• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

لماذا جاء القرآن الكريم؟ | د. عامر الحافي

للإستماع




تحدَّثَ الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية، عبر حلقة جديدة من برنامج "قضايا"، عن القرآن الكريم، ولماذا جاء القرآن الكريم؟ ما الغاية التي من أجلها جاء القرآن الكريم؟ وهل القرآن الكريم جاء من أجل أن يبني المساجد والمعابد وأن يكون الإنسان في ذلك المسجد أو في ذلك المكان الذي يصلي به طائعاً لله ويبتعد عن مجتمعه ويتفرغ للعبادة؟ وهل الغاية هي بناء أفكار نظرية في عقول المؤمنين؟ ما هي غاية هذا الكتاب؟


أهم غايات القرآن الكريم

وقال الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الحقيقة أن من أهم غايات القرآن الكريم؛ بناء الشخصية السوية، هذه الشخصية المتصالحة مع نفسها، الشخصية المتصالحة مع مجتمعها، الشخصية المتصالحة مع الله؛ ولذلك مفهوم النفاق هو مفهوم يتعارض مع جوهر الإيمان، لأن الإيمان في أساسه يقوم على الصدق، والنفاق في أساسه يقوم على الكذب".


ظاهرة النفاق.. لماذا ظهر النفاق؟

وأضاف د.عامر الحافي: "ظاهرة النفاق، ما هذه الظاهرة؟ ولماذا ظهر النفاق؟ هناك مَن يقول إن النفاق لم يظهر في مكة المكرمة وإنما ظهر في المدينة المنورة، وهذا كلام صحيح بالمناسبة؛ لأن أسباب النفاق، لماذا الإنسان يريد أن يسلم وهو في مكة؛ حيث المعاناة وحيث الألم وحيث الابتلاء؟ النفاق يظهر حيث تظهر المصلحة؛ حيث تكون هناك مصالح.. من أجل أن تنتسب إلى الدين تنتسب إلى الإسلام، وبالتالي القضية. وبالمناسبة ليست هي فقط الانتساب إلى الدين، هناك مَن  ينافق دينياً وهناك مَن ينافق سياسياً فينتسب إلى حزب لا يؤمن بأفكاره، ينتسب إلى اتجاه يختلف معه؛ ولكنه يبحث عن مصلحته..".


النفاق ظاهرة مرضية

وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن ظهور النفاق في المدينة المنورة كان نتيجة ظهور الدولة الإسلامية؛ لظهور السلطة، لظهور قوة الإسلام، وبالتالي هناك منافع بدأت تظهر في ذلك المجتمع.


النقطة الثانية التي أريد أن أثيرها قبل أن نتعرض للآيات القرآنية التي تناولت موضوع النفاق، وأنا هنا أيضاً أشير إلى قضية مهمة، أننا إذا لم نكن نستوعب الفكرة في واقعنا الاجتماعي لا يمكن أن نذهب إلى القرآن الكريم لنفهم هذه الفكرة من خلال القرآن الكريم، وبالتالي أنت عندما تأتي إلى القرآن الكريم من أجل أن تفهم موقف القرآن الكريم تجاه موضوع النفاق، موضوع أخلاقي، موضوع اجتماعي، موضوع.. أي موضوع؛ فيجب أن تكون في الأساس مدركاً لطبيعة المشكلة التي تكون في المجتمع، النفاق ظاهرة لم تقتصر على المجتمع الإسلامي، النفاق ظاهرة لا تقتصر على الجانب الديني، النفاق ظاهرة مرضية داخل بنية الشخصية الإنسانية، وبالتالي كيف تناول الإسلام هذه المشكلة..".


