تحدَّثَ الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية، عبر حلقة جديدة من برنامج "قضايا"، عن موضوع شائك جداً؛ وهو مفهوم أهل الكتاب، ومَن هم أهل الكتاب؟
مفهوم أهل الكتاب.. مَن هم أهل الكتاب؟
قال الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية: "هل أهل الكتاب كما ذهب الفقهاء هم أهل الكتابَين أو أهل التوراة والإنجيل، وبالتالي اليهود والنصارى؟ أم أنه أيضاً يدخل على أهل الكتاب مَن له شبهة كتاب.. ذهب إلى ذلك الشهرستاني، فقال إن هناك مَن له شبهة كتاب، وهنا أيضاً سنذكر المجوس في هذه الحالة؛ أي أن هناك شيئاً من التقارب مع اليهود والنصارى، شبهة كتاب..".
قضية إشكالية.. هل المسلمون من أهل الكتاب؟
وأضاف د.عامر الحافي: "هل المسلمون من أهل الكتاب؟ الحقيقة قضية إشكالية، هل القرآن، أليس القرآن الكريم؟ (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه)؛ وألسنا نحن أهل القرآن وأهل الكتاب؟ إذن الذي ذهب إليه شحرور في فهمه لأهل الكتاب، أنه رأى أن المسلمين هم أيضاً يدخلون في أهل الكتاب؛ لكن هناك مصطلح يجب أن نوضح العلاقة بينه وبين أهل الكتاب، وهو مصطلح المشركين والاشتراك في معناه أيضاً البسيط، وهو يشرك بعبادة الله غيره".
تفسير آخر لمعنى الإشراك
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الحقيقة أن محمد شحرور ذهب إلى تفسير آخر لمعنى الإشراك، وهذا التفسير يركز على جانب الجمود، فكرة الجمود أن المشرك غير قادر على أن يطور فهمه لله، ففكرة الشرك أو مصطلح الشرك فسره بطريقة، أنا أعتقد أنها طريقة، وسوف نجد الآن أن لديه عمقاً أو أن لهذه الطريقة عمقاً قرآنياً؛ لأنه في قصة إبراهيم (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً)، هناك تطور وتغير، إبراهيم كان قادراً على أن يطور مفهومه، بينما قوم إبراهيم لم تكن لديهم القدرة على تطوير مفاهيمهم تجاه الله، كان يعتبر مفهومه تجاه الله هو المفهوم النهائي، فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، ونلاحظ كيف أن إبراهيم يقف ويتأمل ويبحث في الليل حتى يغطيه ويجن عليه، ثم ينتقل من الكوكب إلى القمر، إلى الشمس، وهنا في النتيجة يشعر أنه أمام حقيقة أكبر من قدراته العقلية؛ فيقول (أسلمت وجهي للذي فطر السماوات والأرض).. محيي الدين بن العربي، وهو شخصية كبيرة أيضاً، وإشكالية، كان يقول كل صورة لك عن الله وثن ومن يعبد دونه؛ أي أن هذا التصور الذي أنت تعتقد بأنه يمثل الحقيقة الإلهية، أنت قد وقفت عند نوع من الوثنية الذهنية، وأنا أحب أيضاً أن أستخدم عبارة للمفكر الجزائري مالك بن نبي؛ يقول إذا غابت الفكرة بزغ الوثن. إذن الفكرة بزغ، ظهر الوثن، فالأوثان تظهر عند الأفكار العميقة والعقل الباحث بطريقة عميقة، وهنا نميز، ويجب أن نميز أن هناك فرقاً بين الوثن والصنم، الصنم ما له صورة، والوثن ما ليست له صورة؛ وبالتالي يمكن أن تعبد حجراً ليست له صورة، خشبة ليست لها صورة؛ فالوثني يعبد ما ليست له صورة، ولكن عندما ينحت هذه الخشبة أو الحجر وتصبح له صورة يُسمى صنماً".
