تحدَّثَ الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية، عبر حلقة جديدة من برنامج "قضايا"، حول عالمية الإسلام من منظور القرآن الكريم؛ وهذه العالمية ليست فقط في السياق الإسلامي، فنستطيع أن نجد أدياناً عالمية أخرى، ولذلك هناك الديانة المسيحية والديانة البوذية؛ هي أديان عالمية، أديان حتى قبل الإسلام..
أديان عالمية
وقال د.عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "انتشرت البوذية في شرق آسيا، انتشرت في الصين، انتشرت في اليابان، انتشرت في تايلاند؛ أي أنها توسعت بعيداً عن تلك المجموعة الأولى التي ابتدأت فيها، وكذلك الحال الديانة المسيحية؛ كانت الإمبراطورية الرومانية إمبراطورية شاسعة جداً قبل الإسلام، وكلنا يعرف الآيات القرآنية (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)، إذا كانت الروم تمثل المسيحية، والروم كانوا في دول كثيرة جداً؛ لكن الديانة الهندوسية واليهودية ومجموعة أخرى من الأديان؛ كالأديان الشنتوية مثلاً، هي أديان قومية؛ يعني أنها غير حريصة على دعوة أتباع غير هذه الديانة؛ الديانة الشنتوية فقط في اليابان، لا يمكن أن يذهب؛ تأتي مثلاً في شوارع عمان أو شوارع القاهرة مَن يدعوك إلى الديانة الهندوسية أو الديانة الشنتوية، لأن هذه الأديان، حتى اليهودية، ليست أدياناً عالمية، هي أديان ترتبط بمجموعة سكانية، بقومية معينة، بشعب معين.. إذن هي ليست أدياناً عالمية".
أديان عالمية وأديان قومية.. ليس الإسلام وحده مَن أعلن عالمية الرسالة
وأضاف د.عامر الحافي: "هناك أديان عالمية وهناك أديان قومية؛ أديان ترتبط بقومية معينة، بشعب معين.. يجب أن نتنبه إلى هذه القضية؛ ليس الإسلام وحده هو الذي أعلن عالمية الرسالة، هناك أيضاً المسيحية والبوذية وغيرهما؛ بل حتى المسيحية يعني لو أخذنا الآيات التي جاءت في الديانة المسيحية أو في الإنجيل، كان يقول المسيح، عليه السلام (إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا؛ بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة). إذن هو كان يقول ما تروحوش، قال السامريين هاي مجموعة أيضاً لها علاقة باليهودية، هؤلاء مالناش دعوة فيهم، وما تروحوش عند أتباع أية ديانة أخرى فقط، أنا جئت من أجل بني إسرائيل؛ لكن بعد ذلك المسيح عليه السلام قال اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا، يعني ادعوا بالإنجيل، للخليقة كلها، وفي الإنجيل أيضاً فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، جميع الأمم".
المسيح يوجه رسالته للعالم أجمع
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن لاحظوا كيف أن الإنجيل في البداية كان يركز على بني إسرائيل، ثم فتحت الدعوة بعد ذلك إلى جميع العالم، والمسيح يوجه رسالته ويوجه تلاميذه لدعوة العالم أجمع. هناك فكرة شائعة في السياق الإسلامي بأن الإسلام وحده أو النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أن كل نبي أُرسل إلى قومه؛ ولكن أُرسلت للناس أجمعين، لكن الحقيقة أنا سأسأل سؤالاً: إذا كنتم تقولون إن فيضان نوح، عليه السلام، أو طوفان نوح، عليه السلام، هذا الطوفان شملَ العالمَ كله، إذن كيف كانت دعوة نوح لقومه فقط، والعقاب جاء للعالم كله؟ ما الحل؟ قُلنا نحن الحل لهذه القضية رجاء...".