مشكلة في التدين بالمجتمعات البشرية كلها

وأضاف د.عامر الحافي: "هنا أيضاً نقطة مهمة؛ حتى المسيح عليه السلام، عندما كان يتحدث مع الفريسيين والكتبة، لاحظ أن هناك حتى من اليهود مَن كان يدهن شعره بالزيت، ويتظاهر بأنه صائم، لأن الصيام في الديانة اليهودية كان له بعض المظاهر؛ من إظهار الفقر أو التقشف ولبس شيء، اللباس البسيط والمسوح، لأن الصيام في اليهودية ارتبط بالمآسي والظروف التي مر بها بنو إسرائيل، فكان المسيح ينبه على اليهود، ويقول لهم يعني لا تضعوا عليكم الزيت عندما تصومون حتى يراكم الناس؛ إذا أردت أن تصوم فيجب أن تكون جميلاً ويجب أن تبدو جميلاً، إذن هي مشكلة قديمة وموجودة في مجتمعاتنا البشرية كلها، هي مشكلة في التدين؛ لأننا أحياناً عندما نتديَّن دون أن يكون هناك تديُّن صحيح، ستختلط مشاكل التدين بمشاكل الشخصية المريضة والشخصية المنافقة، وبالتالي نحن أمام مشكلة التديُّن والنفاق؛ يعني أحياناً نحن في مجتمعاتنا قد ينافق حتى المثقف، أو العالم؛ قد ينافق للجماهير...".


النفاق والخوف من الجماهير والشعبوية

واستكمل أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "يعني أنا قبل مدة كنت أحضر فيديو لأحد المثقفين أو الدعاة، وهذا الداعية يتحدث عن  موضوع تلبُّس الجن، وأن تلبُّس الجن ليس له أساس في الشريعة الإسلامية، وهذا كلام صحيح، وأنا أذكر جيداً عندما كان الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، يتحدث عن هذا الموضوع، وجاءه رجل جزائري، وقال له -للشيخ محمد الغزالي- إن هناك جناً إسرائيلياً يعني ركبني، فأجابه بطريقة وديعة وبطريقة المصريين اللطيفة، قال (ملعون أبوهم، ما بيكفيش خدوا فلسطين، هياخدوا مراتك أنت كمان؟"، قال له إن هناك جناً يعني تجسَّد في زوجتي، قال له (كمان همَّ مدورين على زوجتك؛ يريدون أن يسيطروا على زوجتك، ماكفيش أخدوا فلسطين، كمان حياخدوا مراتك أنت كمان)، يعني فكرة تجسد الجن في هذا المثقف الذي أتحدث عنه، انتقد هذه الفكرة، وقال انهالت عليه الشتائم من كل مكان، إذن المثقف أو المصلح سيخاف من أن يتكلم عن فكرة الإصلاحية بأن هناك مَن سوف يشتم وسوف يقول إنه بعيد عن الإسلام ويشكك في دينه، فيظهر نوع من النفاق تجاه الجماهير، الخوف من الجماهير والخوف من الشعبوية، قد يكون أيضاً سبباً في أن المثقف وهو المصلح لا يقوم بدوره الحقيقي تجاه المجتمع.. أمراض القلب، وأنا أذكر هنا كتاباً يعني أنصح بقراءته، وهو لابن القيم الجوزي، اسمه كتاب )إغاثة اللهفان(، وهذا الكتاب الذي يقع في مجلدَين يبدأ الحديث عن أمراض القلب؛ لأنه إذا لم تكن مدركاً لهذه الأمراض فسوف، مهما تعلمت، مهما كانت المعارف الدينية أو الدنيوية، فأنت ستكون أمام إنسان مريض وستقع بعد ذلك في مشكلات كبيرة جداً..".


