرأ ست دقائق بالسنة، وحتى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلر) هي كتب موجهة، إما تكون كتب طبخ أو كتب سحر، كتب معينة، مو كتب فكرية مثلاً، عندنا كتاب هائل بالثقافة العربية صدر أنا دائماً أدعو إليه بالفيديوهات، وقت أدخل مناهج التعليم صدر بالكويت، من سلسلة عالم المعرفة، (التفكير العلمي) للدكتور فؤاد زكريا، كم واحد يعرف عن هذا الكتاب؟ كم واحد سامع فؤاد زكريا؟ كم واحد سامع بزكي نجيب محمود؟ كم واحد عندنا هو يسمع بالعالم العربي كله مفكرون، كم واحد سامع بعبد الرحمن منيف؟ عندنا الشعراء لهم شهرة؛ لأنهم يخاطبون الناس، مثل محمود درويش، نزار قباني، بس كم مفكر الناس تسمع به وتقرأه وتتابع كتبه وأخباره؟ ليه الغرب مهتم بتصدير هاري بوتر 600 ألف نسخة؟ الكاتب يصدر كذا نسخة، يجتمعون وياه، الكتاب يصدر بالشتاء لو بالخريف لو بكذا، وتأثير الكتاب على العقل الغربي هائل، ليه بالشرق عندنا هذا التراجع؟".


حجة أنه لا مجال أو وقت للقراءة

وأضاف حسين سعدون: "يعني هي مو أولويات الناس، الثقافة، الناس تريد أن تعيش، أنا أحكي ويَّاهم، مرات أصدقائي يقول لي أحدهم ما عندي مجال أقرأ، أنا موناكب بالبيت، أنا متزوج، أنا كذا.. أنا كذا، أنا عسكري، أنا طالب، أنا مسافر، لا ننسى عندنا نسبة الأمية العالية، زين هو أُمي، شلون يقرأ؟! وإذا ما أخذنا تقسيم نجيب محفوظ، قومية أبجدية، قومية حضارية.. هل نذهب إلى التفسير العنصري، أنه العقل الشرقي غير قادر على التفكير برأسه؟ وهذا التفسير طرحه أرسطو من ألفَي سنة، هو ما زال موجوداً؛ لكن أحياناً نقول أكو ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية قاهرة خلّت الإنسان يذهب إلى هذه الأمور، ما يريدها، أو يذهب إلى حلول بسيطة، إلى مواضيع قراءة كتب دينية خفيفة أو كذا.. بس ما لها علاقة بالكتب الفكرية الصعبة، أنا أعتبر الكتب الفكرية صناعة ثقيلة؛ يعني مو أي إنسان حتى لو مثقف، مو أي إنسان يقدر يقرأ عبد الله العروي فرضاً أو الجابري؛ لأن نصوصهم ثقيلة، بحاجة إلى قارئ محترف، وهنا وقعنا في مشكلة ثانية، أكو مثقف سهل لكاتب سهل يطرح كتابات، ما تجيب أسماء الآن يحتلون معارض الكتب، الناس تجري وراهم وأكو مثقف صعب كتبه على الأرصفة على الأرفف ما أحد يقرأها، نقدر نقول بعبارة أخرى إن كتابات المثقف العربي لم تتحول إلى سلطة، وضعت بالأرشيف؛ يعني فوقه، أنا كنت في الجيرة في الإمارات، قبل أقل من السنة، التقيت الدكتور أنور مغيث، اللي كان مدير المركز القومي للترجمة، سألته، وهو كاتب محترف جداً، ومهم بالترجمة، قلت له دكتور أنت ليه تركز على ميشيل فوكو بكل مقالاتك؟ قال لي هو أهم مثقف غربي بالقرن العشرين، حتى بالصين؛ لأنه ميشيل فوكو تكلم عن معاناة الإنسان الغربي الرأسمالي في مسألة تاريخ الجنون، مسألة السجون والسلطة وقمعها الآخرين.. زين، هنا كتابات ميشيل فوكو صارت سلطة تحولت بعدين، تتأثر.. إحنا الكاتب العربي، كتبه هو لا يستطيع أن يطبع، وكتبه لا تكفي لمعيشته، وخد اطبع لك كام نسخة، وبعد وفاته كتبه تباع في شارع المتنبي، كل جمعة عصراً عندنا مزاد تقريباً لكاتب توفي، أهله أول شيء يقومون به التخلص من كتبه، تباع فتجد، توقيعات على الكتب لا تقام في متحف أثري، وكذا مثل متحف أم كلثوم أو طه حسين لا تُقام؛ يتم التخلص من كتبه مباشرةً. ثاني شيء ما عندنا إضافات نوعية للمفكرين، أكو مفكر يخرج في زمانه مبدع مثل طه حسين، مات طه حسين، مين يكمل مسيرة طه حسين؟ ومات نصر حامد، مات شحرور، هل هناك إضافات نوعية لهم؟ هل طلعوا ناس مدرسة اتبعوهم، حفظوا مؤلفات هؤلاء، وصار تراكم، وبعدين كتبوا بطريقة أكثر نوعية وأكثر نضوجاً بعد رحيلهم؟ لا يوجد، فنبقى نردد مقولاتهم، وهذه أهم مشكلة ترديد مقولات الكاتب، قتل له، والقارئ يجب أن يتحرر منها قدر الإمكان، في مصر وجهة نظري خرج علي مبروك؛ علي مبروك كتب أفكاراً مقسمة جداً مهمة، كتب عن الخطاب السياسي الأشعري، وعلي مبروك يتبنى رؤية، وعلي مبروك تمت محاربته حتى من الترقية من مفكرين مهمين في مصر، ما بجيب أسماءهم، ماتوا ورحل الرجل مظلوماً، يعني غاضباً، يعني رحل عمره 58 سنة، مات، كان عندي مراسلات معه عبر الفيسبوك، علي مبروك عنده نظرية هو ينفرد بها وحيداً؛ أن الاستبداد العربي المعاصر هو استبداد أشعري، ويضع إلى السياقات ويقوم بربط تاريخي، وهذا الاستبداد يُجدد ويكرر نفسه بنفسه، وينتج الكوارث، وكان امتداداً لمسيرة الراحل نصر حامد أبو زيد".


