تحدَّثَ الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية، عبر حلقة جديدة من برنامج "قضايا"، عن التمييز بين النبي والرسول، موضحاً أن التفريق بين هاتين الكلمتَين يذكرنا أيضاً بما تحدثنا عنه في الحلقات الماضية بين الإسلام والإيمان، بين الرب والله عز وجل، وهذه الثنائيات أو الألفاظ المتقاربة كثيراً في معناها والتي اختلطت على بعض المسلمين؛ حتى ظنوا أن هذه الكلمة هي نفسها، ولا توجد أية دلالة مختلفة في المعنى نتيجة لاختلاف هذه الكلمة.
ما المقصود بالنبي والرسول؟
قال الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية: "اليوم سنتوقف الحقيقة عند موضوع مهم جداً؛ وهو ما المقصود بالنبي؟ وما المقصود بالرسول؟ العلماء السابقون كانوا يتحدثون في كتب العقيدة وفي كتب التفسير أيضاً أن النبي هو مَن أُوحي إليه بشيء أو بتعاليم من الله ولم يؤمر بتبليغها، بينما الرسول مَن أوحي إليه من الله بتعاليم أو برسالة وأمر بتبليغها. هذا التعريف ربما يكون من أكثر التعاريف شهرةً، وهناك أيضاً مَن قال من علماء العقيدة إن النبي ليست له شريعة، يأتي مؤيداً لرسالة نبي، رسول؛ يعني كيف موسى، عليه السلام، هو رسول ونبي؟ وبالتالي جاء معه شريعة، بينما داود وسليمان لم تكن لديهما شريعة؛ فهؤلاء أنبياء بني إسرائيل وليسوا رسل بني إسرائيل، فلذلك قالوا إن الرسول هو مَن كانت له شريعة؛ بينما النبي لا يشترط أن تكون له شريعة، لكن في نفس الوقت كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً. ليس كل نبي رسولاً؛ لأن داود وسليمان، كما ذكرنا، لم يكن داود أو سليمان لديهما الشريعة أو أحكام أو تعاليم تختلف عن تعاليم التوراة وتعاليم ما نزل إلى موسى عليه السلام..".
قضية النبوة.. هل هي كسبية؟
وأضاف د.عامر الحافي: "قبل أن نتحدث عن نظرة أحد العلماء أو المفكرين المعاصرين؛ وهو محمد شحرور، للتفريق بين النبي والرسول، أريد أن أثير قضية؛ وهي قضية النبوة، هل هي كسبية؟ يعني هل هي ناتجة عن اجتهاد بشري؟ وبالتالي يعني يصبح البعض يهيئ نفسه، يجلس في بعض الأماكن، يقرأ، يتأمل، يؤخذ شوية (يوجا)، أو يقوم ببعض الأشياء هنا وهناك، حتى يعني يجد هذا النوع من المعرفة الإلهية؟ الحقيقة، لا. نظرة القرآن الكريم إلى هذه القضية جاءت موجزة في قوله تعالى (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك)؛ إذن حتى النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يكن يتوقع أن يأتي الوحي إليه، وكلنا يعرف هذه القصة، عندما تفاجأ النبي بالوحي، بجبريل؛ اقرأ؟ ما أنا بقارئ، ورجع إلى بيته وهو في حالة من الخوف أو الوجل، وبالتالي النبي لو كان يتوقع مجيء الوحي لكان على الأقل لم يكن بهذا النوع من الخوف والمفاجأة التي وقعت له".
هل يشترط في الأنبياء أن يكونوا رجالاً؟
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "البحث عن معانٍ روحية؛ ممكن أنك أنت من خلال الخلوة، من خلال الذكر، من خلال القراءة، التعلم، عمل الخير؛ أن يزيد إيمان الإنسان ويرتقي بإيمانه، ولكن أن يأتيك الوحي من السماء فهذا أمر الله يصطفي به الأنبياء؛ لأنه هو الذي يختارهم. هنا أيضاً أأتي لقضية، أعتقد أنها مهمة جداً؛ هل يشترط في الأنبياء أن يكونوا رجالاً؟ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم)، هل يشترط أن النبي يكون رجلاً؟ أو الرسول يكون رجلاً؟ هذه الآية تشير إلى هذا المعنى؛ لكن الحقيقة لو تأملنا في آية أخرى تقول (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه). طيب ألا يوجد ولا امرأة صدقت ما عاهدت الله عليه؟ هم فقط الرجال الذين يصدقون ما عاهدوا الله عليه؟ إذن هذا الرجل يعني بأنه فقط الذكور هم الذين يستشهدون وهم الذين يصدقون عهدهم مع الله؟ لا الحقيقة..".