النفاق مشكلة اجتماعية إنسانية

وتابع د.عامر الحافي: "النفاق ليس مشكلة فردية، أيضاً مشكلة اجتماعية؛ حتى في المجتمع يسمونه نفاقاً اجتماعياً.. يقول لك الناس كذا، الناس متعودة على أن الضعيف ينافق القوي، والفقير ينافق الغني، ومَن خارج السلطة ينافق مَن هو داخل السلطة. إذن هي ليست مشكلة دينية بالمناسبة، هي مشكلة اجتماعية إنسانية؛ لأننا عندما نفشل في صناعة الإنسان نريد أن نصنع ذلك الإنسان السوي، لكن أحياناً عندما يأتي بالتدين، قد يأتي إنسان عنده مشكلة نفسية ويصبح متديناً، قد يأتي إنسان عنده وساوس قهري ويصبح متديناً، لا نستطيع أن نسيطر على طريقة التدين؛ لأن الإنسان له الحق أن يتدين، لكن بعد ذلك عندما يصبح لدينا عدد كبير من المتدين غير السوي أو المتدين الذي لديه دوافع نفسية أو نوع من الوساوس أو نوع من المشاكل النفسية، ثم يأتي إلى الدين، لا شك أننا في النتيجة سنجد نمطاً في المجتمع، المسلم نفسه أحياناً حتى في المسجد يمكن أن نجد مشكلات في المسجد الواحد، والناس جاية تصلي لله، ومع ذلك قد نجد أشكالاً من الأمراض أو المشكلات التي بين المصلين أنفسهم؛ لماذا؟ لأن التدين لم ينجح أو الخطاب لم ينجح في معالجة النفاق".


حديث شريف في غاية الأهمية

وأضاف د.عامر الحافي: "سأقف مع حديث نبوي جميل الحقيقة، يقول (آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)، وفي رواية تضيف أيضاً، فتقول (إذا خاصمَ فجر).. دعني أتوقف عند هذا الحديث؛ لأنه حديث في غاية الأهمية؛ يبدأ من الكذب، وهنا النبي، صلى الله عليه وسلم، يضع يده على أساس النفاق؛ لأن النفاق هو حالة من الكذب المستمر، هي الحياة الكاذبة، هي المظاهر الكاذبة، هي أيضاً الرياء؛ لأن هناك علاقة كبيرة جداً بين الرياء والنفاق.. أنت إذا كنت تريد أن تظهر في نفسك أو من نفسك شيئاً أنت غير مؤمن، هذا كله عبارة عن كذب.. إذا حدَّث كذب، إذا وعدَ أخلف، إذا أؤتمن خان، وأخيراً إذا خاصم فجر".


عندما يصبح النفاق نوعاً من المجاملة الاجتماعية

وقال أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "النفاق كما ذكرنا ظاهرة اجتماعية فردية وجماعية؛ هي في المسجد وفي الشارع، وفي البيت وفي الجامعة، وفي المؤسسة السياسية؛ وفي المعارضة، وبالتالي هي مشكلة الإنسان، لأننا عندما نفشل في صناعة الإنسان؛ فإن هذا الفشل سيصل إلى جميع مفردات حياتنا، إلى جميع مؤسساتنا، وسيصبح وكأنه المشكلة، بل سيصبح وكأنه ليس مشكلة.. ليست المشكلة، أعلم أننا في أكبر من المشكلة، وهنا مربط الفرس فعلاً أن النفاق لم يعد مشكلة، وإنما أصبح عبارة عن نوع من اللباقة أو نوع من المجاملة الاجتماعية؛ لكن عودة إلى الحديث النبوي الشريف الذي ذكرته قبل قليل، فقط أريد أن أشير إلى السمة الرابعة من سمات النفاق؛ والتي تقول إذا خاصمَ فجر.. اليوم ونحن نتابع وسائل التواصل الاجتماعي، والله لو نظرنا إلى علاقة المسلمين في ما بينهم؛ خصوصاً السُّنة والشيعة، يا سلام على هذا الموضوع؛ فضيحة فعلاً نحن اليوم كمسلمين نفضح أنفسنا بأسوأ طريقة أمام غير المسلمين..".


