مقدمة
عمر: الآن أكتب في كتاب، وجاءتني فكرة في فصل. عندما مشيت فيه سألت نفسي
سؤالًا: عندما كان المسلمون
يتفاعلون، أين كان القرآن؟ القرآن، لم يكن بين أيديهم. القرآن، عثمان بن عفان، حسب
الروايات، نسخ منه ست نسخ. هذه النسخ ذهبت إلى العواصم. أما البقية كتبوا، أي
الناس كانوا يكتبون. حتى أنا لدي خال قريب كان يكتب، ولكن المصاحف هذه كانت قليلة.
ولذلك هناك معلومة يجب أن نتقبلها: المفكرون المسلمون أو الفقهاء هم فلاسفة، لكن
لسانهم يبتعد عن لسان القرآن. أي: حتى في أصول الفقه، أصول الفقه لا
علاقة لها بالقرآن. القرآن يتكلم عن الحلال، الحرام، الأمر، الوصية، الموعظة. أما
هم فقد جلبوا خمسة معارف: الواجب، والمكروه.. نظام قانوني لكنه لا علاقة له
بالقرآن.
باسم: لا علاقة له بالقرآن، والقرآن فقط فصّل الحرام.
عمر: إذًا، بالتالي، لسان القرآن كان بعيدًا عن الناس. وهذا ما جعل الناس تخلط بين لسان العرب
ولسان القرآن، ويفسرون القرآن بالشعر وبالمعاجم.
باسم: بعض الباحثين يرون أن القرآن قُرئ بعيون الثقافة العربية التي كانت
سائدة، ومنها الثقافة التلمودية.
عمر: صحيح، كلام صحيح مئة في المئة. أنا حضرت رسالة دكتوراه ووجدت أن تفسير
الطبري معظمه منقول من التلمود. وهذه الرسالة طبعها المجلس الأعلى للشؤون الدينية
في مصر. ولذلك وجدوا أن الطبري مليء بالإسرائيليات. لذلك نحن نركز الآن على أننا
نريد أن نرجع إلى القرآن من داخله: نتفقهه، نتفهمه، نتذوقه، حتى نحس بلسان القرآن.
هل للنفس
طب؟
باسم: أهلاً بكم، أنا معكم باسم الجمل في حلقة جديدة من برنامج مجتمع. في
حلقة اليوم نلتقي الدكتور عمر الشفيع، باحث وكاتب ومختص في شؤون علم النفس، طبيب
نفسي، استشاري نفسي. أي أنت؟
عمر: استشاري الطب النفسي.
باسم: استشاري الطب النفسي السوداني، من السودان ولكنه يعيش في العالم؟
عمر: ألماني من أصل سوداني.
باسم: أهلًا بك دكتور، أنا سعيد بلقائك بعد أن فتشنا عنك كثيرًا.
عمر: شكرًا جزيلًا.
باسم: الطب النفسي، لدي دائمًا تساؤلات: هل للنفس طب؟ وما هو نوع النفس
التي يعالجها هذا الطب؟ هل تمرض النفس حتى نجد لها علاجًا أو حتى نجد لها طبيبًا؟
عمر: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، ونصلي ونسلم على نبينا. أولاً، أشكر البرنامج وأشكرك شخصيًا. وأريد أن
أبدأ بشيء، لأن جلستي الوحيدة معك جعلتني أشعر بأنك مهتم حقيقةً بعالم القرآن.
وفعلاً، نحن نبحث عن مثل هؤلاء الناس. وإن شاء الله يجتمع كمٌ منهم، لكنني شعرت أن
اهتمامك حقيقي. وربما هذا البرنامج وبرامج أخرى تأتي معه إن شاء الله نحقق قفزة
واختراقًا في العالم.
نرجع إلى سؤالنا، هذا السؤال ذكي جدًا. لأنه إذا تتبعنا القرآن، لا نجد اقترانا
بين النفس والمرض. إنما المرض اقترن بالقلوب، يقول لك: "فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ".
باسم: عليك نور.
ما بين النفس والعقل
عمر: لكن النفس لم يأتِ معها المرض أساسًا. النفس تأتي معها أشياء أخرى.
أنا قسمتها إلى: نفس فاعلة، وأحيانًا يقول لك: تشتهي أنفسهم. هي النفس التي تفعل.
وأحيانًا تكون النفس منفعلة، يقول لك: يظلمون أنفسهم. والأمثلة كثيرة. ولكن، هنالك
أيضًا فرقٌ بين علم النفس وعلم الأنفس في القرآن، قد نأتي إليه. إذًا، الطب الذي
نشأ من عهد اليونان وحتى العصر الحديث هو أساسًا طب عقلي. لذلك لو لاحظنا في
المصطلح الإنجليزي يقولون: mental health” “ نحن نترجمها إلى الصحة النفسية أحيانًا،
والعقلية، لكن هي الصحة العقلية. لماذا؟ لأن المشكلة أصلًا ترجع إلى الحضارة
اليونانية. الحضارة اليونانية هي حضارة العقل، والعقل عندهم جوهر قائم بذاته،
يسمونه "مصطلح إنجليزي". لكن إذا جئنا الآن إلى العقل في القرآن، نجد
أنه فعالية من فعاليات القلب، يقول: "لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَعْقِلُونَ بِهَا." وورد دائمًا
فعل، "يعقلون" "تعقلون"، كلمة "العقل" كمصدر، لم
ترد في القرآن. إذن، القرآن هو فعالية أو وظيفة القلب، كما السمع هو وظيفة الأذن، كما
البصر هو وظيفة العين، حسنًا، ما العقل هنا؟ العين والقاف واللام: العين هي إظهار
المختفي، القاف لها معنى، واللام التوصيل. نجد أن العقل هو علاقتك بعقل الواقع عن
طريق الحواس.
إذن، بالتالي، لو رجعنا إلى الطب، كلما اختلت علاقتك مع الواقع -لأنه
أحيانًا تختل- ولا يوجد تأثير في الخارج، تحصل لك هلوسة. ما هي الهلوسة؟ أن ترى
شيئًا، تراه أنت ولا يراه غيرك، أو تسمع صوتًا لا يسمعه غيرك. إذن، اختلت علاقتك
أو عقلك بالواقع، وهذه هي الـ"mental health"..
باسم: يعني هو يعالج السلوك؟
عمر: سلام عليك! لذلك اسمه "مصطلح إنجليزي" في أمريكا. والعلاج
النفسي الآن، ما اسمه؟ اسمه "مصطلح إنجليزي"، يعني هو يعالج السلوك. من
أين جاء السلوك؟ السلوك يأتي في المرحلة الثالثة. الإنسان عندنا: هو يفكر، ويشعر،
ويسلك. لذلك عندنا التفكير، والشعور، والسلوك. السلوك هو المنتج الخارجي هذا، لذلك
نعالجه. أما أن نهتم بالنفس كوحدة أو كينونة قائمة بذاتها، هذا الموضوع نحن المسلمين
مهملون فيه. لأنه لو رجعنا إلى كتابات الغزالي أو الكندي أو غيرهما، نجد أنهم
نقلوا ما قاله أرسطو فقط. لم يبدعوا.
باسم: رغم أنه مذكور، رغم أن القرآن يركز...
عمر: أنا حسبت السور، من أول سورة إلى آخر سورة وردت فيه. أغلب السور فيها
النفس. وكلمة النفس تكررت كثيرًا في "قولات". سنشرح لاحقا "القولات"،
بكميات كثيرة. لذلك هو يركز على النفس، والنفس التي تفعل، والنفس التي يُفعل بها،
والأنفس وكيف تختلف عن النفس الواحدة. والجسم ذُكر مرتين.
باسم: هناك عدة أنواع للنفس: النفس اللوامة، والنفس...
عمر: كلها أنواع كثيرة، ومركبات مختلفة في النفس. لكن نحن لم نهتم بالنفس،
ولم نكتب عن النفس، ولا عندنا نظريات عن النفس حسب القرآن. لكن ننقل من اليونان. وحتى
الآن، الغربيون يطورون. الآن، حتى العلاج النفسي فيه خمس نظريات كبرى: النظرية التحليلية،
والإنسانية، والسلوكية، وغيرها. لذلك، هناك محاولة لمعرفتها، ولكن عن طريق السلوك.
لكن لو سألنا نفس السؤال: ما هي النفس؟ لا توجد إجابة عندنا. لا توجد إجابة.
ما هي
النفس؟
باسم: صحيح، ما هي النفس؟
عمر: ننتقل للسؤال الثاني. لو جئنا إلى سورة الشمس: "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا." بعد حلف كثير
جدًا، يقول: "وَنَفْسٍ وَمَا
سَوَّاهَا." لاحظ، الشمس والقمر كلها معرفة، أما النفس كانت نكرة هنا. إذن، هنا
واضح أن هنالك اقترانات. القرآن: النفس هي كينونة لها علاقة بكل الكينونات التي
سبقتها. ولذلك نحن بفطرتنا نقول: النفس فيها نور، النفس فيها ظلام، النفس فيها...
لذلك هي كينونة تسيّر الإنسان. لو جئنا إلى وظائفها، نجد أنها هي التي تُسيّر
الإنسان. لكن، لو جئنا إلى تصنيف دقيق، نجد أن عالم الخلق نوعان: عالم الخلق
المحسوس المنظور -مثلًا أنا أرى هذه المنضدة، أرى الحمار- وهناك عالم الخلق غير
المنظور، وهو المخلوق. ومثال له: ربنا سبحانه وتعالى يقول: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ..." خلق الموت
والحياة. إذن، الموت والحياة في عالم الخلق، ولكن لا نراه ولا نحسه. إذن، عالم
الخلق نوعان: نوع منظور، ونوع غير منظور. النفس من النوع الثاني، لأنه يقول...
باسم: من غير المنظور؟
النفس مديرة الجسم
عمر: نعم، "مَا
أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ." إذن، النفس
مخلوقة، ليست من عالم الأمر. ولذلك هي تتركب معك، وهي التي تسيرك. وواضح من القرآن
أن الجسم جزء منها، وليست هي جزءًا منه، هي التي تسيّره.
باسم: هو جزء؟
عمر: نعم. هي في النهاية تفارقه عند التوفية. لأنه إذا جئنا -مثلًا- إلى
دليل واحد، الفرق بين التوفية والموت، يقول: إن "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا
وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا..."، بعد
هذا التصنيف الدقيق جدًا - Classification نجد أن
النفس تتوفى في مرحلتين: "التي لم تمت في منامها" هذه لم تمت، وفي ذاك
"حين موتها." لاحظ: "حين موتها" هي لم تمت، هي في حين الموت،
الموت قريب. الدقة، قال بعدها: "فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ..." إذن، كانت
"حين الموت" توفّى، وكان الموت في حينها، يعني قريبًا منها. لكن عندما قَضى
عليها، أمسكها الله، فلا ترجع.
باسم: إذن، لا تموت النفس؟
عمر: لا، يقضي عليها الموت. والآية دقيقة: "فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ."
باسم: هل يعني الإمساك شلل إرساليتها في الحياة مثلًا؟
عمر: لا، لا، لحظة. هي التوفية عند الله. عندنا طائر، النفس تذهب إلى الله، يتوفاها. والأنفس لا يتوفاها إلا
الله. يعني أنت كإنسان يتوفاك ملك الموت، تتوفاك رسلنا، يتوفاك الله. لكن الأنفس،
لا يتوفاها إلا الله: إن
"اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي
مَنَامِهَا، فيمسك..." من الذي يمسك؟ الله سبحانه وتعالى، فيمسك عنده ".. التي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى..." "يرسل" معناها ماذا؟ معناها توفية في مكان
ثانٍ، و"يرسل الأخرى". لذلك هناك إمساك، وهناك إرسال. هذا يدل على أن
النفس تفارق الجسم، تذهب إلى التوفية. وهذا دليل أن التوفية غير الموت. إذا كانت
ما زالت حية في نومها، وتصحو وما زالت حية، ربنا يرسلها. أما إذا قضى عليها الموت،
تُمسك، ويبقى الجسم انتهى. يتحلل إلى عناصره الأولية.