إشكالية نبوة مريم
واستكمل د.عامر الحافي: "وبالتالي هناك من علماء مَن قال إن مريم، عليها السلام، كانت نبية، ولو توقفنا عند مريم.. (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)، كيف يمكن أن ننفي إمكانية نبوة مريم؟ طبعاً ليس لها شريعة؛ ولكن هي (فتمثل لها بشراً سوياً... قال إنما أنا رسول ربك)، إذن هي تحدثت مع الملاك، وجاءتها الأوامر، وجاءتها التعاليم، وجاءها الحوار مع الملاك، ما الذي يوجد أكثر من ذلك؟ لكن لا يوجد لديه شريعة، إذن إمكانية نبوة المرأة، وهذه قضية ترِد وتوضح أن الإسلام ليست لديه عقدة تجاه المرأة أو تجاه الأنثى؛ لأنه حتى مريم، عليها السلام، عدد من العلماء بالمناسبة قالوا إن مريم، عليها السلام، نبية؛ منهم الإمام ابن حزم الأندلسي، وهو يعني من كبار العلماء الذي قال إن مريم كانت نبية".
مَن هو النبي؟
وقال د.عامر الحافي: "نعود إلى قول محمد شحرور في تفسيره النبي، ومَن هو النبي؟ وتعريف النبي بمنهجه المعهود؛ يبحث عن الاشتقاق اللغوي، فيقول إن النبي من النبأ، وهو يفرق بين النبأ والخبر، فيقول إن النبي من النبأ؛ لأن النبأ فيه معلومات غيبية، وأيضاً هذه المعلومات ما كنت تعلمها أنت ولا قومك، فالنبوة فيها معرفة يحصلها النبي عن طريق الوحي، ولم يكن يعرف هذه المعرفة بقدراته الشخصية؛ فهو غير قادر أن يحصل على هذه المعرفة بجهده واجتهاده وتحصيله الشخصي، بينما هي من النبأ؛ بينما الخبر عندما يعني يتحقق النبأ يصبح خبراً، فالخبر هو شيء يقع، شيء واقعي متحقق، وهذا فعلاً تفريق دقيق وتفريق جميل بين النبأ والخبر؛ وبالتالي دخلنا في نظرية للتفريق بين النبي والرسول، يستخدم فيها الأصل الاشتقاقي لكلمة نبأ وأنبأ، طيب ماذا عن الرسول؟ هل الرسول هو نفسه النبي؟ لا يقول إن الرسول هو مَن أوحي إليه بتعاليم وأحكام تتعلق بالعبادات، بالشعائر".
سُنة النبوة وسُنة الرسالة.. هل النبي اجتهد؟
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "فإذن النبوة معرفة الرسالة، عبارة عن أحكام وتعاليم، النقطة ليست هنا، الحقيقة النقطة الأكثر أهمية التي أثارها محمد شحرور تتمثل في أن هناك من الأحاديث النبوية، وهنا نظرة إلى الأحاديث النبوية، قد يعتقد البعض أن محمد شحرور وغيره ممن يطلق عليهم البعض تسمية القرآنيين، أنهم يعني يرفضون أو ينفون تماماً فكر السُّنة النبوية؛ ولكن نجد عند شحرور تقسيماً للسُّنة النبوية، بطريقة يعني تؤكد أن هناك قبولاً لشيء من السُّنة النبوية، ولكنْ هناك أيضاً تمييز بين أنواع هذه السُّنة النبوية. فهو يقسم السُّنة النبوية إلى سُنة نبوية وإلى سُنة رسولية. إذن شحرور قسَّمَ السُّنة إلى قسمَين: سُنة النبوة وسُنة الرسالة، قبل أن نكمل قول شحرور أو تقسيم شحرور؛ الحقيقة أن عدداً من السابقين كانوا أيضاً قد ميَّزوا بين ما يقوم به النبي، صلى الله عليه وسلم، أو يفعله أو يقوله أو يتحدث به، وميزوه إلى أن هل النبي فعل هذا الفعل أو قال هذا القول تبليغاً عن الله، أم أنه قام بهذا الفعل نتيجة اجتهاده؟ ولذلك نجد اختلافاً بين الأصوليين في مفهوم الاجتهاد، يعني هل النبي، صلى الله عليه وسلم، اجتهد؟ هل النبي يجتهد؟ طبعاً النبي سيد المجتهدين؛ يعني لا يمكن أن يكون النبي هو فقط عبارة عن قناة للوحي الإلهي، وقناة رائعة وجميلة؛ ولكن لا توجد لديه خصوصية، ولا يوجد لديه وعي، ولا يوجد لديه اجتهاد وعقل كبير ومدرك..!".
