اختراع الأحاديث لتدمير العلاقات الزوجية | د. زهير جمعة المالكي

تعبيرية
تعبيرية

يقول الله تعالى في كتابه الكريم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). لقد جعل الله، سبحانه وتعالى، العلاقات الزوجية من آياته التي دعا المؤمنين للتفكر بها؛ فالأسرة هي اللبنة الأساسية التي يقوم عليه المجتمع، وجعل الزواج سُنة من سُننه، فقال (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وقد بين الله على الأهمية المتساوية لكل من طرفي العلاقة الزوجية فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)؛ فالأسرة إن كانت قوية كان المجتمع قويّاً، وإن كانت هشَّة كان المجتمع هشّاً ضعيفاً، فقال سبحانه (وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزواجِكُم بَنينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالباطِلِ يُؤمِنونَ وَبِنِعمَتِ اللَّـهِ هُم يَكفُرونَ).


ولكن هذه المودة والرحمة لم تعجب فقهاء السوء فقرروا أن يغيروا كل ما هو جميل وراقٍ في العلاقات الزوجية التي أقرها الله، وجعلها سُنة بين عباده ليحلوا محلها قواعد تنفر منها الفطرة البشرية السليمة، وتنزل بالنفس البشرية إلى مرتبة الحيوانية؛ فأحلوا السوط بدل المودة، وأحلوا التحلل بدل الالتزام، وأحلوا الشهوة بدل العقل والرشد، وجعلوا مدار الزواج حول الشهوات بدل المودة.. فاخترعوا حديثاً لكل مرحلة من مراحل العلاقات الزوجية يخالفون فيه أحكام الله التي وضعها في القرآن. 

1. معاملة الأهل 

ولكن هذه المودة والرحمة لم تعجب فقهاء السوء؛ فقرروا أن يكون التعامل مع أهل الدار بالسوط؛ فحوَّلوا رب الدار إلى سجان، بدلاً من أن يوفر لأهله الرعاية والمحبة، راح يهددهم بالضرب بالسوط الذي يستخدم في معاملة البهائم، فتم وضع حديث "عَلِّقُوا السَّوْطَ حيثُ يَرَاهُ أهلُ البيتِ، فإنه أَدَبٌ لهم"، الراوي: عبد الله بن عباس المحدث: العجلوني| المصدر: كشف الخفاء| الصفحة أو الرقم|:2/82 خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن| التخريج: أخرجه الطبراني). وكذلك حديث "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أمَر بتعليقِ السَّوْطِ في البيتِ" (الراوي: عبد الله بن عباس| المحدث: الألباني| المصدر: صحيح الأدب، المفرد الصفحة أو الرقم|:933  خلاصة حكم المحدث: صحيح)، والسَّوطُ أداةٌ مِن جِلْدٍ مَضْفورٍ يُضْرَبُ بها، وهو آلةٌ للضَّربِ والتأديبِ مِثْلُ العَصا. فأحلوا الإرهاب بالضرب بديلاً عن المودة والرحمة التي نزل بها القرآن. 

2. يحق للرجل أن يرى الفتاة وهي عارية قبل الخطوبة 

لقد عمد مَن يسمون أنفسهم فقهاء إلى مراحل الزواج كافة؛ وأخذوا يتدخلون فيها ويخترعون الأحاديث التي تناسب أغراضهم، حتى وإن كانت تخالف النصوص الصريحة للقرآن؛ فقد أجازوا للرجل أن ينظر إلى الفتاة قبل الخطوبة وهي عارية، فقد جاء في الجزء التاسع من كتاب "فتح الباري" صفحة 182، "قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَجْتَهِدُ وَيَنْظُرُ إِلَى مَا يُرِيدُ مِنْهَا إِلَّا الْعَوْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَنْظُرُ إِلَى مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ مِنْهَا"، وفي نفس الصفحة قال "يجوز للخاطب أن ينظر إليهن متجردات" (فتح الباري بشرح البخاري، المؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (٧٧٣- ٨٥٢هـ)، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وتصحيح تجاربه: محب الدين الخطيب، الناشر: المكتبة السلفية- مصر، الطبعة: «السلفية الأولى»، ١٣٨٠- ١٣٩٠هـ). والمقصود أن الخاطب يمكن أن يشاهد الفتاة التي يريد خطبتها، وهي عارية قبل أن يخطبها. 

