تحدَّثَ الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية، نائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية، عبر حلقة جديدة من برنامج "قضايا"، عن المرأة في القرآن أو زينة المرأة في القرآن.
إشكالية ماذا نريد أن نفعل بالمرأة.. والعكس؟
وقال الدكتور عامر الحافي، أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "ربما حتى اليوم كما جاء في القرآن، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب.. يعني إشكالية ماذا نريد أن نفعل بالمرأة؟ وأيضاً من ناحية أخرى ماذا تفعل المرأة بنا؟ إشكالية المرأة لا تزال مشكلة في جميع المجتمعات وليس فقط في مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية؛ سواء على مستوى فهم المرأة وعقل المرأة ونفسية المرأة، أم كيف نتعامل مع المرأة؟ لكن اليوم سنتحدث عن لباس المرأة، زينة المرأة.. لكن قبل أن نتحدث عن زينة المرأة في القرآن الكريم ولباس المرأة في القرآن الكريم، دعنا ننطلق من هذه الفكرة الأساسية التي تجعلنا ربما نقترب من المعنى العميق لكل حكم من الأحكام الذي يتعلق بموضوع المرأة".
هل المرأة كائن وجد صدفة.. ضلع أعوج؟
وأضاف الدكتور عامر الحافي: "دعنا بداية نفهم؛ هل المرأة هي تابع؟ هي جزء ثانوي؟ هي كائن وجد صدفة؟ ضلع أعوج من جسد الإنسان أخذ على حين غرة من ذلك الجسد وأعوج، أم أن المرأة هي أيضاً نظيرة في الخلق للإنسان، هي آدم؟ وهنا أريد أن أشير إلى قضية أنه عموماً عندما نتحدث عن آدم، نتحدث عن آدم الذكر؛ يعني الملائكة عندما سجدت، سجدت لمَن؟ لآدم الذكر، علم الله الأسماء كلها، وعلم آدم الأسماء؛ آدم الذكر".
ما قصة آدم؟ هل آدم هو آدم الذكر أم هو الآدمية؟
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "ما قصة آدم؟ هل آدم هو آدم الذكر؟ أم أننا يجب أن نفهم أن آدم هو الآدمية؟ وبالتالي آدم كان هو مجموع الجنس البشري الذي يشتمل على آدم وحواء، وليس هو آدم الذكر كما يعتقد البعض؛ وبالتالي كأن حواء لم تكرمها الملائكة ولم تقدرها؛ حواء لم تتعلم الأسماء التي تعلمها آدم، وبالتالي كل ذلك يصبح ذكورياً، المعرفة تصبح ذكورية، التكريم يصبح ذكورياً. إذن حواء خرجت من الموضوع دون أن تحصل على شيء، إذن موضوع أحكام قبل أن نتحدث عن أحكام المرأة".
هل المرأة ناقصة عقل ودين؟.. ملكة سبأ امرأة تقود دولة!
