• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

دور الفلسفة في إنقاذ العقل العربي | د. مليكة بن دودة

للإستماع



وزيرة الثقافة الجزائرية السابقة في ضيافة "مجتمع"

دور الفلسفة في إنقاذ العقل العربي مع الدكتورة مليكة بن دودة

د. مليكة: الثقافة التي تخاف على نفسها من قط الجيران هي ثقافة فئران

 

 

د. مليكة: درست الفلسفة حين شعرت برغبة شديدة لفهم ذاتي وما يحدث حولي

د. مليكة: كنت أريد دراسة شيء يسمح لي بأن أخوض عملية التحطيم ولا أبالي

د. مليكة: حين سمعت الآذان في غير موعده شعرت بالخطر على الدولة الجزائرية

د. مليكة: السياسة هي اختراع الإنسان الوحيد لتنظيم الحياة المشتركة

د. مليكة: حاولت أن أُسيّر الشأن الثقافي في الجزائر بشجاعة حنا آرنت وليس بنهجها

د. مليكة: حرب الإبادة الجماعية في غزة ولبنان تحدث باسم الديمقراطية

د. مليكة: منظمة اليونسكو خلقت صراعا بين الدول على تصنيف التراث

د. مليكة: اقترحت تدريس الفلسفة بممارسة فعل التفلسف لا التدريس التقليدي

  

الفلسفة السياسية

د. باسم: أهلا بكم، أنا معكم باسم الجمل في حلقة جديدة من برنامج "مجتمع". في حلقة اليوم نلتقي الدكتورة مليكة بن دودة من الجزائر، الباحثة والكاتبة بالشئون الفلسفية، وفي السياسة أو الفلسفة السياسية. دكتورة أنتي ليكي تجربة مع الفلسفة السياسية..

د. مليكة: الفلسفة السياسية.

د. باسم: وكان في تخصصك، يعني أعتقد أنك درستي حول شخصية أو كاتبة أو.. هي حنا آرنت*. أنا حابب أعرف شوية يعني لماذا اخترتي يعني هذا البحث واخترتي هذه المرأة وهذه السيدة وهذه الكاتبة أو الباحثة لتكون هي محور البحث تاعك؟

د. مليكة: أولا أنا سعيدة جدا بتواجدي معكم على منصة "مجتمع"، وهي فرصة طبعا للتعرف على جمهور جديد. وشعرت فعلا بجدية المنصة...

د. باسم: أشكرك.

د. مليكة: وبقدرتها على يعني تعميم استعمالات العقل في العالم العربي، وهذه من الأسباب الأساسية التي جعلتني أتوجه أولا لدراسة الفلسفة في لحظة معينة كوني كنت في تخصصات علمية أكثر، بالهندسة المعمارية والرياضيات، شعرت برغبة شديدة للفهم؛ لفهم ذاتي أولا، ولفهم ما يحدث حولي، ولفهم العالم. وهذه الرغبة في الحقيقة لا تفسر، يعني لا يمكن أن نجد لها تبرير معين غير حب المعرفة أو حب الاستطلاع. كنت دائما يعني وأنا طفلة أريد أن أعرف كل شيء..

د. باسم: استعجلتي..

د. مليكة: كنت حابة أتعلم كل شيء، وأذكر مرة سألت يعني.. سألت ابنة خالتي اللي كانت يعني تعتني بي وقريبة جدا مني، قلت لها أريدك أن توجهيني نحو تخصص لا أتوقف فيه عن التعلم، لأني لا أريد أن أغادر المدرسة، المدرسة كانت هي سعادتي، يعني هي المكان الذي أشعر فيه فعلا بأنني أنا. قالت لي عليكي بدراسة الطب لأنه الأطباء مشوارهم طويل، لكن لما كبرت ودخلت الجامعة وروحت الهندسة المعمارية، شعرت أنه ما نتعلمه لا يكفي..

د. باسم: لا يشبع الغرور..

د. مليكة: لا يشبع، يعني تخصص معين لدراسة العمران، دراسة الهندسة، لبناء مدينة، لكن أنا كنت حابة..

 

تحطيم الأصنام

د. باسم: تتوسعي أكثر..

د. مليكة: المدينة الحقيقية يعني بالمعنى اللي بعد ذلك اكتشفته المعنى الأرسطي، يعني المدينة التي نتشارك فيها الكلام ونتشارك فيها الأفكار ونتشارك فيها البناء. ففجأة اكتشفت مفكر مهم هو محمد إقبال، وصدفة فقط يعني وجدت كتاب روائع إقبال، وفي روائع إقبال وجدت قصيدة كتبها محمد إقبال:

سألني ربي هل ناسبك هذا العصر وانسجم مع عقيدتك؟

قلت لا يا ربي.

قال حطمه ولا تبالي.

فكلمة التحطيم اللي هي نيتشوية، بعدين اكتشفت بأنه نيتشه مأثر كتير على محمد إقبال، عملت لي صدمة، وقلت أنا فعلا أريد أن أتمكن من دراسة شيء يسمح لي بأن أخوض عملية التحطيم ولا أبالي، التحطيم على مستوى الذات يعني المعتقدات القديمة والأحكام المسبقة التصورات الخاطئة، فقلت محمد إقبال هذا ماذا درس ليقول شيء بهذه القوة وبهذه الشدة يعني؟ وجدت فلسفة.. أول مرة أسمع كلمة فلسفة لما كنت أبحث عن بيوغرافيا محمد إقبال، فقلت ربما هذا هو الميدان الذي يجب أن أتجه إليه ليعلمني كيف أحطم ولا أبالي فاتجهت نحو الفلسفة.

د. باسم: يعني تعلمتي تحطيم الأصنام كما حطمها النبي إبراهيم يعني؟

د. مليكة: لا، تحطيم الأصنام وتحطيم أيضا كل العوائق اللي تجعلنا ربما نتصور أن كل شيء قيل أو كل شيء انتهى منه، يعني على مستوى النظري أو على مستوى فهم الأشياء، فلما دخلت مجال الفلسفة ومجال العلوم الإنسانية بشكل عام حسيت بأنه كل المجالات مازالت بحاجة إلى إعادة اكتشاف وإعادة..

د. باسم: بحث وتعلم..

د. مليكة: بحث وتعمق، وأن ما قيل على الرغم من أنه يعني فيه شهرة معينة أو فيه نظريات مشهورة يعني في الفلسفة، أحببنا ذلك أو لم نحب يعني، فيه فلاسفة مشهورين فيه فلاسفة مغمورين، لكن معيار الشهرة ليس دائما هو معيار بحثي وعلمي وأكاديمي، هناك شهرة إعلامية في بعض الأحيان، هناك شهرة..

 

أذان في غير موعده!

د. باسم: شهرة كذابة..

د. مليكة: شهرة سياسية أيضا، لأنه فيه توظيفات معينة لبعض النظريات. والصدمة الثانية أن اكتشفت أن رغم حبي للفلسفة اكتشفت أنها ليست بريئة دائما، وأن الفلسفة مسئولة بشكل كبير عن أشياء كثيرة حدثت ولا زالت تحدث ليومنا هذا في العالم. حنا آرنت.. لماذا حنا آرنت، ربما حنا آرنت جت بالصدفة لأني كنت أشتغل في البداية على وسائل الإعلام والاتصال وعلى تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وتمادي تأثيرها يعني، الفلسفة التي توجد خلف هذه التكنولوجيات، والذكاء الاصطناعي، فكنت مهتمة أكتر بفلسفة العلوم. وفي نفس الفترة كان فيه تحولات شديدة تحدث في العالم خاصة في العالم العربي، وخاصة في بلدي، في فترة عشرية سوداء عاشتها الجزائر، جعلتني أهتم بالعالم، يعني بعالمي السياسي يعني، القريب جدا الذي أتحرك فيه، وكنت مرة وأنا تلميذة في البكالوريا طالعة من المدرسة وكانت الحزب الإسلاماوي في الجزائر اعتلى فاز في الانتخابات، واعتلى منصات البلديات.. وأنا طالعة الصبح المدرسة إذ طالع صوت الآذان.. رُفع الآذان في الحي الذي كنت أقيم فيه، فتفاجأت، قلت يعني الوقت مش وقت صلاة كيف يمكن أن أستمع للآذان الآن؟ ماذا حدث؟

د. باسم: يعني آذان في غير موعده..