الفجور في الخصام.. السُّني يكفِّر الشيعي والشيعي يكفِّر السُّني

وتابع د. عامر الحافي: "وأنا أذكر هنا أيضاً بيت شعر لابن القيم الجوزي، كذلك الحال، يقول (يا أمة لعبت بدين نبيها تلاعب الصبيان بالأوحال، أشمتم أهل الكتاب بنا، والله لا يرضوا بذي الأفعال).. السُّني يكفِّر الشيعي والشيعي يكفِّر السُّني، خصام، الفجور في الخصام. يا أخي هناك اختلافات تاريخية قديمة، وهي اختلافات سياسية في الأساس، حتى ليست دينية، ثم تحولت من اختلافات سياسية، إلى اختلافات دينية، الخلاف هو مَن هو الحاكم؟ مَن هو الخليفة؟ هل الخليفة يكون في آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أم الخليفة يكون بين عموم المسلمين؟ هذان اتجاهان؛ ولكن بعد ذلك الفجور في الخصام، فتأتي الفضائيات أو تأتي حتى لوسائل التواصل، تجد الفجور في الخصومة، لماذا أنت تبحث عن عيوب الشيعة فقط؟ وهو يبحث عن عيوب السُّنة؟ يبحث في كتب أهل السُّنة، عن حديث فيه مشكلة، وأنت تبحث في كتب الشيعة، في كتاب الكافي مثلاً، الكليني، وهو يبحث في كتاب مثلاً الترمذي، ولّا كتاب الموطأ، فيبحث عن مشكلة، وعين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تريك المساويا.. الإنسان عندما يبحث عن عيب، سيجد ذلك العيب، وعندما يبحث عن فضيلة سيجد تلك الفضيلة، بالتالي نحن اليوم نمارس شكلاً من أشكال النفاق".


وقال أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "ما نجده على وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الخصومة بين المسلمين؛ هو شكل من أشكال النفاق. النفاق بحاجة إلى بحث عميق في سلوكنا اليومي، في حياتنا، تفاصيل هذه الحياة. القرآن الكريم قسَّم الناس من حيث إيمانهم ومن حيث قبولهم بالقرآن إلى ثلاثة أصناف، أو على الأقل ثلاثة أصناف كما يقول بعض العلماء، والآن سألاحظ أن هناك أيضاً أصنافاً أخرى خارج هذه الأصناف الثلاثة؛ الصنف الأول هو الذين آمنوا، يعني كما في قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، والصنف الثاني هو الذين كفروا (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار)، (إن الذين كفروا).. آيات كثيرة. إذن هذا الصنف الثاني من الناس. الصنف الثالث هو أولئك الذين نافقوا، وبالتالي لا هم قد كفروا وأعلنوا وصرَّحوا واعترفوا، ولا هم أيضاً مؤمنون حقيقيون.. هذه النوعية من الناس، النفاق المباشر، النفاق الذي ذكره القرآن في سورة البقرة، وركز عليه بآيات طويلة؛ حتى إن بعض المفسرين لاحظ ملاحظة قال إن القرآن الكريم في سورة البقرة عالجَ موضوع الكفر في بضع آيات، بينما ركز على موضوع النفاق بعشرات الآيات؛ لكن هذه الأنواع الثلاثة التي أشار إليها بعض العلماء؛ هناك ثلاثة أنواع في موقفهم من القرآن الكريم، الحقيقة أن هناك نوعاً آخر، هناك مَن لم يعرف حقيقة القرآن؛ يعني ربما هو حتى قد يكون قريباً من المسلمين؛ لكن ليس كل إنسان قريباً من المسلمين يعرف حقيقة الإسلام، فالإسلام قد يعرض بطريقة تشوه حقيقة الإسلام، قد يكون هذا الإنسان المسلم لا يجسد حقيقة الإسلام".


نوعان من النفاق.. أصلي وطارئ

وأضاف د.عامر الحافي: "فقد نجد من الناس مَن هو إنسان صالح وإنسان طيب؛ ولكنه لم يعرف وربما لا يشعر بدافع لأن يعرف حقيقة الإسلام، قد تجدون ناساً حتى غير مهتمين؛ يعني هو ليس متديناً بالإطلاق، فقد تجد من  هؤلاء مَن لا يكترث ولا يهتم بالإيمان؛ لكن هو ليس كافراً، لكنه لا يوجد لديه هذه الدوافع العميقة من أجل الإيمان.