واستكمل أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "لماذا لا نعيد النظر في طبيعة المرأة؟ نحن ننتقد الغرب ونقول إن الغرب احتقر المرأة، والغرب كان يناقش في القرون الوسطى هل المرأة لديها روح؟ أم ليس لديها روح؟ ولكن نحن حتى اليوم لماذا لم نناقش بعض المفاهيم الخاطئة حول المرأة؟ يعني في مرويات أيضاً لولا حواء لم تخن امرأة زوجها، وأن المرأة تقبل ومعها شيطان، وتدبر ومعها شيطان، وأكثر أهل النار من النساء، أكثر أهل النار هم النساء.. إذن هذه النظرة موجودة في روايات، موجودة عندنا، ثم بعد ذلك نريد أن نطور نظرتنا للمرأة دون أن نراجع تلك النصوص التي ليست في مستوى النص التأسيسي، القرآن الكريم عندما يتحدث عن ملكة سبأ تقول ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدوه، امرأة تقود دولة وتصل بشعبها إلى أفضل المستويات وتمارس الشورى والديمقراطية التي نسميها اليوم، هل هذه المرأة ناقصة عقل ودين؟ فرعون الذي اضطهد موسى واضطهد بني إسرائيل، هل كان عقل فرعون أكمل من عقل ملكة سبأ؟ كنت أناقش أحد الأصدقاء فيقول لي إن المرأة ناقصة عقل ودين، قُلت له مَن له عقل خديجة؟ مَن له عقل أم سلمة؟ أم سلمة التي يستند البعض في رواية هي وميمونة، رضي الله عنهما، إلى أنهما كانتا في بيت رسول الله، ودخل ابن أم مكتوم وكان كفيفاً، فبقيتا جالستَين، قالت يا رسول الله هو أعمى، قال أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ يستدل البعض بهذا الحديث أن المرأة لا يجوز أن ترى ولا ترى؛ لكن الحقيقة لو رجعنا إلى أم سلمة في "صلح الحديبية"؛ لوجدنا أن أم سلمة، لولا أم سلمة النبي دخل على بيتها وعلى خيمتها، وكان غاضباً، وقال هلك المسلمون أو هلك الناس، قالت ماذا بك يا رسول الله؟ قال إن الصحابة لم يسمعوا لي، أمرتهم أن يفكوا الإحرام، وأن يذبحوا الهدي؛ لأنهم كانوا قد ذهبوا إلى مكة من أجل أن يحجوا، فجاء صلح الحديبية، ورجعوا دون أن يحجوا، فكان الصحابةُ غاضبين ولم يسمعوا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم..".
لا يمكن أن تتطور مجتمعاتنا دون أن نطور نظرتنا إلى المرأة
وتابع د.عامر الحافي: "أم سلمة استطاعت أن تحل أزمة وطنية؛ أزمة للمسلمين، قالت يا رسول الله اذهب فتحلل واذبح الهدي؛ فعندما يرونك أنك قد فعلت ذلك سيفعلون. وفعلاً النبي خرج وأخذ بنصيحة أم سلمة، هذه المرأة لو لم تكن بجوار النبي، لو لم تكن نصيحتها للنبي؛ ربما كانت هناك أزمة أو مشكلة كبيرة حدثت بين المسلمين، إذن مشكلتنا نحن قبل أن نتحدث عن حجاب المرأة أو زي المرأة أو الآيات التي تتحدث عن زي المرأة؛ مشكلتنا بنظرتنا للمرأة، أنا أعتقد أن هذه النظرة إلى المرأة.. لا يمكن أن تتطور مجتمعاتنا دون أن نطور نظرتنا إلى المرأة؛ لأن المرأة والأقليات والفئات الاجتماعية دائماً التي يسهل التسلط عليها ويسهل الاستحواذ على حقوقها؛ إذا أردت أن تعرف وجود العدل في المجتمع، فانظر إلى حقوق المرأة، انظر إلى حقوق الرجل، انظر إلى حقوق الأقليات.. على قدر مستوى حقوق المرأة وعلى قدر مستوى حقوق الطفل وحقوق الأقليات؛ يمكن أن نصل في مستوياتنا الراقية في مجتمعاتنا إلى هذا المجتمع؛ المستويات الراقية..".
