باسم: أهلا بكم، أنا معكم باسم
الجمل في حلقة جديدة من برنامج مجتمع. في حلقة اليوم نلتقي الدكتور عبد اللطيف الحناشي،
الباحث والكاتب والمؤرخ التونسي. دكتور، أهلا فيك.
عبد اللطيف: أهلا بكم في تونس،
وشرف كبير أن نلتقي معك بشكل مباشر لنساهم معك في تحريك على الأقل الوعي العربي.
أهلا وسهلا فيك.
ما هو التاريخ
باسم: الله يخليك، تسلم
دكتور. يعني أنت مشتغل بالتاريخ لفترة طويلة. يعني دائمًا عندي سؤال يبادر لذهني
حول التاريخ. ما هو التاريخ؟ هل هو صناعة؟ هل هو تسجيل للأحداث وتبويبها؟ أم هو
تسجيل ومراقبة ما ينتج عن تفاعل الإنسان مع واقعه؟ يعني هل التاريخ هو تاريخ
للحروب؟ هل هو تاريخ للسلم؟ أم هو تاريخ ما بين البينين؟ يعني ما هو التاريخ؟
عبد اللطيف: أولًا، يجب أن نميز
بين المصطلحين: التاريخ، ونعني به الأحداث الجارية بفعل البشر وأحيانًا بفعل
الطبيعة. وفي نفس الوقت، مصطلح آخر هو التأريخ، والتأريخ هو الذي نقصد به البحث في
التاريخ البشري بشكل عام. البحث في التاريخ يرتكز على أسس أساسية. أولًا، يعتمد
على الحدث، بمعنى لا يمكن أن نكتب التاريخ بدون أن نحدد الحدث ونقوم برصده
وتحليله. الأساس الثاني هو الزمن، هذا أيضًا عنصر أساسي في فهم التاريخ. وثالثًا،
وهو أيضًا أعتقد مهم، الفاعل في التاريخ. من الذي قام بهذا الحدث؟ وكذلك أين حدث
هذا الحدث؟ وكيف حدث هذا الحدث؟ جملة هذه الأسئلة هي التي تساعدنا على فهم هذا
الحدث، الذي هو أساسًا التاريخ. وبالتالي، هنا علم التاريخ تطور من أسلوب العنعنة،
من أسلوب سرد الأحداث إلى التحليل. وحتى في العالم، قول الوسيط تقريبًا، كان رائد
مهم جدًا هو ابن خلدون، الذي فهم هذا التاريخ بطريقة غير الطريقة التي كانت سائدة،
ليس فقط عند العرب، وإنما حتى عند الأوروبيين. وبدأت هناك معالجة قضايا إشكاليات
من خلال طرح تلك الأسئلة التي ذكرتها في البداية.
ولكن في نفس الوقت، يجب أن نميز بين المؤرخ المحترف، الخريج من
الأكاديميات، خريج الجامعات الذي يمتلك منهجًا وأدوات لفهم هذه الأحداث وتحليلها
وإبراز أبعادها، والمؤرخ الهاوي، وهو الذي يكتب ولكن كتابته ليست علمية برغم
أهميتها. وعلم التاريخ بطبيعة الحال تطور تطورًا واسعًا سواء من حيث المناهج التي
اعتمدت في كتابته وتفسيره، أو كذلك في المضامين التي تناولها. وعلى الأقل في المعرفة
التاريخية المعاصرة، أقول شخصيًا أن ميشيل فوكو، اللي هو أساسًا فيلسوف، قال مسألة
مهمة، وهو الذي أيضًا قام بهذا العمل، هو قام بتثوير "La science de l'Histoire"..
هو الذي قام بتثوير علم التاريخ.
باسم: علم التاريخ.
عبد اللطيف: وهذا مهم من خلال
ليس المنهج فقط، ولكن من خلال القضايا التي تناولها. وبطبيعة الحال، هناك المدرسة،
مدرسة الحوليات الفرنسية، المدرسة الألمانية، هناك مدارس عديدة حاولت أن تطور
المنهج والمضمون كذلك.
باسم: يعني حتى أكون
مؤهلًا للاشتغال بالتاريخ، شو المفروض إني أعمل؟ ما هي الأدوات التي يجب توفيرها
حتى يصبح الشخص قادرًا على الشغل بالتاريخ؟
عبد اللطيف: المدخل الأساسي هو
الدراسة الأكاديمية. يعني أن يكون مر بمراحل، يعني يكون درس مثلًا في مرحلة
الإجازة أو البكالوريوس، أن يكون درس التاريخ، ثم يقوم بالماجستير، ثم بالدكتوراة.
هذه هي التي تؤهل هذا الشخص للتمكن من الأدوات والآليات التي من خلالها فهم هذه
الأحداث وتفسيرها وتحليلها. فبالتالي هنا، لأن عملية التاريخ هي في الحقب
المختلفة، على الأقل اللي متفق عليها، ما قبل التاريخ، والتاريخ القديم، والتاريخ
الوسيط، والتاريخ الحديث، والتاريخ المعاصر، وكذلك التاريخ الراهن. هذا المؤرخ لا
يمكن أن يشتغل بدون أن تكون له أدوات. الأدوات هي التي يستند عليها وإليها لفهم
هذه الظواهر. نقول المصادر، هذه مسألة مهمة جدًا حسب الفترات التاريخية. بطبيعة
الحال، عندما نتحدث عن تاريخ ما قبل التاريخ، أو ما يعرف بما قبل التاريخ، يعني
بالضرورة أن يستند الباحث على معرفة بالأركولوجيا. ونتطور، مثلًا، فيما بعد في
التاريخ الوسيط. أيضًا هناك كم هائل من الكتابات التي توفرت. هذه الكتابات يجب أن
يتعامل معها المؤرخ بحذر شديد، هذا الحذر اللي هو...
باسم: يعني يجب علي أن
أكون حافظًا، مثلًا، حتى أدخل..
عبد اللطيف: لا، ليس حافظًا.
باسم: أنا أتفق معك أنه
يجب أن يكون هناك أدوات متوفرة عند، يعني أدوات بحثية للمؤرخ لكي يبحث في التاريخ.
لكن الأدوات المتعارف عليها حاليًا هي ما نسميها الأكاديمية، هي توجه الباحث
باتجاه مفروض أصلاً. يعني ما بتعطيش مجال للباحث أنه يخرج عن هذا الإطار. يعني أنا
أتفق معك إنه يجب أن يكون مؤهلًا بالبحث، بمعنى مؤهلًا أكاديميًا، شهادات وإلى
آخره. لكن هل المؤرخ المستقبلي عند دخوله هذا السلك الأكاديمي، هل يكون مؤهلًا لأن
يخرج عن المألوف في التعامل مع الاشتغال بالتاريخ، مثلًا؟
عبد اللطيف: يعني المسألة نسبية.
لماذا نسبية؟ أعطيك مثال الآن: لا يمكن لمؤرخ العصر الراهن أو الحديث، أو حتى
المعاصر، إذا لا يتقن مثلًا وسائل التواصل الجديدة، مثلًا، أنا أعطيك الويكيليكس،
مثلًا. هذه الويكيليكس فتحت أبواب كبيرة أمام المؤرخ، مؤرخ العصر الراهن.
باسم: قدمت له معلومات.
عبد اللطيف: بالضبط. الآن الذكاء
الاصطناعي ساهم مساهمة وسيساهم مساهمة كبرى في معرفة التاريخ أو ما قبل التاريخ،
الفراعنة، حضارة بابل القديمة، إلى غير ذلك.
باسم: يعني هل أنت كمؤرخ
بإمكانك أن تعتمد على الأرتيفيشال إنتليجينس؟
عبد اللطيف: طبعًا، طبعًا، خاصة
بالنسبة للقديم، خاصة بالنسبة للتاريخ القديم. بالنسبة للتاريخ المعاصر الذي أشتغل
فيه أنا أو الراهن، يعني لا يمكن أن أعتمد على الذكاء الاصطناعي. يعني يمكن الطالب
يبحث على تعطيل، مثلًا، التخطيط لموضوع معين. ولكن الباحث المتمرس، يعني يمكن أن
يستفيد من الوسائل الحديثة في التواصل، مثلًا، كما قلت لك، ويكيليكس، مثلًا. يعني
يمكن هذا مؤرخ العصر الراهن يمكن أن يستفيد منها، لأنها تحتوي على معلومات كانت
سرية. وهي، يعني حتى الأرشيفات، يعني حتى مؤرخ العصر الراهن أو المعاصر، يعني لا
يمكن أن يشتغل بدون أرشيفات. ولكن مَن يمكن أن يستغل أو كيفية استغلال الأرشيف؟
أعطيك مثال، يعني ممكن نأخذه، مثلًا، الفترة الاستعمارية في تونس أو في مصر أو في
كذا. هناك أرشيف، هناك كُتب من قبل الإدارة الاستعمارية، وتحمل وجهة نظر الإدارة
الاستعمارية. أنا كمؤرخ عندما أتناول هذا الأرشيف، يجب أن أتعامل معه بحذر، وكذلك
بعقل نقدي، ولا أقبله تمامًا. هذا يؤدي إلى أن أقوم بعملية تقاطعات أو عملية
المكافحة بين هذا المرجع والمصدر وبين هذا المصدر. ويمكن اعتمد حتى على مصدر ثالث
حتى أقترب أكثر ما يمكن من الحقيقة. ولذلك سؤالك مهم جدًا. وكنت أنا أشرت بشكل
عابر للمؤرخ البروفيسور الحرفي والمؤرخ الهاوي. يعني يمكن أن أكتب، يعني أي شخص
يمكن أن يكتب التاريخ. لكن هناك فرق بين.. يعني أعطيك مثال، يعني الآن في التاريخ،
مثلًا، الراهن، هناك ما تُعرف بالشهادات. وهذه الشهادات هي التي يدلي بها الفاعلون
في مرحلة معينة. عادة هؤلاء يكونون متقدمين في السن. وبالتالي تأتي هنا نقطة مهمة
جدًا، بالطبع سيكولوجي، هؤلاء يضخمون دورهم على حساب الآخرين.
باسم: صح صح.
عبد اللطيف: هنا المؤرخ ماذا
يفعل؟ يجب أن يقوم بمقابلات أو "مصطلح فرنسي" الشهادات مع أشخاص آخرين
كانوا فاعلين مع هذا الشخص حتى يتبين الحقيقة. فبالتالي، هناك دور للمؤرخ أعتقد هو
دور دقيق، ويختلف عن.. يعني الهاوي يمكن أن يكتب ودائمًا الأنا تبدأ طاغية في كل
شيء حتى لا يتحدث عن ذاته، وإنما يتحدث عن عصره، دائمًا تكون وجهة نظر. لكن المؤرخ
يمكن أن يستفيد من هذا الذي قدمه، ولكن الباحث أو المؤرخ العلمي يجب أن يمتلك
أدوات البحث العلمي.