باسم: يعني النفس خارج الجسم، هي أداة تفعيل للجسم؟
عمر: لا، هي تديره كدائرة حوله.
باسم: يعني هي مدير الجسم؟
عمر: مديرة للجسم تقريبًا.
الفرق بين النفس والروح
باسم: وهنا بالضرورة صار ثمة تفريق ما بين الروح والنفس.
عمر: لا، الروح وحدها. نحن الآن نتكلم عن النفس والجسم. وحتى إذا أردنا
الدقة، كثير من المتدبرين يخلطون بين الجسم والجسد والبدن. الجسد لا علاقة له
بالإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى...
باسم: الجسد أي شيء؟
عمر: لا، "عِجْلًا
جَسَدًا..."، وجسد سليمان (وَلَقَدْ
فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا.). الجسد حسب القرآن ليس ثمة
اقتران بينه وبين الإنسان. والبدن فيه خلط، لأن البدن ورد مع فرعون: "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ". لكن هنالك باء
"ببدنك"، إذن البدن هو وسيلة النجاة. والبدن هو جزء من "البُدْن".
ولذلك ربنا أنجاه إما بواسطة بقرة أو ناقة من البُدن، أنجاه بها، هي التي عامت به
في الماء فأنجاه بها. لكن اللغات أخذت البدن وأطلقته على الجسم. مثل اللغة
الإنجليزية، كلمة "body" هي كلمة "بدن". لكن نحن لدينا الجسم والنفس. أما
الروح، فقد يكون الإنسان فيه روح، وقد لا تكون فيه روح. لأن الروح يؤتيها الله
للأنبياء ويؤتيها لبعض عباده. إذا امتلأت بالروح شيء، ويمكن أن تفتقد الروح. يعني
لو كان كافراً، ما عنده روح.
باسم: يعني، مثلاً، هناك ناس عاديون لا تكون لديهم روح؟
عمر: نعم، لا تكون لديهم. الموضوع في الروح ليس له علاقة كبيرة بما نسميه
الإسلام والكفر. يعني علاقته مع الله أياً كانت. فتأتيه الروح. لكن النبيين عندهم أرواح.
باسم: يعني إذن أنت لست طبيباً نفسيًّا نفسياً، أنت طبيب عقلي.
عمر: نحن عندنا الإنسان الذي يدرس الطب بعد ذلك يتخصص. فالطب الحديث جعل
التخصصات، مثلاً تذهب إلى طب النساء، تذهب إلى طب الجراحة، تتخصص. فقالوا: الطب
النفسي نجعله جزءًا من دراسة الطب للتخصص. لماذا؟ لأن هنالك تأثيرًا يسمى
"سايكوسوماتيك" بين النفس والجسم. وحقيقة، النفس تؤثر في الجسم، والجسم
يؤثر في النفس. فهم من هذه الناحية.. لأنه يؤثر في الجسم. لكن هذه النظرة تعطينا
فكرة أن الطب نظرته غير كاملة للإنسان. وهي نظرة، لا تأخذ بالنفس في القرآن، ولا
في الكتب المقدسة. وبالتالي هي أساسها الجسم. لكن أضافت النفس لأنه يوجد تأثير في
الجسم.
باسم: حسنًا، حتى تتمكن من أن تتقن طب النفس أو معالجة النفس، بالضرورة يجب
أن يكون لديك على الأقل معرفة بالجسم.
عمر: نعم. الآن الطب الغربي، أنت تدرس ما يسمى "سايكياتري". هي
كلمة ألمانية تمت "نجلزتها" (جعلها إنجليزية). فأنت تدرس السلوك وتدرس
ما يحصل للنفس، سواء كان "سايكوسس" الذي هو الذهان، أو اكتئاب وغيره،
تدرسه. لكن بدأوا الآن يشعرون بما قلته. فبدأت الآن بعض المستشفيات يُضاف لها شخص
له علاقة بالدين، الكنيسة مثلاً، يكون موجوداً. لكن، لأن الدولة علمانية، يُترك
الموضوع للمريض إذا أراد أن يذهب إلى هذا المختص. يكون معنا في المستشفى. فنحن
نعطيه إذناً، ويكون هناك تعاون بيني وبينه أنا كطبيب، وبالملفات، أسلمه أي ملف،
وهكذا. لأن المسلمين قد ازدادت أعدادهم. فبدأ الآن تخصص، وعلى فكرة، هناك تخصص
ماجستير الآن في زيورخ وفي غيرها. فبدأ الآن نفس المختص المسيحي في الدين، هناك
مسلم. إذا كان هناك مريض نفسي أو سلوكي، كما نقول، "سايكيتريك"، مسلم، وأراد أن يجلس مع
هذا الرجل، نعطيه إذناً. لكن أين المشكلة؟ المشكلة أن هؤلاء المختصين يدرسون
العلوم الإسلامية التقليدية. فأصلاً فكرتهم عن النفس في القرآن...
باسم: هذا السؤال الذي كنت أريده أن أسألك إياه، ما دام هناك سوء فهم للنفس
عند العامة بشكل عام، بالتالي لا يستطيع معالجتها.
عمر: لا، لكن من رحمة الله أن الإنسان تأثير السلوك عليه هو تأثير
"سلطان القول". هناك شيء أسميه "سلطان القول". يعني، أنت لو
لاحظت، ممكن أن أقول لك كلمة تفورك، هي كلمة، وكلمة تهدئك. فممكن أن يصادف أن بعض
الكلمات أو بعض الكلام، الذي هو مثل العلاج السلوكي والمعرفي، تهدئهم أياً كان مصدرها، وتنبهه لمشكلته، ويحاول أن يحلل
مشكلته، ويصل إلى حل. لكن العلم القرآني، أنا لا أقول إنه غائب بالكامل، لكنه غير
موجود بطريقة منهجية. وهذا يعني أننا نحتاج إلى تدريب. هؤلاء الناس انتشروا -على
فكرة- الآن في أمريكا وفي أوروبا،
في المستشفيات النفسية. لأن المسلمين أعدادهم
ازدادت، فنحتاج
أن ندربهم، وأن ينتبهوا لأن النفس أساسها في القرآن. لكن الآن، بماذا يستعينون؟
يستعينون بما كتب في التراث. هناك الآن كتب جمعت بما قاله مثلاً ابن سينا، ما قاله
الكندي، ما قاله الغزالي. وهي يمكن أن تفيدهم، ويسمون ذلك علم النفس الإسلامي. لكن
هو حقيقةً علم نفس من تراثنا متأثر بما نقلناه من الحضارة اليونانية.
باسم: لا علاقة له بمفهوم النفس في القرآن مثلاً؟
عمر: لا، لا علاقة له.
مفهوم
النفس في القرآن
باسم: طيب، مدى أهمية أن تعرف مفهوم النفس في القرآن. في تمكينك من تقديم
علاج حقيقي للناس الذين يوصفون بأنهم مرضى نفسيون مثلاً؟ يعني، ما مدى أهمية ذلك؟
عمر: لا، الأهمية مهمة جداً. لأنه إذا جئنا إلى النفس وهي اقترانات، هناك
شيء اسمه "الوسع النفسي". "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا".
باسم: "... نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا"، صحيح. وهذا تعبير قرآني جميل.
عمر: ما هو الوسع النفسي؟ ولو لاحظنا في الحياة، يعني لو حصل حوار بيني
وبينك وأنا عندي وسع نفسي، الوسع النفسي بالمعلومات. أنا استطيع أن أسيطر عليك، استوعبك،
ولا أنفعل. لكن إذا كان هناك ضيق، وعلى فكرة الضيق النفسي مذكور في القرآن: تضيق
أنفسهم. فبالتالي نحن، هذه المصطلحات لو طورناها في العلوم، مثلاً عملنا
"الوسع النفسي". هناك وسع نفسي مؤقت أحتاجه سريعاً جداً في حالة
الطوارئ. وهناك وسع نفسي دائم. وهناك وسع نفسي أجعله للسلوك الإنساني. لأنه إذا
اتسعت أنفسهم تقل أمراضهم. لأن الأمراض تأتي أحياناً من الضيق ومن عدم التفاعل، عدم
المعرفة. فقط الوسع النفسي يمكن أن يساعد الإنسان، لكنه يحتاج إلى تدريب، يحتاج
إلى دراسات، يحتاج إلى حاجات كثيرة جدًا.
الاشتهاء، مثلاً، قال: "تَشْتَهِي
أَنْفُسُكُمْ..". هل نحن درسنا النفس؟ كيف يكون الاشتهاء النفسي؟ وهو اشتهاء نفسي
أحيانًا جمعي، تشتهي. لم يقل: نفسهم، قال: أنفسهم. إذن، ممكن أن يكون اشتهاءً
جمعياً، يمكن أن يقودنا إلى الشهوات، إلى الاغتصاب، إلى حاجات كثيرة. الظلم،
مثلاً، الظلم النفسي، لأن النفس تظلم وتُظلم. فكل هذه المصطلحات أو المفاهيم تحتاج
من المسلمين أن يدرسوها، لكنها مهملة.
كيف يظلم
الإنسان نفسه؟
باسم: كيف يظلم الإنسان نفسه؟ يعني عندما يظلم الإنسان نفسه، هل يكون بحاجة
إلى طبيب يعالجه، مثلاً؟
عمر: لا، لحظة. هناك مستويان عندنا. عندنا مستوى المشكلة النفسية ومستوى
الاضطراب النفسي. المشكلة النفسية عامة، أنا عندي مشكلة نفسية وأنت عندك مشكلة
نفسية. لكن حسب الطب الحديث، إذا ارتفعت لمستوى معين وبقيت بعض التأثيرات، إذن نحن
نسميها "disorder" يعني فيه اضطراب نفسي، مثلما تقول مرض. لكن ما دونه تعتبر
مشكلة. في الحياة العامة، كثير من الناس عندهم مشاكل نفسية يمكن معالجتها بالكلام،
يمكن معالجتها بأشياء كثيرة. أنا مرت عليّ تجارب. مثلاً، مرّة، واحد أراد أن
ينتحر، لكنه مسلم من البوسنة. فلما شرحت له الفرق لمشكلته بين الوالد والأب في
القرآن، نزلت الأفكار الانتحارية مباشرة. قصة طويلة حصلت. فلذلك هي تفاعل واقتناع
وسلطان قولٍ فعلاً. نحتاج أن نتدرب عليها.
أما كيف يظلم الإنسان نفسه؟ هذه عملية مفروض أن نعرفها. لأنك تظلم نفسك
بالجهل. يعني أنت الآن لو أخذت حق شخص آخر، أنت في الظاهر أخذت حق شخص، لكنك ظلمت
نفسك، لأن هناك ذنباً لك. فإذا ازدادت عندك المعلومات وبقي عندك وسع نفس، وعندك
مقاصد القرآن أمامك ومربوطة بيوم الدين، مثلاً، أشياء كثيرة، أنت ممكن أن تقلل
الظلم النفسي الذاتي.
باسم: يعني ظلم النفس عبارة عن حقل واسع.
عمر: جدًا. لأنه مربوط بظلم النفس وظلم الأنفس وغيره. وبالآخر، لأنه يدخل
في العلاقات. لأن القرآن في العلاقات، ربنا سبحانه وتعالى لما قال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ
الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ." القرآن، القولات فيه دقيقة. ما قال: علقة. العلقة
موضوع آخر. فالعلق هنا على وزن "فعل"، لأنه يدل على العلاقات. وبالتالي،
أنت عندك علاقة مع الله، علاقة مع نفسك، علاقة مع الآخرين، سواء كان والدك أو غيره،
علاقة مع الطبيعة. ربنا قال: "سخّر لك". علاقة مع الأنعام، "ذلّل
لك". علاقة مع الحياة، قال لك: "الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ". علاقة مع الآخرة
"جزاء". كل علاقاتك هذه، لو عرفتها، تكون عندك وسع نفس لتتمكن من
التعامل.
فهم جديد
للعلق
باسم: يعني هذا فهم جديد للعلق، رغم أن الدكتور محمد شحرور فهم العلق أنها
مجموعة العلاقات في الخلية عند خلق الإنسان.