وتابع د.عامر الحافي: "وهنا آتي بمثال في معركة بدر؛ عندما قال أحد الصحابة للنبي، صلى الله عليه وسلم: أهو منزل أنزلك الله أم هي الحرب والمكيدة؟ قال: بل هي الحرب والمكيدة؛ فقال ذلك الصحابي. إذن هو ليس بمنزل، يعني هذا الموقع الذي غير مناسب عسكرياً؛ لأن هذا الصحابي توقع أن النبي، صلى الله عليه وسلم، يمكن أن يكون قد ذهب إلى هذا المكان بأمر من الله".
التراث الإسلامي قابل للبناء
واستطرد أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الحديث الآخر حتى نبين أن رأي شحرور في التمييز ما بين سنة النبوة وسنة الرسالة، ليس اختراعاً جديداً تماماً؛ فكثير من هذه الآراء لديها بعض المقدمات وبعض الأسس التي وجدت في التاريخ الإسلامي وفي التراث الإسلامي، فالمطلوب هو ليس استبعاد هذا التراث الإسلامي تماماً، وإنما المطلوب هو استيعاب ما يوجد في هذا التراث من معارف قابلة للبناء وقابلة للتطوير، فالتراث الإسلامي هو تراث قابل للبناء وليس تراثاً يجب أن نقطع العلاقة بيننا وبينه ونضعه فقط في كتب التراث أو في المكتبات القديمة.
الحديث الآخر يقول (إنما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)؛ فالنبي في مقام القضاء يختلف عن نبي في مقام التبليغ، النبي في مقام القضاء يجتهد في رأيه، بينما النبي في مقام التبليغ يتحدث عن أنه يبلغ عن الله".
ابن عاشور و12 نوعاً من السُّنة النبوية
وقال د.عامر الحافي: "ابن عاشور، وهذا عالم من كبار علماء الديار التونسية، يتحدث عن اثني عشر نوعاً من أنواع السُّنة النبوية، يعني أن السُّنة النبوية مثلما، ليس كما يعتقد البعض أنه كل ما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فهو من التبليغ ومن باب الأوامر، هناك أشياء جاءت عن النبي، وكان النبي يتحدث عنها، وهو من باب رئاسة الدولة أو أنه يمثل في ذلك السياق رئيس دولة؛ فهو لم يكن يتحدث عن تبليغ رسالة أو أوامر أو وحي من الله عز وجل، فهذا العالم الذي هو ابن عاشور، في كتابه (مقاصد الشريعة) يتحدث عن اثني عشر أسلوباً من أساليب السُّنة أو أنواع السُّنة النبوية، التي هي في أغلبها وفي عمومها ليست وحياً مباشراً من الله؛ وإنما هي جوانب تعكس الاجتهادات النبوية، وكيف أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد استوعب هذه الجوانب الحياتية. هذه النقطة ليست نقطة بسيطة؛ لأن مشكلة تضخم السُّنة على حساب القرآن الكريم كان هذا سببها، أن الناس تعتقد أن كل ما قاله النبي قاله في مقام التشريع، وقاله في مقام الوحي، وكأن النبي قد أُلغيت إنسانيته ولم يعد لديه هذا الجانب الإنساني، الخبرة الإنسانية.. نحن نعرف مثلاً في قصة أن النبي جيء بطعام ليأكل، وهو في المدينة، قال لم أجد قومي يأكلونه فنفسي تعافه؛ يعني أحد أنواع الزواحف يشبه السحالي، كان العرب في الصحراء العربية أيضاً يأكلون هذا النوع من السحالي أو أنواعاً من السحالي؛ فهو قال لم أجد قومي يأكلونه فنفسي تعافه، فهل هذا الفعل النبوي في ترك هذا النوع من الطعام هل هو بوحي من الله؟ أم أنه الذوق ثقافة الغذاء وأنواع الطعام التي كانت في مكة تختلف عن أنواع الطعام التي كانت في المدينة، ونحن يعني حتى في حياتنا البسيطة يعني كمجتمعات عربية، يعني حتى الإنسان لما يأتي من الأردن إلى مصر أو من المغرب إلى سوريا، فيشعر بالفوارق الموجودة في أنواع الطعام؛ يعني هناك أنواع طعام ربما تكون هي فعلاً لذيذة عند أهل هذا المكان، لكن عدم التعود على هذه الأنواع من الطعام يجعل الإنسان لا يستسيغها أحياناً نفس الشيء".