3. زواج الأطفال 

بالنسبة إلى سن الزواج؛ فالنص القرآني الصريح يربط النكاح بالرشد وليس البلوغ كما يدعي (الفقهاء)؛ فيقول الله (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا)؛ ولكن هذا السن لم يعجب الساعين لإرضاء رغبات الحكام فأجازوا النكاح حتى للرضيعة؛ فقاموا باقتباس نص من التلمود سانهدرين الصحيفة 55 العمود "ب" في سياقٍ يتكلم عن حد الزنى مع النساء، الحيوانات وعن اللواط: قال الراباي يوسف "تعال اسمع! بنت ثلاث سنوات ويوم واحد، تُزوج وتُجامع". هذا التشريع لم يأت به الراباي يوسف من بنات أفكاره، ولم يتخيله غيره من الرابانيم الذين ذكروا نفس الشيء في مواضع أخرى في التلمود؛ بل هو تشريع تقرره المشنا، وعليه اعتمد حاخامات التلمود، ففي المشنا في باب “نِدّاه” (5: 4 أ)، وهو حسب تقسيم التلمود "نِدّاه الصحيفة 44 العمود ب": "بنت ثلاث سنوات ويوم واحد، تُزوج وتُجامع"، وقد قام أحبار اليهود بتفسير التوراة بناء على هذه الأحكام؛ ادعوا أن إسحاق تزوج رفقة في سن ثلاث سنوات كما قال وأكد الراباي شولمو يتسحاقي المعروف باسم “راشي” في تفسيره نصَّ سفر التكوين 22؛ أن إسحاق، عليه السلام، تزوج رفقة وهي بنت ثلاث سنوات، حسب السن الشرعي للزواج. فهم حرفوا التوراة على أساس التلمود البشري الذي كتبوه بأيديهم، وجاء (الفقهاء) فاقتبسوا هذا التفسير الفاسد ليجعلوا سن الزواج سنتَين. يقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب تزويج الصغار من الكبار، الجزء 9، الصفحة 26، قال ابن بطال: “يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد؛ لكن لا يُمكَّن منها حتى تصلح للوطء”، ويقول: “ويؤخذ من الحديث أنَّ الأب يزوج البكر الصغيرة بغير استئذانها“. وقد اتفقت جميع المذاهب على جواز “إجبارُ الصغيرة على النِّكاح”، واختلفوا فقط في هل يجوز هذا الإجبار للجدّ بجانب الأب أم للأب وحده. كما أن هذا “الإجبار على النكاح” للطفلة الصغيرة لا يجوز لها التراجع عنه بعد بلوغها سنّ الرشد. ميز الفقهاء بين تزويج الطفلة وبين “تسليمها” لزوجها من أجل “الوطء” أي المعاشرة الجنسية، فقال بعضهم لا يجوز تسليمها إن لم تكن “تطيق الوطء” أي تتحمل العملية الجنسية، وقد حدَّد بعضهم معيار تحمل “الوطء” عند الطفلة الصغيرة أن تكون “سمينة” غليظة الجسم ولو كان ذلك قبل التاسعة، فقالوا ”فإن كانت تحتمل الوطء زال المانع“!!!، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة: “حدّ ذلك أن تطيق الجماع ويختلف ذلك باختلافهن ولا يُضبط بسن” (النووي في شرح مسلم- 9/ 206). وقال الحنابلة في نكاح الصغيرة "إذا بلغتِ الصغيرة تِسْعَ سنين، دُفِعَتْ إلى الزوج، وليس لهم أن يَحبسوها بعد التِّسع، ولو كانت مهزولةَ الجسم، وقد نصَّ الإمامُ أحمد على ذلك". ونسب إلى ابن حنبل “الاستبراء” في حالة الطفلات؛ حيث قال: “تُستبرأ وإن كانت في المهد”، ومعلوم أن الاستبراء إنما يكون من أجل التأكد من الحمل. في كتاب “ردّ المختار على الدرّ المختار” لابن عابدين ورد ما يلي: ”فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع ولو صغيرة السن”، وصغيرة السن هنا أي ما دون التاسعة. وهذا معناه أن صغر السنّ عند هؤلاء الفقهاء إنما يتبع لمعايير جسمانية لا نفسية ولا عقلية، وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة من أنّ “الرضيعة التي عمرها دون السنتين لو (أطاقت الجماع) جاز وطؤها عندهم، فضلاً عن لمسها بشهوة وتفخيذها”. عند المالكية والشافعية لا تسلم الصغيرة للزوج حتى تكبر حتى التاسعة، وإذا كانت تتحمل الوطء أقل من ذلك فلا مانع، جاء في شرح النووي على صحيح مسلم باب جواز تزويج الأب البكر الصغيرة، الجزء 9 الصفحة 206 "وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ حَدُّ ذَلِكَ أَنْ تُطِيقَ الْجِمَاعَ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِهِنَّ وَلَا يُضْبَطُ بِسِنٍّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَحْدِيدٌ وَلَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ أَطَاقَتْهُ قَبْلَ تِسْعٍ وَلَا الْإِذْنُ فيمن لَمْ تُطِقْهُ وَقَدْ بَلَغَتْ تِسْعًا". (النووي محيي الدين، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت ٦٧٦هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة: الثانية، ١٣٩٢). يقول ابن حجر في فتح الباري، شرح صحيح البخاري: "يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد". 