لباس المرأة.. الفقهاء وزينة المرأة
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الآية القرآنية التي تتحدث عنها، ويركز عليها بعض المفكرين؛ ومنهم محمد شحرور، والتي تتعلق بلباس المرأة، تقول (وليضربن بخمرهن على جيوبهن).. هذه الآية لو أخذناها من بدايتها؛ تتحدث هذه الآية وتقول (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ)، إذا ما الجيوب؟ ما الزينة؟ قبل أن نتحدث عن الجيوب، ما زينة المرأة؟ الفقهاء حقيقةً ركزوا على جوانب معينة في ما يتعلق بالزينة، هناك مَن قال إن الزينة هي ثياب المرأة، وبالتالي هذا الثوب يمكن أن يكون جميلاً فيلفت الانتباه، وهناك مَن قال إن الزينة هي السوار، الخاتم.. إذن هي نوع من المجملات التي ترتديها المرأة، وبالمناسبة هناك آية إشكالية (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)؛ هناك من بعض المشككين قالوا إن (ريشاً) في هذه الآية سواء الريش ينزل من السماء، الحقيقة أن الريش يعني ما يزيد عن ستر العورة من اللباس؛ وبالتالي حتى القرآن الكريم في كل كلمة هو يقصد أن يشير إلى معانٍ إضافية لا تقتصر على نفس اللفظة، إنما كل لفظة لها دلالة معينة، وبالتالي لباساً يواري سوآتكم وريشاً الذي يواري السوآت والعورات والأساس الذي يستر هذه العورات هذا اللباس؛ لكن ما زاد عنه من تكميل للباس القرآن سماه ريشاً".
المساواة.. الأصل في العلاقة أو الحقوق بين الرجل والمرأة
وواصل د.عامر الحافي: "يعني هذه الآيات الحقيقة تتحدث عن غض البصر؛ فموضوعها ليس الموضوع الجنسي بقدر ما هو أيضاً استمرار (وقل للمؤمنين)، الآيات السابقة تقول إنه المؤمن كمان الذكر الرجل مطالب بغض البصر، وهذه المساواة في الواجبات بين الرجل والمرأة هي التي تجعلنا نشعر بأن الأصل في العلاقة أو في الحقوق بين الرجل والمرأة هو المساواة، إذن هذه الآية القرآنية (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، هذه الزينة يذهب محمد شحرور إلى أن الزينة تتعلق بجسد المرأة، وبالتالي هي ليست شيئاً خارج هذا الجسد، وما ظهر من هذه الزينة هناك علماء قالوا الوجه والكفَّين، وبالتالي اعتبروا الزينة تتعلق بجسد المرأة".
نوع ثانٍ من الزينة
وتابع أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الإضافة التي أضافها محمد شحرور، وأنا أعتقد أنها إضافة ذكية ولها أيضاً دلالة لغوية، أن الجيوب (الجيب)، وفي قصة موسى أيضاً (أدخل يدك) يعني في (جيبك) تخرج بيضاء من غير سوء.. هي تدل على تلك الثنايا الجسدية، هو قال إن الجيوب نوعان؛ هناك جيوب ظاهرة موجودة في الوجه، الفم والأنف والأذن والرقبة، هذه الانثناءات الموجودة في الجسد هي تمثل نوعاً من الجيوب؛ ولكنها ظاهرة، وهناك جيوب تتعلق بصدر المرأة، ما تحت الصدر، وأيضاً يعني الأماكن الخاصة للمرأة، كذلك الحال النوع الثاني من الجيوب، أو نوع ثانٍ من الزينة التي لا يجوز أن تظهر إلا لفئة محدودة من الناس، وبالذات يعني لزوجها على وجه التحديد؛ لكن شحرور أثار إشكالية كبيرة جداً عندما قال إنه يمكن أن تخرج المرأة مثلاً بتنورة، أو ما دام هي يعني تغطي صدرها وتغطي هذه الجيوب، فإذن يمكن لها أن تخرج بهذا الشكل، وهذا مخالف الحقيقة لكثير من الأقوال التي يعني أو عموم أقوال الفقهاء؛ لكن أنا فهمت أن الموضوع يتعلق بأنه شحرور يريد أن يتحدث مع الناس؛ يا أيها الناس في القرآن الكريم هو يحدث الناس بأحكام القرآن..".