أهل الكتاب غير المشركين.. "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين"
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن فكرة أن أهل الكتاب هم المشركون.. (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة)، شوفوا هذه الآية، ما أجملها؛ ميَّز ما بين أهل الكتاب والمشركين، العطف أيضاً يفيد المباينة ويفيد التمييز؛ فأهل كتابهم غير المشركين، كما أنه يعني لاحظوا كلمة (من أهل الكتاب) (الذين كفروا من أهل الكتاب)؛ لأنه أهل الكتاب ليسوا جميعاً لهم نفس الحكم، يعني القرآن الكريم يقول (ومن قوم موسى أمة قائمة يهدون بالحق)، يعني يقول لك لا تحكم على قوم موسى بأنهم جميعاً بنفس الحكم".
تسمية أهل الكتاب.. هل تفيد المدح أم الذم؟
وتابع د.عامر الحافي: "القرآن يقول (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)؛ لأنهم يقولون إنه غير بني إسرائيل الأميين، نحن غير ملزمين بأن نمارس الأخلاق التي نمارسها مع بني إسرائيل، وهذه المشكلة سوف نجد وسوف نرى أن هناك حتى من أتباع الأديان عموماً مَن لديه معياران؛ هناك أخلاق لأبناء الطائفة وأخلاق لأبناء الدين وهناك أخلاق نتعامل أو يتعامل بها مع غير أتباع الدين، وكأن القيم هي قيم نسبية وظرفية؛ فالصدق له نوعان، أنت صادق فقط مع أبناء الدين الواحد، بينما الصدق يذهب ويضيع عندما نتحدث عن أتباع ديانة أخرى، إذن الشرك وعلاقة أهل الكتاب بالشرك، هناك فارق كبير بين المشركين وأهل الكتاب، ولاحظوا أن تسمية أهل الكتاب هل هي تسمية تفيد المدح أم تفيد الذم؟ الحقيقة أن الكتاب عندما تقول لإنسان أنت من أهل الكتاب، الكتاب هو دليل على العلم، دليل على المعرفة، والقرآن الكريم استخدم الكتاب في الدلالة على ما أنزل من الشرائع؛ حتى إنه وصف القرآن الكريم بأنه الكتاب..".
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ
واستكمل د.عامر الحافي: "إذن هل نقول إن تسمية أهل الكتاب فيها إساءة لأهل الكتاب؟ لو كان القرآن الكريم يسيء إلى أهل الكتاب ما سماهم أهل الكتاب، كان مثلاً يعني، ولله المثل الأعلى، أطلق عليهم تسمية مثلاً أهل الشرك، أهل البدع، أهل كذا.. إلخ. لكن تسمية أهل الكتاب بهذه التسمية دليل على أن القرآن الكريم قد أنصف أهل الكتاب وقد سماهم بأجمل ما فيهم، ولو رجعنا إلى الآية التي ذكرتها قبل قليل، التي تقول (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ)، والله أنا تساءلت مرة قُلت: لماذا ذكر النموذج الأجمل والإيجابي؟ لماذا لم يقل ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار لا يؤده إليك.. لماذا بدأ بما هو أجمل، بما هو أفضل؟ أعتقد أن هناك منهجاً.. يجب أن نكتشف وراء هذه الآيات القرآنية أن القرآن يريد منا أن نبدأ مما هو صحيح، لا أن نبدأ مما هو خطأ؛ أن نبدأ مما هو مشترك، لا أن نبدأ مما هو مفترق ويجعلنا نبتعد؛ لذلك القاعدة القرآنية التي تقول (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ). إذن البحث عن كلمة السواء قبل البحث عن كلمة السوء؛ لأن هناك مَن يبحث فقط عن كلمة السوء، عن ذلك الجانب الضعيف في الديانات الأخرى، عن كلمة، عن فكرة، عن عبارة موجودة في ذلك الدين يمكن أن تسببَ خللاً أو أن تشير إلى وجود خلل أو علة في تلك الديانة، ما علاقة أهل الكتاب بالإسلام؟ هل أهل الكتاب مسلمون؟ هل يصح أن نصفهم بأنهم مسلمون؟".
