• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

القراءات المعاصرة للقرآن | د. الحاج أوحمنة دواق

للإستماع


مقدمة

أوحمنة: نحن نطالب أنظمتنا أن تكون حرة. هل نحن على مستوى عقولنا وأمزجتنا وضمائرنا؟ هل نحن أحرار حقًا أم نحن استبداديون؟ مرجئو الإنفاذ والتطبيق. ماذا لو أصبحت مكانة الإسلاميين؟ عانوا في فضاءات كثيرة، لما تسلموا الحكم تحولوا إلى استبداديين وإلى طغاة. اليساريون الذين ظلوا لمدد طويلة، عندما تسلموا الحكم تحولوا إلى ملكية. يعني: أمور عديدة. لماذا؟ لأن إنساننا ليس مساعدًا على مستوى الوعي أن يكون حرًا فيتقبل الحريات ويمارس تلك الحريات. طبعًا الحرية، كما أقول، الحرية ضمانة نفسها حتى ولو حدثت خطايا تطبيق الحرية. الحرية ستضبط نفسها، أما الإكراه والإلغاء شرط مستوى معين من الحرية. الآن الفضاء العربي هل وصل إلى ذلك المدى الذي سيمارس فيه حرية حقًا؟ والله لا أدري. أقول لطلبتي عادة: هل نستحق الحرية؟ يقولون جميعًا نعم. أقول لهم: هل نحن في مستواها؟ يسكتون.

باسم: هل نحن قادرون على تحمل ضريبتها أو ممارستها؟

أوحمنة: للأسف لا.

باسم: ما الحرية ممارسة.

أوحمنة: نستحق الحرية. هل نحن في مستوى ممارستها؟ لا.

 

إعادة قراءة النصوص الدينية

باسم: أهلا بكم، أنا معكم باسم الجمل في حلقة جديدة من برنامج مجتمع. ألتقي خلالها الدكتور أوحمنة دواق.

أوحمنة: أهلا وسهلا.

باسم: أهلا فيك دكتور دواق. دواق في الأدب، في الشعر، في العلم، في المعرفة.

أوحمنة: حاج أوحمنة، أوحمنة دواق هذه تسمية أمازيغية غالبًا تشير إلى سمات وخصائص ثقافية.

باسم: وأكيد الأسماء ذات... إحنا بنحكي لكل من اسمه نصيب.

أوحمنة: أوحمنة هو اسم الوالد لأنه عادة الأمازيغ ينتسبوا إلى آبائهم وليس أن ينسبوا إلى أبنائهم، أبو فلان أو أبو فلان. نحن نقول أو فلان أوحمنة، وأوحمنة هو اسم محمد صلى الله عليه وسلم بالأمازيغية، واحدة من تسميات...

باسم: واحدة من تسميات الأمازيغ.

أوحمنة: نعم.

باسم: أهلا وسهلا دكتور. دكتور حاليًا أصبح من الشائع المناداة بموضوع إعادة قراءة النصوص الدينية أو إعادة قراءة فهم النصوص أو تبديل آليات فهم النصوص الدينية، وأصبح كما أنه تريند، هناك من يعبر عنه مثلاً بتجديد الخطاب الديني وهناك من يعبر عنه بتقديم قراءات عصرية وحديثة وكأنه يعني فيه مباراة في التسميات. لكن لحد الآن نرى طحناً وما بنشفش عجين، مثلاً مبنشوفش أي فائدة. ما المقصود وفق فهمك أنت الفلسفي أو حتى المعرفي أنه نقدم قراءة عصرية جديدة مثلاً للنص القرآني؟

أوحمنة: هناك فارق نوعي من حيث المبدأ بين ما تفعله لأنك تريده وبين ما يفعل لأنه يُطلب. فهناك حاجات تاريخية طبيعية تساير البدايات الحضارية أو المستوى التاريخي الذي تبلغه المجتمعات، وبين ما يفرض عليها من هنا أو من هناك نتيجة ضغط أو نتيجة إكراه أو نتيجة رد فعل. عندما أقول نتيجة ضغط أو نتيجة ترددات أو نتيجة إكراه أنك ترى فواتن، فواتن هائلة بين ما أنجزه الآخرون وبين ما ينتظرك التاريخ لإنجازه. فحاجة الانعتاق استكمال لانعتاقات كما أسميها، نتيجة الخروج من الاستعمارات ومن الحركة الإمبريالية التي فرطت سطوتها على العالم الإسلامي وعلى العالم العربي، العالم الإسلامي المتحدث بالعربية أو غير المتحدث بالعربية، أو رفع حاجات من بين هذه الحاجات العلاقة مع النص المؤسس. أتفق وإياك بأن القرآن الكريم هو النص الذي أسس لهذه الأمة باعتبار الحضارة الإسلامية أو باعتبار الأمة الإسلامية، فخدمة هذا النص والوفود إليه والورود إليه والانطلاق منه مارسته الأمة بين الفينة والفينة. الآن هذه الممارسة هل تنم عن عمق حقيقي يستدعي المقولات المعرفية ومفهومية القرآن الكريم في التجاوب مع الحياة أم أنه نوع من التجاوب -إذا شئت- الميكانيكي الذي يدعي بأن القرآن هو أول مصدر في التشريع أو في إنتاجية الرؤية لكن عمليًا يزحزح وينحي إلى المرتبة الثالثة أو المرتبة الرابعة أو المرتبة الخامسة فتغبش عليه المصادر الأخرى، سواء كانت هذه المصادر سنة أو إجماع أو قياس وما إلى ذلك من المصادر.


علاقة الإنسان المسلم بالتاريخ

هناك حركة جيدة وحركة يعني من حيث المبدأ حركة مقبولة لشعورها بالمأزق المعرفي الذي يقتضي إعادة الصلة والاتصال بالنص لكن الأدوات التي توصله إلى هذه العلاقة الجديدة أو العلاقة المتجددة أهي من الكفاءة ومن القدرة بحيث فعلاً تنتج قراءة كما أنت أعدتها أنت قراءة عصرية، خلينا نقول قراءة معاصرة أي تعاصر التطورات هي قراءة معاصرة تعاصر التطورات أو تواكب مجمل التطورات التي ستمد الإنسان المسلم بسقف انتظاراته وبسقف حاجاته التاريخية الآنية؟

وهذا يدفعنا إلى ماذا؟ يدفعنا إلى طبيعة علاقة الإنسان المسلم بالتاريخ ذاته. المسلم الإنسان المسلم أهو كائن تاريخي أم ليس كائن تاريخي؟ إذا لم يكن كائنًا تاريخيًا أو هو خارج احتدام التاريخ، وهنا أتحدث عن التاريخ وليس عن الزمن وعن التأريخ وتطورات الأيام وتبدلات الأيام، أعني حضور المسلم كفعالية رمزية كفعالية مفهومية كفعالية حضارية تمد الإنسانية بإضافات ما. هذه الإضافات يحدد نوعيتها وقيمتها المقدار أو المدى الذي نمد به البشرية منتدى الحضارات البشرية، نمدها بالمعرفية القرآنية للأسف هذا لا يحدث.

تلك المنجزات التي تمت هنا وهناك لمشاريع كثيرة يمكن أن نفد إليها قراءة وتقييماً، هل نجحت في تأدية المطلوب منها؟ أولاً هي لم تستكمل كبراجمات متكاملة، واحد. ثانياً لم تتحول إلى مدارس، وهذه إشكالية عميقة أستاذ باسم، لماذا المفكر العربي أو المفكر المسلم حتى لماذا لا يتحول إلى مدرسة؟ أو لماذا لا ينتج أجيالاً من المثقفين والمتعلمين والمفكرين الذين يتلقون فكرته أو مبدأيته ويعملون على تشقيقها أو على تجزئتها أو على الذهاب بها إلى مدارية التحليل القصوى؟ للأسف إذا انتهى المفكر انتهت فكرته ونستأنفها وكأننا نبدأ من الصفر وكأننا كائنات وجدت الآن، وهذا خطير من ناحية من حيث التراكم.



أسباب عدم تحول المفكرين إلى مدارس

باسم: دعني أسأل نفس السؤال، فعلاً ليش لم يتحول أي مفكر إلى مدرسة.. العرب؟ يعني خد مثلاً محمد شحرور الله يرحمه اختط خطًا جديدًا في قراءة النص القرآني، وقدم.. أنا في رأيي بعتبر هذا الشيء يعني مخالف ما كان مألوفاً لدينا في قراءة النص، يعني ممكن أنك تقول إنه فعلاً تحول إلى لما يشبه المدرسة، لكن لم يتحول إلى مدرسة كاملة متكاملة ينكب الناس على قراءتها سواء نقدُا أو موافقة، شو الأسباب؟

أوحمنة: والله، دائماً أحاول التمعن في هذه القضية. لماذا لا تتحول هذه الشخصيات الكبيرة إلى عمل كبير؟ ألخصائص أنثروبولوجية تلازم هذا الإنسان العربي الذي سرعان ما ينسى، سرعان ما ينقطع، سرعان ما يتجاوز، أو ينتقل أو يعجب بالموضة بشكل أو بطريقة عجلى، ثم فجأة يقفز إلى شخصية أخرى أو إلى انتظام آخر؟ لماذا تحول المفكرون في الغرب إلى شبكات علاقات معرفية استجدت في شكل شخصيات معرفية أخرى، وفي شكل أجيال مترامية؟

باسم: صح.