إشكالية قديمة.. هل الأحكام القرآنية تخص المسلمين فقط؟
وأضاف د.عامر الحافي: "يعني لو أن امرأة غير مسلمة تريد أن تعرف ما الحكم؟ حكم الإسلام في اللباس وتعيش هي في شيكاغو أو تعيش في باريس، وهذه القضية العلماء السابقون قالوا هل يخاطب القرآن غير المسلمين في الأحكام؟ يعني هل الأحكام القرآنية هي تخص المسلمين فقط؟ أم أن الأحكام في القرآن هي تخص الناس جميعاً؟ إشكالية الحقيقة قديمة وليست جديدة؛ ولكن الدكتور محمد شحرور يريد أن يجعل الخطاب القرآني للناس جميعاً، وبالتالي حتى الحجاب، عندما تلبس المرأة الحجاب أو اللباس بطريقة معينة؛ فهي تلتزم بهذا النوع من اللباس، حتى إذا كانت غير مسلمة؛ فالخطاب الإسلامي يتحدث عن المسلمة التي تتبع الملة المحمدية وأتباع الملل الأخرى عموماً، لأن الخطاب القرآني يشمل الجميعَ، فهو حط نوعَين أو وضع نوعَين من اللباس؛ النوع الأول هو اللباس الذي يسميه الحد الأدنى، الحد الأدنى هو ذلك اللباس الذي يستر الجيوب؛ الصدر والعورتين، وبالتالي حتى هنا بالمناسبة يعني بعض العلماء تكلموا عن نوعَين من العورة؛ يعني فكرة وجود نوعَين من المناطق الخاصة عند المرأة، هذه الفكرة موجودة عند العلماء أو الفقهاء السابقين اللي كانوا يسمونها عورة مغلظة وعورة مخففة..".
محمد شحرور تحدَّث عن حدَّين للباس المرأة
وتابع د.عامر الحافي: "محمد شحرور تحدث عن حدَّين للباس؛ حد أدنى وحد أعلى، هو قال لك إن إظهارَ الوجه والكفَّين هذا الحد الأقصى؛ لكن قال لك إن هذا لا نفرضه على الناس، لا تفرض على الناس أن يظهروا وجههم، لكن هل يحق للإنسان أن يلبس بهذه الطريقة؟ طبعاً ما قال لأنه خطأ، قال إنه هذا الحد الأقصى من اللباس، إنه أنت ممنوع تتجاوز موضوع الوجه، وبالتالي الوجه وكشف الوجه والكفَّين هو ضرورة حياتية، يعني تخيل الإنسان الذي يعني لا تعرف مَن هو.. يدَا الإنسان بحاجة دائماً إلى أن تكونا محررتَين من أجل أن يمسك، من أجل أن يتحرك، من أجل أن يعرف ما الذي يتعامل معه، والوجه هو هوية في الحقيقة؛ سواء أكنا نتحدث عن الرجل أو المرأة، وأنا هنا لا أنتقد أيضاً مَن تلبس النقاب؛ حتى لا يفهم البعض أن لبس النقاب هو شيء ضد الإسلام، لا..".
العرف وطريقة اللباس
واستكمل أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "أنا أقول هذه حرية شخصية، المرأة إذا أرادت أن تلبس نقاباً ونحن نعرف يعني أنه حتى بعض الأقوام زي التوارك أو الطوارق، وهي مجموعات يعني اسمية تعيش في كل من الجزائر ومالي والصحراء الجزائرية، وحتى ليبيا؛ أنه الرجل هو الذي يغطي وجهه، وهنا يُقال إن سبب ذلك أنه كان هناك الرجال الطوارق، كانوا مرة ذاهبين في غزوة أو خرجوا من القبيلة، وكانت النساء هن فقط الجالسات في القبيلة، فجاء العدو فالنساء غطت وجوههن وقاتلن العدو، حتى ظنهن العدو الرجال؛ فاستطاعت النساء أن تدفع العدو من خلال التصنع أنهم تلثموا، ولم يعرف العدو أنهم نساء، ولكن استطعن أن ينتصرن، يعني فيه هناك الجوانب الاجتماعية الحقيقة، أن يعني هذه الفكرة أن العرف له دور كبير جداً في ما يتعلق بطريقة اللباس، لو نظرنا حتى اللباس الإسلامي؛ المرأة الباكستانية تلبس بطريقة المرأة المغربية، تلبس بطريقة المرأة السودانية، تلبس بطريقة إخوانّا المسلمين في إفريقيا السوداء، المرأة تحب أن تلبس اللون الأحمر. نحن مثلاً لو لبسنا اللون الأحمر؛ امرأة تلبس اللون الأحمر ربما يكون شيئاً منتقداً عُرفياً. أو الرجل مثلاً لو يلبس اللون الأحمر في الدول العربية ربما أيضاً قد يكون غير مرغوب يعني عُرفياً..".