القرآن يستخدم كلمة الإسلام بأكثر من معنى
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الحقيقة أن القرآن الكريم يستخدم كلمة الإسلام بأكثر من معنى؛ استخدم كلمة الإسلام في معناها الكوني، حتى الكائنات، الجمادات، هي تسلم، (وله أسلم مَن في السماوات والأرض)، وبالتالي حتى الحجارة، حتى الجبال، هي تسلم من باب أنها خاضعة لتلك القوانين التي أوجدها الله في تلك الكائنات، وهناك نوع ثانٍ من الإسلام؛ مثل قبل قليل كما رأينا أن إبراهيم، عليه السلام، وصل إلى عتبة الشعور بالعجز البشري، وأنه غير قادر على أن يصل إلى الحقيقة المطلقة، فيسلم أمره لله. يسلم وجهه لله؛ لكن هذا التسليم هو تسليم عام، يعني أن الإنسان يشعر بأنه غير قادر، وأن خالق هذا العالم وموجه هذا العالم هو الذي يعرف وهو الذي يقدر وهو الذي بيده كل شيء.. هذا النوع من الإيمان بوجود الله والإيمان باليوم الآخر، يجمع بين جميع المسلمين من الملل والطوائف المختلفة، وهذه الفكرة يشير إليها محمد شحرور بأن هناك مسلماً مسيحياً، مسلماً يهودياً، مسلماً هندوسياً، ومسلماً أيضاً يؤمن بالشريعة أو الرسالة المحمدية..".
أركان الإسلام وأركان الإيمان
واستطرد د.عامر الحافي: "وهو أيضاً يشير إلى قضية بأن أركان الإسلام هي أركان الإيمان؛ لأنه هو يسمي من يؤمن بالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يسميه مؤمناً.. هؤلاء المؤمنون هم الذين آمنوا برسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، ويقول إن أركان الإسلام هي أركان الإيمان، اللي هي شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والحج.. هذه الخمسة، يقول إنه الصحيح أن نسميها أركان الإيمان، بمعنى أركان الإيمان بالرسالة المحمدية؛ لأن أركان الإسلام هي عالمية، هو تكلم عن الإسلام العالمي الذي يجمع جميع أتباع الأديان؛ لأنه أي إنسان يسلم وجهه لله وأي إنسان يؤمن بالله ويؤمن باليوم الآخر؛ بالنسبة إليه هو مسلم، والحقيقة أن هذا المفهوم يمكن أن نجد له أصولاً حتى في القرآن الكريم؛ يعني القرآن الكريم مثلاً في سورة البقرة، الآية اثنين وستين، يقول (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).. هذا الإسلام موجود حتى لدى كثير من الناس الذين لا ينتسبون إلى الدين؛ يعني الآية القرآنية الحقيقة التي تقول (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)؛ إذن الجميع يخضع، الجميع يستسلم لله عز وجل".
إنا كنا من قبله مسلمين.. الإسلام موجود بين جميع أتباع الأديان
وقال د.عامر الحافي: "الآية الأخرى تقول (إنا كنا من قبله مسلمين)؛ يعني حتى مَن أسلم من أهل الكتاب ودخل الملة المحمدية، يقول إنهم كانوا قبل ذلك مسلمين؛ يعني أن هذا الشعور بالتسليم لله عز وجل كان موجوداً لديهم.. الإسلام يشتمل لو أردنا أن ندخل ببعض التفاصيل، اشتمل على ثلاث حقول؛ الحقل الأول وهو القيم، مثل الوصايا العشر، وهذه الوصايا تختلف بطريقة تراكمية. إذن هي تتراكم بين الشرائع والأنبياء، القسم الثاني الشرائع والأحكام، وهذه أيضاً تستجيب لتلك التطورات التي تمر، كما ذكرنا مرة في حديثنا عن موضوع القتل في اليهودية، وكيف أن أحكام القتل تغيَّرت بين الشريعة اليهودية والشريعة الإسلامية.