عمر: هو ممكن أن يقبل على فكرة، لأن العلقة اشتُقت من العلق، لكن أضيفت
لها...
باسم: جمع الجمع..
عمر: لا، أضيفت لها التاء. اسمها "تاء التخصيص والتعميم". في
القرآن، وهذا ممكن أن يقودنا أن لسان القرآن له وظائف تختلف عن لسان العرب. التاء،
مثلاً، في لسان العرب، هي غالبًا للتأنيث. لكن في القرآن، لا، للتخصيص. يعني
مثلاً: المرأة مرضع، صحيح؟ لا يوجد رجل مرضع، حتى نسميه مرضعًا ومرضعة. لكن عندما
تأتي لحظة معينة، قال: يوم... "تَذْهَلُ
كُلُّ مُرْضِعَةٍ.." لماذا؟ لأنها لحظة الإرضاع. هي "مرضعة"، لكن عامة، أي
امرأة "مرضع". ولذلك، التاء هي تاء التخصيص.
لما نأتي إلى "بعل"، مثلاً، جمعها "بعول". لكن عندما
جاء ليتحدث عن البعل في لحظة الإنفاق على زوجته وعلاقته، سماها "بعولة".
وألسنة كذلك. فالتاء مهمة جدًا. لو رجعنا للعلق، تركها عامة. فلذلك يُشتق منها ما
بعدها. حسنًا، هي العلاقات. الإنسان خُلق من علق فعلاً.
باسم: يعني المفهومين؟
عمر: المفهومين يصلحان. لكن في هذه الحالة، أنا أميل للمفهوم الاجتماعي.
لأن المفهوم ذاك، الآية ذكرته. ذكرت العلقة مع المضغة مع غيرها. لكن الآن، العلق
والقرآن فصّل. قال لك: أنت مع الله في الوحدانية، صحيح؟ والإيمان قال لك في العدل
مع نفسك. في الإحسان مع الآخرين، الوالدان مثلاً بالإحسان، وفي الطبيعة، قال:
"سخّر لكم الليل والنهار"، هذه علاقة. الأنعام "ذلّلها لكم"،
هذه علاقة. الحياة قال: "والموت ليبلوكم"، هذه علاقة. الجزاء في الآخرة،
هذه علاقة. لتربط حياتك كلها في علاقات فرعية.
مفهوم النفس في أوروبا
باسم: قبل أن أنتقل إلى علاقتك باللسان. هل مفهوم النفس القرآني كما وضحته
لنا. في أوروبا، هل هو معروف؟ هل تُفهم النفس بهذه الطريقة؟
عمر: لا، هي لا تُفهم. لماذا؟ بالمناسبة، هناك لفتة مهمة جدًا، هي الكلام.
القول ذاته في حد ذاته. يعني أنا لما أقُل: "منضدة" وأقُل:
"ترابيزة"، قد تدل على نفس الشكل، لكن الإحساس والذائقة،
"منضدة" تعطيك معنى له تفاعلات غير "ترابيزة". كلمة "النفس"
غير موجودة. لذلك يسمونها "سايك"، مأخوذة من اللغة اليونانية.
و"سايك" معانيها متعددة. جيد؟ حديثًا، سموها "سول". كلمة
"سول" مشتقة من أحد متعلقات النفس، وهو "التسويل". "سولت
له نفسه". وهذه اللغات الأوروبية التي تشتق، لأنها تأتي أحيانًا بدل تسمية
الشيء باسمه، تأخذ متعلقًا به. يعني مثلاً: النوم، "سليب"، لأن النوم
يسلبك. فلذلك سموه "سليب"، من سلب. وهكذا، النفس سموها "سول"
من وظيفة من وظائف النفس. لأن النفس، مثل الشيطان، تسوّل لك. وهذا موضوع كبير
يعني. "سولت لي نفسي"، "الشيطان سوّل لهم". فمن
"سول" أخذت "سول".
فإذا أردنا أن نقول.. هم لا يفهمون ذلك. لكن لو أردنا أن ندرسه، إذن ندرس
جزءًا من النفس. أما النفس في القرآن، بالنون والفاء والسين وتعلقاتها...
باسم: كمفهوم غير موجود؟
عمر: غير موجود. وعندنا ذاته غير موجود.
باسم: وبالتالي، هناك شك، بمعنى أن يُسمى طبيب علم النفس الأوروبي أو
نظريات علم النفس في أوروبا، يعني هناك شك أنها صحيحة..
عمر: نأخذ المعنى من غير دقة، فنقول "الطبيب النفسي"، لكن إذا
نظرنا إلى الكلمة بالإنجليزية مثل (Mental Health Specialist) أو (Psychiatrist)، حتى كلمة (Psych) في ذاتها جاءت من
الكلمة اليونانية (Psyche)، التي قد تدل على النفس أو الروح. ربما، على سبيل المثال، في
اللغة الألمانية يقسمون العلوم إلى العلوم الطبيعية (مصطلح ألماني) من (Nature)، و(Geist)، كلمة (Geist) التي هي (Ghost) بالإنجليزية ويطلقونها على الروح، وفي الإنجليزية يمكن أن تعني شبحًا. فلذلك،
اختلاط المصطلحات هذا لا يسمح له التركيز على كينونة محددة. النفس في القرآن لها
كينونة محددة، والقرآن أصلا عندما يعرف لك أي كينونة، فهو يقودك. انظر لدينا
مشكلة، مشكلتي أنا، لو أردت أن أعرف باسم الجمل، أريد أن أعرفه مرة واحدة. لكن لا،
أن آخذ معلومة أولًا، هو مثلا بريطاني، هذه معلومة مهمة، ثم بعد ذلك أعرف أن لديه
خمسة أولاد، وهذه معلومة ثانية مهمة. نحن من البداية نريد أن يكون التعريف كاملاً.
القرآن لا يعمل هكذا، القرآن عندما يورد الكلمة لأول مرة يقدم لك تعريفًا، ثم في
الآيات التالية يزيد تعريفًا إضافيًا، ثم عندما تنتهي من قراءة القرآن، يكتمل
التعريف.
لسان
القرآن ولسان العرب
باسم: ماذا الذي دفعك أو ما الذي أتى بك للّسان؟
عمر: هذا موضوع طويل جدًا.
باسم: أنت استشاري في الطب النفسي، فما الذي دفعك إلى اللسان العربي
المبين؟
عمر: المفاجأة هي العكس، أنا أصلاً مهتم باللسان منذ كنت في المرحلة
الابتدائية.
باسم: نعم، إذاً العكس..
عمر: في الابتدائي. نعم، درست الطب والطب النفسي، ولكن بعد اهتمامي. لكن
اهتمامي لم يكن معمقًا. في الأصل، كان والدي عليه رحمة الله هو من رباني، وهو الذي
درَّسني. درست الحروف وحفظت جزء عم قبل أن أدخل المدرسة.
باسم: يا سلام!
عمر: نعم، وبقيت لي علاقة بالقرآن، لم أكن أفهم في البداية، لكن النغم، وسمّعت.
ومن الغريب أن "التسميع" في السودان.. تقرأ حفظًا، فأنا عندما "سمّعت"
جزء عم، كانت حاجة لذيذة. كان في قريتنا بقر، قريتنا كان بها بقر، راعي البقر إريتري،
وكان هناك حرب في إريتريا، فجاؤوا إلينا. كنت أراه راعيًا لا يفهم، ففاجأني والدي
وقال لي: "حسنًا، أنت حفظت جزء عم، هناك شخص سيأتي لتسمّع له." فظننت أنه
خالي، الذي كان شيخًا.. لكن جاء براعي البقر! حتى الآن لا أعرف كيف عرف والدي راعي
البقر، وعرف أنه حافظ للقرآن. فجاء راعي البقر، وسَمّعَ لي جزء عم. فمنذ ذلك الوقت
اهتممت باللغة. ولكن التمييز بين لسان القرآن ولسان العرب جاء عندما كنت طالبًا في
الجامعة. وكان أيضا من الأشياء الجميلة أنني كنت أقرأ في المقدمة الجميلة التي
كتبها محمود محمد شاكر في "الظاهرة القرآنية" لمالك بن نبي، لأنني كنت
أعرف عبد الصبور شاهين، وقد تتلمذت عليه، وحكى لي كيف تُرجم الكتاب. وأنا أقرأ في المقدمة،
أحسست...
باسم: عبد الصبور شاهين الذي ألف كتاب "أبي آدم"؟
عمر: نعم هو، وهذا الكتاب قصته معروفة. وأنا أقرأ في المقدمة، أحسست أن
محمود محمد شاكر يدافع عن الشعر ويعجبه الشعر، ولكن هناك حاجز. القرآن، يريد أن
يقول: القرآن عظيم، والشعر أيضًا عظيم، ولكن دون القرآن. من تلك اللحظة انتبهت -سبحان
الله- إلى أن لسان القرآن ولسان العرب، يبدو أن هناك أشياء من القراءات مخزنة داخلي،
فانفجرتْ وتابعتُ الموضوع. فأول من اختبرته محمد أبو القاسم حاج حمد، فوجدت أنه
يميز بين لسان القرآن ولسان العرب، لكن بمصطلح يسميه "الاستخدام الإلهي
للغة" و"الاستخدام البشري للغة". هو يميز، لكن لم يضع المصطلح.
باسم: ما هو التمييز؟ يعني ما هي قواعد التمييز بين اللسانين؟ على اعتبار
أن لسان القرآن هو اللسان العربي المبين، واللسان
تجاوزًا، اللغة التي نتحدث بها معًا، والتي نتواصل بها مع بعضنا؟
عمر: قبل أن نبدأ، كلمة "لغة" كلمة عربية ورد في القرآن جذرها،
وهي كلمة قديمة، ودخلت اللغات اليونانية من العرب القديمين مثل السومريين وغيرهم. هناك
"لوجوس" كلمة "لوجو"، وإذا لاحظنا الآن هناك كلمة
"بيولوجي" و"سوسيولوجي"، "لوجي" هذه هي لغة. لذلك
هي لغة علم الاجتماع، لغة الطب، لغة البيولوجيا، التي هي علم الصبغيات من
"البغية". فكلمة "لغة" موجودة في اللسان.
باسم: نعم، موجودة في النص لا شك.
عمر: وأنا أحترمه، لكن لو جئنا للقرآن، كلمة "لغة" ما وردت فيه،
إنما ورد الجذر. حسنًا، حتى نصل لهذا الموضوع، يجب أن نوسع الزاوية. إذا جئنا، لابد
أن نفرق بين المركب الإضافي والمركب النعتي. بمعنى، إذا قلت: "اللسان
العربي"، هذا مركب نعتي. لاحظ، "اللسان العربي" هي صفة له. لكن عندما
نقول "لسان العرب"، هذا مضاف ومضاف إليه. هنالك فرق بين الاثنين، لأن "لسان العرب" هو اللسان الذي
يختص بالعرب، لكن "اللسان العربي" أخذ السمات ووسعها. فأنا أجيء من فوق،
وأقول: "في اللسان العربي"، هذا اللسان العربي داخله "لسان
العرب"، وهو اللسان الفعلي الذي تكلمه العرب أو كتبوه. وهنالك "لسان
القرآن". "لسان القرآن" جزء من اللسان العربي، وليس جزءًا من
"لسان العرب". وهنالك "لسان القرآن" وفيه "اللسان
القرآني". فرق بينهما، وفيه "اللسان الكامن". هذه مجموعة الألسنة. لو
لم نفرق بينها، لن نستطيع أن نفرق بين "لسان العرب" و"لسان
القرآن". طيب، "لسان القرآن" بالتحديد هو القرآن ذاته. يعني لو
قلت، أستاذ باسم، "أعطني مثالًا للسان القرآن"، تقول لي: "قل هو
الله أحد". أي آية تأتي بالآية كما هي دون تغيير، هذا هو "لسان
القرآن". طيب، ما هو "اللسان القرآني"؟ هو التكلم بجذور القرآن.