د. مليكة: في غير موعده، على الثامنة صباحا، أول مرة أستمع للآذان كان مباشرة بعد نتائج الانتخابات والبلديات، أصبحت بلديات تابعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، فلأول مرة أشعر بخوف أن يحدث شيء غير معتاد، وأن هناك تغير فيما يسمي بهيكل الأشياء، الهيكل السياسي أو التنظيمي للأشياء، وذاك القلق جعلني أتساءل عن الدولة في حد ذاتها يعني، هل يمكن أن تختفي الدولة؟

د. باسم: يعني بمجرد ما سمعتى الآذان في غير.. هل سماع الآذان هو اللي عملك هاي الإشكال أم سماع الآذان في غير موعده؟

د. مليكة: لأ، سماع الآذان في غير موعده، أنا أحب صوت الآذان وأتمتع فعلا عندما أزور أي منطقة في العالم وأسمع يعني أصوات مختلفة ترفع الآذان، هذا شيء يشعرني بشيء من يعني هذيك الانتماء الثقافي الروحي لمنطقة معينة، هوياتي أيضا، أنا لما أسمع الآذان فجزء من هويتي يتحرك. لكن لما سمعته في غير وقته يعني، شعرت فعلا بأن هناك خطر ما، والقلق زاد عندي وشعرت أنه ممكن هذا الأمر يصل إلى زوال الدولة يعني، ممكن نحن في طريق لزوال الدولة، هذه هواجس المراهقة يعني معندهاش علاقة بالفلسفة..

د. باسم: يعني هذه الهواجس هي اللي تولدت عندك مجرد ما سمعتي الآذان في غير موعده؟

د. مليكة: مع إنه كان فيه انتخابات ماكنتش مهتمة بها، أنا كان عمري يعني 18 سنة ماكنتش فعلا مهتمة بالتغير السياسي الذي كان يحدث في الجزائر، لكن لما سمعت الآذان في غير وقته شعرت أنه فيه خطر معين.

د. باسم: يعني فيه شيء غير طبيعي عم بيحدث..

د. مليكة: فيه شيء غير طبيعي. وإذا رجعنا لسيكولوجيا يعني الإنسان بشكل عام والطفل خاصة، يعني الشعور بالأمان ضروري للشعور بالاستقرار. وهذا ولّد لي يعني عدم الشعور بالأمان، أو الخوف من ما يمكن أن يحدث. يعني إذا فيه ناس ترفع الآذان هكا، يعني فيه فوضى معينة بدأت تحدث..

د. باسم: فيه خروج عن المألوف مثلا..

د. مليكة: فيه خروج عن.. مش فقط خروج عن المألوف خروج عن النظام، هذا هو الخطر الحقيقي. لما دخلت توجهت للفلسفة بعد يعني تحولات..

 

السياسة والحرية

د. باسم: من الرياضيات والهندسة للفلسفة..

د. مليكة: بعد حدث محمد إقبال، هنا بدأت المخاوف من عودة هذا الشعور بزوال الدولة، فبدأ الاهتمام بالسياسة أو بالفلسفة السياسية، كيف نفكر هذا المشترك أو هذا العيش معا، كيف يمكن على اختلافنا، اختلاف شخصياتنا، اختلاف سيكولوجياتنا، اختلاف توجهاتنا، اختلاف يعني..

د. باسم: طموحاتنا وأحلامنا..

د. مليكة: طموحاتنا وأحلامنا أن نعيش معا دون أن نسقط على بعض، يعني دون أن يسقط بعضنا على البعض الآخر..

د. باسم: دون أن نقتتل..

د. مليكة: دون أن يتأذى أحدنا، فشعرت أن هذا هو سؤال فلسفي سياسي بامتياز، فتحولت نحو الفلسفة السياسية.

د. باسم: طب هل وجدتي الجواب مثلا؟

د. مليكة: إيه طبعا طبعا، بحث طويل عريض لمدة عشر سنوات مع حنا آرنت. قلت في البداية استفردت بها واستفردت بي، قرأت كل شيء كتبت، وهي حاولت أن تعرف هذا الشيء السياسي، يعني ماهي السياسة، عندها مقال مهم (بالفرنسية: Qu'est-ce que la politique?)، في المقال هذا تحاول أن تعرف ما هي السياسة، ولأول مرة تتغير نظرتي للسياسة بشكل جذري، وأفهم أن السياسة هي ما يمكن أن ينقذنا، في حين أن لسنوات معينة يعني عشنا في بيئة تكره السياسة وتكره أهل السياسة وتكره المشتغلين بالسياسة وتعتبر أن أصل البلاء كله في أي مجتمع..

د. باسم: من السياسة والسياسيين..

د. مليكة: والخراب هو السياسة والسياسيين. واكتشفت أن الأحكام المسبقة حول السياسة هي أهم يعني شيء يجب أن نبدأ بمحاربته أو بمقاومته، يجب أن نصالح الناس أو المواطنين مع مفهوم السياسة.

د. باسم: إيش المفهوم اللي إنتي يعني أخدتيه من حنا، يعني ما هو التغيير في فهم السياسة اللي إنتي تعتقدي؟

د. مليكة: السياسة هي أن أو هي ما يجعلنا أحرار، أو هي ما يدافع عن حريتنا، أو هي التي تجعل الحرية ممكنة. أو السياسة كما تقولها هي في نصها تقولها بالفرنسي ( La liberté c'est la raison d'être de la politique )، "سبب وجود السياسة هو الحرية".

د. باسم: سبب وجود السياسة هو الحرية..

د. مليكة: هو الحرية.

د. باسم: يعني عند انقطاع الحرية لا توجد سياسة..

د. مليكة: لأ، عند انقطاع السياسة لا توجد حرية.

د. باسم: والعكس مع سبب وجود الحرية السياسية..

د. مليكة: (No)، سبب وجود السياسة هو الحفاظ على الحرية..

د. باسم: أوكيه.

د. مليكة: يعني لا يمكن بأي شكل من الأشكال مهما ارتقت المجتمعات، ومهما يعني تخلقت ومهما تعلمت، ومهما تربت، ومهما أحبت بعضها بعض، لا يمكن أن تحافظ على حرية الفرد..

د. باسم: بدون سياسة..

د. مليكة: بدون سياسة.

د. باسم: يعني إذن هي تنظر للحرية من منظار الحرية المنضبطة، أنه السياسة تكون.. عمل السياسة هي إجراء لضبط ممارسة الحلال أو ممارسة الحريات..

د. مليكة: إيه، السياسة هي ما يسمح لنا بتنظيم هذا العيش المشترك. السياسة هي الشيء الوحيد أو الاختراع الوحيد الذي توصل إليه الإنسان ولا يوجد اختراع آخر غير السياسة لتنظيم الحياة المشتركة.

 

السياسة والفعل

د. باسم: هل السياسة -بهذا الفهم عفوا يعني- هل السياسة إجراءات، يعني هي إجراءات يعني واحد إتنين تلاتة، الواحد يقود إلى الثاني، أم هي مجرد مفهوم يحتاج إلى أدوات لتفعيله؟

د. مليكة: لأ، السياسة هي فعل..

د. باسم: هي أدوات.. أوكيه.

د. مليكة: هي فعل، أسميها أنا أكشن دقيق، تفرق بين تلات مراحل من العمل الإنساني حنا آرنت، تتحدث عن العمل، الناس تعمل، تقوم بـ..

د. باسم: العمل أي عمل..

د. مليكة: إيه، أي عمل معين، وكين الناس التي تصنع، يعني التي تنتج شيئا جديدا وتضيفه إلى العالم، وهناك الناس التي تفعل ونسميها الأكشن، نكتبها بالإنجليزي (Action هذه الأكشن هي الفعل السياسي، هي العمل على ترتيب البيت المشترك هذا، وللتواجد بشكل هادئ أو بشكل..

د. باسم: متعايش..