قد يقول قائل إن في عالم اليوم هناك العديد من الدول التي تعتبر متقدمة في أمريكا وأوروبا قد حددت سن الزواج بين 16- 18 أو أقل، فعلى سبيل المثال السن القانوني للزواج في الولايات المتحدة الأمريكية، يختلف من ولاية إلى أخرى؛ إلا أنه وعلى الأغلب حدد بسن 15- 16؛ بشرط موافقة الأبوَين، ومن تلك الولايات: نيويورك، ألاباما، ألاسكا، أريزونا، كونيكتيكت، مقاطعة كولومبيا، مونتانا، نيفادا، نيو جيرسي، نيو مكسيكو، كارولينا، بنسلفانيا، داكوتا الجنوبية، تينيسي، فرجينيا، فيرجينيا الغربية، ويسكونسن. كما أجازوا زواج مَن هم دون ذلك بموافقة المحكمة، فنيويورك على سبيل المثال اعترفت بزواج مَن بلغ 14 بموافقة الوالدَين والمحكمة، وولاية نيو هامبشير أجازت زواج الذكور البالغين 14، والإناث البالغات 13، بموافقة الوالدين والمحكمة، وهذه القوانين تشابه بشكل يكاد يكون مطابقاً قوانين القارة الأوروبية في تحديد سن الزواج. القانون في كندا شبيه جداً بمثيله في أمريكا... السن هو 16 ويصل إلى 15 في حال الحصول على موافقة قاضٍ. وفي إنجلترا يكون سن الزواج 16 سنة بموافقة الوالدَين، وفي أسكتلندا 16 سنة دون شروط، وفي الفاتيكان 16 سنة للذكور و14 للإناث؛ بموافقة الوالدَين، أما النمسا فسن الزواج هو 16 سنة بموافقة الوالدَين؛ بشرط أن يكون أحد الطرفَين متجاوزاً 18 عاماً، وفي ألمانيا 16 سنة بموافقة الوالدَين والقاضي، وهولندا 16 بموافقة الوالدَين، وأقل من 16 بموافقة شخصية من الملكة. والرد على هذا القول بسيط جداً؛ هو أن هذه القوانين لا تدَّعي أنها وحي مُنَزَّل من السماء ولا تُنسب إلى نبي أو رسول مُرسَل من الله. 

4. سلب الزوجة إرادتها وعدم إلزام الزوج بتكفين زوجته 

أما في الحياة اليومية بين الزوجَين؛ فقد أصر الفقهاء على ترك بصمتهم، فعلى الرغم من أن الزوجية في الإسلام يجب أن تكون قائمة على المودة والمحبة، ولكن قرر الفقهاء سلب الزوجة كامل حريتها فجعلوها مسلوبة الإرادة. "‏حدثنا ‏أبو اليمان، ‏أخبرنا ‏شعيب، ‏حدثنا ‏أبو الزناد ‏عن ‏الأعرج ‏عن ‏أبي هريرة، ‏رضي الله عنه، ‏‏أن رسول الله، ‏صلى الله عليه وسلم، ‏قال ‏لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره"، ‏ورواه ‏أبو الزناد ‏أيضاً ‏عن ‏موسى، ‏عن ‏أبيه، ‏عن ‏أبي هريرة ‏في الصوم "صحيح البخاري.. كتاب النكاح.. باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه"؛ تخيلوا، الصوم الذي هو فرض إلهي على المسلم بأماكن الرجل أن ينقضه ويأمر زوجته أن لا تصوم متى ما أراد.

أما عدم إلزام الزوج بعلاج زوجته المريضة، فذهب جمهور الفقهاء وفيهم الأئمة الأربعة والظاهرية، إلى أن ما يجب على الزوج في النفقة ثلاثة أشياء: الطعام، والكسوة، والسكن، وأن الزوج غير مُلزم بعلاج زوجته إذا مرضت على نفقته. قال الإمام الشافعي في "الأم" (337): " ليس على رجل أن يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام". (مختصر المزني، المؤلف: أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى المزني (ت ٢٦٤ هـ)، مطبوع بآخر: كتاب «الأم» للشافعي، الناشر: دار الفكر- بيروت، الطبعة: الثانية ١٤٠٣ هـ- ١٩٨٣م (وأعادوا تصويرها ١٤١٠ هـ-١٩٩٠م) - وجاء في "شرح منتهى الإرادات" (3/227): "ولا يلزمه دواء ولا أجرة طبيب إن مرضت؛ لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة، بل لعارض فلا يلزمه". وبالنسبة إلى المذهب الحنفي، جاء في حاشية ابن عابدين أن النفقة هي الطعام والكسوة والسكن، وأنه لا يلزمه مداواتها؛ فلا يجب على الزوج غير هذه الأشياء الثلاثة- حاشية ابن عابدين: ج5/223. وصرح الكاساني بأن الزوجة لو مرضت في الحضر كانت المداواة عليها لا على الزوج- بدائع الصنائع للكاساني ج4/29- وجاء في فتح القدير أن شمس الأمة الحلواني قال: إذا مرضت مرضاً لا يمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه تسقط النفقة!- فتح القدير للكمال بن الهمام الحنفي: ج4/347.