وعلى فكرة، كل الناس يفعلون ذلك. يعني، أنا يمكن من كلامي هذا أن أقول كلامًا
ويكون كل الجذور... يعني، كلمة "لغة" من "اللسان القرآني"،
لأنه ورد "اللغو". كلمة، مثلاً، أي كلمة، مثلا وردت كلمة
"الإسلام" و"أسلم"، كلمة "الاستسلام" لم ترد، لكن لو
قلت "الاستسلام" هذا من اللسان القرآني. ومعظم الناس يتكلمون باللسان
القرآني. لسان العرب يشمل لسان القرآن، لأن العرب عندما يتكلمون يستخدمون كلمات
القرآن ويستخدمون غيرها. إذن هناك الكلمات التي وردت في القرآن وكلمات لم ترد في
القرآن، لكن أين؟
باسم: يعني أنت ترى أن اللسان.. لسان العرب، أشمل أو يشمل لسان القرآن؟
عمر: نعم، يشمل، لكن هناك كلمات في القرآن لم يستخدموها، كلمات قليلة استخدموها
قليلًا. لكن المشكلة أنهم غيروا بعض الدلالات في اللسان. المشكلة عندما نأتي
للدلالة، دلالة لسان القرآن مضبوطة به. يعني مثلاً، أي كلمة في القرآن مضبوطة
بداخل القرآن. هم أحياناً يستخدمون كلمة في القرآن بدلالة خارجية عندهم. يعني مثلاً،
تجد كلمات، مثلاً، كلمة "قسورة" في القرآن. هم عندهم في لسانهم لفظ
"قسورة"، وهو الأسد. صحيح؟، أيًا كان معناها في القرآن، من الممكن أن لا
يكون معناها الأسد، ولكن قد تعني شيئاً آخر من "قسر" أو من القسر.
وكلمات كثيرة تجدها محرفة. يعني، مثلاً، "حمأ مسنون"، عندهم
"المسنون" هو الطين المعفن. صحيح؟ لكن في القرآن، ترجع إلى
"سن" الطين المسنون، أي الطين الذي جعله الله في السنة.
باسم: وفق السنن المحددة.
عمر: وفق السنن الربانية. فلذلك، بعض كلمات القرآن يستخدمونها ويعطونها
دلالة، وهذه هي المشكلة. لو فرّقنا بين الدلالاتين، نرجع لدلالة القرآن. إذن،
بالتحديد، لسان القرآن هو قول القرآن من أوله إلى آخره كما هو، محدد "القولات"
أو الكلمات، محددة محسوبة. لسان العرب ليس محسوباً. محدد الجذور، و محدد التراكيب. لأن اللغة
تقوم على التركيب، ولا تصبح عكس ذلك. أنت ممكن أن تركب أي جملة، لكن القرآن
مركباته قد تحددت. يعني، مثلاً، كلمة "قوم سوء"، هذا مركب "قوم
سوء". مركب من قولتين. عندما أريد أن أوسع أقول: "إنهم كانوا قوم سوء".
هذا المركب، "إنهم كانوا قوم سوء"، ورد في القرآن كله مرتين. أحدهما مع
قوم لوط، ومع قوم نوح. عندما أريد أن أصل للمركب في الأولى، يقول لي: "إنهم
كانوا قوم سوء فاسقين"، وفي الثانية يقول لي: "إنهم كانوا قوم سوء
فأغرقناهم أجمعين". عندما نأتي، لماذا أركز على المركب؟ لأن المركب يربط لي
الآن قوم لوط وقوم نوح. الشيء الثاني، حتى في الاقتران، لاحظ: لوط ونوح نفس
الصياغة: لوط نوح. طيب، فرّقهم لماذا؟ قال في الأولى: "فاسقين"، وفي
الثانية قال: "أغرقناهم أجمعين". لماذا؟ لأنه هنا المركبات تقودني
لقضايا كبرى بعدها. إذن نرجع: لسان القرآن محدد القولات القولات تجمع لي. لماذا؟
نشرحها؛ القولة هي.. ما هي وحدة بناء القرآن؟ هي السورة. ما هي وحدة بناء السورة؟
هي الآية. ما هي وحدة بناء الآية؟ الآية هي ما نسميه الكلمة. مثلاً: "بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". لكن عندما وجدت أن هناك من يسميها مفردات
القرآن، وهناك من يُسميها كلمات القرآن، فالمصطلحين غير دقيقين. لماذا؟ لأننا نريد
أن نأخذ هذه الوحدة في الآية كما هي. مثلاً: "فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ" نحن
لا نريد أن نقول: "أسقى"، بل نأخذها كما هي. إذن القولة هي وحدة بناء
القرآن متصلة الأصوات والحروف، متصلة الحروف والأصوات.
تحدي القرآن بالسور وليس بالآيات
باسم: يعني لهذا تعتقد، أن التحدي أن يأتوا بسورة مفتراة أو بعشر سور مفتريات؟
هل التحدي هنا جاء للصياغة، للسان نفسه، للمعنى، للمعنى مع الصياغة؟
عمر: لا. السورة هي موضوع مسور في القرآن، فيه 114 تسويرة. جيد؟ لماذا؟
أولاً، هو لماذا تحدى بالسورة؟ لأن القرآن أنزل سوراً، وليس آيات. هذه واحدة من
الأوهام عند المسلمين، أن القرآن نزل آيات...
باسم: أنا أتفق معك.
عمر: القرآن نزل سوراً. ولذلك قال: تحدٍ بالسورة، يأتي بمثلها. أنا أرى على
مستوى الصياغة ممكن، لكن على مستوى الموضوع، ليس ممكنًا. لأنه عندما قال:
"بلسان عربي مبين"، جاء به نكرة، يمكن أن يوجد لسان عربي مبين آخر. لكن
عندما تأخذ القرآن في كليته، لا يمكن أن تأتي لا بآية ولا بسورة، لأن الموضوع ليس
صياغة فقط. الموضوع المحتوى ذاته. يعني، مثلاً، عندما ضربت لك مثل "قوم
سوء"، من الذي يمكنه في الدنيا هذه أن يأتي بمركب ويخط المركب ويكون فعلياً
وموضوعياً مرتبطاً مع قومين؟ ونجد جميع الارتباطات التي بعدها، يعني: قوم نوح،
وقوم لوط. انظر، يربطهم: امرأتان، نوح ولوط. عندهم امرأتان، وفي نفس الوقت
الصياغة: لوط نوح. في نفس الوقت القوم. نجد أننا نلقى المركب يودنا لارتباطات.
يبدو لي مستحيلاً أن مؤلفاً يؤلف جملتين، ويكون عندهما موضوع من الارتباطات، وهذا
التوصيل القرآني لأنه قال: "ولقد وصلنا لهم القول". القول موصل في
القرآن كله، فإذا جئت الآن أحاكي القرآن من حقي، القرآن قال لي حاكهم، لكن مستحيل
أنا كبشر أن أحضر قطعة، والقطعة هذه تكون موصلة كما القرآن موصل.
باسم: صحيح، لا يمكن.
عمر: لا يمكن، مستحيل. لكن على مستوى الصياغة، يمكن أن آتي بصياغة جميلة.
باسم: نعم، بدليل أنه هناك شعر مصوغ بشكل كبير، لكن لا يرقى إلى مستوى
صياغة الموضوع.
عمر: لذلك، عندما تتحدى بالسورة، هو يقصد السورة كاملة. يعني لو جئنا بكل
سورة، نجد لها شيئًا يسمى "ثيماتيك يونيتي"، وهي الموضوع الخاص بها.
وعلى فكرة، كل سورة لها قولاتها الخاصة بها، ولها مركباتها الخاصة بها. كل سورة،
على سبيل المثال، سورة الكوثر فيها عشر قولات، فيها خمسة منها لم يردوا إلا في
الكوثر. "أعطيناك" و"الكوثر" و"انحر"، وهكذا، تجدها
خاصة بالسورة فقط. لماذا؟ لأنها تتواءم مع جو السورة. طيب، لو جئت أنا لكي أحاكي
القرآن وأتحداه، هل ممكن أن أعمله؟ مستحيل.
لماذا لم يفهم العرب القرآن؟
باسم: أنت أعطيت مفهومًا أعتبره جميلًا، وهو التفريق ما بين اللسان العربي
ولسان القرآن واللسان العربي المبين. يعني، أنا أعتقد أن هذا تمييز جميل لفظًا.
وهذا يقودني إلى سؤال أو تساؤل: هل لسان العرب قادر على أن يفهم لسان القرآن أو اللسان
العربي المبين؟ أنا في رأيي أن العرب أو من حاول تفسير اللسان أو فهم لسان القرآن،
حتى الآن لم يستطيعوا فهمه، هل لأنهم استخدموا أداة مختلفة، مثلاً؟
عمر: طيب، أولًا، كلمة "اللغة العربية" هي أولًا كلمة وهمية.
لأنه إذا جئنا أصلًا للألسنة، الألسنة بدأت قديمًا. فإذا جئنا لكلمة "اللغة
العربية" أو "اللسان العربي"، يُفترض أن يشمل المنطقة منذ القديم،
من البابليين والسومريين واليمنيين، لأن هذه كلها ألسنة. والآن هذه الألسنة اتضح
أنها كلها قريبة. لكن حصلت المشكلة عندما جاء الغربيون ليفكوا هذه الألسنة، كتبوها
بحروف لاتينية. فمثلاً، العين اختفت، والحاء.. لكن لو كان علماء عرب فكوا هذه
الألسنة من الأول، سوف تكون قريبة.
باسم: لم نكن لندوخ هذه الدوخة الطويلة.
عمر: ما كنّا دخنا. يعني، مثلاً، عندما يجيء أحدهم ويتهم ويقول كلمة
"قرآن" أصلها سريانية، لأنها جاءت من كلمة "قِريان"، (ينطقونها
خطأ "قُريان"، وهي "قِريان") لا، هذه كلمة صحيح أنّها في
السريانية موجودة، وفي العربية موجودة. وإذا جاء أحد يقول لي: "اللسان العربي
لسان القرآن" فيه كلمة سريانية، أقول له: نعم، فيه. لماذا؟ لأن هناك نقطة
مهمة جدًا لم ينتبه لها علماء العرب في اللسانيات. لسان القرآن هو يُمثل نموذجًا
للسان الأصلي، ولذلك جميع الكلمات الموجودة في المنطقة، ممكن أن تجدها فيه.
باسم: التي يمكن أن يطلق عليها الألسن أو اللهجات التي كانت قائمة.
عمر: كلها موجودة في النموذج. يقدم لك النموذج. ولذلك إذا وجدت كلمة في القرآن موجودة في السريانية، فلا
مشكلة. في المصرية القديمة، لا مشكلة. في اليمنية القديمة، لا مشكلة. إذن، لسان
العرب يمكن أن يساعدني في فهم لسان القرآن.
باسم: يمكن.
عمر: يمكن، بالذات في الكلمات التي وردت في القرآن مرة واحدة. هي تقريبًا
395 كلمة، مثل كلمة "تفثهم" و"ليقضوا تفثهم". لكن أنا أنبه
الناس أقول لهم: انظروها في اللهجة اليمنية القديمة. لكن قبل ذلك، الاقتران في
القرآن مهم جدًا. "تفثهم"، أنا لا أفهمها، ولكن هناك معلومات أمامي. أول
شيء، "ليقضوا تفثهم"، قرنها بـ "القضاء" "وليوفوا
نذورهم". إذن، مقترنة بالنذور، وهذا في زمن الحج. إذن، كل هذه الاقترانات
تقربني. مشكلتنا أننا نريد أن نأخذ المعلومة كاملة من أول مرة. لا، إذن،
"التفث"، أنا الآن لا أفهمه، لكن عندي اقترانات. "ليقضوا
تفثهم"، "وليوفوا نذورهم"، إذن فيه وفاء بالنذور، فيه اقترانات، في
زمن الحج، وهي تختص بالحجاج. إذن، أنا الآن أخذت الهيكل.
باسم: الإطار العام للفظ.
عمر: نعم، بعدها يمكنني أن أبحث في اللهجة اليمنية القديمة وأرى معانيها.