هل يساهم المؤرخ في التزوير؟
باسم: بناءً على ما قلت،
هل يساهم المؤرخ في التزوير؟ لأنه واضح أمامنا أن الكثير من الأحداث التاريخية لها
أكثر من سردية. والسرديات قيلت بأكثر من إطار، ومن يقف خلف هذه السرديات مؤرخون؟
عبد اللطيف: صحيح، هذا توظيف
التاريخ، توظيف التاريخ خاصة من قبل الأنظمة السياسية. يعني كل نظام سياسي، يعني
حتى في العالم العربي، يعني تتذكر عندما جاء المرحوم جمال عبد الناصر، أراد أن
يصيغ تاريخ يتماشى مع حقبته أو فكره. نفس الشيء في سوريا، نفس الشيء في العراق،
نفس الشيء في تونس.
باسم: في أوروبا، في
العالم كله.
عبد اللطيف: حتى في أوروبا، يعني
هناك عملية توظيف من قبل الأنظمة السياسية التي تتمكن من بعض المؤرخين، يدوسون على
ضمائرهم العلمية وضمائرهم الأخلاقية، ويصيغون رؤية، أو يعني أنا أسميها.. يعني فم
مسألة أساسية هنا، مسألة إعادة كتابة التاريخ. هذه النظرية مخطئة جدًا وغير دقيقة،
لأنه عندما نقول إعادة كتابة التاريخ، كأنما كل ما كتب هو غلط..
باسم: هو غلط..
عبد اللطيف: وهذا غير سليم.
باسم: أنا بالصدفة كنت
أقرأ في مقالة قبل شهر أو شهر وشوية عن كيفية هنا مجموعة من المؤرخين الأمريكان
كيف قاموا بعملية تزوير كبرى تتعلق بتاريخ روما وأثينا، وكيف تم اعتماد تاريخ روما
وأثينا على أساس هو بداية التاريخ، وبداية الثقافة، وبداية الفلسفة، بينما كان
هناك طمس البدايات التي سبقتها من الشعوب الأخرى.
عبد اللطيف: نعم، هذه عملية
توظيف.
باسم: هل هي توظيف أم
تزوير؟
عبد اللطيف: يعني أنا حتى لا
أقول تزوير، لأن كلمة تزوير هي سليمة. فيها أبعاد أخلاقية، فيها أبعاد علمية، فيها
العديد من الأبعاد. ولكن عندما أقول توظيف، لأن هناك غاية معينة يريدون الوصول
إليها، وهي التي تفضلت بها الآن، يعني طمس حضارات لصالح حضارات أخرى. لهنا، يعني
النقطة الأساسية التي أريد أن أقولها هي أن هناك مقاربات مختلفة للتاريخ، هناك رؤى،
حتى المنهجيات. يعني عندما نعتمد منهجية معينة، قد أصل إلى رؤية معينة أو نتائج
معينة. الآخر يمكن أن يعتمد على منهجية معينة، قد نلتقي في بعض التفاصيل أو في بعض
النتائج، وقد لا نلتقي، وتكون هناك.. يعني هذه تتعلق حتى بالمدارس. يعني نأخذوا المدرسة
الماركسية، مثلًا، يعني عندها منهجية مختلفة على المدارس الأخرى، سواء براغماتية
أو وضعية أو غير ذلك. لهنا، هذا الخطير في الأمر. يعني المفروض المؤرخ لا يلتزم
بمنهج واحد ولا يلتزم بأيديولوجية. يجب أن يعمل بكل جهد على أن يبتعد عن هذين
الوسيلتين، وأن يكون حذرًا، وحتى يحقق قدر، يعني الممكن من نزاهة، النزاهة في
تناول الأحداث، وألا يسقط الذاتي داخل هذه الأحداث. وألا.. الذاتي بالمعنى ليس
الفردي فقط، وإنما كمنظومة فكرية، إلى غير ذلك.
دور المؤرخ تجاه اختلاف السرديات
باسم: هناك سرديات، يعني
السرديات متقاطعة كثيرة ومختلفة، كثيرة حول رؤية لحدث ما. فترى أن هذا يقول كذا،
وهذا يقول كذا، وهذا يقول كذا. إذن، ما هي العناصر التي اعتمد عليها الطرفان؟ هذا
يعتمد على عنصر، وهذا يعتمد على عنصر، وقادته للخروج بسردية مختلفة عن السرديات
الأخرى.
عبد اللطيف: هذا نرجعه إلى
الأصل. يعني الحدث، هذا حدث. أنا أنظر إليه نظرة، ذاك نظرة، وذاك نظرة. يعني الحدث
في حد ذاته هو واحد..
باسم: واحد..
عبد اللطيف: لكن الناس تنظر إليه
بشكل مختلف. هذا الحدث، مثلًا، افتراضًا، حدث يتمثل في حادث مرور، وُجد أربعة أو
خمسة من الأفراد. كل شخص يذهب ويرويه بطريقته...
باسم: نعم صح.
عبد اللطيف: سواء لأسباب ذاتية،
أو حتى حلم أو خيال أو غير ذلك. لهنا يأتي دور المؤرخ. يعني دور المؤرخ ينظر إلى
الحدث ويطرح مجموعة من الأسئلة التي تحدثت عنها: كيف، ومتى، وأين، ولماذا،
اعتمادًا على مجموعة من المراجع والمصادر، الأدوات التي يستند عليها. في حين أن
الذي يتحدث، هؤلاء الأربعة أو كذا، حتى التوقيت يمكن أن يختلفوا في التوقيت، يمكن
يختلفوا في الشخص أو في الأشخاص..
باسم: أو في زاوية الرؤية
أو زاوية الحدث.
عبد اللطيف: بالظبط. المكان بحد
ذاته، يعني المكان، مثلًا، المؤرخ يعطى أهمية كبيرة للمكان.
باسم: طب، هذا إذا الرؤية لحدث
صغير في جغرافية محددة، صار فيها الاختلافات. فما بالك برؤية لأحداث مرت في
التاريخ قديما، ويحاول المؤرخ أن يعالجها بطريقة مختلفة الآن. من أين له هذه
المصادر؟ ما هي مصادر المؤرخ الذي يريد أن يحكم على حدث في التاريخ ما ليستنبط منه
سردية حقيقية؟
عبد اللطيف: حسب الحقل أو الفترة
التاريخية. يعني كل ما تقدمنا يكون الأمر أسهل. مثلًا، يمكن أن نأخذ فترة التاريخ
القديم، الحضارة البابلية، الحضارة الفرعونية، الحضارات القديمة. يعني تعتمد على
مصادر، يعني من الصعب جدًا أن تتناولها بالدقة المطلقة. يجب جهد كبير. يعني نشوفه،
مثلًا، عندما تم اكتشاف الهيروغليفية، يعني صار تقدم كبير. حتى في الحضارة
البابلية، إلى غير ذلك. يعني أنا تحدثت الآن عن الذكاء الاصطناعي، هذا سيساهم
مساهمة كبيرة. وأنا درست قبل أيام..
باسم: في التسهيل على
الباحث.
عبد اللطيف: التسهيل على الباحث،
خاصة في التاريخ القديم أو ما قبل التاريخ، يعني هناك إمكانية كبيرة لمساعدة
الباحث لتشكيل أو لصياغة رؤية جديدة، لربما عما كان سائدًا.
باسم: ما هو، حتى الذكاء
الاصطناعي، إحنا نغذيه بالمعلومات اللي موجودة عندنا.
عبد اللطيف: طبعًا، ولكن هو،
مثلًا، يستطيع أن يكتشف، خاصة في الآثار. الآثار، يعني يمكن أن يساعد الباحث ليس
فقط على اكتشافها، وإنما فهمها وقراءتها بشكل جيد.
باسم: على ذكر الآثار، هل
من الضرورة أن يكون المؤرخ، مثلًا، ملما بعلم الآثار مثلًا؟ أو هل ضرورة أن يكون
هو أيضًا آثاريا، مثلًا؟
عبد اللطيف: لا، ليس بالضرورة.
لا، ليس بالضرورة. ولكن إنما يقرأ، يدرس. يعني عندما يكون في الجامعة، يعني في كل
الجامعات تقريبًا في العالم، يعني يدرس التاريخ القديم، يدرس ما قبل التاريخ. ولكن
فيما بعد يختص اختصاصًا، تصبح تلك معلومات عامة، معلومات عامة. ثم يختص اختصاص،
مثلًا، حسب التقسيم اللي موجود، يعني كما قلت: ما قبل التاريخ، التاريخ القديم، ثم
التاريخ الوسيط، اللي في العالم العربي نقصد بيه التاريخ الإسلامي، وبعد التاريخ
الحديث، الذي هو خاصة بعد الثورة الصناعية، "مصطلح فرنسي"، عصر التنوير،
إلى غير ذلك، وصولًا إلى الفترة الاستعمارية، اللي هي المعاصر، إلى غير ذلك، إلى
الراهن. الطالب يختص، مثلًا، في المعاصر، يصبح عنده رؤية، أو مختص في القضاء
المعاصر، هو بنفسه. يعني هو كل التاريخ. يعني نقول التاريخ الاجتماعي، هذا يسمونه
الحقول: التاريخ الاجتماعي، التاريخ الاقتصادي، تاريخ الذهنيات، تاريخ العقاب،
مثلًا، التاريخ إلى غير ذلك. يعني في كل حقل نجد العديد من الاختصاصات. ويمكن
للمؤرخ أن يختص في حقل معين. وهذا لا ينفي أن يتفاعل مع اختصاصات أخرى في نفس
الفترة، في المعاصر. وهذا بطبيعة الحال، أنت والهاجس المعرفي للمؤرخ. يعني الهاجس،
إذا كان عنده فعلاً هاجس تاريخي ومعرفي، لابد أن يهتم بالتاريخ القديم، أن يتعرف،
يعني، أن يوسع معرفته بهذه الحضارات القديمة. مثلًا، في تونس، يعني هناك مختصين في
التاريخ الروماني، مثلًا، أو الفينيقي. ولكن حتى المختصين في التاريخ الحديث أو
المعاصر، لهم، للضرورة أولًا التدريس، أن يكون ملما بها. وأعتقد أن في أغلب
البلدان..
السلطة والعنف في التاريخ الإسلامي
باسم: يعني مثلًا، دكتور،
أنت كتبت، مثلا، عن العنف بالحكم الإسلامي.
عبد اللطيف: إيه، لدي بحث.
باسم: نعم، عندك بحث حول..
وتتبعت تطور فكرة العنف في الممارسة السياسية، وسميته "الحكم الإسلامي"
أو "الحكم العربي الإسلامي".