بالنسبة إلى المذهب المالكي؛ فقد نص الشيخ خليل على أنه يجب لممكنة مطيقه للوطء على البالغ وليس أحدهما مسرفاً قوت وإدام، وكسوة، ومسكن- مختصر خليل مع شرح الخرشي: ج4/183- وقال الخرشي عند قول المختصر لا مكحلة ودواء وحجامة وثياب المخرج؛ يعني أن الرجل لا يلزمه المكحلة وكذلك لا يلزمه الدواء عند مرضها لا أعياناً ولا أثماناً ومنه أجرة الطبيب- مختصر خليل مع شرح الخرشي: ج4/187. وبالنسبة على المذهب الشافعي؛ صرح إمام المذهب بأن الزوج لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها، ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك ج5/115- ونقل عنه الماوردي قوله: ليس على رجل أن يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام- الحاوي الكبير للماوردي: ج11/435.

كذلك أقام (الفقهاء) العلاقة الزوجية على أساس الاستمتاع؛ فإذا ماتت الزوجة فليس على الزوج حتى تكفينها؛ فقالوا الزوج غير ملزم بتكفين الزوجة. قالت المالكية والحنابلة والحنيفية: لا يلزم الزوج بتكفين زوجته ولو كانت فقيرة؛ فإن لم يكن لمَن تلزمه نفقته مال كفن من بيت المال إن كان للمسلمين بيت مال، وأمكن الأخذ منه، وإلا فعلى جماعة المسلمين القادرين مؤن التجهيز كالحمل إلى المقبرة والدفن ونحوه! وفي البخاري ج1/ كتاب الجنائز باب 2/1182: يجب تكفين الميت من ماله الخاص الذي لم يتعلق به حق الغير، كالمرهون عند الدائن، فإذا تعلق به حق الغير كالدين مثلاً يقدّم الدين عليه، وإن لم يكن له مال خاص فيؤخذ ممن تلزمه نفقته في حال حياته، كالوالد على ولده الصغير أو العاجز، والولد على والدَيه الفقيرَين، ويستثنى من ذلك الزوجة "فالزوج غير ملزم بنفقة تجهيز زوجته ولو كان غنياً وكانت هي فقيرة".

5. غير ملزم بعلاجها ولا كفنها.. ولكن يحق له مضاجعتها بعد الموت 

وبعد الموت جعل (الفقهاء) الزوج غير ملزم بكفن زوجته الميتة؛ ولكن لا حد عليه إن ضاجعها بعد موتها؛ ففي كتاب المغني لابن قدامة، قال إن الأمر له وجهان؛ منها أنه محرم، ومنها أنه لا ينشر الحرمة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، أي أن ابن قدامة المقدسي هنا يقول إن أبا حنيفة والشافعي قالا بالأمر بأنه ليس محرماً. ففي كتاب "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج"، لمؤلفه شمس الدين الرملي، فقيه الديار المصرية، في عصره (919- 1004هـ)، (1513- 1596م)، والملقب بالشافعي الصغير، قال بكتابه في باب الطهارة، غسل الميت، ما نصه: "ولا يعاد غسل الميت إذا أولج فيه أو استولي ذكره لسقوط تكليفه كالبهيمة، وإنما وجب غسله بالموت تنظيفاً وإكراماً له، ولا يجب بوطء الميتة حد، ولا مهر". 

وحسب ما قاله شمس الدين الرملي، أن الميت لا يعاد عملية غسله إذا تم ممارسة الجنس معه، "سواء ذكر أو أنثى"، مؤكداً أنه لا تطبيق لحد الزنى لعملية ممارسة الجنس مع الميت، وكذلك لا يجب دفع مهر العرس. وفي كتاب ”مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى” كتاب النكاح، كتاب الصداق، فصل ولا مهر بفرقة قبل دخول أو خلوة "(وَيَجِبُ) مَهْرٌ (بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ) كَالْحَيَّةِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي وَطْءِ مَيِّتَةٍ إذَا كَانَتْ (غَيْرَ زَوْجَتِهِ) أَمَّا زَوْجَتُهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهَا حَيَّةً وَمَيِّتَةً؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ لَهُ تَغْسِيلُهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ عُلَقِ النِّكَاحِ بَاقٍ، وأنها ليست كَالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا مَيِّتَةً مَعَ مَا يَجِبُ بِوَطْءِ غَيْرِهَا". وفي كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد "ويجب الغسل في الإيلاج في كل فرج، قبل أو دبر، من آدمي، وبهيمة، حي أو ميت؛ لأنه فرج أشبه قبل المرأة‏.‏ فإن أولج من قبل الخنثى المشكل، فلا غسل عليهما؛ لأنه لا يتيقن كونه فرجاً فلا يجب الغسل بالشك‏". الكتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد (المجلد الأول)- باب ما يوجب غسله، الكاتب: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل. 