هل تتناسب مع السياق؟ هذا ممكن، من هذه الناحية لسان العرب يفيدني، ولكن لا يكون
الأساس. لأن القرآن لابد أن يُفهم من داخله. يعني مثلًا، هناك مثال كثيرًا ما ضربته،
لو الآن سألت شخصًا: ما معنى "الفتى"؟ "الفتى" في لسان العرب مرحلة
عمرية. يقول لك: هو صغير من عمر كذا إلى كذا. أقول له: هذه الإجابة اتركها. تعال
إلى القرآن. في القرآن أجد أن إبراهيم كان فتى -أنا أجمّع-، وموسى كان لديه فتى،
ويوسف كان فتى في بيت العزيز. الآن أبدأ في التصنيف. أجد أن "الفتى" فيه
قسمان: واحد في المعبد وواحد في الخدمة، سواء كان في البيت أو خدمة شخصية. ما الذي
يؤكد ذلك؟ أذهب إلى الجمع، وأجد أن القرآن ذكر جمعًا: "فتية"
و"فتيان". فوجدت أن "الفتية" تتماشى مع فتى المعبد، و"فتيان"
تتماشى مع فتيان الخدمة. ولذلك، يوسف هو الوحيد الذي كان فتى، فأصبح له فتيان.
انتقل من كونه فتى ليصبح بعد ذلك العزيز الوزير الذي كان لديه فتيان يأتمرون
بأمره. إذن، كلمة "فتى" في القرآن علاقتها المباشرة ليست بالعمر، إنما
علاقتها بالخدمة. لذلك، عندما يقول: "فتياتكم المسلمات" زوجوهن، يقصد
الفتيات اللاتي يخدمن.
تدبر القرآن وتتبعه
باسم: إذن، لا يمكن فهم اللفظ القرآني إلا في سياق قرآني بالذات.
عمر: على الأقل، أنا أضبطه في سياقه القرآني. والضبط هذا له عدة مسالك.
يمكنني أن أضبطه بالصيغة. على سبيل المثال، الجذر الواحد له صياغات مختلفة. وهذا
بالتأكيد تتناسب مع بعضها، بعد ذلك بالاقترانات، بالمركبات، بالمجموعات. هكذا أن يؤدي
لي معنى عامًا صالحًا. النقطة الثانية أنا أتدرج، لأن القرآن فيه شيء اسمه
"قرآن الجمع" و"قرآن الفرق". القرآن قال: "وَقُرْآنًا
فَرَّقْنَاهُ"، هذا في زمن النبي عليه السلام. هذا القرآن قال:
"جَمَعَهُ" في سورة القيامة. إذن، الذي بين أيدينا هو قرآن الجمع. أنا
يهمني كمسلم معاصر قرآن الجمع.
باسم: الذي بين أيدينا.
عمر: الذي بين أيدينا اسمه "المصحف". لذلك لديَّ ترتيبان: إما
ترتيب نازل أو ترتيب صاعد. الاثنان يصلحان. المسلمون عندما يأتون ليحفظوا أولادهم،
يُحفظونهم بالترتيب الصاعد. وعلى فكرة، هناك قصص في القرآن إذا أردت أن تفهمها مثل
قصة موسى، فهي مُرتبة من الآخر إلى الأول. لكن عندما أعود إلى الترتيب النازل، أجد
مثلاً كلمة "قرآن". والآن، نحن لا نفهم القرآن، لأنني إذا سألت أي أحد،
محمد عابد الجابري عليه رحمه الله، عندما جاء ليعرف القرآن نقل التراث، هو لم يعرف
كلام الله الذي نزل على محمد المتعبد به. هذا تعريف لا علاقة له بالقرآن. عندما تجيء
للقرآن، تتبع، تجد أنه أول مرة ذُكرت كلمة "القرآن" في الآية 185، في سورة البقرة: "شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن". هذه أول مرة. القرآن عندما يأتي لك بهذا المصطلح، أتركك؟ لا، قال لك
"هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ". كفاية. إذن،
القرآن هدى للناس، ليس لنا، للناس. عندما تأتي بعد ذلك، لكي تفهم الهدى، يقول لك:
"إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ". إذن، الهدى
يكون بالقيم.
باسم: هل هنا "أَقْوَمُ" تعني القيمة أم "أَقْوَمُ"
أن...
عمر: الاثنان يصلحان. لكن القرآن يربط القيم، لأن الدين فيه شيء اسمه
"الدين القيم".. تربط دائمًا الصياغات بعضها. لذلك نقول: إنه تدبر
القرآن يعني أن تجعل القرآن أمامك وإمامك، لا تفرض عليه، إنما تتبعه. وعلى فكرة،
حتى كلمة "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ"، كلمة "يتدبّرون"
معناها البدائي أنك تتبعه. أن تكون أنت خلفه.
باسم: بمعنى تتبع دبره.
عمر: نعم، هذا المعنى البدائي.
باسم: دبر اللفظ.
عمر: تتبع، الاتباع. لكن الاتباع يحتاج إلى تفكير. أنت لا تتبع هكذا أعمى.
ولذلك المعنى الثاني معه هو يكمله، أنك تتفكر حتى تصل لفكرة فتتبعها وتتدبرها.
ولذلك، التدبر جاء للقرآن، لم يقترن لا بالكتاب ولا بغيره، كلمة
"التدبر" اقترنت بالقرآن فقط. والقرآن على وزن "فُعْلان"، لأن
القرآن ملف صوتي أصلاً. أما الكتاب، فهو شيء آخر. هو نفسه لكن بصيغة ثانية. فهذا
القرآن الذي يُقرأ ومحفوظ في صدور الذين أوتوا العلم، وهو ملف صوتي حفظته
الملائكة. "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ"، في شكل الذكر. إذن يحتاج
إلى تدبر. التدبر من ضمن معانيه أن تجعله أمامك وإمامك. وأن أي مسألة فيه، تبحثها
من داخله بطريقة التوصيل. لأنه هو القول. القرآن هو قول، قال: "وَلَقَدْ
وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" في الآية 51 من
سورة القصص. إذن، توصيل القول. قال: "وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ..."، وضع
كلمة "لهم" بين "توصيل" و"الْقَوْلَ". ليعطيك معنيين: أن لهم وصّل القول، وأن القول أصلاً موصّل. لذلك، واحدة من الفروق: لسان
القرآن فيه توصيل، ولسان العرب فيه تواصل. أن لسان العرب فيه تواصل، بينما لسان
القرآن فيه توصيل. هناك التوصيل.
باسم: توصيل للمعنى أم توصيل للذكرى أو للذاكرة؟
عمر: لا، توصيل شبكة عنكبوتية، كله موصّل. يعني أي كلمة عندها علاقة بكلمة أخرى.
باسم: يعني مَحبوك.
عمر: محبوك بالضبط. "الحبك" "والسماء ذات الحبك".
محبوك كاملًا. لسان العرب "الحبك" أو "التوصيل" فيه قليل، لأنني
كبشر لا يمكن أن أربط الكلمات كلها ببعضها، مثلاً القرآن ابتدأ بسورة الفاتحة.
المواضيع التي في الفاتحة هي فعلاً، القرآن كله تفصيل لها. يعني أعطيك مثالًا: لماذا
قال القرآن: "مالك يوم الدين"؟ ليدلنا أولاً على الملك الذي لا نفهمه،
الملك شيء كبير. ولما جاء بـ "يوم الدين"، هذا مصطلح. نحن في الإنجليزية
عندما نترجم نقول (day of resurrection)، الترجمة هذه خطأ. يجب أن نقول كما هو: "يوم الدين"،
لأنه يوم مخصوص. فلما تأتي تترجم (day of resurrection) تخلط المعنى مع "يوم
الحساب"، أو غيره. لا، أنا أريد "يوم الدين". القرآن عندما يقول:
"يوم الدين"، معناه اليوم الذي يُقام فيه الدين، لأنك عندما تقول:
"يوم الزينة"، معناه يوم فيه الزينة. عندما تقول: "يوم
الحساب"، يعني يوم فيه الحساب. لكن عندما تقول: "يوم الدين"، إذن هذا
الدين بمعناه القرآني له يوم يقام فيه أو يكتمل.
باسم: بمعنى مرحلة.
عمر: هو يوم من أيام الله الستة. هي أيام الله ستة، نحن في اليوم الثالث
الآن. اليوم القادم هو "يوم الدين"، الذي ينتهي بالأرض تأخذ زخرفها
وتتزين. ولحظة يأتي أمر الله ندخل في
"يوم الدين". هناك فارق كبير جدًا بين يومنا وبين "يوم
القيامة".
باسم: إذن، أيام الله هنا المقصود بها مراحل محددة.
عمر: بالطبع، "أيام الله" تتمايز. سيدنا موسى قال:
"وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ". "أيام الله" على الأقل
لدينا فيها الأيام الستة. قال: "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ". هذه واحدة من "أيام الله". نحن يفترض أن نعرف
الأيام الستة هذه، وفي كل يوم ماذا حدث؟. فواحد منها هو "يوم الدين"، وواحد
"اليوم الآخر"، وواحد "يوم القيامة". نحن طبعًا نخلط بينها،
لكن هي كل واحد غير الآخر. حتى في القرآن يفرّق، الجحيم مرتبطة بـ "يوم
الدين"، جهنم مرتبطة بـ "يوم القيامة". جهنم عندها وصف؛ دائمًا
تكون "مرصادًا". حتى المجموعات، لم نتكلم عنها، القرآن مثله مثل الحياة،
لأننا في الحياة نمشي بالتصنيف. يعني، الأطباء يتخرجون، وبعدها نقول: هؤلاء أطباء
الصدر، أطباء... المهندسون، هؤلاء مهندسو المباني...
باسم: كلٌ في تخصصه.
عمر: القرآن هكذا. من سورة الفاتحة، ابتدأ. أولًا، ذكر المجموعة الكبيرة،
قال: "الْعَالَمِينَ"؛ "الحمد لله ربّ العالمين".
باسم: هذه المجموعة العامة.
عمر: نعم، هذه مجموعة كبيرة كالمجموعة العامة. وبعدها جاء فذكر لنا ثلاث
مجموعات؛ قال: "صراط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ". فذكر لنا ثلاث مجموعات، وهذه المجموعات
مفصلة في القرآن. "المغضوب عليهم" مفصلة، "الضالين" مفصلة،
وقدّم المغضوب عليهم على الضالين، لأن الضال يضل من غير قصد، أما المغضوب عليه
فهذا معناه أنه عمل مشكلة حتى عليه. ولذلك، سيدنا محمد -عليه السلام-: "ووجدك
ضالًا... "، فالضال يبحث، مثلما نبحث في الطريق، لكننا لا نعرفه. لكنن أصًا أبحث،
لذلك "الضالين" مجموعة. والضلال، على فكرة، مقابل للهدى.
باسم: "ووجدك ضالًا فهدى".
عمر: حلو، هذا هو التقابل. لأننا عندما نأتي للسان القرآن، القولات أو
المركبات في التوصيل، سمّيناه الاقتران. لماذا؟ لأننا وجدنا، على سبيل المثال، أن
محمد المستغانمي سمّاه "التجاذب اللفظي"، والدكتور جوهر محمد داوود
سمّاه "التلاحم اللغوي". فلو جئنا وبحثنا، ووجدنا كلمة
"التجاذب" استبعدناها، لأن كلمة "جذب" في القرآن جذرها غير
موجود، ولكن هناك "جذوة" و"جذاذ"، فاستبعدناها. نحن نحاول
بقدر الإمكان أن يكون المصطلح القرآني مشتقًا من القرآن. "التلاحم"
موجودة، ولكن وُجدت "اللحم" و"لحوم"؛ فهي بعيدة، جئنا لكلمة
"الاقتران " فوجدنا كلمة
"قرينه" و"قرناء"أقرب كثيرًا فسمّيناه الاقتران.
باسم: وربما كما قال الدكتور محمد شحرور، رحمه الله، قال: إن القرآن من المقارنة
أو الاقتران.
عمر: الاقتران، صحيح. الاقتران هذا هو أن الكلمات كلها فيها اقتران، فيه
قرينة بينها، فسمّيناه الاقتران. إذًا، ما هي مسالك الاقتران؟ واحدة منها التقابل.