أوحمنة: أَلأن المؤسسات الرسمية والأمراء والإقطاعيون والملوك هناك في أوروبا أتاحوا الأرضيات الاجتماعية لتحول هذه النظريات أو هؤلاء المفكرين أو هذه الشخصيات المفهومية، أن تتحول إلى عمل آني، إلى عمل مباشر يطبق الفكرة أو يمارسها عمليًا؟ مادمت قد ذكرت مثال الأستاذ محمد شحرور رحمه الله، الرجل الذي أقل في المباني وأكثر في التطبيقات. يعني هو مستعد أن نذهب إلى أبعد مدى في تقييم أطروحته، قوة أطروحته في التطبيقات ومبلغ انتشار فكرته، البعض طبعًا يرفضه جملة وتفصيلاً وهو لا يقرأ له ولم يتعرف إليه، والبعض الآخر تقبله لأنه نوع من الموضة الجديدة المثيرة. وهذا من الأشياء التي تشيع فكرة ما الإثارة ونوع من النظرة الجديدة غير المألوفة، ثم الصدم، الصدم بالإجابات، الرجل تمكن من أن يكون شبكة مفهومية ترصد المقولات والمفاهيم والمصطلحات القرآنية على مستوى من الدقة عجيب. يعني هذه التطبيقات التي سمحت له في النهاية أن يعيد -إذا شئت- التقديم نوع من القراءة التأويلية التي يمكن أن نسميها تجاوزًا بالتفسير، والذي أفضل أن أسميها بالقراءة التحليلية التجميعية التي تعيد بناء المفهومية القرآنية بناءً متماسكًا وليس بناءً مدعدعًا. هذه التطبيقات التي أمدت محمد شحرور بنوع من الإجابة الكلية. للأسف، عندما أقول للأسف، عندما جاءت إلى تطبيقاتها الثقافية وتطبيقاتها الاجتماعية والتربوية شيئًا ما السياسية، صُدم المتلقي وصدم الملقي، بمعنى قوته في الأفق الأعلى. في قوة التأويل، لم تصحبها قوة في الطرح السياسي، مثلاً نظرياته السياسية في المجتمع والأمم.

باسم: أنت ذكرت أنه ربما الإنسان أو العقل العربي بشكل عام نسّاء؟ كثير من النسي..

أوحمنة: تدريجي كما يقول الجابري. 


الخوف من الجديد والتشبث بالماضي

باسم: ألا تعتقد أنه هناك أيضاً فيه عوامل خارجية مثلاً؟ أنه مثلا غياب بعض الحريات أو سطوة تيار الفقه القديم مثلاً، سطوة المؤسسة الدينية مثلا، أو ما يمكن تسميته بالتدين المدرسي؟ أنه فيه سطوة للمألوف يعيق أو يمنع أو يخيف العقل من تلقي الجديد.

أوحمنة: أحسنت، الخوف من الجديد يجعل الجماعة التاريخية تتشبث بما تملكه. لو خيرت هذه الجماعة التاريخية بين أمان مزيف ورثته في إطار إجابات متقادمة، أو إجابات قديمة، حتى إجاباته لو كان فيها القوة ما فيها إلا أنها ستعد وتعتبر من الإجابات التي تنتمي إلى سقف حضاري ومعرفي آخر. هذا الجديد الذي سيصدم هذه الجماعة التاريخية سيدفعها إلى ما تفضلت به، خاصة وأن هناك مراكز ترقب نشأة الأفكار وتطورها ومآلاتها وإفضاءاتها. حينما أقول هناك مراكز سواء كانت هذه المراكز تتعلق بالحركة الإمبريالية العالمية التي لا أنساها ولا ينبغي أن ننساها. الحركة الإمبريالية العالمية التي لا تزال تعمل ولا تزال تتشبث بنوع من الشراسة لألا ينتقل المركز التاريخي مركز ثقل الحضارة منها إلى مكان آخر. إضافةً لما تفضلت به، هذا العقل الشريعاني الفقهي الذي يتأبى على التسجيل ويتأبى على التطور، لأنه احتل مركزًا تاريخيًا استخدم فيه رأس مال رمزي. هذا الرأسمال الرمزي لكي يبنيه احتاج إلى 14 قرناً. أتأتي هذه الإجابات المتجددة هذه الإجابات المعاصرة هكذا ويتنازل لها فجأة ويتنحى جانباً ليترك مكانه لمكانها وليترك فضاءه لها؟ يبدو لي هذا..

باسم: ما السبيل إلى إحداث حالة من المجادلة أو التجادل بين هذا التيار -إن شئنا أو جاز لنا نسميه تيار- ومابين أهل المدرسة التراثية مثلاً؟ تعال نتحدث لماذا يقف هؤلاء سدًا منيعا أمام إمكانية تقديم قراءات متطورة للنص؟ لأنه النص متطور. الكل يقول ثبات النص مع تطور المعنى. خلينا نشتغل بتطور المعنى، تعا نتفاهم كيف نطور المعنى؟ ألا يمكن مثلاً إحداث حالة جدل مع هؤلاء الناس؟

أوحمنة: يعني تقصد عملية التأثير التي ستحدث بين الفئتين؛ واحدة تستند إلى ركام عمره 14 قرنًا. وإذا بحثنا عن الخلفيات اليهودية والخلفية الإسرائيلية لهذه المدونة، فإننا سنجد أنها تعود إلى قرون طويلة. وبين فئة اتفقت وإياك أنها لم تتشكل بعد لم تتحول إلى حالة ولم تتحول إلى مدرسة ولم تتحول إلى تيار. هذه الإجابات التي لا تزال تقدم على استحياء خوفًا من هجمة وهمجية الفئة المقابلة، في تقديري الفئة الجديدة هذه التي تحاول أن تقدم قراءة متجددة، إذا لم تتحول هذه الفئة إلى مضمار عام يتحدث ويكتسب مناظر إنتاج الخطاب لتبليغ هذه المفاهيم وهذه المقولات وهذه النظريات وهذه القراءة الجديدة التي هي من الممكنات التي يطيقها القرآن الكريم، أو يطيقها النص أو تطيقها الثقافة الإسلامية. إذا لم يتحول هذا التيار إلى نوع من التكتل، إلى نوع من المضمار العام الذي يثبت حضوره ويضطر، والحمد لله فيما أرى الآن أن الطرف الآخر مضطر لأن يستجيب لهذا الطرف وأن يدخل في حالة من الحوار، وأيضًا حالة من السجال التي مورست في ثقافتنا الإسلامية التقليدية التراثية، هي ثقافة مجالس المناظرة والحديث إلى بعضهم البعض، والناس سيحكمون في النهاية القول الأبلغ أو القول الأوفى الذي سيعبر عن مزاجية القرآن، أو عن روحية القرآن، أو عن روحية النص الإلهي الذي جاء لينتج الحياة، لينتج الحياة، ويؤطر هذه الحياة بما يتوافق ومتطلبات هذه الحياة، لا أن يُهدر تحت عنوان تاريخانية تاريخيًا أو تحت عنوان علمانوية أو تحت عنوان علمانية، وتنحية هذا النص عن تأطير الحياة وتأطير التاريخ وتأطير الوعي بدعوى أنه متجاوز، باعتبار الثقافة ينبغي أن تتجاوز، إذن النص المؤسس لها ينبغي أن يتجاوز. هذا سيسلمنا إلى نوعٍ من الحالة الخطرة جدًا، بحيث يُسلب النص المؤسس لهذه الأمة، ويدفعنا إلى تبني أطروحات أخرى وإلى تبني نصوص مقدسة دنيوية، نصوص مقدسة

باسم: بعيدة عن النص نفسه.

أوحمنة: بعيدة عن النص نفسه، سواء عندنا أو عند الآخر باسم الحداثة ونصوص الحداثة المؤسسة، الحداثة كمكسب إنساني ينبغي أن نلتفت إلى أدواتها باعتبار الحاجة إلى استخدامها واستحضارها في التعامل مع النص المؤسس. وإن أيضًا بعض الأدوات التراثية. هناك يا دكتور باسم هناك حسم قامت به المؤسسة الرسمية المتمثلة في الخلافة والسلطنة والممالك ومما تلى هذه المؤسسات، حسمت لصالح إجابة على حساب إجابات أخرى. هناك إجابات فوارة ثرية غنية جدًا في تراثنا للأسف استُبعدت، نحن معنيون بمعاودة ابتعاث هذه الإجابات، لا من باب تبنيها الميكانيكي ولكن من باب تمثل مديات سعيها.


القراءة العرفانية

أوحمنة: فمثلاً واحدة من القراءات التي يمكن أن أتحدث عنها هي القراءة العرفانية بدءًا بشهاب الدين السهروردي التي لا تزال الكتب تسميه لحد الآن شهاب الدين سهروردي المقتول، هكذا، يعني إمعانًا في الأذية الرمزية والاستبعاد من لحاظ التبني الوجداني والتبني العقلي في أقسام الفلسفة وفي غير أقسام الفلسفة. هذه القراءة النوعية الثرية التي قدمت قراءة متجددة للقرآن الكريم وعنوانها الأبرز والأبلغ والأثرى ما قام به محيي الدين بن عربي سواءً في الفتوحات أو في النصوص، عندما تحدث عن القرآن كمعادل وجودي. هذه الانتقالة النوعية التي قام بها هذا الرجل، عندما تحدث عن القرآن الكريم كنوعٍ من الانتظام الوجودي الذي ينبغي على عقلٍ ما، كما أسميه أنا على وعيٍ ما، لا أقول مكافئ مطلقًا ولكن أقله في طوله يكاد ينهز هذه المعادلة أن يعمل على تفتيقه، يعني بكل جرأة إننا لم نقرأ القرآن بعد، كل ما قدم من هذه القراءات هي ماذا؟ هي ظلال معنى وأحيانًا ظلال معنى مُناكفة، ظلال معنى معادية للأسف الشديد. يعني يمكن أن نمثل لذلك بشيء بسيط. خذ من التفسيرات أو التفاسير ما تشاء، عندما يختلف مفسر ومفسر، من الحكم الذي يحكم بينهما؟ امرؤ القيس! يعني الخلفية المعرفية التي قبل القرآن الكريم وأكثرهم استيعابًا للشعر وأحفظهم للمدونة الشعرية العربية هو الذي سيحسم تفسيره، ويظهر للحظة أن الذي قال الشعر إنسان مُزَمّن ينتمي إلى ظرفية وإلى شرطية تاريخية نسبية جدًا وأحيانًا فقيرة جدًا للأسف الشديد، يُتخذ حكمًا على الله سبحانه وتعالى ماذا يقول.

باسم: على ذكر الحاكم أو من يحكم ما بين.. طب من المؤهل لتقديم هذه الصورة، الروائي أو الحديثي، القراءة الحديثة للنص؟ هل هناك مجموعة محددة من الناس؟ هل هناك صفات مخصصة؟ أم هل هناك آليات محددة يجب اتباعها تكون تقريبًا باتفاق الجميع؟ أو الجميع تقريبًا عندهم اطلاع عليها، ليقرأ النص، حتى نخرج من دائرة الشخصنة، أن يكون لدينا آلية أو نظرية ما ذات قواعد وأسس واضحة يستطيع الجميع باستخدامها قراءة النص، وبالتالي يخرج النص تحت سيطرة مجموعة ما تجلس في مكان ما محدد وهي تحكم أن النص.. الذي أقول إن هذا النص والذي لا أقوله لا عاقة له بالنص؟


السلفيات الجديدة

أوحمنة: جميل، أحسنت، دكتور باسم. بعض أهل القراءات المعاصرة تحولوا إلى سلفية جديدة. خرجنا من مأزق ودخلنا بمأزق آخر، بمعنى المطالبة بأن نتفق تمامًا وأن نتفق مطلقًا وأن نتماهي فيما نفهم. هذا سيمهد لأحادية، سيمهد لاختزالية، سيمهد لإلغائية، سيمهد لحدِّيّة..