أما في كتاب "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى"، لكاتبه مصطفى السيوطي الرحيباني، مفتى دمشق، والذي عاش في الفترة ما بين (1160- 1243هـ)، (1747- 1827م)، فيقول فيه مؤلفه صاحب الفقه "الحنبلي"، في باب "النكاح" فصل "المهر"، ما نصه: “ويجب مهر بوطء ميتة كالحية، ويتجهل محل وجوب المهر في وطء ميتة إذا كانت (غير زوجته)؛ أما زوجته فلا شيء عليه في وطئها حية وميتة، لأن مقتضى تصريح الأصحاب بأن له تغسيلها؛ لأن بعض علق النكاح باقية، وأنها ليست كالأجنبية من كل الوجوه، قال القاضي في جواب مسألة: "ووطء الميتة محرم ولا حد ولا مهر انتهى". والنص هنا أنه يجب سداد المهر لأهل الميتة إذا مورس معها الجنس، أما إذا مارس الرجل الجنس مع زوجته الميتة، فلا يوجد مهر عليه؛ لأنها ليست أجنبية بأي وجه، قبل أن يضيف تعقيباً من القاضي في المسألة؛ أنه أمر محرم، ولكن لا حد (عقوبة) فيه.

وفي كتاب "تحفة الحبيب على شرح الخطيب، حاشية البجريمي" لمؤلفه سليمان البجريمي، الفقيه المصري، صاحب حاشية شرح منهج الفقه الشافعي، والذي عاش في الفترة بين (1131- 1221هـ)، (1719- 1806م)، فيقول في كتابه "باب الحدود"، تعريف الزاني الذي يجب حده، والذي يسرد فيه ما لا يعتبر عليه حدود من الزنى: "وبالثامن وطء الميتة والبهيمة فلا حد فيه". وفي هذا الكتاب يقول البجريمي إن ممارسة الجنس مع "ميتة" أو "بهيمة" لا تطبيق للحدود فيه. كذلك في شرح مختصر الخليل في الفقه المالكي، كان الأمر يسيراً، بحثاً عن "باب الزنى" وما يتعلق به، والذي يعرف فكرة "الزنى" وما هي الأمور المتعلقة به، ومن يجب أن يطبق عليه الحد، وكان النص كالتالي: "وأما الزوج إذا أتى زوجته بعد موتها في قبلها أو دبرها، فإنه لا حد عليه". جاء في كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لمؤلفه شمس الدين الرملي، فقيه الديار المصرية، قال بكتابه في باب الطهارة، غسل الميت، ما نصه: "ولا يعاد غسل الميت إذا أولج فيه أو استولي ذكره لسقوط تكليفه كالبهيمة، وإنما وجب غسله بالموت تنظيفاً وإكراماً له، ولا يجب بوطء الميتة حد، ولا مهر". وحسب ما قاله شمس الدين الرملي، إن الميت لا يعاد عملية غسله إذا تم ممارسة الجنس معه، "سواء ذكر أو أنثى"، مؤكداً أنه لا تطبيق لحد الزنى لعملية ممارسة الجنس مع الميت، وكذلك لا يجب دفع مهر العرس. وفي شرح مختصر الخليل في الفقه المالكي، "وأما الزوج إذا أتى زوجته بعد موتها في قبلها أو دبرها، فإنه لا حد عليه".

ذكر السرخسي في كتاب المبسوط ج 5 ص 133، المؤلف: شمس الدين السرخسي، نشر: دار المعرفة بيروت "وطء الميتة لا يوجب الحرمة". وكذلك ذكر أيضاً في نفس المرجع (كتاب المبسوط ج 5 ص 139، المؤلف: شمس الدين السرخسي، نشر: دار المعرفة بيروت) "الجماع بعد الموت ليس بجماع". وقال أيضاً (أصول السرخسي ج1 ص 93، المؤلف: بن أبي سهل السرخسي، نشر: دار المعرفة بيروت) "لم يكن وطء الميتة موجباً الحرمة". وجاء في كتاب (العناية شرح الهداية ج 5 ص 138، المؤلف: محمد بن محمد البابرتي) "وَطْءِ الْمَيِّتَةِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ".

وهناك فتاوى ظهرت في هذا القرن بعدم حرمة هذا الفعل، وهنا نقول نحن لا نتحدث إن كانت النفس تعافه أو لا؛ فالنفس السوية تعرف أن هذا فعل ترفضه الحيوانات، ولكن نتحدث هل هو محرم أم لا في دين (الفقهاء). قال الشيخ عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل، إن الدين الإسلامي يبيح ممارسة الجنس على الجثث، بشرط إذا كان الطرفان يربطهما عقد القران قبل الموت. 