ثقافة العقل العربي أو الثقافة العربية

وقال سعدون رداً على "إذن الاستبداد يعني أحد العوائق، مَن أكثر عائقاً في التطور؟ خلينا نسميه ثقافة العقل العربي أو الثقافة العربية بشكل عام.. الاستبداد عند رجل الدين أو المؤسسة الدينية؟": "أنا عندي وجهة نظر؛ قد أكون مخطئاً بها، فالغرب كان أكبر عائق.. المؤسسة الدينية هنا المؤسسة السياسية، وجهة نظري المؤسسة السياسية ماسكة المؤسسة الدينية، هي توجهها تقريباً في المسألة.. ألف سنة، فمن يصير نقاش على موضوع العلماني والأصدقاء والعلمانية اعتبرها فكراً إنسانياً هائلاً، أقول مسار العلمانية بالغرب يختلف عن مسار العلمانية، عندنا المسار يختلف، هم هناك مشكلتهم غير مشكلتنا، وهذه وحدها مشاكلنا إحنا، تكلم عنها أدونيس مرة يقول ليه أكون مفكراً علمانياً ماركسياً فرنسياً إيطالياً، مثلاً لوي ألتوسير مثل جرامشي، ليش ماكو علماني عربي صدر كماركسي؛ لأنه جيبناها بحذافيرها، ما أضفنا لها شروطها العربية، علمانية بحاجة إلى.. عندنا مشكلة بالمصطلح، بتقدر تتحدث، الجابري يقول يجب سحب المصطلح من القاموس، هذا مصطلح مرجوم؛ مثل مستخدم المدنية مثلاً زين...".


العلمانية طريقة تفكير

وأضاف الباحث والمفكر والكاتب رداً على "أنا في رأيي العلمانية مش فكر؛ إنما طريقة تفكير": "نعم؛ فالاستبداد ماسك على الكل، وقاضٍ على الكل، والاستبداد موجود برجل العائلة، ورجل الأسرة، ورجل الدين، والصديق.. وغيرها، مو شرط أنه موجود بس بالشخص اللي حكى ثقافة عندنا متوارثة، لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد؛ لذلك زكي نجيب محمود عنده كتاب جداً مهم، تجديد العقل العربي؛ يقول هناك فرق أن تكون صاحب رأي، شوف تلعب باللغة، وأن تكون صاحب الرأي، يقول السلطان بالثقافة العربية تحول من صاحب رأي إلى صاحب الرأي، ها الكارثة، وأيضاً يؤشر لموضوع انهيار المعتزلة، هذا ما تكلمنا عنه، الثقافة العقلانية؛ ليه انتصر الغزالي على ابن رشد، ليه انتصر الأشاعرة على المعتزلة؟ نفس الأسباب".


الأفكار الاجتماعية بالتاريخ

وأجاب سعدون عن سؤال "ربما قرؤوا بطريقة مختلفة؟ يعني الموضوع مش مسألة انتصار أو غلبة؟"، قائلاً: "لأ؛ أنا أعتبر الأفكار الاجتماعية بالتاريخ، هاي مرة قرأت بتوينبي، أجبني أرنولد توينبي، صاحب نظرية التحدي والاستجابة، يقول كل لحظة مجتمعية تحتاج إلى شرطَين؛ الأول الرياضة الفكرية، أن يكون عندنا رواد، ابن رشد والفارابي، والشرط الثاني الاستجابة الاجتماعية، أن الناس تحمل هذه الأفكار وتنقلها إلى بعد...


إشكالية استجابة المجتمع للمثقف

وأضاف حسين سعدون رداً على "كيف تجعل المجتمع يستجيب للمثقف؟ ما الشروط التي يجب توفرها؟": "الميت إذا قرص يصيح أخ ماني جرح ميت إيلامه، هو ميت، أقول لك تعالَ استجيب، ميت تحت ضغط، وضعه الاقتصادي والسياسي ما باقدر أجيب أجوبة أيديولوجية جاهزة؛ بس أنا مثلا تجربة الشرق، آسيا، تجربة مثيرة للاهتمام، وسنغافورة وغيرها، واهتمام كذا أحياناً بالدول العربية، ما أعتقد عندنا تجربة رائدة، أكو ديرنا عليها سحق الإنسان تحت ضغط الحياة المتواصلة، مسألة العمل، جوع كلبك يتبعك، هاي سياسة خلقت إنسان ما يهتم بالثقافة، عندك ملف اقتصادي لازم تحله، عندك ملف معيشي، عندك  سكن، عندك زواج.. هاي عندما تتوفر يستمع، هو الآن ما يستمع؛ لأن الحواس، منافذ الفهم هي الحواس، منافذ مغلقة، ما يسمعها، عندها مشاكل، أنا عندي أصدقاء وهذه طرفة، مو للطرفة هاي حقيقة كانوا يقرؤون أكثر منِّي نهماً بالقراءة، وعندما تزوجوا تركوا الثقافة.. زين، فعندي صديق مؤرخ للطرفة، مؤرخ عراقي مهم، يكتب فيتصل بي ليلاً يقول لي حسين هو عنده كتب عديدة، هاي الفقرة الكلمة وين بأي كتاب؟ فأدله عليها، ففي اليوم ثلاث دقائق، قال لي حسين يعرف كتبك؟ قال لهم إيه، إذا أردت أن تكون لك ذاكرة قوية لا تعاشر امرأة، هو ضربها للطرفة، بس القصد هو أنه مهتم، هو متزوج نساء، اثنتين، فربما يعرف مقامه وقاعد بإيجار، باحكي عن قصة بالإيجار، فقام وتوقف عن التأليف، يمكن من 2016 ما يكتب تحت ضغط الحياة اليومية الصعبة، اقرأ ابن حيان، أبو حيان بالتراث هذه يحرق كتبه، الكتاب عنده كتاب مهم جداً، أركون وهاي الناس شلون نقول سبق الثقافة الغربية، مسألة التجربة الإنسانية، هل الإنسانية كمصطلح جاء من الغرب أم من الشرق؟ أركون يقول جاء به مسكيوه وأبو حيان التوحيدي، أن النزعة الإنسانية في القرن الرابع لأجل رسالة الدكتوراه، أن الإنسان أُشكل عليه الإنسان، وإحنا هاي محورنا هو الإنسان، أُشكل عليه الإنسان، وين مصير أبو حيان؟ جائع مطرود من الحاكم، وبالإشارات الإلهية راضٍ، حرق كتبه، حرق منهجه، وبعض المحبين المخلصين بقوا النصف الآخر، نفس المشكلة".


إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ

وأجاب الباحث والمفكر والكاتب عن سؤل "ليه بيصير هيك؟ يعني طالما الموضوع إنساني، يعني الناس بالناس، ليه الإنسان يتصرف بهذا المنطق؟"، قائلاً: "الغرور؛ إن الإنسان خلينا نرجع إلى القرآن، (إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ)، ليطغى ليه؟ لأنه مثواه مصادر القوة بيدت، هل تعلم كتاب صدر الباقري من السادس عشر، وصلنا وطبعته دار الجمل العراقية العبودية المختارة، لا يتجاوز سبعين صفحة، العبودية المختارة لإيتيان دولا بويسيه، فرنسي، عالم اجتماع، صدر 1600، يتكلم كيف ذهاب الناس للعبودية بإرادتهم مو مكرهين؟ لأن الكره هو الحرية، الحرية مسؤولية، فهو كره، مثل القرار، وقع أبراهام لينكولن، كانوا يرفضونه، بعض العبيد قالوا هذا مين...".


استعباد الراتب

وتابع سعدون رداً على "لهذا لُقِّب الإنسان ظلوماً جهولاً": "هذا موضوع الأمانة، موضوع هائل، (إنا عرضنا الأمانة) موضوع هائل، حرية، هو بيريدها، بيريد يبقى مستعبداً براتب أو كذا، يقول لك هذه المسؤولية.. ("إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ" هي حقيقة، قاعدة مجتمعية تحدت سلوك كثير من الإمبراطوريات والدول والمجتمعات، حتى على المستوى الفردي)، تلك مصادر القوة، تولي وزارة، قام ما يجاوب على التليفون، تليفون ما يجاوب.. هنا أصبح قاعدة، وعنده سلطة، وعنده فلوس.. وكذا، فمصادر القوة أهلكته".


إشكالية فهم التنوير وتثقيف المجتمعات

وأجاب حسين سعدون عن سؤال "كيف تفهم التنوير؟ أو هل يصح أن نستخدم مفهوم التنوير مثلاً في تثقيف المجتمعات أو في خلق طبقات؟"، قائلاً: "فهمي البسيط أنه إحنا جالسين تحت النور والضوء، هذا زين، لو انطفأ النور، توصل نهاية القاعة، أستخدم النور بمفهومه المادي وليس المعنوي، أنا أقلها لأصدقائي؛ تقريب الصورة، قلت لهم إذا مشيت وشي أقوى من النهايات يحطمني، وإذا فتشيت قدح أنا حتمه، التنوير يمنع الاثنين؛ المادي والمعنوي، يمنع أن واحداً يحطمك، فييجي جان جاك روسو يجيب لك العقد الاجتماعي، يخلي حدود بين الحاكم والمحكوم؛ الحاكم مو إله يعزل ويمنعك أنك تحطم الآخر، حقوق الإنسان، فعملية جدلية، هنا نيجي إحنا، هل أخضعت ثقافتنا عبر القرون للتنوير؟ أخضعت نعم، جابوا مفكرين حطوا مفاهيم تنويرية هائلة، استفادوا منها؛ لكن لم يتم الاستماع لهم، تم نفيهم، تهميشهم بالكامل، وذكرنا إحنا أثناء الكلام رسائل إخوان الصفا، جماعة الفرساء اللي ما تخلي اسمها خوفاً قال لك لم داق بها بالطرفة، يتكلمون عن كروية الأرض وعن بعد الأرض عن بقية الكواكب بأخطاء الآن بسيطة، بالأرقام، كيف توصلوا إلى هذا الموضوع؟ تكلموا عن إرث البنات، تكلموا عن رسائل هندسية، تكلموا عن العقل، معاداتها للنص القرآني، وهو أشرف الأشياء، ابن رشد وين رؤيته التنويرية؟ ومعروف كل تراث اليونان، حفظها ابن رشد وابن خلدون بعلم الاجتماع، ما جينا عليه، مؤسس علم العمران، عندما وضع لك فصلاً في الكتاب (الظلم مؤذن بخراب الأمم)، ما قال الكفر، تكلم عن عمر الأجيال، وأن الدولة القوية تكون محصنة من الداخل، وهو تكلم عنه مو أنا، أرنولد تويبني، يقول أهم عقل صدر في أي زمان وقناعته به ابن خلدون، فأنا عندي شيخ مقيم بالقاهرة والأمين المساعد للجامعة العربية، أستاذ عراقي دكتور حسين الهنداوي، عنده بحث جميل طبعته دار الساقي، اسم الدولة، فكرة الدولة ما بين ابن خلدون وهيجل، فيكتب بالبداية لا توجد نهاية في دراسة هيجل، ولا ابن خلدون، سبب نصوصهم الهائلة القابلة أنه كل عصر أنت تستنبط منها شيئاً، فيذكر بالكتاب بالنهاية معلومة، يقول بقيت مخطوطة ابن خلدون مفقودة حتى القرن الثامن عشر، عندما عثر عليها ضابط فرنسي، وحاول الشيخ المتنور محمد عبده إدخالها إلى الأزهر، وتم رفض ذلك، واليوم ابن خلدون لا يدرس، فهم يتهمونه بالشعوبية والعنصرية، توجه له نقودات هائلة.. طه حسين، كم واحد يعرفون طه حسين؟ ورسالة الدكتوراه اسمها فلسفة ابن خلدون عام 1914، كام واحد يعرفها؟ الناس عبالهم الشعر الجاهلي، لأ ابن خلدون؛ لكن ابن خلدون مظلوم بالثقافة".