إذن نحن أمام عدة مجالات أو عدة حقول يقسم إليها الإسلام.. الحقل الثالث وهو الشعائر؛ مثل الصلاة والصيام، وهذه تختلف.. كيف تختلف؟ مثلاً الحج أشهُر معلومات، هناك أوقات معينة، أيام معدودات. الصيام كذلك الحال، أوقات محددة، تختلف من ديانة إلى أخرى؛ يعني في المسيحية وفي اليهودية هناك صيام.. (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، الأساس موجود؛ ولكن طريقة الصيام، أيام الصيام، أحكام الصيام؛ تختلف في الإسلام عنها في الأديان الأخرى.. إذن الإسلام لا يقتصر على أتباع الملة المحمدية، وإنما الإسلام موجود بين جميع أتباع الأديان".
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (آمَنُوا) اتَّقُوا اللَّهَ (وَآمِنُوا) بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الآية القرآنية التالية التي سنأتي عليها تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).. ما الكفل الأول؟ نحن أمام نوعَين أو كفلَين؛ الكفل الأول هو الإيمان السابق، يعني يقول أنتم ستأخذون أجراً مضاعفاً؛ الأجر الأول هو أنكم آمنتم قبل الإسلام، والأجر الثاني أنكم آمنتم عندما جاء الإسلام، إذن ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، أن أهل الكتاب أو المسلمين الذين كانوا، إنا كنا من قبله مسلمين، أنهم فعلاً يستحقون أن يأجرهم الله عز وجل، وأن يثيبهم على ما كانوا يؤمنون به، وما كانوا يعتقدون به قبل إسلامهم..".
القرآن الكريم حل مشكلة تعدُّد الأديان والحصول على الرحمة الإلهية
وتابع د.عامر الحافي: "أنا أعرف أن فكرة وجود أتباع دين آخر يمكن أن ينجوا ويمكن أن يرحمهم الله فكرة صعبة عند كثير من أتباع الأديان؛ لأن الدين يستحوذ على عقل وقلب الإنسان، ويقول له أتباع هذا الدين لأنك أنت الذي تستحق الجنة، أنت وحدك الذي تستحق الخلاص وغيرك لا يستحق هذا الخلاص.. بالمناسبة في الديانة المسيحية، بقيت الديانة المسيحية إلى عام 1962 تقول بغير المسيحي لا يمكن أن يدخل الجنة، حتى عقد مجمع الفاتيكان الثاني من عام 1962 إلى عام 1965، وللمرة الأولى في تاريخ المجامع الكنسية قالوا إن لله طرقَ خلاص لا نعرفها، وأنه يمكن لغير المسيحي أن تناله الرحمة الإلهية.. طب إحنا في الإسلام من 1400 سنة من لمّا نزل القرآن قال لك (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). حل المشكلة من زمان، القرآن الكريم حل مشكلة تعدُّد الأديان وإمكانية الحصول على الرحمة الإلهية؛ حلَّها في آية صريحة وواضحة وضوح الشمس.. عندك معايير للجميع؛ مش المسلم له معيار خاص والمسيحي له معيار خاص واليهودي له معيار خاص؛ هناك معايير تنطبق على الجميع، مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
الإسلام فتح نافذةً في جدار العلاقة الصلبة بين الأديان
وقال أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الزواج من النّعم الإلهية التي فعلاً أنعم بها على الإنسان؛ ولكن قبل الإسلام المسيحي واليهودي لم يكن أحد منهما يقبل بالزواج من الآخر، لا المرأة ولا الرجل بالاتجاهَين، والسبب في ذلك الإقصاء؛ يعني المسيحي كان يكفِّر اليهودي واليهودي يكفِّر المسيحي، وبالتالي نظرة حاسمة، وأن الآخر إلى الجحيم. وبالتالي كيف تتزوج امرأة يعني مستقبلها في الجحيم، كيف تتزوج امرأة يعني يمكن أن تجعلك تبتعد عن الحق وتقع في الباطل؟ لكن الذي حدث في الإسلام أن الإسلام فعلاً استطاع أن يفتح نافذةً في جدار العلاقة الصلبة بين الأديان؛ هذه العلاقة التي كانت تقوم على (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء)، كان هناك حسم في أن الآخر هو جحيم، الآخر هو الشيطان، الآخر هو الكافر؛ لكن الإسلام عندما سمح (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم... والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)، هذه الآيات حتى هذا اليوم ما زلنا نتناقش حول القضية؛ لماذا سمح الفقهاء وليس القرآن؟..".