6. وطء المحصنات 

لقد أطلق القرآن على النساء المتزوجات صفة (المحصنات) فشبهها بالشخص المحمي في حصن وهو الزواج، وجعل لها أحكاماً خاصة تؤكد احترام تلك الخصوصية؛ ولكن الفقهاء عمدوا إلى افتراء أحاديث نسبوها إلى الرسول تحل لهم (وطء) المتزوجات. فعلى الرغم من أن الله في القرآن حرم المحصنات من النساء؛ فإنهم ادعوا أن النبي أحل لهم (وطء) النساء المتزوجات اللواتي تم سبيهن في الحروب، وهنا استخدموا كلمة (وطء) أي الفعل الجنسي وليس (النكاح) الذي قد يعني عقد الزواج، فقالوا في تفاسيرهم، ومنها تفسير ابن كثير "{إلا ما ملكت أيمانكم} يعني إلا ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن، فإن الآية نزلت في ذلك". فقاموا بتحريف الكلمة عن معناها؛ لإشباع غرائزهم. ونأتي لبيان ذلك..


 الآية التي يستشهدون بها تقول "وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ". كان تركيزهم على الجزء الأخير حصراً الآية (24) التي تقول (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) ونسوا بقية الآية التي تقول (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين). هذا الجزء الذي يتناسونه يفسر ما قبله، فما قبله محرم (إلا) ما استثني بالنص، إذن (المحصنات من النساء) بالمطلق محرمات؛ فكل متزوجة يحرم (الزواج) منها (إلا) ما استثني بنص وهو (ما ملكت أيمانكم)، فمَن هن اللواتي (ملكت أيمانكم)؟ 

قالوا إن النبي أحل لهم (وطء) السبايا المتزوجات، واقتروا حديث غزوة أوطاس، والحديث هو "أصبْنا سبيًا من سبيِ أوطاسَ، ولَهُنَّ أزواجٌ، فَكَرِهْنا أن نقعَ علَيهنَّ ولَهُنَّ أزواجٌ، فسألنا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فنزلَتْ هذِه الآيةُ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ: فاستحلَلْنا بها فروجَهُنَّ"، الراوي: أبو سعيد الخدري| المحدث: أحمد شاكر| المصدر: عمدة التفسير| الصفحة أو الرقم : 1/484 | خلاصة حكم المحدث : [أشار في المقدمة إلى صحته] | التخريج : أخرجه أحمد (11709)، وعبد الرزاق في (المصنف) (549)، والطبري في (تفسيره) (8/153) باختلاف يسير. والثاني "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَومَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إلى أَوْطَاسٍ، فَلَقُوا عَدُوًّا، فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عليهم، وَأَصَابُوا لهمْ سَبَايَا، فَكَأنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِن غِشْيَانِهِنَّ؛ مِن أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في ذلكَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، أَيْ: فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ “الراوي: أبو سعيد الخدري| المحدث : مسلم |المصدر: صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1456 | خلاصة حكم المحدث صحيح.

 أولاً النبي بنص القرآن لا يمكن أن يكون له سبايا؛ فالسبية هي غير المحاربة التي تقع في قبضة عدوها خلال الحرب، والنص القرآني حرم على الرسول أن يكون له أسرى، والذي يقع في الأسر مصيره واحد من اثنين؛ إما (من) أو (فداء) فلا يجوز بيعه أو شراؤه. الآية تقول (ما ملكت أيمانكم) ولم تقل ما ستملك أيمانكم، وإعرابها الواو عاطفة (المحصنات) معطوف على أمهاتكم الأول في الآية السابقة، (من النساء) جارّ ومجرور متعلق بحال من المحصنات، (إلّا) أداة استثناء، (ما) اسم موصول مبنيّ في محل نصب على الاستثناء، (ملكت) فعل ماضٍ. أي أن المحصنات المستثنيات هنا هن النساء اللواتي لكم عليهن ملك يمين بعقد شرعي؛ أي أن المحصنات المتزوجات من غير المحرمات عليكم، أما اللواتي في عصمتكم فهن حلال لكم وليس نساء متزوجات مسبيات من بلدان الكفار. وما يؤكد هذا المعنى الآية التي تليها والتي تتحدث عن (نكاح) ملك اليمين، بقوله تعالى (فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)؛ ولكن هذا الحكم لم يعجب فقهاء السوء، فجعلوا الإله الرحمن الرحيم أقل حياء من البشر الذين كرهوا أن يفعلوا الفعل الجنسي مع المتزوجات؛ ولكن (إلههم) جعلوه يحل لهم هذه الفاحشة؛ ففي تفسير ابن كثير "وقال الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، قال: أصبنا سبياً من سبي أوطاس، ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي، صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} فاستحللنا فروجهن".