لا تقرأ كل شيء.. كيف تصبح مثقفاً؟ 

وأجاب الباحث والمفكر والكاتب عن سؤال "هل ممكن أنه حتى أُصبح مثقفاً يجب عليَّ أن أقرأ كثيراً مثلاً؟ وكيف أقرأ كونك أنت تتعامل مع الكتب وتتواصل مع الكثير من الناس في شغلك، كيف تنصح الناس أن يقرؤوا؟"، قائلاً: "سأبدأ بقصة لصديق أهداني مكتبته، وصل أرذل العمر، أقف عند عبارتك (أقرأ كثيراً) هذه مهمة، فدخلت إلى مكتبته، قُلت له ما نصيحتك؟ إلى هذا الكلام قبل نحو أكثر من عشر سنوات، قال لي لا تقرأ كل شيء وإلا ستضيع؛ أضع فلسفة واقتصاداً واجتماعاً مثل مائدة طعام، سأُصاب بعسر الهضم، أدعو الشباب بألا ينقلب اقتصاد اقتصاد، فلسفة فلسفة، اجتماع اجتماع، التخصص، أنا شخصياً لم أقرأ رواية كاملة منذ عام 2008، لا أجد نفسي بالأدب، ما يعنى الرواية أمِلّ منها بعد ورقتَين؛ لكن كتاب الفلسفة ألتهمه التهاماً، لا أعلم السبب، كتاب الاجتماع لا أتركه إلا لما أكمله، تاريخ، قضايا تاريخية معقدة؛ لكن بالأدب والشعر أضيع، أقرأه على سبيل محطات استراحة فقط لا غير، فهناك شاب يريد أن يقرأ كل شيء، وها بداية عمر القراءة، يكون نصراً عندنا، وهم أنه يصير موسوعي المعرفة.. بالمناسبة كلمة موسوعية يعني كلمة خادعة، يعنى أنا اليوم قرأت بحثاً لكاتب أمريكي، يعنى عندما مر عليه اسم الشافعي قالوا موسوعياً،
 يعرف في اللغة والفقه ومضارب العرب وكذا، والتراث والأنساب، فقال عدد الكتب الموجودة في زمن الشافعي المولود سنة 150 والمتوفى في 204 هي 50 كتاباً مثلاً، ماكو موسوعية؛ الموسوعية انتهت، أكو كاتب عنده تجميع مثل عباس العقاد؛ لكن الكاتب ما كان تفرداً عندما يكون في بابه، أقول محمد أركون مثلاً اختص، شنو محمد شحرور، السؤال القرآني، فلان الفقهي، فلان الشعري، محمود درويش، أنت تتخصص، الإبداع يأتي من التخصص؛ فالدعوة الأولى للقارئ هي ألا يقرأ كل شيء، هو يجد نفسه وأكو ملاحظة بالتجريب، يعرف نفسه، وهاي أنا دائماً آخذ مثالاً، قالها الكاتب الراحل نجيب محفوظ، كم واحد يعلم نجيب محفوظ؟ خريج فلسفة وليس أدب.. كان حلمه أن يسافر، طه حسين كان رئيس لجنة لقضية ما، تم إبعاده.. فتشوف أعماله الأدبية مغموسة بالفلسفة؛ مثل (أولاد حارتنا) وغيرها، انتقل، شاف نفسه بالأدب أكثر من الفلسفة، فأن ترى نفسك أن ترى مجالك، تجرب أكثر من مرة؛ فالنصيحة الأولى يكتشف نفسه، هو يقرأ في مجالات عدة؛ ثم يتوقف في مجاله، مثل الطالب؛ كلية الطب أو غيرها، يقرأ كل العلوم، يتخصص بتخصص، التخصص مهم جداً، وعندنا تخصص التخصص، علم النفس، أنا عندي صديق علم نفس قال لي هاي ماكو بعد قلت له شلون؟ قال علم النفس السياسي، علم النفس الصناعي.. وهكذا، علم الاجتماع، التخصص الدقيق مهم جداً، سبب أنه عمر الإنسان ما يعطي فرصة أنه يقرأ كل شيء، عمر الإنسان القرائي ما يتجاوز 25 سنة.

فأنت حتى تلم كل العلوم ما تقدر.. تخصَّص، هذا الدقيق يعطيك فرصة حتى تعرف أسرار هذا العلم ومنه جاءت مقولة شعرية قديمة (هزمت يا موت كل الفنون وهزمك ذو فن واحد) فن واحد يتخصص به.. أكثر الفئات العمرية تقبل على القراءة أو تقبل على التساؤل حول القراءة.. نعم يختلف حسب الفئة، وحسب الطلب، الفئة الأربعينية وصعوداً تقبل إقبالاً هائلاً على الكتب التاريخية، الأحداث عشتها، هي وأحداث سبقتها، تعشق التاريخ، يريد أن يقرأ على العهد العراقي، الملكي، الحرب العالمية الثانية، على انقلابات معينة، مثلاً وصل كتاب بالمتنبي يتحدث عن سيرة جمال عبد الناصر، وحافظ الأسد، نفد الكتاب خلال أيام، على عبد الكريم قاسم، أحداث سياسية.. الشباب لأ، عنده نفور من السياسة، هو يذهب إلى الكتب الخفيفة المسلية، أو اللي بها جانب إثارة؛ لنعترف يعني هو يذهب إلى أجاثا كريستي، أكو غموض الآن، أكو طلب على رواية دان براون (الجحيم والهيكل وملائكة وشياطين)، كود دافنشي أو أعمال بها جانب روائي وجانب سينما، فهو شاف الفيلم مثل انقطاعات الموت، سراماجو، أو العمي؛ يريد أن يكتشف، أو ماركيز مثلاً (الواقعية السحرية)، لا هي واقع ولا هي خيال، الأقل عمراً لأ يذهب إلى الروايات المسلية الخفيفة، الكتب تعاني الهجر؛ يعني قراؤها نخبة جداً، هي الكتب الفلسفية بالدرجة الأولى، لأنه أكو أشخاص يقولون يصير عندي صداع أقرأ أول ورقتَين وما أقدر، وهذا يعطينا تحدياً؛ لأساتذة الفلسفة الكرام أن يقوموا بتبسيط ترخيصها، كتاب فلسفة للمبتدئين.. كذا، هذا موجود، لكن بالثقافة الغربية موجود، وعندنا ما موجود كتب مترجمة".