إذن تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام من حيث إيمانهم في القرآن أيضاً هو بحاجة إلى أن نعيد النظر في هذا التقسيم. المنافق قد يكون منذ البداية منافقاً؛ يعني هناك نوعان من النفاق، النوع الأول (المنافق الأصلي) يعني هذا المنافق الذي هو من البداية دخل الإسلام كما حدث في المدينة المنورة، كما ذكرنا، وهو ينوي أن يكون منافقاً، يعلم أنه منافق ويريد أن يحصل على مصلحة هنا أو هناك. والنوع الثاني هو ذلك الإنسان الذي اعتنق الإسلام؛ ولكن بعد ذلك أُصيب ببعض المشكلات أو الشكوك تجاه الإسلام، وبدأ إيمانه يضعف شيئاً فشيئاً ويبحث عن رغباته، ويبحث عن مصالحه؛ فهو مؤمن ولكنه في ذات الوقت بدأ يمارس سلوكاً وأخلاقيات النفاق، وبالتالي هذا الإنسان الذي نتحدث عنه هو ما يُسمى بـ(المنافق الطارئ)؛ يعني أن النفاق قد حدث معه نتيجة رغبات وشهوات وظروف قد وقع بها.. إذن نحن نتحدث عن شخصية مريضة، هذه الشخصية المريضة تواجه أو تقابل الشخصية الإيمانية الصحيحة".


المنافق كالشاةِ العائرة

وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الكافر قد يكون كما هي الحال مع مثلاً أبو جهل، هذه الشخصية القريشية.. أبو جهل بقي واضحاً وصارماً وقراراته واضحة، حتى آخر لحظة، حتى عندما قُتل في معركة بدر، قال (لقد ارتقيت مرتقًى صعباً يا رويعي الغنم)، يقول لعبد الله بن مسعود، وبالتالي هو يعني لآخر لحظة الإنسان يقول لك أنا لا أريد، هو غير منافق، وبالتالي أحياناً حتى الكافر يكون لديه وضوح وشجاعة وصدق مع الناس، هو لا يريد هذا الشيء؛ لكن المنافق وهذه هي المشكلة.. حديث شريف يقول النبي، صلى عليه وسلم، إن المنافق كالشاةِ العائرة، وهذا والله تعبير جميل في الحديث النبوي؛ مثل المنافق كمثل الشاةِ العائرة. العائرة يعني الحائرة بين الغنمَين؛ يعني هذه الشاة عندها مشكلة يعني ربما في مرحلة من مراحل حياتها، تكون عندها مشاكل هرمونية لا أدري، ولكن هذه الشاة فيه عندها مشكلة؛ فبتصير تذهب مرة إلى هذا القطيع أو هذا الغنم، ثم تذهب فترة أخرى فيه تردد، فيقول إنه المنافق إنسان متردد، ولاحظوا القرآن الكريم يقول (مذبذبين) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، مذبذبين بين ذلك، هذا التذبذب يدل على أن القرار فيه مشكلة؛ أن شخصية المنافق كما يصفها القرآن الكريم هي شخصية غير قادرة على اتخاذ قرار ينبع من قلب الإنسان، ينبع من ضمير الإنسان. إذن المنافق مثله كمثل الشاة العائرة؛ التي تكون بين الغنمَين؛ تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة".