عبد اللطيف: هي السلطة والعنف..
باسم: السلطة والعنف.
عبد اللطيف: في التاريخ
الإسلامي، الدولة الأموية، أنموذجًا. وانطلاقًا، هو في الواقع أخذت المسألة من
جذورها.
باسم: ليش سميت تاريخ
العنف في التاريخ الإسلامي، مثلًا. ليش إسلامي؟ يعني هل فيه عنا تاريخ مسيحي
وتاريخ يهودي، مثلًا؟
عبد اللطيف: لأ، بالعكس. أنا
سأعطيك رؤية أخرى. أنا أولًا البحث في التاريخ الإسلامي، الدولة الأموية أنموذجًا،
لأن هناك العديد من الكتابات، للأسف، التي تتحدث عن الإسلام بشكل مطلق. مثلًا،
المرأة في الإسلام، عن أي إسلام نتحدث؟ يعني هناك الإسلام أولًا النص القرآني،
ولكن ما بعد القرآن وما بعد فترة الرسول، هناك سلطة، هناك دول، خلافة، هناك
الخلافات.
باسم: لأ، أنا قصدي ليش نسميها
الإسلام؟ لماذا لا نسميها، مثلًا، في العرب؟ هم العرب اللين مارسوا السلطة؟ السلطة
عند العرب، مثلًا، في العهد العباسي، في العهد الأموي، في العهد. هذه السلطات
عربية، مش إسلامية. يعني إذا أحط الإسلام، معناته بدي أشمل، مثلًا، إسلام إندونيسي،
وإسلام الصين، وإسلام كذا.
عبد اللطيف: أنا كشخص، أو على
الأقل، نركز على نقطة نحدد الإسلام. هذا لماذا قلت الدولة الأموية؟ الإسلام بمعنى
الدولة الأموية. هي خلفيتها الأيديولوجية، ما هي؟ هي إسلامية. يعني كيف وصل
الأمويون إلى السلطة من خلال هذه الصراعات التي حدثت..
باسم: يعني هلا فيه دراسات
تشكك في الخلفية، خلينا نسميها الإيمانية، للدولة الأموية؟
عبد اللطيف: ليست إيمانية، هي
أيديولوجيا. يعني كما فعل العثمانيون، كما فعل المماليك، كما استخدموا الإسلام
كوسيلة لتحقيق غايات وأهداف معينة.
باسم: هنا فيه فرق بين أن
تستخدم فكرة ما لخدمة مشروع لك، وبين أن تسمي أنت صاحب الفكرة. يعني أنت أصبغت
الآخرين بهاي الصبغة، ودرست ممارساتهم على اعتبار أنها صادرة من نفس الفكرة.
عبد اللطيف: لأنهم هم في خطابهم،
في خطابهم الرسمي، هم يرتكزون على الإسلام. هم الذين يتبنون ويقولون بأنهم مسلمون،
ومسلمون طائفيًا، إن شئت في كذا، الآخرين في كذا. يعني الفكرة، هم الأيديولوجيا،
يتبنون الأيديولوجيا بغض النظر على تجسيدها أو تطبيقها في الواقع.
باسم: أنا متفق معك أن هذا
الواقع، لكن إطلاق اسم التاريخ الإسلامي أو تاريخ المسلمين أو تاريخ.. أو الإمبراطورية
الإسلامية، يعني ليش؟ هل يمكن أن نقيس، مثلًا، الإمبراطورية اليهودية،
الإمبراطورية المسيحية، الإمبراطورية، مثلًا، الكونفوشسية؟ ممكن، مثلًا، نعمم نفس
التسمية؟ لماذا التسمية فقط التسمية الإمبراطورية باسم دين أو فكرة، بينما عند
الآخرين نسميها باسم العرق الذي مارس الإمبراطورية؟
عبد اللطيف: مثلا في العصور
الوسطى، المسيحية في العصور الوسطى الأوروبية، أوروبا.
باسم: لأ، يسمونها بيزنطة
وروما.
عبد اللطيف: أوروبا بيزنطية،
ولكن...
باسم: بيزنطة وروما، بس
بيزنطة وروما مش دين.
عبد اللطيف: ولكن فيما بعد، هذا
في القديم، فيما بعد كل العصور الوسطى، مثلًا، الحروب الصليبية، لماذا حروب
صليبية؟ لم يُطلقها المؤرخون العرب أو المسلمون، هم الذين أطلقوا عليها هذا الوصف.
والمؤرخون بشكل عام اتفقوا على هذه التسميات. أنا شخصيًا أقول دائمًا بالنسبة على
الأقل بالإسلام، يعني أميز، كما قلت مثلًا، لا أقول المرأة في الإسلام، لا أقول
ذلك، إنما المرأة في الحضارة، مثلًا، أو في الدولة العباسية. أقول، مثلًا، المرأة
في الدولة الأموية. لأن عندما نقول الإسلام، أي إسلام نقصده؟ لأن الإسلام هو وقع
استغلاله أو توظيفه من قبل أطراف سياسية. يعني عندما نقول الدولة العثمانية أو
المماليك، أو يعني كل الدول التي قامت، حتى الخلفاء، حتى في عهد الخلفاء، يعني لا
يمكن أن نقول المرأة في العهد الإسلامي الأول، أو يعني لأن الإسلام بحد ذاته، يعني
لا يوجد فيه العرب فقط، يعني موجودين..
باسم: ماهو فكرتي..
عبد اللطيف: يعني أنا معاك في
العمق، لكن هنا على الأقل المدارس التي... وهذا يمكن كرد فعل. وأنا يمكن أن نذهب
أبعد من ذلك، يعني المستشرقون، المستشرقين هم الذين ربما أكدوا هذا المصطلح وليس
بالضرورة العرب. وبطبيعة الحال، لغايات مختلفة. ولكن أنا أريد أيضًا أن أؤكد على
هذه النقطة التي ذكرتها الآن، يعني هناك العديد من الباحثين في مجال التاريخ هذا،
يعني يتحدثون بالمطلق، كما قلت، المرأة أو العنف في الإسلام.
باسم: صح، صح. لماذا هذه
الإطلاق؟
عبد اللطيف: لماذا هذه
الإطلاقية؟ وهذا خطأ. وهناك نقطة مهمة جدًا، دكتور، وهي أن العديد من الباحثين لا
يعتمدون على منهجية المقارنة، وهذا أمر خطير. يعني عندما نتحدث عن الدول في
المنطقة، مثلًا، العربية في العصر الوسيط، ونتحدث عن العنف، من الضروري على المؤرخ
أن يقوم بنظرة موازية، شئنا أو مختلفة، أن ينظر إلى الحقبة الأخرى. مثلًا، العنف.
المؤرخ الإنجليزي آدم ميتز لديه كتاب مهم جدًا اسمه "الحضارة العربية
الإسلامية في القرن الرابع الهجري". هذا في آخر الكتاب ماذا يقول على العنف؟
وهذا أثبته في هذا البحث، يقول "إن ما حدث من عنف في العصور الوسطى الأوروبية
هو أشنع مما حدث في العالم الإسلامي". فهنا المؤرخ المفروض عندما يكتب على
العنف في الفترة الوسيطة، وأي فترة، يجب أن يعتمد على منهجية المقارنة حتى يكون
فعلاً صادق. لماذا؟ لأن الفترة التاريخية هي التي تحدد، مثلًا، العنف، هي التي
تحدد نوعية العنف السائد والأسباب والأشكال إلى غير ذلك. لديك تجارب أخرى يمكن أن
تقارن بها.. لكن المشكل إحنا تعاملنا مع هذه الفترات، خاصة، وهذا أمر يعني أعتقد
خطير، يفتقد لنوع من، ما بين ظفرين، الإبداع، بمعنى أن نمتلك نحن المنهجية.
كيف نقرأ تاريخنا؟
باسم: طالما أنت تبحث
بالتاريخ الذي يخصك، بالضرورة أن تكون عندك منهجية خاصة تتلاءم مع هذا البحث الذي
أنت قائم فيه. ما أن تستخدم ميكانيزم أو آليات استخدمت لثقافات مختلفة، يعني يصير
فيه تعارض أم لا؟
عبد اللطيف: وهذه مشكلة، يعني
مشكلة فكرية.
باسم: نرجع للتسمية يعني..
عبد اللطيف: لا، فقط أريد لو
تكرمت نقطة مهمة، يعني هل لدينا منهجيات ابتدعها أو جاء بها العرب أو المسلمون؟
ليست لدينا. نحن نعيد إنتاج هذه المنهجيات، يعني جاءت منهجية جديدة، مباشرة نقوم
بإسقاطها. هذا واقع غير الواقع الذي ولدت فيه، لأن المنهجية أو حتى الأفكار هي
نتيجة لتراكم، يعني سنوات وتجربة إلى غير ذلك.
باسم: صحيح، كلامك سليم،
دكتور، وهذا يقودنا للنقطة الأخرى، أنه حتى عند قراءتنا لتاريخنا، للتاريخ العربي
بشكل عام، نحن استخدمنا قراءات الآخرين إلينا..
عبد اللطيف: نعم، نعم، هذا ما
قلته، إسقاط نوع من الإسقاط.
باسم: يعني ما قام به
المستشرقون الأوروبيون وما قام به حتى المختصون الأوروبيون بالعلاقة.. بقراءة
التاريخ العربي، هم قرأوه بطريقتهم الخاصة.
عبد اللطيف: طبيعي..
باسم: إحنا، يعني كعرب،
كيف يمكن نقرأ تاريخنا بمعزل عن تأثيرات هذا التاريخ؟ وما هي الأدوات التي يجب أن
يتم استخدامها فعلاً لقراءة تاريخنا بالشكل الذي كان عليه بقدر الإمكان؟
عبد اللطيف: نعم، المسألة
الأساسية أن نكون على معرفة بهذا الواقع، أن لا نكون مغتربين على هذا الواقع،
نعرفه بتفاصيله من الناحية الاجتماعية، من الناحية النفسية، إلى غير ذلك. هذا هو
الأساس الذي سيساعدنا على فهم هذا الواقع والكتابة عنه. يعني أنا، مثلًا،
الأوروبيون، يعني عندما كتبوا وعندما أبدعوا في منهجيتهم، التطور هذا الذي حصل هو
نتيجة بيئة معينة، بيئة ثقافية، بيئة اجتماعية، وبيئة سياسية، وبيئة سياسية مهم.
الآن، حتى في الكتابات، الكتابات الفترة المعاصرة في البلدان العربية التي تم
استعمارها من قبل دول استعمارية، للأسف، المؤرخون، في الأغلب حتى لا أعمم، هم
يعيدون إنتاج ما كتبه الآخرون..