حوار موسى وفرعون
واستكمل د.عامر الحافي: "ثم كيف يدعو موسى فرعون، وما رب العالمين، ويبدأ موسى في حوار مع فرعون؛ يعني دعوة موسى، كذلك الحال حاول موسى أن يدخل الإسلام والتوحيد إلى قلب فرعون. يعني دعوة موسى لم تكن فقط لبني إسرائيل، وكذلك الحال لو حاولنا أن نقرأ القرآن بطريقة عميقة لوجدنا أن هناك كثيراً من الأنبياء قد سافروا وانتقلوا، يعني إبراهيم، عليه السلام، مَن هم قوم إبراهيم؟ طيب، إبراهيم كان في العراق، ثم ذهب إلى فلسطين، ثم ذهب إلى مصر، ثم ذهب إلى الحجاز، وكان يدعو الناس جميعاً في طريقه، إذن هل دعوة إبراهيم كانت دعوة لقومه؟ طب مَن هم قومه؟ إذن هذه فكرة أيضاً نريد أن نزحزح بها بعض الأفكار بأن نستمع إلى أفكار مختلفة في الفكر الديني أو في التفسير الديني، حتى القرآن الكريم..".
خطاب رب العالمين والتراجع باتجاه الخطاب الطائفي
وأضاف د.عامر الحافي: "القرآن الكريم قد ذكر كلمة العالمين في 61 مرة، وذكر كلمة الناس 179 مرة.. التركيز على العالمين؛ أول آية (الحمد لله رب العالمين) وآخر آية في القرآن (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجِنة والناس).
أول كلمة (رب العالمين)؛ أول آية ذكر رب العالمين، وآخر آية في سورة (الناس) كانت كلمة الناس، وبعد ذلك يأتيك مَن يقول إن الإسلام للمسلمين، وإن الإسلام... ويا ليت أيضاً للمسلمين. يعني الشيء العجيب اليوم أن هناك مَن يتحدث أن الإسلام هو لأهل السُّنة فقط، وبالتالي كانوا في يوم الجمعة يقولون (اللهم ارحم المسلمين.. اللهم ارزق المسلمين)، اليوم صار (ارزق أهل السنة.. ارحم أهل السنة). يعني عوضاً أن نرتقي إلى الخطاب العالمي؛ خطاب رب العالمين، خطاب الناس أجمعين، نحن نتراجع باتجاه الخطاب الطائفي؛ الذي يقول (اللهم ارحم أهل السُّنة.. اللهم ارحم مَن هم على طريق السلف.. اللهم ارحم الطائفة الفلانية)، إذا لم نكتشف العمق الإنساني في القرآن الكريم، نعتقد أن القرآن هو لطائفة أو لمجموعة دينية معينة، بينما هذا القرآن هو كتاب للعالمين أجمعين".
لا تكونوا عائقاً بين الله وعباده
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "مرة من المرات في حوار مع أحد الأصدقاء، وهو صديق لكن متزمِّت، وأنا أحترم صدقه؛ لكن الحقيقة نمط التفكير أحياناً فيه نوع من التزمت، ويقول لي أنت لماذا تدافع عن غير المسلمين؟ قُلت له أنا أدافع عن حقهم في الله، خلوا بين الله وبين خلقه، خلوا بين الله وخلقه؛ لا تكونوا عائقاً بين الله وعباده، لا تكونوا سماسرة بين الله والناس؛ لا تحرموا الناس من معرفة الله، خلوا بين الله وخلقه".