هل نحن ملزمون أن نفعل نفس الأفعال التي فعلها النبي في زمانه؟
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "النبي، صلى الله عليه وسلم، إنسان؛ ففيه هناك أشياء النبي عملها بمقتضى الجبلة، يعني هو من باب أنه إنسان قاض هذا، فإذن شحرور يميز بين السُّنة النبوية، ويقول السنة النبوية هي تمثل يعني ما يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم، مجتهداً في فهمه للرسالة، ولا يوجد إلزام باتباع السنة النبوية؛ لكن هناك أنواع من السُّنة النبوية؛ مثلاً النبي رئيس دولة ويأمر المسلمين بفعل شيء. والمسلمون في زمانه، صلى الله عليه وسلم، ملزمون بطاعته و بالاستجابة لأوامره، لأن ذلك يتعلق بالشأن العام وبحياتهم في زمن الرسول لكن هل هذه الأشياء أو الأوامر أو القضايا التي يعني.. توزيع الغنائم مثلاً، هل نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين عندما تقوم هناك حرب، هل تأتي القوات المسلحة وقيادة الجيش لتوزع الغنائم على الجيش؟ مستحيل؛ لا يوجد هذا الكلام في أي مكان في العالم، هذا يعطونه قطعة سلاح، وهذا يعطونه سيفاً، وهذا يعطونه يعني.. مش معقول؛ لأن هذا النوع من الأعراف كان موجوداً قبل الإسلام، أنه في الحروب حتى تشجع المقاتلين، أنت توزع عليهم الغنائم، وحتى أكثر من غنائم، كانت هناك الجواري، وكان هناك الرق؛ لكن هل نحن ملزمون أن نفعل نفس الأفعال التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه؟ أبداً".
السُّنة النبوية والسُّنة الرسالية
وأضاف د.عامر الحافي: "فهذا يسميه السُّنة النبوية، أما السُّنة الرسالية وهنا أيضاً قضية دقيقة جداً؛ أن السُّنة الرسالية فيها نوعان؛ فهي بالأوامر والنواهي بالتعاليم بالتشريعات بالأحكام بالحرام بالحلال، فيقول إذا كانت السُّنة الرسالية فيها نوعان؛ السُّنة المتصلة والسُّنة المنفصلة، مثل قوله تعالى (ومَن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم)؛ يعني أطيعوا الله والرسول، فإذا كانت متصلة ليس كما وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول.. أطيعوا الله والرسول، الطاعة قد جعلت الله والرسول في سياق واحد، في هذا المجال، إذن الطاعة واجبة للنبي صلى الله عليه وسلم، في السُّنة الرسالية. لكن (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) هناك انفصال؛ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول، بين طاعة النبي وبين طاعة الله..".