باسم: ما كتبه المستعمر
نفسه..
عبد اللطيف: يعني نفسها، يعني حتى
النصوص، حتى النصوص هي نفسها. وعن تجربة أقول ذلك على الأقل انطلاقًا من تونس في
بعض الكتابات. وهذا الأمر الخطير، بمعنى لا يوجد الحس النقدي الذي يساعد على أن
يكون المؤرخ بالفعل قادر على التمييز وعلى تقديم رؤية بعيدة. الآن يتحدث على
"مصطلح فرنسي"، معناتها ضد هذا الاستعمار، إلى غير ذلك. ولكن للأسف،
يعني سواء المدرسة في آسيا أو محاولات إدوارد سعيد أو محاولات حتى سمير أمين في
الاقتصاد، إلى غير ذلك، ولكن للأسف نسقط في نفس المقولات..
باسم: ولهذا سألتك أنا، كم
نسبة الصدق عند المؤرخ في كتابته للتاريخ؟
عبد اللطيف: المسألة مسألة
محدودة، مسألة إنسانية وأخلاقية، بمعنى...
باسم: أنا أقصد الصدق ليس
معنى أن المؤرخ كاذب، لأ. أقصد بالصدق يعني مدى سيطرته على مادة البحث الذي يبحثه.
هل عندك كل المصادر؟
عبد اللطيف: لا، بعرف. هذا ما
قلته، هذا ما أريد أن أقوله، يعني المفروض أن المؤرخ يكون، كما قلت، صادقًا، ليس
بالمعنى الأخلاقي، لا بالمعنى العلمي.
باسم: بالمعنى البحثي، آه،
صح.
عبد اللطيف: هذا يتوفر.. لا يمكن
كتابة التاريخ، مثلًا، بدون توفر الوثائق. لا يمكن كتابة التاريخ.. الوثائق الآن
هي متعددة، سواء المكتوبة وغير المكتوبة، وأيضًا الشهادات.. يعني الوقت الآن، حتى
الحرب العالمية الثانية، حتى الحرب الثانية، هناك تجديد في الرؤى. لماذا؟ لأن يمكن
أن يجد الباحث مصدر جديد، وثيقة جديدة، رسالة يمكن أن تساعد على تغيير رؤية كانت
موجودة. بالتالي، لهنا، هناك الفرق بما تفضلت به، أن يكون الباحث متعمداً للتزوير،
هنا يمكن أن نسميه التزوير. ومن ناحية ثانية، يمكن أن يكون غير متعمد، لا تتوفر
لديه الوثائق أو إلى غير ذلك، فيصوغ.. ولذلك نتحدث على مقاربات. المقاربة، أنا
اشتغلت على هذا الموضوع من خلال ما توفر لي من مراجع ومصادر. هذه مقاربة. غدًا
يمكن أن نجد..
باسم: آخر تتوفر له مراجع
ومصادر..
عبد اللطيف: مراجع ومصادر يمكن
أن نفند ما كنت كتبته في السابق.. وهذا الضمير، يعني ضمير مؤرخ وضمير الباحث، ورجل
المعرفة بشكل عام.
باسم: هذا الضمير، إذا
بدنا ناخده ونحطه كمعيار، مثلًا، للكثير من الأكاديميين العرب الذين كتبوا عن
الإسلام والتاريخ الإسلامي أو الحيثيات الإسلامية الداخلية، دون الرجوع إلى الأصل
الإسلامي، يعني كيف يبرر باحث أو مؤرخ أو كاتب أن يكتب عن الإسلام دون أن يستخدم
ولو ثلث آية في كتاباته؟ هو أصبح كالسلفي، يكتب عن الإسلام، بس يرجع أنه قال فلان
وقال علان، وقال يرجع لفهم الآخر عن الإسلام. كما يعمل العقل السلفي، يكتب عن
القرآن، لكن يقول قال فلان وقال فلان وقال فلان.
عبد اللطيف: العنعنة..
باسم: وين الأمانة في
الكتابة عن التاريخ هنا؟
عبد اللطيف: لأ. هذا ليس مؤرخ،
الذي تتحدث عنه. هذا ليس مؤرخ. المؤرخ، كما قلت، يجب أن يعتمد على مصادر. لا يمكن
لمؤرخ في الفترة الإسلامية، مثلًا، فترة منذ الرسالة إلى حدود سقوط الخلافة، إن
شئت، يعني لو كان، إذا لا يشتغل على المصادر الأساسية، هي المصادر نفسها. لا يمكن
التعامل معها بشكل مطلق. يجب أن نتعامل معها بحذر شديد. ابن تيمية، مثلًا، أو غيره
من.. يعني حتى الأغاني، أو حتى الطبري، أو حتى كذا. هناك روايات عديدة، يجب أن
يقوم بعملية التقاطعات.. هذا بالنسبة للمؤرخ الصادق. لا يمكن أن تتحدث عن التاريخ
الإسلامي، مثلًا، في أي حقبة من الحقب، لا يرجع إلى القرآن، أو لا يرجع للطبري، أو
لا يرجع لكذا. هذه مسألة بديهية..
باسم: عفوا، البحث الذي
كتبته عن العنف في منظومة الحكم الإسلامية، ابتداء من ما بعد الرسالة إلى
الأمويين، ومن ثم بعد ذلك، واستخدمت عن العنف كأسلوب أساسي. يعني أي قارئ للتاريخ،
للكتاب أو للبحث، راح يشعر أنه كل هذا التاريخ عنيف. بينما أنت التقطت أحداث
مارسها سياسي في لحظة ما، وتم تعميم هذا الحدث على أن كل نظام الحكم كان عنيفًا.
هل هذا، مثلًا، هل هاي وجهة نظرك كانت صحيحة؟
عبد اللطيف: لأ، أنا لا. لا، مع
كامل احتراماتي، لم أذهب على ما تفضلت به. أنا أخذت، تحدثت على نماذج، نماذج كيف
كانوا يمارسون العنف، كيف تمارس السلطة العنف، ما هي الأدوات التي استعملتها ضد..
باسم: المعارضين السياسيين.
عبد اللطيف: المعارضين السياسيين،
لماذا قاموا بهذا الشكل؟ هذا الذي تحدثت عنه، ولم أعمم. لم أعمم، أخذت أمثلة معينة
من فترة ما بعد الرسول، يعني منذ أبي بكر حتى في السقيفة..
باسم: يعني أنت ذكرت،
مثلًا، قصة حرق جثة بن عمر...
عبد اللطيف: محاولة، محاولة،
يعني...
باسم: وهو حي..
عبد اللطيف: هو وفاطمة. جاء عمر
وهدده، وجئت بما يشير إلى ذلك. ولم أعتمد على مصدر واحد، اعتمدت على ثلاثة مصادر
لتؤكد ذلك الحدث. يعني جاء عمر وفاطمة وعلي في البيت، على أساس طلب منهم أن يخرج
لبيعة أبي بكر، فرفض، فهددهم بحرق البيت. هذا الأمر لم أقله أنا..
باسم: في حادثة حرق وهو حي..
عبد الله بن عمر.
عبد اللطيف: لأ، لأ، اللي أكدت
عليه هو عمر بن الخطاب.
باسم: عمر بن الخطاب، آه.
عبد اللطيف: عمر بن الخطاب ذهب
إلى علي في بيته مع فاطمة وهددهما بالحرق. المهم بالنسبة لي أنا كمؤرخ، لم أعتمد
على رواية واحدة.
باسم: لأ، أنا لا أقصد
بالرواية الواحدة، أنا لا أقصد بالحدث. أنا أتفق إنك جبت الحدث كما رُوي، لكن هل
الاستشهاد بحدث واحد ويتم تعميمه على نظام الحكم بشكل عام هو...؟
عبد اللطيف: لا، لا، لا، طبعًا
لا. مثلًا، أعطيك مثال، يعني أنواع التعذيب الذي تم. لا يمكن.. وهذا يعني يمكن حتى
ترجع، لا أذكر رواية أو حدثُا دون أن أستند على الأقل على مصدرين أو ثلاثة مصادر.
ولم أعمم، يعني ليس في الضرورة. ولذلك قلت، أنا في آخر المقال، استشهدت بآدم،
المؤرخ الإنجليزي، الذي قال إن العنف الذي كان في العصور الوسطى الأوروبية هو أشنع
وكذا..
باسم: أنا لا أختلف على
الفكرة، أنا لا أشكك بتثبيتاتك للرواية، ولا حتى للمصادر. أنا كالتالي، أنا كقارئ
بعيد عن الحدث، لما أقرأ في الموضوع، اكتشفت، يعني، حسيت وكأنه هذه الحالة تمثل
السلوك العام في السلطة. وهل حقًا هيك؟ مثلًا، في كثير من الدول تمارس بعض العنف
تجاه المعارضين السياسيين، لكن لا يمكن أن أُسقط أن هذه الدولة كلها عنيفة.
عبد اللطيف: عندما نتحدث عن فترة
تاريخية معينة، يعني نضعها في إطارها التاريخي أيضًا..
باسم: ضروري، صح، كلامك
سليم، صح.
عبد اللطيف: البيئة، إلى غير
ذلك. هم يستندون، أي سلطة في أي عصر من العصور، هي بالضرورة سلطة عنيفة. لا توجد
سلطة غير عنيفة، لأنها هي التي تحتكر.
باسم: السلطة تمتلك أدوات
الإكراه، نعم، صحيح.
عبد اللطيف: بالضبط. فبالتالي،
عندما تأتي الفرصة، يمكن أن تمارسها. عفوا، الفرصة لمعارضيها، يمكن أن تمارسها.
يعني مثلًا، أن تقتل المعارض بطريقة بشعة. يمكن أن تحدث في أي فترة من الفترات.
وهذا ما أكدته أنا حتى في بداية هذا البحث، وحتى في بحثي فيما بعد السلفية
التكفيرية، يعني أكدت على أساس أن هذه طبيعة أي سلطة أن تقوم بذلك، ولكن بتفاوت.
بمعنى تفاوت الحجم، وتفاوت حتى في وسائل.. يعني مثلًا، كان الأمويون يبعدون،
الإبعاد، كانوا يجبرون الإنسان على الإقامة الجبرية في مكان معين.
بسام: يعني نظام قديم، الإقامة الجبرية.
عبد اللطيف: نظام قديم، الإقامة
الجبرية.. يعني هذا ما يعني. أنا مقال هذا البحث، يعني أنا كنت قرأت لنهاد العلوي،
يعني قبل ما يكتب عنده كتابه هذا على التعذيب في الإسلام، وكذا..
باسم: ليش إسقاط لفظ
الإسلام على التعذيب، يعني يعطي إيحاء وكأنه القرآن، كونه هو المصدر الأساس..
عبد اللطيف: لأ، متفق أنا معاك.