القرآن الكريم كتاب عالمي
واستكمل د.عامر الحافي: "القرآن الكريم كتاب عالمي؛ لا يمكن أن تجد كتاباً ينفتح على البشرية ويقول يا أيها الناس، يا أيها الناس.. بهذه العبارة (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك)، ما غرك بربك يعني كأنه بيقول لك: معقول، هل هذا معقول؟ أن تبتعد عن الله؟ الإنسان يتحدث مع الإنسان، يا بني آدم، يتحدث مع الناس جميعاً؛ لكن لماذا تراجعت آيات العالمية في مقابل آيات الطائفية أو الآيات المحصورة بنطاق أتباع الإسلام فقط؟ لأن الصراعات السياسية قد أثرت في طريقة فهمنا للدين؛ لأن المصالح أيضاً قد أصبح لديها وزن، أنت تريد أن تبيع وتشتري من طائفة معينة، تريد أن تشتري منك فئة معينة من الناس، وبالتالي الدين أصبح يدخل في الحسابات الاقتصادية والحسابات النفعية، وأصبح هذا الخطاب ملوثاً، ما لنا من منافع وما لنا من مصالح، القرآن الكريم كذلك الحال بدأ بآيات تشير إلى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)، أن اللغة التي يتحدث بها النبي هي موجهة إلى قوم معينين، والآية الأخرى التي تقول (وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِینَ فَقَرَأَهُۥ عَلَیۡهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ مُؤۡمِنِینَ)، يعني لو أن العرب في مكة وفي قريش جاءهم رجل لا يقرأ اللغة العربية؛ قالوا إحنا ما لناش دعوة، إحنا لساننا لسان عربي، وبالتالي كانوا بحاجة إلى أن تكون لغة القرآن هي اللغة العربية؛ لكن هناك مَن يقول كيف تقول إن كتاباً أُنزل بلغة عربية يمكن أن يكون كتاباً للناس أجمعين؟ إشكالية كبيرة تستحق أن نتوقف عندها".
كيف نقول إن القرآن للعالمين وهو نزل بلغة معينة؟
وقال د.عامر الحافي: "الآيات القرآنية التي تتحدث أن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين، وأنه لا ذكر لك ولقومك، على سبيل المثال آيات كأنها تشعر بأن القرآن الكريم جاء لقوم النبي أو جاء للعرب ولقومك بلسان عربي مبين، طب هنا سؤال إشكالي: كيف نقول إن القرآن للعالمين وهو نزل بلغة معينة؟ والقرآن الكريم يقول (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)، إذن الإسلام بلسان اللغة العربية، إذن قومه العرب، إذن هو للعرب.. هنا إشكالية الحقيقة، هنا تبدأ الآيات القرآنية توضح، هناك مجموعة أخرى من الآيات القرآنية، توضح لنا عالمية القرآن؛ على سبيل المثال الآية التي تقول (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)؛ النبي الأمي، ودعوني أتوقف عند كلمة الأمي، لأن كلمة الأمي البعض يفهمها بأنه الذي لا يقرأ ولا يكتب، هو الذي أرسل في الأميين رسولاً منهم. (الأميين) هم غير بني إسرائيل، هم من غير هذه المجموعة الخاصة التي أرسل إليها أنبياء كثيرين".
كل القرآن يؤكد عالمية الخالق
واستطرد د.عامر الحافي: "وهناك سؤال يجب أن نطرحه: ما السر أن هناك أنبياء كثيرين جداً أُرسلت لبني إسرائيل، بينما مثلاً لم يرسل، لم يذكر القرآن الكريم أن هناك أنبياء جاؤوا للهند أو الصين أو اليابان؟ الإجابة أن القرآن أيضاً يقول (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)، إذن القرآن قال لك هناك أنبياء قد ذهبوا وقد أرسلوا إلى تلك البلاد، (ورسلاً لم نقصصهم عليك).. إذن ليست القضية أنه نسي أو أنه غفل عن ذكر أنبياء أرسلوا إلى تلك الأقوام، ولكن الحقيقة قال (ورسلاً لم نقصصهم عليك)، إذن لا يوجد هناك فراغ، كل القرآن يؤكد عالمية الخالق، ويؤكد أن الله قد أرسل أنبياء لجميع الأمم؛ لكن هذه المرة كيف يمكن أن يكون نبياً واحداً وكتاباً واحداً بلغة واحدة، هو الذي يطلب منه أن يكون بهذه العالمية الشاملة التي تستوعب جميع الأعراق والألوان واللغات؟ هذه العالمية تقتضي أن يكون في ذلك الكتاب القيم الإنسانية المشتركة التي يجمع عليها الناس؛ وبالتالي نحن أمام مجموعة من المرتكزات التي تقوم عليها عالمية الإسلام".