اللباس يمثل قضية عرفية في الأساس
واستطرد د.عامر الحافي: "ولكن الحقيقة أنه اختلاف الألوان وتنوع الألوان حتى بين المسلمين جاء ليؤكد أن اللباس يمثل قضية عرفية في الأساس، وليس اللباس.. فهناك مواصفات يعني قطعية، لا يمكن النقاش فيها، لكن الحقيقة لو رجعنا إلى شحرور والآيات التي تتحدث عن لباس المرأة، نجد أنه أضاف بعض المعاني الجميلة وبعض المعاني التي ربما لم يسبقه إليها أحد من السابقين، يعني مثلاً هو يتحدث عن نسائهن؛ فيقول إن نساءهن ليس المقصود بالنساء هو المرأة أو جمع امرأة، وإنما نساء هو خير هؤلاء المذكورين في هذه الآية القرآنية، كذلك الحال عندما يتحدث عن مثلاً القواعد من النساء، لأنه في آية أخرى مثلاً تقول (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً)؛ تقول لك القواعد من النساء المرة المشلولة أو مثلاً (التابعين غير أولي الإربة من الرجال)، باقول لك ممكن يكون هذا الطبيب، أنه يمكن أن ينظر الطبيب إلى أجزاء من جسد المرأة، كما ينظر والد المرأة، أو كما ينظر ابن المرأة، أو كما ينظر أخ المرأة اللي همّ المحارم، إذن الموضوع فيه إشكالات عديدة، ونواصل الحديث في هذا الموضوع من اللفتات التفسرية التي أشار إليها محمد شحرور في آية الحجاب (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)؛ بالتالي هو استنتج أن الموضوع لا يتعلق بالخلاخيل التي كانت موجودة في ذلك الزمان، وإنما يقول إن هناك تحريماً في هذه الآية لمهنة التعري أو مهنة البغاء، وبالتالي هو يأخذ النص إلى مساحات أبعد من التفسير التقليدي، فيجد أن هذه النصوص يجب أن تأخذ معاني أكثر من تلك التي وقف إليها أو عندها العلماء".