باسم: وكأنه القرآن يعني
يشجع على التعذيب.. الربط ما بين الطرفين هون اللي أنا ضده.
عبد اللطيف: أنا معك مئة في
المئة، وأنا وضحت، قلت إنه لا يمكن التعميم للإسلام بأنه يفرق ما بين الإسلام
كقرآن، الذي ما بين ضفرين، يعتبره كأيديولوجيا، القرآن..
باسم: لأ، عفوا، هلا قد
تجد مسلمًا لص، لا يعني أن القرآن صار لص..
عبد اللطيف: هذا ما سأتحدث عنه.
باسم: أو لا يعني أن
القرآن يشجع على اللصوصية.
عبد اللطيف: هذا ما سأتحدث عنه،
يعني نبتعد حتى على الدين. خذ الماركسية كفكر أيديولوجي، هل طُبّقت؟ هل طبق لينين
الماركسية؟ بالتأكيد لا. وشوف ستالين ماذا فعل، وشوف ماو
سي تونغ ماذا فعل، هذه الفكرة، هذه الأيديولوجيا، لكن الواقع شيء آخر. السلطة
لديها إكراهاتها وتبرر ذلك بطريقة مختلفة. لذلك عندما أقول، يعني من الخطأ أن أقول
التعذيب في الإسلام، لأ، التعذيب، مثلًا، في الدولة الأموية، التعذيب في الدولة
كذا، المرأة، مثلًا، في الدولة الأموية، المرأة في الدولة العباسية. لكن للأسف،
وهذا علاش هناك غايات وأهداف معينة. هذا الذي تحدثنا عنه، يعني المنهجيات والأوروبيون
أرادوا بأن يعمموا الإسلام، لذلك الآن حتى في المكتبات في ألمانيا، ولا في فرنسا،
وكذا، تحط الإسلام، حتى تجد ما شاء الله من الكتابات عن الإسلام تعميما.
باسم: تعميم، نعم، صحيح.
عبد اللطيف: وهذا أيضًا المدرسة
الموجودة في كامل.. وإحنا في تونس بشيء كبير. لا أريد أن أتحدث عن المسألة.
ما هي السلفية التكفيرية؟
باسم: وأنت كتبت كثيرًا عن
السلفية التكفيرية العنيفة. لما، شو المقصود بالسلفية؟
عبد اللطيف: مصطلح.
باسم: مصطلح السلفية، ما
المقصود فيه؟ يعني والتكفيرية، ما المقصود؟
عبد اللطيف: هو المقصود فيه
أولًا السلف الصالح. هم يؤمنون بالسلف الصالح، من هو السلف الصالح؟ أي الذين جاءوا
في الفترة القديمة، خاصة الخلفاء الراشدين. ولكن أخذت بعد آخر، عندما برز محمد بن
عبد الوهاب في الجزيرة، وأصبح يتحدث عن هذا السلف الصالح، ويجب أن نقتدي به في كل
الممارسات إلى غير ذلك.. عنيفة، لأن هناك سلفية غير عنيفة، وهناك سلفية مارست
العنف الذي تم الاصطلاح عليه بالإرهاب.
باسم: هلا مفهوم السلفية،
أو.. ابتدأ بمحمد عبد الوهاب، يعني بالوهابية، مثلًا؟
عبد اللطيف: لأ، هي موجودة في...
عندما نتحدث عن ابن تيمية، نتحدث عن كذلك، لكنها أخذت البعد السياسي إزاء محمد عبد
الوهاب..
باسم: أه، نعم، ممكن،
ممكن، يعني.
عبد اللطيف: هي أخذت بعد سياسي،
أن إقامة دولة جاءت، يعني... على أساس سلفي. والنظرية أو الفكر، اللي هو محمد بن
عبد الوهاب، وبطبيعة الحال توابع أخرى قادت إلى هذه العملية. ولكن هذه السلفية
كانت إلى ذاك الحد، ذاك هي الممارسة التي حدثت، فيما بعد لم نسمع عن ممارسة سلفية
في السلطة أو في مقاومة الاستعمار مثلا.
باسم: صح، ملحظة مهمة
عبد اللطيف: يعنى نجد مثلا
الحركة التي تعاديها السلفية وهي مثلا السنوسية، اللي هي الحركات.. أو المهدية
مثلا المهدية في السودان ناضلت ضد الاستعمار الإنجليزي، السنوسية في ليبيا ناضلت
ضد الاستعمار الإيطالي، في حين أن السلفية، سواء السلفية الغير العنيفة أو السلفية
العنيفة لم تناضل.
من ظل النظام إلى العنف
باسم: يعني يلاحظ أنه
دائماً كانت في ظل النظام. هاي السلفية الآن تستخدم في ظل النظام. طيب، يعني شو
اللي حولها للعنف ضد النظام؟
عبد اللطيف: هذه مسألة مثلا..
إذا أخذنا الدول العربية بشكل عام، وبعد نجاح إقامة الدولة السعودية بوجود محمد
بن.. سعى محمد بن عبد الوهاب إلى نشر هذا الفكر السلفي في العديد من المناطق. من
بين المناطق التي رفضت هذا المبدأ، بايات تونس أو حكام تونس، وأقل منهم أيضًا
المغرب الأقصى. برغم أنه أرسل رسائل يطلب فيها الاعتراف بهذا المذهب، إن شئنا،
وتكريسه في الواقع، إلا أن ذلك.. السلطة أولاً رفضته، رفضته لأسباب عديدة. أولا..
باسم: يعني هل حقيقة كان
فيه مطالبات من هاي الدول أن تتبنى؟
عبد اللطيف: طبعًا، هناك رسالة..
باسم: هناك رسالة؟
عبد اللطيف: طبعًا، رسالة بعثها
عبد الوهاب إلى الباي السلطان في تونس. ولكن هذا السلطان استقدم علماء واستشارهم
في مدى مصداقية هذه الفكرة وهذه النظرية وهذا المذهب، ورفضوا ذلك، وردوا عليه..
ردوا على هذه الرسالة بكتابات معناتها واسعة. لماذا؟ لأن هنا في تونس هناك أولاً
قوة الطرقية، الجماعات الطرقية، وثانيا جامع الزيتونة، اللي هنا، يعني المذهب
الأشعري الحنفي الأشعري اللي يرفض..
باسم: صدت الفكرة.
عبد اللطيف: صدت هذه الفكرة. في
حين أنه برزت في نفس الوقت، فيما بعد، خاصة في العشرينات، ما أطلقت عليها شخصيًا
في أحد البحوث بالسلفية الإصلاحية أو السلفية التنويرية. هذه حاولت أن لا تكون لا عنيفة،
ولكنها هي إصلاحية، اللي تتمثل في الأفغاني، تتمثل في محمد عبده. في تونس، حتى في
تونس، عبد العزيز الثعالبي، الشيخ عبد العزيز الثعالبي، يعني كان حتى ضد الطرق
الصوفية، ولكن لم يكن سلفي بالمعنى السلفية الوهابية. هذه أرادت أن تتفاعل مع
التحولات التي حدثت في أوروبا وتعطي منهجًا جديدًا لتطور الحياة ولتطوير الحياة
العامة.
باسم: بدي أسأل، بدي أسأل،
قبل أن تنتقل لكيف تحولت هاي السلفية إلى تكفيرية وعنيفة. ماذا قُصد؟ يعني كيف
تحولت السلفية من اعتبار أن السلف صالحين وبين اعتبار ما قيل في الفقه التراثي كله
تاريخيًا أنه يجب أن يكون أيضًا صالحًا لزماننا ومكاننا؟
عبد اللطيف: نعم، هي أخذت البعد
السياسي أكثر منه البعد، شئنا القيمة، أو البعد الديني. يعني هي وظفت هذا الأمر.
هذا لماذا أصبحت عنيفة، لأن العنف صحيح يأخذ طابع سياسي وطابع غير سياسي. بمعنى
أنك أنت تعتقد أن ممارسة المسلمين هي غير سوية، يمكن أن تحاول أن تنصحهم بأن
يقوموا أو بالرجوع إلى مبادئ القرآن، أو إلى الخلفاء أو الرسول، الحديث، إلى غير
ذلك، أو أن تمارس العنف بمعنى العنف، أن تنهيهم إما بالعنف اللفظي أو بالعنف
المادي. هذا على المستوى الديني. لكن السلفية التكفيرية العنيفة اتخذت طابعًا
سياسيًا بدأ منذ 1966 في مصر، بمجموعة الجهاد، اللي كانوا فيها من أبرز القادة
الذين سيتحولون من بعد حتى في أفغانستان، كيما الدكتور الظاهري.. الظواهري، إلى
غير ذلك. ومن بعد، حتى في 67، برز تنظيم آخر عنيف، بتاع الكلية العسكرية، إلى غير
ذلك، وحتى في السعودية عام 79.
باسم: 79، الجاهمي.*
ثلاثة أحدات هزّت المنطقة
عبد اللطيف: الجاهمي. ثم هنا
الخطر تم توظيف هذه الأفكار، هذه المجموعات، خاصة بعد ثلاثة أحداث مهمة عرفها
العالم العربي بشكل عام. الحدث الأول يتمثل في احتلال السوفيت أفغانستان..
باسم: صحيح.
عبد اللطيف: الحدث الثاني هو الثورة
الإيرانية..
باسم: صحيح.
عبد اللطيف: 79، 79، والحدث
الثالث هو زيارة السادات..
باسم: لإسرائيل.
عبد اللطيف: لإسرائيل.
باسم: وأيضًا صحيح.
عبد اللطيف: هذه الأحداث الثلاثة
هزّت المنطقة بشكل عميق وجوهري لأسباب مختلفة. تأخذ الأسباب، الديني، الطائفي،
تأخذ الأسباب السياسي، تأخذ السبب الأيديولوجي، إلى غير ذلك، تم توظيف هذه
المجموعات لمحاربة السوفيت في...
باسم: من قبل الأمريكان..
عبد اللطيف: طبعًا، وبتشجيع من
دول عربية، اللي أعطت المال، أعطت الفتوى، إلى غير ذلك. وهذه المجموعات، بعد أن تم
تصفية السوفيت، إلى غير ذلك، رجعوا إلى بلدانهم. فيه جزء منهم رجع إلى بلدانهم،
وفيه جزء منهم ذهب إلى أوروبا، وبرز من هنا شخصيات أو رموز مهمة جدًا في هؤلاء.
وبدأت الآن ما أطلقت عليه السلفية، ما بين ظفرين، الوطنية، بمعنى أنها تشتغل في
المكان التي توجد فيه. ومن هنا برزت هذيك القاعدة..
باسم: يعني ممكن تصيغ
السلفية المحلية، لأنه إذا وطنية تعبير..