ما المرتكزات الإيمانية التي تقوم عليها عالمية الإسلام؟
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "ما هذه المرتكزات الإيمانية التي تقوم عليها عالمية الإسلام؟ أولاً وحدة الخالق، (الحمد لله رب العالمين)، الله خالق كل شيء، وبالتالي الله ليس فقط خالق فئة من البشر؛ نحن نعرف في الديانة الهندوسية مثلاً أن الإله إبراهيما خلق البراهم من رأسه، وخلق الكاشتيريا، طبقة المحاربين، من ذراعَيه، وخلق الشودرة، طبقة التجار، من فضله، وخلق الشودرة، العبيد، من قدمَيه، يعني حتى العبيد ليس لهم نصيب في أنهم خلقوا بنفس الطريقة، حتى الغلابة طريقة خلقهم مختلفة.. هل يُعقل أن يخلق الله الفقراء والعبيد والغلابة بطريقة تختلف عن خلق الأغنياء، ما هذه الطبقية؟ القرآن يقول لك إن الرب واحد، وإن الخالق واحد، وإن المخلوق واحد..
إذا النقطة الأولى أن الخالق هو خالق واحد، والنقطة الثانية أن المخلوق، أن البشرية هي من جنس واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، يا بني آدم؛ الخطاب الآدمي. (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)، الخطاب لآدم الذي يشتمل على الآدمية، هو ليس لآدم؛ لأنه شخصي، هو لأن آدم الذي يحتوي على البشرية جميعاً".
إني جاعل في الأرض خليفة.. ليس المسلم فقط
وأضاف د.عامر الحافي: "وهذا الإنسان الذي يمثل البشرية كلها اسمه آدم، وهذا الإنسان كذلك الحال هناك عهد، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ".. ألست بربكم؟ قالوا بلى؛ أي أنه كان هناك عهد بين جميع البشر وبين الله، وكان كل إنسان يوجد في نفسه أو في بصمة في روحه أو في تاريخ وجوده؛ البصمة أو هذا الختم، يشير إلى علاقة خاصة مع الله؛ ولذلك الإنسان عندما يعود إلى الله هو يعود إلى الله، لأنه (إنا لله وإنا إليه راجعون)، هذه الآية التي نقولها فقط عند الموت ومع الموتى، هي أن دائماً إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لأن هذا العهد وهذه البداية بدأت من الله ثم نعود إلى الله، سواء قبل الموت أو بعد الموت، من المرتكزات التي تقوم عليها عالمية الإسلام أن الإنسان مستخلف، (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة).. إذن هذا الخليفة ليس فقط المسلم، كل إنسان مستخلف على هذه الأرض، كل إنسان لديه القدرة المعرفية على أن يكون مسيطراً وأن يكون متحكماً في هذه الأنواع والأجناس والنباتات والحيوانات، وإذا كنت أنت عاجزاً أن تصنع طائرة وأنت مسلم، فغيرك سيصنع الطائرة".
وأضاف د.عامر الحافي: "أنا أحتار أحياناً من هؤلاء المساكين الذين يقولون لا يجوز لك أن ترسم عصفوراً، كيف سنصنع الطائرة إذا كنا لا نستطيع أن نرسم العصفور؟! لا يجوز لك أن ترسم سمكة، كيف سنصنع غواصة؟ إذا كنا لا نستطيع حتى أن نرسم سمكة وتقولون هذا حرام! مش معقول، مش معقول! هذا النوع من التفكير الذي يدمر العقل المسلم من الذي فيه تحدٍّ لله، باقول لك؛ لأنه الذي يرسم عصفوراً يتحدى الله، مَن الذي يتحدى الله؟ الذي يصنع طائرة أسرع من جميع الطيور، أم ذلك الطفل الصغير الذي يرسم عصفوراً؟ مَن الذي يتحدى الله؟ ذلك الذي يصنع غواصة أقوى من كل الحيتان وتحمل رؤوساً نووية؟! ويقول لك لا ترسم الشبكة؛ لأن السمكة ستكون في خطر.. عندما ترسم السمكة ستضاهي خلق الله. عجيب هذا الفهم، فعلاً هناك جزء من أسباب التخلف، لا أقول إن أسباب التخلف ترجع إلى الأفكار الدينية السلبية، نحن نعرف أن الاقتصاد والسياسة والاحتلال وأسباب التعليم والكثير والإدارة؛ كل ذلك له دور عندما تتقدم المجتمعات أو تتأخر المجتمعات..".