آية الحجاب.. نزلت لتميِّز لباس الحرائر عن لباس الجواري
وأضاف أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "الآية الأخرى التي نريد أن نتوقف عندها في سياق حديثنا عن لباس المرأة وزينتها، هي تلك الآية التي تتحدث عن الحجاب ومتى فرض الحجاب، ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، يعني عند هذه الآيات، حقيقة سبب نزول هذه الآيات أن المجتمع المدني في المدينة المنورة؛ كانت هناك الحرائر وكانت هناك الجواري، وهذه نقطة في غاية الأهمية؛ اللباس في ذلك الوقت لم يكن قد تميز كثيراً بين الحرة والمرأة اللي هي الأَمَة أو الجارية، ويبدو أن بعض الشباب يعني مثل حتى شبابنا في هذه الأيام، يمكن أن يقول كلمة هنا أو كلمة هنا، هناك مَن تحدث مع نساء حرائر، وبالتالي ظنوا أنه هذه يعني جارية، لا يميز بين لباسهن؛ فنزلت آية الحجاب لتميز لباس الحرائر عن لباس الجواري.. (ذلك أدنى أن يعرفن)؛ يعني أنهن من الحرائر فلا يؤذين، لأن هناك مَن كان يتساهل في أن يؤذي الجارية؛ وهنا أيضاً قضية مهمة، يعني أن هناك تطوراً في الأحكام الشرعية في المجتمع، يعني أنه التطور التشريعي الذي كان طيلة الثلاثة وعشرين سنة، هل يمكن أن نقول إنه النص القرآني استوعب التطور في مكة والمدينة، ثم بعد ذلك لم يعد هناك استيعاب للتطورات في المجتمعات كلها، هل القرآن استوعب تطور مكة والمدينة ثلاثة وعشرين سنة، وبعد ذلك القرآن لم يعد يتقبل التغيرات والتطورات المجتمعية؟ المكي يختلف عن القرآن المدني في صيغته وفي أسلوبه وفي مواضيعه، ثم بعد ذلك نقول استقر النص القرآني.. إذن استقرار النص القرآني كان يجب أن يفتح مجال التأويل؛ النصوص توقفت، ولكن يجب أن نفتح مجالَ التأويل حتى نستوعب تلك المساحات التي تغيرت وتغير فيها العالم، يعني موضوع الرق، يعني بعض الفقهاء قال لك إن عورة الأَمَة يعني يمكن أن تكشف رأسها، يعني ليس ضرورياً أن تغطي رأسها وعورة الأَمَة في الصلاة مثل عورة الرجل، طب لو كان هذا الموضوع بنفس درجة الحرمة لموضوع مثلاً السرقة أو الزنى أو كذا الحرام حرام، فإذا كانت هي امرأة، هي تغطي رأسها، وجهها.. طيب لماذا؟ هل تتغير المرأة عندما تكون أمة؟ هل تصبح كائناً من المريخ؟".
التطور التشريعي في الفكر الإسلامي
وتابع د.عامر الحافي: "إذن هناك نوع من التطور التشريعي؛ يجب أن نعترف أن لدينا نوعاً من التطور التشريعي في الفكر الإسلامي، الإسلام لم يحرم الرق وإنما بدأ مجاري الرقة؛ لكن الرق متى حُرِّم؟ الرق حُرِّم في القرن العشرين، بقي الرق موجوداً في المجتمعات الإسلامية حتى القرن العشرين؛ لكن الإسلام لماذا لم يحرم الرق؟ لأن الرق كان جزءاً من النظام الاقتصادي والاجتماعي، بدأ الإسلام يضيق؛ لكن الإسلام والقرآن كان ينتظر من العقل المسلم والاجتهاد الإسلامي أن يقول كلمته في تطوير التشريع، وهنا فكرة أن الإسلام خاتم الديانات أو خاتم الرسالات السماوية؛ لأنه قد فتح أمام العقل مجالاً للاجتهاد، فهو خاتم الرسالات؛ لأنه أعطى للعقل منطلقات ليتمم مهمة الاجتهاد وتطوير الفكر التشريعي، وليس لأنه جاء بكل إجابة تفصيلية عن كل قضية يمكن أن تصادف البشرية".