مثلما قال: "ضالًا فهدى". تفهم هذا بهذا، أو الترادف. طبعًا، الترادف في
لسان القرآن هو أن الكلمات يردف بعضها بعضًا فتضيء.
باسم: وليست التماثل.
عمر: لا، ليس التطابق. لكن عندما يجيء شحرور أو علماء، يقولون: "لا
يوجد في القرآن ترادف"، هم يقصدون "التطابق". هم فقط استخدموا المصطلح
خطأً. أما القرآن ففيه ترادف، وكلّ لسان فيه ترادف. لذلك، واحدة من مسالك الاقتران
أن يكون فيه ترادف، لأن الترادف يشرح بعضه بعضًا، وفيه تقابل، وفيه تصريف. يعني،
هناك مسالك كثيرة، لكن نحن للمسلم العادي، عندنا مهمتان: المهمة الأولى: نقلل المصطلحات،
والمهمة الثانية: أن تكون سهلة. يعني، نستفيد، فبعض الفلاسفة يصعبون المصطلحات. فلذلك،
إذا قلنا "ادّبار القول" مصطلح، "توصيل القول" معه، ونقول: هناك
اقتران في القولات والمركبات. نقلل المصطلح، حتى المصطلح يمكن أن يغيره، هو يفهم
المقصود ما هو. أن القرآن هذا موصّل كله، وأنك أنت يمكن أن تصل من داخله إلى قضايا
كبرى. يعني، لو أردت أن تأخذ مثلًا قضايا النفس والروح والموت، هذه القضايا لم تصل
إليها إلا من داخل القرآن.
علوم تقليدية
ضارة وعلم التدبّر
عمر: وهذا يقودنا إلى التفريق بين المدارس الآن. لدينا الآن علوم القرآن
التقليدية، وهذه يمكن تقسيمها إلى نوعين: نوع نستفيد منه في علم الضبط، وعلم
الرسم، وعلم الوقف وكذا. ونوع مضر، نقولها بكل صراحة: أسباب النزول، الناسخ
والمنسوخ، المحكم والمتشابه، المدني والمكي. نستبعدها، هذه تسمى "علوم القرآن
التقليدية".
باسم: هذه علوم ضارة.
عمر: مضرة. لماذا؟ لأنها مفروضة على القرآن، لا علاقة لها به. هذه هي علوم
القرآن التقليدية. ثم هناك الدراسات القرآنية، (Quranic Studies)، وهذه سليلة
الاستشراق. يعني، هذه أصلاً ظهرت في الغرب، وهي أيضًا تفرض على القرآن.. كلما يأتي
علم جديد: فيلولوجيا، (Linguistics) أو اللسانيات يفرضونها عليه. ولكن، الآن هنالك تطور؛ بدأ بعض
المسلمين في الغرب يكتبون في الدراسات القرآنية، وهذا تطور حتى لو كان بطيئًا.
مثلاً، آخر مرجع "مرجع أوكسفورد" للدراسات القرآنية، كمية المسلمين فيه
ازدادت، فالحدة قلت. والمصطلح نفسه "الدراسات القرآنية" مصطلح جميل،
مفروض أن نجلبه، لكن، حتى الآن في الدراسات الأكاديمية، هو مصطلح غربي. بعد ذلك،
نشأ علمان أو ظاهرتان متداخلتان، هما القراءات الحداثية والقراءات المعاصرة.
القراءات الحداثية تطلق غالبًا على أي إنسان مسلم أو
غير مسلم قرأ القرآن بعيون الحداثة الغربية، مثل: محمد أركون، نصر حامد أبو زيد،
وغيرهما. القراءات المعاصرة، مثل: محمد شحرور، ومحمد أبو القاسم حاج حمد، فقد
جاؤوا إلى القرآن فعلاً وحاولوا أن يقرأوه في عصرنا. القراءات المعاصرة معترف بها.
لكننا نريد أن نؤسس لعلم التدبر أو علم ادّبار القول، خاص بنا، كما كان التفسير
مفصولًا نوعًا ما عن علوم القرآن. نحن بحاجة إلى علم جديد نسميه "علم
التدبر" أو "علم الادّبار"، أيًّا كان.
باسم: هل يمكن الحكم أن
ما قدمه المسلمون أو العرب تقريبًا من بداية ظهور علوم القرآن إلى الآن، لم يقرؤوا
فيه القرآن. يعني يقرأ القرآن بالروايات. قال فلان وقال فلان وقال فلان، يذكر آية
ويقول: قال فلان عنها وقال ابن عباس وقال...
عمر: هذا هو فعلًا، نحن نريد أن نقرأ القرآن من داخله عن طريق التوصيل.
يعني، عندما نتكلم عن كلمة في القرآن، مثل كلمة "اهدنا الصراط
المستقيم"، أنا أريد أن أعرف "اهدنا"؛ طلب الهداية، أتتبع، أجد في
سورة البقرة في البداية: "ألم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى...". إذًا،
بدأت، هذه الشبكة اسمها "توصيل القول". أنا سأصل للهدي كاملاً في القرآن.
لكن الطريقة التي تقصدها: يأتي لـ"اهدنا" فيقول لك: "قال فلان وقال
فلان"، ينسيك الآية وينسيك علاقاتها.
باسم: ويفرض رأي الآخر على النص.
عمر: لذا، نحن الآن لدينا مشروع اسمه "قاعدة بيانات القرآن
العظيم"، يقوم على مدونتين: "مدونة القول القرآني" و"مدونة
التدبر المعاصر". نحاول في "مدونة القول القرآني"، باستخدام الذكاء
الاصطناعي- إن شاء الله- أن نحلل هذه الأشياء؛ القولة، والمركبات، والمجموعات، والاقترانات،
بحيث إنه إن شاء الله في الذكاء الاصطناعي، إذا طلبت إجابة، يبحث من داخل هذه
القاعدة ويأتيك بالإجابة من داخل القرآن، وليس "قال فلان وقال فلان".
باسم: يعني، لا يمكن لأي متدبر للقرآن أن يقرأ القرآن من خارجه، لا يمكن من
يريد قراءة القرآن أن يفيده استخدام آراء الآخرين في النص.
عمر: لا، هنا تأتي معلومة مهمة. المتدبر يجب أن يكون عنده علم، لأنه إذا
جئنا لمسألة في الجيولوجيا، أنت متخصص في الجيولوجيا، سَتفهمها أكثر مني. لذلك،
نحن نريد أن يكون الإنسان عنده علم. العلم الظني الكثير هذا؛ لأنه يوسع لك
المدارك. لكن في النهاية، يجب أن تجعل القرآن أمامك، لا تفرض عليه العلم الذي جئت
به. لكن، كل إنسان دخل في علم، سيكون أوسع من غيره. لأنه أصلاً، حتى العلم والتعلم الآن في تعريفه،
ليس حفظًا، إنما هو يزيد لك مداركك؛ لأنه يوجد شيء اسمه "مصطلح إنجليزي"،
وهو يزيده لك، وبالتالي يزداد علمك، أي تزداد طرق التفهم عندك.
شروط تدبر القرآن
باسم: أي فرد يريد أن يتدبر القرآن، ما مدى ضرورة أن يكون ملماً مثلاً
بالمذاهب الأربعة، بالفقه التراثي، بالمدارس القديمة؟ هل هناك ضرورة أم يمكن للفرد
المتدبر...؟
عمر: لا، بالعكس مضِرة. هي ليست ضرورة. لنكن شجعانًا وواضحين. إذا ربطت
القرآن بالمذاهب الأربعة و باللغة العربية والناسخ والمنسوخ، أولاً، سوف تضيع
وقتك. ثانيًا، هذه العلوم سوف تؤثر عليك، وسوف تفهم القرآن حسب وجهة نظر هؤلاء
الناس. القرآن تفهمه في زمنك، لأنه حتى الآن يمكن أن أجلس أنا وأنت ونفهم فهمًا
ويكون جميلًا، لكن بعد مائة وخمسين سنة يختلف. وهذه ميزة القرآن. لذلك، القرآن لا
يحتاج إلى لغة عربية ولا يحتاج إلى غيرها. يحتاج إلى أن تتدرب عليه من داخله. وعندنا
تجارب على فكرة. يدخل الإنسان بعد مدة، لأنها شبكة. كلما تتبعت فيها خيطًا، وقادك
إلى خيط، الخَيطان يقودانك إلى خمسة خيوط، والخمسة خيوط تقودك إلى عشرين خيطًا
وهكذا. لكنك محتاج إلى أن تتدرب على طريقة القرآن في تدبر القرآن. طريقة القرآن هي
"توصيل القول". كما قلت لك، مثلاً، لو مسكنا سورة الفاتحة: "الحمد
لله رب العالمين". إذا سألت: ما هو الحمد؟ ورجعت إلى كتب التفسير وكتب اللغة،
سوف تتوه. لكن إذا جئت إلى الحمد في القرآن، أول ملاحظة ستجدها هي أنه "الحمد
لله"، لا يوجد "الحمد لفلان". المركب مهم، "الحمد لله"
فقط. فهمنا؟ النقطة الثانية. تجد أن الحمد له صياغات مختلفة، وهنالك فرق بين الحمد
والشكر، وغيره. والملاحظة الأهم هي أن محمدًا عليه السلام سُمِّيَ "مُحمّد"
على وزن "مُفعّل". إذًا هو الذي تحقق فيه الحمد. اذهب وادرس سيرة محمد
في القرآن، وليس في سيرة ابن هشام، وسوف تجد أنه التطبيق الفعلي للحمد. إذًا، هذه
شبكة قرآنية قادتك إلى الحمد بجميع اختصاصاته. لماذا؟ لأن الكلمة الأولى التي
ذُكرت في القرآن مهمة. القرآن ابتدأ بعد البسملة بالحمد.
باسم: مفتاح القرآن .
عمر: إذن الحمد، إذن
لابد أن ندرس الحمد.
باسم: إذن القراءة
المعجمية للقرآن التي درج المسلمون والعرب عليها هي طريقة خاطئة وأضرت العرب.
عمر: لماذا؟ لماذا؟ لأن المعاجم فيها مشاكل. أولًا، هذه المعاجم جُمعت من
بدو وغير بدو. يعني هي جُمعت من بعض البادية وتُركت بادية أخرى. حتى لو جمعت من كل
البادية، فهي اللغة.
باسم: صحيح، جمعت من البادية وتُرك الحضر.
عمر: نعم، هذه النقطة الثانية. تُركت اللغة في زمانها، كل لغة تتغير من
زمان إلى زمان. وتُرك الحضر بحجة أن هذه هي اللغة الفصيحة، واللغة الأصلية. لا،
لا، تلك فترة زمنية للغة معينة تمثل شعرًا وتمثل لغة بهائم. لذلك، معجم "لسان
العرب" كله يقوم على الناقة والجمل. كل الكلمات فيه تدور حول الناقة والجمل.
أما المعاجم عندما جمعت ارتكبت أخطاء. الخطأ الأول في الدلالة الأصلية. نحن لو
جئنا، أصلاً، فيه دلالة. هذه التعاقبات، "ض ر ب"، عندها دلالة أصلية
ثابتة. وهذه الدلالة، بالتشابه، هي خلق الله في الكون، تنطبق على ما يشابهها من
أشياء الخلق. فيسمونه "المصداق" أو لو جئنا للقرآن، يسمونه
"المحقاق" لأنه قال: "يحق الحق بكلماته". طيب، إذن المعاجم
ماذا فعلت؟ جاءت لأحد المصادر، مثلًا: الأكل. الأكل واسع. القرآن يقول:
"تأكلون التراث"، "تأكلون الطعام"، "تأكل ...".
باسم: "تأكل النار"..