أخلاق المنافقين والوسواس القهري

وأضاف د.عامر الحافي: "هناك إشارات قرآنية كثيرة للأخلاق التي وقع بها هؤلاء المنافقون، وربما لو أخذنا نماذج على هذه الأخلاق التي يعني امتاز بها المنافقون؛ مثلاً الآية القرآنية (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)؛ يعني لاحظوا هذه العبارة (يحسبون كل صيحة عليهم)؛ هي شخصية متشككة، يظن أن الناس كلها تشك به، لأن هو بحد ذاته يشك في نفسه؛ لأنه لديه هذه المشكلة في نفسه، فيظن أن الناس جميعاً ينظرون إليه وكأنهم يعرفون ما في نفسه من تردد وما في نفسه من مشكلات؛ يحسبون كل صيحة عليهم، وأنا هنا أشير إلى فكرة عامة سنجدها في كثير من أخلاق المنافقين؛ أن كثيراً من أخلاق المنافقين قد يقع بها بعض المتدينين، بعض المتدينين، أو حتى غير المتدينين؛ قد يكون إنساناً لا دينياً أيضاً ولديه هذه المشكلة، الوسواس القهري، يظن أن أي شيء يحدث هو ضده؛ ولكن لماذا نحن نركز أحياناً على مشكلات المتدينين؟ لأننا نريد أن يكون التديُّن هو الأمثل هو الأنقى، فإذا كنا ننتقد في بعض الأحيان بعض مشكلات التديُّن؛ لأن التديُّن يجب أن يكون هو الأكثر نقاء. فننتقد التدين ليس لأننا ننتقد ديناً؛ ولكن لأننا لا نريد للتدين أن يكون بعيداً عن الدين، ونقيضاً لأخلاق الدين.. يحسبون كل صيحة عليهم؛ اليوم تجد أحياناً لو أن هناك أي شيء يحدث، لو أن بغلة عرجت في اليابان لقالوا إن الإسلام مستهدف، فكرة أن الإسلام في كل شيء مستهدف، لماذا تضعون الإسلام وكأنه خصم لكل شيء؟ أي شيء يحدث في العالم من أجل تدمير الإسلام، أي شيء يحدث.."


عندما تتحول المؤامرة إلى هوس

واستطرد أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "صحيح أنا لا أقول إنه لا يوجد نظرية مؤامرة؛ يوجد أفكار مؤامرة، يوجد مشاريع مؤامرة؛ لكن عندما تتحول المؤامرة إلى هوس وإلى نوع من الوساوس النفسية، إذن نحن لسنا أمام شخصية مؤمنة تستوعب الحقيقة القرآنية، المنافق هو الذي لديه هذا الشعور بالخوف من الجميع، لكن عندما يصبح المؤمن لديه خوف من الجميع وليس لديه هذا التمييز، بينما هو خطر حقيقي وخطر غير حقيقي، نكون وقد وقعنا في نفس المشكلة التي وقع بها المنافق. الخلق الثاني الذي أريد أن أشير إليه هو مشكلة الفتنة؛ يعني أن المنافق لو خرجوا كما يقول القرآن الحكيم؛ (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة). إذن الفتنة وبث الفتن هو جزء من مسلكيات المنافق. إذن كيف يمكن للمؤمن أو للإنسان السوي أن يقبل بالفتنة بين الناس. أحياناً الفتنة قد تكون حتى بين أبناء الوطن الواحد؛ مسلم- مسيحي، سُني- شيعي، سلفي- صوفي، وأنا والله دعني أركز على الفتنة بين المسلمين والمسيحيين؛ أحياناً هناك مَن يريد أن يظهر أن المسلمين لا يستطيعون أن يقبلوا أحداً غيرهم، أن المسلمين مجتمعات مغلقة، وأن المسلم غير قادر على أن يتعايش مع أتباع  دين آخر، وأنه غير المسلمين بدؤوا يسافرون ويهاجرون من الدول الإسلامية؛ لأن التعصب الإسلامي يزداد، ولأنه يزدادون كلما ازداد المسلمون تديناً، كلما ازداد التعصب وكلما زادت هجرة غير المسلمين من الدول العربية، وهذا الشيء فيه جزء من الصواب طبعاً؛ هناك أسباب كثيرة للهجرة، اقتصادية وسياسية واجتماعية.. وغير ذلك".