هل عقوبة السرقة يجب أن تكون بنفس طريقة السرقة التي كانت في المدينة وفي عصر الرسول؟
وواصلَ أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "هذا التقسيم للسُّنة إلى سُنة نبوية وسُنة رسالية، له أثر كبير وأثر لا بد أن نتوقف عنده ملياً، هذا التمييز بين سُنة النبوة وسُنة الرسالة أو السُّنة الرسالية له آثار كثيرة في الأحكام، في فهم ما هو المطلوب في قضايا أيضاً اليوم نعيشها، ونعطيكم مثالاً يقول عن السُّنة أو الرسولية، السنة الرسولية المتصلة، فيما يتعلق مثلاً بالأحكام التي تتصل بالحدود أو بالعقوبات؛ فحتى هذه الأحكام التي تتصل بالرسالة لها حد أعلى ولها حد أدنى؛ يعني حتى القرآن الكريم عندما يتحدث عن عقوبة الزنى بأنه مئة جلدة، فهو يتحدث عن الحد الأعلى للعقوبة، الحد الأعلى للعقوبة هو مئة جلدة؛ لكن لا يجوز أن تتعدى هذه الحدود، فالحدود لا يجوز أن هذا الحد هو الأقصى الذي يمكن أن يتعاقب أو يعاقب به الزاني، لكن حتى مفهوم الحدود يعني مثلاً السرقة، هل عقوبة السرقة يجب أن تكون بنفس طريقة عقوبة السرقة التي كانت في المدينة المنورة وفي عصر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أبداً. يذهب، وهو أيضاً ليس وحده في ذلك، يعني الإمام الشيخ محمد أبو زهرة العالم المصري المعروف، كان لديه هذا الرأي؛ بأنه ما يُسمى بحدود مثل حد السرقة على سبيل المثال، قطع يد السارق على سبيل المثال، هل قصد بذاته أم أنها كانت تمثل طريقة العقاب؟ فكان الشيخ محمد أبو زهرة، رحمه الله، كما حدثنا الشيخ محمد الغزالي، عندما كنا طلاباً للشيخ محمد الغزالي، قال كنا في اجتماع للعلماء، لقاء للعلماء، والشيخ محمد أبو زهرة قال لديَّ رأي، لم أتجرأ أن أصرح به منذ أكثر من عشرون سنة. قالوا له ما هو؟ قال إن الحدود المتمثلة بقطع اليد، وهذه الحدود كانت هي عبارة عن وسائل لتطبيق الحد، ليس شكل الحد هو الغاية من الحد، الغاية من الحد هو الزجر، إيقاع نوع من التخويف من الجريمة؛ حتى لا يقع الناس في الجريمة".
الشعبوية الدينية ومجتمعاتنا الإسلامية
واستطرد د.عامر الحافي: "تصوروا أن هذا الشيخ الجليل لديه نوع من القلق أنه لا يستطيع أن يتجرأ بإعلان هذا الرجل؛ لأنه فعلاً أصبحنا، في مجتمعاتنا الإسلامية، الشعبوية الدينية، وجود نوع من شعبوية دينية؛ حتى المثقف، حتى الشيخ، يعني ابن رشد ضرب بالحجارة، علماء كثر ضُربوا بالحجارة؛ لأن استغلال جهلة لإيذاء العلماء والمفكرين يمثل حالة قديمة في المجتمعات الإنسانية، لكن نحن نعلم حتى كل هذه القصص لا تساوي شيئاً مع ما كان يحدث للعلماء في أوروبا، للمفكرين.. جونا جورداني جاليليو، هؤلاء العلماء كانوا يُقتلون ويُحرقون، فإذن هذه الآراء التي تبدو أحياناً شديدة لا يجوز أن نواجهها بالسخرية، ولا يجوز أن نواجهها بالأذى والقتل، العلماء يتحاورون مع العلماء، وأنا هنا أيضاً يعني أعتب على بعض المفكرين أو المثقفين، عندما يتناقشون أو يناقشون آراء مثل آراء محمد شحرور أو غيره، أشعر أحياناً بأن هناك شيئاً من الاستهزاء، لسنا بحاجة إلى أن نستهزئ بشخص قضى مثلاً 30 سنة وهو يبحث في القرآن؛ من أجل أن يعطينا نتائج، حتى إذا كنا نقبلها أو لا نقبلها..".
ختم النبوة.. لماذا الأنبياء لم يبقوا إلى نهاية العالم؟
وأضاف د.عامر الحافي: "النبي صلى الله عليه وسلم، يقول مَن اجتهد فأصاب فله أجران، ومَن اجتهد فأخطأ فله أجر، إذن حتى الذي يخطئ في اجتهاده النبي يقول إن له أجراً عند الله، الأجر على قدر المشقة. النقطة الأخرى التي أود أيضاً الإشارة إليها، النبوة وختم النبوة، هل هناك حكمة من ختم النبوة؟ يعني لماذا الأنبياء لم يبقوا إلى نهاية العالم؟ والله اليوم نحن أحياناً نشعر ونبحث عن شيخ، نبحث عن عالم، نبحث عن فقيه.. كنت أتناقش مع أحد الإخوة قبل قليل كيف أنه الإنسان، الفراغ الروحي، نحن بحاجة إلى مَن يملأ هذا الفراغ الروحي، الإمام الشعراني؛ هذا الإمام المصري الفقيه الصوفي، كان يبحث ويقول في أحد كتبه: بحثت عن عالم وعن شيخ، يعني يتعلم، عنده هذه الصلة الروحية بالله. فلم أجد ضالتي إلا عند رجل واحد وهو الإمام الخواص، قال في ذلك الزمان لم يكن هناك من الصالحين، طيب، ماذا نقول؟ أحياناً نحن بحاجة إلى أناس طبعاً، ألسنا بحاجة إلى أنبياء اليوم؟ قد يقول قائل نحن بحاجة أكثر مما مضى؛ لأن خطر الأسلحة النووية وخطر التلوث وخطر الجرائم والحراسات الأخلاقية قد تزايد بشكل أكبر".
لماذا توقفت النبوة؟
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن لماذا توقفت النبوة؟ توقفت النبوة من المنظور الإسلامي؛ لأن ما جاء في الرسالة المحمدية قد اشتمل في عمقه وفي هذه النصوص قد اشتملت على منطلقات لنواصل المسيرة بجهدنا البشري، فروعة هذه الشريعة قد حملت بذوراً لأفكار سيكتشفها في المستقبل وسيبني عليها في المستقبل العقل الإنساني حلولاً لمشكلاتهم، إذن الحلول التي جاءت في القرآن الكريم ليست دائماً حلولاً جاهزة، وليس لنا فقط نأخذ هذا الحل الجاهز ونستخدمه هنا أو هناك، فإذن فكرة ختم النبوة فعلاً فيها حكمة؛ حتى نعتمد على عقلنا وجهدنا البشري في البحث عن حلول لمشكلاتنا البشرية، فالعقل الإنساني عقل مؤهل ليتمم مسيرة النبوة ومسيرة الشريعة".
وأضاف د.عامر الحافي: "النقطة الأخرى؛ لو أن باب النبوة بقي مفتوحاً، كثرت الادعاءات وكثُر المدعون.. نحن حتى اليوم انظروا في مجتمعاتنا الإسلامية، كل فترة سنة سنتين؛ يظهر لك شخص يقول لك أنا المهدي، حتى بعضهم ادَّعى أنه المسيح المنتظر، وحتى هذه قضية المهدي والمسيحيون بالمناسبة لا توجد هناك آية قرآنية أو حديث متواتر يتحدث عن المهدي أو المسيح المنتظر في الديانة اليهودية، الإيمان بالمسيح المنتظر، هو عقيدة كالإيمان بالله؛ ولكن في الإسلام هي بعض المرويات التي ذكرت عن فلان عن فلان، وبالتالي هي أحاديث آحاد، وللعلماء المسلمين المتكلمين الكبار أمثال الإمام الأشعري والقاضي عبد الجبار والإمام الرازي، عندهم مبدأ وقاعدة جميلة جداً أن العقائد لا تقوم إلا على الثوابت من المتواتر؛ يعني حديث الآحاد لا تلزمني إذا كانت هناك رواية فلان عن فلان عن فلان، أن أبني عقيدتي على رواية رواها شخص عن شخص عن شخص، بالتالي هي من فروع العقيدة، أنا لا أقول أيضاً للمسلمين الذين يؤمنون بالمهدي و المجي الثاني، كيف المسيح يأتي والنبي، صلى الله عليه وسلم، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، أليس النبي نبياً؟ أليس المسيح نبياً؟ كيف يأتي بعد النبي؟ إذن النبي محمد ليس هو خاتم الأنبياء في هذه الحالة، يعني هناك كثير من الأفكار نحن نقبلها دون أن نحاورها".
واختتم د.عامر الحافي: "يجب أن نبدأ الحوار مع الرواية؛ الحوار مع التراث، لا أن نأخذ الفكرة الدينية على أنها مثل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ليست كل الأفكار الدينية مسلمات، ليست كل الأفكار الدينية يجب أن نتعامل معها على أنها حقائق مطلقة، بعض الأفكار الدينية هي فروع في الفكر الديني، وهي ليست من الثوابت، وهي أيضاً تسببت في إشكالات كبيرة جداً في مجتمعاتنا الإسلامية، حتى اليوم هناك مَن يقول إننا لن نستطيع أن نحرر فلسطين إلا بعد أن يأتي المهدي أو بعد أن يأتي المسيح، ويعجبني أحد الشعراء، يقول شاعر شعبي فلسطيني (قولوا متى يا نشامى راح تتحرر فلسطين، تقريباً يوم القيامة أو يعني قبل بشهرين)، فكأن قضايانا الوطنية وتحرير الأوطان العربية قد أصبحت مربوطة بمعتقدات غيبية، وهنا تكمُن المشكلة؛ أن خصومنا في غاية السعادة، لأننا بدلاً من أن نجد أسباب التقدم (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)؛ نعد لهم مرويات وأفكاراً تبعدنا عن البناء وتبعدنا عن أسباب القوة".