إشكالية الزواج.. بين المسلم والكتابية والكتابي والمسلمة
وأضاف د.عامر الحافي: "بالمناسبة القرآن ما دام لم يمنع فالأصل في الأمور الإباحة.. القاعدة القرآنية وأُحل لكم ما في الأرض حلالاً طيباً، الأصل بأن الذي يحرم هو الذي يأتي بالدليل وليس الذي يبيح، وبالتالي من أين جاءت فكرة أن المسلم يحق أن يتزوج كتابية؟ بينما الكتابي لا يتزوج مسلمة؟ هذه الإشكالية ونحن نعلم أن الزواج فيه نوع طبعاً من الخصوصية ونقدرها؛ ولكن كثيراً ما نسمع هذا النقاش، يعني أنتم كمسلمين تأخذون بناتنا ولكن نحن لا يحق لنا أن نتزوج بناتكم، وبالتالي حتى في السياق الاجتماعي والعلاقات بين العربي المسلم والعربي المسيحي، بين الأردني المسلم والأردني المسيحي، والمسيحي المصري والمسلم المصري، لماذا أنتم تميزون أنفسكم عنا؟ فكرة أنكم أنتم يحق لكم شيء ونحن لا يحق لنا شيء؛ طيب ما هو في نفس الآية يقول لك (وطعامكم حل لهم) (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم)، فإذن التبادلية؛ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، يعني الأصل في العلاقات التكافؤ والمساواة وليس الأصل في العلاقات أنك أنت تميز نفسك عن الآخرين. من الطريف حقيقة أنني قرأت لبعض الكتاب الذين يقولون ويريدون أن يبرروا لماذا المسلم يحق له أن يتزوج الكتابية، بينما الكتابية لا يحق لها أن تتزوج المسلم؟ يقول لك لأنه المسلم عندما يكون هو الرجل فهو يتحكم أنه هدول الأولاد بكرة يطلعوا مسلمين؛ لكن هل تعلمون أن المرأة هي التي تؤثر في أبنائها أكثر من الرجل، وأن التوجهات الدينية عند الأبناء غالباً ما يكون سببها الأم. إذن فكرة أنه الرجل يحق له أن يتزوج من كتابية؛ لأن الرجل سيتحكم، ثم من قال لك إنه يجب أن نجبر الأبناء..".
واستكمل أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "أذكر أنه كان في بعض الدول العربية لديها قانون يخير أبناء الزواج المختلط بين مسلم وكتابية.. يخير الولد لما يصبح أو البنت لما يصبح عمرها 18سنة، مثل العراق مثلاً كان عندهم هذا القانون؛ الولد لما يصير عمره 18 سنة أبوه مسلم وأمه مسيحية، يقولون له أنت شو تختار؟ فكان الولد يختار.. وللأسف بعد ما حدث الذي حدث في العراق غيروا هذا القانون، وأصبح يجب على الابن رغماً عنه أن يكون مسلماً.. ألست أدري أيهما أقرب للإسلام أن تكره الناسُ الأولادَ، أن تكرههم على الإسلام، أم أنك أنت تعطيه الفرصةَ، هذا الشاب، بأن أباه مسلم، أعطيه الفرصة أنه هو الذي يختار الدين الذي يؤمن به".