باسم: صح.

أوحمنة: سيمهد لتسطيحية ستقتل المعنى الثري، باعتبار نحن أصحاب القراءة المعاصرة المعاصرة وغيرنا لم يفهم القرآن أو لم يقترب القرآن، براديجم المعرفي الذي أنطلق منه، هو خلفية التنقيب والتعقيد والمنهج الجمعي الذي يقول بأن الأدوات ينبغي أن تكون أدوات مستجمعة. إذا لم تُستجمع هذه الأدوات إن من الأساليب التقريبية الكلاسيكية. يا أيها المشاهدون الكرام، أيها المسلمون، إن الأدوات الكلاسيكية لم تُستوعب بعد، لأن العقل الشريعاني الفقهاني استبعد تلك الأدوات التراثية..

باسم: حجبها.

أوحمنة: وأعدمها رمزيًا. هذا الإعدام حرم الأمة من خلفية منهجية ثرية جدًا ومن رؤية مستوعبة عريضة وواسعة جدًا. نحن معنيون أن نعيد تركيب العلاقة الذكية الواضحة المدروسة المحسوبة مع هذه الطرق المستبعدة، إن في الفلسفة، إن في التصوف، إن في العرفان، إن حتى في الأطروحات الأصولية المستبعدة أو المقصاة. وأن نخرج من مزاج أن الفقه.. يتصنف الناس وعيًا وممارسة بحسبه إلى المدايات الأخرى. هذا أولاً. ثانيًا، عندما ننفتح على الدرس الحداثي وهنا أقولها بكل وضوح: نحن لسنا مخيرين أن ننفتح على الدرس الحداثي أو لا ننفتح. إن أوروبا المسيحية واليهودية أو أوروبا العلمانية تعلمت من أخطائها ومن أساليب الماضي.

باسم: صحيح.. صح.

أوحمنة: يعني لم يستطع سبينوزا أن يقترح -كمثال أعطيه- لم يستطع سبينوزا أن يقترح بدائل جديدة في إطار فهم نظرية الطبيعة أو نظرية الإله في علاقته مع الطبيعة إلا بعد أن قرأ التوراة قراءة جديدة. للأسف الشديد، تراث أو قراءة استعملت في إطار الإهدار، استعملت في إطار الإهدار. مع أن سبينوزا -أتحدي بذلك- مع أن سبينوزا لم يرمي تمامًا إلى هذا الإهدار. هذه القراءة التي مكنت فيما بعد اللاهوت الأوروبي، فلسفة الدين الأوروبي، علم الكلام الجديد الأوروبي، مكنته من أن يكون لديه قراءات تنافس العلمانية، بل تبز العلمانية، بل تبز الإلحاد، بل تضطر الإلحاد أحيانًا إلى ديباجات الاعتذار. هذا لم يتم عندنا. لماذا لم يتم عندنا؟ لأننا نصر على ما يلي: إذا كنت متدينًا ينبغي أن لا أكون حداثيًا من حيث أدوات الفهم وطرق التصور. وإذا كنت حداثيًا لا ينبغي أن أكون متدينًا. أنا لست مخيرًا أن أدفع ضريبة الخطيئتين. نحن معنيون بالتأسيس وقد بدأت هذه الأمور من هنا أو من هناك. نحن معنيون بالتأسيس لذلك المنوال المنهجي الذي يتكئ على معرفية رصينة رزينة هي القرآن الكريم في إطار استخدامه الإلهي، وليس في إطار استخدامه كما قدمته لنا المدونات التفسيرية أو التأويلية أو كما قدمه العقل الشريعاني.


ضربوا القرآن بالقرآن

أوحمنة: آيات الأحكام التي لم يتجاوز عددها الميئين تحولت للأسف الشديد إلى منظورية مركزية عميقة جدًا غطت على وجودية القرآن، على رمزية القرآن، على قيمية القرآن وعلى معرفية القرآن حتى على المنوالات التدبيرية التي يقدمها القرآن. للأسف الشديد، هذه المنوالات التجزيئية التي أهدرت من حيث أرادت أن.. حتى وصل واصلهم إلى القول بأن السنة تنسخ القرآن، بأن السنة حكم على القرآن، وين؟ ولكنه لم يقل أن الإجماع ناسخ للسنة. لم يقل أن الإجماع ناسخ للسنة. ثم متى يحدث الإجماع؟ يحدث الإجماع إذا جمعهم فلان على منوال معين فإنهم يخرّجون كل الدين على ذلك المنوال. فإذا احتاجوا إلى مزاج الدم أخرجوا آيات السيف، وإذا احتاجوا إلى مزاج التسالم تحت إكراه الضغط وما يمليه السيد أخرجوا آيات السلام. ضربوا القرآن بالقرآن، هؤلاء العيضديون، هذه القراءة العيضاينية التجزيئية التي ضربت القرآن بالقرآن.

باسم: طب للخروج من مأزق، أنا بسميه مأزق قراءة النص، سواء عند الأكاديميين أنفسهم أو عند العقل السلفي أو عند العقل الروائي أو التراثي أو يعني كل هذه المدارس أو المذاهب التي حاولت أن تقرأ النص بطريقة ما أو أخرى ولم تصل إلى نتيجة مكنت المتلقي أن يقتنع أو أن يشعر بالإشباع أنه هذا ما يعني ما يمكن استخلاصه من هاي النص. الآن هل لدينا آلية خاصة؟ مثلاً أنا أعتبر إنه كون القرآن نزل بلسان عربي مبين أعتبر إنه هذا ربما يشكل بداية الآلية، اللسان العربي المبين، الذي يقرأ فيه القرآن وتم مفاضلة هذا اللسان العربي المبين بالعجمية، يعني إما أعجمياً وإما عربياً. هل يمكن اشتقاق آلية نسميها آلية اللسان العربي المبين مثلاً؟ وقواعدها واضحة وميكانيزمها واضحة وآفاقها واضحة اللي تمكن كل فرد باستخدامها أو بفهمها يستطيع أن يفهم ما يقوله النص؟

أوحمنة: دكتور باسم، أنت تتحدث عن المنهج، لكن المنهج ما الذي يؤطره؟ تؤطره المنهجية، والمنهجية ما الذي يؤطرها ويتحكم فيها؟ هي المنهاجية، وهذا ليس تلاعبًا بالكلمات أو يعني تدويخًا للمتلقي. مما نريد أن نقوله. هناك رؤية وجودية هي التي ستصنع التخريجات المعرفية. المنهج واحد من الآليات التي سيستعملها هذا العقل الجديد، هذا العقل المعاصر الذي تدعو إليه أنت، وتدعو إليه هذه المدرسة أو هذه المضمارات. هذه الرؤية الوجودية التي ستتحدث عن أن الله سبحانه عز وجل حاضر في كل شيء ويستخدم كل شيء، فاللغة واحدة من هذه المستخدمات. عندما أقول اللغة واحدة من هذه المستخدمات ليست بمنطق الحالة الجزئية المعزولة ولكن اللغة وجود. عندما أقول إن اللغة وجود هذا لا يخص العربية فقط كما قلنا قبل التسجيل، لا يخص العربية فقط، في تقديري كل اللغات خاصة تلك اللغات العتيقة اللغات الضاربة في عمق التاريخ هي لغات وجودية. عندما أقول هي لغات وجودية التعابير التي تستخدمها هل هي تدل على الحقائق أم تنتج الحقائق؟ المفسرون يقولون بأن اللغة تنتج الحقائق، لهذا قالوا بالحقيقة والمجاز، لهذا قالوا بالترادف، لهذا قالوا بالتضاد، لهذا قالوا بالاستعارة، لهذا قالوا بالكناية. أنا لا أعدم هذه الأدوات لكن اللغة لتدل على الحقائق. عندما أقول لتدل على الحقائق هل معنى هذا أن الحقيقة تسبق اللغة؟ تسبق اللغة؟ الحقيقة لا تسبق اللغة وإنما جاءت اللغة لتفور بها، لتدل عليها، لتخرجها من عالم البطون كما يقول العرفاء من عالم البطون إلى عالم الظهور، لكن ليست آلية جزئية نستدعيها في لحظة ثم نتخلى عنها بعد ذلك، أبداً، اللغة هي مصاحبة وجودية، اللغة تتحدث عن الوجود تعبر عن الوجود هي تنقل حقائق الوجود. عندما أقول اللغة تحقق أو تنقل حقائق الوجود، اللغة القرآنية أهي مستخدم إلهي أم عبارات بشرية؟ إذا لم نحسم في هذه الجزئية التي أراها مبدئية فتنتظم نوع من الكلية المعرفية التي ستشرف على كل عمل، العمل الذي سنقوم به.


الجدل حول المصطلحات

باسم: وهنا يمكن إحداث يعني حالة من الجدل حول فكرة، إنه هل الأدق استخدام لفظة اللسان أم لفظة لغة، كون اللغة في القرآن من اللغو واللسان اللي هو تقريباً الذي نزل به القرآن اللي هو التعبير الواضح والجلي عن المفهوم المتضمن باللفظ؟

أوحمنة: أتفق معك.

باسم: باعتبار أن اللفظ القرآني هو لفظ مفهومي مجرد يأخذ معناه في سياق، هذا اللسان اللي قواعده واضحة يمكن استخدامه بفهم جذور اللفظ باعتبار أن اللفظ القرآني لفظ أنا في رأيي لفظ ثنائي الجذر، دخول الأصوات الثالث والرابع إلى آخره لزيادة في المعنى.

أوحمنة: لغى كلهجة، هي حالة ظهور اللسان من عالم الإمكان إلى عالم الاستخدام. اللغة وإن كان تحدثت عن -كما درج المتحدث عنها الحديث على أنني ساويت بين اللغة واللسان لكن لا، أنا أتفق معك أن اللسان له حالة وجودية، وجودية اللسان ستترجم في إطار اللغو الذي نعته أنت أو في إطار اللهج..

باسم: نعم صح.. اللغة حتى بديات اللسان.