مرتكزات عالمية الإسلام
وقال أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "نعود إلى المرتكزات التي تقوم عليها عالمية الإسلام، تكريم الإنسان، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا). بني آدم؛ وليس بني آدم من المسلمين، إذن لاحظوا دائماً هذه المعايير كلية وجامعة للجميع، وعلى مر التاريخ هي ليست في مرحلة تاريخية معينة أيضاً.. القاعدة الأخرى تقول (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)؛ إذا هذا الإنسان الذي كرمه الله بأن تسجد له الملائكة، هي لم تسجد له عبادةً، ولكن سجدت له تكريماً لعظيم خلقه وتكريماً لما رأوه فيه، من عظمة الصنعة الإلهية؛ لأنهم رأوا هذه الصنعة العجيبة في هذا الإنسان، والله أمرهم أن يروا أو أن يقدروا ويكرموا ويحترموا هذه العظمة الإلهية في صنع الإنسان. المرتكز السادس هو أن غاية إرسال الرسل ليقوم الناس بالقسط، جميع الأنبياء جاؤوا من أجل أن يقوم الناس؛ هناك قواسم مشتركة، قيم مشتركة؛ يعني في القرآن الكريم، في مثلاً الإنجيل، في التوراة، حتى في الفيدا.. يعني دعني أشير إلى كتاب ألفه البيروني، العالم المسلم الكبير؛ عندما ذهب إلى الهند وبقي سنوات طويلة يدرس الديانة الهندوسية، ألَّفَ كتاب (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مردودة)، وتحدث أن هناك في الفيدا، في هذه الكتب، أن هناك أيضاً معاني وقيماً يلتقي بها الهندوس مع المسلمين".
كل الإنسان وكل حي "طاهر"
وقال د.عامر الحافي: "من القيم الأساسية التي نجدها في القرآن الكريم أن الإنسان؛ كل الإنسان طاهر، حتى المالكية عندهم قاعدة جميلة تقول (كل حي طاهر) وليس فقط الإنسان، الإنسان لا يجوز أن تقول إن الإنسان نجس، الإنسان إذا كان فعله، نصف الفعل بالنجاسة؛ لكن (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا)، هي لا تقصد أن الإنسان غير المسلم نجس، وإنما المقصود بالآية أن نقضي العهد وصلح الحديبية، المشكلة أننا لا نقرأ قبل الآية وما بعد الآية، المشكلة في القراءة الانتقائية، باقول لك إنما المشركون نجس، خلص؛ يعني أنه إذا لمس شيئاً يصبح نجساً، بعض المذاهب الفقهية قالت إن غير المسلم نجس؛ يعني إذا لمسك بدك تروح تنظف حالك، لا يجوز أن تأكل طعامه، لا يجوز أن تأكل مما يقدم لك، لا يجوز أن تأكل في إناء واحد معه؛ إذن فكرة نجاسة غير المسلمين هي فكرة بعيدة كل البعد عن قيم الإسلام".