عمر: طيب، هم قالوا الأكل للطعام هو الأصل. إذن جعلوا أحد المصاديق هو
الأصل. وعندما قابلتهم المشكلة، قالوا: والباقي مجاز. هذه المشكلة الأولى. وقعوا
فيها. المشكلة الثانية، وقعوا في الجموع. يعني يأتي للكلمة ويذكر جموعها. مثلًا:
عبد، جمعها عباد وأعبد وعبيد. ويقول لك: "كلها بمعنى واحد". لسان القرآن
ليس كذلك. لسان القرآن إما أنه ورد فيه المفرد من غير جمع، أو المفرد غائب وورد
الجمع فقط، أو عنده مفرد عنده كذا جمع، تختلف. فلذلك هذه أخطاء المعاجم. النقطة أن
المعاجم خاصة بزمانها. ولذلك، إذا جئنا الآن إلى المعاجم نقيّمها، نجد أعلى نقطة
وصلت إليها المعاجم هي "مقاييس اللغة"، لابن فارس، وهذه وقع بعض
المتدبرين، مثل محمد شحرور فيها، هذه مرحلة، لكن نحن لم نصل إليها. ولو تأملنا
ذلك، يدل على مشكلة. ابن فارس له مئات السنين، ولم يأتِ بعده من يطور المعاجم. طور
ابن فارس، عمل خطوة كبيرة. صار يجمع هذه الكلمات بمصاديقها ويبحث عن معنى مشترك.
باسم: ما بين الألفاظ
عمر: نعم، سماه الأصل. لكن نحن، كان المفروض في المرحلة التي تليها، أن نأتي
بالأصل من فوق أصلاً، الدلالة العامة، نعرفها في دلالتها العامة الثابتة، وبعد ذلك
نعرف ما تحتها، وهذه الدلالة معروفة عند كثيرين، عند العامة وعند الشعراء. لماذا
نحن ننبهر بالشعر؟ لأنه يعرف الدلالة العامة، ومن الدلالة العامة يطلقها على مصداق
جديد، نحن ننبهر به، كيف هذا يشبه هذا؟ والعوام على فكرة، إحساسهم اللساني دقيق. قلت
قبل ذلك: إن كلمة "تعشيقة"، سموها "الميكانيكية"، لأنهم كانوا
بحسهم، يعرفون العين والشين والقاف عندما تجتمع تدل على تشابك، تشابك قوي جدًا.
باسم: تشابك أو تداخل بشيء.
عمر: نعم. المرأة تعشق، يسمونها "عشيقة". فلما لاحظوها في هذه
الحركة، سموها "التعشيقة". هم بحسهم اللساني. ولذلك هي موجودة، الحس هذا
موجود. معاني الأصوات لم تختفِ كلية. موجودة، لكن تحتاج علماء لغة عرب يبحثون
فيها. وهذه هي القصدية التي قالها سبيط النيلي وعاصم المصري وسامر إسلامبولي وخالد
الوهيبي وكثيرون. لكن هي متفرقة. المدارس أو ما يسمونها أقسام علم اللغة في
جامعاتنا لم تهتم بذلك ولم تقترب. ما زالت اعتباطية، مشكلة كبيرة.
باسم: على ذكر المعاني والألفاظ، دائمًا أنا أتوه. أنا شخصيًا أتوه في من
يسبق أو من يعطي اللفظ معناه. هل المفهوم يؤدي إلى إعطاء اللفظ معناه، أم المفهوم
يقود إلى تشكيل اللفظ، ومن ثم يتولّد عنه معنى أو معانٍ، أو تتولد عنه صورة؟
عمر: كلامك هذا في لسان العرب يصلح. أنا يبدو لي: يفترض في لسان القرآن أن نحدد
المصطلحات. ما معنى "مفهوم"؟ كلمة "معنى" هذه من اللسان
القرآني وليست من لسان القرآن. بمعنى أن كلمة "معنى" لم ترد في القرآن،
لكن ورد "معناها"، لأنه قال: "وعنت الوجوه". ورد المعنى، لكن
ما القصد؟ ما هي الحكمة؟ الواضح أن هنالك معنى أصلاً ربنا صنعه، موجود في 28
صوتًا، والثمانية والعشرون بالمناسبة تتوافق مع مخارج الأصوات الثمانية والعشرين.
وفيه معنى يأتي من التعاقبات، مثلًا. سكن، يأتي من السين، تأتي الكاف، الكاف ماذا
تعمل؟ الكاف تعمل على السين. إذن الحركة الناتجة من الكاف على السين هي حركة جديدة
مثل السبيكة. لما تأتي النون، تعمل على الناتج الذي نتج من فعل الكاف على السين.
إذن هنالك معنى، هذا المعنى موجود وثابتذا. نحن يجب عندما نسمي الأشياء، لو كنا
دقيقين، كيف نحقق أكبر قدر من المشابهة بين المعنى العام وما تنطبق عليه. لذلك،
القرآن مبدع في ماذا؟ لأن الكلمة فيه فطرية من الله سبحانه وتعالى، يعرف هذا ويعرف
هذا. الكلمة فطرية ولا يمكن أن نغيرها، يعني في القرآن الكريم، الكلمة أو القولة،
لها علاقاتها الهندسية ولها موضعها. لا يمكن تقديمها.
باسم: هل لهذا، مثلا، عندما تقرأ القرآن، مباشرة تبدأ صورة تتشكل في الذهن؟
عمر: لا، أكمل الفكرة. أما نحن البشر، نأتي إلى الشيء ونسميه. يعني، عندنا
الشيء، اخترعنا التليفزيون، لمّا اخترعناه وهو أمامنا، نبحث بعد ذلك عن الكلمة
التي تنطبق عليه، أنا أسميه التليفزيون. لكن في هذه الحالة، إذا كنا دقيقين، وعندنا
إحساسنا نسميه التسمية الصحيحة، والتسمية أحيانًا قد لا تكون دقيقة. أحيانًا نسميه
بجزء منه. يعني، مثلًا، السيف اسمه السيف، أما لما نقول "المهند" معناه
السيف المصنوع في الهند. نريد تمييزه، سيف الحسام الذي يحسم المعركة مثلًا. لذلك،
إذا عرفنا ماذا نفعل بدقة، لا تكون عندنا مشكلة. لأنه حتى لو كان هناك خطأ، نقول
هذا لسان العرب، عاديٌّ الخطأ وممكن فيه. لكن في لسان القرآن، لا. لسان القرآن،
لما نجيء للـ"منسأة" و"العصا"، كان يمكن أن نبدلهما، لكن لو
بدلتهما، ستخرب الهندسة كلها.
أسماء حقيقية تعلمها آدم
باسم: ولهذا، مثلاً، هل هذا الفهم يمكن أن نستمده من الآية التي تقول:
"وعلّم آدم الأسماء كلها"، بمعنى أنه أُعطى القدرة للإنسان..
عمر: لا، لا. هنا، جيد أنك طرحت مثل هذا السؤال. على فكرة، هنالك وهم كبير
جدًا يقع فيه المتخصصون. هذه الآية لا علاقة لها باللغة، لأنه هنا الأسماء هي
أسماء حقيقية. اللغة أو البيان، ربنا قال: "الرحمن، خلق الإنسان، علمه
البيان"، هي هنا، البيان بالوظيفة. لأن أي شيء، سواء بالرياضيات بالعلامات،
باللغة -كما نسميها-، هو مهمته البيان. فربنا سماه البيان. أما الأسماء هنا فهي
أسماء أشخاص أو شخوص حقيقيّين.
باسم: أليست من التوسيم، يعني القدرة على إعطاء الأفعال أسماء.
عمر: حتى لو كانت من التوسيم، الآية لا تتكلم عن اللغة. الآية أصلاً من
يتكلمون يعرفون، آدم يعرف، والملائكة تعرف. هم يتكلمون مثلي ومثلك الآن. اللغة
عندهم أصلاً، البيان عندهم. هم يتناقشون في موضوع، ليسوا يتعلمون اللغة. ولما قال
"علّم آدم الأسماء"، هذه أسماء محددة. وبعض الآراء ترى أن هذه أسماء النبيين.
ولذلك، فإن يحيى عليه السلام لم يكن حاضراً، لذلك قال: "لم نجعل له من قبل
سميا". ما كان في المجموعة هذه. ولذلك الأسماء هي، أيًا كانت، أسماء شخصوص.
قال: "عرضهم"، ما قال "عرضها". لو كانت الأسماء لقال:
"عرضها". عرضهم على الملائكة. فالنقاش كان نقاشًا في موضوع محدد بأناس؛ آدم
أو الملائكة، أصلاً عندهم البيان، أصلاً عندهم اللغة. إذن، الآية لا علاقة لها
بنشأة اللغة أصلاً.
باسم: لا علاقة لها.
عمر: لا علاقة لها بنشأة اللغة. لكن ممكن أن نستمد منها أن البيان الأول
للخلق...
باسم: "علمه البيان"، تعطي المعنى الثابت، صحيح
عمر: "خلق الإنسان، علمه البيان" مباشرة. ما قال: "وعلمه
البيان"، ولا "فعلمه". خلق الإنسان، يعني الإنسان من يوم خلقه جعل
فيه البيان.
باسم: يعني عنده القدرة...
عمر: على البيان. لكن البيان يحتاج إلى الإعراب. لذلك، عندنا الكتاب سمّاه
"الكتاب المبين". فالإبانة فيه سبقت العرْب أو الإعراب. بعدها: "إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا"..
باسم: الإعراب هنا التوضيح؟
عمر: الإعراب بمعنى المقدرة الإنسانية على التعبير عن الدلالات التي
بداخلك. ولذلك، أي لغة في العالم هي لغة عربية. اللغة الصينية لغة عربية. لأن
الصيني يعرب بها عن دلالته. أنا ما أفهمها، صحيح. لكن بالنسبة للصيني هي لغة
عربية. الصيني هو عربي. ولذلك البشر كلهم عرب. لأن لحظة البيان استطاعت... وهذا
الذي يفرق بين الإنسان وبقية الدواب. أرسطو قال: "الإنسان حيوان ناطق"،
فقرّب المسافة. لكن نحن بلسان القرآن، المفروض أن نقول: الإنسان كينونة معربة،
مثلا. لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يعرب عما بداخله. لكن "لسان عربي مبين"،
و"الكتاب مبين عربي." الترتيب هذا مهم جدًا.
باسم: هناك سؤال تقليدي للإنسان، هذا الفهم -أنا أعتبره- المطور للنص،
لقراءة النص أو لتدبر النص. لماذا طوال هذه الفترة التاريخية الطويلة؛ ألف
وأربعمائة سنة أو ألف وخمسمئة، لم يهتدِ إليها شخص؟
القرآن لم يكن بين أيدي المسلمين
عمر: جيد، الآن أنا أكتب في كتاب وجاءتني فكرة في فصل. لما سرت فيه، تخيلت:
سألت نفسي سؤالًا: هم المسلمون لما كانوا يتفاعلون، أين كان القرآن؟ حقّه أن نعترف
أن القرآن لم يكن بين أيديهم.
باسم: لم يكن بين أيديهم.
عمر: القرآن، عثمان بن عفان -حسب الروايات- نسخ منه
ست نسخ. هذه النسخ ذهبت إلى العواصم، البقية كتبوا. الناس صحيح يكتبون، أنا عندي
حتى خالي لوقت قريب كان يكتب، لكن المصاحف كانت قليلة. ولذلك، هناك معلومة يجب أن
نتقبلها: المفكرون المسلمون أو الفقهاء هم فلاسفة ومفكرون جدًا، لكن لسانهم يبتعد
عن لسان القرآن. حتى في أصول الفقه، أصول الفقه لا علاقة لها بالقرآن. القرآن
يتكلم عن: الحلال، الحرام، الأمر، الوصية، الموعظة. هم جاؤوا بخمسة معارف: الواجب،
والمكروه... هي نظام قانوني، لكن لا علاقة بالقرآن..
باسم: لا علاقة له بالقرآن.
عمر: إذن، القرآن لم يكن بين أيدي المسلمين.
باسم: والقرآن فقط فصّل الحرام.