عبد اللطيف: إيه، صحيح، وطنية،
معناتها التعبير صحيح.
باسم: يعني معناتها غير
ملائم، لأنه مش وطنية، لأنه عملوا ضد الوطنية.
عبد اللطيف: في كتابي ذكرت
المحلية وليست الوطنية. ثم تنتقل إلى العالمية. ثم تنطلق إلى العالمية برجوع أو
بطرد ابن.. شو اسمه؟
باسم: بن لادن.
عبد اللطيف: أسامة بن لادن من
السودان، رجوعه إلى أفغانستان، وبدأت تأخذ منحى آخر بعد ضرب في أحداث سبتمبر 2001.
ومن بعده تأخذ بعدًا آخر أكثر، إن شئنا عالميًا، في أحداث بغداد 2003، ضرب النظام
والاحتلال الأمريكي، ثم في سوريا. فأصبحت هذه أداة. وهذه المسألة اللي ركزت عليها
أنا في كتابي، خاصة، أن هذه السلفية ليست سلفية محلية، هي سلفية وظيفية.
باسم: نعم، صحيح، صح،
استخدمت من قبل الآخرين.
عبد اللطيف: نعم، من قبل.. نعطيك
مثال كتونس، لأنه درست تونس بشكل جيد. في تونس، أكثر من عشرة آلاف شاب التحقوا
بالشيشان، بأفغانستان، بسوريا، بالعراق، بليبيا..
باسم: أوف، رقم كبير.
عبد اللطيف: طبعًا، طبعًا. ليس
هذا فقط، في فترة ما بعد 2011 تم منع نحو 29 ألف شاب تونسي من الاتجاه إلى العراق
وسوريا. هذه إحصائيات رسمية، يعني هذه وزراء.. اثنان من وزراء الداخلية هما الذين
قالوا ذلك، معناتها لست.. هذا موثق. ولكن في تونس، لم.. يعني صارت عمليات محدودة،
ثلاثة عمليات تقريبًا في العاصمة، وعملية في سوسة، في أحد الفنادق، وبعض العمليات
موجودة في الحدود الجزائرية. السؤال هنا، لماذا العشرة آلاف أو العدد خمسة آلاف
وكذا لم يبقوا في تونس ويسقطوا نظام الحكم؟
باسم: ليش تونس هذا العدد
الضخم؟
عبد اللطيف: قبل ذلك، لأن أولا
قلت، أردت أن أؤكد على وظيفية هذه الجماعة. هذه الجماعة هي وظيفية، يعني...
باسم: طب، من جنّدهم، من
وجههم؟
عبد اللطيف: المال..
باسم: والتوجيه.
عبد اللطيف: التوجيه. هل تعرف أن
تقريبًا 121 قناة فضائية تبث في الفكر السلفي ما بين النيل سات وأخرى، الفتاوي
اللي موجودة، والشخصيات التي كانت في المنابر. والمال. يعني في تونس، هذا الأمر لا
يتعلق بالعرب ولا المسلمين فقط، حتى الأوروبيون، يعني عدد يقارب تقريبًا 3000
أوروبي ساهموا في داعش.
باسم: صحيح، صح.
لماذا تونس؟
عبد اللطيف: المرأة الأوروبية
ساهمت بشكل كبير في داعش. لذلك، يعني هذا الشخص، يعني حتى إسلامه ومعرفته بالإسلام
هي محدودة جدًا، ولكن لأسباب ثقافية، أسباب سيكولوجية، لأسباب عديدة كنت شرحتها
أدت إلى الاندفاع. لماذا تونس؟ هذه إشكالية كبيرة جدًا، يعني تونس الدولة التي
تعتبر حققت العديد من الإنجازات في التحديث والحداثة، مثلًا قضية المرأة، قضية
الثقافة..
باسم: هذا السؤال الغريب،
أنه تونس، رغم كل اللي عملته، أنه طلع منها هذا العدد الضخم.
عبد اللطيف: هذا السؤال إشكالية،
لأن ما حدث في تونس، دكتور، هذا ما أُطلق عليه هي الحداثة والتحديث العمودي وليس
الأفقي.
باسم: وليس الأفقي، صح صح.
عبد اللطيف: ولذلك نجد حتى
التحولات التي تمت اقتصاديًا، خاصة منذ السبعينات. يعني منذ السبعينات، برزت
الحركة ما يعرف باسم الإسلام السياسي في تونس 69، برزت، تحولات هي نفسها في مصر.
في مصر، يعني بعد وفاة المرحوم عبد الناصر، جاءت الحركة، جاءوا من السعودية وقت
أطلق سراحهم السادات، وبدأت، يعني بعد الهزيمة بالضبط. وأنت تتذكر، يعني الكتابات
التي كتبت في لبنان، صادق جلال العظم حول شو اسمه؟ التفكير الديني وكذا، وكتابات
حول التراث و.. يعني هذا كله تيار كبير نتيجة للتحولات التي عرفتها المنطقة في
السبعينات، تحولات اقتصاديًا، خاصة ما يعرف بالانفتاح..
باسم: ثورة النفط.
عبد اللطيف: و74 النفط، وإلى غير
ذلك، كل هذه عوامل ساهمت مساهمة كبيرة في وجود هذه المجموعات. لكن هنا في تونس،
كما قلت، قضية الحداثة والتحديث، وخاصة، يعني أنا من خلال دراستي أيضًا لهذه الأنواع،
وجدت أن من انخرطوا في هذه المجموعات هم بالأساس من الأحياء الشعبية والمناطق
السياحية. المناطق السياحية، يعني جهة نابل، جهة حمامات نابل مع جهة سوسة، منطقة
سوسة.. هذه كلها، برغم أن التحديث تم هناك، يعني عملية التحديث الاقتصادي.
باسم: طب، شو التحليل؟
إنه، أوك، فهمنا إنه المناطق الشعبية إنه فيه فقر وفيه حاجة وإلى آخره، ممكن
إنه...
عبد اللطيف: الفقر ليس عاملًا..
الفقر ليس عاملًا. يعني، أنت وقت تاخذ رموز هذه المجموعات، بن لادن ليس بفقير..
باسم: لا، أنا لا أقصد بن
لادن، لا شك، بس أقصد مثلاً في تونس.
عبد اللطيف: في تونس، حتى في
تونس.
باسم: هذا المجموع كله،
مثلاً.
عبد اللطيف: حتى في تونس، يعني
توجد، يعني بإحصائيات، أنا للأسف الكتاب، يعني توجد أطباء، توجد مهندسين في العالمية،
توجد، أنا أعرف ناس من عائلات جيولوجية.
باسم: من اللي تجندوا؟
عبد اللطيف: نعم؟
باسم: من اللي تجندوا؟
عبد اللطيف: طبعًا، ومَن قتلوا.
يعني أنا أعرف ابن صديقي، ومن عائلة، يعني ديمقراطية، وإلى غير ذلك، ابنه توفي في
العراق. أعرف طبيب وزوجته طبيبة وابنه طبيب وزوجته طبيبة، وذهب وقُتل في.. العفو لم
يقتل، وإنما تم بتدخل والده، لأنه كان طبيب قريب من.. المهم أنه جلب هنا، وإلى غير
ذلك. فالظاهرة كانت ظاهرة، يعني أنت تتحدث عن الفقر، هل الأوروبيون الذين
انخرطوا...
باسم: لأ، هذول موجهين من
قبل أجهزة، لا شك..
عبد اللطيف: نفس الشيء في تونس،
ونفس الشيء في المغرب، ونفس الشيء في أي بلد من البلدان.
باسم: آه يعني كان في
توجيه مركزي للموضوع.
عبد اللطيف: طبعًا، طبعًا. أنا،
يعني قلتلك منذ البداية: وظيفية، يعني المال، المال.. كانوا يعطون المال. يعني أنا
من خلال الدراسة يعني موثقة، يعطوا هذا حتى بعض الإسلاميين المناوئين.. هم يذكرونه
الناس الذين عاشوا هذه التجربة، المال كان موجود، الكتب كانت موجودة، الإغراءات
كانت موجودة، يعني أنت عندما يتحدثون عن النساء في الجنة وإلى غير ذلك، كثير من
هؤلاء..
باسم: واللي كان منهم
بيروح يتعشي مع الرسول..
عبد اللطيف: إلى غير ذلك، كل هذه
يعني كانت موجودة، وهذه المشكلة هنا أيضًا أن الأغلبية إما ثقافتهم بسيطة وبسيطة
جدًا، مستواهم أيضًا بسيط أو جزء كبير جدًا اختصاص علوم صحيحة، من الأطباء من
التكنولوجيا وغير ذلك. هؤلاء.. مؤخرًا كنت في جامعة بادوفا ألقيت محاضرة حول
الانتحاريون المغاربة في المغرب العربي، أخذت نماذج تونس والمغرب الأقصى وليبيا.
هؤلاء اللي يقدموا نفسهم كمشاريع للقيام بعمليات انتحارية، خمسة وخمسين يعني حالة،
منهم 25 تونسي و22 مغربي و8 تقريبًا ليبيين. ولكن هؤلاء التوانسة هم في المرتبة
الثانية، والسعوديين في المرتبة الأولى، هذه من خلال وثائق..
باسم: مثبتة.
عبد اللطيف: إيه، لداعش، معناتها
فيها الاسم وفيها كذا إلى غير ذلك. ومن ضمن هؤلاء يعني نجد الجامعيين، نجد الأطباء،
نجد في الإعلاميين، "مصطلح فرنسي" إلى غير ذلك. فالظاهرة عامة لا علاقة
لها لا بالأوضاع الاقتصادية، لا بالأوضاع الاجتماعية، لا الثقافية. هي الكل يعني
عندما نقوم بالتحليل..
باسم: هي مجموعة عوامل.
عبد اللطيف: عوامل متداخلة
ومتفاعلة فيما بينها. يعني نعطيك مثال، يعني مثلاً شخص يعني التنظيم هكذا يقوموا،
إذا يستطيع أن يتمكن من فتاة تكون جميلة أو كذا، هي دائماً يكونون كذا. هذه الفتاة
يمكن أن تلعب دور رئيسي في استقطاب..
باسم: أوف.
عبد اللطيف: طبعًا، وهذه من خلال
أمثلة في استقطاب رجال الأمن.. هذا حدث في تونس.
باسم: ياسلام!
عبد اللطيف: طبعا..
باسم: نساء تقوم بدور
استقطاب لرجال للانضمام لهيك مجموعات؟
عبد اللطيف: طبعًا، وانضموا من
خلالهم عرفوا العديد من أسرار الوحدة، وعندما يريدون يمارسون يقومون بعملهم لديهم
معطيات، خرائط إلى غير ذلك. فهناك العديد من الوسائل، أو مثلاً نساء اشتغلن حتى في
التواصل الاجتماعي لاستقطاب الأفراد إلى غير ذلك. فالمسألة كما قلت متفاعلة..