تفكير منغلق
وأضاف د.عامر الحافي: "يعني مثلاً آباء الأنبياء، نحن نعلم أن إبراهيم عليه السلام، وأن الأنبياء جميعاً الذين بعثوا.. النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أبوه عبد الله، وأُمه آمنة؛ كانوا على ديانة، هل كانوا والعياذ بالله نجسين؟ كيف نفكر أن غير المسلم نجس؟ إذن سُنتهم أن الأنبياء جاؤوا من أرحام نجسة، انظروا إلى أين وصلنا في تفكيرنا المنغلق الذي أصبح يشبه التفكير المتزمت عند بعض الفرق اليهودية؟ تفكير منغلق يعتقد أن الله هو إله العرب فقط، إله المسلمين، وأن المسلمين فقط هم طاهرون وغيرهم هم أنجاس.. هذا النوع من التفكير الديني لا يمكن أن يؤسس لعالمية، لا يمكن أن يؤسس لخطاب قرآني عالمي يصل إلى (يا أيها الناس) أو يصل إلى (يا بني آدم)، من القيم الأساسية للعالمية في القرآن القبول بالتعددية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). لتعارفوا، لماذا لم يقل لتتصارعوا؟ لماذا لم يقل ليتباغضوا؟ إذن الغاية من الاختلاف والتنوع هي أن نكتشف ما الذي يميزنا وما الذي نعرفه ولا يعرفونه، وما الذي يعرفونه ولا نعرفه؛ فعندما نكون مختلفين في أقوامنا وقبائلنا ولغاتنا وأدياننا وطوائفنا، يمكن أن نتعلم شيئاً؛ لكن كيف تتعلم من إنسان ولد معك ودرس بنفس المدرسة ويتكلم نفس الكلام؟
هو نسخة طبق الأصل عنك، لا يمكن أن يكون هناك تعارف بلا اختلاف؛ متى نستوعب هذه الحقيقة القرآنية الجميلة؟ أن الاختلاف والتنوع نعمة من الله، ولولا هذا التنوع وهذا الاختلاف لتوقفت مسيرة العقل البشري؛ لأن العقل وظيفته المعرفة، وإذا اختلت المعرفة لم تعد هناك قيمة للعقل؛ لأن وظيفة العقل هي المعرفة، العقل ليس فقط أداة حيوية، ذلك هو الدماغ؛ لكن العقل وظيفته المعرفة، وهذه المعرفة لا تقوم إلا من خلال الاختلاف والتنوع والحركة والتطور.. دون تطور، خلقناكم أطواراً، كذلك الحال التاريخي البشري أطوار، تاريخ الدولة الإسلامية والحضارة الإسلامية أطوار، الدولة الرومانية أطوار، تاريخ البشرية أطوار.. إذن هذه الأطوار والمراحل المختلفة، نحن مختلفون، الأمويون يختلفون عن العباسيين، والعباسيون يختلفون عن المماليك، والأمويون حتى في ما بينهم مختلفون، مَن قال إن يزيد بن معاوية هو مثل معاوية مثلاً؟ هناك اختلاف بين الأئمة أو بين الخلفاء أنفسهم، هناك أئمة عادلون، هناك خلفاء عادلون في التاريخ الإسلامي، هناك خلفاء قد ظلموا وارتكبوا حتى الفظائع".
لا إكراه في الدين.. حرية الاختيار
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "إذن هناك اختلاف في التقييم، في المستوى، في المعرفة، في القوة، في الضعف. ليس كل مراحل الحضارة الإسلامية مراحل قوة، هناك مراحل ضعف.