أوحمنة: أحسنت، يعنى من مستخدمات اللسان، الآن اللسان أهو حالة عرضية اعتباطية أم حالة قصدية؟ قصديته هل تنبع من وجوديته أم تنبع من عرضيته التاريخية والحاجة التاريخية؟ اللغة القرآنية هي كائنات وجودية، وهنا عندما أقول كائنات وجودية على أنها خلق مثل الخلق، عندما أقول خلق مثل الخلق "وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ".

باسم: بس أنت مش معتزلة ها؟ (يضحك)

أوحمنة: (يضحك) المعنى يتقاطع مع ما قاله المعتزلة لكن المعتزلة لم يكونوا مستعدين لدفع ضرا.. لأنه المعتزلة في النهاية أغلبهم شوافع، ولأنهم شوافع معناها سيخضعون لضريبة انتساب، مع أنه الغريب أنه أول المعتزلة اللي هو أبـ.. واصل بن عطاء المتوفي سنة 131 هجرية، والإمام الشافعي متوفي 150 هجرية، لكن سطوة الفقيه دائماً ستمارس تأثيرها على.. أعني أن المعتزلة في قولهم بأن اللغة القرآنية خلق، ليتفادوا الإحالات المذهبية والعقائدية في السجال مع المسيحيين، يعني مع يوحنا الدمشقي وغير يوحنا الدمشقي. لا، أنا أنطلق من منطلق معرفي يقول: المعرفة مظهر وجودي، المعرفة مستوي وجودي، وجود.. أو معرفتنا بالشيء وجوده.

باسم: وقوله الحق.

أوحمنة: وقوله الحق، ولأن قوله الحق هل أنا سأقول الحق وهذه هي المصادرة التي لعب بها علينا المتشرعون، لأن الله يقول الحق وأنا الموقع عنه إذن أنا أقول الحق. لا، أنت تقول بعض الحق في صورة حقيقة. هذه الحقيقة نسبية ليست نسباوية، وبالتالي فالأرضية المعرفية القرآنية تماسكها في كونها تحفظ اللسان الوجودي، أي الحركات. يعني سأذهب بعيداً، الحركات الأنطولوجية الأولى اللي هي الحركات الفيزيائية التي تململت لتنم عن العمق الغيبي الوجودي.

 

أدوات فهم النص القرآني

باسم: إذن لا بأس من استخدام هاي الآلية مثلاً، لا بأس من تعميم هاي الآلية.

أوحمنة: بإطارها النظري دكتور باسم.

باسم: بإطارها النظري نعم، بإطارها النظري ومن ثم تُستخدم، يعني أنا افترض أنه أنا أجنبي أردت تعلم القرآن وأنا ما عندي معرفة لا بقال فلان ولا قال علان، إذن أنا أريد أداة أو آلية لأتمكن من قراءة النص بمعزل، أو قد لا تتوفر لي مثلاً مصادر التراث لأقرأ فيها، بس أنا أريد أن أقرأ هذا النص اللي موجود أمامي وأعتبره وكأنه نزل الآن إليّ، ألا يمكن اعتبار آلية اللسان آلية مناسبة لقراءته مثلاً؟

أوحمنة: آلية اللسان واحدة من الأدوات، فهم القرآن به ومنه، فهم القرآن منه وبه، بشرط الإطار الفلسفي الذي انطلقت منه وهو أن القرآن مرتبة وجودية، عندما أقول مرتبة وجودية كما أن الكيميائي يفكك المواد شيء ما يدرسه ليحوله إلى عناصره الجزئية ثم يحوله إلى نوع من القانون أو نوع من المعادلة الكلية التي تفهمها جميع العقول. كذلك نحن بحاجة في التعاطي مع القرآن الكريم، شرط أن الوعي ينبغي أن يتماهى مع هذا الوحي. عندما أقول يتماهي مع هذا الوحي يعني يذهب إلى تفاصيل تفاصيله لا أن يبقى عند هذه التفاصيل وإنما أن يبحث عن الإطار الكلي الحاضن. مثلاً، أعطيك مثال، عندما نقول في إطار اللغة القرآنية، عندما نقول الرجل، أو نقول الرجال، مثلاً "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"، معناها يعني نصف الإنسانية غير واردة في التفسير.

باسم: استثنيت الأنثى؟

أوحمنة: الأنثى مستثناة، والأطفال مستثنون، هل المعنى أن الرجولة هنا تستخدم في السياق الذي هو في مقابل المرأة أم هو في سياق قيمي؟ وهنا دكتور باسم لما نتحدث على أن القرآن في إطار لسانه يتكئ على خلفية وجودية يصل بين هذه الخلفية الوجودية وبين هذا الأساس اللساني ما نسميه بالقيم. القيم باعتبار أننا مؤمنون وسواء، كنا مؤمنين أم لم نكن مؤمنين، في النهاية الحق يضبط الحقيقة، هذا الحق الذي يشبه شيئًا ما أو يعبر عن شيء ما والذي سنسميه نحن في إطار أرضيتنا الإلهية بالأسماء الإلهية. هذه الأسماء الإلهية مثلاً: "وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ" و"اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ"، هذا الحق الذي هو الحق ويعبر في صيغة الحق في شكل من التراتب والانتظام والدقة اللامتناهية صغرًا وكبرًا كما يقول روني جينو وغير رينو جينو. هذا سيجعل ماذا؟ سيجعل هذه الأرضية الأنطولوجية التي ستعبر في قيم سيتكئ عليها لسان، إما أنه سيعبر عن معرفة أو سينتج معرفة.

باسم: معرفة.

أوحمنة: وفي الاتجاهين حتى لا نكون حديين، أنا أميل إلى أن المعرفة حالة فاوية، يعني بطرح آخر أستاذ باسم، هل نحن ننتج أم نكشف؟ هل نحن ننتج أم نكشف؟ هل نكشف ما استثمر أم ننتج ما لم يسبق؟ أنا أتحدث هنا في العلاقة مع القرآن الكريم وعلاقة القرآن الكريم، أو علاقة القرآن الكريم مع مطلق الوجود.

 

الفيزياء والقرآن

أوحمنة: عندما نتحدث عن الفيزياء، الفيزياء بتطبيقاتها ومداياتها المختلفة، من لدن بطلميوس أو قبلهم فيثاغورث وتطبيقات الرياضيات عنده، أو أرسطو أو الحسن بن الهيثم أو جابر بن حيان أو أبناء موسى الشاطر، وما إلى ذلك من تلك المحاولات، وصولاً إلى جاليليو وصولاً إلى نيوتن وصولاً إلى آينشتاين وصولاً إلى ماكس بلاك، وهذه المدايات إلى ستيفن هوكينغ وهذه المدايا، ما الفيزياء في النهاية؟ الفيزياء هي كشف عن عمل طبيعة، القرآن لسانه، عمل طبيعي عمله أنطولوجي وهذا الذي أقر به تلك العبقرية للأسف، العبقرية التي لا يلتفت إليها عالم سبيط النيلي في مشروع النظرية القصدية في اللغة أو نظرية المجموعات أو المنهج اللفظي. يا ناس إن الله أوجد موجودات هذه الموجودات تراءت لكم في صورة ما، تلك الصورة عودوا بها إلى أصولها الأولى إلى جذورها الأولى لتتفهموا حقائقها المستندة إلى الحق الإلهي. فالكلمة القرآنية ليست هكذا. يا رجل حتى يصل أحدهم ليقول في تفاسيره المختلفة -كما أومأت إليك قبلاً- حتى إن قائلهم وهو يفسر يعيد ترتيب السورة يعيد ترتيب الآية، ويقول الأصل في الآية أن يقال كذا، ويقترح على الله ثم يعيد..

باسم: أن يغير الكلام مثلاً..

أوحمنة: يعني أعوذ بالله يعيد ترتيب الآيات والتأويل ويبلغ به المدى حتى يصل إلى القول بأنه هذا حرف زائد لا معنى له من الإعراب، أو جملة لا محل لها من...

 

الفرق بين شحرور وابن كثير

باسم: هل تعتقد أن حجب النص عن التفاعل الواقعي له علاقة بالكيفية التي قُرأ فيها النص؟

أوحمنة: ذلك الركام التراثي الموروث، يا رجل إنه يمثل عبئًا ذهنيًا ونفسيًا كبيرًا جدًا، الأمة لا تقوى أن تقبل محمد شحرور في مقابل ابن كثير كلاهما رحمهما الله وتقبل جهدهما واجتهادهما، حتى لا تستغل هذه الفرصة في المقابلة والمقايسة، كلاهما رحمه الله، ولكن أيهما يتحدث إلى جيلي ويتحدث إلى زماني ويتحدث إلى عصري؟ أينعم في ابن كثير رحمه الله بعض العناصر التي يمكن أن تفلت من سطوة الزمن وتصير أبديّة باعتبار ماذا؟ باعتبار انتباهه إلى الإشراقات الإلهيّة القرآنية، لكن يستحيل أن يفهم ما فهمه محمد شحرور، ليس لأن محمد شحرور أذكى، لأن محمد شحرور يريد أن يفهم القرآن في بيئته التي يوجد فيها..

باسم: بالمستوى المعرفي المتوفر.

أوحمنة: بالسقف المعرفي الذي لا تريد الأمة أن تلتفت إليه، يا أمة الإسلام جميع العلوم تتطور، وتتقبل الأمة الإسلامية أنه هذه العلوم تتطور ونبتعث أبناءنا في بعثات علمية إلى الغرب وإلى الشرق لنُجارِيَ هذا التطور فإذا يمّمنا بوجوهنا تلقاء هذه الأدوات التي نفهم بها النص المؤسس نتأبى وننغلق ونرفض ونزدري ونكيل تهم التكفير والتفسيق والتبديع والتضليل. هذا القرآن الذي ندعي أنه صالح لكل زمان ومكان ما مدايات صلاحيته لكل زمان ومكان؟ أنه يستولد معاني يمكن أن نجابه بها العالم، فعندما يقول "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ"، ما هي هذه النفس الواحدة؟ لماذا هي نفس واحدة؟ لماذا الناس؟ لماذا الإنسان؟ لماذا بنو آدم؟ لماذا لا أدري؟ لماذا البشر؟ لماذا العالم؟ لماذا لماذا لماذا؟ ما هي الضريبة عندما أقول الضريبة يعني القابلية والاستعداد لدفع المردود أو تقبل المردود أو تقبل المردود المفاهيمي الذي يترتب من هذا التوصيف، الذي يترتب من هذا التوصيف، فعندما يتحدث القرآن عن الإنسان لماذا سيحتكر المسلم مُسمى الإنسان؟ لماذا سيحتكر المسيحي مسمى الإنسان؟ ولماذا سيحتكر اليهودي مسمى الإنسان؟ لماذا سيحتكر، مثلا، البوذي مسمي الإنسان؟ هذه الديباجات الاحتكارية المزدرية للغير، أي أنها صادّة عن النص المؤسس، لأن النص المؤسس يقول: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ". ما معنى هذا التكريم؟ التكريم هو أسبقية وأفضلية وجودية وقيمية ومعنوية وتربوية وأخلاقية تجعل هذا الإنسان في مضمار معين. أي لا يحق لك أن تزدريه أو تنجسه ابتداعًا كما تقول الكتب الفقهية. ويترتب عن هذا التنجيس ممارسات وسلوكيات. بعض شبابنا، عندما أتحدث هكذا، يقولون لي: اطلب منهم أن يفعلوا ذلك.