ابن رشد آخر فيلسوف عربي

واستكمل سعدون رداً على "شُفنا بعض كتابات الفلسفة؛ يعنى يرتكز على التعقيد في اللفظ، حتى يبين لك أنه يكتب شيئاً غامضاً وغير مفهوم": "هو له تعقيد بسيط؛ اللي هو تبسيط المعقد، ولذلك مثلاً جيت إلى موضوع مهم، تعريف الفلسفة، وجد فيلسوف عربي الآن شبه الإجماع، أنه آخر فيلسوف عربي هو ابن رشد، فاليوم وقع في إيدي بالصدفة كتاب (ما الفلسفة؟) لفيلسوف صعب جداً، جيل دولوز، بالمناسبة أكو فلاسفة ما يمكن قراءتهم، يعني قد الناس تسمع عن كانط صاحب نقد العقل المحض والعملي، أنا قرأت كتاباً أجمل، قصة في تاريخ الفلسفة لوزير التربية الفرنسي لوك فيري، يقول كتاب نقد العقل المحضي لكانط، لم يفهمه سوى خمسين شخصاً، كتاب ما يعطي نفس الفلسفة الألمانية، صعبة، ونيجي للغة هايدجر، يقول اللغة بيت الوجود، يقول أصعب فلسفة هي اليونانية والألمانية؛ ولا يمكن أن تتفلسف إلا بهما، باللغة، والتفلسف بغيرها خيانة".


التفلسف بلغتَين

وأجاب سعدون عن سؤال "ما الميزات الموجودة في هاتين اللغتَين؟"، قائلاً: "لازم، ما يعرف واحد يعرف لغتَين، أنا ما أجيد اللغتَين، بس هم دائماً للألمان، وميزات التقسيم موجودة، أن الفلسفة مرت بتيارَين هائلَين؛ التيار الإغريقي سيطر عليها فترة، والتيار الألماني، وإن كل التيارات الأخرى هي تابعة لها، هيجل اللي جعل الفلسفة، هيجل فيلسوف مهم، كتب عن موضوع التاريخ والجدل والديانة كتير، قبل ما يظهر ماركس وييجي التعديل عليه أريك فرووم الألماني، المهم عالم اجتماع يقول هيجل على فراش الموت قال (لم يفهمني من البشر سوى واحد، وقد أساء فهمي هو الآخر).. إذن أكو خلل عند الفيلسوف، أنت ما توصل، هل التشويش باللغة؟ أنا مرة قرأت نيتشه، حاولت أفهم نيتشه، جاب نظرية جديدة، يقول الكتابة بشكل جيد، يعني التفكير بشكل جيد؛ بمعنى هو عنده تشويش بالفكر، ما يقدر يوصل الجملة باللغة، اللغة لاحقاً".


وأضاف حسين سعدون: "هو عنده مشوش، التشويش بالفكر، فما عنده آليات شلون يوصل الفكرة؟ فتواجه الناس صعوبة بها، أكو يعني حنا بطاطو كاتب علم اجتماع، وكتب عن تاريخ العراق، كاتب مقتدر، وعلي الوردي، ليش علي الوردي أكثر قراءة؟ يقول لك حنا بطاطو، هو شخص يعد وجبات الطعام في مطعم نخبوي، وعلي الوردي في مطعم شعبي، فحتى ربة البيت تقرأه، تبسيط؛ بس أحياناً التبسيط يكون مخلاً، يعني قد لا يفي بالحق الأكاديمي، هذه هي مشكلة أخرى، وعندنا مفكرون بالعالم العربي عندهم لغة صناعة جميلة؛ هاذكر مثلاً..". 


أهم فيلسوف مصري بسَّط الفلسفةَ

وتابع الباحث والمفكر والكاتب: "أهم فيلسوف مصري بسَّط الفلسفة، وأنا مسؤول عن كلامي، زكريا إبراهيم، لا أحد يعرفه.. زكريا إبراهيم ولد عام 24 وتوفي في ظروف غامضة بالمغرب عام 76، وهو قبطي. خلينا نتكلم عنه؛ عنده سلسلة اسمها (مشكلة الإنسان، مشكلة الفلسفة) مشكلة، أنا أوجه سؤالاً شخصياً، إلى وين أبدأ بالفلسفة؟ باقول زكريا إبراهيم، ما أقول له زكي نجيب محمود، زكي صعب جداً، كم واحد يقدر؟ يقرأ موقفاً من الميتافيزيقا أو خرافة الميتافيزيقا، وللكتاب قصة يجب أن تُحكى، يعطيك طريقة تفكير، العربي زكي نجيب محمود بالخمسينيات ألَّفَ (خرافة الميتافيزيقا)، ثاروا، فعاد طبعة الكتاب بنفس المحتوى (موقف الميتافيزيقا)، فسكتوا. تكلم بالكتاب بلغة، بإنشاء مسألة بسيطة، قال المعرفة تُبنى على اللغة الواضحة، فأنا أستطيع أن أقول الخشب يطفو فوق سطح الماء، أقدر أفسر لك العبارة، بس ما أقدر أقول لك الروح خالدة، طبعاً هو من أنصار الوضعية المنطقية؛ يتكلم زين، هو بس غيَّر العنوان فقط، تركتوا الثورة مثلاً، فمن هذا الجانب فالفلسفة صعبة، ومصطفى محمود الراحل، عنده عبارة جميلة، يقول الفلسفة تعكر ولا تصطاد؛ هي تعكرك بس ما تقدر تقبض على شيء، ما توصلك إذا قبضت، هاي مو فلسفة؛ الفلسفة هي فن السؤال".


ما الفلسفة؟

وأجاب حسين سعدون عن سؤال "هل الفلسفة حقيقة فن السؤال، أم هي فلسفة فهم الأشياء؟ وإذا كانت فن السؤال؛ يعني يمكن أن نصل إلى شخص عنده قدرة على أنه يسأل السؤال في المكان الصحيح للذي أخذ الجواب الصحيح؟ لكن هل الفلسفة حقيقة هي مجرد سؤال، ولَّا هي مجرد فهم، محاولة فهم الأشياء؟"، قائلاً: "يُقال بالفلسفة الجواب الحقيقي، هو سؤال جديد، هذه العملية المستمرة؛ فن السؤال، قدرة الذهن على الدهشة؛ لذلك أرسطو يقول ولدت الفلسفة من الدهشة والدهشة سؤال، لو أنا عندي جواب مستريح، جيل دولوز في كتابه (ما الفلسفة؟)، ويختلف عن التعريف الكلاسيكي الذي نسمعه حتى بالأفلام والمسلسلات، الفلسفة حب الحكمة، هذا ماشي دائماً بنسميها.