النقطة التاسعة من القيم المؤسسة للعالمية في الإسلام، حرية الاختيار؛ (لا إكراه في الدين)، (فَذَكِّرۡ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُذَكِّرࣱ لَّسۡتَ عَلَیۡهِم بِمُصَیۡطِرٍ). إذا الحرية هي قيمة إنسانية مشتركة. أنا لست فقط أقول أنا حر كمسلم عندما أعيش في كندا، وأطالب بأن يكون لي مسجد بجوار بيتي، سأكون حراً عندما لا أعترض على مواطن عربي يؤمن بالمسيحية بديانة أخرى أو بالبهائية ويريد أن يكون له مكان يصلي به، عندما يكون لدينا هناك عشرات الآلاف من الهنود ولا يوجد لديهم مكان يصلون به، لماذا لا نعطي لغيرنا ذات الحق الذي نطالب بأن يعطونا إياه؟ لماذا يحق لي أن يكون لديَّ في أي مكان في العالم مكان للعبادة؟ بينما إذا كان إنسان على ديانة أخرى لا يحق له أن يكون له مكان للعبادة؟ هل هذا الخطاب عالمي؟ هل سوف نبلغ عالمية الإسلام بخطاب طائفي إقصائي لا يحترم حق الإنسان في مكان للعبادة؟ تذهب إلى مطعم هندي، مطعم صيني؛ يجوز أن يكون هناك مطعم يقدم الطعام الهندي والصيني، لكن لماذا لا تعطي الحق لهذا الإنسان أن يكون له مكان يتعبد فيه؟ رغم أن القرآن يقول (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)، القرآن الكريم يتحدث عن أماكن عبادة، قبل ما يقول مساجد ذكر أسماء الأماكن لغير المسلمين، وبالتالي الحفاظ على المسجد هو من الحفاظ على أماكن العبادة، من يستحل حرمة أماكن العبادة سيحطم المسجد".
قيم صالحة للاستعمال لجميع البشر
وقال د.عامر الحافي: "هذه هي عالمية الإسلام، عندما تكون لدينا قيم صالحة للاستعمال لجميع البشر، لا أن تكون قيماً مفصلة وَفق مصالحنا وطوائفنا ومقاييسنا الخاصة، وحدة القيم والمثل الإنسانية العليا هي المعيار، بل من أهم المعايير، القرآن الكريم يحثنا على الخير والبحث عن الخير.. رغم اختلاف وجهات النظر والعقائد، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)؛ أي أن اختلاف المعتقدات لا يجوز أن يمنعك من عمل الخير، لا تعلق في مشكلة أنا على حق وأنت في الجحيم، تجاوز قضية اختلاف المعتقدات والأيديولوجيات وابحث عن الخيرات؛ لكل وجهة هو موليها، واترك هذا الموضوع، كل واحد عنده طريقة تفكيره الديني؛ لكن بعد ذلك ماذا تقول الآية؟ (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا).
النقطة الأخيرة من المرتكزات العالمية للخطاب القرآني؛ أن الناس أمة واحدة، (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، رجعت إلى هذه الآية في سورة (الأنبياء) والله وجدت شيئاً عجيباً، وجدت أنه جاءت هذه الآية مع ذكر أقوام كثيرين لأنبياء، يتحدث عن أنبياء كثر، ثم يقول لنا (هذه أمتكم أمة واحدة)، يعني يا أيها الناس يا أتباع الأنبياء، يا أيها الذين أرادوا أن يعرفوا الحق، أنتم أمة واحدة؛ بل القرآن أشار بكل وضوح، كان الناس أمة واحدة، هل هذه (كان) هنا على سبيل ما مضى وانقضى أم أنه قد كان الناس أمة واحدة من باب التقرير ومن باب التأكيد أن الناس أمة واحدة وسيبقون أمة واحدة؛ سواء طال الزمان أم قصر؟ لكن هذه العالمية كيف نصل إليها؟ هل العالمية هو أن الإسلام سيفتح العالم ونعود للبحث عن الجيوش والحديث عن افتحوا روما، وفتح روما، وأننا نستعد للقتال لنغزو بلداناً جديدة ويغزونا؟!".
الوصول إلى عالمية الإسلام
واختتم أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "اليوم لم يعد هناك غزو، عندما جاء الاحتلال الأمريكي للعراق كثير جداً من دول العالم حتى هذا اليوم رفضت هذا الاحتلال؛ حتى أكبر الدول إذا قامت باحتلال دولة أخرى، الكل يعلم أن هذه رذيلة وأن ذلك ظلم.. نستطيع أن نصل إلى عالمية الإسلام عندما ندرك أن الإنسان واحد وأن البشرية واحدة وأن الإله الذي خلقنا جميعاً هو إله واحد".