عمر: جميل، إذن بالتالي، لسان القرآن كان بعيدًا عن الناس. ومثلنا الآن،
بدأنا بالتواصل الحديث، والملك فؤاد عليه -رحمة الله- في عام 1924 لأول مرة طبع
القرآن بطريقة، نقول عليها رسمية كثيرًا، وقبله كان يطبع لكن ليس كثيرًا. والملك
فهد -عليه رحمة الله- في عام 1982، أظن، هؤلاء بدؤوا نشر القرآن. على فكرة، القرآن
انتشر في عام 1900 وشيء، وقبله لم يكن منتشرًا. والآن مع وسائط الاتصال، الحمد لله
انتشر أكثر. ولذلك، القرآن لم يكن في أيدي الناس. وهذا ما جعل الناس تخلط بين لسان
العرب ولسان القرآن، ويفسرون القرآن بالشعر وبالمعاجم. وهذه أسوأ طريقة.
باسم: وبالروايات.
عمر: وبالروايات.
باسم: إذن، ما مدى دقة ما قاله بعض الباحثين؟ يرون أن القرآن قُرِئ بعيون
الثقافة العربية التي كانت سائدة، ومنها الثقافة التلمودية.
عمر: صحيح. كلام صحيح مئة في المئة. أنت الآن لو جئت بكتب التفاسير، أنا
حضرت رسالة دكتوراه ألفتها واحدة اسمها آمال، ومشرف عليها عبد الصبور شاهين،
ومساعداه اثنان من اللغة العبرية. وجدوا أن تفسير الطبري، معظمه منقول من التلمود،
إما بطريقة مباشرة لأن المترجمين كانوا يرجعون إلى الأصل، أو بطريقة وسط، أو
بطريقة المعنى. ووصّت الرسالة بسحب تفسير الطبري من السوق. وهذه الرسالة طبعها
المجلس الأعلى للشئون الدينية في مصر، على فكرة. فلذلك، وجدوا أن الطبري كله مليء
بالإسرائيليات، وحتى الآن عندما نتكلم، نتكلم بالإسرائيليات. لذلك، نحن نركز الآن
على أننا نريد أن نرجع إلى القرآن من داخله، نتفقهه، نتفهمه، نتذوقه، حتى نحس
بلسان القرآن. لأن هناك بعض الناس، على فكرة، حتى عندما يتكلم، تلاحظ أنه يتكلم
بلسان القرآن أو باللسان القرآني بالدقة. هذه المرحلة التي لابد أن نصل إليها حتى
ندخل في شبكة القرآن. وهذا يحتاج إلى تحليل. لابد أن نحلل القولات، لابد أن نحلل
القولة ذاتها، بدقة المختصين، هي تقوم على الجذر والجذع والجزم، الجذر الذي نقول
عليه الثلاثي أو الثنائي، الجذع هو الصياغة. مثلاً، كلمة "كتاب" من
الجذع لأنها من "كتب"، لكن، لمّا نقول: "كتابها" فهذا يسمونه
"الإلصاق"؛ لأن اللغات تقوم على التصريف (الاشتقاق)، وعلى الإلصاق.
الهاء الأخيرة هذه تُسمى "اللاحقة". أنا في القرآن آخذ كتابها
باسم: كما هي.
عمر: السيدة مريم آمنت بكتب ربها، صحيح؟ نأخذ الكلمة كما هي، حتى لو فيها
إلصاق. البادئة أو اللاحقة، فتعطينا المعنى كاملًا. "فَسَيَكْفِيكَهُمُ" هذه من تسعة
حروف، ربنا قال: "فَسَيَكْفِيكَهُمُ". إذن، يجب أن
أعرف من المتكلم؟ ومن المخاطب؟ وماذا سيكفيه؟ وأين موقعه؟ وفي أي قوم؟ وما هي
المجموعة المتكلمة؟ عندما نسأل هذه الأسئلة، أنا أمشي داخل القرآن. لكن عندما أرجع
إلى المعاجم وأقول: "كفى" بمعنى وقال...لا أعرف. ووردت في الشعر العربي،
معناها أنا خرجت خارج السورة. هذه سورة أنا خرجت خارج سورهذه السورة.
باسم: إذن، لا يحق لنا، أو لا يجوز لنا استخدام اللغة أو اللسان الدارج
وقواعده حتى، وجعلها حاكمة على النص، أو يمكن استخدامها كأداة من أدوات تدبر النص؟
عمر: كلامك صحيح، هو القرآن، نحن نقول: هذا كلام الله، إذن، لابد أن أفهمه
على طريقته. لو ضربت مثلًا: لو أنت رئيس، والرئيس الصيني بعث لك رسالة، المترجم التابع
لك لكي يفهم الرسالة، لابد أن يفهمها من خلال اللغة الصينية بدقتها. لأن هناك
علاقات ستهدم، وحرب ستقوم. وبالتالي، بما أن هذا القول قرآني فأنا أفهمه بقواعد
القول القرآني. والقواعد دائمًا وصفية، لا أفرضها أنا، بل أجيء وأرى. مثلاً، في
القرآن، عندما يقول: "إذا الشمس كُورت"، وفي ناحية أخرى، يقدم الفعل على
"إذا". هذا تعبير دقيق جدًا. نجد أنه في واحد: "يوم الدين"، وواحد:
"يوم القيامة". لابد أن أكون دقيقًا جدًا في هذه النقطة. فأنا واصف،
أجيء لقواعد القرآن وأصفها. وبدأت حركة اسمها "النحو القرآني". صحيح
أنها ليست دقيقة، لكن لابد في كل لسان أن نرى القواعد وحده، ولا نخطّئ لسان العرب.
لسان العرب عنده قواعد، لكن منفصلة. هم في حياتهم يتكلمون بغير دقة القرآن، ولذلك عندما
نخطئ، نقول مثلًا: في الجامعة "قُبول"، هناك ناس تخطئك، ويقول لك في
القرآن: "قَبول" "فَتَقَبَّلَها رَبُّهَا بِقَبُولٍ
حَسَنٍ" يا بني، هذه خاصة بالقرآن،
لأن القاف يجب أن تفتح، وتفتح على الزمان والمكان. لكن هو يقصد هنالك:
"جامعة"، ولذلك من الدقة أن تضع الضمة على القاف؛ لأنه حدد المكان:
"قُبول"، هي صحيحة، لكن في لسان العرب. فهذا الفرق أو التمايز في
الحقيقة بين اللسانين مهم جدًا جدًا.
باسم: إذن لماذا كل هذا الهيلمان الموجود عند المؤسسات؟
عمر: سطوة التاريخ، أولاً العقل العربي عقل تاريخي. نحن دائمًا التاريخ
يهمنا، حتى عندما نجلس مع جدودنا. نظرة المستقبل في العالم كله لأنه غائب صعبة.
لكن التاريخ سطوته علينا أكثر. لذلك، التقديس ارتبط بالتاريخ، وعندنا مشكلة. سأضرب
لك ثلاثة أمثلة من الأخطاء التي نرتكبها: يقولون: "القرآن مقدس"، صحيح؟
هل ورد في القرآن آية قالت "القرآن مقدس"؟ لا، لا توجد. إذن، كلمة
"هولي قرآن" أو "القرآن المقدس" خطأ. النقطة الثانية، نقول:
"القرآن نص". كلمة "النص" في القرآن كلها لا توجد. القرآن
"قولي" وليس "نص". النقطة الثالثة، نقول: "القرآن
المنجم". من الذي قال لك "القرآن منجم"؟ القرآن لم يقل ذلك. وقال:
"وفرقناه" ولم يقل: "ونجمناه". إذن، لا يوجد شيء اسمه
"القرآن المنجم" أو "نزل نجوماً". هو "فرق" وليس
"تفريق"، "وَقُرْآَنًا
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا". ارتبط بالتنزيل
وبالفرق، وحتى هذا الفرق جُمع بعد ذلك: "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ". إذن، مثلاً،
"القرآن نص" هذه كلمة غير دقيقة، "القرآن المقدس" كلمة غير
دقيقة، "القرآن منجم" كلمة غير دقيقة، "القرآن مُفسر"،
التفسير في القرآن للأمثال فقط: " وَلَا يَأْتُونَكَ
بِمَثَلٍ إلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا"، إذن التفسير
للأمثال.
باسم: وليس للقرآن.
عمر: وليس للقرآن. بالقرآن، كالآيتين، هذا مركب، عندنا المركب عندما يرد مرتين في القرآن عنده
أهمية قصوى: "أفلا يتدبرون القرآن" وردت مرتين في القرآن. قرنت التدبر
بالقرآن وأثبتت التاء، وعندما جاءت للتنفيذ، قرنت الادّبار وليس التدبر بالقول: "لآيات
الكتاب المبارك". الدقة هذه، لو اتبعناها. أنا الآن لما أنبه لها، قد لا يكون
عندي معلومات، لكن ممكن أن يأتي آخر يأخذ الموضوع هذا. وناس تتعاون. العلم شورى.
يعني، يأتي بمعلومات جديدة. لكن المعلومات إذا كان طريقك من البداية خطأ، لن تصل
إليها. إذن أنت لابد أن تتبع القرآن في قوله كما هو، لا تغيره. نحن مشكلتنا أننا
نغير. نتبع المعاجم. واحدة من الأخطاء، "تساوي" كلمة. يقول لك:
"جاء" هي "أتى"، "المنسأة" هي "العصا"،
"الكافرون" هم "المشركون". هذه مشكلة.
باسم: ما الذي منع هذه المؤسسات الضخمة المبنية، الموجودة في كل المجتمعات
العربية، المؤسسات ذات الأماكن والقصور والمكتبات ومعاهد الأبحاث ومعاهد الدراسات..
عمر: والله، أنا أعتقد أن هناك أسبابًا كثيرة. الأسباب كثيرة. واحد من
الأسباب طبيعة الإنسان ومصالحه. الإنسان هذا يقوم على المصالح. يعني، أنا الآن
مثلاً، لو كنت شيخًا كبيرًا وعندي مصالح، يمكن أن نفسي تسول لي، الشيطان يسول لي. قد يكون الحق أمامي واضحًا، لكنني لا أذهب
إليه. فأحيانا هذا سبب كبير. أنا لاحظته. ولذلك، ناس في آخر عمرهم، عندما يفقدون
أشياء كثيرة، يرجعون مثلاً أو بعد مدة.
النقطة الثانية، هناك سلطة. يعني، هناك سلطة ممكن تمنع الموضوع. لأنك إذا
جئت للقرآن ووصلت إلى قواعد جديدة، فهذا قد يضر البنية السلطوية القائمة.
وبالتالي، قد يكون هذا سببًا. والأسباب كثيرة.
سبب آخر هو الجهل. كثيرون الآن، أنا عندي تجارب عندما نقود الإنسان. أنا
أحب دائمًا أن أقود الإنسان ليتفقه القرآن بنفسه. يعني، أقول له وأسأله أسئلة،
ويكون هو الذي يجيب. هي إجابته هو، يعني، مثلاً، مرةً، سألني أحدهم وقال لي: واضح
أنه "لا يمسه إلا المطهرون"، يعني، كلامه يبدو منطقيًا. فكيف؟ قلت له:
"افتح الآية الخاصة بـ: "يسألونك عن المحيض" لأنه قال: "حتى
يطهرن". قلت له: ماذا تعني "حتى يطهرن"؟ قال لي: "يطهرن هنا يعني
انقطاع دم الحيض". قلت له: "هم عملوا شيئًا؟" قال: "لا، انقطع
تلقائيًا. هذا هو الطهر. طيب، قال: "حتى يتطهرن"، قال لي: "هذا
معناه أنهم قاموا وفعلوا واغتسلوا". يعني: عملوا فعلًا. إذن، هذا هو الطهر وهذا
هو التطهر. أنا قلت شيئا؟ قال لي لا. قلت له: انتهى، هذه مسؤوليتك.
باسم: دكتور عمر، شكرًا كثيرًا لك. كان الحديث ممتعًا وشيقًا، وبودنا أن
نستمر أكثر، لكن الوقت...
عمر: أنا أشكركم جزيل الشكر.
باسم: شكرًا لك، إن شاء الله نلتقي في جولات أخرى وفي حلقات أخرى من برنامج
"مجتمع". شكرًا لكم، وإلى اللقاء في حلقة جديدة من برنامج
"مجتمع".