د. مليكة: متعايش بشكل سلمي في العالم، أي يعني العمل أو التصنيع لا يسمح أبدا بالوجود في العالم، فهي تعتبر أن الإنسان الذي يعمل فقط يعني يهتم بحياته اليومية ويعمل يعني مرأة مثلا تقولوا ترتب البيت وتشتغل وتطبخ إلى آخره، هي تعمل فقط، هي موجودة في العالم لكنها ليست من العالم، هي في العالم تتحرك فيه لكنها ليست من العالم، بمعنى أنها لا تفعل شيئًا تجعل هذا العالم عالما سياسيا، سياسيا مش بالمعنى الحكوماتي يعني التنظيم السياسي، يعني السياسي بمعنى الـ"Police"، بمعنى بتقليده اليوناني كما ظهر بوليس بولتيك بوليس. يقول أرسطو يعني الحوار أو الكلام يسمح لنا بإيجاد " Zone Politicos " أو الحيوان السياسي، وهذه البوليتكوس هو فقط هو إنسان يتكلم ويتواجد في المدينة مع الآخرين بشكل سلمي، دون أن يفقد حريته، يعني هو لا يتخلي عن حريته ليكون مع الآخرين..

د. باسم: يعني هذا تعريف للسياسي؟

د. مليكة: هذا تعريف للسياسة بحسب تقاليد..

د. باسم: للسياسة ولا للسياسي؟

د. مليكة: لو بولتيك هي..

د. باسم: يعني الشخص الذي يتفاعل في المجتمع هو السياسي بهدف سوس المجتمع أو السياسة..

د. مليكة: بالنسبة لآرنت كل فرد عليه أن يكون فرد سياسي..

د. باسم: أنا متفهم...

د. مليكة: وهذا الذي يمكن أن يعني يمنع أن تحدث في العالم يعني..

د. باسم: فوضى.

د. مليكة: فوضى، أو تحدث أيضا الناس تستفرد بالسلطة فتحدث انتهاكات للتجاوز للحريات أو تجاوز للنظام، يعني لو كل فرد كان متواجد في العالم، يعني بالمعنى الأرسطي يستحيل تحدث تجاوزات..

د. باسم: طب هذا الفرد يعني يكون بمفرده أم ضمن مجموع؟

د. مليكة: ضمن مجموع طبعا، لا يمكن أن نكون أفراد سياسيين يعني بالمعنى "البوليتكوس"..

د. باسم: إلا ضمن المجموع..

د. مليكة: إلا ضمن المجموع..

د. باسم: يعني بالضرورة معناته يكون حتى يكون السياسي فاعلا يجب أن يكون جزءا من مجموع، والمجموع معبر عنه حاليا بالأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني، أو يعني فيه كتير مؤسسات مدنية مجتمعية يجتمع فيها أصحاب سواء حتى سواء النقابات مؤسسات مدنية أخرى مثلا، يعني النقابات والأحزاب هي أحد الأدوات التي تُمارس السياسة فيها من خلالها..

د. مليكة: صح، لكن بالنسبة لآرنت هذا لا يكفي يجب أن كل شخص يكون على دراية أو واعي لكل ما يحدث في تقرير مصيره، مصيره في بلده ومصيره في العالم أيضا، يعني بالنسبة لها أن الكل (مصطلح فرنسي) تقول هذه العبارة على لسان في مقالها حول "ليزنج"، ليزنج هذا مثقف من القرن..

د. باسم: هل معقول إنه كل المجتمع يكون على نفس المستوى من الثقافة؟ بالتأكيد لأ..

د. مليكة: لأ، مستوى من الاندماج..

د. باسم: ولا حتى من الاندماج إنتي ذكرتي..

د. مليكة: اللي مفيهوش تطاول الأمر معندوش علاقة بالثقافة الأمر عنده علاقة بأنه علينا أن نحمي بعضنا البعض من استفراد البعض الآخر بالسلطة مثلا..

د. باسم: أوك، أنا فهمتك. هل كل المجتمع يعي دوره في السياسة مثلا؟ يعني هيك بتطالب هي؟

د. مليكة: إيه، إيه..

 

كائن استهلاكي

د. باسم: هل يمكن الوصول لهاي الدرجة؟

د. مليكة: هي تنتقد، حنا آرنت عندها مقالتين مهمتين واحدة عن الثقافة، والثانية عن التربية.. تنتقد فيها التربية الآن التي تفتقد إلى السلطة وتنتقد فيها الثقافة أيضا ثقافة المجتمع الاستهلاكي. هي تكتب المقال نقولك في الستينيات، يعني قبل ظهور الوسائل الآن.. لحظتها تقول بأنه المجتمع يعيش.. المجتمع تحول بشكل.. المجتمعات تحولت بشكل جذري، وهي أصل لم تعتبر أنه كلمة "مجتمع" يعني هي اختراع جديد جدا كلمة مجتمع. فتقول أنه هذا التحول جعل الناس تهتم باستهلاكها يعني، تحسين نمط عيشها، المزيد من الاستهلاك، المزيد من السفر، المزيد من السياحة، المزيد من الفنادق، المزيد من الأكل، المزيد من المتع، المزيد من الرفاهية، المزيد من..

د. باسم: يعني صار كائن استهلاكي..

د. مليكة: مجتمع استهلاكي، هذا كله أبعده عن السياسة، فأصبحت الأفراد.. هي لا تنتقد مثلا الفرد الأوروبي، هو فرد لا سياسي، هو فرد لا سياسي، وفي بعض الأحيان معادي للسياسة (أنتيبولتيك).

د. باسم: ألا تعتقدي أنه هذا يعتبر فهم طوباوي على شكل مدينة أفلاطون الطوباوية؟ أي لا يمكن الوصول إلى كل أفراد المجتمع أنه يكونوا عندهم وعي سياسي بالشكل المطلوب منهم. أكيد يعني مش كل الناس عندها نفس الوعي.

د. مليكة: المسألة..

د. باسم: يعني فيه ناس تعي دورها السياسي، أنا متفق معاكي، لكن فيه غالبية لا تعي، وبالتالي لهذا بنشوف مثلا حتى في معظم في الانتخابات، حتى في أوروبا ولا في مجتمعات أخرى، نسبة المشاركين في الانتخابات لا تتعدى عدد نصف المجتمع.

د. مليكة: لا، أنا أظن هذا خطأ، أنا لا أوافق أبدا لأني متابعة لمشاهد الانتخاب، خاصة في أوروبا يعني لما يشعر المواطن أن فيه حدث يخص تغيير مهم في حياته ينتخب، عندما يشعر أنه نفس الوجوه نفس الأفكار يعني هي التي تتكرر..

د. باسم: يمارس دوره في تغييرها..

د. مليكة: فهو لا يشعر بأنه أنه معنى، مثلا ما حدث مؤخرا في الانتخابات الفرنسية اللي كانت كانت سوف تؤول نحو اليمين المتطرف، هنا كان فيه هكا ردة فعل انتخابية، لكن الانتخاب في حد ذاته لا يعني بالضرورة أننا أصبحنا كائنات سياسية.

 

كائنات سياسية

د. باسم: نمارس الوعي..

د. مليكة: أُفضّل هذا التعبير التحول إلى كائنات سياسية، طبعا حنا آرنت قد نقولوا أنها فكرة ربما حالمة أو طوباوية، نوعا ما لكنها هي الحقيقة السياسية التي يجب أن نبحث عنها.

د. باسم: معقول.

د. مليكة: فإذا تحقق.. لأنه الآن نفكروا في مجتمع مثلا مجتمع مصري أكثر من مئة مليون مواطن كيف بانشغالاتهم بما هو.. بما هو يومي..

د. باسم: مش بس مصر في كل المجتمعات..

د. مليكة: مثلا المجتمع الجزائري ران فيه أكثر من خمسين مليون يعني كل ما زادت..

د. باسم: هموم الفرد..

د. مليكة: هموم اليومي، لهذا في حنا آرنت قلنا بأنه الأحرار فقط في أثينا القديمة هم الذين كانوا كائنات سياسية..

د. باسم: إذن يعني يجب أن تتوفر شروط..

د. مليكة: كاين شروط معينة..

د. باسم: حتى يصبح الفرد سياسي..

د. مليكة: حتى يصبح الفرد سياسي.

د. باسم: طب شو هذه الشروط؟

د. مليكة: الشروط هو أنه مايكونش منشغل..

د. باسم: بهموم الحياة اليومية؟

د. مليكة: بهموم الحياة، يعني ماتكونش عبء الحياة تقيل بحيث أنه يعني..