بناء على هذا الحديث المكذوب استحلوا (وطء) الكتابيات، كما قال لهم شيخ إسلامهم في مجموع الفتاوى (32/ 186) شيخ الإسلام ابن تيمية: "... قد يستدل بما جرى يوم أوطاس على جواز وطء الوثنيات بملك اليمين، وفي هذا كلام ليس هذا موضعه، والصحابة لما فتحوا البلاد لم يكونوا يمتنعون عن وطء النصرانيات". اهـ. أما تلميذه ابن قيم في "أحكام أهل الذمة" (1/ 106): "فإن قلتم: لا يسترق عين الكتابي -كما هي إحدى الروايتَين عن أحمد- كنتم محجوجين بالسنة واتفاق الصحابة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسترق سبايا عبدة الأوثان، ويجوز لساداتهن وطؤهن بعد انقضاء عدتهن؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، في قصة سبايا "أوطاس"، وكانت في آخر غزوات العرب بعد فتح مكة، فجوز وطأهن بعد الاستبراء ولم يشترط الإسلام، وأكثر ما كانت سبايا الصحابة في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- من عبدة الأوثان، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرِّهم على تملك السبي". اهـ.

7. الحمل المستكن 

وإمعاناً من (الفقهاء) في تدمير العلاقات الزوجية؛ فقد تفتقت أذهانهم عما سموه (الحمل المستكن) ففتحوا الباب لأية امرأة أن تحمل حتى بعد وفاة زوجها أو سفره لفترة طويلة أو غيابه جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي "اختلف العلماء في أكثر الحمل، فروى ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحول ظل المِغزَل، ذكره الدارقطني. وقالت جميلة بنت سعد -أخت عبيد بن سعد، وعن الليث بن سعد- إن أكثره ثلاث سنين. وعن الشافعي أربع سنين، وروي عن مالك في إحدى روايتيه، والمشهور عنه خمس سنين، وروي عنه لا حد له، ولو زاد على العشرة الأعوام، وهي الرواية الثالثة عنه. وعن الزهري ست وسبع. قال أبو عمر: ومن الصحابة من يجعله إلى سبع، والشافعي: مدة الغاية منها أربع سنين. والكوفيون يقولون: سنتان لا غير". 

فقالوا إن مالك بن أنس، إمام المذهب المالكي، بقي في بطن أُمه ثلاث سنوات، جاء في “وفيات الأعيان" لابن خلكان، في ترجمته لمالك بن أنس، قال: "وكانت ولادته في سنة خمس وتسعين للهجرة، وحمل به ثلاث سنين ...." وفي "سير أعلام النبلاء" للذهبي، في ترجمته لمالك بن أنس أيضاً، قال: "قال معن، والواقدي، ومحمد بن الضحاك: حملت أم مالك بمالك ثلاث سنين. وعن الواقدي قال: حملت به سنتين"، روي عن معن القزاز والواقدي ومحمد بن الضحاك أن أم مالك حملت به لمدة ثلاث سنين، وقال القاضي عياض في كتابه المعنون "ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك"، المجلد 1-ص111/ باب مولد مالك "واختلف في حمل أُمه به، فقال ابن نافع الصائغ والواقدي ومعن ومحمد بن الضحاك، حملت به أمه ثلاث سنين، وقال نحوه بكار بن عبد الله الزبيري، وقال أنضجته والله الرحم. وأنشد الطرماح: تظن بحملنا الأرحام حتى ... تنضجنا بطون الحاملات، قال ابن المنذر وهو المعروف، وروي عن الواقدي أيضاً أن حمل أُمه به سنتان. قاله عطاف بن خالد"، وفي كتاب "سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون" لجمال الدين بن نباتة المصري، أيضاً يترجم لمالك بن أنس فيقول: "هو مالك بن أنس بن أبي عامر التميمي، وكنيته أبو عبد الله، أمام دار الهجرة، ولد بالمدينة سنة سبع وتسعين، ويقال: إنه أدام في بطن أُمه ثلاث سنين. وكان يقول: قد يكون الحمل ثلاث سنين، وقد حمل ببعض الناس ثلاث سنين- يعني نفسه". 

وقالوا عن محمد بن إدريس الشافعي، بقي في بطن أُمه أربع سنوات، أما الحجاج بن يوسف فولد لثلاثين شهراً، وكان يقول أذكر ليلة ميلادي. وذكروا أن شعبة بن الحجاج بن الحجاج بن الورد، "الإمام الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث" كما وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء. بقي في بطن أُمه سنتَين. كذلك الضَّحَّاك بن مُزَاحم الْهِلَالِي بقي في بطن أُمه سنتين، وَثَّقَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَغَيْرُهُمَا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه "كَانَت أمه حاملة بِهِ سنتَيْن وَولد وَله أَسْنَان". جاء في تفسير القرطبي قوله تعالى: وما تغيض الأرحام وما تزداد "وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتَين، وقد طلعت سنه فسمي ضحاكاً". وهرم بن حيان بقي في بطن أُمه أربع سنين؛ ولذلك سُمي هرماً. 