خطيئة الحداثة وخطيئة التطرف

أوحمنة: خطيئة الحداثة في تطبيقها الإمبريالي لا يعني أن الحداثة من حيث المبدأ مخطئة، وتطبيق المتطرفين عندنا للدين لا يعني أن الدين من حيث المبدأ مخطئ. نحن نبحث وإياهم وإياهم وإياهم عن ذلك المسلك الذي سيجعلنا مبتعثين للقيمية القرآنية في صدق يوميته، يجعلنا متجاوبين مع العالمين. السؤال: هل المسلمون يمتلكون خطابًا عالميًا؟ ثم إذا كانوا يمتلكون خطابًا عالميًا، ما هي الأدوات والجسور التي بها سيبلغون إلى العالم؟ أتكفي ترجمة معاني القرآن لإبلاغ القول الثقيل وثقل القرآن الوجودي؟ هل تكفي هذه الترجمة –ترجمة المعاني- لتبليغ ثقل القرآن أم نحتاج إلى عدة مركبة على سبيل من الانتباه الدقيق الذي يجعلنا نستحضر كل الأدوات؟

يستحيل أن تأمر بالمعروف وأنت جاهل. يستحيل أن تأمر بالمعروف وأنت لا تعرفه. كيف تدعي أنك تتحدث إلى الغير وتدعوه إلى ما لا تعرفه من أدواته وأساليبه؟ هو بعد الحداثة أفضى إلى ما بعد الحداثة. هل اكتسبت بعض أبجديات الحداثة في التحدث إليه ثم..؟

باسم: لأ، أنا لفت انتباهي أن الكثير من الناس الذين يتحدثون، خاصة الأكاديميين، اللي أنا أسميهم تقريبًا هم أيضًا شق آخر من العقل السلفي العربي. يعني الأكاديمي لما يتناول بحث إسلامي قرآني يستنطق الآخرين فيما قاله عن النص ولا يستنطق النص نفسه ذاته. وهو بالمثل نفس الطريقة، نفس الميثولوجيا ونفس طريقة البحث التي يتبعها العقل السلفي أنه يستنطق ما قال وما روي من قبل آخرين عن القرآن ولا يستنطق النص القرآني نفسه. فبالتالي النص القرآني معزول في زاوية وآراء الناس هي التي أصبحت هي الدين أو التدين الشائع. فبالتالي إنه فيه إشكالية عندنا..


مجتمع منافق

أوحمنة: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا". انتظام النسق المعرفي الإسلامي زحزح القرآن. كل المدونات الأصولية في باب الدليل في كتب الأصول تجعل القرآن في المرتبة الأولى، لكن عمليًا في التخريجات إذا عارض حديثٌ آية فإن الحديث يُسبّق. وإذا عارض قول فلان حديثًا فإن قول فلان يُسبق. مثلاً لم يرد في القرآن عقوبة تارك الصلاة أو غير المصلي. لم يرد، لم ترد. أو لأن الله لا يعرف أو لا يعلم أم لأن ذات الدين اختيار؟ الدين إذا لم يكن اختيارًا تحول إلى نفاق. وعندما أقول تحول إلى نفاق سواء كان إلى نفاق منتبه إليه أو إلى نفاق غير منتبه إليه، يقدم لك إنسانًا منهزمًا من الوجهة الذاتية، إنسان يمارس ما لا يرغب فيه.

باسم: يخلق مجتمع منافق.

أوحمنة: هذا المجتمع المنافق تولد ممَّ؟ تولد من إنسان يشعر بإزاء العبادة أنه منهك لا يريدها. فإذا لم يفعلها فإنه إما أن يُستتاب ثلاثة وإلا سيقتل. من أين جيء بهذا؟ إنسان لا يصلي كيف تحكم أنت بالمدى الأقصى بأن تعدمه من الوجود؟ كيف تحكم بإخراج أو بهدم بناء الله؟ هو لم يصل في فترة ما، قد يصلي في يوم ما. فكيف تُسرع أنت بعد ثلاثة أيام إلى هدر حياته؟ هذا البناء الذي بناه الله سبحانه وتعالى كيف تحكم أنت بإخراجه أو بإلغائه؟ وهنا نطرح سؤالاً عميقًا: الدين جاء ليخدم الإنسان أم الإنسان جاء ليخدم الدين؟

باسم: نعم صح.

أوحمنة: إذا لم نجب على هذه الجزئية فإننا لن نفهم طبيعة الموضع القرآني من نسق المعارف الإلهية. أيها المسلمون، المعرفية القرآنية هي التي ستشرف على بقية أدواتكم المعرفية. قديماً كان علم الكلام كعلم حجاج عن الملة بأدلة العقل. أدور علم الكلام التقليدي الكلاسيكي بأدواته كما كان عند المعتزلة أو عند الإمام الأشعري أو عند الإمام الماتوريدي أو عند الشيخ المفيد أو عند أو عند أهو ذات سقفه الآن في التجاوب مع العالم أم نحن لا، معنيون بلحاظ آخر؟ ما هو هذا اللحاظ؟ هو تقديم معرفية القرآن الكريم للإنسانية كبديل لمآلات الحداثة الخانقة التي أفضت إلى إهدار الإله في وقت بإعلان تنحيته ثم بإعلان موته ثم بإقامة الإنسان محله. ثم أين يا دكتور باسم؟ بإزالة الإنسان ومحو الإنسان وتقديم حالة.. الحالة السائلة كما يسميها عالم الاجتماع البولندي البريطاني زيجموند بومان أو كما أسميه بالحالة الغازية. الحالة الغازية التي سينبعث فيها كل فعل البشر في شكل غازي بحيث تم فقد، إذا جاز هذا التخريج، كل الملامح وكل العلامات إلى تلكم الدرجة أنه مش فقط في الاختيارات حتى في الجسد. يعني استعادة الجسد من براثن التغييب قاد إلى أين؟ قاد إلى إلغاء ذات الجسد، بحيث أصبح الإنسان يحدد نوعه، ولا يحق لأحد أن يقال: لماذا تفعل ذلك أو لماذا لا تفعل ذلك؟

45:01

معضلة العقل الإسلامي

باسم: بناءً.. أنا متفق معك، حقيقةً أنه هناك فيه معضلة عند العقل الإسلامي العربي بالذات في التفاعل مع النص القرآني وهناك وتحس كأنه فيه حواجز وعوائق كثيرة. لكن كيف؟ أنا لست ضد الفقه التراثي إنما أنا ضد تسويد هذا الفقه على كل مناحي الحياة باعتباره هو الصح. هو كان صحاً أو قيل يخدم في مرحلة زمنية ما لمجموعة بشرية ما في حقبة زمنية محددة، لكن أن تسحب هذا الحكم أو هذا التشريع على كل مراحل الحياة، هذا ظلم للإنسان وظلم لنا وظلم للنص نفسه. كيف يمكن الخروج من هاي الأزمة؟ إنه أوكيه نتعامل مع الفقه كما هو، نأخذ منه كما هو يصلح لنا، وبالتالي ننجز أو نقدم شيئا جديدا يتلاءم معنا. من يحمل الجرس؟ مين الذي بده يبدأ هذه البداية؟

أوحمنة: الذي سيبدأ قرع الجرس أو بإطلاق رنين الجرس هي تلك العقول التي بلغت الوعي المضاهي. ما أصعب هذه المطالبة!

 

46:13

التنوير والإكراه

باسم: هناك فيه عقول لكن هاي العقول لم تتحول لا إلى مدرسة ولا إلى حواريين حتى. لكن فيه مؤسسة تحكم مجتمع أو تدير مجتمع قد تكون هي الأقدر أن تفرض هذا النمط. وأعتقد لدينا بعض التجارب في المنطقة العربية إنه رجل دولة ما اتخذ قرار بتغيير حال إلى حال حتى صار التغيير بغض النظر إذا كان التغيير إلى الإيجابية أو إلى السلبية. إنما واضح وكأنه نحتاج إلى رجل سياسي ما يتخذ قرار بالتحويل فيمتثل الجميع.

أوحمنة: رجل السياسة هذا يحتاج إلى نظرية متكاملة، إلى مشروع مجتمع موضوع بين يديه، وإلا سيتعسف في الانتقال، وإلا سيجرؤ على القطع مع ما كان موجوداً والإلقاء إلى المجهول إذا شئت. لأن هذه الأشياء يا دكتور باسم، صحيح تحتاج أحياناً إلى قرارات شجاعة وجريئة، ولكن هذه القرارات الشجاعة والجريئة ستتكئ على شيء متماسك. هذا الشيء المتماسك لو قسناه إلى التجربة الأوروبية أو قسناه إلى تجربتنا التراثية يحتاج إلى مدايات. للأسف الشديد نحن الآن لسنا مستعدين لتقبل هذه المدايات، نريد الأشياء فوراً ونريدها فجأة، هذا لن يحدث.

التنوير ليس إكراهًا؛ التنوير عمل هادف وهادئ يحتاج إلى، إذا شئت لا أقول استجداء، ولكن إلى خلق وإلى إيجاد مؤسسات وحواضن، أولاً ثقافية ثم تربوية ثم اجتماعية ثم سياسية، وتاليًا ستكون إذا شئت تتعلق بالاقتصاد وما يتعلق بالأمور الأخرى في التدبير. هذا العمل الثقافي الذي يحتاج إلى تجميع الجهد إما في شكل مؤسسات أو في شكل مراكز. هذه المؤسسات وهذه المراكز تنتج المعرفة ثم تخلق حالة الحوار حولها وتتقبل الرأي ومقابله لأنه يستحيل في النهاية أن أن.. وإلا انتقلنا من سلفية إلى سلفية.