قضية اللباس والعرف الاجتماعي
وقال أستاذ العقائد، ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الفقهية بجامعة آل البيت الأردنية: "نعود إلى قضية اللباس؛ وهنا قضية العرف حقيقة، العرف الاجتماعي يعني المرأة في الصحراء هي بحاجة إلى شيء يحمي شعرها، يحمي جسدها من حرارة الشمس، المرأة في المناطق الباردة تلبس بطريقة معينة. الهندوس؛ المرأة الهندوسية تضع على رأسها أيضاً نوعاً من الشال أو اللباس، ونجد كثيراً من المجتمعات حتى في المسيحية المرأة أيضاً كما جاء في رسائل بولس أن المرأة تغطي رأسها، هذا النوع من اعتبار العرف الاجتماعي ضروري جداً؛ لكن مع ذلك يجب أن نقول إن القيم هي التي يجب أن ننظر إليها عندما نتحدث عن اللباس، لأن الإنسان أهم مما يلبس، قيمة الإنسان ليست بكمية القماش.. الإمام الشافعي ذهب مرة إلى أحد الحجامين أو أحد الحلاقين، فنظر إليه ذلك الرجل؛ لأن ثياب الشافعي لم تكن ثياباً جميلة بما فيه الكفاية، كانت ثياباً بسيطة؛ فالشافعي لاحظ وكان ذكياً.. قال عليَّ ثياب لو بيعت بفلس لكان الفلس منها أكثر، وفيهن نفس لو وزنت بأنفس الورى لكانت أعز وأكبر، وما ضر نصل السيف إخلاق غمده إذا كان عضباً أينما وجهته برى، أيهما أهم السيف أم الغمد؟ وبالتالي وما ضر نصل السيف إخلاق غمده، إذا كان عضباً أينما وجهته برى..".
لباس المرأة واحترام القيم.. هل الحجاب سيحل مشكلة التحرش أم القيم؟
وأضاف د.عامر الحافي: "إذن في موضوع اللباس يجب أن نلتفت إلى قوله تعالى (ولباس التقوى ذلك خير)، التركيز يجب أن يكون على القيم قبل أن يكون على طريقة وكمية القماش.. أنا لا أستخف أبداً بالحجاب بمعناه التقليدي والتراثي؛ لأن هذا جزء حتى من تراثنا العربي، حتى قبل الإسلام كان عنترة يقول (وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها).. حتى عنترة قبل الإسلام كان يحترم هذه القيم؛ كان لا ينظر، طيب لماذا اليوم نحن الدول العربية والإسلامية من أكثر الدول التي لدينا مشكلة التحرش؟ هل الحجاب سيحل مشكلة التحرش؟ أم القيم؟ فهي التي ستحل مشكلة التحرش، إذن عندما نتحدث عن حجاب المرأة يجب أن نبني القيم في نفس المرأة، قبل أن نجبرها على الحجاب..".
أيهما أهم: لبس الحجاب أم قول لا إله إلا الله؟
واختتم د.عامر الحافي: "وهنا قضية أيضاً مهمة، الإكراه.. كنت في مرة في نقاش مع بعض الطالبات وأنا أقول لهن يعني لا يجوز أن نكره البنت أو المرأة إذا كانت زوجة أو بنتاً أن تلبس حجاباً رغماً عنها، فأوقفت إحدى الطالبات، قالت يا دكتور هذه شريعة، وهذا دين الله، وهذا.. قلت لها.. طيب، أيهما أهم لبس الحجاب أم قول لا إله إلا الله؟ قالت قول لا إله إلا الله، قُلت: لا؛ إذا كان قول لا إله إلا الله، لا يجوز أن نكره الإنسان حتى يقول لا إله إلا الله، لا إكراه في الدين، هل الحجاب من الدين؟ قالت نعم، قُلت لها إذن لا إكراه في الدين لا إكراه في الحجاب.. كثير من اللاتي يرتدين الحجاب رغماً عنهن تسوء أخلاقهن بعد ارتدائه؛ لأنهن يشعرن أن هذا اللباس لا يعبر عن هويتهن، فيمكن أن تجد حتى الحجاب ملبوساً بطريقة تزيد الإغواء والإغراء، لكن لو أن الحجاب، فهمنا مقصد الحجاب، وأن الحجاب في الحقيقة جاء من أجل أن يجعل المرأة قادرةً على العمل، قادرةً على الخروج في المجتمع وليس أن يجعل المرأة مقيدةً بطريقة أو بأخرى، إذن عندما ننظر إلى القيم التي تقوم عليها الأحكام والقيم التي يقوم عليها حكم الحجاب في القرآن الكريم، نستطيع أن نستوعب كيف تلبس المرأة؟ وما اللباس الذي يناسب المرأة؟".