جاء في كتاب شرح العلامة خليل بن أيبك الصفدي على لامية العجم (الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم) للصفدي، المجلد 1-ص195 كتاب صاحب كتاب "وفيات الأعيان" وغيره من الكتب، وهو أيضاً من تلاميذ ابن تيمية والسبكي أيضاً، شخصية مشهورة معتمدة عندهم. وكتابه هذا "للطغرائي"، فيأتي به بكثير من الفوائد وكثير من المعلومات وكثير من الروايات، فيقول في هذا الكتاب: "ومذهب الشافعية أن أكثر مدة الحمل أربع سنين وأقله ستة أشهر، وقد ولد الضحاك بن مزاحم ستة عشر شهراً وشعبة ولد لسنتين وهرم بن حيان ولد لأربع سنين، ولذلك سمي هرماً، ومالك بن أنس أكثر من ثلاث سنين، والحجاج بن يوسف ولد لثلاثين شهراً، يقال إنه كان يقول أذكر ليلة ميلادي. ويقال إن عبد الملك بن مروان حمل به ستة أشهر، والشافعي حمل به أربع سنين أو أقل، والحنفية يقولون للشافعية ما جسر أمامكم أن يظهر إلى الوجود حتى توفي إمامنا. ويجيبهم الشافعية بقولهم بل أمامكم ما ثبت لظهور إمامنا". وجاء في تفسير القرطبي "وقال: عباد بن العوام: ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاماً شعره إلى منكبيه، فمر به طير فقال: كش". ومذهب الشافعية أن أكثر مدة الحمل أربع سنين وأقله ستة أشهر. 

مما تقدم يتبين أن مَن سمُّوا أنفسهم (فقهاء) قد منحوا لأنفسهم صلاحية تغيير دين الله باختراع أحاديث وأحكام ما أنزل الله بها من سلطان؛ من أجل فرض سيطرتهم على حياة أتباعهم والتدخل في أدق التفاصيل؛ مما أدى إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال، حسب أهوائهم، والأخطر من ذلك أنهم نسبوها إلى رسول الله وجعلوها (وحياً ثانياً). 

فبالنظر إلى هذه الأحاديث؛ نرى أولاً أنها تحول العلاقات الزوجية التي أمر بها الله أن تكون قائمة على المودة والرحمة فتحولها إلى علاقة قائمة على السوط والتهديد بالضرب، بآلة لا تنفع سوى مع البهائم (السوط). ومع هذه العلاقة القائمة على الضرب والتهديد؛ نراهم يعفون الزوج من نفقات العلاج لزوجته، فإذا مرضت فالزوج لا يتحمل تكاليف علاجها؛ بل ولا يتحمل تكاليف كفنها ودفنها إذا ماتت. في نفس الوقت سمحوا للزوج أن يمارس الجنس مع زوجته الميتة. 

أما الجريمة الكبرى التي ارتكبها الفقهاء عن طريق وضع الأحاديث؛ فهي جريمة نكاح ووطء الصغيرات. وهي جريمة اقتبسوها من التلمود اليهودي ونسبوها إلى رسول الله، وجعلوه وهو في سن الخمسين يتزوج طفلةً في السادسة من العمر ويطؤها وهو في عمر الخامس والخمسين وهي في عمر التاسعة وتلعب بالدمى. نتيجة لهذا الحديث المفتري؛ فقدت الملايين من الأطفال براءتهن وحياتهن نتيجة تسليمهن لرجال تجاوزوا مرحلة الكهولة إلى الشيخوخة. 

كذلك فهذه الأحاديث تدعو إلى الانحلال الأخلاقي عندما تسمح للرجل بالنظر إلى المرأة عاريةً قبل الخطوبة، فماذا لو قرر أن لا يخطبها بعد أن شاهدها عاريةً مقبلة ومدبرة؟ ثم ألا يفتح هذا الباب لمن في قلوبهم مرض أن يطلعوا على عورات النساء بدعوى الخطبة؟ ولم يكتفوا بذلك؛ فقد أحل الفقهاء لأنفسهم نكاح المحصنات من النساء، تحت شعار السبي، ونسبوا ذلك إلى الرسول، فأباحوا الهجوم على الآمنين وسبي النساء ووطأهن وهن ما زلن على ذمة أزواجهن. وللتغطية على انتشار الزنى اخترع الفقهاء خرافة (الحمل المستكن) الذي أثبت العلم استحالته؛ ولكنهم اخترعوه من أجل التغطية على ولادة بعض شيوخهم بعد ثلاث وأربع سنوات من موت آبائهم.