هذه الحالة الحوارية التي ستستميل خاصة الفئات الشبانية باعتبار أن الفئات الشبانية هي الأكثر جرأة على تجاوز الأمور والانتقال بمنطق المغامرة الطبيعي الفطري الموجود فيه وأيضاً بداعي حاجتهم.

الأمة الوحيدة التي تمشي إلى الأمام ورأسها إلى الخلف. نحن معنيون بالمضي للأمام ولكن المضي للأمام ليس بالقطع الاستئناس بما هو موجود والمضي للأمام في إطار خلق هذه الحالة العامة التي ستتراكم التراكم الإيجابي الذي سيتحول إلى توليد. ما معنى التوليد؟ هي الحالات النوعية والفريدة التي ستنبثق من هنا ومن هناك. هذه الحالات الفريدة هي التي ستقلب الطاولة على ما فيها، واصل بن عطاء انقلب على أستاذه الحسن البصري، لماذا تقبلنا ذلك؟ الحسن الأشعري تقبل أو انقلب على أستاذه وابن أستاذه اللي هو أبو علي الجبائي وأبو هاشم الجبائي انقلب عليه، أبو منصور الماتوريدي صديق الأشعري وقرينه شيئاً ما مال عن صديقه.

باسم: حتى تقبلنا التبدل الذي قام به الشافعي لما رحل مصر اختلف لما كان في منطقة أخرى.

أوحمنة: لما كان في العراق بمدونة ولما جاء إلى مصر بمدونة نتقبل منه ذلك ولكن لا نتقبل الآن مثلاً من محمد أبو القاسم حاج محمد أو لا نتقبل من محمد شحرور.

باسم: يعني ليش قبلنا ذلك من الشافعي نفسه ولا نقبل من الآخرين؟


الفرائض القرآنية المغيبة

أوحمنة: إيه رغم أننا.. هناك فرائض خمس غُيبت، فرائض خمس غيبت في المدونة القرآنية كما أكتب عادة، صحيح هناك أركان، هناك كليات، ولكن لماذا فأقم الصلاة حولتها إلى مجلدات، واقرأ لم تلتفت إليها؟ هذه فريضة بالمنطق القرآني وهذه فريضة، الأمة التي لا تقرأ، الأمة التي لا تقرأ، أنا لا أتحدث عن السلوك الإجرائي للقراءة، ناهيكم عن الآلية الجذرية التي تتمثل في الجمع بين القراءتين في التعاطي مع القرآن الكريم، القراءة التي ستقود إلى أين؟ ستقود إلى إنتاج المعرفة؛ إلى إنتاج العلم. الأمة جاهلة لأنها لا تقرأ ببساطة، لا ننتظر الإله سبحانه، لا ننتظر الله سبحانه وتعالى أن يغير ويكيف أوضاع الحياة وأوضاع التاريخ بما يتوافق مع مزاجنا. اليابانيون يقرأون ويبدعون، الغربيون سواء كانوا أوروبيين أو أمريكان مقدار قراءتهم يعني يتجاوزونا بسنوات ضوئية. لا ننتظر شيئا آخر.

محمد شحرور الذي قدم مشروعه أو محمد أبو القاسم حاج حمد أو نصر حامد أبو زيد أو محمد أركون أو مالك النبي أو فلان أو فلان قرأوا. والغريب يا أستاذ باسم إن الذين كانوا في الضفة الأخرى ثم راجع عندما أقول الضفة الأخرى، لا أعني جغرافياً إنما أعني معرفياً ومنهجياً. إن الذين كانوا في الضفة الأخرى ثم رجعوا إلى هذه الضفة أعمق بسنوات ضوئية قياساً إلى من لم يغادر هذه الضفة!

باسم: نعم صحيح!

أوحمنة: لماذا؟ لأنه حدث عنده تلاقح فكري بين مدونة يملكها كانوا بين أدوات مستفزة هناك ثم قام بالدمج والجمع وفتّق لنا آليات عبقرية وآليات راقية جداً. القراءة والعلم والعمل، العمل المستمر. هذا العمل الهادئ الهادف. هذه المؤسسات التي تفضلتم بالحديث عنها. أكم من مؤسسة الآن نشئت في العالم الإسلامي وفي العالم العربي لماذا في سنوات قليلة ينتهي عملها؟ الممون لها أو الممول لها سواء كانت مؤسسات رسمية أم مؤسسات راعية، لماذا تصد عنها مباشرة؟ لأنها تنتظر مردودًا مباشر وهذا مستحيل. المردود المباشر لن يتأتى. المردود سيتأتى على المديات الوسطى والبعيدة..

باسم: والبعيدة..

أوحمنة: أحسنت لأنه تراكمي. كما قلت مدرسة الحوليات الفرنسية أنت تقرأ الأمور في إطار آنيتها؛ هذا سيعمم نظرتك تحتاج إلى المديات البعيدة. لماذا الدكتور محمد شحرور يرجع إلى كتاب أبي هلال العسكري اللي هو كتاب الفروق اللي استخرج منه فقط جزئية في آليته اللي هي اللاترادف؟ المدى الطويل الذي سمح بإتاحة آلية ربما صاحبها لم ينتبه أنها ستستخدم في هذا العمق لكنها استخدمت. العمل ثم يأتي الأمل.


أمة تكره الحياة

أوحمنة يا دكتور باسم. الأمة الإسلامية نتيجة الخطاب المتخلف الذي يسود هنا وهناك حتى لا أسمي ولا أنعت. أمة تكره الحياة، أمة تمارس الحياة وهي تشعر بالذنب. أمة إذا استمتعت استغفرت.

باسم: وإذا ضحكت؟

أوحمنة: وإذا ضحكت ندمت.

باسم: ندمت آه صح.

أوحمنة: وإذا أرادت.. أيها المسلمون نحن خلفاء من الله، ولسنا خلفاء لله. خلفاء من الله في الأرض. إن الأرض هي الأمانة التي وُكلنا بها. نحن معنيون بالحياة الدنيا أو بالدنيا أقله.

باسم: وبإصلاحها.

أوحمنة: وبتعميرها، وهو الذي أنشأكم.. هو الذي أنشأكم من الأرض، استعمركم فيها، أي طلب عمرانكم، أي ما أسميه باستكمال الخلق، هناك نوع من استكمال الخلق. من المعني به؟ الإنسان. المسلمون الآن يصدون بدعوى الزهد وبدعوى "وعزتي وجلالي منذ خلقتك لم ألتفت إليك، وإن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة".. إذا لم تساوي جناح بعوضة وإذا لم يلتفت إليها منذ خلقها، لماذا يوكل مصير الأبدية عليها؟ هناك فهم خاطئ. ينبغي أن نحدث انقلابًا مفاهيميًا لتسمية الأشياء من خلال القيم والقيومية القرآنية. إن الآخرة خُلقت للدنيا يا دكتور باسم وليس العكس. لِحاظُ الآخرة جعل لصلاح الدنيا، وكأن الدنيا هي مثال للجنة اللي أسكنها أبونا آدم عليه السلام نزل نتيجة خطيئة ما. أوكلت بنا الدنيا لنفعل ما لم يفعله أبونا. في الآخرة هي لحاظٌ جُعل لتصلح هذه الدنيا.

باسم: إيه صح.

أوحمنة: هل نستحق، "إِنِّي أَعْلَمُ"؟ "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ..". كل تاريخ البشرية يقع تحت "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ". لكن للأسف الديباجات المقدمة من قِبل صناع الرأي عند المسلمين يسببون لشبابنا المفارقات والتناقضات. أنت جئت لتتعس وتنعس وتعاني وتتألم وتصبر وتصبر حتى أن تصبر تحت لحظات أن تسرق حقوقك، أن تصبر تحت عنوان اسمع  وأطع ولو جلد ظهرك، يعني لم يُبق لك تعلقّا، لا بدنيا ولا بكرامة بشر، وأسف في حقك الآدمي إلى تلك الدرجة أن تهان وتداس وأنت تقبل ذلك وباسم الدين. أنا أربأ أن أكون في مثل هذا الدين. الدين الإلهي الحق هو الذي جعل الإنسان صورته، وعندما أقول صورته أي مُكناة الفاعلية الإلهية أعطيت للإنسان اختياراً، وهذا الذي جعل الإنسان أحيانًا يتأله.


الأمل

الأمل. هذه الجرعة يا دكتور باسم. هذه الجرعة التي يجب أن نعمل عليها من جديد، الأمل الذي هو ماذا؟ الأمل الذي هو الثقة في الحياة والثقة في الله. إن الله سبحانه أوكل إلينا أن نتم فعله وباللغة العرفانية أن نكون تجليًّا لفاعليته الوجودية، أين؟ والبشرية تُدفع تحت عناوين نظريات الخلاص ونهاية العالم وإشارات الساعة وقيام الساعة إلى مزاج سوداوي، إلى مزاج أحمر يعمل على هدم كل شيء. هذا خطير. القرآن يعد مطلقا بالأمل.

باسم: يعني حتى وصل الأمر لدرجة أنه الكثير حتى من الناس معتبرين مثقفين يقول لك يا عمي أنا لا أتدخل في الدين، الدين له رجاله الخاص. يعني أن يصل المجتمع لهذا الأمر مش بس المجتمع، علية القوم أو العارفين بالمجتمع. إلى هذا المستوى أن يحجب نفسه أنه أنا لا أتدخل بالفهم الدين لأنه هناك متخصصين بالموضوع، والمتخصصون بالموضوع كما نعرف كلهم من طبقة فكرية موحدة خاضعة. هي أنا بسميها حجرت على العقل العربي، ومنعته من التفاعل إلا عن طريقها. وبتجد ناس كتير يعني بيقولك أنا ما بتدخل لأنه فيه ناس، لأنه كذا إلى آخره، لأنه فيه خوف حتى من الخوض، من تفعيل العقل في النص. يعني حتى نخرج من هاي الدائرة اللي يبدو لي أنها دائرة صارت امتدت لقرون. يعني أنا أحكي، أنا لا أعرف ما هي الطريقة. أنا أستطيع أن أقول إن آلية اللسان العربي قد تكون بديل، أو كما أتفق معك أحد البدائل، أو جزء من البدائل المقدمة. لكن نحن بحاجة نقدم للناس شيء. إن نقولهم لأ إنت ليش تخاف؟ ماهو هذا القرآن أنزل عليك أنت أيضًا، وأنت مكلف كما هو مكلف.