الزواج المختلط.. الزواج بين الأديان
وتابع د.عامر الحافي: "إذن لدينا إشكالية حقيقية في ما يتعلق بالزواج المختلط؛ الزواج بين الأديان، كان يجب أن يكون فرصة لأن يعيش أبناء ديانتَين تحت سقف واحد، أن يكون أبناء أو أن يكون أخوال أولادك هم أتباع الديانة الأخرى، أن يكون الزواج هو رباط يربط بين مؤمنين من ديانتَين مختلفتَين.. حولنا موضوع الزواج بالكتابية إلى مساحة من العرض المتميز للزواج للرجل المسلم؛ فالرجل المسلم، للأسف التفسير الذكوري للنص الديني جعل الرجل لديه ميزة أنه بالإضافة إلى أنه يتزوج واحدة أو اثنتين وثلاث وأربع، كمان عنده فرصة؛ هذه الزوجة مسلمة أو مسيحية أو يهودية، وبالتالي ميزة الرجل المسلم أن لديه عرضاً ولديه مجالاً أوسع بكثير.. وهذا كله للأسف كلام سيجعل الإسلام يبدو ديناً ذكورياً؛ لكن الحقيقة أن الإسلام قد فتح أفقاً جميلاً، حتى كلمة (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم)، وأنه أيضاً (وطعامكم حل لهم)، يمكن أن نفهم الآيات بأن كل الحقائق، لأن كلمة الطعام هي غذاء الجسد، وبالتالي الطعام الروحي أيضاً إذا كانت هناك حقيقة دينية موجودة عند أهل الكتاب، كما أن النبي، صلى الله عليه وسلم، (نحن أولى بموسى منهم).. فكل طعام روحي وكل حقيقة روحية موجودة عند أتباع أية ثقافة، أي دين يجب أن تكون هذه الحقيقة الدينية أيضاً محل استفادة؛ أن المسلم قادر على أن يتعلم من غيره، قادر أن يستفيد من غيره..".
المسلم وقانون التعارف
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: " لسنا نحن الذين نعلم البشرية؛ المسلم إنسان تقوم ثقافته على التعارف (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).. هل المسلم لأنه مسلم قد خرج عن دائرة التعارف، أنه أصبح فقط معلماً للبشرية، ولم يعد يتعلم من البشرية؟ إذن في هذه الحالة خرج عن قانون التعارف".
أهل الكتاب.. وإشكالية تحريف التوراة
واختتم د.عامر الحافي: "النقطة الأخيرة التي سأثيرها هي قضية أهل الكتاب (مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً)..، الأصل في علاقة القرآن الكريم، في الكتب السابقة، أنه جاء مصدقاً لتلك الكتب، وكلمة مهيمن.. وهنا أيضاً نعود إلى اللغة، وهنا مفاجأة عجيبة قد تفاجئ الكثير منكم، أن كلمة مهيمن تعني مؤتمناً وليس مهيمناً بمعنى ناسخ أو مسيطر.. هذا المعنى موجود؛ ولكن أغلب الروايات والمفسرين حتى في التفسير التراثي أن تكون مهيمناً تعني مؤتمناً؛ فالقرآن مؤتمن على الكتب التي جاءت قبله، فهو الذي يحفظ هذه الكتب من أن تبتعد في حقيقتها، من أن تكون قريبة من الحقيقة؛ من أن يحافظ على الحقائق التي جاءت بهذه الكتب.. فكرة أن هذه الكتب حرفت؛ طيب لماذا القرآن الكريم يقول (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها) إن لم تكن هناك توراة، لماذا يقول القرآن الكريم (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)؟ كيف يأمرهم أن يحكموا بالإنجيل والإنجيل لم يعد موجوداً؟ إذن هو ما يُسمى تكليف بالمستحيل، أنا أكلفك بشيء موجود، أقول لك احكم بالإنجيل احكم بالتوراة، ولماذا سماهم أهل الإنجيل، واحد التسمية ديال الإنجيل، تسمية جميلة أم قبيحة؟
إذن نحن أمام عدة آراء للعلماء المسلمين التي تقول إن التوراة حُرفت بالمعنى وليس باللفظ، وهناك رأي ثانٍ، قليل، يقول قد غُيرت التوراة، أما الرأي الشائع بين أعوام الناس بأنها قد حُرفت في عمومها وأغلبها، فهذا هو الحقيقة، الرأي الشاذ الذي ينتقده حتى علماء مثل ابن تيمية".