لكم دينكم ولي دين

وأوضح د.عامر الحافي: "ولكن الحقيقة لماذا نحن نفقد جزءاً من مجتمعنا؟ أليس الأردني المسيحي و الفلسطيني المسيحي والمصري المسيحي، أليس جزءاً من النسيج المجتمعي؟ ألم يكن المصري المسيحي في مصر قبل أن يأتي عمرو بن العاص؟ ألم يكن الأردني المسيحي في الأردن قبل أن يأتي أبو عبيدة رضي الله عنه؟ إذا نحن نفقد جزءاً من أوطاننا، إذا كان الإسلام يجعلك خفيفاً وسطحياً في تفكيرك، ويجعلك غير قادر على أن تميز بين الفتنة واختلاف وجهات النظر، بين اختلاف المعتقدات (لكم دينكم ولي دين).. يا سلام القرآن الكريم حلها بطريقة جميلة جداً، إذن أنت تحترمني وأنا أحترمك، ما المشكلة؟ العكس؛ وجود حتى اليهود، بقي اليهود في لبنان حتى عام 1982، وبقي اليهود في العراق حتى بداية الخمسينيات. عندما حدثت تفجيرات بعد ذلك ولم تكن من المسلمين وإنما كانت لأسباب تتصل بالصهيونية؛ إذن المسلمون أمام الفتنة الاجتماعية وأمام الصراع يجب أن يكونوا أكثر ذكاء، لا أن يقعوا في حبال المنافقين؛ لأن هذا جزء من أخلاق المنافقين، الإفساد في الأرض؛ المنافق، يزعم أنه يعني هم المصلحون، أنهم عندما يفسدون يزعمون أنهم هم المصلحون، وكذلك الحال المتزمت أو المتعصب يقتل كما حدث مثلاً مع عبد الرحمن بن ملجم، الذي قتل الإمام علي، رضي الله عنه.. عبد الرحمن قتل الإمام علي وهو يصلي، وكان يعتقد أن قتل الإمام علي إصلاح، أن قتل الأبرياء الذي يحدث أحياناً في بعض الأماكن وتقوم به بعض الفئات، هناك مَن يجعله وكأنه هو في سبيل عودة الإسلام وإعادة الإسلام من خلال دماء الأبرياء".


لماذا لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين؟

واختتم أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن فكرة أنك أنت تفسد في الأرض وتزعم أنك تصلح وأنك من المصلحين، هو أيضاً خلق من أخلاق المنافقين، وخلق من أخلاق التديُّن المريض أو التدين الذي يتعرض لنوع من الفساد المفاهيمي. في النهاية الحقيقة أريد أن أشير إلى بعض القضايا أيضاً التي تتصل بالنفاق، سؤال ربما يكون مهماً جداً: لماذا لم يقتل النبي، صلى الله عليه وسلم، المنافقين؟ والنبي كان يعلم، (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)؟ النبي كان يعرف ابن أبي سلول، كان يعرف أنه منافق، وكان يعرف أنه رأس المنافقين؛ لكن انظروا إلى هذه الكلمات النبوية، قال أخشى أن يقال إن محمداً يقتل أصحابه.. هذا يعني أنه حتى المنافق في المجتمع الإسلامي، والذي هو خطره أكبر بكثير، يجب أن لا نجعل هذا المنافق يعني السبب في انشقاق اجتماعي؛ يجب أن نجد حلولاً سلمية، حلولاً ذكية؛ من أجل أن نحل، مش مشاكلنا الاجتماعية، لا؛ أن يتحول الموضوع إلى حرب أهلية. كلمات النبي، صلى الله عليه وسلم، هذه، أخشى أن يُقال إن محمداً يقتل أصحابه، هي أيضاً تدخلنا في نقطة مهمة؛ أن هناك بعض الصحابة ربما كانوا من المنافقين، والقضية شائكة جداً؛ لأن كلمة الصحابة، طبعاً عموم الصحابة مدحهم الله عز وجل ولهم مكانة.. (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)؛ إذن النبي، صلى الله عليه وسلم، يعلمنا في هذا الموقف أن النفاق يجب أن نتعامل معه بحكمة وبعمق، وأن لا يتحول أيضاً إلى مشكلة أكبر، ونجعل مجتمعاتنا عرضةً للدمار والخراب".