باسم: يعني فعلاً فيه
توجيه مركزي وفيه توجيه يعني..
عبد اللطيف: طبعًا، طبعًا، ليس
شيئًا ظهر هكذا..
باسم: يعني توجيه مدروس
مش..
عبد اللطيف: نعم.
باسم: توجيه مدروس مش عفوي
يعني.
عبد اللطيف: طبعًا، هذا أمر
أكدوه حتى الأمريكان، يعني أكدوه حتى الأمريكان هم اللي أسسوه. زوجة الرئيس السابق
وزيرة الخارجية.
باسم: هيلاري كلينتون.
عبد اللطيف: كلينتون قالت في
كتابها..
التاريخ العقابي
باسم: طب دكتور، أنت كتبت
كتابًا، أنا عجبني حقيقة، يعني إله علاقة بعقوبات النفي والإبعاد المسلط على
الوطنية من زمن الاحتلال الفرنسي للبلاد التونسية. شو النتيجة؟ يعني هو فعلاً هذه
سياسة الإبعاد تمارس؟
عبد اللطيف: في الواقع، يعني حقل
جديد من الدراسات، حقل التاريخ العقابي. أنا عندما بدأت الاهتمام بهذا الموضوع،
اهتممت، حاولت أن أدرس عند العرب كيف كانوا يمارسون هذا البحث الذي تفضلت بذكره.
ثم تطور الأمر وأردت أن أفهم الآليات التي كانت تستخدم من قبل المستعمر في إخضاع
الحركة الوطنية التونسية. وهذا لأن الفرنسيين مثلًا اهتموا بالنظام العقابي، ولكن ليس
النظام العقابي ذو البعد السياسي الاجتماعي. مثلًا فوكو اهتم بيه وغيره من
المؤرخين. أنا حاولت أن أفهم البعد.. النظام العقابي في المجال السياسي، واهتممت
بنقطة رئيسية هي الإبعاد والنفي.
عبد اللطيف: الإبعاد هو أن يُبعد
الشخص من مكان لآخر داخل النطاق الجغرافي.
باسم: من بيئته إلى بيئة
أخرى ولكن داخل البلاد.
عبد اللطيف: داخل النطاق
الجغرافي.. النفي هو نفي خارج..
باسم: خارج البلاد.
عبد اللطيف: وهذه الممارسة في
تونس بدأت منذ بداية الاحتلال، يعني منذ في جويلية (يوليو) 1881. تم نفي أكثر
تقريبًا من خمسمائة إلى جزيرة سان مارجريت في فرنسا، اللي هي في مارسيليا. ثم تدرج
هذا الأمر في كل حقب التاريخ. الحقب اللي مرت على تونس الاستعمارية. استخدم هذا
العقاب. هذا العقاب أيضًا ليس فقط إبعاد أو نفي، ولكن حتى الصياغة التي تمت
الاعتماد عليها القانونية. هناك الإبعاد أو النفي الإداري، معنى أن تصدره الإدارة
أو السلطة السياسية، في حين أن نوع آخر تقوم به أو تفرضه السلطة القضائية. وفي
كتابي هذا بطبيعة الحال قمت بجرد واسع وبتحليل كذلك واسع لهذه الظاهرة. فبالتالي
الاعتماد على هيجل وقولته "مكر التاريخ"، أو "مصطلح فرنسي"،
بمعنى الإنسان يفعل شيء، ولكن هناك فعل مضاد أو معاكس لما يفعله.
باسم: لكل فعل ردة فعل..
عبد اللطيف: ردة فعل بمعنى أن
هذا النظام العقابي، عوض أن يخضع ويرضخ الوطنيين التونسيين، هو بالعكس قد ساعد على
تمدد..
باسم: الحركة الوطنية.
عبد اللطيف: الحركة الوطنية
جغرافيا، وتمدد كذلك اجتماعيًا، بمعنى إلى حدود قبل عملية النفي التي يعني هيك
حدثت. ولكن أكبر عملية صارت في سنة 1933-34 ثم أخذت في التوسع. فقبل كانت محدودة
وعلى أفراد، إنما في ذلك الوقت كانت واسعة. هذا الأمر مثلًا الحزب الحر الدستوري،
الديوان السياسي، حزبان أو ثلاثة أحزاب. في السابق كان وجودهم في الجهاد محدود،
وبعد هذه العملية، وإبعادهم إلى أقصى الجنوب في مناطق حارة إلى غير ذلك، جعل هذه
الأحزاب تتمدد وموجودة في هذه الأماكن وعددها يتضخم بشكل كبير جدًا. فهذا الذي..
باسم: هو نفس الأسلوب اللي
استخدمه الاحتلال في المغرب لما طردوا..
عبد اللطيف: الملك.
باسم: الملك محمد الخامس.
عبد اللطيف: وطبعا حتى.
باسم: حاليا الاحتلال
الإسرائيلي يمارس يعني أضعاف مضاعفة ما تم ممارسته.
عبد اللطيف: طبعًا، في مصر تم
إبعاد رمز الحركة الوطنية سعد..
باسم: سعد زغلول
عبد اللطيف: زغلول، في العراق
كذلك، في سوريا، يعني هذه ممارسة استعمارية، هذه ممارسة يستخدمها الاستعمار في
أينما حل.
باسم: كان الهدف منها إنه
طمس أو قتل الحركات الوطنية، بس زي ما حكيت أنت أدت إلى امتدادها.
عبد اللطيف: امتدادها.
باسم: بس لماذا يعني ما
زالوا يمارسون نفس السيستم، نفس الأدوات؟
عبد اللطيف: نفس المنظومة، يعني
هذه السلطة. يعني السلطة بطبيعتها عندما تعجز عن، مابين ضفرين، التواصل مع
المعارضة..
باسم: تلجأ إلى البطش.
عبد اللطيف: إلى البطش، وعندها
الأدوات القانونية والأدوات.. ولهنا هذه نقطة يمكن أن نرجع إلى الراهن، يعني هنا
الغرب أيضًا اشتغل عليها. يعني أنت عندما تأخذ العراق ولا تأخذ سوريا أو تأخذ تونس
أو كذا، هؤلاء الذين يتم إبعادهم إما قانونيًا أو إداريًا أو..
باسم: أو بالعنف.
عبد اللطيف: أو بالعنف، أو
تلقائيًا، هم لا يجدوا..
باسم: يتم التضييق عليهم.
عبد اللطيف: يتم التضييق عليهم،
كذلك يهاجرون. تلتقطهم الدول الأخرى، المخابرات الأخرى. يعني عندما تأخذ العراق،
عندما تأخذ سوريا، عندما تأخذ تونس، إلى غير هؤلاء الذين كانوا..
باسم: كلهم راحوا إلى
بريطانيا، لفرنسا، لألمانيا، إلى أمريكا.
عبد اللطيف: بعد يعني يمكن أن
يلعبوا دور، إلى غير هذا منه.. حتى في وقت السادات، يعني وقتها مجموعة كبيرة جدًا
من المفكرين ومن الصحفيين اتجهوا إلى فرنسا، اتجهوا إلى أمريكا..
باسم: وتم استغلالهم من
قبل السلطات التي لجأوا إليها.
عبد اللطيف: تم استغلالهم
بالضبط..
باسم: لضرب الدولة.
عبد اللطيف: طبعًا، لضرب الدولة،
إن شئت وطنية، وماذا تريد أن تقول. وإلى الآن هذه الممارسة موجودة، يعني لهنا الغرب..
يعني هو في الأصل سبب تأزيم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في تلك البلدان، ثم يكون
نتيجتها ها الإبعاد بأشكاله المختلفة، والتلقائي كذا، يعني يستغله ويوظفه ويستغل
هذا، وعند الضرورة يصبحوا وظيفيون مثل ما تحدثنا على داعش وإلى غير ذلك.
باسم: وعادة هادول الناس
اللي بيكونوا يعني يكونوا من النخب..
عبد اللطيف: نخب، نخب سياسية.
باسم: نخب وطنية، سياسية،
ثقافية ومعرفية.
عبد اللطيف: سياسية، لكن نحن لا
نعمم بطبيعة الحال. أنا لا أعمم، لا أعمم، ولكن هناك فئات، فئات، أيضًا ما بين ظفرين،
ترد الفعل، وخاصة إذا ظلت تمارس السياسية أو غير ذلك أن تقوم بهذا العمل.
المرأة والإرهاب
باسم: بدي أرجع على نقطة
أثرتها، وأنا أثارت انتباهي، اللي هي دور النساء في التيارات التكفيرية. يعني ما
الذي يدفع امرأة أو شابة أن تمارس نفس هذا الدور وتكون أداة في خدمة العنف؟
عبد اللطيف: هي في البداية لم
يكن لها دور، يعني كانت حتى الكتابات ولا الفتاوي على أساس الجانب الأخلاقي
والمرأة لا تمارس السياسة، لا تمارس يعني تقوم بوظائف محدودة. حتى في ليس في
السلفية، حتى في الجامعات السياسية الأخرى، ما يعرف بالإسلام السياسي، التنظيرات
لمشاركة المرأة يعني جاءت بشكل في وقت متأخر تقريبا مع الترابي ثم مع راشد الغنوشي
في تونس. ولكن السلفية كانت ترفض رفضًا تامًا هذا الأمر، ولكن في فترة تقريبًا
2003 بدأ الاعتماد على المرأة في القيام بالعديد في الواقع من المهام. يعني أول
عملية تقريبًا انتحارية كانت 2005. قبل ذلك لم تكن هناك عمليات انتحارية قامت بها
المرأة. كانت تقوم.. وبدأ الاشتغال من سنة 2003. هناك أحد.. قدم أحد.. التونسي الحطاب،
وأحد السعوديين، أظن العيري، هؤلاء قدموا فتوى تجيز للمرأة أن تقوم بعمليات،
عمليات إرهابية. هذا الأمر توسع فيما بعد، وأصبحت هناك منظمات نسائية مثل منظمة
الخنساء كذا، اللي تقوم بهذه العمليات. لكن الظاهرة هي لا تتعلق بالسلفية فقط أو
بالإسلام السياسي فقط، يعني نجد هذه الظاهرة موجودة في التاريخ.
باسم: موجودة في التاريخ،
بس اللي لفت انتباهي أنه يعني فيه دولة فيها أريحية ثقافية، في تونس مثلاً، أن يتم
استخدام المرأة.. طبعًا اتفقنا أنه الاستخدام كان موجه وكان مركز لإحداث هذه
الظاهرة. أنه المرأة يكون لها دور أيضًا في هاي العملية. يعني كيف استغلت المرأة؟
هل عن طريق المال؟ عن طريق وعود مثلاً بظروف مختلفة؟ أم عن طريق الفتاوي؟ يعني
معناه فيه تدين، يعني صار فيه استجابة من المرأة للفتوى؟
عبد اللطيف: هي العوامل التي
تفضلت بها كلها سليمة فعلاً، لكن هناك عوامل أخرى. مثلاً أن يكون الأخ من السلفية
يمكن أن يؤثر على أخته..