د. باسم: تشغله عن ممارسة دوره السياسي..

د. مليكة: أو يعني مايكونش عنده يعني متسع من الوقت أو متسع أيضا من الـ.. نقولوا الحيز الفكري، هكا في دماغه، يسمح له بأنه ينصرف إلى شيء آخر غير التفكير في مشاكله اليومية. الأحرار فقط هم الكائنات السياسية، أما أنه إنسان يعني مكبل بالمشاكل..

د. باسم: بالهموم اليومية للحياة.

د. مليكة: بالمشاكل اليومية.. يبحث عن أكله، بالنسبة لأرسطو والتقليد لأرسطو، هؤلاء عبيد، أي إنسان مشتغل بأكله وبشربه وبأنه يوفر يجري وراء قوت أبنائه هو عبد، هو عبد لحياته اليومية، أو هو في العمل وليس في الفعل، لا يمكنه أن يكون يوما ما في الفعل. الأحرار فقط يمكنهم أن يكونوا..

د. باسم: صار فيه شرطية، حتى تكون حرا يجب أن تتوفر عندك مجموعة من الأشياء اللي هي يعني مقومات حياتك الكريمة، يعني مقومات حياة كريمة تؤدي إلى أن تصبح حرا..

د. مليكة: صح.

د. باسم: وبالتالي عدم توفير مقومات الحياة بتكون بهدف أم بغير هدف. يعني أي مجتمع بدون ما نسمي مجتمعات لا تتوفر فيه شروط الحياة الكريمة، يعني مقصود فيها أنه أن لا يكون عندي فردا مسيسا.

د. مليكة: صح طبعا.

د. باسم: هل هذه سياسة وهذه سياسة مثلا هل هناك سياسات تمنع توفير الحياة الكريمة أو شروط الحياة في مجتمعات مثلا؟ أو مجتمعات توفرها؟

د. مليكة: أظن أنه سواء المجتمعات يعني اللي تعاني الفقر أو تعاني يعني ظروف اقتصادية صعبة هذه يستحيل أنها تخلق أفراد..

د. باسم: أحرار.

د. مليكة: أحرار، سياسيون بالمعنى الأرسطي، هذا اللي تتكلم عليه حنا آرنت، ولكن المجتمعات الأوروبية ليست أفضل يعني لأنه..

د. باسم: آه حاليا المجتمعات الأوروبية فعلا ليست أفضل لأنه هناك صار فيه توجه..

د. مليكة: يعني  الفرد.. الفرد أيضا المنشغل بتحسين ظروف عيشه.. يعني الآن الأوروبي الذي لا يسافر في.. أو مايعملش سياحة في آخر العام، هو بالنسبة له راه عايش حياة مزرية يعني في ظروف سيئة جدا.

د. باسم: يعني صار فيه دالة ما بين.. تربط ما بين الحرية يعني أن تكون سياسيا بينما أن تكون مكتفيا ذاتيا.

د. مليكة: صح.

د. باسم: إذا كنت فقيرا فأنت عبد، على رأي أفلاطون، وإذا كنت غنيا فأنت حر..

د. مليكة: طبعا لهذا عندما أقصى اليونان العبيد من السياسة هذا مش إقصاء لأنه ما احنا نقولوا هنا هو يعني تمييز، نقولوا تمييز عنصري أو تمييز طبقي، لا، هو فقط أنت ظروفك ماسمحتلكش أنك تكون حر، وبالتالي تصبح كائن سياسي.

 

لا إمبريالية ولا اشتراكية

د. باسم: بس لو ناخذ حاليا هذا النموذج اللي هي التبادلية ما بين الغنى والحرية، وما بين الفقر والعبودية، نطبقه على مجتمعات مثلا ناخد المجتمع الأمريكي أو في بعض المجتمعات الأوروبية، نرى أن الغني هو الذي يقوم بعملية الاستغلال، هو يفرض على الآخرين أن يظل عبدا.

د. مليكة: طبعا.

د. باسم: فهاي التبادلية انقطعت، فالغنى أصبح يعني جزء من أداة القهر.

د. مليكة: طبعا هذه الإمبريالية الجديدة والرأسماليةـ هذه مسألة يعني متطورة من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، يعني حنا آرنت هي تنتقد الامبريالية طبعا، لكنها أيضا تنتقد الأفكار الاشتراكية التي.. والشيوعية التي طالبت بأنه إحلال الأخوة بدل السياسة، الناس كلهم يعني خلقوا كوميونتي في المجتمع، يخافون على بعضهم البعض.. لدرجة أنهم لايحتاجون إلى..

د. باسم: هل هي ماركسية؟

د. مليكة: لأ، هي مش ماركسية، هي تنتقد الماركسية، تنتقد ماركس بشدة، معروف أنه آرنت ضد ماركس وضد كل الأفكار الماركسية، وهي تحب الولايات المتحدة الأمريكية لأنها استقبلتها ومنحتها جواز السفر. وهنا تتكلم حنا آرنت عن اللجوء.. اللجوء السياسي، كيف أن أوروبا تعاملت مع اللاجئين، يعني بتعالي نوعا ما، وجعلتهم يعني يبقوا في.. كلاجئين يعني..

د. باسم: مستويات دنيا من المجتمع.. خدم.

د. مليكة: وكيفاش أمريكا عكس أوروبا، يعني منحت المواطنة لهؤلاء اللاجئين وجعلتهم مواطنين..

د. باسم: يعني أمريكا كلها مجتمع لجوء (Anyway) يعني..

د. مليكة: إيه، فهي تحتفي بأمريكا وتحب أمريكا، وتعتبر أن أمريكا سياسيا أفضل من أوروبا بكثير.

 

الشجاعة في الوزارة

د. باسم: فهمك هذا الفهم في السياسة، يعني حاولتي تطبيقه في حياتك اليومية مع الآخرين في مجتمعك أنتي مثلا؟

د. مليكة: ماتنساش أني كنت وزيرة يعني..

د. باسم: نعم، أنتي كنتي وزيرة ثقافة..

د. مليكة: إيه، كنت وزيرة ثقافة، وهو منصب سياسي يعني مش منصب ثقافي، أن تكون وزيرة للثقافة، وحاولت يعني أنا.. هو لم تكن طويلة جدا لكن عندما حاولت أني أُسيّر الشأن الثقافي في بلدي.. طبعا مرجعيتي لم تكن حنا آرنت هذا شيء طبيعي..

د. باسم: يعني لم تكن..

د. مليكة: لم تكن، الشيء الوحيد أنا ربما اللي أخدته من حنا آرنت وأنا أسير الشأن الثقافي للجزائر هو الشجاعة. حنا آرنت أعجبت كثيرا بشجاعتها في التفكير خارج الصندوق، والتفكير خارج التيار، والتفكير أحيانا ضد نفسها، هي عندما تكتب "آيشمان في القدس"، كتاب مهم جدا حول محاكمة النازي الألماني آيشمان، في تم القبض عليه في بوينس آيرس..

د. باسم: في الأرجنتين..

د. مليكة: وتمت محاكمته في إسرائيل، وإسرائيل عملت هكا..

د. باسم: شو.

د. مليكة: هكا شو، ونقلت على المباشر في قنوات تليفزيون، يعني في 1961، يعني كان حدث مهم، نقل مباشر للمحاكمة، وحنا آرنت حضرت باعتبارها صحفية، طلبت من نيويورك.. جريدة نيويورك تايمز أنها تغطي الحدث، فغطته، وهي يهودية يعني وعانت من من النازية في ألمانيا، وهربت وجربت الموت وفكرت في الانتحار، ورأت صديقها بنيامين ينتحر أمامها. لما حضرت المحاكمة شافت أنها كلها على بعضها سيناريو هكا عملته إسرائيل وتريد أن تُحمّل هذا الضابط..

د. باسم: كل المآسي..

د. مليكة: كل المآسي، وهو ضابط تافه يعني ما عنده لا قناعات، ولا يعرف شيء عن اليهود ولا عن تاريخهم، فييجوا الناس هكا الشهود ويحكوا عن معاناتهم، لكن يعني هم شهود لكن ماعندهمش علاقة بيه، هو أصلا كان فيه.. كان مكلف بعملية نقل الحافلات.. كان في مكتبه مسئول على عملية النقل يعني، فقط، فكيف تُنقل الحافلات، هذه الحافلات بعض منها أو الشاحنات، استُعمل لنقل اليهود أو لترحيلهم، لكنه هو كان فقط لوجيسكي..

د. باسم: هو مجرد مدير..

د. مليكة: كان يقدم عمل لوجستيكي بحت، مش عارف الحافلات..

د. باسم: لا إله علاقة لا بالسياسة ولا المذابح..

د. مليكة: ولا شي. وفي أثناء المحاكمة يحاول أن يستعرض نوعا ما عضلاته، آيشمان، (...) يذكر مقولة لإيمانويل كانط الفيلسوف الألماني، ويتحدث عن أخلاق الواجب "إفعل ما تراه أنه مناسب"، أو "ما يجب فعله"، قال لهم: "أنا فعلت ما كان يجب فعله باعتباري أعمل"، يعني هذا عملي..

د. باسم: يُسيّر الحافلات.

د. مليكة: يعني يُسيّر.. تقديم لوجيستيكي لضابط مسئول على لوجستيك فقط، فحمّلوه له في النهاية يعني تمت محاكمة آيشمان، وتم يعني.. فحنا آرنت تكتب محاكمة آيشمان وتتهم إسرائيل وكل من حاكموا آيشمان بأنهم يعني.. يحاولون أن.. يعني أن يستغلوا أي فرصة لإشعار العالم بالذنب، أو بالـ.. أو يزعجوا العالم بمآسي ما يسمى بالمحرقة، وتعتبر أن آيشمان ليس مذنبا أبدا، هي تبرئ آيشمان في تقريرها، وتقول ذنب آيشمان الوحيد أنه لم يكن يفكر، ذنبه الوحيد أنه شخص لا يفكر.

د. باسم: هو مجرد موظف عادي.

د. مليكة: موظف عادي بيروقراطي، إذا أمروه بفعل أي شيء كان سيأمروه، وإذا نجحت يعني فازت ألمانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية كان ربما تُعلق له أوسمة لأنه كان متعاون، كان يعني موظف منضبط.

د. باسم: طب قلتي أنتي لم تستخدمي حنا آرنت في حياتك المهنية، لما كنتي وزيرة..

د. مليكة: صح أنا هربت..

د. باسم: شو استخدمتي؟ أنتي قلتي أنك استخدمتي الجرأة.. الجرأة في ماذا؟

د. مليكة: الشجاعة في التفكير خارج الصندوق.

د. باسم: شو الجديد قدمتيه أنتي مثلا؟ شو حسيتي إنه هذا كان تفكيرك؟

د. مليكة: أولا في مفهومي للثقافة، أولا لما قدمت لي حقيبة الثقافة شعرت بمسئولية كبيرة. في أول خطاب لي حاولت أني أقدم مفهوم للثقافة..

د. باسم: اللي هو؟

د. مليكة: وأخرجها من التفكير العام الشعبي..

د. باسم: التقليدي.

د. مليكة: اللي يقول بأن الثقافة هي الترفيه، يعني دور سينما، مسارح..

 

ما الثقافة؟

د. باسم: آه فعلا، فيه عندك هون كتيب صغير اسمه "ما الثقافة؟"..

د. مليكة: فأنا حاولت يعني أول مرة تحدثت فيها ظهر البروفيل الفلسفي تاعي وقلت أنه الثقافة ليست المهرجانات، هذه مسألة ترفيهية، الثقافة هي ما يصالح الفرد مع كينونته، مع هويته، مع تاريخه أيضا. فأنا كنت حابة أشتغل على التراث الثقافي الجزائري المادي واللامادي أكثر، فأول عملية قمت بها ركزت عليها إني ألتقيت بعلماء الحفريات والتراث في الجزائر وهم كثر في الحقيقة عندنا مدرسة كبيرة، عندنا مدرستين يعني يتصارعون أيدولوجيا نوعا ما في تأويلهم للتراث الثقافي الجزائري. كأول شي حاولت أن أشتغل عليه إني أغير قانون التراث في الجزائر، أن أعمل على تقريب الجزائري من تراثه، من هويته الثقافية، وكان فيه أيضا يعني ظهر مؤخرا في الجزائر، وبخاصة مع التكنولوجيات الجديدة على منصات التواصل الاجتماعي صراعات.. يعني تقريبا غبية حول كيف التراث.. كيف يعني هل الجزائر رومانية؟ هل لأنه الفترة الرومانية مهمة، التراث الروماني مهم، والتراث الإسلامي أيضا مهم، والتراث العثماني مهم، والتراث النوميدي مهم، يعني فيه فترات كثيرة مهمة في الجزائر، وهذه خلقت صراعات وهمية يعني، فحاولت أنا أن أجعل كل هذا المكون المعقد اللي هو الثقافة، الثقافة باعتبارها كما يسميها تايلوغ "هي هذا الكل المعقد من التاريخ والعادات والتقاليد والأفكار والقناعات والإيمان التي تشكل مجموعة معينة". هذا الكل المعقد أردت أنه الجزائري يفتخر به ويعتبره إضافة كبيرة له كفرد، يعني الآن عايش في هذه الفترة وعليه أن يحتفي به، وأن يتصالح معه، ويحبه كما هو بتنوعه، وهذا الأمر يحتاج إلى سياسة.

د. باسم: سياسة على طريقة حنا؟

د. مليكة: سياسة على طريقة حنا طبعا، يعني لازم يفهموا بأنه السياسة هي ما يصالحنا مع مع تنوعنا، هذا التنوع الداخلي هذا، هذا مش عائق، يعني كان فيه أطراف تحاول أن تختصر الجزائري في الثقافة العربية الإسلامية، نحن عرب، وبعدين جه مجموعة لا نحن أمازيغ، ونحن.. وما المشكلة إننا نحن عرب وأمازيغ ونوميديون، وكل هذا يعني.. كل هذا المكون.. هذا كل هذا نحن، وكل هذا غنى..

د. باسم: إنه هذا التاريخ الذي عاشه الفرد.

د. مليكة: وكل هذا إضافة، يعني وبعدين تيجي صراعات أخرى، يعني كان فيه صراعات دونكوشطية هكا تحدث، وكنت أنا مطالبة باعتباري وزيرة أن أرد على كل هذا، لكن ممكن حنا آرنت سمحت لي أني لا أقع في الفخ هذا، فخ الرد على على صراعات وهمية خاصة.. وأحيانا مع الجيران يعني شي ما يقول لك هذا تراث ثقافي جزائري ليس تراث ثقافي لمنطقة أخرى والمنطقة الأخرى تريد أن..

د. باسم: الجغرافيا فرضت تحديدا.

د. مليكة: فرضت..

د. باسم: قسمت الثقافة على الجغرافيا.

د. مليكة: وتيجي الصحافة وتسألني ما ردكم على هذا..

د. باسم: الادعاء..

د. مليكة: الادعاء، وأنا أقول لهم كل شجرة الثقافة كلما كبرت ممكن أن تسقط ثمارها على الجيران، وهذا من فضل الله يعني على المنطقة.

د. باسم: بدي يعني أسأل سؤال تقليدي جدا بحت. ما حاجتنا للثقافة التي تحدثتي عنها؟ ما حاجة الفرد يعني؟ سواء يعني.. أنا أتفهم حاجة المجموع لهاي الثقافة، لكن أنتي كفرد بشري يعني شو حاجتك بهذا الموضوع يعني؟

د. مليكة: هي حاجة مهمة جدا، من أهم حاجيات الإنسان لما تكلمنا على هرم الحاجات، بعد الحاجات الفسيولوجية وبعد الحاجات النفسية، هناك الحاجات الهوياتية، الشعور بالانتماء، من أنا..

د. باسم: نحنا نتحدث يعني إذن.. هون صار فيه نوع من.. صار فيه نوع من العلاقة ما بين الثقافة والهوية..

د. مليكة: طبعا.

د. باسم: نحنا نعمل ثقافة مشان نحدد هوية أو نحدد هوية مشان نعمل ثقافة يعني.

د. مليكة: الهوية تحددت بفعل الثقافة طبعا، لكن الثقافة بحاجة إلى اشتغال يعني، أنك تجمع تراث، أنك تشتغل عليه، أنك تقرأه، أن يتعلمه التلاميذ في المدارس، أنه يعرف، تراث لا يغلق عليه، أنك يجب..

د. باسم: هو يكون متطور زي ما تكون حياة الناس.

د. مليكة: التلميذ يجب أن يعرف من هو، وأنا كنت حابة أنه التلميذ الجزائري مثلا أنه يعرف هذا المكون المعقد الذي ينتمي إليه ويفتخر به، ويقول أنا كل هؤلاء، وأنا سعيد إني كل هؤلاء، يعني كل مرحلة أضافت لي شيء جديد في جيناتي الثقافية، وهذا ما جعل من جيناتي الثقافية جينات غنية، يعني مش فقيرة جدا.

د. باسم: ألا تعتقدي أن هذا الفهم في تشكيل هويات المجتمعات هو مدعاة للدم الدائم ما بين المجتمعات؟

د. مليكة: إيه طبعا، هذا ما أسميه أنا في كتابي "الثقافة صنم التوحش"، الثقافة تصنع أصنام للتوحش..

د. باسم: يعني أنا لست ضد أن يكون للمجتمعات عندها هوية ثقافية، لكن ليست لدرجة التوحش، لدرجة العنصرة والتعصب وبالتالي اعتبار هاي الثقافة كمكون أو دافع لأن أهاجم الآخر لأنه اختلف عني.

د. مليكة: لا أنا عندما أعرف من أكون فالفائدة مش أني أهاجم الآخر، فالفائدة أني أفهم الآخر، وهي.. شوف عندنا مشكلتين في الثقافة مش مشكلة واحدة، فيه المشكلة اللي ذكرتها الآن اللي أنا أسميها "صنم التوحش" ويسميها بنيامين اللي هو كان صديق حنا آرنت كل ثقافة.. كل ثقافة إلا وتحمل صنمها، أقولك المشكل الأول ونرجع لهذا، المشكل الأول هو فيما سميته بلؤم الثقافة وكرم الثقافات، الثقافة.. الثقافة لما تعرف (Le Culture) مثلا، هذا الثقافة هذه في لحظة معينة من تاريخ البشرية لما اختلطت فيها المفهومين.. اختلطا مع بعضهما، الحضارة والثقافة، ولما الأنثربولوجيون الأوروبيون بدوا يشتغلوا في مفاهيم ما هو حضاري وماهو غير حضاري، ربطوا المفهومين مع بعض، صدفة أو غير صدفة، بسبب أو بغير سبب، المهم في لحظة معينة ارتبط، وأصبحت الثقافة هي الحضارة، أو الحضارة هي الثقافة، وأصبح ذلك الفرد المتحضر هو الفرد الذي يمتلك الثقافة. طيب ما هي هذه الثقافة؟ طبعا هي كل الثقافة التي يؤمن بها يعني الأنثربولوجي الأوروبي الذي يعمل على تقويم السلوك الفرد في المجتمع، أنه يأكل بشكل معين، أنه يلبس بشكل معين..

 

خدعة الثقافة/الحضارة/الديمقراطية

د. باسم: يعني هم وضعوا معيارية خاصة فيهم..

د. مليكة: فيه معايير معينة سموها الحضارة، وعلى أساس هذه المعايير تم تصنيف الشعوب، شعوب غير متحضرة، أو شعوب سوف تتحضر، أو شعوب علينا أن نساعدها لتتحضر، أو شعوب فاقدين الأمل فيها لا يمكن فيمكن إبادتها..

د. باسم: يعني هون دخلت الثقافة الأوروبية في عصر التوحش اللي هو كان مقدمة للاستعمار..

د. مليكة: هذا هو.. هنا الثقافة تصبح متوحشة، يعني يصبح.. نغلقوا القوس، نرجعوا للآن باش مانتكلموش في الماضي نتكلم عن الحاضر. مؤخرا يعني لما بدأت عملية الهروب من الشرق الأوسط بسبب الأحداث الدامية التي حدثت، اللي هربوا من سوريا واللي هربوا من..

د. باسم: العراق.

د. مليكة: العراق..

د. باسم: أفغانستان.

د. مليكة: فيه مجموعة من المثقفين الفرنسيين هم فلاسفة على كل حال يتحدثوا هل علينا أن نستقبلهم أو لا، هل نمنح لهم حق اللجوء أو لا، فالأغلبية الآن في فرنسا تقول لا، طيب هل علينا أن نستقبل اللي هاربين من حرب أوكرانيا؟

د. باسم: استقبلوهم..

د. مليكة: نعم نستقبلهم، طيب لماذا نستقبل تاع أوكرانيا ومانستقبلش تاع الشرق الأوسط؟

د. باسم: اللون بيختلف والثقافة والدين..

د. مليكة: لأن ثقافتهم تشبه ثقافتنا لأنهم يشبهوننا، طيب يشبهونك في ماذا؟ هم يتكلموا الأوكرانية أنت تتكلموا.. يشبهوننا، ربما لأنهم مسيحيون مثلكم يعني، ممكن؟ لأن هذه الأسئلة التي تطرح. يعني ما معنى يشبهك؟ فهذا الذي يشبهنا هو الثقافة اللي قلت سميتها أنا لؤم الثقافة، يعني كلمة ليست بريئة أبدا هذه كلمة الحضارة أو كلمة الثقافة، لأنها باسمها حدثت..

د. باسم: أريقت دماء ملايين الناس..

د. مليكة: حدثت مجازر واستبيحت المستعمرات، لأنه فرنسا لما دخلت الجزائر دخلت باسم الثقافة وباسم الحضارة، يعني هذا الشعب مسكين يعني بحاجة إلى أن يصبح.. أن يشبهنا، فعلينا أن نساعده لكي يشبهنا. الآن الكلمة اللي أصبحت يعني عندها نفس المفعول اليوم.. يعني في القرن السابع عشر والتامن عشر كان عندنا مفهوم الثقافة أو مفهوم الحضارة الآن مفهوم الديموقراطية.

د. باسم: أه أخذت قاموس تاني.

د. مليكة: إيه، الديموقراطية عنده نفس المفعول، نفس المفعول اللي كان لمفهوم الحضارة في القرن التامن عشر، وأنا أتابع الحوارات الآن حول الصراع الذي يدور حول حرب الإبادة يعني بصراحة، حرب الإبادة الآن في الشرق الأوسط في غزة ولبنان، يتحدث بعض المثقفين الفرنسيين ويقولوا والله هذه دولة إسرائيل دولة إرهابية، وصلنا إلى قناعة أنها تمارس الإرهاب فهي دولة إرهابية، فيتفاجأ الصحفي يتفاجأ صار له صدمة كيف دولة إرهابية وهي ديموقراطية؟ كيف يمكن لدولة ديموقراطية أن تكون إرهابية؟ وكأنه يكفي أن تجري انتخابات ديموقراطية في بلدك وافعل ما شئت، اقتل، إبادة الأطفال، استعمر، توسع كما شئت، لأنك ديموقراطي. نفس المعنى اللي كان الحضارة والثقافة في القرن التامن عشر، لأنك الحضارة أو لأنك الثقافة فيمكنك أن تستعمر. حدث نفس الشيء في الربيع العربي، ما حدث في ليبيا أدشهني، كيف فيلسوف..

د. باسم: هنري ليفي.

د. مليكة: برنار هنري ليفي.

د. باسم: الصهيوني.

د. مليكة: هكا مع الرئيس الفرنسي شيء مدهش ومضحك، ويتحدث عن حق التدخل "مصطلح فرنسي" من حقنا أن نتدخل لأننا نحن الحضارة ونحن الثقافة ونحن الديموقراطية، فهذا يعطينا الحق لنتدخل، لأننا مسئولون عما يحدث في العالم..

د. باسم: وهذا ماقاله نتيناهو، نحن نحارب البرابرة البربر ضد.. والتوحش ضد الحضارة وضد النموذج الأوروبي، ونحن ندافع أو خط الدفاع الأول عن الحضارة الأوروبية، وهو يمارس الإجرام والقتل.

د. مليكة: صح صح، لكنه لأنها ديموقراطية ولأنها في (...) ينتقد فكرة أنه عندما يتم توصيف إسرائيل يقال ديموقراطية محاطة بديكتاتوريات، هذا هو التوصيف السياسي لإسرائيل.

السياسة

د. باسم: واضح أن هذا المفهوم للثقافة وللحضارة مهما حاولنا نجمله بغض النظر أي مجتمع.. أنا لا أختلف أن يكون لكل تجمع بشري طرق خاصة في حياته، بيمارس حياته اليومية اللي إحنا بنسميها الثقافة، لكن واضح أن هذا الفهم يخلق فعلا تجمعات قد تعادي الآخر اعتمادا على هذا الأساس، ألا يوجد مفهوم أوسع ليساعد المجتمعات كلها أن تتعارف فيما بينها بعيدا عن هاي الجزئيات الصغيرة؟ يعني مثلا أستذكر الآية القرآنية اللي بتقول إن الله خلق البشر ليتعارفوا، يعني فيه قاعدة أوسع، ممكن خلق قاعدة أوسع بين البشر للتعارف دون دخول في دوائر الدم أو في حمامات دم مثلا؟

د. مليكة: إيه طبعا، وأنا دائما نتكلموا عن هذه الدائرة الأوسع، هي سياسة مفيش حل آخر يسمح للمجتمعات أن تنظم نفسها فيما بينها بتنوعها واختلافها وتحافظ على حريات أفرادها، كل على حدة، كل واحد يوجد في منطقته دون أن يشوش على منطقة الآخر، ويوجد في العالم توجد كمجموعة في العالم دون أن تشوش على تواجد الآخرين معها دون سياسة، مفيش خلطة سحرية، يعني مفيش يعني حوار الأديان ويتحدثون عن حوار الحضارات ويتحدثون عن حوار الثقافات ويتحدثون عن ثقافة السلم، أشياء جميلة طبعا وأفكار مذهلة لكن عمليا السياسة هي التي.. هي التي..

د. باسم: تدير كل هذا.

د. مليكة: تدير، هي التي تصنع الطرقات أو تقطعها، هي التي تبني الجدران أو تضع أشجار يعني، ممكن أني تكون عندي أنا نشوف الحدائق في أوروبا، معجبة بالحدائق في أوروبا، الحدائق مفيهاش جدران يعني..

د. باسم: مفتوحة.

د. مليكة: مفتوحة، يعني جارك أمامك، وفيه أحيانا بعض الشجيرات هكا مزروعة، فهذه فكرة سياسية مدهشة، لأنه فيه دولة قوية وفيه تنظيم قوي وفيه سياسة حقيقية فالناس تتعايش مع بعضها دون أن تشعر بأي تهديد، في حين أنه في دولنا العربية مفيش واحد يبني بيت..

د. باسم: إلا ويحط سور حوله.

د. مليكة: يحط السور ويحط الحديد، وإذا شعر في لحظة معينة أنه جاره ممكن يتلصص عليه أو إنه يشوف جزء جزء من حديقته أو جزء من البلكونة راح يغلق كل شيء من فوق.

 

الثقافة القاتلة

د. باسم: هل له علاقة أنه فهمنا السياسي قاصر في هاي الحالة ولا إنه ثقافتنا فيها الخوف من الآخر الذي يُسيرها مثلا؟

د. مليكة: الثقافة التي تخاف على نفسها من قط الجيران هي ثقافة فئران، ثقافة ضعيفة التي تشعر أنها مهددة في أي لحظة، لهذا أنا شعرت بمسئوليتي باعتباري وزيرة للثقافة أني أصالح هذا الجزائري مع ثقافته مع هويته، ويعتبر أن هذه الثقافة يعني حتى لو انتشرت وحتى لو تبناها الغير يعني، نحن نتحدث عن بعض.. بعض الإكسسورات أو بعض العادات أو بعض التقاليد اللي تبناها الغير. والحقيقة اللي خلق هاد المشكل الصراع هي منظمة اليونسكو، منظمة اليونسكو يعني من سنوات وهي تعمل على تصنيف التراث، هذا تراث جزائري، هذا تراث فرنسي، تصنيف البيتزا تراث إيطالي، تصنيف الخبز تراث.. يعني كل مرة والدول تتصارع فيما بينها من يمتلك أكبر عدد ممكن من التصنيفات في منظمة اليونسكو، وهذا اللي خلق الصراع، وهذا اللي خلق الناس أنها لأ هذا لي وهذا لك وهذا له، في حين أن الثقافة لا يمكن.. الثقافة تنتشر بطبيعتها.

د. باسم: لا يمكن حجرها على مجموعة بشرية ما.

د. مليكة: نحن أحيانا نستعمل أشياء وأنا ألتقي بأصدقاء يعني في المشرق يستعملون نفس الشيء فأقول كيف حدث يعني متى انتقل هذا الشيء إليكم أو متى انتقل إلينا، يعني نحن لا نعرف الأشياء تنتقل وتنتشر مثل اللغة، مثل اللهجات، يعني كيف تتغير وتتبدل، معناته الثقافة أيضا، الثقافة يعني إيش نقولوا تتغدى.. تتغدى من الغير، يعني وهذا شيء..

د. باسم: تتغذى بالتعارف على الآخر..

د. مليكة: وهذا شيء صحي، هذا دليل أنه المجتمع عنده قابلية للاستقبال وعنده قابلية أيضا للعطاء، وهذا ما سميته بكرم الثقافات، الثقافات لما تكون متعددة مفتوحة تكون كريمة، وتكون مستقبلة، وتكون معطاءة، لكن لما تتحول..

د. باسم: وهذا شرط التعارف..

د. مليكة: ولما تكون هي الثقافة تكون لئيمة، وعندها أهداف..

د. باسم: إذن هل يعني..

د. مليكة: قاتلة أحيانا.

د. باسم: أكيد، أنا باسميها ثقافات الدم، يعني أنا الثقافات التي تغوي.. التي تغذي هويات لدرجة يعني وضع يعني حدود قاطعة ما بين هوية وهوية، هذه ثقافات دم.

د. مليكة: إيه، "مصطلح فرنسي" يسميها أمين معلوف "الهويات القاتلة".

 

ممارسة الفلسفة

د. باسم: الهويات القاتلة.. تعاملتي مثلا ضمن هذا النهج مع الأطفال مثلا؟

د. مليكة: إيه طبعا، أجمل تجربة حدثت لي باعتباري مدرسة..

د. باسم: آه كنتي مدرسة أنتي؟

د. مليكة: مدرسة للفلسفة، طبعا أنا درّست لسنوات في الجامعة، ومازلت أدرّس يعني بعد خروجي من مهامي الوزارية وأنا متفرغة للتدريس وللبحث الفلسفي، أول شيء يعني أنا شعرت به.. وأنا بديت في مرحلة تدريس الفلسفة، طريقة تدريس الفلسفة اعتبرتها غبية جدا، وهي طريقة أصلا لا فلسفية،  وكنت أتمني أني أشتغل على مناهج.. تغيير مناهج تدريس الفلسفة خاصة في العالم العربي، لأني أؤمن ولازلت أن الفلسفة يمكن أن تنقذ شيئا من عقلنا في العالم العربي، وأنه وحده التعليم أو تعليم الفلسفة، يعني التعليم الحقيقي، يمكنه أن ينقذنا من أشياء كثيرة، يعني من مطبات كثيرة. في تعليم الفلسفة طبعا اكتشفت أنه طريقة تعليم الفلسفة يعني تقدم تاريخ الفلسفة، وتقدم.. تتحدث عن الفيلسوف وماذا فعل وماذا لم يفعل. طبعا هذا على مستوى النظري في مرحلة معينة مهمة، لكن تلميذ الثانوي ماذا يفعل وهو يتعرف عن ابن رشد والفارابي، ماذا.. وفضلا عن ذلك أن مايمكنش ماعندكش الوقت لتشرح له الأشياء، أي شرح راح تقوله في الثانوي..

د. باسم: ما راح يكون مفهوم له..

د. مليكة: ما راح يفهمه لأنك معندكش الوقت باش تشرح له كل شيء، يعني يقولون لهم تهافت..

د. باسم: الفلاسفة.

