• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

الدين والفكر الديني | د. عبد الباسط هيكل

للإستماع





تحدَّثَ الدكتور عبد الباسط هيكل، أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، والكاتب والباحث في الشؤون الإسلامية، والمشارك في العديد من المؤتمرات في الدول العربية، خلال لقائه د.باسم الجمل، عبر برنامج "مجتمع"، عن علاقته مع اللغة العربية ولماذا اختارها؟ وهل القرآن نزلَ باللغة العربية أم باللسان العربي المبين؟ وما الفرق بينهما؟ وكيفية منع اختطاف الإسلام، وتجديد الخطاب الديني.. وغيرها من الموضوعات.

لماذا اخترت اللغة العربية؟

قال الدكتور عبد الباسط هيكل، أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، والكاتب والباحث في الشؤون الإسلامية: "عندما أتحدث عن اللغة العربية؛ فأنا أتحدث عن الباب الأعظم للدخول إلى عالم القرآن الكريم، عندما أتحدث عن اللغة العربية فأنا أتحدث عن الأرضية التي تدور حولها معاركنا، عندما أتحدث عن اللغة فهي الوسيلة الوحيدة لاكتشاف العلاقة ما بين الله والإنسان والعالم؛ ولذلك عندما نتحدث عن وعي إنسان مؤمن، إنسان فاعل في هذا الكون؛ لا بد أن يعيد بناء تصورات جيدة عن عمل اللغة، عن عالم اللغة، اللغة هي عالم مفاهيمي، الله في لحظة ما في القرن السابع الميلادي أراد أن يوقف حركة المفاهيم في الوعي الإنساني والعربي، وأراد أن يعيد بناء مفاهيم جديدة؛ فكان الاتصال والوحي باللغة، وعندما أتحدث عن اللغة أتذكر دائماً جدلية وإشكالية خطيرة يطرحها العقل الإلحادي أو العقل غير المؤمن، يقول دائماً في مناقشات طويلة جمعتني بالصوت غير المؤمن أو الإلحادي، لماذا اتصل الله باللغة؟ واللغة احتمالية، والاحتمالية داخل المدلول اللغوي أوجد صراعات وأوجد تفاوتاً واختلافات، ودائماً كنت أُصر فأقول الإجابة موجودة في الواقع الاجتماعي.. هل المجتمعات الإنسانية طورت وسيلة للاتصال في ما بين وسيلة أخرى خلاف اللغة؟ هناك وسائل أخرى للأذكياء، لفائقي الذكاء؛ مثل المعادلات الرياضية، ممكن أن نتواصل بشكل حاسم وجازم ومحدد من خلال معادلات رياضية أو أن نتواصل بشكل بدائي ساذج من خلال الإشارة؛ ولكن لم تقتنع المجتمعات لا بالإشارة ولا بالمعادلات، ولجأت حتماً إلى اللغة، فعندما يريد الله أن يتواصل مع العالم وأن يتواصل مع الإنسان لا بديل عن اللغة".


هل القرآن نزل باللغة العربية أم باللسان العربي المبين؟ وما الفرق بينهما؟

وأجاب د.عبد الباسط هيكل، عن سؤال "هل القرآن نزل باللغة العربية أم باللسان العربي المبين؟ القرآن يقول إنا أنزلناه بلسان عربي مبين، فما اللغة وما اللسان؟ هل هناك فرق بين تعريف اللفظين مثلاً؟"، قائلاً: "هو لا بد أن نؤكد أن القرآن عرف اللسان ولم يعرف اللغة في الاستعمال، ولم يستخدم القرآن كلمة في اللغة؛ ولكن القرآن استخدم كلمة اللسان، اللسان يعبر عن طبيعة القرآن الكريم، اللسان يعبر عن اللغة في حالتها الصوتية، يعبر عن اللغة في حالتها المفاهيمية. أما اللغة فهي لفظة متأخرة، اللغة قد نقول مثلاً اللغة لغة العلماء، لغة كذا.. لغة كذا، من الممكن أن نوجد حالة من حالات الطائفية، حالة من حالات الاختلاف، حالة من حالات الحمولة التي تدخل من باب اللغة؛ فمن الممكن عندما نتحدث عن الدرس القرآني نتحدث عن اللسان العربي والانطلاقة من قول الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)، وإن كان بعض الأقسام العلمية الآن تتحمل مع اللسان واللغة بمعنى واحد، وترى أن هذا من باب التجاوز أو المجاز".


وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ

وأضاف أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر: "أؤكد هذا المعنى بتوضيح شيء مهم؛ يعني عندما نتحدث عن القرآن الكريم، كيف قدم الله القرآن؟ قدمه كرسالة هداية (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ( عندما نتحدث عن الحامل للرسالة، النبي صلى الله عليه وسلم، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، هذه الرسالة، الهداية والرحمة من عند الله المطلق، استقبلها الإنسان النسبي عبر شفرة اتصال؛ هي اللسان العربي، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)".


أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا.. هل يُفهم أنه خاص بالعرب؟

وأجاب د.عبد الباسط هيكل، عن سؤال "هل لما أقول لساناً عربياً يُقصد أن القوم، بلسان القوم العرب، أم هو العكس تمت يعني ماذا يُفهم بأنه استخدم إنا أنزلناه بلسان عربي مبين أو (أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)، هل يفهم أن هذا خاص بالعرب؟": "إطلاقاً؛ أنا أرى الأمر أنه يبدأ يعني هناك القرآن عندما تحدث بلسان عربي انطلق من دائرة مفاهيمية مستقرة في البيئة العربية، ليعيد إنتاج مفاهيم جديدة، وينتقل باللسان إلى مناطق أوسع وأرحب ومستويات من الدلالة أعلى وأعمق يتم استدعاؤها بشكل مستمر؛ ولذلك يعني إذا أردنا أن نتعرف على الرسالة التي وصلت عبر القرآن الكريم لا يمكن أن نتصور أننا سنعود إلى الله عز وجل لقراءة الشفرة، نحن نعود إلى لغة الله، إلى اللسان، إلى اللسان العربي".


مَن نطق باللسان العربي سُمي بـ"العرب"

وأضاف أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، رداً على "إذن فيه لفظة عرب بالتأكيد لازم يكون لها تعريفها الخاص بعيداً عن العرب كعرب أو كمجموعة بشرية": "ليست العرب كعرق؛ ولكن هو مَن نطق بهذا اللسان سُمي بالعرب، وهذا كلام ابن جني، وهذه نقطة مهمة، ونحن عندما نتحدث عن اللسان العربي وعندما نتحدث كيف أن اللسان العربي يعيد بناء مفاهيم جديدة، يظهر بشكل واضح في كلمة زي كلمة النص؛ يعني كلمة النص في مستوى دلالي، مستوياتها الدلالية نحن نتحدث عن الواضح وضوحاً بيناً فكلمة نص بمعنى حدد نصاً، بمعنى أوضح نصاً، بمعنى ظهر، فهذا مستوى، ومنه جاءت كلمة منصة؛ سنجد أن هذا المستوى هو يعني كان واضحاً لدى العقل الفقهي الأصولي، عندما قال لا اجتهاد مع النص، هذا المدلول معناه لا اجتهاد مع قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، الواضح وضوحاً بيناً. هناك ستأتي حمولة ثانية، مدلول ثانٍ لكلمة النص، معنى النص بمعنى البنية اللغوية، هذا أتى مع الاستعمال المعاصر، فكلما زاد عن جملة هو نص يحدث خلط داخل العقل الجمعي وفي الثقافة العربية؛ أنه يجعل البنية اللغوية ما زاد عن الجملة لا اجتهاد معه مثلاً، وهذا غير صحيح؛ لأن هذه البنية اللغوية التي تزيد عن الجملة قد تكون احتمالية الدلالة، هنا النص له مفهوم سليم، عندما أعود مرة أخرى إلى القرآن الكريم سنجد أن القرآن الكريم طوَّر مفهوماً ثالثاً للنص، المفهوم الذي طوَّره القرآن الكريم أنه جعل الرؤية في سورة (يوسف) هي نص، وهذا النص يتم تحويله من لغة من اللسان الأول من اللي هو حالة الحلم والرؤيا إلى اللفظ العربي، ثم نقوم نحن باكتشاف معانٍ ودلائل ورسايل أخرى، فأصبحت الرؤيا هنا نصاً، وهناك مفهوم رابع أيضاً للنص عندما أحال القرآن الكريم الكون إلى نص، فنحن نتحدث عن العالم والكون بوصفه نصاً يقرأ، (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي)، نحن أمام كلمات محدودة داخل القرآن؛ لكها مفتوحة متصلة، هناك ما هو أعمق من ذلك، نحن عندما ننظر إلى القرآن الكريم واختيار كلمة..".


المقصود بالـ"كلمات" في "لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي"

وأجاب د.عبد الباسط هيكل، عن سؤال "عندما لما قال (لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي) مثلاً، هل الكلمات هنا المقصود فيها كان الكلام الذي نتكلمه أو الذي نكتبه مثلاً؟ ما المقصود بالكلمة القرآنية؟"، قائلاً: "نحن نتحدث هنا عن علامة، هذه العلامة هي علامة مفتوحة؛ نحن عندما نتحدث مرة أخرى أعود إلى مادة علامة ومادة عالم، لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما اعتباطية، إذا ذهبنا إلى كلمة آية ومعناها علامة، والآية كما يعرفها ابن جرير الطبري هي ما يوضع دلالة على اكتمال آية، وفاصلة بين آية وأخرى، نتجاوز هذا المعنى إلى مدلول آخر هو أن الآية هي علامة، هذا مؤكد، عندما ننتقل إلى الكتاب بمعنى الكتاب المنظور، ولذلك القرآن عندما يتحدث عن التاريخ وعندما يتحدث عن الكون داخل القرآن الكريم؛ فهو يحيل الموجودات إلى نص مقروء، وعندما يحيل الله الإنسان على أن ينظر إلى الكون، فيحول الكون إلى كتاب مقروء، والقرآن يصدر عن العلامة والعالم والرسالة التي هي القرآن الكريم؛ بكونها شيئاً واحداً كله يحيله على الله".


علم الدلالة.. الحقول الدلالية

وأضاف هيكل رداً على سؤال "هل المتخصص في الشأن الإسلامي أو المتخصص في الفقه أو المتخصص في قراءة الدراسات القرآنية يميز ما بين المنهجَين؟ هل يمكن اعتبار اللسان ميكانيزم أو منهاجاً لفهم، واللغة منهاجاً لفهم، أم لا يميز، يعني إذا مفيش تمييز شو عكس على قراءات القرآن؟": "أنا عندما أتتبع أو أقف أمام محاولات قراءات وفهم القرآن الكريم سنجد أننا عندما نعود إلى البدايات أن هناك قراءة بالأثر، فهم، قراءة هنا بمعنى فهم المعنى، التعرف على عالم القرآن الكريم من خلال الأثر، وهذا باب، وهناك محاولة من خلال اكتشاف المدلول، المعنى، وهذا أيضاً منهج، ويوجد تفسيرات لغوية وتنطلق من المدخل اللغوي في قراءة القرآن الكريم، وهناك مداخل بلاغية في قراءة أو في تفسير القرآن الكريم؛ لكن هل يوجد محاولات جادة وكبيرة لقراءة القرآن من المدخل الألسني، بمعنى الاستفادة من الدرس اللغوي المعاصر والحديث ومن تاه إليه في دراسة الألسنيات؟ فهنا سأعود وسأقف أمام تجربة بارزة للمدرسة اليابانية، توشيهيكو إيزوتسو، هذا الرجل الذي حاول أن يقدم قراءة لبعض الكلمات التي وصفها بالمفتاحية داخل القرآن الكريم، من خلال ما يُعرف بعلم الدلالة أو ما أطلق عليه الحقول الدلالية، فعندما أراد إيزوتسو مع مشروع ياباني بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أن يتعرفوا على العالم من جديد، فقرروا أن يتعرفوا على المسلمين؛ فقالوا إن الأفضل والأمثل في التعرف على المسلمين يأتي من خلال التعرف على القرآن الكريم.

إيزوتسو من الشخصيات العابرة في ثقافتها؛ يعني هو يجيد عدة لغات بشكل جيد، درس الدرس اللغوي للمدرسة الألمانية والمدرسة الأمريكية، بالإضافة إلى ثقافته اليابانية، بالإضافة إلى إتقانه العربية؛ فقدم أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اليابانية، من العربية إلى اليابانية، وهو يعد الأب للمستعربين اليابانيين؛ هم لا يحبون أن يسموا أنفسهم بالاستشراق، لأن الاستشراق يرونه أنه يحمل حمولة سلبية في العقل العربي، فأصروا أن يقدموا أنفسهم بالمستعربين أو بمدرسة المستعربين اليابانيين.

إيزوتسو وهو يتعامل مع القرآن مثلاً توقف عند مادة (العالم) داخل القرآن الكريم، ورأى أن مادة العالم لن تأتي في القرآن إلا مجرورة، ورأى أن مادة (العالم) لم تأتِ في القرآن إلا في حالة الجمع، وعندما تأتي في صورة الجر غالباً تأتي مضافة إلى الله، فيرى أنه من خلال هذه المؤشرات، هي الله، يعطي رسالة عن علاقته بهذه العوالم؛ لسنا أمام عالم واحد، ولكن أمام عوالم، وهذه العوالم من منظور القرآن هي تخضع أو تدين لله، لو شيء مهم جداً الكتاب يتحدث عن الأخلاق في القرآن الكريم، وبدأ يتتبع هل أي مفهوم داخل القرآن الكريم، كيف حمل القرآن مفهوماً جديداً؟ وأين هو من المدلولات السابقة في العقل العربي قبل الإسلام؟ ثم انتقل بعد ذلك للتعرف على المعجمية المعاصرة، وهل الحقل الدلالي الذي يستخدم هذا الدال، الدال اللغوي، المادة اللغوية تتطابق مع أيهما، فهو جعل الحقل الدلالي للمادة داخل القرآن الكريم عالماً قائماً بنفسه".


المقصود بالحقل الدلالي

وأجاب أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، عن سؤال "ما المقصود بالحقل الدلالي عندما نتحدث مثلاً عن بعض الكلمات داخل القرآن الكريم، مثل كلمة (الضلال)؟"، قائلاً: "نعم؛ هذه الكلمة، هذا الدال اللغوي، القرآن الكريم قدَّم له مفهوماً، هذا المفهوم داخل القرآن الكريم يُسمى حقلاً دلالياً، القرآن هنا حقل دلالي".


نظرية الحقول الدلالية عند توشيهيكو إيزوتسو

وأضاف د.عبد الباسط هيكل، رداً على "على أي أساس يتم تحديد الحقل الدلالي؟ يعني عندي لفظ؛ كيف أحدد حقله الدلالي؟ هل هناك علاقة لفهمي للفظ أو لتشكيل اللفظ أم فهمي للواقع الذي نشأ فيه اللفظ؟": "وفقاً لنظرية الحقول الدلالية عند توشيهيكو إيزوتسو، والتي كان لها أثر كبير في كثير من الدراسات العربية؛ سنجد أنه يميز ويجعل القرن السابع الهجري حقلاً دلالياً قائماً بنفسه؛ لم يكتفِ به، هذه النقطة المهمة هو نحن عندما ننظر إلى الحقل الأول، هو يرى أنه مهم في التعارف على التطور المدلول أو يرى أنه مستوى من مستويات المدلول؛ فهو ينظر إلى يعنى ما يُعرف بالقراءة التزامنية، كيف كان يستخدم دال الجاهلية أو دال الضلال داخل المجتمع العربي؟ من خلال المعجمية الشعرية لهذا العصر مثلاً.. ولم يجعلها حاكمة، هذا الفرق المهم، لم يجعلها حاكمة ولا مقيدة؛ بل رأى أن العقل أو أن الدال القرآني انتقل بها، وبدأ يضع نسقاً آخر جديداً، هذا أمر.

الأمر الآخر أنه كشف أن الاستعمال المعاصر لبعض دوائر القرآن الكريم لبعض الألفاظ وبعض ألسنية القرآن الكريم، يحمل مدلولات مغلوطة لا تتسق مع الرسالة التي يريد أن يوجهها القرآن الكريم، وعندما نطبق هذا الطرح؛ يعني أنا طبقته في بحثي عن مفهوم الخلافة وسلطة المفسر، وعندما اشتغلت على مادة الجاهلية؛ فعندما أطبق هذا المنهج فأنا أظن أنه من الممكن أن نطور وعينا برحلة المدلول، وأن يطور العلاقة وما يحمله القرآن الكريم من مستويات دلالية، أظن أن هذا".


إشكالية "اللفظ" و"المعنى" والعودة إلى مدلولات ومفاهيم الماضي

وأجاب هيكل عن سؤال "مَن يسبق، اللفظ أم المعنى؟ أو كيف يتشكل المفهوم؟ هل اللفظ القرآني هو مفهوم؟"، قائلاً: "هذه قضية مهمة؛ لا يمكن أن نتصور في تصوري الشخصي ألا يكون اللفظ إلا حاملاً للمفهوم؛ يعني نحن عندما نتحدث عن حمولة دلالية، هذه حمولة مفاهيمية، عندما أتى القرآن الكريم ليتواصل مع العرب لا بد أن يتصور، يتواصل معه من نقطة يحدث بها الاتصال وشفرة التواصل؛ لأن الهدف أن يحدث تغيير، الهدف أن يحدث إيصال للرسالة؛ فعندما أقف مثلاً أمام سورة (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فالمغيرات صُبْحا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا)، عندما نقف أمام هذه الآيات لا يمكن أن يفهمها الإنسان في القرن الحالي وفقاً لمدلولات اللغة المعاصرة، إلا بالعودة إلى مدلولات ومفاهيم في القرن السابع الميلادي. القرآن هنا يريد أن يحدث حالة من حالات الإفزاع، حالة من حالات تحريك النفس باستحضار صورة يقصد بها القرآن من خلال بناء صورة؛ هذه الصورة يعرفها العربي عندما يرى العاديات سوط الخيل، والعاديات ضبحاً المغيرة مع أول النور، وتثير غباراً يشبه الظلام، وبداخل هذا الظلام توجد، تقدح بأقدامها الصخر، فتخرج حالة من حالات النور في وسط هذه الصورة المظلمة، وتخترق الصفوف؛ هذه الصورة عندما نتحدث عنها الآن هي قد تكون بعيدة عن العقل المعاصر، لكن هذه الصورة هي قادمة من طبيعة مفاهيم وحمولة مستقرة في البيئة".


الآيات القرآنية ومناسبات النزول

وقال أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، رداً على "إذن ما الفرق بين مَن يقول بهذا الرأي ومَن يقول برأي مناسبات النزول؟": "هنا وجدت مناسبة، هو القرآن ينطلق"، معقباً على "ما المشكلة إنه مش كل القرآن له مناسبات نزول، يعني مش كل الآيات القرآنية فيها مناسبة؟ بعض الآيات فيها مناسبة، وبعض الآيات التاريخية فيها مناسبات نزول؛ لكن هناك نصوص في القرآن ما لها علاقة، لا مربوطة لا في زمن ولا في ظرف، وبالتالي القول بهذا هو كمن قال إن هناك مناسبات للنزول أقيل القرآن فيها، لا يمكن فهم هذه الآيات إلا بالعودة إلى المناسبات، وبفهم المناسبات أفهم النص، بمعنى إحنا يعني حطينا النص لفهمه التاريخي القديم وما علاقة لنا به الآن؟": "لأ؛ أنا أريد أن أميز بين أمرَين، عندما أتحدث عن مناسبة تاريخية وأن أتحدث عن مدلول، هذا المدلول يحمل حمولة مرتبطة في سياق زمني؛ الفرق، هناك فرق بين الاثنين؛ يعني أنا عندما أتتبع بعض المدلولات وأفهم بعض المدلولات داخل القرآن الكريم، أحتاج إلى أن أتعرف على مدلول هذه الكلمة في العقل العربي في هذه اللحظة، لأسأل نفسي: هل اكتسبت حمولة جديدة مثل كلمة عندما نتحدث عن كلمة الذكاء؛ كلمة الصلاة؟ عندما نتحدث أن الإنسان، الله سيتحدث وسينطلق من هذا المحدود، وهو الصورة التي تحدثت عنها منذ قليل، إلى معنى إنساني أكبر وأهم وأعظم؛ فأنا هنا أتحرك ما بين مفاهيم ومدلولات، وليست مناسبات؛ فأنا أميز ما بين المناسبة والتي كما قُلت، وأتفق أننا لا نعرف أو نجهل الكثير من المناسبات، حتى عندما نتحدث عن ذكر القرآن لبعض المناسبات أو السياقات الزمنية، فهي تؤسس للانطلاق إلى معانٍ أعم وأشمل، ويمكن استدعاؤها في الحياة الإنسانية في المستقبل".


وأضاف د.عبد الباسط هيكل رداً على "أنا في رأيي؛ هذا الموضوع شائك ويحتاج إلى الكثير من الحوار للخروج من هذه الدائرة، إنه من يقول بذلك وكأنه يفرض على النص القرآني أنه نص قيل للعرب في عصر زمني محدد، وَفق شروط ثقافية محددة، أنت تستبعد؛ لكن هناك مَن يقول بهذه النظرية": "بس أريد أن أضع جملة مهمة لا بد أن يكون هذا جزءاً من الصورة التي نريد أن نبنيها على القرآن؛ الخطأ هي أن نجعلها كل الصورة".


القرآن كتاب الله الخالد والرسالة الخالدة إلى يوم القيامة

وتابع هيكل: "هنا فيه نقطتان؛ النقطة الأولى القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد والرسالة الخالدة إلى يوم القيامة، وخطاب متجدد؛ هذا التجدد يأتي من بنية اللسان العربي التي إن دلت على المعنى فإنها تحمل مستويات أعلى؛ لأنه نحن عندما نتحدث عن العقل العربي التقليدي أو الطرح القديم، سنجد أنه يتحدث عن معنى الكلمة والمعنى أو الدال والمدلول، لكن نحن نتحدث عن السياقات ليس سياق واحد؛ ولكنها سياقات، كل سياق يحمل حمولة دلالية يحمل معنى، ولذلك القرآن الكريم واللسان العربي يتميز بأنه خطاب مفتوح يستطيع في مرحلة ما أن يقول إنني من الممكن أن أنتج مغزى جديداً من هذا المعنى؛ ولكن المهم أن يكون هناك ارتباط ما بين المغزى والمعنى، ارتباط العلة بالمعلول، والسبب بالنتيجة، ولا بد أن يأتي من خلال درس لغوي حقيقي ورصين، حتى لا يكون..".


اللغة وقدرتها على التواصل مع النص

وأجاب د.عبد الباسط هيكل عن سؤال "هل هذه اللغة قادرة على أن تتواصل مع النص مثلاً أو كيف يمكن أن نغير اللغة أو نجعل المشتغلين بالقراءات القرآنية يستخدمون اللسان؟"، قائلاً: "هو نحن الآن لا بد أن ندرك أننا أمام تحدٍّ؛ هذا التحدي يتمثل في أن هناك كما قال فضيلة الإمام في لحظة في إحدى خطاباته الافتتاحية في أحد المؤتمرات، فضيلة الإمام شيخ الأزهر، أننا أمام محاولة لاختطاف الإسلام من خطاب متطرف، كيف يتم الاسترداد؟ فنحن نتحدث عن استرداد الفهم، كيف يحدث هذا؟".


كيفية منع اختطاف الإسلام

وأضاف أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر: "نحن أمام فعلاً خطاب أحادي يدَّعي أنه يمتلك الفهم، وما عداه غير صحيح. هذا الطرح وهذا الخطاب الذي أقول عليه خطاباً متشدداً عنيفاً يحاول أن ينطلق من القرآن الكريم ويجعل أن فهمه وأن طرحه وأن قراءته هي القراءة الأحادية الصحيحة، في حين أننا إذا وظَّفنا المدخل الألسني والدرس اللغوي في دراسة القرآن الكريم، سنستطيع أن نقدم تصوراً علمياً يتسق مع طبيعة القرآن الكريم، وطبيعة القرآن أنه بلسان عربي".


استخدام اللغة في محاولة شد القرآن إلى زاوية مظلمة من الإرهاب والقتل

وأجاب د.عبد الباسط هيكل، عن سؤال "هناك أيضاً مَن يحاول شد القرآن إلى زاوية مظلمة من الإرهاب والقتل، ويستخدم اللغة، ويستخدم اللغة ذات المصداق الواحد لفهم النص، إنه الإشكالية هنا الإشكالية في اللغة، هو يستخدم نفس اللغة، هو ما بيجيبش لغة ثانية، هو يقول لك أنا أقرأ اللغة العربية، الخلاف كالتالي: هل اللغة العربية المحكية التي نستخدمها هي التي من خلالها يمكن فهم النص؟ أم أن اللسان العربي المبين بقواعده هي التي تمكننا من أن نفهم اللسان، والقرآن نفسه بيقول لك إنا أنزلناه بلسان عربي مبين؟"، قائلاً: "أنا أتفق مع حضرتك، وهنا فيه نقطة يعني أحياناً يمارسُ الخطاب المتشدد صناعةَ مدلول لإحدى الدوائر القرآنية، ثم يقدمها بمثابة أن هذا مراد الله، ومراد الله الحصري، مَن الذي سيعري هذا؟ مَن الذي سيكشف هذا؟ هو المدخل والدرس اللغوي الحقيقي عندما مثلاً على سبيل المثال أضرب مثالَين؛ مثلاً كلمة مفهوم الجاهلية الذي زق هذا المفهوم سيد قطب، بمعنى حكم العباد للعباد، حكم العباد للعباد بدأ يصدره، وبدأ يتحول إلى مفردة في الثقافة العربية، بما أن يعني هذا الخطاب اللي هو الخطاب المتشدد، قادر على أن ينتشر وأن يسود عبر قنوات متعددة ووسائط اتصال كبيرة، بدأ يتحول هذا المدلول إلى يعني، هذا هو المدلول في كثير من العقول، في حين أنني عندما أعود إلى دال الجاهلية أو الجاهلية في القرآن الكريم في الأربعة المواضع التي ذكر فيها، سأجد أنه أبعد ما يكون عن هذا المدلول، وأنه يتحدث عن حالة من الانفعال، عن حالة من الجهل، هنا ضد الحلم؛ حالة ينفعل فيها الإنسان ويظن أنه يفكر، وفي الواقع أنه في حالة انفعالية هي أشبه ما تكون بالحالة التي عليها الجماعات، يعني الجماعات إذا كانت الجاهلية، من الغاضبين أو من المنفعلين، فمَن الذي يصدر خطاباً انفعالياً وليس خطاباً عقلانياً تفكيرياً؛ سنجد هي الجماعات".


طرحان في التعامل مع النص القرآني

وتابع أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، بشأن الجماعات التي تحاول أن تشد القرآن إلى الزوايا المظلمة وقراءته عبر المأثور لا باللغة: "هذه إشكالية قائمة؛ نحن أمام طرحَين، طرح يقول لا تستطيع أن تتعامل مع النص القرآني إلا عبر الأثر، ولن تستطيع أن تتعامل مع الإسلام إلا من خلال الموروث الفقهي مثلاً ومفهوم علم الكلام، وهناك طرح آخر يقول أنا سأتعامل مع النص بشكل مباشر، ولكن هو لا يتوفر لديه الأدوات العلمية، يعني سيد قطب عندما كتب وفسَّر وقدم (ظلال القرآن الكريم)، هو لم يعتمد على الأثر قدر اعتماده على أنه يقرأ القرآن أو أنه يقدم قراءة للقرآن أو يقدم فهماً للقرآن".


أي الآليات أدق أو أسمى لقراءة النص القرآني؟

وأجاب د.عبد الباسط هيكل عن سؤال "نحن أمام معضلة حالياً حقيقةً في أي الآليات أدق أو أسمى لقراءة النص القرآني؛ لكي لا يختطف القرآن أو الإسلام أو حتى الثقافة أو حتى العقل بشكل عام، لا يختطف إلى مجاهيل مظلمة، يعني تقودنا إلى المآسي؟ وهل هذه الإشكالية واضحة في عقل أي مشتغل بقراءة النص في المؤسسات الدينية مثلاً، عند التدين المدرسي يعني أو ما يُسمى التدين الرسمي؟ هل واضحة في ذهنه أن هناك إشكالية يجب مخاطبتها؟"، قائلاً: "هناك رؤية لدى التدين المدرسي؛ أنه ينطلق من المنجز التراثي، ويرى أن المنجز التراثي يكفي في قراءة القرآن الكريم، وأن هذا المنجز التراثي نحن في حاجة فقط إلى إعادة تقديمه؛ فهذا المنجز التراثي يتنوع ما بين مداخل متعددة ومقاربة متنوعة، مدخل بلاغي، مدخل لغوي، مدخل أو التفسير من خلال الأزهر، فنحن إذن من الممكن أن يكون في هذا كفاية في التعامل مع القرآن الكريم، هل هذا يمثل الجميع؟ لا؛ لأنه نحن لدينا تجربة مبكرة للشيخ أمين الخولي في جامعة القاهرة، لإعادة تفسير القرآن من مداخل أخرى جديدة، لدينا الآن أقسام الدراسات القرآنية المعاصرة في الجامعة الإسلامية في ماليزيا، في جامعة ابن حمد بقطر، في المغرب.. كثير من الجامعات، من خلال هذه المداخل بدأت تقرأ القرآن وتقدم فهماً من خلال الدرس الألسني المعاصر، فهناك تفاوت، وهناك اختلاف داخل الدرس". 


القرآن يؤسس للهداية وفهم رسالته بعقلانية

وأضاف هيكل رداً على "لما نقول من خلال الدرس الألسني، هل المقصود فيه اللسان العربي المبين؟ هل هذه الآلية واضحة في ذهنية هؤلاء؟ كيف السبيل لتوضيحها؛ لأنه إذا لم يوضح لي حالياً بديش أكون متعنصر لما أقول، لكن أرى أن القرآن تحدث عن نفسه، قال أنا هذه آليتي، ليش نحن نلف ونجيب آليات مختلفة؟ ما هو بيحكي لك هذه آليتي اقرأني من خلالها، تدبرني من خلالها، استنبط الأحكام من خلالها، رتل الآيات فيها، استخدم القلم فيها، استخدم المسطرة فيها في التسطير، ليه إحنا نبحث عن الآليات؟ يعني ما هو آلية استخدام المأثور هي نفس آلية استخدام الآبائية، أو إن كان آباؤهم.. إلى كل شيء يعني، إحنا نعيد استخدام الطريقة التي حذر القرآن منها اللي هي الآبائية في إعادة قراءته؟": "لماذا لا يحدث هذا؟ يعني أنا في ظني أو في تصوري لماذا لم نستفد من قول الله تعالى (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) أو (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)، القرآن هنا يؤسس للهداية وفهم رسالة القرآن بعقلانية وعلم العقلانية والعلم".


الدرس الألسني العربي والتراكم المعرفي

واستكمل د.عبد الباسط هيكل: "أنا أريد أن أقول هنا شيئاً لم نحدثه، ترام معرفي، لم نحدث تراكماً معرفياً من خلال الدرس الألسني العربي؛ يساعدنا أن ننطلق منه وأن نقدم، من أحد أسبابه أيضاً الخوف من الخطأ، وكأن الخطأ سيقودنا إلى الهلاك، وليس الخطأ مقدمة للصواب.. يعني عندما يكون الدين الإسلامي يدعو إلى الخطأ والاجتهاد، ومَن أخطأ له أجر ومَن أصاب فله أجران، هو دين واثق من نفسه، هو دين يدعو إلى الاجتهاد والتفكير؛ لكن هناك مَن يمارس التخويف، أن يعني أنا لا أريد الإرهاب أقول كلمة الإرهاب كلمة التخويف من أن نقوم بالدراسة وأن نقترب، وعندما نخطئ نحن لم نخطئ في القرآن، ولكن أخطأنا في ورقة بحثية، في قراءة، فنعيد التصويب من خلال التفكير المسموع".


لماذا الإصرار على استخدام لفظة اللغة وآلية اللغة دون اللسان العربي؟

وأجاب أستاذ اللغة العربية وآدابها عن سؤال "كونك مشتغلاً بالتدريس في هذا الحقل وبالذات في اللغة العربية، عندما يصل الدارس أو المشتغل بالدراسات الإسلامية عند إنا أنزلناه بلسان عربي مبين، يعني ما بتثير شجوناً في عقل الدارس؛ إنه ما هذا اللسان؟ لماذا الإصرار على استخدام لفظة اللغة وآلية اللغة؟ أنا لست ضد اللغة؛ بالعكس هي لغتنا، لكن لماذا لم تثر لفظة اللسان العربي المبين كآلية مختلفة؟"، قائلاً: "هو يعني العقل الدارس يقف عند نظرية النصب التي وقف عندها الشيخ عبد القاهر الجرجاني؛ فيقول إننا داخل اللسان العربي يوجد مستويات خاصة لا توجد في اللغات الأخرى أو في الألسنة الأخرى؛ مثلاً الفصل والوصل والتقديم والتأخير، ما يمكن أن نسميه مستوى التركيب، ولكن ليس بالمراد المستوى التركيبي النحوي، ولكن عندما مثلاً يقول الله عز وجل (إياك نعبد وإياك نستعين) يمتنع العطف ويكون التقديم هنا للمفعول به، هو يفيد تخصيصاً يمتنع معه أن يكون هناك معطوف عليه، هناك بنية النظم القرآني والعلاقة ما بين الجمل داخل القرآن الكريم، والكشف عن أسرارها والتعليل لها، اشتغل به الشيخ عبد القاهر الجرجاني، فيمثل الشيخ عبد القاهر الجرجاني أكثر نقطة متقدمة داخل الدرس في المؤسسات التعليمية، وإن كان الشيخ عبد القاهر الجرجاني عمره وكتبه عمرها لا يتجاوز تسعين عاماً أو مئة عام، ليس هو، الرجل كان ألَّفَ ذلك منذ قرون بعيدة، ولكن كان مجهولاً، وأول من أخرجه من خزانة الكتب، يعني الكتب في المكتبة القديمة كانت أشبه بخزانة يخزن فيها الكتب، فكان الشيخ محمد عبده، يعني الشيخ محمد عبده كان أول مَن أخرج كتاب دلائل الأسرار وكتاب أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، كتابي الشيخ عبد القاهر الجرجاني، هو الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد عبده كان لديه عشق أن يدخل داخل خزانة الكتب، حيث توضع، لعدد طويل من الساعات؛ ليبحث عن كتب جديدة تقدم طرحاً مختلفاً، وكثيراً ممن يحتفلون والكثير ممن يحتفل ويحتفي بكتب الشيخ عبد القاهر، طبعاً هي مهمة جداً، والشيخ عبد القاهر مدرسة عظيمة لا يُشر، لماذا كثيراً لم يُشَر أو لا يهتم بالإشارة إلى أن الذي قدم ذلك هو الشيخ محمد عبده.. الشيخ محمد عبده كان يدعو إلى منهج جديد في الدرس؛ ولكن كان يلتزم بالكتاب التراثي عندما يجد أن هذا النوع من الكتب التراثية السائدة لا تلبي ما يريد، كان يبحث عن كتب أخرى كبدائل يقدمها للدرس".


الشيخ محمد عبده وكتب التراث

وقال د.عبد الباسط هيكل، رداً على "يعني الشيخ محمد عبده كان يدرك أن بعض كتب التراث لا تلبي؟": "نعم؛ هناك فكرة الكتب القائمة على التصنيف، الكتب الجافة، الكتب التي تحاول أن تقدم شرحاً لمتن، ثم شرحاً ثم شرحاً أو تلخيصاً لشرح، هي التي كتبت في مراحل الضعف؛ ولكن هو كان يبحث عن كتب تحمل مساحة من الإبداع المعرفي، تحمل جديداً يمكن أن يبني عليه؛ ولذلك يعني هو الشيخ عبد القاهر في كتاباته ودراساته قدم منجزاً يبني ويطور عليه، هي الإشكالية كما قُلت، هي أننا أمام تفكير إذا قُلت عقلاً بمعنى التفكير، هذا التفكير وهذا العقل لم يمارس الدور المنوط به، وهو دور البحث والسؤال وإكمال العملية المعرفية".


ما الذي منع العقلَ العربي أن يتجاوزَ ويشتغل بالتفكير؟

وأجاب هيكل عن سؤال "ما الذي منع العقل العربي أن يتجاوز ويشتغل بالتفكير؟"، قائلاً: "نحن في إشكالية، إننا في حالة توحد أحياناً ما بين المنهج، ما بين الآلية والأداة والذات، يعني الذات أو المدرسة تتوحد مع المنهج، ثم تمنح المنهج والآلية قداسةً بوعي أو بغير وعي، وتريد أن تصل إلى المعرفة من خلال هذا المنهج وتلك الآلية فقط، وحتى عندما تريد أن تدخل في نقاش، هي لا تريد أن تدخل في نقاش إلا من خلال الأداة والآلية التي حولتها إلى مركز. لا بد أن تدور معها حول هذه الدائرة، وتظن أن هذه هي الآلية الوحيدة في الدراسة أو في التفكير؛ ولذلك من المهم جداً أن نتقبل أن المنهج هو سؤال، وهذا السؤال متحرك، أن التفكير يساوي حالةً من الحركة الدائبة والمستمرة، لن نستطيع أن نصل إلى نتائج جيدة يمكن أن نبني عليها، وأن نواجه بها الطرح المتطرف الذي يعود مرة بعد المرة بأشكال وأسماء مختلفة، إلا إذا حركنا وإلا إذا تحركنا بتفكير حقيقي مؤشر، وعلامة التفكير الحقيقي أن هناك سؤال، وأن هناك مقاربة متنوعة من الممكن أن نستفيد منها دون أن نمنحها قداسةً أو ثباتاً، عندما يظن الإنسان أن المنهج ثابت، وهو منهج متغير، وسؤال متغير ومتحرك، الثابت والجامد هو التفكير الذي تجمد وتوحد مع هذا المنهج، أنا عندما أتوحد مع المنهج؛ فأنا تثبَّت يعني أصبحت في حالة من الثبات عند هذا المخرج، عند هذه المخرجات، عند هذه النتائج".


كيف لعقل يتصور أن ما أنجز سابقاً هو الأفضل أن ينتج المعرفة؟

وأضاف أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، رداً على "كيف لهذا العقل البشري أن يطمئن لمنهج استخدم في فترات ثقافية ومعرفية أو مستويات معرفية قديمة، في زمن مختلف، في ظل مجتمعات مختلفة، وأن مخرجاته كانت ملائمة لتلك الفترة، ما زال يريدنا أن نستخدم نفس المخرجات ونفس المنهج حالياً؟ كيف هذا العقل؟ كيف يريد أن يطمئن لهذه النتيجة وأن نستقبلها بأريحية؟!": "طيب؛ لأن كان فيه موقف الشيخ محمد عبده، كان يعني يحكيه الشيخ مصطفى عبد الرازق.. الشيخ مصطفى عبد الرازق تلميذ من تلامذة الشيخ محمد عبده، فالشيخ مصطفى عبد الرازق في تقديم لكتاب من كتب الشيخ محمد عبده، قال عبارة معبرة وكانت رائعة، تجيب عن هذا السؤال، يقول الشيخ محمد عبده عاش في زمن وأنا أظن ما نعيشه الآن لا يختلف، يتصور أن الأفضل أتى وأننا نسير في اتجاه الانحطاط، في منحدر... تلميذ محمد عبده يقول إن الشيخ محمد عبده عندما أتى كان يريد أن يقول للناس نحن لسنا في نهاية العالم، الناس تتصور أن هذه نهاية العالم، وأنه لا يوجد علم إلا ما تم إنجازه، وأنه لا يوجد تصور صحيح إلا ما تم إنجازه، عندما تتحدث عن عقل لا يثق في المنجز المعرفي في عصره، ويرى أن هذا المنجز المعرفي غير جيد، ولا حتى يريد أن يقترب منه ويتخيل ويتصور أن ما أنجزه العقل في مراحل سابقة هو الأفضل، كيف يمكن أن ينتج المعرفة؟ لا بد أن نثق في أنفسنا، لا بد أن نثق في منجز الفكر والثقافة، وأن نستفيد من مختلف الأدوات ومن مختلف المدارس، لا ننمحي ولا ننسحق؛ ولكن نتفاعل معها، هذا الذي سينتج قراءة مختلفة، وهذا الذي يجعلنا نكون في نقطة أفضل؛ لكن كما قال الشيخ مصطفى عبد الرازق، هو يظن أننا في المنحدر، في المنحدر، هو في حالة استسلام؛ وهذا الاستسلام هو أبعد ما يكون عن جوهر الإسلام وجوهر رسالات القرآن الكريم، فهذا يجعله في حالة انكفاء وحالة اكتفاء، ولا يريد أن يحرر سؤالاً جديداً، وأن ينطلق من مساءلات جديدة وبحث جديد... (الواحد بيأسى وبيحزن لسماع قراءة من هذا النوع).. ما هو لا بد أن نصف المشكلة حتى نحاول أن نحصل إلى حل". 


الحياة متطورة تصاعدياً

وتابع هيكل رداً على "الحياة متطورة تصاعدياً، وهو يريد أن يرجعنا": "نعم، هو تعبير يعني لمن يريد أن يرجع إلى الكلمة التي قلتها، هي في مقدمة تفسير الشيخ محمد عبده، قدم له الشيخ مصطفى عبد الرازق بنسخة صادرة عن الهيئة العامة للكتاب، هو قال هذا التعبير بشكل كان دقيقاً ومعبراً". 


15 ألف كتاب.. ما الذي دعاك لتشكل مكتبة خاصة بك؟

وأجاب د.عبد الباسط هيكل عن سؤال "أنت لك تجربة كتب، عندك مكتبتك الخاصة، ما الذي دعاك لتشكل مكتبة خاصة فيك أنت؟": "يعني أنا أؤمن بالعمل من خلال مجموعة مسارات، وأرى أن هذا المسار يستهدف مجموعة باحثين أو باحثين، وهذا المسار يستهدف جمهور الشارع البسيط، وهذا المسار يستهدف فئة عمرية معينة، أنا أمارس العمل الوعظي الدعوي من خلال خطبة الجمعة والدرس الأسبوعي المنتظم، فأخاطب بهم شريحة، ومن خلال العمل الجامعي والأكاديمي أخاطب شريحةً عندما أكتب بحثاً وأنشره أو مقالاً بلغة معينة، هي أبعد ما يكون عن اللغة الدعوية الوعظية، هي لغة فكرية ومقاربات علمية بشكل معين، أنا أخاطب به شريحة، هناك كذلك الشارع، أنا تأثرت كثيراً وتبخرت كثيراً في رحلتي الفكرية؛ لأنني لم أقرأ بعض الكتب بشكل مبكر، لأنني كنت أفتقر إلى المكان الذي من الممكن أن أجلس فيه أقرأ، هناك كثير من المحتوى الجيد كان من الممكن أن أجد، أن أصغي إليهم مبكراً، لم يكن هناك إنترنت؛ ولكن كانت الوسيلة هي الكتاب المقروء، لكن لم أصل إليه، وأنا ممن يؤمن بأهمية الوسيط أو الوسيلة، وسيلة الاتصال، لن نستطيع أن نصل إلى الأفكار الجيدة، ولا إلى أن تنفتح عقولنا على عوالم وعلى مدارس متنوعة، إلا عبر وسيط جيد؛ فكانت المكتبة الخاصة بي؛ حولتها بموافقات قانونية وإجراءات إلى أن تصبح مكتبة عامة، هذه المكتبة بها نحو 15 ألف كتاب، وهذه المكتبة حصلت على جائزة مؤسسة تنويرية، ثالث أفضل مؤسسة تنويرية من مؤسسة البحث العلمي، العام الماضي، بنسب التردد، بالأنشطة التي تقدمها، بتحفيز القراء في مسابقات للقراءة، وفي كذا وفي كذا.. هي مراحل عمرية يعني ما بين التعليم الثانوي وأوائل الجامعة، فكرة، ما زال الشاب الآن والفتاة يشغله أشياء أخرى، أنا ما زلت في تجربة وتفاعل وأحاول أن أطور التجربة، وأن أصل إلى دوائر أوسع، وعندما أفكر في هذا ليس لأنني أقول إن هذا هو الحق أو إن هذا هو الحقيقة، لأ.. ولكن هي محاولة لأن تنفتح وأن يقترب القارئ من ثقافات ومن كتب ومن قراءات متنوعة، قد لا تتوافر له؛ لأنه ممكن يكون فيه كتب موجودة داخل المكتبة بأثمان باهظة، يعني كان من الممكن بعض الشباب يعني يحتاج إلى شهور من الادخار، حتى يصل إلى مثل هذا الكتاب في شرائه أو هذه الموسوعة في شرائها، فيه كتب خاصة بي وبعد إشهار المكتبة كان هناك تبرعات ودعم كبير لهذه المكتبة.

من أهم مَن دعم هذه المكتبة الأستاذ الدكتور إبراهيم هدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، ودعمها كثير من وزارة الثقافة المصرية، أنا خاطبت وزارة الثقافة فدعمتنا بألف كتاب مترجم، بعد أن تأكدت من التجربة، شافت ورأت المكتبة، وقامت بزيارة.. فوزارة الثقافة مشكورة يعني دعمت المكتبة بألف كتاب مترجم، فهناك أيضاً مَن يتبرع للمكتبة بكل الكتب، فهذا يعني يعطيها حالة من حالات التنوع وحالة من حالات الثراء، فهو مسار أنا أعتز به وأتمنى أن ينمو".


المكتبة من أدوات تواصلي مع الناس

واستطرد د.عبد الباسط هيكل: "المكتبة من أدوات تواصلي مع الناس، نعم، مهم جداً هي أداة، وأنا يعني من أحد الأشياء أنا أدرِّس في المكتبة أربع ساعات أسبوعياً مجاناً، وأنا دائماً أقول لمن أقوم بالتدريس لهم مجاناً، أنا أتمنى منكم فقط أن تترددوا عل المكتبة، يعني بعد أن تنتهي الدراسة، وأتمنى منكم أن تكونوا أجيالاً تدعم هذه المكتبة، فيعني أنا هذه التجربة للعام الثالث، أنا أُدَرِّس وألتزم بعدد الساعات، فأنا محدد أوقات معينة للتواجد للتدريس المجاني في المكتبة، وأظن أنها تؤتي ثماراً، وإن إحنا بنعمل جمهور، وإن إحنا بنعمل أنشطة جيدة، فيها حضور ومستمرة، العمل مستمر.. تحدث بعض الإحباطات أحياناً؛ ولكن نحاول أن نتغلب عليها، الرواد حكيت أنت هم يتراوح ما بين يعني 18، 19، 21  ذكوراً.. لا ذكوراً وإناثاً". 


ألف قصة للطفل داخل المكتبة.. ومواقف جميلة مشجعة

وأضاف هيكل: "نسبة الإناث أكثر، أكثر دائماً، وهناك كثير من المواقف الجميلة المشجعة.. يعني مثلاً من الممكن أن تجد إنساناً، يعنى أسرة تعيش في عزبة، العزبة عندنا وحدة اجتماعية أقل من القرية، مسافة بعيدة، يأتي والدها بالموتوسيكل بالبنت إلى المكتبة، وتجد مثلاً أُماً، هي عبارة يعني عن مديرة منزل لا تقرأ ولا تكتب، هي تأتي ببنتها مثلاً، فتسألها، أنا باسألها هي جاية من شغلها وجاية تعبانة وحريصة على أن بنتها تأتي المكتبة، لما تتكلم معها هي شايفة أن العلم والقراءة حاجة جميلة، يعني لما تسمع حوارات الطلبة اللي هي قد تكون في قصة خيالية هم قرؤوها وازاي بيتناقشوا فيها وازاي بيشوفوها، فالسن، هذه السن، ترى في عيونه حالة من حالات الأمل، حالة من حالات الحلم، فكرة الخيال الذي منحه الله للإنسان، هو خيال لصناعة الأمل، لصناعة رؤية للعالم أكثر لطفاً وإنسانية وكذا وكذا.. بترى هذا في عيون الأطفال، أنا كان أول ما فتحت المكتبة كان عندي عجز في كتب الأطفال، وكان فيه هجوم من كتب الأطفال على القصة، فأنا لما نزلت أشتري كتباً للأطفال فكنت حاطط، أخطط مثلاً يعني لشراء كتب، يعني بمبلغ معين، أول شيء اصطدمت في حاجتَين؛ المحتوى العربي من الكتاب، الطفل يعني مش جايب بما فيه الكفاية، فعشان أعمل حاجة زي دي اضطررت أن أشتري من خارج المكتبة المصرية؛ يعني المكتبة المصرية، طباعات المكتبة المصرية في رأيي الشخصي يعني لا تعبر أو تفي بشكل جيد، المكتبة اللبنانية أظن فيها شغل كويس، فأنا ساعتها ضاعفت المبلغ عشان أشتري ده، وقدرت أوصل بكتاب الطفل داخل المكتبة لأكثر من ألف قصة، لأن أنا كان في الأول كان بيحصل خناقات يعني ما بين الأولاد؛ لأن الكتاب قليل، كتاب الطفل دلوقتي بقى فيه وفرة، أو حاولنا هو صحيح غالٍ لا؛ سيما لما يكون الكتاب مطبوعاً بشكل معين، لأن هو بيبقى له مواصفات بشكل معين، وبرضه أؤكد أن فيه بعض الناس دعمت بعض هذه الكتب ببعض التبرعات، لشرائها يعني".


مصر بدأت بشكل جيد وحقيقي في تطوير المناهج

 وأجاب أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، عن سؤال "الطلاب الذين تدرس لهم في المكتبة، هل يطرحون قضايا متشابهة أو مختلفة؟"، قائلاً: "ما هو هنا بقى نقطة مهمة؛ إحنا عندنا حالة من التشابك، حالة من التقليد، حالة من السكون، حالة من الهدوء، هذا موجود لأنه حتى هو يراد تعليمياً وإحنا لسه مصر بدأت بشكل جيد وبشكل حقيقي في تطوير المناهج الأخيرة في التعليم الثانوي؛ أن الطالب بدأ يبحث عن المعنى ومعنى المعنى والمغزى، وأن يستنتج وأن يتفاعل مع النص المقروء، هذا لم يكن موجوداً إطلاقاً قبل ذلك؛ يعني المناهج الحديثة التي قام بها يعني كان رئيس بنك المعرفة أو من وضع بنك المعرفة، هو كان دكتور طارق شوقي، هو كان وزير التربية والتعليم الأسبق، وبعض الناس ما زال حتى الآن ساخطاً عليه؛ لكن أنا أرى أنه في منظومة دراسة النصوص داخل مناهج اللغة العربية هو أحدث طفرة ونقلة، ما زال الطالب حتى الآن لا يستطيع أن يستوعبها؛ لأن هو لا يقرأ بشكل جيد خارج المنهج، والمنهج يطلب منه أن يستنتج وأن يتفاعل مع النص، وأن يتعمق وأن يكون له رأي، وأن ينظر خلف المعنى، هي كلها تدريبات مهمة؛ ولكن للأسف هذا نحن نفتقره، ولذلك أنا يعني  أظن أن مهما فعلنا من عشرات ومئات وآلاف التجارب لتحريك التفكير أمام حالة هذه الجمود، لأن إحنا حدث لن تؤثر، محتاجين أكتر كمان؛ لأن حدث حالة من حالات التوحد ما بين الفكر العربي والحالة السلفية الحرفية الجامدة؛ يعني هو استولى على العقل العربي، وأثر فيه بشكل بالغ جداً، حتى كأنهما أصبحا شيئاً واحداً، فنحن نحتاج إلى الكثير والكثير من الجهد".


كيفية التخاطب مع جماهير مختلفة

وأجاب د.عبد الباسط هيكل عن سؤال: "على أي أساس تختار ألفاظك في التخاطب مع مثلاً الجامعة وفي المسجد وفي المكتبة؟"، قائلاً: "هو أنا بدايةً أنا أصر دائماً على هذه المسارات للتدريب؛ يعني أنا في حالة تدريب من خلال هذه الممارسة، يعني أنا أدرب نفسي من خلال هذه الممارسة. الأمر الثاني هو يساعدني على فهم والتعرف على جماهير من مستويات مختلفة، كيف تفكر؟ يعني فكرة المثقف الذي ينعزل في برج عاجي هي إحدى إشكاليات تاريخنا الثقافي، فكرة المثقف الذي كان يظن أن المقال الذي يكتب في الجريدة هو وسيلته للتغيير، بينما شريط الكاسيت يغزو البيوت ويتحرك يميناً ويساراً، هو جزء من الإشكالية القائمة، فكرة المثقف الذي كان يتبنى لغة متعالية، لغة غير تواصلية، يعني الناس تسأل أنفسها: لماذا المدرسة الفلسفية هُمشت في تراثنا؟ ولماذا المدارس الأخرى كان لها حضور اللغة؟ كيف تحدث حالة من التواصل" فأنا أصر على أن أتدرب على هذا، الأمر الآخر بقى وكان يحدث لي بعض المشكلات أحياناً، كيف تتحول يعني وأصعب شيء أن تتحول من مستوى الداعية أو الواعظ الذي يصدر عن يقين وإطلاقيات في التعامل ويستميل العاطفة، إلى الباحث المفكر؟ وكيف تستطيع ألا تقع في إنشائها أو أن تقع في عبارات فضفاضة؟ وكيف تستطيع أن تحرر العبارة، عبارة علمية محددة؟ وأنا هنا أعترف وأدين بالفضل لمدرسة شمال إفريقيا، يعني أنا نشرت وتعاونت في كثير من المشروعات العلمية؛ لكن أدين بفضل في التعاون مع الجزائر ومع المغرب، يعني أنا شاركت في مشروع تأويلات الصادر عن جامعة طنجة في المغرب، وشاركت مع جامعة خنشلة في الجزائر، عبر أكثر من عمل، تحكيم أعمالي والمشاركة في ورش وإعادة يعني التفكير بصوت مسموع أفادني كثيراً، شغلي مع المعهد الألماني للدراسات الشرقية ببيروت خلال خمس سنوات في مشروعات متتالية أفادني.. هذا حالة من التفاعل المستمر، نشري من خلال مركز مسار في دبي، النشر من خلال مركز البرهان في ليبيا، كثير من التجارب بعيداً عن مسار الجامعة؛ يعني أنا كنت أتحرى دائماً في البحث والنشر في مسارَين، مسار أنشر فيه من خلال الأزهر، وخرج فيه كتابان (إشكاليات نقدية) وكتاب (بنية السرد) جمعت فيهما الأبحاث التي نشرت داخل الأزهر، والتي بها حصلت على درجة الأستاذ المساعد، ثم الأستاذ، وبعد ذلك أنا كان لديَّ أسئلة أطرحها على مشروع الإسلام السياسي، كأنني أفكر بصوت مسموع من خلال كل ورقة بحثية؛ وهي التي جمعت في كتاب (باب الله.. الخطاب الإسلامي بين شقي الرحمة)، هذا الكتاب هو مجموعة من الأبحاث التي نشرت في شمال إفريقيا ومع مؤسسات وجامعات، كل سؤال كنت أطرحه كنت أحاول أن أفكر بشكل متجرد مع ما يطرحه، ويعرف بالطرح المدرسة الصحوية أو كما تسمي نفسها أو المدرسة الأصولية.

ثم بعد ذلك اشتبكت مع ما يُعرف بمدرسة الجهاد المصري؛ لأن أنا كنت اقتربت من عبد الوهاب عزام، جد أيمن الظواهري، اقتربت من شغله من مدرسته، عبد الوهاب عزام غير عبد الله عزام.. عبد الله عزام هو ممكن يكون أحد الآباء الروحيين، أب روحي لأيمن الظواهري، وكلاهما خرج من مدرسة الإخوان المسلمين إلى مدرسة الجهاد المسلح، وعبد الله عزام هو شخصية متقاطعة ما بين الإخوان وبين الجهاد؛ يعنى كلاهما يثمن ويقدر الرجل ويراه أباً روحياً. أما عبد الوهاب عزام فهو أول مَن أسس الدراسات الشرقية في مصر، وهو أول مَن عرف المصريين، بل أظن العرب، بمحمد إخوان، وهو أول سفير مصري في.. وأول مَن أسس جامعة في المملكة العربية السعودية، يعني من المفارقات، وهذا ما ذكرته في كتابي (الحب والحقد المقدس) هذا الكتاب كان يقدم صوت الحب المقدس؛ يمثله عبد الوهاب عزام، وصوت الحقد المقدس يمثله أيمن الظواهري؛ لأن أيمن قدم نفسه ودعا إلى الحقد، يعني كأن الحقد هو مراد من الله، فكان أنني اخترت هذين التعبيرَين، واستوقفني تعبير الدكتور طه حسين وهو يودع تلميذه عبد الوهاب عزام، وهو يذهب إلى تأسيس أول جامعة في نجد؛ فكان يقول له أتمنى أن تؤسس نقطة منيرة تنير يعني هذه المنطقة وما حولها، ثم تمر الأعوام ومع تردي وتراوغ الثقافة العربية يخرج من نجد أسامة بن لادن، ويلتقي أيمن الظواهري...". 


ماذا يُقصد بمفهوم التنوير؟

وأجاب هيكل عن سؤال "ماذا يقصد بفعل التنوير؛ خصوصاً أنه حالياً بدأت تظهر الكثير مما يُسمى بالبؤر، أنا أسميها بؤر تنويرية؛ لكن أنا أراها تفتقر إلى المنهجية، قد يكون نية الناس طيبة تجاه أن البحث عن مخارج للوضع المجتمعي العام التي تعيشه المجتمعات العربية، لكن أنا في رأيي الأداة مهمة جداً مرات قد تسبق الهدف، لأنه لا يمكن أن تصل إلى هدف جميل ونبيل بأدوات يعني خنفشارية بأدوات غير منضبطة، ماذا أنت حسب يعني فهمك وأنت يعني لك باع طويل في التواصل مع المجتمع، مفهوم التنوير ماذا يقصد به؟"، قائلاً: "أنا من الأشياء المحزنة في واقعنا العام، أن يتصدى لما يعرف بالتنوير من يحدث صدمة داخل الشارع، هذه الصدمة أحياناً تكون دافعة لدى الشارع للخوفو، للرفض؛ لأنه لم يدخل إلى الموضوع الذي يريد أن يعالجه من خلال المدخل العلمي الصحيح أو أن يستخدم أدوات جيدة في العرض؛ التنوير بمفهومه الغربي حاوله العقل العربي والممارسة العربية، وأراد أن يقترب بالناس وأن يدعو الناس إلى إعمال العقل والتفكير؛ ولكن هو وهو يفعل هذا كان يتحرك بشكل متعجل، شكل يفتقد الأدوات، شكل أظن أنه يحاول أن يجيب عن سؤال الغرب وليس عن سؤال.. هو يجيب عن سؤال خارج الواقع الذي يعيشه، وهذه هي قضية إشكالية خطيرة جداً.

هناك مَن يحوِّل التنوير إلى تثوير، ونحن أمام عقل وأمام شارع لن يقبل هذا، بل من الممكن أن أقول إن الدين وإن الفكر الديني يحتاج إلى مسار إصلاحي بطيء حقيقي يعتمد على المعرفة، ويعتمد على الأدوات، يعتمد على إعادة الثقة مرة أخرى إلى الأدوات المعرفية، إلى المناهج، وكلمة المناهج وليس المنهج، يعنى هناك مناهج، هناك مقاربات، نحن لا يوجد هذا، ثم تريد أن تقفز به إلى نتائج؛ فكلاهما يمارس القفز كثيراً، يعني ما يضر أحياناً الطرح المتطرف في تنويريته بالطرح الإصلاحي؛ لأن هو أحياناً يستدعي الطرح العنيف، الطرح المتدين العنيف". 


الدين والفكر الديني.. هل نحتاج إلى تنوير ديني أم تنوير مجتمعي؟

وأضاف أستاذ اللغة العربية وآدابها، رداً على "هل نحن نحتاج إلى إصلاح ديني، إلى تنوير ديني، إصلاح ثقافي، أم تنوير مجتمعي؟ يعني هل الدين يحتاج إلى إصلاح؟ يعني هل الدين وصل إلى مرحلة إنه خرب حتى نصلحه أم أنه فهم الناس للدين؟": "لأ، ما هو نقطة مهمة جداً؛ الدين لا بد أن نميز ما بين الدين والفكر الديني أو الفهم الديني.. من الخطأ، هو طبعاً كلنا نتحدث عن التدين، هو دائماً هناك ثنائي، فلا بد أن نميز بين هذه الثنائية بشكل مهم جداً، قد نسميها الدين والتدين، هنسميها يعني الدين والفكر الديني، هنسميها الإلهي والنسبي الإنساني، لا بد أن توجد الثنائية، لماذا؟ لا بد أن توجد الثنائية لأن الله اتصل بلغة بالإنسان، فلا بد أن يحدث إنتاج فكر، هذا الفكر الذي ينتج يحتاج إلى إصلاح؛ ممكن يحتاج إلى إعادة نظر في الأدوات وفي المقاربات، ممكن.. لكن لا بد أن أؤكد دائماً أن هناك فرق كبير جداً ما بين الدين وما بين التدين أو الفكر الديني".


وتابع هيكل رداً على "طب هو الخلل وقع على طريقة نصر حامد أبو زيد، هل الخلل وقع في قراءة النص أم في الظرفية التي قرأ فيها النص؟": "والله هو أنا أحياناً نكون أمام ظواهر شديدة التركيب والتعقيد؛ فعندما نحاول أن نبسط المركب أو أن نختزل العوامل في عامل، نكون أصبحنا تحت تأثير العقل السلفي أو الحالة السلفية أو الحرفية التي دائماً تختزل أو تبسط شديد التركيب، أنا في تصوري هناك عدة عوامل أوصلتنا إلى هذا الوضع، والخروج لن يكون من خلال مقاربة أو معالجة عامل واحد، ولكن لا بد من معالجات مكتملة؛ بمعنى فكرة أن نكون، أن الحل تراتبي؛ بمعنى واحد اتنين تلاتة، لأ في تصوري أن نحن أمام حل تفاعلي، هناك حالة من حالات التحريك لهياكل الاجتماع، نحن نتحدث عن أن يحدث حراك اجتماعي، وأن يكون هناك أسئلة، وهناك طرح من المجتمع، وألا يتحول المجتمع إلى مجتمع خامل، وفي الوقت نفسه تكون هناك مراكز بحثية وجامعات تقوم بدراسات حقيقية ومقاربات حقيقية، تنطلق من سؤال المجتمع الحي، وليس من سؤال الغرب؛ لتنتج نسخةً وتقدم فكراً يعبر عن حالة جدلية وليست حالة مستسلمة، حالة جدلية مع المنجز المعرفي الغربي دون أن تسلم له، وحالة من التفاعل الجدلي أيضاً مع التراث، دون أن تسلم له، حالة تؤمن بأننا أمام تنوع رائع، من الممكن أن نستفيد منه، هذا الغرب ليس غرباً واحداً؛ ولكن نحن أمام أكاديميات تختلف عن الغرب السياسي، ونحن أمام تراث ليس تراثاً واحداً، ولكنه تراثيات ومدارس متنوعة، حتى نستطيع أن نستفيد منه لا بد أن ندرك هذا التنوع، ثم نعود مرة أخرى إلى عالم القرآن الرائع العظيم، وأن ندخل من المدخل الألسني، لأنه هو طبيعة القرآن اللسان العربي، وهو الأصدق في أن ننتقل بتصورات جيدة وحقيقية لا يتم فيها توظيف القرآن توظيفاً نفعياً كما حدث في الستينيات، وقيل نحن أمام الإسلام الاشتراكي وكتبت كتباً في الاشتراكية والقومية والعروبة، ثم جاءت كتب في العصر الساداتي تتحدث عن الإسلام الرأسمالي والانفتاحي.. وكذا وكذا. كيف نخرج من حالة التوجيه الأيديولوجي النفعي؟ هو أن ننجز وعياً علمياً بالقرآن الكريم".


إشكالية إسقاط نموذج الإصلاح الديني في أوروبا على الإصلاح الديني عند العرب

وتابع د.عبد الباسط هيكل، رداً على "إسقاط نموذج الإصلاح الديني في أوروبا على الإصلاح الديني عند العرب، أعتقد خطأ؟": "هنا نقطة أريد أن أقولها في جملة (لا يمكن أن تحدث تحضراً وتحديثاً وحراكاً حقيقياً بنقل تجربة الخارج؛ ولكن لا بد أن يكون نابعاً من الداخل، إنمائياً تراكمياً يستند إلى جذوره ويتفاعل معها".


التنوير وتحديث الخطاب الديني ودور الدولة

وأجاب أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة الأزهر، عن سؤال "هل ترى أن هناك دوراً للدولة أو المؤسسة الدينية أو مؤسسات المجتمع في إحداث ما يمكن تجاوزاً عنه نسقط عليه مثلاً تنويراً أو إصلاحاً أو تحديثاً للخطاب الديني أو أن نتشارك جميعاً بالتوافق على آلية محددة لقراءة هذا النص الجميل الذي بين أيدينا، واللي هو المرجعية أو هو المعيار؟"، قائلاً: "هو يعني دائماً علاقة السلطة السياسية بالخطاب الديني أو بالفكر الديني عبر تاريخنا في موروثنا، كثيراً ما كانت تحدث مشكلة؛ لأنها كانت في تاريخنا تتبنى مدرسة أو فكراً ثم يمنح سلطة بالتقارب مع السياسي، ليدعي بوعي أو بغير وعي أنه هو الصواب، وأنه هو الحق، وأنه هو الحصري عند الله عز وجل، فدائماً كانت تحدث الصراعات. عندما نتحدث اليوم عن تجديد مجازاً أو إصلاح أو تنوير تدعو إليه السلطة السياسية دون ضمان من حراك اجتماعي حقيقي، دون استقلالية ونشاط علمي بحثي من خلال الجامعات، لن يحدث تحريك ولا تغيير.. وكثيراً ما تحدث هذه الدعوات؛ لكن صداها سرعان كأنها ضوء ينطفئ، كأنها فعل ثم ينتهي تدريجياً إلى الخمول؛ لأن العقل أو الذي قائم على البحث والدراسة هو لا يثق في هذا أو هو ليس وليد تفكير من العقول القائمة على البحث والدراسة، وليس وليد إلحاح من الشارع.. التغيرات الكبرى تصنعها تغيرات اجتماعية، تطرح أسئلة طبقة تتشكل وتضغط في اتجاه الإصلاح، وفي اتجاه التغيير، هذا الإصلاح يكون فيه جوانب متعددة؛ من تجلياتها الجانب الفكري، أنها تبحث عن إجابات تساعدها في فهم أفضل، فهم يقدم اللغة القيمية للقرآن الكريم، الجانب الإنساني، الجانب الذي يبني، والذي يساعد على أن نمضي إلى التحضر، فلا بد أن ينطلق هذا من حراك المجتمع وتطور هياكل الاجتماع، لا بد أن يأتي من إيمان المراكز البحثية بالخروج، يعني بدايةً يعترف بأن هناك أزمة في مناهج الدرس وعدم كفاية، وأننا في حاجة إلى التطوير وفي حاجة إلى أن نعيد مرة أخرى فكرة البحث الذي ينطلق من سؤال الواقع ومن سؤال المجتمع هذا ما زلنا في حاجة..".


مجتمعات عربية تعيش وضعاً مأساوياً

وأضاف د.عبد الباسط هيكل، رداً على "في رأيك، المجتمعات العربية أعتقد وصلت يعني من زمان إلى مرحلة التساؤل، نحتاج إلى تغيير، نحتاج إلى إصلاح، نحتاج إلى تحديث. الآن المجتمعات؛ خصوصاً أنه تعيش في رأيي بعض المجتمعات العربية، وضعاً مأساوياً الآن، متى ينطرح التساؤل؟": "هي لم تثق في الفكر، لا تثق في آلية التفكير؛ ما زالت بعض المجتمعات التي وصلت إلى نقطة حزينة جداً من الانهيار، تظن وتكتفي بأن هذه مؤامرة، الشماعة يعني، أنا لا أنفي وجود المؤامرة؛ لكن التوسع في نظرية المؤامرة والتبرير، هو يبرر بالخارجي، ويرى أن الإشكالية في الخارج، هو لا يرى السبب الداخلي، هو دائماً يعيش هذه الحالة، يرى أنه حتى يحدث الحراك الحقيقي يحتاج إلى أن يتوقف التاريخ، الصراع الطبيعي داخل التاريخ، يريد أن يتوقف؛ لأنه يتصور هذا الصراع دائماً بأنه مؤامرة عليه وأنه يحتاج إلى مزيد من البوق في حركته، في حين أن هذا لا يسمح به في هذا الواقع، وأن الواقع متسارع والضغوط أكبر، ولا بد أن يبدأ الإنسان من داخله، وفي بناء تصور جيد يستطيع أن يرى به العالم، وأن يري به نفسه، وأن يرى الله عز وجل".


مدرسة الإصلاح والتجديد الأزهرية

وتابع هيكل رداً على "يعني نحن بحاجة باختصار إلى أن الفرد يتساءل، ومن ثم هذه التساؤلات تتبدى في ثنايا مثلاً مؤسسات مدنية أو مؤسسات فكرية في المجتمع، وتأخذ مسارها": "نعم هو دائماً أن المدرسة الإصلاحية، مدرسة الإصلاح والتجديد الأزهرية، التي أسسها وأطلقها الشيخ محمد عبده، دائماً كانت ترى نفسها جزءاً من حراك اجتماعي لا تمثل سلطة عليا، ولكنها هي جزء من المجتمع المتسائل، ولذلك يعني واحد زي الشيخ محمد عبده كان شخصاً يعني يتحرك من خلال الجمعية الأهلية، جمعية حلوان، ومن خلال الدرس المسجدي، ومن خلال الدرس المنزلي، في منزله، ومن خلال كذا.. وكان كذا كذا، بعد المراجعات التي قام بها؛ لأن الشيخ محمد عبده قام بمراجعات".


واختتم د.عبد الباسط هيكل، رداً على "عشان أنت تعمل مكتبتك"، قائلاً: "عشان كده هو له مراجعات كثيرة".