أوحمنة: نعم تماما.


فعّل عقلك

باسم: فإذا أنت مكلف وهو مكلف، فالتكليفان متساويان، فأنت محاسب على تكليفك. فعل عقلك. كيف يفعل الفرد عقله؟ كيف يفعل الفرد الخاص؟

أوحمنة: إذن نحن معنيون بإعادة الاتصال والصلة مع هذه الأمور في نقطتها الأولى التي يمكن أن تكون ببديهية، كما يقال عند المناطقة، من أفضح الفاضحات تعليم أو التذكير أو شرح الواضحات. إعادة الاتصال بهذه النقطة التي تفضلت بها وهي نقطة أساسية وجذرية، وعندها يبدأ الكل. هذا الدين أنت مكلف به أم لا؟ نعم، اختيارًا أم اضطرارًا؟ غلب على أنه اضطرار، أم أن تكون فيه وإما أن تسلم إكراها وأن تخرج منه ردة. الأحكام الفقهية التي كُتبت في هذا السياق. عندما أقول إن نعيد الاتصال بالدين، أن هذا الدين يخصني أنا، وجاءني أنا، والقرآن يخاطبني أنا. عندما أقول "أنا"، الذات المفهومية، رمزية هذه الذات أين أستاذ باسم؟ هذه الذات الواعية الفاهمة، لأنه ليست كل جرأة أو كل نضحة تدل على وعي أو على معرفة. ماذا اشترطنا؟ اشترطنا القراءة كمدخل أولي. القراءة مما تمكنني؟ تمكنني من أدوات الفهم الأولية. هذه الأدوات الفهم الأولية التي ستجعلني في النهاية أعي أو أن أفهم أو أن أتلقى، أو أقلها أن أشارك في تلقي القول الثقيل. لأنه الأمة التي لا تقرأ كيف سنفهمها؟ أمة لا تفهم لا تراثها ولا ماضيها ولا تفهم ولا حاضرها ولا تنخرط في المستقبل. قطيع. ويسمح لي المشاهد الكريم في هذا التوصيف. نوع من القطيع يقاد هنا أو يقاد هناك. لحظة الانتباه، كما أسميها غالبًا، لحظة الانتباه الأولى، أن لي شخصية مفهومية، زيادة إلى أنني شخصية قيمية كمسلم، أنتمي إلى أرضية إلهية. أنا معني بأن أفهم من أنا، وماذا أريد، وإلى أين أسعى، وكيف سأحصن ذلك. بغير هذه المداخل، لا يمكننا أن نكون ذلك. لأنه هذا العمل، اللي لما قلت لك الخلفية الثقافية تحتاج إلى آليات وأدوات تربوية.

رجل السياسة أو القائم على الدولة. أنا أتفق معك، إذا وصلنا إلى تلك المرحلة التي ننتج فيها المسؤول المستنير الذي سيتولى عملية إنفاذ هذا المشروع في البرامج والتعليمات والتعلمات وما يتعلق بالإعلام والمضامين التي ستنشئ لنا الأجيال. ياريت، يعني يدي على كتفك أو يدك على كتفي. ياريت أن نصل إلى تلك المرحلة، أن نحقق ذلك الحلم الذي حلم به عبدالرحمن الكواكبي في المستبد.. (يقصد كتاب المستبد العادل).

باسم: يعني أنا أتفق معك إنه إحنا بحاجة إلى لهذا النوع، يعني من اتخاذ القرارات أو من شخص اتخذ قرار بهذا الاتجاه. لكن حتى نصل لتلك المرحلة، حتى يتم تعميم هذا النوع من الشخصيات، تكون في مواقع القرار، وتتخذ هذا القرار. على المستوى الفردي، يعني كيف إنت.. كيف نصل إلى مرحلة أنه لا نجعل الفرد يخرج من رقة الخوف من التفاعل مع النص بمفرده بعيدًا عن سطوة رجل التدين أو مؤسسة التدين أو التدين المدرسي؟


الفئة التي نحتاج إليها

أوحمنة: العلوم الشرعية، حتى ولو كان لها مشتغلون بها أو عليها، هذا لا يضرنا. لأنه في إطار تقسيم الميادين المعرفية، الكل يشتغل. لكن البراديجم التجميعي، أو الرؤية الكلية تستدعي عقلًا من نوع آخر. حتى رجل الشريعة لا يستطيع، حتى عالم الاجتماع لا يستطيع، حتى عالم النفس لا يستطيع، حتى الفيلسوف لا يستطيع. نحن نحتاج إلى فئة أعلى منها جميعًا، هذه الفئة التي تستدمج مجموعة من الأدوات الإبستمولوجية التي تسمح لها بالإحاطة بمجموعة من التخصصات. ما أسميه بالرؤية التعقيدية، جاريين على ما قاله عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران. مجموعة من الآليات، أو ما قاله فيما بعد أبو القاسم حاج أحمد في مشروعه "الجمع بين القراءتين". هذه استجماع هذه الأدوات أو هذه الآليات التي ستكون الوعي الكلي الذي يمكنه أن يتعاطى مع النص. الآن لحظات التعاطي تبدأ عند السلوك البسيط اليومي لك ولي، انتهاءً بالظواهر الكبرى، اللي هي الحضارة والتاريخ. وهذا عمل أجيال يا دكتور باسم..

باسم: نعم، صح، صح.

أوحمنة: عمل أجيال ويحتاج إلى جهد كبير. لكن كما أن الإنسان جاء إلى هذه الدنيا فردًا، سيرجع يومًا ما فردًا. معناه المعني به كل واحد منا أن يتصدى، أحيانًا أسأل طلبتي وأقول لهم: عندما أتحدث إليكم، هل تسمعون مني الكلام أم تعوون مني المفاهيم؟ كثرة ما يتحدث بعضنا إلى بعض على مستوى الكلمات.

باسم: ولكن لا نفهم.

أوحمنة: لا نشترك في المفاهيم، أو لا يعي بعضنا بعضًا. عندما نتحدث إلى الأصوليين، لا يستوعبوننا، وعندما يتحدثون إلينا، لا نستوعبهم. ذلك العقل الجامع أو الوعي الجامع الذي يتمكن من المدونة الأصولية، يستوعب المدونة الأصولية بأزماتها وفتوحها ومآزقها، ويستوعب الأداة الحداثية. هذه هي الفئة التي نحن بحاجة إليها اليوم في عالمنا الإسلامي، سواء المتحدث بالعربية أو غير المتحدث بالعربية. تلك الفئة التي ستنتج وعيًا متجاوزًا. عندما أقول وعيًا متجاوزًا متقدمًا قياسًا إلى ما يوجد. لن نستطيع أن نبلغ حالة التغيير إذا لم تتكون تلك الفئة. طبعًا، تلك الفئة الواعية المستعدة أن تبذل في سبيل الغير كل ما تملك، وليس بمنطق سيد قطب العزلة الشعورية والانفصال والتعالي. التنويريون عندنا تحولوا إلى سلفية، ولكن إلى سلفية هندامها مختلف. حذاري.

باسم: نفس السلفية.

أوحمنة: يعني مشكل معنى أننا خرجنا.

باسم: نفس الميثولوجي المستخدم هنا، مستخدم هناك.

أوحمنة: نفس الأدوات، الازدرائية، نفس التعالي، نفس التكبر، نفس النفس المتبرمة، نفس الانغلاق. ولكن الفرق...

 

التنوير والتنوير المضاد

باسم: بينما لو نقيس حالة التنوير التي وقعت في أوروبا ما بعد عصر النهضة، نقيس أنه صار فيه تمهيد فلسفي. إنه اشتغل الكثير من الفلاسفة في التمهيد للتنوير والتأصيل له، حتى وصل إلى ثورة صناعية، ثورة تقدمية، ثورة معرفية، ثورة تقنية. لماذا لا يحدث عندنا؟ يعني هل مثلًا أنه توفر فيه عنصر ما، توفر كان شرطي في أوروبا، لم يتوفر عندنا بعد؟ مثلًا، دعنا نقول مثلًا الحرية العامة مثلًا، حرية التعبير، المساحة الواسعة في التفكير مثلًا، هل توفرت في أوروبا ولم تتوفر عندنا مثلًا؟

أوحمنة: صحيح. كتابان أنصح بقراءتهما، وما أكثر الكتب التي يجب أن تقرأ. كتاب "ضد التيار" للفيلسوف الروسي البريطاني الأمريكي فيما بعد، شيئا ما، ثم.. إيزايا برلين أو إشعيا برلين، اللي هو كتاب "ضد التيار"، وهو كتاب لا ينتمي إلى سياق الفلسفة، ولكن ينتمي إلى سياق تاريخ الأفكار. يتحدث عما يسميه بالتنوير المضاد، التنوير المضاد، التنوير والتنوير المضاد، هما حالة سجال كبيرة عاشتها أوروبا، ولكن في النهاية حسم لصالح شكل ما من التنوير على حساب تنوير آخر. مثلًا، سيحسم لصالح سبينوزا ولصالح إيمانويل كانط، ولكن لا يُحسم لصالح مثلًا فيكو الإيطالي كنوع من التنوير الذي يحمله. لماذا؟ لأن الأمراء البروجوازيين يحتاجون إلى لون معين من النظريات ومن المفهوم ليحرروا رأس المال، وليقوموا بالسطوة على المال، وبالتالي السطوة على الاجتماع. وبالتالي وبالتالي وبالتالي. عندنا في العالم الإسلامي، المتحدث بالعربية وغير المتحدث بالعربية، لسنا مستعدين إلى أن نقدم فكرة المدايات، مدايات إنتاج الأفكار، ثم إنضاج الأفكار. الكتاب الثاني، اللي هو لراندال كولينز، اللي هو "علم اجتماع الفلسفات"، جزءان ضخمان. هذا الكتاب معنى بما؟ الشخصية الفكرية المفهومية، كيف أنشئت حولها وحواليها شبكات من العلاقات: فنانين، مثقفين، سياسيين، لاهوتيين ورجال دين. كيف أصبح الفيلسوف الواحد أجيال، وكيف أصبح المفكر الواحد جمعيات وجماعات سرية وعلنية، حتى وصل الحال إلى أن بعض الملوك كانوا تلامذة عند هؤلاء الفلاسفة. للأسف، ربما المراصد العالمية والمراصد الداخلية حتى تسبق المفكر العربي في أنها ستجهض عمله قبل أن يبدأ وينشئ..