باسم: صح..
عبد اللطيف: زوج أن يكون سلفيًا
يمكن أن يؤثر على زوجته ويحملهم.. ويحملها معه إلى سوريا أو العراق. هذه نماذج نحكي
لك في تونس. هناك عامل آخر سيكولوجي، نفس الشيء أن تحب أو تعشق هذه رجلاً معين..
باسم: صح، صح.
عبد اللطيف: يمكن أن يسحبها إلى
هذا التنظيم. يمكن هناك عوامل سيكولوجية متعلقة بها. مثلاً نعطيك في تونس، في تونس
السابق، على أساس أن نحنا نسموه الخمار، كان مش موجود في تونس.
باسم: كان نادر، كان نادر
الوجود أصلاً.
عبد اللطيف: كان نادر، وحاربه بو
رقيبة منذ الخمسينات، وكان يعملوا التغليطة عادية. ثم خذ بعد أيدولوجي سياسي. بعد
الثورة، ولا بعد الانتفاضة، أو بعد التحولات اللي عرفتها تونس 2011، أصبح مسألة
عادية تلبسه المؤمنة وغير المؤمنة لأسباب غير سياسية، غير أيدولوجية. يمكن أن تكون
لسبب مادي أو جمالي، بمعنى يعني يمكن أن يكون شعرها، يعني المفروض عليها باش تعمل
كذا كذا.
باسم: تغطيه..
عبد اللطيف: أو تعطي صورة يعني
معينة للمجتمع، للزواج أو كذا.
باسم: آه صح.
عبد اللطيف: كل هذه عوامل هي
التي قادت هذه الفتاة بالارتباط بهذه.. والعوامل التي تفضلت بها طبعًا، ولهنا فمن
العامل الأساسي هو وسائل التواصل الاجتماعي، يعني سواء الفيسبوك أو الإنترنت أو
كذا، اللي لعبت دور مهم جدًا في استقطاب الفتيات كما الذكور بطبيعة الحال. وكما
قلت، كانوا أدوارهم متعددة. في الأغلبية كانت أدوار ذات بعد اجتماعي أو لوجيستي.
مثلاً، ناجموا يهربوا.. يقوموا بعملية تهريب الأسلحة، لأنه أنت تعرف الحدود
العربية وكذا، المرأة من الصعب..
باسم: تفتيشها.
عبد اللطيف: تفتيشها، إلى غير
ذلك. يمكن أن تقوم بأعمال طبخ أو كذا، لكن فيما بعد تطورت إلى قضية خطيرة جدًا، ما
يُعرف بجهاد النكاح. هذه أن تقوم..
باسم: صح، صح.
عبد اللطيف: بوظيفة أخرى غير
الوظيفة.
باسم: تقدم خدمات جنسية
للمقاتلين، ما بين قوسين.
عبد اللطيف: خدمات جنسية
للمقاتلين، وهذه حقيقة، يعني موجودة. نحن في تونس، عديد من التونسيات قاموا
بشهاداتهن، يعني اللواتي رجعن وإلى غير ذلك.
باسم: بدي أرجع قبل ما
ننهي قصة علاقة الفتوى والمؤرخ. يعني هلّا الكل، الكثير بيحكي عن بن تيمية..
عبد اللطيف: وجماعته.
باسم: وجماعته، أنه هذول
كانوا مفتيين، أو كانوا يعني كانوا يفتوا، وأصبحت فتاويهم تاريخ، وأصبحت دين. أيضًا
من أفتي للتنظيمات التكفيرية، ومن أفتي للنساء أن تمارس، هو أيضًا مفتي. وفي
التاريخ ستصبح فتواه جزء من هاي الثقافة المتواردة، وهاي الفتوى ستعتبر إسلام،
وستعتبر جزء من الدين. كيف يتعامل المؤرخ مع هيك فتوى؟ يعني إحنا لاحظنا أمامنا
مثل واضح إنه بن تيمية، بغض النظر عن أن نتفق أو نختلف حوله، كان في حينه يقوم
بدور.. الظروف فرضت عليه هذا الإجراء، وتم اعتباره كجزء من التاريخ ومن الفقه
التراثي الإسلامي، والناس تأخذ به. وربما هو كان مختلف عما فهمنا عنه إحنا، أو كان
مقاصده مختلفة عما بدأ الناس يأخذوا فيه. هل هذه الفتاوي التي مورست حاليًا في
تونس أو في مناطق أخرى، أو الفتاوي التي تمارس الآن أيضًا، هل ستصبح جزء من تراثنا
الديني نأخذه ونحمله على أكتافنا، وهل نمارس حياتنا المستقبلية بناءً عليه؟ يعني
وين دور المؤرخ في توضيح للناس إنه هذه الفتوى هي فتوى في حينها صدرت عن شخص قد
يكون موتور؟
عبد اللطيف: هي وثيقة يمكن
للمؤرخ أن يتعامل معها، لكن في نفس الوقت يخضعها إلى أدوات النقد. وأدوات
المراجعة. نفس الشي، لماذا وكيف إلى غيره، ومن الذي قام بإصدار هذا الجانب
الأساسي. لكن الجانب المهم في هذه العملية هو عندما يقوم بنقدها نقدًا عميقًا،
استنادًا.
باسم: لنص.
عبد اللطيف: نص. يعني الآن بن
تيمية، أظن هناك ثلاث كتب بيّنت عدم مصداقية ما كتبه.
باسم: أه، إذا طبق عليه
معيارية النص القرآني، أكيد يكذبه القرآن.
عبد اللطيف: وهذا، هذا دور
المؤرخ. يعني أنا عندما آخذ فتوى لهذا الشيخ الحطاب، اللي أجاز للمرأة التونسية
بأن تقوم بالعمليات إلى غير ذلك، يجب أن نتعرف على هذا الشخص. معناته كيف أصبح
أولاً صاحب فتوى، ولماذا، والظرفية التاريخية التي وجد فيها، والجغرافية إلى غير
ذلك، التاريخية، معناتها التيار القوي. ومقارنة هذه الفتوى، ولماذا أفتاها في هذا
الوقت بالذات، ما هي علاقتها بالفتاوي الأخرى حول المرأة، إلى غير ذلك، مجموعة من
الأسئلة.
باسم: أو هل هي فتوى
مدفوعة الأجر، أو هي..
عبد اللطيف: الأجر بالضبط. معناتها
هذه كلها الأسئلة، هذه قيمة العمل التاريخي من خلال كل ما تناسلت أو ازدادت
الأسئلة، كلما..
باسم: تمكن الحصول على
الحقيقة أكثر.
عبد اللطيف: تمكن، ليس بطبيعة
الحال، الحقيقة المطلقة..
باسم: بالتأكيد، إنما جزء
منها.
عبد اللطيف: قريب من. وهذا دور
المؤرخ. يعني لا يأخذوا هذه الفتوى أو الفتاوي بإطلاقية، ولا يمكن إلا رجل الدين،
أو الذي هو، رجل الدين، الذي هو مصطف في هذا الاصطفاف، أو الإنسان العادي الذي لا
يملك ثقافة دينية أو ثقافة عامة.
باسم: والهدف من التأريخ
للفتوى أو مناقشة الفتوى تاريخيًا، حماية الإنسان العادي من هاي من الغلو.
عبد اللطيف: طبعًا.
باسم: في ممارسة
الإفتاء.
عبد اللطيف: من هنا تأتي أهمية
العمل التاريخي، وحتى الاجتماعي والنفسي إلى غير ذلك. لكن الأهمية المطلقة هذه
التي نقوم به نحن الآن، يبقي في جزء منه في المكتبات، في مكتبات الكليات، والقليل
منه..
باسم: يخرج للشارع.
عبد اللطيف: يخرج إلى الشارع. من
هنا يأتي دور الإعلام، وهو دور رئيسي، وهو الذي ساعد. طبعًا، لا أتهم كل الإعلام،
وهو الذي ساعد على نشر هذه السلفية بأنواعها العديدة، أو ما يعرف بالإسلام
السياسي. وتعرفه رموز معينة كانت تسرح وتمرح في العديد من الفضائيات. هنا دور
الإعلام أيضًا في بث رؤية مغايرة لهذه الرؤية، بمعنى الجانب الثقافي والجانب
الإعلامي اللي يكون فعلاً..
باسم: هو الواقع مش بس
رؤية، هو تقديم قراءة للنص حديثة تعتمد على آليات واضحة في قراءة النص.
عبد اللطيف: طبعًا..
باسم: تدحض كل ما
قيل.
عبد اللطيف: طبعًا، هي رؤية. أنت
عندما تقوم بما تفضلت به، ماذا ستستنتج؟ النتيجة هو تقدم رؤية معاكسة لما قيل
هناك. وهذا هو الدور، لأن الرجل البسيط أو المرأة البسيطة التي تؤمن بهذه الأفكار
إلى غير ذلك، أولاً مستواها الثقافي محدود. الثقافي أقول، لأن مش العلمي، كما قلت،
يمكن أن يكون طبيبًا، يمكن أن يكون كذا..
باسم: صح، ولكن يكون ثقافيًا
ضعيف.
عبد اللطيف: يكون ثقافيًا ضعيفًا.
هنا حتى يعتمد، لا يعتمد على الكتاب إلا الكتاب اللي يقدمون له. هنا دور الإعلام،
لأنه يمكن الإعلام هنا ليس الإعلام الفضائيات فقط الآن، يعني المواقع، ما تقومون
به أنتم الآن، شو اسمه؟ كل الوسائل يمكن توظيفها لتفنيد هذه الأفكار، وإبراز
الأفكار الرؤية الجديدة إن شئت.
باسم: دكتور، أنا شكرًا
كتير. الوقت يعني بيداهمنا دائمًا، بس أنا كان بودي نستمر أكثر، وإن شاء الله
نلتقي بحلقات أخرى وبفرصة تانية.
عبد اللطيف: يشرفني ويسعدني
دائمًا.
باسم: شكرًا كتير لك دكتور
عبد اللطيف حناشي. سعدنا بالحديث إليك. مشاهدينا، نلتقي معكم بحلقة جديدة من
برنامج مجتمع، وإلى اللقاء.
----------
* المقصود هو جهيمان العتيبي الذي قاد هجومًا مسلحًا في 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، مع أكثر من 200 مسلح، واستولوا على الحرم المكي، مدعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز.