• Facebook
  • instagram
  • X
  • youtube
  • tiktok
  • apple podcast
  • google podcast
  • spotify

كيف ننظر إلى الديانة المسيحية؟ | د. عامر الحافي

للإستماع




ناقشَ الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية، عبر حلقة جديدة من برنامج "قضايا"، موضوعاً في غاية الأهمية؛ لأنه يرتبط بديانة من أكبر الأديان التي توجد في العالم، فعدد أتباع الديانة المسيحية اليوم يقارب خمسة وعشرين في المئة من سكان الكرة الأرضية؛ والإسلام والمسيحية يقارب عدد أتباعهما نصف سكان العالم، وكيف ننظر إلى هذه الديانة؟ فالحديث يشمل أكثر من 2.5 مليار إنسان.. كيف نحدد علاقتنا بهم؟ وكيف نتعامل معهم؟ وكيف نفهم ديانتهم؟


المسيحية والنصرانية.. إشكالية التسمية

قال الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إن التسمية منذ البداية، تسمية المسيحية والنصرانية؛ أحياناً إلى هذا الوقت نجد مَن يقول لا يجوز أن تستخدم تسمية المسيحية، يجب أن تقول نصارى؛ لأن القرآن استخدم نصارى، فأنت تستخدم لفظة نصارى.. رجعنا إلى الإشكالات اللغوية؛ القرآن الكريم استخدم التسمية التي يتسمى بها أتباع هذه الديانة، أتباع المسيح، عليه السلام، في الجزيرة العربية، فهم كانوا يسمون أنفسهم نصارى في الجزيرة العربية، وكان اليهود أيضاً في الجزيرة العربية يطلقون عليهم أيضاً النصارى، وباللغة العبرية، نقص ريم.. لكن القرآن الكريم عندما أطلق هذه التسمية، هل اخترعها من لا شيء؟ لم يخترعها من لا شيء، وإنما وجد العرب قبل الإسلام، ونحن نعرف أن ورقة بن نوفل في أرجح الروايات كان نصرانياً، وكان يكتب الكتاب باللغة العبرانية أو باللسان العبراني، يعني كان هناك رجل يعرف العبرانية في مكة، وهو ابن عم خديجة، رضي الله عنها.. النصراني، المفسرون حاولوا أن يجدوا تفسيراً من أين جاءت كلمة نصراني ونصارى، والآية المعروفة يعني عندما (قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون) أنصار الله، ومَن الذين قالوا إنا نصارى، فإذن القرآن استخدم كلمة نصارى، ولم يستخدم كلمة مسيحية..".


المفسرون وتسمية النصارى

وأضاف د.عامر الحافي: "وهنا أيضاً أنا أقف للحظة واحدة لأقول إن المسيح يسوع الناصري، يعني في الإنجيل أيضاً يستخدمون كلمة الناصري، والمفسرون بعضهم ظن أنها نسبة إلى أنصاري إلى الله، مَن أنصاري إلى الله، الحواريون نحن أنصار الله.. إذن اعتقد عدد كبير من المفسرين أن تسمية النصارى هي الصحيحة، وأنه لا يجوز للمسلم أن يستخدم كلمة مسيحية؛ لأن القرآن لم يستخدم كلمة مسيحية. طيب القرآن استخدم كلمة قسورة للأسد، لا يجوز أن نستخدم كلمة أسد، القرآن استخدم يهودية لليهود، ولا توجد مشكلة؛ فلماذا توجد مشكلة عندما نستخدم كلمة مسيحية لأتباع المسيح؟ كل أتباع دين لهم الحق أن يسموا أنفسهم كما يريدون، مثلاً في القرون الوسطى في أوروبا كان يسمون المسلمين محمداً/ المحمديين. وأنا مع أني أحب كلمة محمد؛ لكن عندما تقول لي أنت اسمك مسلم أم محمدي؟ أقول لك والله أنا اسمي مسلم. أرجو أن تسميني بالاسم الذي أحبه؛ لكن لا تسميني باسم تاريخي تم استخدامه في سياق معين، وبالتالي القرآن الكريم حتى وإن استخدم هذه التسمية يجب أن ندرك أن عموم أتباع المسيح يفضلون تسمية المسيحية، لأن هذه التسمية ترتبط بالشخص نفسه الذي يؤمنون به؛ وهو المسيح عليه السلام، بينما كلمة النصرانية ترتبط بمدينة في فلسطين اسمها الناصرة، كيف إحنا بنقول فلان الدمشقي، فلان العماني أو الأردني، فلان مثلاً الصعيدي.. إلى غير ذلك نسبة إلى المكان، فهم يقولون إننا نسمي ديانتنا؛ ولكن الحقيقة أن الإنجيل لم يشهد أن المسيح قد أطلق تسمية المسيحية ولا النصرانية بالمناسبة".


لماذا المسيح لم يستخدم تسمية المسيحية؟

وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "المسيح لم يستخدم تسمية لوصف ديانته، وهنا أيضاً شيء بحاجة إلى كثير من الدراسة أو التحليل، لماذا المسيح لم يستخدم تسمية المسيحية؟ وإنما ظهرت تسمية المسيحية بعد وفاة المسيح، عليه السلام، في أنطاكية، واستخدم هذه التسمية خصوم المسيح؛ لأنهم سموا أتباع المسيح مسيحيين. ثم اشتهرت هذه التسمية بين أتباع المسيح، وأصبحت تسمية المسيحية هي التسمية الشائعة..".


النصارى.. أقربهم مودة للذين آمنوا

واستكمل د.عامر الحافي: "المسيحيون أو النصارى في القرآن الكريم يمتازون عن غيرهم من أتباع الأديان؛ انظروا هذه الآية القرآنية تقول (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى)؛ عجيب. أقرب الناس للمؤمنين بمحمد، صلى الله عليه وسلم، وبالملة المحمدية، هم النصارى. الآية الثانية تقول (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّه).. رأفة ورحمة، أقربهم مودة، ما القصة؟ هناك شيء جميل يجب أن نعترف به في غيرنا؛ نحن عادة لا نحب أن نرى في غيرنا ما هو جميل كما يقول الشاعر (وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ .. وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا). لماذا أصبحنا لا نرى في غيرنا من أتباع الأديان إلا ما لا نحبه، هؤلاء الناس، لا نرى إلا الأخطاء؟ رغم أن القرآن الكريم يقول (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء)، ورغم أن القرآن الكريم يقول (ومن أهل الكتاب مَن إن تأمنه بقنطار يؤده إليك)، فبدأ بما هو جميل؛ بدأ بما هو صحيح، بدأ ما هو أخلاقي، ثم بعد ذلك ينتقل إلى السلبيات؛ فيقول ومنهم في الجهة الأخرى.. (ومن أهل الكتاب مَن إن تأمنه بقنطار يؤديه إليك) هذا الجانب الجميل الإيجابي، (ومنهم مَن إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك)".


وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن هناك مَن يخطئ من أتباع هذه الديانة ويمارس سلوكاً خاطئاً تحت اسم ديانته، وهو يسيء إلى ديانته بطريقة أو.. لكن لو وقفت عند الآية الأولى (أقربهم مودة)، فهناك مَن يقول إنك إذا أحببت غير المسلم وودت غير المسلم، فهذا خروج عن قاعدة الولاء والبراء، لأن المسلم يجب أن يكره كل واحد غير مسلم، لا إله إلا الله، يا مثبت العقل والدين. اللهم ثبت عقولنا وثبت قلوبنا، تريد مني أن أكره ثمانين في المئة من سكان الكرة الأرضية، ونحن نتكلم عن دين الرحمة، تريد أن تجعل كراهية أغلبية البشرية كراهية شرعية، باسم مفهوم لم تفهموه جيداً اسمه الولاء والبراء..".


كيف سمح لك الله أن تتزوج نساء أهل الكتاب إذا كان يجب عليك أن تكرههم.. هل تتزوج مَن تكره؟

وتساءل د.عامر الحافي: "كيف سمح لك الله أن تتزوج نساء أهل الكتاب؛ إذا كان يجب عليك أن تكرههم، هل تتزوج مَن تكره؟ إحنا بنتزوج مَن نحب ويا دوب عارفين نعيش معهم، فكيف إذا زوجت من تكره؟! مستحيل أن تتزوج مَن تكره. هذا كلام غير صحيح؛ لا سلوكياً ولا بمعايير الزواج. فإذن طبيعي أن تحب زوجتك، فكيف أمرك أو أباح لك أن تتزوج من أهل الكتاب، ثم يقول لك يجب أن تكره كل النصارى، ويجب أن تكره اليهود؟ ليسوا سواء من قوم موسى، ليسوا سواء من أيضاً أهل الكتاب. إذن فكرة أن تكره بلا معنى أن تكره هذا العنوان؛ من خلال عناوين عامة. هذه فكرة غير قويمة. أكره الإنسان لسلوكه؛ أنا ما أكرهك لأنه اسمك أحمد ولا محمد ولا جورج ولا حنا؛ أنا أكرهك إذا كنت تقوم بشيء سيئ".


آية عجيبة ومحيرة جداً

وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "لو رجعنا الحقيقة إلى آية قرآنية كذلك الحال من أهم الآيات التي سنتحدث عنها في هذا اللقاء؛ الآية رقم اثنين وستين في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)؛ آية عجيبة جداً ومحيرة جداً، باقول لك كل هذه الأسماء؛ إن الذين آمنوا يعني آمنوا بك يا محمد، يعني المسلمين المليين، والذين هادوا؛ اليهود، والنصارى والصابئين، مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. الآية القرآنية في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). ولذا توقف الآية الحقيقة؛ لأنها اشتملت على أصناف من أتباع الأديان؛ فالمسلمون (إن الذين آمنوا) يعني آمنوا بالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من رسالة، آمنوا بالقرآن، بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. بعض المفسرين حاول أن يقول إنهم الذين آمنوا هنا المقصود المنافقين، يعني الذين آمنوا ظاهراً؛ لماذا؟ لأن هناك شعوراً بأن وضع المسلمين وغير المسلمين على مهاد واحد كأنه غير مقبول؛ الإنسان لا يحب أن يقارن نفسه مع الآخرين، لكن ننسى الآية القرآنية التي تقول (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ القضية ترتبط بالعدالة الإلهية، وأمام العدالة الإلهية مهما كان اسم دينك فأنت أمام الله عز وجل العادل الفرد الصمد. إذن الذين هادوا أيضاً تسمية اليهود في القرآن الكريم، هناك مَن قال إن تسمية اليهود (إنا هدنا إليك)، وبالتالي هذا غير صحيح، تسمية اليهود تعود إلى يهودا؛ وهو أحد الأسباط الاثني عشر من أبناء يعقوب عليه السلام، اسمه يهودا، وهو أخو يوسف، وأخو بنيامين، وأخو نفتالي، طبعاً هذه الأسماء ليست جميعها موجودة في التراث الإسلامي؛ فقط اسم يوسف هو الذي ذكره القرآن الكريم مباشرةً، أما بقية أسماء الأسباط الاثني عشر فهي غير مذكورة في القرآن الكريم".


إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ

وتابع د.عامر الحافي: "إذن (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ)؛ نصارى ذكرنا هذه التسمية، أين تعود؟ فهم أتباع المسيح عليه السلام.. والصابئون؛ اختلف كثير من المفسرين هل الصابئون هم الفرقة الموجودة في حران في العراق أو غيرها الصائبة المندائية في أكثر من فرقة أو اتجاه من الصابئة؟ أم أن الصابئة هي كل أتباع الأديان غير أهل الكتاب؟ وهذا تفسير أنا أعتقد أنه من أجمل التفاسير، لأن الآية لا تريد أن تقتصر على أسماء الأديان؛ لأنه قد يأتيك شخص يقول لك أين الهندوسية؟ أين البوذية؟ أين الكونفوشيوسية؟ أين ديانة الشنتو في اليابان؟ أين الزرادشتية؟ في القرآن قد شمل بقية أتباع الأديان بكلمة واحدة؛ وهي كلمة الصابئة؛ وهذا تفسير أنا أعتقد بأنه هو الأكثر انسجاماً مع عالمية القرآن، لأن هناك مَن يشكك في القرآن؛ فيقول إن القرآن كتاب فقط جاء في الجزيرة العربية، في الشرق الأوسط، حتى معلومات عن أفلاطون؛ لا يوجد حتى معلومات عن بوذة، لا يوجد حتى معلومات عن الهندوس، لا يوجد في القرآن.. فيه منطلقات أساسية لاستيعاب حركة التاريخ واستيعاب الأحداث الموجودة في هذا العالم. وتفسير القرآن بطريقة تستوعب هذه الشمولية هو ما نحتاج إليه اليوم؛ لا أن نبقى نفسِّر القرآن في نطاقه الجغرافي الضيق وفي مسمياته المحدودة".


الأديان والقواعد الثلاث للنجاة

وقال د.عامر الحافي: "هذه الآية القرآنية  تذهب بنا باتجاه عجيب جداً.. مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً. وضع القواعد الثلاث للنجاة، كل مَن يريد أن يحصل على رحمة الله وعلى النجاة عند الله فقط فليعمل وأمامه القواعد الثلاث الأساسية؛ ثلاثة أركان، كيف إحنا بنقول أركان الإسلام، أركان الإيمان؛ كل دين، أيضاً اليهودية فيه أركان.. وغير ذلك. باقول لك فيه أركان مشتركة، شو ما كان اسم دينك، يهود، صابئة، نصارى، أتباع المسيح، أمام العدالة الإلهية عندك ثلاث قواعد. يعني تماماً مثل أي طالب بده يدخل كلية لدراسة الطب أو الهندسة. ما باقولش له إنت من أية قرية؟ اسم قريتك غير مسموح أن تدرس الطب، اسم الطائفة تبعك غير مسموح أن تدخل كلية الطب. سنقول إن هذه جامعة ظالمة؛ لكن الجامعة التي تفتح أيديها لأبناء الوطن جميعاً دون أن يكون هناك تصنيفات قبلية أو طائفية أو جهوية ستكون جامعة عادلة، وستكون هناك إدارة منصفة في هذه الجامعة، الله عز وجل، ولله المثل الأعلى، لا يظلم الناس مثقال ذرة. فيقول إن أي إنسان من أتباع الأديان هذه جميعاً يقوم بهذه القواعد الثلاث؛ مَن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، الإيمان بالله قاعدة مشتركة، يوشك أن يكون جميع أتباع الأديان يؤمنون بالله، واليوم الآخر مقياس العدالة؛ لأن اليوم الآخر إذا كنت لا تؤمن باليوم الآخر ستظلم ولن تنتظر العقوبة. مَن أمِن العقاب أساء الأدب؛ إذن المعيار الأخلاقي للسلوك ينتظم من خلال الإيمان باليوم الآخر، لأنك ستشعر بأنك ستدفع ثمن أخطائك في يوم ما".


كلام لا يروق لكثير من المسلمين والمسيحيين

وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن قضية اليوم الآخر قضية في غاية الأهمية؛ القرآن الكريم اختار ثلاث قضايا.. وعمل صالحاً. طيب لماذا لم يقل وآمن مثلاً بالملائكة؟ لماذا لم يذكر الإيمان ببعض الأنبياء على وجه التحديد؛ حتى إنه لم يقل مَن آمن بالله ورسوله؟ هو لم يذكر النبي محمد، صلى الله عليه وسلم. طبعاً لأنه يتحدث عن الأديان، ومن الطبيعي أن المسيحي والصابئي واليهودي لو آمن بمحمد وأصبح مسلماً أصلاً، أصلاً اسم النصرانية أو اسم اليهودية سيسقط ويصبح اسمه من الذين آمنوا. ويصبح مسلماً؛ لكن هو يقول لك هناك ثلاث قواعد أساسية، أي من أتباع الأديان، التزم بها؛ فسوف يصل إلى النجاة، أنا أعرف هذا الكلام لا يروق لكثير من المسلمين، ولا يروق حتى في المسيحية، المسيحية بقيت إلى عام 1962؛ يرون أنه لا خلاص خارج الكنيسة، كل واحد لا يؤمن بالكنيسة، ولا يؤمن بكنيسة محددة حتى، وهذه كانت موجودة في أوروبا، هذه المقولة؛ لا خلاص خارج الكنيسة مستحيل واحد غير مسيحي ينجو، من سابع المستحيلات".


لا يحبون الجنة إلا لأنفسهم.. مشكلة بين أهل الكتاب قبل الإسلام

واستطرد د.عامر الحافي: "المسيحية بعد ألف وتسعمئة سنة استطاعت أن تراجع هذه الفكرة؛ لكن تصوروا أن هذه الفكرة موجودة في القرآن من ألف وأربعمئة سنة، ونحن كمسلمين لم نكتشف إلى هذا اليوم أن القرآن قد فتح باب النجاة وَفق معايير إلهية موحدة، ونضع الموازين القسط. هذه المعايير الثلاثة قد تولد مسلماً. وتكون أول من تسعر بك النار، جاء في الحديث أول مَن تسعر النار بمتصدق وقارئ للقرآن ومجاهد؛ متصدق يقول يا رب أنا تصدقت يُقال كذبت، إنما تصدقت ليُقال كريم، ويأتي شخص يا رب أنا قد قرأت القرآن، يُقال كذبت إنما قرأت القرآن ليُقال عالم. فأنا جاهدت في.. يُقال كذبت؛ إنما جاهدت ليُقال شجاع.. فيؤخذ بهم إلى جهنم. قد تكون مسلماً وقد تكون متصدقاً ومكانك ليس في الجنة. وقد تكون إنساناً مثل سلمان الفارسي؛ ذلك الرجل الذي بقي يبحث عن الحقيقة طيلة حياته. تخيل لو أن سلمان الفارسي مات قبل أن يلتقي رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم؟ ساقول لك الإجابة؛ إنه سيموت ويستحق رحمة الله، لأنه قد بدأ البحث عن الله، وكل مَن قد بدأ البحث عن الله بما يسعه وبما يستطيعه فهو في الطريق الصحيح، وأما مَن يدَّعي الحقيقة وأنه وحده من يستحق الجنة. اعلم أن أولئك الذين يدعون أنهم وحدهم يستحقون الجنة؛ أن أخلاقهم ليست من أخلاق أهل الجنة، فأخلاق أهل الجنة هم هؤلاء الذين يحبون لغيرهم الخير، وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ... وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ.. هي مشكلة موجودة بين أهل الكتاب قبل الإسلام، أنهم لا يحبون الجنة إلا لأنفسهم ويتمنون الجحيم لغيرهم".


آيات مذهلة حول توحيد الله

وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "واحدة من أعظم الآيات التي جاءت في القرآن الكريم، والتي تظهر عظمة الله عز وجل، وتظهر كذلك الحال عظمة عيسى عليه السلام؛ هي خواتيم سورة المائدة، وأريد قبل أن نتحدث عن تفسيرها أن نقرأ هذه الآيات، حتى نستشعر عمق هذه الآيات التي سنحاول أن نجد لها تفسيراً يتجاوز بعض التفسيرات التي حاولت الهروب من المعاني العميقة.. الآية تقول أو الآيات تقول (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ... مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ... إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ... قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).. آيات مذهلة بكل معنى الكلمة، حوار حول قضية من أهم القضايا؛ والتي تتعلق بتوحيد الله، وهذه الفكرة التي تتعلق بـ(اتخذوني وأُمي إلهين)؛ الإيمان بأن مريم، عليها السلام، هي جزء من الحقيقة الإلهية، الحقيقة أن هذه الفرقة المسيحية تمثل جزءاً من أتباع المسيحية، ولم تعد موجودة بالمناسبة. هذه الفرقة تسمى المريمية؛ وأشار إليها ابن حزم  في كتابه المعروف (الملل والنحل)، الفصل في الملل والنحل، ولكن الحقيقة لم تعد موجودة اليوم، لو سألت أي مسيحي أو أياً من أتباع المسيح، عليه السلام، هل أنت تؤمن بأن مريم هي جزء من الثالوث أو اللاهوت الإلهي؟ سيقول لك لا هذه فرقة من الفرق، وأنا أيضاً عندي ملاحظة مهمة؛ ليست كل آية تحدثت عن النصرانية أو عن أتباع المسيح هي تتحدث عن جميع أتباع المسيح، وحكمها ينطبق على جميع أتباع المسيح؛ يعني مثلاً نحن في التاريخ الإسلامي لدينا المجسمة، لدينا فرق الغرابية الذبابية، كانت تؤمن بمعتقدات عجيبة وأغلبها انقرض؛ لم تعد موجودة، تصور لو أن شخصاً يأتي فيقول إن جميع المسلمين مجسدون، يؤمن بأن الله له يد حقيقية وله جسد حقيقي وله عيون، وأن المسلمين جميعاً.. هذه فرقة من الفرق لم يعد لها وجود، فهذا الخلل المنهجي الذي يقع به كثير من الناس اليوم أنه يعتقد أن أية آية حال تتحدث عن أية فكرة وأية عقيدة تتعلق بالنصارى فهي تنطبق على جميع النصارى إلى قيام الساعة، هذا خطأ فادح لا يمكن أن يقع به إنسان يعرف اللغة العربية أو يعرف الواقع أو يعرف حتى تاريخ المسيحية".


المفسرون وإشكالية توقيت الحوار بين الله والمسيح

وأضاف د.عامر الحافي: "سأتوقف عند بعض القضايا في هذه الآيات، المفسرون اختلفوا هل حدث هذا الحوار بين الله والمسيح في حياة المسيح؟ أم بعد رفع المسيح؟ أم بعد وفاة المسيح؟ وأنا أستخدم عبارة (وفاة)، فلما توفيتني، إذن هنا نقول أيضاً إن مَن يحرم استخدام كلمة توفيتني أو يقول إنه لا يجوز أن نقول المسيح توفي، تقول له المسيح، الآية، استخدم هذه التسمية (توفيتني)، كنت أنت الرقيب علي.. الآيات بعد ذلك تقول قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، إذن الإجابة واضحة؛ أن هذا الحوار كان في يوم الحساب، وكان بعد انقضاء العالم؛ فهو حوار في العالم الآخر، وليس حواراً في الدنيا، لماذا هذا الاختلاف؟ لأنه بعض المفسرين قال لك أنا إذا قُلت إن هذا الحوار يوم القيامة والمسيح يشفع لأتباع هذه الفرقة التي لديها خلل في العقيدة فهذه مشكلة، فهم رأوا أن كيف المسيح يشفع لهؤلاء الناس الذين لديهم خلل كبير في العقيدة؛ وخاصة أن هناك آية قرآنية أيضاً توهموا أنها تتعارض مع شفاعة المسيح لهذه الفرقة...".


الصدق هو معيار النجاة

واختتم د.عامر الحافي: "هذه الآية تقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، فكيف نوفق بين هذه الآية القرآنية (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقول المسيح (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)؛ فبعض المفسرين قال لك لا هذا حدث قبل يوم القيامة، وبالتالي كان معهم ليتوبوا، كان معهم وقت ليغيروا معتقداتهم؛ ولكن الحقيقة الآيات واضحة بأن ذلك كان في هذا؛ يوم ينفع الصادقين صدقهم. المسيح، عليه السلام، في هذا الحوار وضع مسافة بينه وبين الله، قالها المسيح بعد أن قال له الله عز وجل، والله عز وجل يعلم أن المسيح لم يقل ذلك؛ ولكن من باب التعليم وتوضيح الصورة، وهو يعلم ذلك؛ (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ)، أول كلمة قالها المسيح سبحانك، وبالتالي المسيح يضع مسافة بينه وبين الله، ويستخدم ضمائر (كنت أنت الرقيب عليهم.. توفيتني) فيضع ضمائر، كلمة (أنت) جاءت عدة مرات في هذه الآيات، والضمير الذي يستخدمه عيسى، عليه السلام، ليعبر عن نفسه بطريقة جميلة جداً، تشعر بأن اللغة والضمائر كلها قد اصطفت من أجل أن تشعرنا أن توحيد المسيح لله توحيد دقيق جداً جداً جداً، حتى الكلمات والضمائر التي استخدمها المسيح في هذه الآيات تشهد أن المسيح موحد بطريقة عجيبة جداً؛ ولكن الشيء الأعجب من ذلك كيف يشفع المسيح لأناس عندهم مشكلة عويصة جداً، حتى المسيحيين أنفسهم يقولون إن هذه الفرقة منحرفة عن العقيدة، وهي فرقة بعيدة عن الدين، وهي فرقة ضالة؛ حتى المسيحي نفسه كيف أنت، سبحان الله، كيف المسيح عليه السلام، يشفع؟ بعض المفسرين حاول أن يقول لك المسيح لم يشفع، المسيح عندما قال فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، قالوا لا. هو لو أراد لو قصد الشفاعة كان قال وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، وهذا الكلام غير صحيح.. ذهبت للآيات القرآنية التي تختم في الفاصلة القرآنية (الغفور الرحيم)، وذهبت للآيات القرآنية التي تختم بالفاصلة القرآنية (العزيز الحكيم)، وجدت أغلب الآيات التي تختم بـ(العزيز الحكيم)؛ جاء فيها الحديث عن الرحمة، إذا كون نهاية الآية (العزيز الحكيم) لا يعني بأن الرحمة غير موجودة في هذه الآية؛ فالمسيح شفع لأولئك الذين لم يعرفوا حقيقته، لأولئك الذين ظنوه شيئاً آخر؛ فالإسلام والقرآن الكريم لم يغلق أبواب النجاة حتى لفرقة من أكثر الفرق المسيحية ضلالاً وَفق المنظور المسيحي نفسه، إن تعذبهم فإنهم عبادك، حتى هناك يعني لم ينتبهوا لقضية أن المسيح لم يشفع فقط في الخيار الثاني، وإن تغفر لهم. لا؛ المسيح شفع بالاثنين، المسيح شفع عندما قال إن تعذبهم فإنهم عبادك؛ لماذا؟ لأنه لو أراد لهم العذاب لقال إن تعذبهم فإنهم كافرون، ولكن قال إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.. عبادك، لم يقل فإنهم كافرون، فالمسيح كان يحب ويدعو الله أن يغفر لهم. والأشمل من ذلك كله، قال الله (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم)، الصدق هو معيار النجاة وليست التصورات العقدية والثقافات التي يولد عليها الناس".