 

مستويات الحرية

باسم: هل نحتاج إلى فلاسفة مثلًا؟

أوحمنة: هناك خمس مستويات للحرية. إذا لم نحصلها، فلنطمئن أننا لن نفعل شيئًا. الحرية الفكرية، الحرية الشخصية، الحرية الاجتماعية، الحرية السياسية، الحرية الاقتصادية. الحرية الفكرية، ما هي؟ إعادة تكوين علاقة مع النص. أيها الشاب، وأيتها الشابة، إن الله يتحدث إليك، إليك أنت. لماذا الوسيط؟ صحيح، ربما الوسيط أكثر كفاءة مني في استجماع الأدوات في فهم العلوم التي تسمى علومًا شرعية، لكنها لن تبرئني. لن تبرئني إلا إذا تعاطيت.. وحتى لو قلدت فقيهًا من الفقهاء، هل قلدته عن وعي أم عن تبعية؟ على المستوى الفردي، أنت معني بأن تشكل الصلة مع النص. وعندما يتحدث القرآن الكريم، مثلًا: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ". "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". أعيد السؤال: هل تعرف المسيحي لتكرهه؟ هل قرأت يومًا الإنجيل؟ عندما أقول قرأت، ما هو المباشرة السريعة؟

باسم: مش التمتمة.

أوحمنة: لأ، أبدًا. أعني التمعن والاستيعاب. لأنه الفكرة إذا لم يتمثل أو لم يتمكن الإنسان من استيعابها إدراكًا وتمثلاً، لا يحق لك أن تتحدث عنها. فأنت تدخل هنا في باب شهادة الزور بالمنطق القرآني، هل شهدت بما تعلمه أم شهدت بما لا تعلمه؟ "وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا". أنت تشهد بما لا تعلم. شهادتك بما لا تعلم، أي حديث عما لا تعرفه. وهذه الجرأة الآن التي أراها عند صغار الفقهاء، وعند صغار، عندما يكفرون شحرور أو يكفرون محمد أبو القاسم حاج حمد أو يكفرون محمد أركون أو مالك بن نبي أو فلان أو فلان أو فلان. سيدي، هل قرأت لهم؟ لم أقرأ لهم. إذن أنت تشهد بما لا تعلمه. معناه أنك تنكر ما لا تعرفه. وإنكار ما لا يُعرف يؤدي إلى.. المستوى الثاني، اللي هي الحرية الشخصية. ما هي الحرية الشخصية؟ هي ممارسة التمثل الذهني في إطار الاختلاف والتعدد والتنور..

باسم: في حياتك اليومية.

أوحنة: في إطار السلوك اليومي. لماذا تشنع عليّ أو أشنع عليك؟ أوروبا عاشت هذا التضييق، مثلًا المسيحية عندما استقذرت الجسد، وين فقهاؤنا الآن ومزاجنا الإسلامي الآن يفعلون الشيء نفسه. استقذار الحياة. ومظهر استقذار الحياة، انعكس على استقذار الجسد. اللي باعتبار أن الجسد عفن وأنه نتن وأنه جاء من عفن ويرجع إلى عفن. فالعناية به لا ينبغي، وإنما العناية بالنفس أو العناية بالروح. جزء من هذا الكلام على كل حال صحيح. في أوروبا حدثت ردة فعل جذرية من الأقصى إلى الأقصى، من استقذار الجسد إلى استقذار الروح. وهذه المتتالية، دكتور باسم، هذه المتتالية، نحن كمثقفين يجب أن نكون يقظين على مستوى النسمة الصغيرة ينبغي أن نترصدها، حتى لا ندفع خطيئة الغير، في التحول من استقذار الجسد، انتهى إلى استقذار الروح، واستقذار ما يمس الروح والإله وما إلى ذلك. في الحرية الشخصية الناس أحرار في اختيار أنفسهم، في اختيار قناعاتهم، في اختيار ما يمارسونه، طبعًا في إطار شرط مدني معين أو في شق قانوني معين أو في إطار.. ولكن كما لا تسمح لنفسك ألا أتعدى عليك، إذن أنا لا أسمح لك أن تتعدى عليّ. كما لا أهين ما تؤمن به، لا تهن ما أؤمن به. تعالى أنا وإياك، أن نجعل بيننا مضمارات تواصل.

باسم: إلى كلمة سواء.

أوحمنة: "تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ".


الحرية ضمانة نفسها

أوحمنة: المستوى الثاني، الحرية الشخصية، يعني فيها تفاصيل حتى لا أطيل عليك. المستوى الثالث، اللي هي الحرية الاجتماعية. لن نحيا حياة اجتماعية متوازنة وهادئة إذا لم تعبر هذه الشخصيات، عن... أتحدث عن الشخصيات المفهومية، الشخصيات الرمزية. نحن نطالب أنظمتنا أن تكون حرة. هل نحن على مستوى عقولنا وأمزجتنا وضمائرنا، هل نحن أحرار حقًا؟ أم نحن استبداديون مرجئو الإنفاذ والتطبيق؟ ماذا لو أصبحت مكانه؟ الإسلاميون عانوا في فضاءات كثيرة، لما تسلموا الحكم تحولوا إلى استبداديين وإلى طغاة.

باسم: صح صح.

أوحمنة: اليساريون..

باسم: نفس الشيء.

أوحمنة: الذين ظلوا لمدد طويلة، عندما تسلموا الحكم تحولوا إلى ملكية وإلى يعني أمور عديدة. لماذا؟ لأن إنساننا ليس مستعدًا على مستوى الوعي أن يكون حرًا، فيتقبل الحريات ويمارس تلك الحريات. طبعًا، الحرية، كما أقول، الحرية ضمانة نفسها. حتى لو حدثت خطايا تطبيق الحرية، الحرية ستضبط نفسها. أما الإكراه والإلغاء، شرط مستوى معين من الحرية. الآن، الفضاء العربي هل وصل إلى ذلك المدى الذي سيمارس فيه حرية حقًا؟ والله لا أدري. أقول لطلبتي عادة: هل نستحق الحرية؟ يقولون جميعًا: نعم. أقول لهم: هل نحن في مستواها؟ يسكتون.

باسم: هل قادرون على...

أوحمنة: على تحمل ضريبتها.

باسم: على تحمل ضريبتها أو ممارستها؟

أوحمنة: للأسف لا.

باسم: ما الحرية ممارسة؟

أوحمنة: نستحق الحرية. هل نحن في مستوى ممارستها؟ لا.

باسم: هل أصبح شرطًا للتنوير أن يكون عندنا رأي فلسفي مثلًا، يتمثل أمام الناس في كيفية النظر إلى الحياة بشموليتها، مثلًا؟

أوحمنة: هي جماع أدوات، لكن شرطه المركزي أن نمتلك مشروع مجتمعي يقف على أرضية نظرية عميقة ومتماسكة. الفلسفة يا دكتور باسم، اللي هي واحدة من أكبر أدوات التثوير، ممنوعة في أغلب البلاد العربية والبلاد الإسلامية. الفلسفة كتخصص لا يعني الفلسفة كتجديد في إطار مدايات ما جدده مالك النبي أو ما جدده طه عبد الرحمن أو ما جدده محمد باقر الصدق أو ما جدده لا أدري حسن حنفي. هذه الشخصية المفهومية الكبيرة، هذه التجديدات. أنا لا أتحدث عنها، أنا أتحدث عن الممارسة الأولية. لماذا؟ لأنه الفلسفة في النهاية، ما هي؟ هي أداة استخدام العقل أو تثوير العقل واستخدام العقل مع المستويات المختلفة. لنبحث عن الطرق الأخرى في تراثنا، لنبحث عن الطرق الأخرى في تراثنا للاستئناس بها، والشعور بأمان أننا لا نمارس خطيئة، وأننا لسنا مذنبين أو زنادقة. إن تراثنا في بعض جوانبه كان تراثًا مركبًا، استطاع أن يجاور القرآن إلى البرهان إلى العرفان، وأن يستدمج هذه المتاحات في إطار توليفة تمثل نوع من الحكمة المتعالية التي ستسمح لهذه الأمة في النهاية بألا يستعدي بعضها بعضًا، أن تنفتح على الإنسانية. وأين؟ في إطار أمر بمعروف بمعروف. كيف ستنفتح على ما لا تعرف؟ هذا يستدعي ماذا؟ أن تدرس.

باسم: أه، صح. خلقناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا.

أوحمنة: تعارفوا. ما معناها؟ أن تعرفه

باسم: أن تعرف الآخر الذي تتعامل معه.

أوحمنة: أحسنت. هو بالمدونة الاستشراقية، تعسفًا أو يعني عدلًا، تعامل معك، وعرف مداك، واستخرج نصوصك التي أنت لا تعرفها، وحققها، وعمل على قراءة ذاتك من منبع تشكلك وتوالي تطورك إلى مآلات أمرك. استخدمها في إطار الإمبريالية. هذا بحث آخر. أنت أيضًا معني، معني وبالضرورة، العالم العربي لن ينخرط في إطار التجربة العالمية، ما لم يساير سيرورتها المفهومية والمعرفية، ويستجمع تلك الأدوات. عندما أقول يستجمع تلك الأدوات، أنا أتحدث عن النخب العامة التي ستترجم ذلك كما تحاولون أنتم في إطار الميديا أو في إطار المؤسسات المختلفة التس ستشير إلى الإنسان العربي أنك لست وحدك في العالم في العالم وأنك لست الإنسان الأخير، وأنك لست السوبر مان وأنك لست الفرقة الناجية وأنك لست شعب الله المختار، أنت زهرة في حقل عظيم صنعته يد إله تحدث إليك من خلال نص، أعد الاتصال بهذا النص واكتشف مراد الله منك من خلال هذا النص الذي يثوي الحق ويعبر عن الحقيقة.

باسم: أحسنت دكتور، شكرا لك دكتور، دكتور الحاج أوحمنة دواق شكرا لك، سعدت باللقاء، إن شاء الله يكون لنا لقاءات أخرى في برنامج "مجتمع"

أوحمنة: أنا مسرور أيضا، يعني قلما أتحدث بهذا الـ..

باسم: شكرا دكتور.

أوحنة: ربي يحفظكم إن شاء الله.

باسم: شكرا لكم نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامج "مجتمع".