د. مليكة: الفلاسفة، فيقول لك هذا كان ضد.. وهي عندها سياق معين، وأصلا، فأنا اقترحت إني أدرس الفلسفة من خلال ورشات حوار فقط، لا نتحدث عن الفلاسفة بل نمارس الفلسفة، أو نمارس فعل التفلسف..

د. باسم: آه فكرة حلوة.

د. مليكة: فبدل أننا نُعرف الأطفال، يعني ممكن أننا في لحظة معينة أننا نتحدث أن نذكر يعني فيلسوف معين أو مقولة معينة للفيلسوف تكون ضرورية للسياق، لكن الضروري هو أن يتعلم التلميذ أو الطفل كيف يحاجج، كيف يطرح سؤال، كيف يستمع إلى الآخر، وكيف يحاور، وكيف يجعل الآخر يحترم مساحة الكلام عنده. كل هذا يعني يتم التدريب عليه في ورشات التفكير الفلسفي المشترك، هكا تسمى، ورشات التفكير الفلسفي المشترك، يعني نفكر معا أو نفكر بصوت مرتفع لكن فيه ضوابط..

د. باسم: لكيفية إدارة الحوار..

د. مليكة: لكيفية إدارة الحوار، وهذه الضوابط في حد ذاتها تساهم بشكل كبير في خلق الفرد الكائن السياسي الذي نريده أو نتمناه يعني في البداية..

د. باسم: هل مارستي الفلسفة معاي هلا؟

د. مليكة: نعم.

د. باسم: هل مارستي الفلسفة هلا معاي؟

د. مليكة: لا، لا أظن لا، هذا هو يعني الحوار يعني ورشات التفكير الفلسفي مع الأطفال، أولا سمحت لي أني أشتغل على أولا تحضير الأطفال خاصة إلى أنهم يعبرون عن أنفسهم وبالتالي يمتلكون يمتلكون اللغة، أو القدرة على التعبير، والقدرة على التعبير يعني تستدعي أنه الطفل يمتلك إلى يعني مجموعة أو كم معين من المصطلحات ومن المفاهيم، هذه من جهة. المسألة الثانية الحوار يعني نستعمل كلمة ديموقراطي جدا، يعني فيه استماع، فيه لا نتكلم عندما يتكلم الآخر، والأجمل أنه أنا باعتباري يعني صاحبة الجلسة يعني أو صاحبة منظمة الجلسة، لا أتدخل أبدا لا للتقويم ولا للتصحيح ولا لشيء، أتدخل فقط إذا شعرت أنه واحد ماحترمش.. قاطع الآخر وهو يتكلم، أمور تنظيمية يعني تافهة جدا ماعندها أي معنى، لكن في المحتوى..

د. باسم: ماتدخلتيش..

د. مليكة: لأ، منشط الورشة لا يتدخل، يعني لا يقدم أحكام قيمة، الصح والخطأ، والحلال والحرام، يجوز ولا يجوز، يعني يترك الطفل يُحدث، وممكن يعني الآخر يرد عليه. المسألة التالتة هي القدرة على "مصطلح فرنسي" الأشكلة يعني، طرح مشكل، أحيانا نقرا لهم قصة فنقولهم ما هو المشكل في هذه القصة؟ بس عندها معنى طبعا، قصة صغيرة، هكا أرنب كان في الغابة فوجد وتنمر عليه أصدقاؤه، فقال له الذئب كذا وكذا، فتنتهي القصة.

د. باسم: يعني أنتي بهاي الطريقة تزودي الأطفال بطريقة يعني طريقة نقدية لمناقشة الأشياء ومن ثم طريقة كيفية استيعابه وإعادة طرح مثلا بهاي الطريقة.

د. مليكة: (C'est ça)، وبعدين فنقولهم ما هو السؤال؟ فواحد يطرح سؤال، وأنت اطرح سؤال، والتالت يطرح سؤال، ونقولهم ما هو السؤال الأقرب؟ فهم يعني لوحدهم يتفقون ويخرجون سؤال، هذا السؤال هو سؤال الفلسفة، وأصلا مهمة الفلسفة في الإبسمولوجية..

د. باسم: إثارة الأسئلة.

د. مليكة: هي كيف نثير الأسئلة الصحيحة، يعني مش الأسئلة المعرفية، أو السؤال الذي يحرج، السؤال الذي يعمل لك قلق أو هاجس..

د. باسم: هو أنا يعني أنا أتصور أنه الفلسفة هي دائما تعتني بكيفية إثارة السؤال حول القضايا ومن ثم المحاولة لكيفية نظرة شاملة للموضوع، أكثر من هيك مطلوب من الفيلسوف أن يعمل؟

د. مليكة: لا لا، الفيلسوف يكفي أنه أنا لما قلت لك قبل ما ندخل الفلسفة وكنت في الهندسة المعمارية، شعرت أني موجودة في مكان مساحته هكا ممكن عشرين كيلو متر في الهندسة المعمارية، لما روحت الفلسفة حسيت إنه عندي "درون" وإني أطير على الكون كله يعني، وهذا التحليق هذا اللي منحه الفلسفة..

د. باسم: الشمولية في التفكير أو الشمولية في النظر للأشياء.

د. مليكة: الكونية هذه في الآخر، والفلسفة في الحقيقة تتعامل مع مفهوم أساسي كنت أتمني أنا نتكلموا عليه، وهو مفهوم الإنسان، يعني في الفلسفة فعلا تتحدث عن الإنسان، هذا الإنسان الذي هو أنا وأنت وهو والآخر والذي كان والذي سيصبح، هذا الإنسان هو موضوع الفلسفة.

د. باسم: وأكيد الفلسفة هي الموضوع اللي يعني.. الإنسان هو موضوع الفلسفة، يعني وجود الإنسان في هذا الكون هو وجود أساسي.

د. مليكة: هذه كونية الفلسفة..

د. باسم: كونية الفلسفة أه يعني..

د. مليكة: يعني أنا عندما مر، يعني نفتح لك قوس، وأنا طالبة دكتوراة قدمت مداخلة حول حنا آرنت، وسميتها الفيلسوفة التي يكرهها اليهود، وهكا معروفة بهذا الاسم، اليهودية التي يكرهها اليهود، وتكلمت قلت يعني أُعرّف الناس إنه مايعرفوهاش في التجمعات العلمية العربية مش معروفة كتير، فطرح علي أستاذ، وأستاذ فلسفة يطرح عليا سؤال ولماذا أنتي تهتمي بفيلسوفة يهودية ألمانية؟ ويعني شو شدك ليها؟ لماذا لا تتحدثين عن نوال السعداوي؟ أو شوف الكونية تاع الشمولية الكونية للفلسفة، قلت أنا فكريا ما عندي أي علاقة مع نوال السعداوي، أنا أحترمها ككاتبة، لكن فكريا هي مش..

د. باسم: مش مشترك فيها..

د. مليكة: مش قريبة مني، أنا قريبة من حنا آرنت، حسيت إني أفكاري ما أريده من الفلسفة أشترك فيه مع هذه الفيلسوفة اللي هي يهودية ألمانية أمريكية، يعني ما عندها أي علاقة بي، هذه هي كونية الفلسفة.

د. باسم: وهذه جزئية الثقافة المحصورة.

د. مليكة: صح.

د. باسم: دكتورة مليكة بجد يعني سررت في الحديث معكي.

د. مليكة: وأنا أكتر.

د. باسم: شكرا إلك، يعني كان بودنا نستمر بتعرفي بس الوقت مرات بيحكمنا، وإن شاء الله يكون فيه فرص أخرى في "مجتمع".

د. مليكة: إن شاء الله، طبعا أنا أيضا سررت فعلا، يعني هي مساحة للحديث عن أشياء ربما الإنسان أحيانا يفكر في أشياء ويظن أنه لوحده في هاد الكون، لكن الحوار يعني منح هذه الفرصة من الشعور بالاشتراك، يعني المشاركة في نفس الهم أو في نفس القلق أو في نفس الفكر، فأنا فعلا سعيدة بتواجدي على منصة "مجتمع" ونتمنى لكم كل التوفيق.

----------

* حنا آرنت: أو حنة آرنت (بالإنجليزية: Hannah Arendt)‏ (14 أكتوبر 1906 - 4 ديسمبر 1975)، كانت منظرة سياسية وباحثة يهودية من أصل ألماني.