جيل دولوز (ما الفلسفة؟)، كتاب صدر عام 69، والترجمة فلسفة مطاع صفدي، مظلوم؛ ما حد يعني يعتبر كاتباً مهماً يقول الفلسفة صداقة، المفهوم لأحب الحكمة؛ لأن الصديقَين يتنافسان، يلعبان باللغة، والحبيبان لا يتنافسان، وأطلق تعريفاً تقريباً بالأكاديميات الغربية، معتمد بالمناسبة.. جيل دولوز مجهول وقتل زوجته، وبعدين أفرجوا عنه لأسباب يعني لها علاقة، ميشيل فوكو العظيم يقول إن القرن العشرين هو قرن دولوزي بامتياز؛ بل الآن استمعت إلى حوار نشر في مصر مع مايكرو، مع رئيس شركة "مايكروسوفت" بيل جيتس، يقول بالستينيات استلهمت الفلسفة من كتابات جيل دولوز، بأن بالكون مسارات لا نهائية ثابتة بالأثير، يستطيع الإنسان وهو في عقل هائل، يقول جيل دولوز الفلسفة هي فن إبداع المفاهيم، اختراع المفاهيم؛ فالفيلسوف هو مَن لديه مفهوم، ومن ليس لديه مفهوم ما عنده؛ تطلع مفاهيمه هواية، بس القوى الناعمة هذا صاحبه العولمة، صياغة المصطلحات بتعبير هاشم صالح، يقول المصطلحات عكازة الفكر؛ لذلك مثلاً إحنا ما جينا على المعجم الفلسفي، والمصريون رائدون بهذا.. مراد وهبة وإبراهيم مدكور، إن هو يجيب معجم ألفاظ ويخليك تفهمها، هذه مهمة بالفلسفة".


دون فلسفة.. بلا عقل شمولي

وقال الباحث والمفكر والكاتب رداً على "دون فلسفة لا يستطيع الإنسان يكون عنده عقل شمولي يفهم بعض الأشياء، وفي غياب هذا المفهوم يظل الإنسان الفرد فرداً على الهامش في المجتمع": "تابع، تفكيره للحشد، للجميع؛ المجموع، ما عنده خاصية خاصةً يعني الفردية.. هنا مهمة؛ لذلك أريش فروم قال أنا أحمل المترجم المرحوم مجاهد عبد المنعم مجاهد، مصري، هو مهم أكو كتاب أريش فروم، أثار ضجة في الخمسينيات، أحدث ضجةً، اسمه الهروب من الحرية، أنا عندما قرأت الكتاب وجهة نظري شلون المترجم العراقي أنيس زكي حسن غير كتاب كولن ولسون، سماه (اللا منتمي)، هو مو اللا منتمي، بس هذه يعني نحت مصطلح سماه الهروب من الفردية مو الحرية؛ أن الفرد/ كل إنسان مرَّات يزع بنفسه ويقعد وحده، لأ هو ينتمي إلى جماعة ما، فما يقدر يواجه هذه الأسئلة، والقلق.. الفلسفة هي هذا المجال، مسألة فردية خاصة بالإنسان؛ ما لها علاقة بالجموع".


اختلاف الفلسفة

وأضاف حسين  سعدون: "الفلسفة اختلفت؛ يعني الآن مثلاً آخر خمسين سنة، أكو باظت الفلسفة من جماعة فلاسفة، هتقول لي شلون ظهر عندنا مصطلح الفلسفة العلمية بتهاجم الفلسفة الما ورائية الميتافيزيقية، يقول لك أنا ما أستطيع أقبض به على شيء، وهذا فيلسوف منكر البابر، قال الفلسفة تتجه إلى دراسة الأمور المادية؛ لاستفادة الإنسان منها لاحقاً، قال الفلسفة تتجه إلى دراسة الأمور المادية للاستفادة منها، الإنسان لاحقاً، هم الفلسفة، الفلاسفة عندهم سرعات مدارس وتيارات وأفكار؛ لكن إحنا بالثقافة العربية مَن تمنطق فقد تزندقَ.. إلى آخره، منذ أن حرمت الفلسفة صدر ضدها مرسوم كتاب تهافت الفلاسفة الشهير لـ(أبو حامد الغزالي)، والتهافت في اللغة والسقوط والانهيار، لأ تهافت الفلاسفة هو يقصد ابن سينا والفارابي.. الناس مرات سرعتهم خطأ، يقولون ابن رشد رد عليه التهافت التهافت، هم يظنون معاصر ابن رشد، جاء بعد الغزالي بقرن كامل".


نفي الفلسفة درب من التفلسف

وتابع سعدون رداً على "أنا سمعت مرة قولاً بأنه لأ ابن الغزالي كتب تهافت الفلسفة ولم يقصد تهافت الفلاسفة؟": "لأ تهافت الفلاسفة، يقصد ابن سينا والفارابي، هو قال الجمع عند العرب اثنين، كل الكتاب هجوم على ابن سينا والفارابي، ناقشهما بعشرين مسألة وكفرهما في ثلاثة مسائل، رد وقال له لأ أنت استخدمت الفلسفة في الرد على الفلسفة، فهو يقول لك نفي الفلسفة درب من التفلسف، هتستخدم المنطق ووقع التناقض، هذا لا يمنع أنه مهم، كتب عن بعض الأمور؛ يعني مهم في زمنه، بعض الإصدارات، بحيث وصل أنهم مؤلفو رسائل دكتوراه عن بس مؤلفات الغزالي، عبد الرحمن بدوي عنده كتاب اسمه (مؤلفات الغزالي) بس اسمه بس، الكتب 450 كتاباً".

 

لا يستطيع المجتمع كله أن يكون متفلسفاً

وأجاب سعدون عن سؤال "هل ضروري أن يكون المجتمع عنده فهم ما من الفلسفة؟"، قائلاً: "لا تحملوا المجتمعَ ما لا يطيق؛ لا يستطيع المجتمع كله أن يكون متفلسفاً، هنا الفلسفة ابنة النخبة، ابنة المدينة؛ لذلك أفلاطون كتب على أكاديمية مارت (لا يدخل الفلسفة من ليس لديه علم بالرياضيات) نعتبر أكو علاقة بين الرياضيات والفلسفة بالأرقام والدقة والوضوح، الفلسفة مأخوذة بدقة الوضوح، صديق عندي، أحد الأصدقاء، وهو دكتور حسين هنداوي، كلما نتكلم عن الفلسفة تعجبني هاي محاولات الشجاعة بالخروج عن المألوف، عنده كتيب صغير يعجبنى اسمه (على ضفاف الفلسفة)، فأنا قُلت له هذا مو ضفاف الفلسفة، هاي قلبها لنقاشات، بداية الكتاب يقول تعريفي للفلسفة البحث عن الحقيقة؛ من أجل الحقيقة، عبر الشك بكل حقيقة، جميل، هذا يعني تعريف اللغة، يسمونه (جامع مانع الشك بكل حقيقة) وإلا ما أكون فيلسوفاً؛ لأنه لو ما قاله سقراط كان كله صحيح كان بيكون ما اعترض عليه، لو هايدجر كله صحيح هايدجر ما اعترض عليه، إذن فيلسوف يصل إلى مداه، يأتي فيلسوف من بعده يقول كلاماً آخر، فؤاد زكريا، كتابه (التفكير العلمي)، قال ما الفرق بين الفلاسفة والعلماء؟ شُفت كاتب عبقريته شلون يبسط الأمور، يقول في الفلسفة لا يوجد قديم وحديث، الأفكار كلها متساوية، نعم في العلم، فيقول الفلاسفة يسكنون بناء أفقياً متجاورين، سقراط يقعد هسا ميت صار له 2500 سنة، مولد 2500 سنة، يعني 500 قبل الميلاد هسا يقعد أني يقدر يناقشني العلماء يجلسون بناء عمودياً، فالجديد يلغي القديم، الفلسفة ما بها نسخ، ما بها إلغاء، الآن عندي شخص ييجي يطرح مثلاً كتاب (جمهورية أفلاطون)، يناقش به قضية العدالة، والعوام إلهم حق، يتدخلون بالديمقراطية ولا لأ، قضايا لحد الآن هي قضايا معاصرة، إذن الفلسفة أسئلتها راهنية، الفلسفة إذن نقول موجودة".


وأضاف حسين سعدون، رداً على "خلينا نرجع للقراءة؛ يعني أنت ذكرت أنه أقل ما مطلوب هو الفلسفة؛ لكن اللي بيطلبه مواضيع ثانية نسبتهم ما بين مثلاً فئة الشباب من النساء أكثر ولَّا من الذكور أكثر، ولا الغني أكثر، الفقير أكثر، ابن الجامعة؟": "لا، مو بس ما يقرأ، يشلح قبل ما يشتري كتاباً، قاعد شي باللهجة العراقية، تقول له هذا الكتاب بخمسة دولارات، يقول لك يصير بثلاثة دولارات، فرضاً هذا الذي يقرأ، هو العامل والكاسب ويستلم أجرته، وييجي يقاتل يشتري الكتاب؛ لأن عنده نداء داخلي يريد معرفة.. المترف لا يقرأ، يمر على الكتاب مرور الكرام، والنساء عندهم النساء..".


القراءة وتآكل الطبقة الوسطى عربياً

وأجاب الباحث والمفكر والكاتب عن سؤال "هل تقصد المترف بشكل عام ولَّا المترف في العراق؟"، قائلاً: "المترف بالعراق؛ باحكي عن تجربة، لا يقرأ، وتعرف إحنا عندنا الآن صراع هو مو بالعراق، هو بالعالم العربي، تآكل الطبقة الوسطى هو منو اللي يحرك المعرفة، تآكلت بسبب طلبات الحياة والرواتب التي لا تكفي قضايا، فصار عندنا طبقة عالية جداً متخمة وطبقة فقيرة، حتى الوسطى صارت فقيرة، ما تجيك موظف بالدولة وطبقة فقيرة؛ لأن راتبك ما يغطي الحاجيات، فصار أولويات، أكو قارئ جمهور القراءة تقريباً ثابت يعنى إحنا ما يصدر كتاب مثلاً مئة نسخة، المئة محجوزة، والمئة التانية محجوزة، هتقول لي يأتون جدد، هاقول لك يأتون بس مو بالصيغة اللي نتمناها إحنا، وهذا تراجع سببه واحد، أكو كيرف يعني أمور تساعد على زيادة القراءة، مثلاً معارض الكتب، وأنتم تعرفون حضراتكم مصر، مع جمهور هائل، بس هاي ما يجري بصورة دائمة، مرة بالسنة، يحتاج إلى تفكير أكثر، مسابقات، قراءة.. هذا كله مهم، أنا أعتبر القراءة عادةً وسلوكاً يكتسبه الإنسان يومياً؛ مثل المدخن إذا ما يدخن يدخل بمشكلة، فالقارئ نفس الشيء يحس نفسه اليوم أكو شيء ناقصه، لازم يقرأ، هاي معلومة أكو ناس لأ، ما تهمها هذه المسألة، فيمرون دون كلام". 


دور رجل الدين في التشجيع على القراءة

وتابع حسين سعدون: "رجل الدين يشجع على القراءة الأيديولوجية المؤدلجة، التي تناسب أفكاره، فأما تيجي تطرح له كتب التنويريين والحداثيين، يتهمها بالرجم والفسوق ويهاجمها.. هو يشجع على الاتباع والطاعة، على الطاعة العمياء، ما يشجع على القراءة والتفكير، ما تقدر تناقشه بموضوع، يغلقه عليك، هاي بصورة عامة، ليس سرعة، هي الفكرة قائمة على الطاعة والاتباع أو التقليد؛ بل وصلت ببعض النظريات الآن المتداولة أنه لا يحق للإنسان أن يعبد الله كما يريد، عليه أن يقلد مرجعاً أو فقيهاً، هي هاي موجودة عند الشيعة، الشيعة الإمامية إثنى عشرية، يقسمها الناس ثلاثة أقسام: مجتهد، محتاط، مقلد.. المجتهد هو وصل إلى مرحلة يبدي للناس رأيه أو يحتفظ، بس ما يقلد أحد. والمحتاط عنده يقدر يذهب هو يحدد عنده قدرة إذا مجتهد معين. والمقلد لا مجبور، بينما الإمام علي يقول الناس ثلاثة: عالم ومتعلم همج ورعاة همج ورعاع وعالم ومتعلم عالم ومتعلم، على سبيل النجاة ما دعا على التقليد، قال همج؛ أنا أشوف ظاهرة بانحسار، سبب التأثير الهائل للسوشيال ميديا، الناس بِدها تسافر، تطلع، هذا يعقد مقارنات، هتقول لي شنو السبب؟ أقول لك الإنسان الحديث، بيئة معينة، يجوز هاي الأسئلة.. ما السيرة؛ مثل كهف أفلاطون، جماعة جالسون بالكهف، وتأتي ظلال الناس من بره، هو شب على أنه هاي الناس هي ظلالهم، بس مانطلع وصدمه نور الشمس طلع من الكهف، الخروج من كهف التصورات، هذا مهم، شُفته؛ لذلك أنا دائماً أقول الناس تغير آراءها؛ إما تغير قناعة أو ضغط أحداث، للأسف ضغط الأحداث هو اللي يغير، هتقول لي شلون دخلت تيارات إرهابية فكرية للعراق.. داعش؟ وأسهمت في تدميره؟ أقدر أقول إن أكثر الناس تخلت عن السبب، الفكر الإرهابي، مو قرأت قناعته، إنه هذا إرهابي مخرب، ضغط الأحداث، تهجر بيته كذا، فاستخدم المنطق البراجماتي غيره ما بيفيدوني، بمعنى ضغط الأحداث. إذن مو إنه واحد قال لك كذا كذا.. لأ، شاف نفسه، تقرب إيده للنار، فسحب لإيده هاي أكو فرق بالحالة، يعني قد يعود في أية لحظة".


الحلول الأمنية مقابل التنظير الفكري 

وأضاف سعدون: "التنظير الفكري قليل دائماً؛ فالحكومات تلجأ إلى الحلول الأمنية، معروفة؛ حلول أمنية فقط لا نظير. هنا حلول فكرية اجتماعية بها جانب احتواء لهؤلاء، مؤسسات مثل ما حدث في جنوب إفريقيا، العدالة الانتقالية؛ مثل نيلسون مانديلا، عمل هائل، سحب طاقة الغضب والكراهية تجاه هؤلاء الناس، موضوع العنصرية والبيض وكذا. ما صار عندنا هذا الكلام، أنا قرأت مقالاً لكاتب عراقي غاضب قبل أيام يتحدث من كم رئيس وزراء في العراق أو رئيس الجهاز الأعلى مثقف في القرن العشرين، من بدء القرن العشرين، الآن يقول فقط اثنان، يقول كل مَن أتى للثقافة بالعراق بالسياسة أتى معادياً للثقافة؛ لأنه جاء من جهة معادية، سواء أكان قومياً أم دينياً.. أستثني اثنين: محمد فاضل الجمالي وعبد الرحمن البزاز، هاي أعلى سدة بالبلد".


عدم وجود تنمية سببه عدم وجود قراءات أو ثقافة

وأجاب الباحث والمفكر عن سؤال "هل نستنتج أن عدم وجود تنمية سببه عدم وجود قراءات أو عدم وجود ثقافة؟"، قائلاً: "أتفق؛ لأنه لا توجد صالونات قراءة، لا يوجد دعم، لا توجد مؤسسات؛ يعني توجد مؤسسات بوزارة الثقافة تطبع الكتب، كتابها حال كتاب أي سعر تجاري بالسوق، هناك كتاب جيب مثلاً كان أتذكر من قبل مدعوماً.. فولتير وروسو بأسعار مناسبة؛ يستطيع الإنسان يقرأها، فالعامل الاقتصادي يلعب دوراً. أنت كيف تطلب من شخص يدخل إلى شارع مثل المتنبي، ويحمل بجيبه عشرة دولارات، شو راح يشتري كتاباً وكتابَين ويغادر، شلون يصل الكاتب إلى القارئ، دعم نفس، أكو مسألة دعم المؤلف، أكو مؤلف، أهم عنده متطلبات معيشة.. وغيرها، وكذا. ممكن كاتب يعيش من كتبه؟ هل أكو داعم إذن؟ لأ أكو جماعة يصلون لنص الطريق ويتوقفون، إحنا تكلمنا، فترة الاستراحة، عن عالم سبيط النيلي، هل أكو مؤسسة تبنت أفكاره بعد وفاته؟ نشرت كتبه وطبعتها؟ أجا واحد كمل مسيرته؟ لأ، الموضوع منسي".


تفاعل نخبوي مع عالم سبيط النيلي

واختتم حسين  سعدون بالإجابة عن سؤال "هل فيه تفاعل مع ما كتب عالم سبيط النيلي؟"، قائلاً: "النخبة متفاعلة وياه جداً؛ لأنه طرح أسئلة وطرح قضايا إشكالية، فيسألون عن كتبه، مو العوام، مستوى يعني ما يقدر الإقبال عليه.. طرح مستوى فييجي يسأل عندك كتبه، طرح كتاب (ملحمة جلجامش والنص القرآني)، يعني حاول يجد علاقة بين الاثنين، فهاي طرح الأسئلة بالقضايا الإشكالية مهم، يحرض الناس على التفكير وكذا، مثلما طرح فاضل الربيعي، خزعل الماجدي، فراس السواح.. هؤلاء يعني وضعوا حجارةً في البركة الراكدة، وخطابهم يستطيع أي إنسان يفهمه، يعني خاصة ظهورهم الهائل على السوشيال ميديا، يعني أنا أشيد بكتاب فراس السواح (دين الإنسان)، كتاب جداً مهم لفهم الظاهرة الدينية".